(82) أفلا يتدبرون القرآن يتأملون في معانيه ويتبصرون ما فيه ولو كان من عند غير الله من كلام البشر كما زعموه لوجدوا فيه اختلافا كثيرا من تناقض المعاني وتفاوت النظم وخروج بعضه عن الفصاحة وعن مطابقة الواقع إلى غير ذلك .
(83) وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف مما يوجب الأمن أو الخوف أذاعوا به أفشوه قيل كان قوم من ضعفة المسلمين إذا بلغهم خبر عن سرايا (1) رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أخبرهم الرسول بما أوحي إليه من وعد بالظفر أو تخويف من الكفرة أذاعوه وكانت اذاعتهم مفسدة ولو ردوه ردوا ذلك الأمر إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم قيل أي يستخرجون تدبيره بتجاربهم وأنظارهم .
في الجوامع عن الباقر عليه السلام هم الأئمة المعصومون عليهم السلام .
والعياشي عن الرضا عليه السلام يعني آل محمد صلوات الله عليهم وهم الذين يستنبطون من القرآن ويعرفون الحلال والحرام وهم حجة الله على خلقه .
وفي الإكمال عن الباقر عليه السلام من وضع ولاية الله وأهل استنباط علم الله في غير أهل الصفوة من بيوتات الانبياء فقد خالف أمر الله عز وجل وجعل الجهال ولاة أمر الله والمتكلفين بغير هدىً وزعموا أنهم أهل استنباط علم الله فكذبوا على الله وزاغوا عن وصية الله وطاعته فلم يضعوا فضل الله حيث وضعه الله تبارك وتعالى فضلوا وأضلوا اتباعهم فلا تكون لهم يوم القيامة حجة ولولا فضل الله عليكم ورحمته بارسال الرسل وانزال الكتب .
في الجوامع عنهم عليهم السلام فضل الله ورحمته النبي وعلي صلوات الله عليهما .
والعياشي عن الباقر عليه السلام فضل الله رسوله ورحمته الأئمة .
____________
(1) وفي الحديث فبعث سرية هي بفتح السين فعيلة فاعلة بمعنى القطعة من الجيش من خمس أنفس إلى ثلثمأة وأربعمأة توجه مقدم الجيش إلى العدو ، والجمع سرايا وسرايات مثل عطية وعطيا وعطايات ، قيل سموا بذلك لأنهم يكونون خلاصة العسكر وخيارهم أو من الشيء السري النفيس وقيل سموا بذلك لأنهم ينفذون سرا أو خفية قال في النهاية وليس بالوجه لأن لام السر راء وهذه ياء ( مجمع ) .
( 475 )
وعن الكاظم عليه السلام الرحمة رسول الله والفضل علي بن أبي طالب عليه السلام لا تبعتم الشيطان بالكفر والضلال إلا قليلا وهم أهل البصائر النافذة .
(84) فقاتل في سبيل الله إن تركوك وحدك لا تكلف إلا نفسك فتقدم إلى الجهاد وان لم يساعدك أحد فان الله ينصرك لا الجنود .
في الكافي عن الصادق عليه السلام ان الله كلف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يكلف أحدا من خلقه كلفه ان يخرج على الناس كلهم وحده بنفسه ان لم يجد فئة تقاتل معه ولم يكلف هذا أحدا من خلقه قبله ولا بعده ثم تلا هذه الآية .
والعياشي ما في معناه . روي أن أبا سفيان يوم أُحد لما رجع واعد رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم موسم بدر الصغرى فكره الناس وتثاقلوا حين بلغ الميعاد فنزلت فخرج النبي وما معه إلا سبعون ولو لم يتبعه أحد لخرج وحده وحرض المؤمنين إذ ما عليك في شأنهم إلا التحريض عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا وهم قريش وقد كف بأسهم بأن بدا لأبي سفيان وقال هذا عام مجدب وانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمن معه سالمين والله أشد بأسا من قريش وأشد تنكيلا تعذيبا تهديد وتقريع (1) لمن لم يتبعه .
(85) من يشفع شفاعة حسنة راعى بها حق مسلم إما بدفع شر عنه أو جلب خير إليه ابتغاء لوجه الله . ومنها الدعاء للمسلم يكن له نصيب منها ثوابا لها ومن يشفع شفاعة سيئة وهي ما كان خلاف ذلك ومنها الدعاء للمؤمن يكن له كفل منها نصيب من وزرها مساو لها في القدر فان الكفل النصيب والمثل وكان الله على كل شيء مُقيتاً (2) مقتدرا وحفيظا يعطي على قدر الحاجة فان المقيت جاء بالمعنيين .
في الخصال عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم الصلاة والسلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أمر بمعروف أو نهى عن منكر أو دل على خير أو أشار به فهو شريك ، ومن أمر بسوء أو دل عليه أو أشار به فهو شريك .
____________
(1) التقريع : التعنيف عنفه تعنيفا أي لامه وعتب عليه والتعنيف التعبير واللوم (م) .
(2) قيل المقيت المقتدر المعطى أقوات الخلائق من اقاته أعطاه قوته وهي لغة في قاته والمقيت من اسمائه تعالى وهو المقتدر والحافظ والشاهد ( مجمع ) .
