الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: 31 ـ 45
(31)
حينما تتهادر امواجه وقد بين من دراسة استطلاعية جرت في الغرب بأن ما يقارب ( 70% ) من الاطفال بين سن الخامسة والسادسة يصيبهم الهلع الشديد من حيوان اوعدة حيوانات كالحية والاسد والدب وحتى انهم لايجرأون على الاقتراب من اقفاصها.
    3 ـ سن ( 7 ـ 12 ) عاماً :
    الخوف الذي ينتاب الطفل في سن ( 7 ـ 12 ) عاماً يختلف تماماً عن نوع الخوف الذي كان يشعر به قبل ذلك. فقد اضيف الآن عامل المدرسة الى كل العوامل السابقة ( وهي العائلة والاقارب ) اضافة الى عامل التخيلات والأوهام ، فيشعر الطفل نتيجة ذلك بنوع جديد من الخوف ، وأما أنواع الخوف في هذه المرحلة فيمكن تلخيصها في المظاهر التالية :
    الخوف من الذهاب الى المدرسة وهو ما تلحظ اعراضه على صورة تقيؤ وألم في القلب عند الاطفال الذين يتسمون بالحساسية المفرطة ، وخاصة في الأيام الاولى من الاسبوع ، والخوف من عدم النجاح والفشل في الدراسة ، والانتقاص من شخصيته وكرامته ، والخوف من اللوم والتوبيخ ، والخوف من تدخل الأبوين والمربين في مسائله الخاصة ، والخوف من افتضاح ما يعانيه من ألم وخوف ، والخوف من المرض والموت وخاصة في سن الثامنة ، والخوف من النار والماء وخاصة في العاشرة من عمره ، والخوف من اعادة الدروس والاسئلة الدراسية ، والخوف من تعرضه للضرب أمام الآخرين.
    أغلب ما تلاحظ هذه المظاهر على الأطفال النحيفين وضعفاء البنية وأولئك الذين لا يعيشون حياة عائلية طبيعية ، والكثير منها ناتج عن التفكير في العواقب ، والقلق من المستقبل ، وان كان بعضها موجوداً في سنوات الشباب او في جميع


(32)
مراحل الحياة ، ومن الطبيعي أن الاشخاص المصابين باختلالات نفسية أكثر عرضة من غيرهم في مكابدة الأهوال الوهمية من الاصابة بمرض او ارتكاب جريمة اوغير ذلك.
    4 ـ في سنوات المراهقة :
    يتخذ الخوف في هذه المرحلة طابعاً آخر ، ويتركز على جوانب اخرى أقرب الى الشخصية ؛ فمن المعروف أن الخوف ، ومنذ سن الحادية عشر ، يبدأ بأتخاذ منحىً تعميمياً أولاً ، وثانياً ان الخوف في هذه المرحلة يكون مصحوباً بالاضطراب والقلق.
    تتلاشى في هذه المرحلة مخاوف مرحلة الطفولة ، لأن الطفل يبدأ باكتشاف الحقائق من خلال الاستدلال والمنطق ويتغلب عليها ، إلا في بعض الحالات الضئيلة التي لا تتاح له فيها عوامل الغلبة عليها ، فهناك أنواع من الخوف لازالت مؤثرة في شل نشاطه كالخوف من الاعاصير ، والوحدة ، والألم ، والخشية على كرامته ، اوعدم القدرة على اكتساب المحبوبية.
    وفي هذه المرحلة أيضاً تبرز له انواع جديدة من الخوف ، كالخوف من خطأ معتقده والخوف من عدم النجاح في اكتشاف الحقائق التي يروم اكتشافها من تعرضه للاتهام بارتكاب الذنوب والمخالفات وينتهي به الى الانطواء احياناً أو الإعراض عن المجتمع.
    ولوحظ في بعض الحالات ان الاشخاص الذين لم يفلحوا في التغلب على خوفهم يضطرون الى الفرار او الموت ، اي انهم يفضلون البقاء فارين متسكعين او الموت انتحاراً على مجابهة آلام المخاوف.


