الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: 211 ـ 225
(211)
    يؤثر الاضطراب في عمل الانسان. وتكون اعماله مشوشة وكتاباته مضطربة ويزداد انفعاله كثيراً ، وقد يظل متحيراً أياماً وشهوراً في دوامة هذه الحالة ؛ ويسبب هذا الامر له سوء ظن ويأس وقلق اكثر.
    ان الاضطراب يضعف الفكر والعزم والارادة ويزيل امكانية استمرار الحياة بشكل صحيح وهادئ ، اذا صار عادة لدى المرء الى حد انه يسلب منه التفكير بالخلاص من هذا المرض ، وهو امر يكون شديدا لدى الاطفال.
    فكثير من الاشخاص ينهارون في هذا الطريق ويتمنون الموت ويستسلمون للحوادث والوقائع ، واذا لم يذعنوا لهذه الحالة فان شدة الانفعال تبلغ بهم حد السكتة والموت.


(212)

(213)
خطر الحالة المزمنة وضرورة العلاج
    تمهيد :
    يجب الاسراع الى معالجة الاضطراب والقضاء عليه اذا حدث لدى شخص. فبقاء الاضطراب لدى الاشخاص يهيء الأرضية لتحوله الى مرض مزمن مما يؤدي الى اضرار واخطار اخرى جسيمة ومثيرة للقلق ، وقد تبلغ بالانسان الى حد الموت.
    ولابأس بالاشارة الى ان الاضطراب الشديد يقترن باعراض وصفات مرضية كالتشنج البدني من قبيل الارتجاف والسلوك العصبي وشدة نبض القلب وتقطع في التنفس ، حيث نلاحظ آثارها السيئة في السلوك.
    اذا استمر الاضطراب يصبح مزمناً ، وفي هذه الحالة يسيطر المرض على الشخص ويمسكه في قبضته كالفريسة ، ويجعله عرضة لانتكاسات خطيرة ، وتتضمن الاضرار التي تحصل للاشخاص نتيجة ذلك : الموارد التالية التي سنبحثها باختصار :


(214)

(215)
1 ـ الاختلال في الذهن والنفس :
    ـ يزداد نسيانه الى درجة انه يقول كلاماً اليوم وينساه غدا.
    ـ تزداد لديه الافكار الخيالية مما يؤدي الى ابتعاده عن الحقيقة.
    ـ ينخفض مستوى ادراكه الى حد يجعله يبدو وكأنه شخص اخرس وابله وغامض.
    ـ يصبح في وضع يؤثر على دراسته مع انه ذكي.
    ـ يحتمل اصابة بعضهم بمرض الكآبة.
    ـ في بعض الموارد يهيء هذا الامر الأرضية للشعور بالضغط والوقوع في التناقضات.
    ـ قد يتبدل الاضطراب الى خوف اذا لم يعالج ، ويقوي لديه مشاعر الخوف من الجنون والانتحار.
2 ـ الاختلال السلوكي :
    ـ يصبح السلوك غير اعتيادي الى حد يصبح غير قادر على التمييز بين الصديق والعدو ، وتتصدع شخصيته.
    ـ يصاب الطفل احيانا بنوبة مفاجئة مما يؤدي الى الاغماء لعدة ساعات ويتكرر هذا في فترة قصيرة حتى ينهكه.
    ـ تصبح علاقاته محدوده جداً ومضطربة ومهزوزة ، وهذا الامر مفيد للمحيطين به لأنهم يأمنون من شر انتقال عدواه اليهم.
    ـ يفزع من المستقبل دائماً ، وهذا ما يدفعه الى فقدان الأمل وكراهة العمل.