( 476 )
وفي الجوامع عنه عليه السلام من دعا لأخيه المسلم بظهر الغيب استجيب له وقال له الملك ولك مثلاه في ذلك النصيب .
وفي الكافي عن السجاد عليه السلام أن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب ويذكره بخير قالوا نعم الأخ أنت لأخيك تدعو له بالخير وهو غائب عنك وتذكره بخير قد أعطاك الله تعالى مثلي ما سألت له وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه ولك الفضل عليه وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه قالوا بئس الأخ أنت لأخيك كفّ أيها المستّر على ذنوبه وعورته وأربع (1) على نفسك واحمد الله الذي ستر عليك واعلم ان الله أعلم بعبده منك .
أقول : أربع على نفسك أي قف وامسك ولا تتعب نفسك من ربع كمنع .
(86) وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها .
القمي قال السلام وغيره من البر .
وفي الخصال عن أمير المؤمنين عليه السلام إذا عطس أحدكم قولوا يرحمكم الله ويقول هو يغفر الله لكم ويرحمكم قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية الآية .
وفي المناقب جاءت جارية للحسن عليه السلام بطاق ريحان فقال عليه السلام أنت حرة لوجه الله فقيل له في ذلك فقال أدبنا الله تعالى فقال وإذا حييتم بتحية الآية وكان أحسن منها إعتاقها .
وفي الكافي عن الصادق عليه الصلاة والسلام قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام تطوع والرد فريضة .
وعنه عليه السلام إذا سلم من القوم واحد اجزأ عنهم وإذا رد واحد اجزأ عنهم .
وعنه عليه السلام القليل يبدؤون الكثير بالسلام والراكب يبدأ الماشيء ، وأصحاب البغال يبدؤون أصحاب الحمير وأصحاب الخيل يبدؤون أصحاب البغال . وفي رواية يسلم الصغير على الكبير والمار على القاعد وفي أخرى إذا لقيت
____________
(1) ربع كمنع وقف (ق) .
( 477 )
جماعة جماعة يسلم الأقل على الأكثر وإذا لقي واحد جماعة يسلم الواحد على الجماعة .
وعنه عليه السلام ومن التواضع أن تسلم على من لقيت وقال البخيل من بخل بالسلام .
وعنه عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى الناس بالله وبرسوله من بدأ بالسلام .
وعن الباقر عليه السلام ان الله يحب افشاء السلام .
أقول : الإفشاء أن يسلم على من لقي كائنا من كان .
وعن الصادق عليه السلام ثلاثة يرد عليهم رد الجماعة وان كان واحدا عند العطاس يقال يرحمكم الله وان لم يكن معه غيره والرجل يسلم على الرجل فيقول السلام عليكم والرجل يدعو للرجل فيقول عافاكم الله وان كان واحدا فان معه غيره .
أقول : أراد بالرد ما يشمل الإبتداء وبالغير في آخر الحديث الملائكة والرد بالأحسن في السلام أن يضيف ورحمة الله فان قالها المسلم أضاف وبركاته وهي النهاية فيرد بالمثل .
ففي الكافي عن الباقر عليه السلام قال مر أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه بقوم فسلم عليهم فقالوا عليك السلام ورحمة الله وبركاته ومغفرته ورضوانه فقال لهم أمير المؤمنين عليه السلام لا تجاوزوا بنا ما قالت الملائكة لأبينا ابراهيم عليه السلام انما قالوا ورحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت . وروي أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السلام عليك فقال وعليك السلام ورحمة الله ، وقال آخر السلام عليك ورحمة الله فقال وعليك السلام ورحمة الله وبركاته ، وقال آخر : السلام عليك ورحمة الله وبركاته فقال وعليك فقال الرجل نقصتني فأين ما قال الله وتلا الآية فقال إنك لم تترك لي فضلا ورددت عليك مثله .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام من قال السلام عليكم فهي عشر حسنات
( 478 )
ومن قال السلام عليكم ورحمة الله فهي عشرون حسنة ومن قال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته فهي ثلاثون حسنة .
وعنه عليه السلام من تمام التحية للمقيم المصافحة (1) وتمام التسليم على المسافر المعانقة (2) .
وعنه عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام لا تبدؤوا أهل الكتاب بالتسليم وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم .
وعن الصادق عليه السلام ثلاثة لا يسلمون الماشي إلى الجمعة وفي بيت الخلاء وفي حمام .
وفي الخصال عنه عن أبيه عليه السلام لا تسلموا على اليهود ولا على النصارى ولا على المجوس ولا على عبدة الأوثان ولا على موائد شراب الخمر ولا على صاحب الشطرنج والنرد ولا على المخنث (3) ولا على الشاعر الذي يقذف المحصنات ولا على المصلي وذلك أن المصلي لا يستطيع أن يرد السلام لأن التسليم من المسلم تطوع والرد عليه فريضة ولا على آكل الربا ولا على رجل جالس على غائط ولا على الذي في الحمام ولا على الفاسق المعلن بفسقه إن الله كان على كل شيء حسيبا يحاسبكم على التحية وغيرها .
(87) الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا إنكار .