(33)
    5 ـ في سنوات البلوغ :
    يبقى بعض انواع الخوف قائماً حتى سنوات البلوغ ، والى ما بعدها أيضاً ، كالخوف من الموت والخوف من انعدام مصدر الرزق ، والخوف من القيود ، والاشفاق من الحوادث ، وكذلك الخوف من حساب الله والنار والعذاب ، وحتى خشية الظلام ، او الفرق على الوالدين من العجز والحرمان.
    ومن خصائص الخوف الذي يطبع مرحلة البلوغ خوف الشاب من الاصابة بالجنون او فشل طموحاته ، او الخشية من ارتكاب خطأ فاحش.
    وهنالك أيضاً انواع اخرى من الخوف الذي ينتشر في هذا المقطع الزمني من عمر الانسان من قبيل الخوف من أشياء وهمية ، وتوجسه من تعرضه للاخطار او مواجهة المواقف الخطيرة او الوقوع في مأزق عصيب ، وكذلك الخوف من الحيوانات والرهبة في المواقف المؤلمة ، والفزع من اذى الآخرين ، والاشفاق من الجوع والتعب والمرض ... الخ. وامثال هذه المخاوف تثير في نفسه الاضطراب ، وقد تجعله يعيش في حالة دائمة من الاضطراب.
    6 ـ الخوف في مرحلة الشباب والنضوج :
    واخيراً يجب الاشارة الى انواع الخوف الموجودة في السنين اللاحقة ، وهي أنواع مختلفة جداً ويمكن تقسيمها الى ما يلي :
    1 ـ الخوف من الحياة والموت ، ومن المرض والابتلاء بأمراض صعبة العلاج ، ومن فقدان التوازن الروحي بالشكل الذي يصبح بحاجة الى الآخرين ولا يستطيع المحافظة على مكانته.
    2 ـ الخوف من فقدان العمل والمهنة والخوف من رب العمل ومن فقدان


(34)
العمل ، والعجز والبقاء محتاجاً مما يعرض كرامته للهوان.
    3 ـ الخوف على الكرامة ، والشخصية ، الناتج عن الفشل في بعض الامور حيث تزول مكانته واحترامه ، او الخوف من عدم قدرته على المحافظة على سلطته ، والخوف من الاحتقار وظهور الضعف النفسي وعدم تمكنه من الاعتماد على نفسه في النتيجة.
    4 ـ الخوف من النشاطات الخاصة كالسياقة والتعامل مع الانسان والحيوان وحصول صدمة له أو للآخرين ، والخوف على العمر بسبب اداء غرامة.
    5 ـ الخوف من العلاقات والمتاعب الناتجة عن ذلك ، والخوف من انقطاع العلاقات الحسنة وحصول ما يوجب استياء الآخرين بصورة متعمدة اوغير متعمدة ، وما يجب ان يدفعه من قيمة باهضة في تلك الحالة.
    6 ـ الخوف من الحكم الخاطئ ، والحكم الذي يسلب حق شخص ويكون خلافاً للحقائق ؛ وفي تلك الحالة يحتمل ان يعيش العمر في اذى وانزعاج.
    7 ـ الخوف من العذاب وتأنيب الضمير ، والذنب وانقطاع علاقته مع الله وعدم رعايته له.
حصيلة البحث :
    تقسيم المخاوف على أساس الموضوع :
    يمكن تقسيم المخاوف الى عدة اشكال من حيث الموضوع ، وفي ما يلي بعضها :
    1 ـ المخاوف الفطرية التي مر بحثها في الفصول السابقة.
    2 ـ المخاوف المدرسية مثل الخوف من الامتحان والمعلم والمدرسة والمنهج الدراسي والكتاب.


(35)
    3 ـ المخاوف الصحية والحياتية كالخوف من المرض والموت والألم والدواء والغذاء الملوث والمسموم.
    4 ـ المخاوف العائلية كالخوف من الانضباط والامر والنهي ، وانواع الطرد واللوم والمصائب وترك البيت والانفصال.
    5 ـ المخاوف الاقتصادية مثل الخوف من الفقر والحرمان ...
    6 ـ المخاوف الاجتماعية كالخوف من الاشخاص الذين لم يألفهم والناس والضغوط الاجتماعية.
    7 ـ المخاوف الاخلاقية كالخوف من الذنب والانحراف الجنسي وعدم مرافقة الاشخاص الملتزمين و ...
    8 ـ المخاوف النفسية والعاطفية مثل الخوف من الاحتقار وعدم الثقة بالنفس والاضطراب والقلق و ...


(36)

(37)
خصائص خوف الاطفال
    المقدمة :
    ان الخوف موجود لدى جميع الاطفال بمستويات واشكال مختلفة ويؤثر عامل التربية والبيت والمدرسة في ذلك كثيراً. وهناك تبريرات لخوف الطفل ، الا ان اياً منها لايمكن ان يكون مقنعاً تماماً ؛ لأن التعرف على الطفل أمر صعب جدا وشبه مستحيل.
    الطفل لديه نمط فكري عجيب ، ولايمكن فهم مخاوفه بسبب عدم امكانية فهم لغة الطفل وما لديه من تصور وتخيل ، ولدى بعض علماء النفس آراء حول اساس ذلك سنبحثها في فصول اخرى. وتوجد نقاط مجهولة في حياته ، ومن المهم بالنسبة لنا ان نعرف كيف يعمم الطفل خوفه من الطبيب ليخاف من كل شخص يرتدي بدلة بيضاء.
    الغرض ، هو ان هناك كثيراً من الاطفال ينتابهم الخوف خلال فترة النمو وهم في حالة طبيعية ، وقد يحرمون انفسهم والاخرين بعض اللذات احياناً. ومن الطبيعي انه يجب معرفة تلك المخاوف واتخاذ التصميم بشأنها بصورة جيدة.