(216)
3 ـ وفي المجموع :
    ان ضرر الاضطراب صعب الى حد يجعل البعض مستعداً للتضحية بأحد اعضاء جسمه مقابل استئصال الاضطراب.
    وتصل التشنجات في بعض الحالات الى درجة يتمنى الانسان الموت ، وقد يواجه الانسان احياناً خطر الموت ويمهد له مع توفر السلامة البدنية.
ألم الاضطراب :
    ان ألم الاضطراب شديد على هذا الاساس ، خاصة ان الانسان يصبح في حالة متأزمة وقد يتمنى الموت للتخلص من هذا الالم او يقوم بالانتحار. ويكون الشعور بالانزعاج والضجر شديداً في الايام والاشهر الاولى ، وعندما تتحول الصورة الى عادة يتطبع الشخص عليها تدريجياً ويتحملها مما يمهد لظهور امراض اخرى.
    ان هذه المسألة تقلقنا لأن وضع المصاب يزداد سوءاً يوماً بعد يوم ولا تعالج هذه الحالة لدى الطفل الذي يصاب بالاضطراب والشعور بعدم الأمن لأي سبب ـ ولو افترضنا انه ناتج عن ظلم الابوين ـ حتى لو مات أبواه.
مدى ادارك المريض لحالته :
    اغلب هؤلاء على اطلاع بوضعهم وظروفهم ويعلمون الحالة التي هم فيها ، ولكنهم لايعلمون ماذا يفعلون لانقاذ انفسهم. حتى ان كثيراً من الاشخاص الذين يعرفون طريقة معالجة انفسهم لايمتلكون جرأة مواجهة المصاعب


(217)
يصبحون مثل جندي ليس لديه جرأة الذهاب الى الجبهة وهو غير قادر على الافصاح امام الاخرين عن خوفه ، كثير من هؤلاء غير مستعدين للذهاب الى الطبيب لعرض معاناتهم عليه ، وكأنهم يخجلون من توضيحها ؛ وعلاقتهم مع اصدقائهم علاقة باردة وخامدة.
درجة آلامهم :
    ترتبط درجة هذا الألم بمقدار الغفلة ومقدار الضرر ايضاً او الشعور بالتضرر تارة تكون الآلام بسيطة في الحقيقة ولكن الشخص يشعر بأنها صعبة. ليست كل الاضطرابات قادرة على الفتك بالشخص ولكنه عندما يرى الاضطراب يتغلب عليه يشعر انه مقيد أو عاجز ويستقر الخوف من ذلك في قلبه.
    لاشك ان ايحاءات الآخرين مؤثرة في هذا الصدد. ومع ان الرأفة بهم ضرورية لهم الا انه يجب طمأنة المريض واعتبار تلك المسألة بسيطة. يجب التكلم معهم باستمرار ومعالجتهم وافهامهم انه لا داعي للقلق. يجب بالاضافة الى الملاطفات وانواع الطمأنة ، العمل على ان ينام المصاب براحة وهدوء وهو مرتاح البال ؛ وسنبحث ذلك مرة اخرى.
ضرورة العلاج :
    من الضروري معالجة الشخص المضطرب من جهات مختلفة ، من النواحي البدنية والنفسية والعاطفية والذهنية وكذلك من النواحي الدراسية والثقافية والتعلم و ... الخ.


(218)
    وهناك خطر في عدم الاهتمام بل وفي تأخير العلاج ؛ لان التشنجات البدنية في حالة الاضطراب قد تودي به الى الموت احياناً. كما يجب مراقبة ومعالجة اضطراب المرأة الحامل لانه يؤثر سلبياً على الجنين ، ويؤثر بشكل آخر على بقية الاشخاص. ان الشعور بالاضطراب غالباً ما يقترن بالذلة امام عوامل وظروف المحيط وعدم القدرة على اتخاذ موقف صحيح ، وهذا الامر يعتبر خسارة دائماً ويجب العمل على مكافحته.


(219)


(220)

(221)
نطرح في هذا الباب أربعة فصول :
    الاول هو حول الاعمال التي يقوم بها الشخص المضطرب لانقاذ نفسه. يتخذ الشخص المضطرب اساليب للتخلص من هذا الابتلاء ، وهي عبارة عن الافكار ، ابداء سلوكه منطقياً ، الافراط في الطعام والعلاقات الجنسية ، التحدث عن وضعه ، البكاء ، السؤال والطلب و ... الخ.
    فصل آخر من هذا الباب يدور حول طرق العلاج ، حيث نسعى بعد التنبيه الى معرفة الجذور والقواعد العامة للعلاج ، الى تقديم بعض المسائل حول القيم والفنون التي تستعمل في هذا الصدد ، وسنعرض طريقة العلاج الطبي او العلاج النفسي في الموارد الحادة ويجب ان تحظى بالاهتمام.
    والفصل الثالث من هذا الباب يتركز حول تنفيذ العلاج ، حيث سنقدم بعض القواعد والضوابط مثل تقوية الوازع الديني ، الدعاء النوم والاستراحة الكافية ، تجنب عوامل الضغط ، التفاهم معه ، اصلاح المحيط و ... الخ.
    والفصل الاخير حول انواع الوقاية ، حيث سنطرح بعض الملاحظات في هذا المجال مثل الهدوء في العلاقات الزوجية ، والوقاية في فترة الحمل ، وفترة ما بعد الولادة ، والعلاقات العائلية والاهتمام بالطفل و ... الخ.