(88) فما لكم في المنافقين فئتين فما لكم تفرقتم فيهم فرقتين ولم تتفقوا على كفرهم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام نزلت في قوم قدموا من مكة وأظهروا الإسلام ثم رجعوا إلى مكة فأظهروا الشرك ثم سافروا إلى اليمامة فاختلف المسلمون
____________
(1) المصافحة الأخذ باليد كالتصافح ( قاموس ) .
(2) المعانقة هو أن يضع كل من الشخصين يده على عنق صاحبه ويضمه إليه (م) .
(3) المخنث بفتح النون والتشديد وهو من يوطأ في دبره لما فيه من الانخناث وهو التكسر والتثني (م) .
( 479 )
في غزوهم لاختلافهم في اسلامهم وشركهم والله أركسهم (1) ردهم في الكفر بأن خذلهم فارتكسوا بما كسبوا أتريدون أن تهدوا من أضل الله أن تجعلوه من المهتدين ومن يضلل الله فلن له سبيلا إلى الهدى .
(89) ودوا لو تكفرون كما كفروا تمنوا أن تكفروا ككفرهم فتكونون سواء في الضلال .
في الكافي عن الصادق عليه السلام في حديث وان لشياطين الانس حيلة ومكرا وخدائع ووسوسة بعضهم إلى بعض يريدون ان استطاعوا أن يردوا أهل الحق عما أكرمهم الله به من النصرة في دين الله الذي لم يجعل الله شياطين الانس من أهله ارادة أن يستوي أعداء الله وأهل الحق في الشك والإنكار والتكذيب فيكونون سواء كما وصف الله تعالى في كتابه ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يهاجروا في سبيل الله فلا تتولوهم وان آمنوا حتى يهاجروا هجرة صحيحة هي لله لا لغرض من أغراض الدنيا فإن تولوا عن الإيمان المصاحب للهجرة المستقيمة فخذوهم واقتلوهم حيث وجدتموهم كسائر الكفرة ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا أي جانبوهم رأسا ولا تقبلوا منهم ولاية ولا نصرة .
(90) إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق استثناء من قوله فخذوهم واقتلوهم أي الا الذين ينتهون إلى قوم عاهدوكم عهدا ويفارقون محاربتكم .
في المجمع عن الباقر عليه السلام هو هلال بن عويم الأسلمي واثق عن قومه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال في موادعته على أن لا نحيف (2) يا محمد من أتانا ولا تحيف من أتاك فنهى الله سبحانه أن يعرض لأحد عهد إليهم أو جاؤُوكُمْ حصرت صدورهم ضاقت .
____________
(1) والله أركسهم بما كسبوا أي ردهم إلى كفرهم بأعمالهم من الركس وهو رد الشيء مقلوبا وأركسته بالألف رددته على رأسه وركسه واركسه بمعنى وركست الشيء ركسا من باب قتل أي قلبته ورددت أوله على آخره وارتكس فلان في أمر قد نجا منه (م) .
(2) في الحديث انا معاشر الأنبياء لا نشهد على الحيف يعني على الظلم والجور كان يشهد على من ينحل بعض أولاده دون بعض أو على من يطلق لغير السنة وعلى الرباء ونحو ذلك والحائف في حكمه الجائر فيه وقد حاف بحيف أي جارو منه الحيف في الوصية من الكبائر وقد فسر بالوصية بالثلث ولعله يريد المبالغة ( مجمع ) .
( 480 )
العياشي عن الصادق عليه السلام هو الضيق أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم .
في الكافي عن الصادق عليه السلام نزلت في بني مدلج جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا انا قد حصرت صدورنا أن نشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلسنا معك ولا مع قومنا عليك فواعدهم إلى أن يفرغ من العرب
ثم يدعوهم فإن أجابوا والا قاتلهم .
القمي في قوله عز وجل ودوا لو تكفرون كما كفروا إلى آخر الآية نزلت في أشجع (1) وبني ضمرة (2) وكان خبرهم أنه لما خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بدر لموعد مر قريبا من بلادهم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صادر (3) بني ضمرة ووادعهم (4) قبل ذلك فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله هذا بنو ضمرة قريبا منا ونخاف أن يخالفونا إلى المدينة أو يعينوا علينا قريشا فلو بدأنا بهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلا إنهم أبر العرب بالوالدين وأوصلهم للرحم وأوفاهم بالعهد وكان أشجع بلادهم قريبا من بلاد بني ضمرة وهم بطن من كنانة وكانت أشجع بينهم وبين بني ضمرة حلف بالمراعاة والأمان فأجدبت بلاد أشجع وأخصبت بني ضمرة فصارت أشجع إلى بلاد بني ضمرة فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسيرهم إلى بني ضمرة تهيأ للمصير إلى أشجع فيغزوهم للموادعة التي كانت بينه وبين بني ضمرة فأنزل الله ودوا لو تكفرون كما كفروا الآية . ثم استثنى بأشجع فقال الا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق أو جاؤوكم حصرت صدورهم أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم الآية . وكانت أشجع محالها البيضاء والجبل والمستباح وقد كانوا قربوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهابوا لقربهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبعث إليهم من يغزوهم وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خافهم أن يصيبوا من أطرافه شيئا فهم بالمسير إليهم فبينما هو على ذلك إذ جاءت أشجع ورئيسها مسعود بن رحيلة وهم
____________
(1) اشجع بن ريث بن غطفان أبو قبيلة (ق) .