(38)
    توجد لدى الاطفال مخاوف يمكن تقسيمها كما يلي :
    1 ـ الخوف من الاشياء والحيوانات كالنار والحية وكل شيء متحرك مثل الكلب والقطة خاصة اذا أوذي من قبلها اوسمع قصة مرعبة عنها.
    2 ـ الخوف من المظاهر الطبيعية كالعواصف والرعد والبرق والأصوات القوية ، والخوف احياناً من الظلام والازدحام و البحر و المكان المرتفع والاماكن المغلقة والاماكن الجديدة وموج البحر.
    3 ـ الخوف من العلاقات الاجتماعية مثل الناس مكفوفي البصر والعرجان والمشلولين والاشخاص والغرباء والممازحين والذين يتكلمون بكناية ، والخوف من الطبيب والمعلم وكثرة الناس واختلاطهم و ...
    4 ـ الخوف من الظروف القائمة مثل الوحدة والمرض والنقص والأصوات العالية وتغير التنفس والانهيار والانفجار الذي يؤدي الى رجفة في شفاه الطفل الصغير أحياناً وبكائه.
    5 ـ الخوف من بعض المسائل كالموت والجراثيم والضرب والطرد والحرمان من الطعام والماء والإبعاد عن القضايا الاجتماعية واللعب و ... الخ.
    أهمها :
    يصعب الى حد ما معرفة اكثر الموضوعات إثارة للخوف لدى الطفل ولكن يمكن القول ان خوف الطفل من الكائنات الخرافية والظلام والوحدة واللص والحلم والكابوس والموت هو اشد انواع الخوف. والطفل يخاف من كل شيء


(39)
يهدد امنه ومن كل شيء يجهله.
    وقد أثبتت التحقيقات التي قام بها الدكتور ( واتسن ) ان الطفل اكثر ما يخاف هو من الصوت العالي ومن الإلقاء حيث يشعر في تلك الحالة انه فقد الموضوع أحياناً ويأخذ بالتأوه والبكاء.
    وعندما يسمع بعض الاطفال صوت تحليق الطائرة ينهارون ولا يهدأون الا بعد الملاطفة والتسكين من روعهم. ومن المسائل الاخرى المؤثرة هي الرعد والبرق والظلام ، واذا لم يروا الام الى جانبهم فقد يبكون ويصرخون.
    وهناك أراء كثيرة حول اسباب هذا النوع من الخوف اهمها الشعور بعدم توازنهم البدني وحتى النفسي والعاطفي يختل نتيجة ذلك ، ويحصل لدى الطفل شعور بخطر مفاجئ وعميق.

    يمتاز خوف الاطفال بخصائص كثيرة يفيد ذكرها في اتساع رؤية الآباء والمربين والاطلاع على اوضاع ابنائهم واتخاذ القرارات اللازمة في الحالات الضرورية :
    1 ـ يتميز الخوف لدى الاطفال الصغار على الأخص بأنه فطري ويتعلق بالحالات التي ذكرناها في الفصل الثاني من هذا الكتاب كالخوف من الصوت العالي ...
    2 ـ تأخذ بعض مخاوف الاطفال شكلا اكتسابياً منذ الشهور الاولى ، ويجب ان يكون الآباء اسوة لابنائهم في الشجاعة اذا ارادوا ان لا يصبحوا جبناء.
    3 ـ يمكن توقع مخاوف الاطفال ، ويستطيع كل شخص معرفة المخاوف التي تنتاب الاطفال في كل مرحلة من مراحل العمر.