(222)
اعمال المضطرٍب لإنقاذ نفسه
    المقدمة :
    يبحث المريض عن طرق لانقاذ نفسه من الألم القاتل الذي يعاني منه ، بعضها قد تكون من عوامل العلاج والبعض الآخر عامل تهدئة له من اوضاع سيئة. على اي حال نريد ان نقول انه يقوم عادة باعمال في هذا المجال قبل ان يسعى الآخرون لمعالجته.
    ويجب الاشارة مسبقاً الى ان هذه الاعمال غير متشابهة لدى كافة الاشخاص. فكل شخص يختار وضعاً خاصاً في هذا الاطار بما يناسب ظروفه وامكاناته ؛ وطرق الانقاذ متنوعة بشكل عام :
    1 ـ طريق الانكار : ينكر كثير من المرضى هذا المرض والاختلال لديهم على انفسهم ، وقد ينكرونه على الآخرين احياناً. يريدون تجاهله ويؤكدوا على عدم وجود هذا الشيء لديهم. هذه الطريقة ليست سيئة ولكنها لاتتصف بذلك التأثير عندما يكون الابتلاء بالاضطراب جدياً لدى الاشخاص ، الا بالنسبة للذين لديهم سيطرة على انفسهم واعصابهم ولديهم ممارسة ارادية.


(223)
    2 ـ اظهار المنطقية : يسعى بعض المرضى الى اظهار منطقية طريقتهم وعملهم فيحاولون اقناع انفسهم وغيرهم انهم لايتصفون بوضع غير اعتيادي. فمن حقه مثلاً ان يهب من النوم ، ومن حقه ان يغضب على الآخرين و ... الخ. لانه يعاني من المشكلة الفلانية مثلاً ، او انه تعرض للاوضاع الفلانية. وهذا الاسلوب يؤدي الى تهدئته الى حد ما ، ويبعده عن الحقيقة ، فتتجذر الاضرار في نفسه ، ويتعود على تلك الحالة ، وفي هذا الوضع يحتمل ان يصبح علاجه ذات يوم مستحيلاً.
    3 ـ الافراط في الطعام : يقوم بعض المرضى المضطربين وخاصة العصبيين بالاكثار من الطعام من اجل تهدئة الالم ونسيان ما جرى لهم ويحاولون عن هذا الطريق توفير السكينة والهدوء لانفسهم. وتلاحظون هذه الحالة لدى الاشخاص الذين يتغلب عليهم الاضطراب والقلق. تارة يلوكون اللبان ، واحياناً يدخنون السكائر ، وفي بعض الموارد يبحثون عن الماكولات بشكل غير ارادي. ومع انهم ليسوا بحاجة الى الاكل ولكنهم لا يرغبون في التخلي عنه ياكلون ويبدون النهم في الاكل.
    4 ـ ممارسة الجنس : يميل المضطربون المتزوجون في بعض الموارد الى ممارسة الجنس من اجل تهدئة انفسهم ويفرطون في ذلك. وقد يقوم غير المتزوجين بالاستمناء وتزداد دائرة اضطرابهم بعد ارتكاب العمل نتيجة تأنيب الضمير والشعور بالذنب. ويلجأ بعض الاطفال المصابون بانحراف جنسي لسبب أو آخر ، الى ممارسة المزيد من الشذوذ في حال الاضطراب ويعتبرون ذلك من الوسائل الدفاعية.
    5 ـ التحدث عن اوضاعهم : يحاول بعض الاشخاص التحدث عن آلامهم الى الاخرين لتهدئتها ، يبحثون في حياتهم غير الموفقة ويشكون ألم القلب