(2) بنو ضمرة رهط عمرو بن أمية الضمري (ق) .
(3) صادره على كذا : طالبه به (ق) .
(4) وادعهم : صالحهم وتوادعا تصالحا (ق) .
( 481 )
سبعمائة فنزلوا شعب سلع (1) وذلك في شهر ربيع سنة ست فدعا رسول الله أُسيد بن حصين فقال له اذهب في نفر من أصحابك حتى تنظر ما أقدم أشجع فخرج أُسيد ومعه ثلاثة نفر من أصحابه فوقف عليهم فقال ما أقدمكم فقام إليه مسعود بن رحيلة وهو رئيس أشجع فسلم على أسيد وعلى أصحابه وقالوا جئنا لنوادع محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فرجع أُسيد الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاف القوم أن أغزوهم فأرادوا الصلح بيني وبينهم ثم بعث إليهم بعشرة أجمال تمر فقدمها أمامه ثم قال نعم الشيء الهدية امام الحاجة ثم أتاهم فقال يا معشر أشجع ما أقدمكم قالوا قربت دارنا منك وليس في قومنا أقل عددا منا فضقنا لحربك لقرب دارنا وضقنا لحرب قومنا لقلتنا فيهم فجئنا لنوادعك فقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك منهم وأودعهم فأقاموا يومهم ثم رجعوا إلى بلادهم وفيهم نزلت هذه الآية الا الذين يصلوا الآية ولو شاء الله لسلطهم عليكم بأن قوى قلوبهم وبسط صدورهم وأزال الرعب عنهم فلقاتلوكم ولم يكفوا عنكم فإذا اعتزلوكم فلم يقاتلوكم فان لم يتعرضوا لكم وألقوا إليكم السلم الاستسلام والإنقياد فما جعل الله لكم عليهم سبيلا فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم .
القمي عن الصادق عليه السلام كانت السيرة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل نزول سورة البراءة ألا يقاتل إلا من قاتله ولا يحارب إلا من حاربه وأراده وقد كان نزل في ذلك من الله سبحانه فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم والقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقاتل أحدا قد تنحى عنه واعتزله حتى نزلت عليه سورة براءة وأمر بقتل المشر كين من اعتزله ومن لم يعتزله الا الذين قد كان عاهدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إلى مدة منهم صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحديث طويل وهو مذكور بتمامه في سورة براءة .
(91) ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم قيل كانوا يظهرون
____________
(1) سلع جبل بالمدينة وقول الجوهري السلع خطأ لأنه علم وجبل لهذيل وحصن بوادي موسى من عمل الشويك (ق) .
( 482 )
الإسلام ليأمنوا المسلمين فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا .
في المجمع ، عن الصادق عليه السلام نزلت في عيينة بن حصين الفزاري أجدبت بلادهم فجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووادعه على أن يقيم ببطن (1) نخل ولا يتعرض له وكان منافقا ملعونا وهو الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأحمق المطاع .
والقمي مثله كلما ردوا إلى الفتنة دعوا إلى الكفر وإلى قتال المسلمين أركسوا فيها عادوا إليها وقلبوا فيها أقبح قلب فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فان لم يعتزل هؤلاء قتالكم ولم يستسلموا لكم ولم يكفوا أيديهم عن قتالكم فخذوهم فأسروهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم حيث تمكنتم منهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا تسلطا ظاهرا وحجة واضحة في التعرض لهم بالقتل والسبي لظهور عداوتهم وكفرهم وغدرهم .
(92) وما كان لمؤمن وما صح لمؤمن ولا استقام له وما لاق بحاله أن يقتل مؤمنا بغير حق إلا خطئا لأنه في عرضة الخطأ .
والقمي يعني ولا خطأ .
في المجمع ، عن الباقر عليه الصلاة والسلام نزلت في عياش (2) بن أبي ربيعة المخزومي أخي ابي جهل لأنه كان أسلم وقتل بعد إسلامه رجلا مسلما وهو لم يعلم باسلامه وكان المقتول الحارث بن يزيد أبو بنيشة (3) العامري قتله بالحرة (4) بعد الهجرة وكان أحد من رده عن الهجرة وكان يعذب عياشا مع أبي جهل ومن قتل مؤمنا
____________
(1) بطن نخل بين مكة والطائف ( مجمع ) .
(2) عياش بن ابي ربيعة صحابي ( قاموس ) .
(3) وبنيشة الخير وهوذة بن بنيشة صحابيان ( قاموس ) .
(4) الحرة بالفتح والتشديد أرض ذات حجارة ومنه حرة المدينة والجمع حرار مثل كلبة وكلاب ويوم الحرة معروف وهو يوم قاتل عسكر يزيد بن معاوية لعنه الله أهل المدينة ونهبهم وكان المتأمر عليهم مسلم بن عقبة وعقيبها هلاك يزيد ، قتل فيه خلق كثير من المهاجرين والأنصار ( مجمع ) .