(40)
    4 ـ مخاوف الأطفال غير مستمرة وثابتة ، فقد تحصل مبكراً وتزول مبكرا أيضاً.
    5 ـ يمكن ان يسري الخوف لدى الاطفال بسرعة من شخص الى آخر. فعندما يخاف احد الاطفال ينتاب الخوف طفلاً آخر ولا يتمالك نفسه.
    6 ـ لايتمكن الاطفال من تحمل الضرر الناتج عن الخوف ولا يستطيعون إيقاع انفسهم في خطر من اجل معرفة ماذا سيحصل.
    7 ـ مخاوف الاطفال الانانيين ، اي انهم يخافون من شدة حبهم لأنفسهم ، فهم لايقلقون من موت الام حباً لها بل لفقدان الشخص الذي يلاطفهم ويعطيهم الطعام.
    8 ـ الخوف لدى الاطفـال له ـ في الغالب ـ صورة تخيلية خاصـة في ( سنين 3 ـ 5 ) حيث ان قدرة التخيل لديهم قوية فيضخمون في أذهانهم مسألة صغيرة ويخافون منها.
    9 ـ المخاوف احياناً لاتستند الى حقيقة ، فقد يخافون من ظلال الحيوانات التي تظهر على الجدار.
    10 ـ هناك علاقة بين المخاوف وطبقة الاشخاص وسلامتهم ومرضهم ، إذ ان اطفال الطبقة الفقيرة اشجع في ما يتعلق بالطبيعة ، وأطفال الطبقة المرفهة أشجع في ما يتعلق بأفراد المجتمع وفقاً للتحقيقات ، كما ان اطفال الطبقة الفقيرة يخافون من الحيوان واللص والكلام السيء والانفصال والتخلي عنهم ؛ في حين يخاف اطفال الطبقات المرفهة من الايذاء ومن الظلام ومن الأخطار البدنية ، وذلك على اساس ما جاء في تحقيقات ( آنينو ) و ( ليز ) و ( مج ) عام 1965.
    11 ـ المخاوف في فترة الطفولة آنية وملموسة لان قابلية ادراك الطفل ضعيفة ولايفهم جميع المسائل.
    12 ـ ان المخاوف التي تحصل في البيئة غير المألوفة وفي اوقات نوم الاطفال هي أشد من المخاوف التي تحصل في البيئة المألوفة وفي أثناء النهار ،


(41)
وهذا الامر يسبب احياناً عدم تمكن الطفل من النوم.
    13 ـ تؤثر القوالب والاشكال والاحجام الكبيرة في الخوف ، فالاطفال يخافون من كل الاشياء الكبيرة جداً.
    14 ـ واخيراً يكون الخوف في سن الثالثة والحادية عشر اشد وان كان هناك اختلاف في النوع وفي هاتين السنتين تمتاز مسألة تعميم الخوف بأنها اكثر مما في السنين الاخرى.
    تتنوع مخاوف الاطفال المختلفين ويستمر بعضها بشكل دائم لدى الشخص ، هؤلاء يخافون اكثر لانه ليس لديهم قدرة دفاعية كافية ، وقد خبروا انفسهم مرارا واستنتجوا إنهم لايستطيعون مقاومتها.
    ومع ان قدرة تخيلهم تعد نعمة الا انها تسبب صدمة لهم لأنهم قد يتخيلون مسألة سهلة ويرسمون من كلمة مخيفة عالماً عجيباً وغريباً وتنتابهم الرجفة.
    لاشك ان كثيراً من المخاوف ليست ذات صورة عقلانية مثل الخوف من الاشياء المدهشة والألوان القبيحة وحتى النار والماء والاشياء المتحركة ، كالحيوانات والظلال ولكن قلقهم وخوفهم حقيقي واساسي ويجب ان يعالج.


(42)

(43)


(44)

(45)
أسباب الخوف
    ان المخاوف ذات بعد اكتسابي باستثناء عدة حالات ، ويعتقد بعض علماء النفس انها صورة فطرية ، وفي هذا الباب نسعى الى دراسة جذور واسباب وعوامل تقويتها.
    وفي احد الفصول سنبحث اسباب وعوامل الخوف وهي عشرة عوامل : الاكتساب ، التجارب الخاصة ، زوال العادة ، التربية الخاطئة ، المرض ، الادراك والوعي ، الجهل ، العامل النفسي ، العامل العاطفي ، والشرطية ، وسنشرحها باختصار.
    اما الفصل الثاني فهو حول جذور الخوف بنظر علماء النفس ، حيث ذكروا ان الخوف ناتج عن قضايا مرعبة حصلت اثر ألم وخوف الولادة وما يتعرض له الطفل من وحدة واحتقار في بداية حياته ويطرحون بعض الآراء في هذا الاطار.
    والفصل الثالث هو حول العوامل التي تؤدي الى شدة الخوف ، ومن الطبيعي وجود عوامل مؤثرة في هذا المجال مثل الرؤية ، السماع ، التجارب المرة ، الاحتقار والسخرية ، السلوك الساذج ، النماذج الخاطئة ، الضغوط والتهديدات ، الصداقة غير الخالصة ، الرقابات الشديدة ، ويجب ان يهتم الآباء والمربون بهذه الناحية.
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: فهرس