الدليل العقلي على إمامة علي ( عليه السلام ) ::: 1 ـ 15

مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الندوات العقائدية ( 16 )
الدليل العقلي
على إمامة علي ( عليه السلام )
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب العقائدية ( 78 )
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد


(6)
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين والطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاولين والاخرين.
    يقول الله سبحانه وتعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (1).
    الحق في اللغة بمعنى الثبوت ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ ) أي : أفمن يهدي إلى الامور الثابتة القطعية اليقينية ، هذا الذي يهدي إلى الواقع ، ( أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ ) أم الذي لا يهتدي ( إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ).
    هذا الذي يقوله الله سبحانه وتعالى إرشاد إلى قاعدة عقلية
1 ـ سورة يونس : 35.

(8)
قطعية عند جميع العقلاء من مسلمين وغير مسلمين ، إنّهم إذا أرادوا الوصول إلى أمر واقع وإلى حقيقة من الحقائق ، يهتدون بمن يعلم بتلك الحقيقة ويهدي ويوصل الانسان إلى تلك الحقيقة ، يرجعون إلى هكذا شخص ، أمّا الذي ليس بمهدي ، ليس بعارف بالحقيقة ، الذي لا يهتدي إلى الواقع ، كيف يمكن أن يكون هادياً للاخرين إلى الواقع؟
    ومن هنا قرّر العلماء من الفريقين على أنّ العقائد يجب أن يتوصل إليها الانسان بالقطع واليقين ، ولا يكفي في العقيدة الظن والتقليد ، ويقول الله سبحانه وتعالى ( إِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً ) (1) ، الظن لا يغني من الواقعيّات شيئاً ، الواقعيّات والامور الحقيقيّة ، المطلوب فيها القطع واليقين ، ولا يكفي فيها الظن ، ولا يكفي فيها الاخذ بأقوال الاخرين ، وهذه قاعدة عقليّة ، والقرآن الكريم يشير ويرشد إلى هذه القاعدة العقلية القطعية.
    وحينئذ إذا دار الامر بين رجلين ، أحدهما مهتدي ويمكنه هداية الاخرين إلى العقائد الحقة والاُمور الواقعية ، والشخص الاخر يحتاج إلى من يهديه ، يحتاج إلى من يرشده ويأخذ بيده ،
1 ـ سورة النجم : 28.

(9)
كيف يمكن الحكم بالاهتداء وبأخذ الحقائق والواقعيات ممّن هو بنفسه يحتاج إلى من يهديه؟
    أمّا نحن فنعتقد بأنّ الامامة أمر لا يكون إلاّ من الله سبحانه وتعالى ، الامامة جعل ونصب من الله سبحانه وتعالى ، ولا فرق بين الامامة والنبوّة من هذه الحيثيّة ، وحينئذ نحتاج في معرفة الامام وتعيّنه إلى نصٍّ قطعيّ ، أو إلى أدلّة تقتضي أن يكون الشخص هو الامام لكونه مهتدياً وهادياً.
    وأيضاً ، لو قام الدليل على عصمة شخص أو أشخاص ، فإنّ العصمة إنْ وجدت في شخص لا يجوّز العقل الاهتداء بغير هذا الشخص مع وجوده ، ومع التمكن منه ولو بالواسطة ، لذا جعلنا الامامة إمّا بالنص وإمّا بالعقل ، والنص إمّا من الكتاب وإمّا من السنّة القطعيّة.
    وكان حديث المنزلة ـ وهو آخر الادلة اللفظية التي بحثنا عنها ـ دليلاً على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) من الجهات الثلاثة جميعاً ، فلقد كان هذا الحديث نصّاً في إمامة أمير المؤمنين ، ودليلاً على عصمته ، ودليلاً على أفضليّته ( عليه السلام ) من سائر الصحابة.
    وقد بحثنا عن مدلول هذا الحديث وفقهه ، وبيّنا اندفاع الشبهات التي طرحت في كتب الاُصول والكلام على هذا الحديث


(10)
والاستدلال به على إمامة أمير المؤمنين ، وكان عمدة تلك الشبهات ، ثلاثة شبهات ذكرتها ، وقد كانت شبهات مترابطة ، وبيّنّا اندفاع تلك الشبهات بأدلّة عديدة تجتمع تلك الادلّة على اندفاع المناقشات الثلاثة كلّها في دلالة حديث المنزلة.
    وموضوع بحثنا في هذه الليلة هو الاستدلال بما يحكم به العقل على إمامة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، أي الدليل العقلي على الامامة.