( 483 )
خطئا فتحرير رقبة فعليه تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه وبين الله كذا عن الصادق عليه السلام رواه العياشي .
وفي الكافي والعياشي عنه عليه السلام كل العتق يجوز فيه المولود إلا في كفارة القتل فان الله عز وجل يقول فتحرير رقبة مؤمنة يعني بذلك مقرة قد بلغت الحنث (1).
والعياشي عن الكاظم عليه السلام سئل كيف تعرف المؤمنة قال على الفطرة (2) ودية مسلمة إلى أهله مؤداة إلى أولياء المقتول إلا أن يصدقوا يتصدقوا
عليه بالدية سمى العفو عن الدية صدقة حثا عليه وتنبيها على فضله .
وفي الحديث كل معروف صدقة .
العياشي سئل الصادق عليه السلام عن الخطأ الذي فيه الدية والكفارة وهو الرجل يضرب الرجل ولا يتعمد قتله قال نعم قيل فإذا رمى شيئا فأصاب رجلا قال ذلك الخطأ الذي لا شك فيه وعليه الكفارة والدية فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة .
في الفقيه عن الصادق عليه السلام في رجل مسلم في أرض الشرك فقتله المسلمون ثم علم به الإمام بعد فقال يعتق مكانه رقبة مؤمنة وذلك قول الله عز وجل فان كان من قوم عدو لكم الآية ، وزاد العياشي وليس عليه دية وأن كان من قوم كفرة بينكم وبينهم ميثاق عهد فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة يلزم قاتله كفارة لقتله كذا في المجمع عن الصادق عليه السلام فمن لم يجد رقبة بأن لا يملكها ولا ما يتوصل به إليها فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما بحاله حكيما فيما أمر في شأنه .
في الكافي عن الصادق عليه السلام إن كان على رجل صيام شهرين متتابعين فأفطر أو مرض في الشهر الأول فان عليه أن يعيد الصيام وإن صام الشهر الأول وصام
____________
(1) الحنث بكسر الحاء الذنب وقيل الشرك وقيل الإثم ومنه حنث في يمينه يقال حنث في يمينه حنثا إذا لم يف بموجبها فهو حانث قال في النهاية وكأنه من الحنث الإثم والمعصية وغلام لم يدرك الحنث أي لم يجر عليه القلم ( مجمع ) .
(2) الظاهر ان المراد بالخبر الأول في غير المتولد من المسلم والثاني فيه فلا تنافي بينهما .
( 484 )
من الشهر الثاني شيئا ثم عرض له ماله فيه عذر فعليه أن يقضي .
أقول : يعني يقضي ما بقي عليه .
(93) ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما .
في الكافي والعياشي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمدا أله توبة فقال ان كان قتله لإيمانه فلا توبة له وان كان قتله لغضب أو لسبب شيء من أشياء الدنيا فإن توبته أن يقاد منه وان لم يكن علم به انطلق إلى أولياء المقتول فأقر عندهم بقتل صاحبهم فان عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية واعتق نسمة وصام شهرين متتابعين واطعم ستين مسكينا توبة إلى الله عز وجل .
وعنه عليه السلام لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ، وقال لا يوفق قاتل المؤمن متعمدا للتوبة .
وفيه وفي المعاني والعياشي عنه عليه السلام من قتل مؤمنا على دينه فذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل في كتابه ، وأعد له عذابا عظيما ، قيل والرجل يقع بين الرجل وبينه شيء فيضربه بالسيف فيقتله قال ليس ذلك المتعمد الذي قال الله عز وجل فجزاؤه جهنم .
وفي المعاني في قوله تعالى فجزاؤه (1) جهنم خالدا فيها قال ان جازاه .
(94) يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله سافرتم للغزو فتبينوا فاطلبوا بيان الأمر وميزوا بين الكافر والمؤمن وقرئ فتثبتوا في الموضعين أي توقفوا وتأنوا حتى تعلموا من يستحق القتل والمعنيان متقاربان يعني لا تعجلوا في القتل لمن اظهر اسلامه ظنا منكم بأنه لا حقيقة لذلك ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لمن حياكم بتحية السلام وقرئ ، السلم بغير الف وهما بمعنى الإستسلام والإنقياد وفسر السلام
بتحية الإسلام أيضا .
____________
(1) وعلى هذا فجزاؤه جواب .
( 485 )
والعياشي نسب قراءة السلام إلى الصادق عليه السلام لست مؤمنا وانما فعلت ذلك خوفا من القتل تبتغون عرض الحياة الدنيا تطلبون ماله الذي هو حطام سريع الزوال وهو الذي يبعثكم على العجلة وترك التثبت فعند الله مغانم كثيرة تغنيكم عن قتل أمثاله لماله كذلك كنتم من قبل أول ما دخلتم في الإسلام وتفوهتم بكلمتي الشهادة فتحصنت بها دماؤكم وأموالكم من غير أن تعلم مواطاة قلوبكم السنتكم فمن الله عليكم بالإشتهار بالإيمان والاستقامة في الدين فتبينوا وافعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل الله بكم ولا تبادروا إلى قتلهم ظنا بأنهم دخلوا فيه اتقاء وخوفا وتكريرها تأكيد لتعظيم الأمر وترتيب الحكم على ما ذكر من حالهم إن الله كان بما تعملون خبيرا عالما به وبالغرض منه فلا تتهافتوا (1) في القتل واحتاطوا فيه .