(224)
للآخرين ويعملون على التخفيف عن انفسهم ، وهي طريقة مفيدة الى حد كبير وليس فيها ضرر وقد تريح الشخص وتهدئه الى عدة ساعات وايام فيعيش حياة عادية مستقرة.
    ومن الضروري في هذه الحالات وجود شخص صبور يستمع الى كلامهم ويوفر موجبات اطمئنانهم بتأييده لكلامهم وآرائهم.
    6 ـ البكاء : وهو عامل لتسكين وتهدئة كثير من الاشخاص ، ويلاحظ هذا الامر لدى البنات والنساء بشكل خاص ، إذ ان يهدأ قلقهن ، وتخفت نار الانفعال المستعر في اعماقهن اذا جلسن في احدى الزوايا وأهملن الدموع.
    ويجد الشخص نفسه متوازناً ويحصل لديه هدوء نسبي بعد البكاء. ان ما يحصل من فعل وانفعال في داخل الانسان نتيجة انهمار الدموع هي عنوان بحث آخر ، الا ان البكاء يزيل حالات كثيرة من الحزن والغم عن كاهل الانسان ويجعله يشعر بالارتياح.
    7 ـ السؤال والطلب : في بعض الموارد يبدأ الاشخاص المضطربون بالسؤال والجواب اذا ألفوا شخصاً آخر. ولو تعمقنا في الاسئلة التي يطرحونها لادركنا ان الغرض من السؤال ليس اكتساب المعلومات بل التسلية وقضاء الوقت. احياناً يبدون اضطرابهم بصور متكررة كأن يتحركوا ـ مثلاً ـ من هذه النقطة ويذهبوا الى مكان آخر ، فالطفل المضطرب لا يهدأ في مجالس الضيافة مثلاً ويكرر القول قوموا لنذهب الى البيت ، اسرعوا ، اوصلوني الى البيت وامكثوا انتم و ... الخ وكأنه يبحث عن مكان آمن.
    8 ـ الحركة : يسعى بعض الاشخاص المضطربين الى اظهار اوضاعهم عن طريق التنقل والحركة ينهضون من اماكنهم ويمشون في الغرفة في انتظار


(225)
حادثة ما. وعندما يتعبون من المشي يبدأون بالقيام بحركات اضافية ويجلسون بعد ذلك ويضطجعون ثم يسيرون مرة اخرى ليس لديهم استقرار وهدوء ، لا يتمكنون من الوقوف ولا الجلوس ولا النوم او الهدوء. احياناً يذهبون الى زاوية ويظلون لوحدهم ( طريقة اختيار العزلة ) وبعد ساعة ينقذون انفسهم من تلك الحالة ويحاولون ان يكونوا وسط الناس. وفي هذا الصدد يمكن تفسير كثرة العمل والرغبة في الانشغال.
    9 ـ التخدير : ثمة اشخاص يستخدمون طريقة التخدير ، تارة بصورة سليمة ومشروعة واحيانا بصورة غير مشروعة ؛ فبعض الاشخاص يضيفون لبناً مخففاً او غير مخفف الى طعامهم حتى تتوفر لهم مستلزمات النوم. وقد يتناولون قرص دواء بأمر الطبيب كي يناموا براحة وينخفض معدل اضطرابهم.
    وهناك اشخاص يحققون موجبات التخدير عن طريق غير مشروع كاللجوء الى الكحول او الادمان على المخدرات كالترياك والهيدورئين و ... الخ وهذه مصيبة كبيرة للبشرية لأنها لاتعني سوى معالجة ألم بألم آخر.
    10 ـ الدعاء والاستعانة : يسعى المتدينون الى تهدئة انفسهم من الشر والألم الذي هم فيه عن طريق الارتباط بالله وذكر الله والاستعانة به. ويعتقد علماء النفس ان هذا هو أنجح دواء لألم الاضطراب « الا بذكر الله تطمئن القلوب » فما احسن ان يراجع الاشخاص الى المعالج الاصلي للتخلص من الألم ، ويراجعون رب الأرباب بدلاً من الفرار من المشكلة ، ويطلبون منه الحل الحقيقي للألم.
    11 ـ طريق العناد والغضب : يسعى بعض الاشخاص المضطربين ، وخاصة الاطفال ، الى اسلوب العناد والتذرع والغضب فيستخدمون القوة ضد الاضعف منهم. الاطفال يردون على الاضطراب بمرارة وغضب املاً في افراغ القلب مما يعتمر فيه من ألم.
الاطفال ومشاعر الخوف والقلق ::: فهرس