القمي نزلت لما رجع رسول الله من غزوة خيبر وبعث أسامة بن زيد في خيل إلى بعض اليهود في ناحية فدك ليدعوهم إلى الإسلام وكان رجل من اليهود يقال له مرداس بن نهيك الفدكي في بعض القرى فلما أحس بخيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع ماله وأهله وصار في ناحية الجبل فأقبل يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمر به أسامة بن زيد فطعنه فقتله فلما رجع الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتلت رجلا شهد أن لا إله إلا الله واني رسول الله فقال يا رسول الله انما قالها تعوذا من القتل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلا شققت الغطاء عن قلبه لا ما قال بلسانه قبلت ولا ما كان في نفسه علمت فحلف أسامة بعد ذلك أن لا يقتل أحدا قال أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتخلف عن أمير المؤمنين عليه السلام في حروبه وأنزل الله في ذلك ولا تقولوا لمن القى اليكم السلام الآية .
أقول : في هذا الخبر ما يدل على نفاق أسامة وابتغائه عرض الحياة الدنيا وكفى في ذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ما كان في نفسه علمت عذرا
____________
(1) التهافت التساقط والتتابع ، والتهافت التساقط شيئا فشيئا (م) والمراد لا ترتكبوا القتل من غير روية .
( 486 )
لأمير المؤمنين عليه السلام في حروبه فانه كان قد علم ذلك من الله ومن رسوله على أن طاعة الإمام عليه السلام واجبة فلا عذر لأسامة في تخلفه عنه . وفي رواية العامة أن مرداسا أضاف الى الكلمتين السلم عليكم وهي تؤيد قراءة السلام وتفسيره بتحية الإسلام .
(95) لا يستوي القاعدون عن الحرب من المؤمنين غير أول الضرر الأصحاء وقرئ منصوبا أي حال خلوهم عن الضرر المانع من الخروج .
في المجمع نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن ربيع من بني عمرو بن عوف وهلال بن امية من بني واقف تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم تبوك (1) وعذر الله اولي الضرر وهو عبد الله بن أم مكتوم قال رواه أبو حمزة الثمالي في تفسيره .
وفي العوالي روى زيد بن ثابت أنه لم يكن في آية نفي المساواة بين المجاهدين والقاعدين استثناء غير اولي الضرر فجاء ابن أم مكتوم وكان أعمى وهو
يبكي فقال يا رسول الله كيف بمن لا يستطيع الجهاد فغشيه الوحي ثانيا ثم سرى (2) عنه عليه السلام .
فقال اقرأ غير أولي الضرر فالحقتها والذي نفسي بيده لكأني أنظر إلى ملحقها عند صدع (3) في الكتف (4) والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وانفسهم ترغيب للقاعد في الجهاد فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا
____________
(1) تبوك كرسول موضع بالشام منه إلى المدينة أربع عشرة مرحلة والى دمشق احدى عشرة ومنه غزوة تبوك (م) .
(2) سرى عنه : انكشف (ق) .
(3) الصدع : الكسر والشق والقطع والتفرق والإجتماع الشديد بحيث كاد أن ينقطع المجتمع من شدة الإجتماع والإبانة والإظهار وايضاح الأمر بحيث لا يخالطه ريب وكل محتمل في المقام فتأمل جيدا .
(4) المراد بالكتف عظم الكتب فانه ربما تكتب الآيات وقت نزولها على كتف مكان القرطاس ثم يثبت في مكان آخر ويصدع الكتف كعبه وهو محل إبانته وبالملحق بفتح الحاء مع فتح الميم وضمها محل اللحوق والالحاق يعني لما امتلأ الكتف بصفحة من الآيات السابقة فلم يكن محل لالحاق هذه الآية الا عند صدع الكتف وهو كعبه فالحقتها بها ثابتة فيه .
( 487 )
من القاعدين والمجاهدين وعد الله الحسنى المثوبة الحسنى وهي الجنة ، لحسن عقيدتهم وخلوص نيتهم .
في الجوامع عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد وقد منعهم من المسير ضرراً أو غيره وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما .
(96) درجات منه ومغفرة ورحمة
في المجمع جاء في الحديث أن الله سبحانه فضل المجاهدين على القاعدين سبعين درجة بين كل درجتين مسيرة سبعين خريفا (1) للفرس الجواد المضمر (2) قيل كرر تفضيل المجاهدين وبالغ فيه اجمالا وتفصيلا تعظيما للجهاد وترغيبا فيه وقيل الأول : ما خولهم (3) في الدنيا من الغنيمة والظفر وجميل الذكر والثاني ما جعل لهم في الآخرة وقيل الدرجة ارتفاع منزلتهم عند الله والدرجات منازلهم في الجنة .
وقيل القاعدون الأول هم الأضراء (4) والقاعدون الثاني هم الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم . وقيل المجاهدون الأولون من جاهد الكفار والآخرون من
____________
(1) في الحديث فقراء امتي يدخلون الجنة قبل الأغنياء بأربعين خريفا الخريف الزمان المعروف من فصول السنة ما بين الصيف والشتاء وهو بحساب المنجمين أحد وتسعون يوما وثمن وهو نصف آب وايلول وتشرين الأول ونصف تشرين الثاني قيل والمراد من قوله ( عليه السلام ) بأربعين خريفا أربعون سنة لأن الخريف لا يكون في السنة الا مرة واحدة فإذا انقضى أربعون خريفا فقد مضت أربعون سنة وفي معاني الأخبار الخريف سبعون سنة . ومنه ما روى من رئيس المحدثين باسناده إلى أبي جعفر (ع) قال قال ان عبدا مكث في النار سبعين خريفا والخريف سبعون سنة انتهى . وفي مواضع من كتب الحديث الخريف الف عام والعام الف سنة . وفي بعض الروايات قلت وما الخريف جعلت فداك قال زاوية في الجنة يسير الراكب فيها اربعين عاما ( مجمع ) .
(2) قال في القاموس ضمر الخيل تضميرا علفها القوت بعد السمن كأضمرها . وفي المجمع تضمير الخيل أن يظاهر عليها بالعلف حتى تسمن ثم لا يعلف الا قوتا لتخف وذلك في مدة أربعين يوما إلى أن قال وقيل أن نشد عليها سروجها وتجلل بالأجلة حتى تعرق تحتها فيذهب هزالها ويشد لحمها انتهى . ولعل المراد الفرس القوي السريع السير كثير العدو .
(3) خول الله الشيء أي ملكه اياه وخوله نعمة أعطاه نعمة (م) .
(4) الضرير الذاهب البصر والجمع اضراء والمريض المهزول وه يبهاء (ق) .
( 488 )
جاهد نفسه كما ورد في الحديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر .
أقول : ويحتمل أن يكون المراد بالأول قوما وبالآخر آخرين فان ما بين المجاهد والمجاهد لما بين السماء والأرض وكان الله غفورا رحيما يغفر لما عسى أن يفرّط منهم ويرحمهم باعطاء الثواب .
(97) إن الذين توفاهم الملائكة يحتمل الماضي والمضارع وقرئ توفتهم ظالمي أنفسهم في حال ظلمهم أنفسهم بترك الهجرة وموافقة الكفرة .
في الإحتجاج عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه سئل عن قول الله تعالى ألله يتوفى الأنفس حين موتها وقوله قل يتوفاكم ملك الموت وقوله عز وجل توفته رسلنا وقوله تعالى الذين تتوفاهم الملائكة فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للرسل ومرة للملائكة فقال ان الله تعالى أجل وأعظم من أن يتولى ذلك بنفسه وفعل رسله وملائكته فعله لأنهم بأمره يعملون فاصطفى من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس فمن كان من أهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن أمره وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب إليه فإذا كان فعلهم فعل ملك الموت ففعل ملك الموت فعل الله لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وان فعل أمنائه فعله كما قال وما تشاؤون إلا أن يشاء الله .
وفي الفقيه عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن ذلك فقال ان الله تعالى جعل لملك الموت أعوانا من الملائكة يقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة (1) له أعوان من الإنس يبعثهم في حوائجه فيتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفاها الله تعالى من ملك الموت .
وفي التوحيد سئل أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عن ذلك فقال ان الله
____________
(1) الشرطة واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة (م) وهم شرطي كتركي وجهني سموا بذلك لأنهم اعلموا أنفسهم بعلامات يعرفون بها (ق) .
( 489 )
تعالى يدبر الامور كيف يشاء ويوكل من خلقه من يشاء بما يشاء أما ملك الموت فان الله يوكله بخاصة من يشاء ويوكل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه والملائكة الذين سماهم الله عز ذكره وكلهم بخاصة من يشاء من خلقه وان الله تبارك وتعالى يدبر الامور كيف يشاء وليس كل العلم يستطيع صاحب العلم أن يفسره لكل الناس لأن منهم القوي والضعيف ولأن منه ما يطاق حمله ومنه ما لا يطاق حمله إلا من يسهل الله له حمله وأعانه عليه من خاصة أوليائه وانما يكفيك أن تعلم أن الله المحيي المميت وأنه يتوفى الانفس على يد من يشاء من خلقه من ملائكته وغيرهم .
أقول : ولغموض هذه المسألة قال عليه السلام ما قال والسر فيه أن قابض روح النبات ومتوفيه ورافعه الى سماء الحيوانية هي النفس المختصة بالحيوان وهي من أعوان الملائكة الموكلة باذن الله لهذا الفعل باستخدام القوى الحساسة والمحركة وكذلك قابض روح الحيوان ومتوفيه ورافعه الى سماء الدرجة الإنسانية هي النفس المختصة بالإنسان وهي كلمة الله المسماة بالروح القدس الذي شأنه إخراج النفوس من القوة الهيولانية إلى العقل المستفاد بأمر الله وإيصال الأرواح إلى جوار الله وعالم الملكوت الأخروي وهم المرادون بالملائكة والرسل وأما الإنسان بما هو انسان فقابض روحه ملك الموت قل يتوفاكم ملك الموت وأما المرتبة العقلية فقابضها وهو الله سبحانه الله يتوفى الأنفس ، يا عيسى اني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات قالوا أي الملائكة توبيخا لهم فيم كنتم في أي شيء كنتم من أمر دينكم قالوا كنا مستضعفين في الأرض يستضعفنا أهل الشرك بالله في أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم وقوتهم ويمنعوننا من الايمان بالله واتباع رسوله واعتذروا مما وبخوا به بضعفهم وعجزهم عن الهجرة أو عن إظهار الدين وإعلاء كلمته قالوا أي الملائكة تكذيبا لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فتخرجوا من أرضكم ودوركم وتفارقوا من يمنعكم من الايمان الى قطر آخر كما فعل المهاجرون إلى المدينة والحبشة فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا قيل نزلت في أناس من مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة واجبة .
وفي المجمع والعياشي عن الباقر عليه السلام هم قيس بن الفاكهة بن المغيرة
( 490 )
والحارث بن زمعة بن الأسود وقيس بن الوليد بن المغيرة وأبو العاص بن منبه بن الحجاج وعلي بن امية ابن خلف .
والقمي نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين عليه السلام ولم يقاتلوا معه فقالت الملائكة لهم عند الموت فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض أي لم نعلم مع من الحق فقال الله الم تكن ارض الله واسعة فتهاجروا فيها اي دين الله وكتاب الله واسع فتنظروا فيه .
أقول : لا منافاة بين الخبرين لأن الأول تفسير والثاني تأويل والآية تشملهما .
وفي نهج البلاغة قال عليه السلام ولا يقع اسم الإستضعاف على من بلغته الحجة فسمعتها اذنه ووعاها قلبه .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام انه سئل ما تقول في المستضعفين فقال شبيها بالفزع فتركتم احدا يكون مستضعفا وأين المستضعفون فوالله لقد مشى بأمركم هذا العواتق (1) إلى العواتق في خدورهن وتحدثت به السقاءات في طرق المدينة .
وعن الكاظم عليه السلام أنه سئل عن الضعفاء فكتب الضعيف من لم ترفع له حجة ولم يعرف الإختلاف فإذا عرف الإختلاف فليس بضعيف .
أقول : وفي الآية دلالة على وجوب الهجرة من موضع لا يتمكن الرجل فيه من اقامة دينه وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من فر بدينه من ارض إلى أرض وان كان شبرا من الأرض استوجب الجنة وكان رفيق ابراهيم عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم .
(98) إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا .
في الكافي عن الباقر عليه السلام هو الذي لا يستطيع حيلة يدفع بها عنه الكفر
____________
(1) قال في المجمع العواتق من النساء جمع عاتق وهي الشابة أول ما تدرك وقيل التي لم تبن من والدتها ولم تتزوج وأدركت وشبت أنتهى . والمشار إليه بهذا أمر الولاية والسقاءات النساء اللاتي يسقين الزوار والحجاج ماء ولبنا من أهل البوادي فانه ان وجد استضعاف فهن أولى بالإتصاف به من كل أحد .
( 491 )
ولا يهتدي سبيلا إلى الايمان لا يستطيع ان يؤمن ولا يكفر قال الصبيان ومن كان من الرجال والنساء على مثل عقول الصبيان .
وعنه عليه السلام انه سئل من هم قال نساؤكم واولادكم ثم قال أرأيت ام ايمن فاني اشهد انها من اهل الجنة وما كانت تعرف ما انتم عليه .
وفي المعاني والعياشي عنه عليه السلام ما يقرب من الحديث الأول وفي آخره
مرفوع عنهم القلم .
وعن الصادق عليه السلام لا يستطيعون حيلة إلى النصب فينصبون ولا يهتدون سبيلا إلى الحق فيدخلون فيه هؤلاء يدخلون الجنة بأعمال حسنة وباجتناب المحارم التي نهى الله عنها ولا ينالون منازل الأبرار .
والعياشي عن الباقر عليه السلام انه سئل عن المستضعفين فقال البلهاء (1) في خدرها (2) والخادم تقول لها صلي فتصلي لا تدري الا ما قلت لها والجليب الذي لا يدري إلا ما قلت له والكبير الفاني (3) والصغير .
أقول : الجليب الذي يجلب من بلد إلى آخر .
(99) فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ذا صفح عن ذنوب عباده سائرا عليهم ذنوبهم .
(100) ومن يهاجر يفارق أهل الشرك ويهرب بدينه من وطنه إلى أرض الإسلام في سبيل الله في منهاج دينه يجد في الأرض مراغما كثيرا متحولا من الرغام وهو التراب ومخلصا من الضلال وسعة في الرزق واظهار الدين فيرغم بذلك انوف من ضيق عليه من قومه ومن يخرج من بيته مهاجرا الى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما .
____________
(1) في الحديث عليك بالبلهاء قلت وما البلهاء قال (ع) ذوات الخدور العفائف (م) .
(2) الخدر بالكسر ستر اعد للجارية البكر في ناحية البيت والجمع خدور وجارية مخدرة إذا لزمت الخدر (م) .
(3) يقال للشيخ الكبير فان على المجاز لقربه ودنوه الى الفناء ( مجمع ) .