(11)
    لو راجعتم كتب العقائد والكلام عند أهل السنّة ككتاب : المواقف في علم الكلام للقاضي الايجي ، وشرح المواقف للشريف الجرجاني ، وشرح القوشچي على التجريد ، وشرح المقاصد لسعدالدين التفتازاني ، وشرح العقائد النسفية ، وغير هذه الكتب التي هي من أُمّهات كتب العقيدة والكلام عند أهل السنّة.
    لرأيتم أنّهم يذكرون في المباحث المتعلقة بالامام فصولاً ، منها :
    إنّ نصب الامام إنّما يكون بالاختيار ، وليس بيد الله سبحانه وتعالى ، خلافاً للاماميّة.
    وإذا كان نصب الامام عندهم بالاختيار ، فإنّهم يذكرون في فصل آخر الشروط التي يجب توفّرها في الامام حتّى يُختار للامامة.
    وإذا راجعتم ذلك الفصل الذي يذكرون فيه الشروط ، شروط الامام أو أوصاف الامام ، يذكرون هناك أوصافاً ويقسّمونها إلى قسمين :


(12)
    قسم قالوا بأنّها أوصاف مجمع عليها.
    وقسم هي أوصاف وقع الخلاف فيها.
    ونحن نتكلّم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها على مسلكهم في تعيين الامام وهو الاختيار ، تلك الشروط المجمع عليها بينهم ، نتكلم معهم على ضوء تلك الشروط التي ذكروها وأوجبوا توفّرها في الامام كي يختار إماماً على المسلمين بعد رسول الله.
    نتكلّم معهم بغضّ النظر عن مسلكنا في تعيين الامام ، وهو أنّه بيد الله سبحانه وتعالى ، بغضّ النظر عن ذلك المسلك ، نتكلّم معهم على مسلكهم ، وعلى ضوء ذلك القسم من الاوصاف التي نصّوا على ضرورة وجودها للامام بالاجماع.
    فما هي تلك الشروط والاوصاف التي أجمعوا على ضرورة وجودها في الامام حتى يختار إماماً؟
    تلك الشروط المجمع عليها بينهم :

    بأن يكون عالماً بالاصول والفروع ، بحيث يمكنه إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، ويمكنه دفع الشبهات


(13)
الواردة من الاخرين ، بأن يدافع عن هذا الدين من الناحية الفكرية ، ويمكنه دفع الشبهات والاشكالات الواردة في أصول الدين وفروعه من المخالفين.

    بأنْ يكون عادلاً في أحكامه ، وفي سيرته وسلوكه مع الناس ، أن يكون عادلاً في أحكامه عندما يتصدى رفع نزاع بين المسلمين ، أن يكون عادلاً عندما يريد أن يقسّم بينهم بيت المال ، أن يكون عادلاً في تصرّفاته المختلفة المتعلّقة بالشؤون الشخصية والعامة.

    بأن يكون شجاعاً ، بحيث يمكنه تجهيز الجيوش ، بحيث يمكنه الوقوف أمام هجمات الاعداء ، بحيث يمكنه الدفاع عن حوزة الدين وعن بيضة الاسلام والمسلمين.
    هذه هي الشروط المتفقة عندهم ، التي يجب توفرها في الشخص حتى يمكن اختياره للامامة على مسلكهم من أنّ الامامة تكون بالاختيار.


(14)
    ولابدّ وأنّكم تحبّون أنْ أقرأ لكم نصّاً من تلك الكتب التي أشرت إليها ، لتكونوا على يقين ممّا أنسبه إليهم ، ومن حقّكم أن تطالبوا بقراءة نص من تلك النصوص :
    جاء في كتاب المواقف في علم الكلام وشرح المواقف (1) ما نصّه :
    « المقصد الثاني : في شروط الامامة
    الجمهور على أنّ أهل الامامة ومستحقّها من هو مجتهد في الاُصول والفروع ليقوم بأُمور الدين ، متمكّناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، مستقلاً بالفتوى في النوازل وأحكام الوقائع نصّاً واستنباطاً ، لانّ أهمّ مقاصد الامامة حفظ العقائد وفصل الحكومات ورفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك بدون هذا الشرط ».
    إذن ، الشرط الاول : أن يكون عالماً مجتهداً بتعبيره هو في الاصول والفروع ، ليقوم بأمور الدين ، وليكون متمكناً من إقامة الحجج والبراهين ، ودفع الشبه المتوجهة إلى العقائد من قبل المخالفين.
1 ـ شرح المواقف في علم الكلام 8 / 349.

(15)
    الشرط الثاني : « ذو رأي وبصارة ، بتدبير الحرب والسلم وترتيب الجيوش وحفظ الثغور ، ليقوم بأُمور الملك ، شجاع ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارك ».
    لاحظوا بدقة ولا تفوتنّكم الكلمات الموجودة في هذا النص ، وكتاب المواقف وشرح المواقف من أهم كتب القوم في علم الكلام ، فالشرط الثاني هو الشجاعة.
    « وقيل في مقابل قول الجمهور : لا يشترط في الامامة هذه الصفات ، لانّها لا توجد الان مجتمعة ».
    وكتاب المواقف إنّما أُلّف في القرن السابع أو الثامن من الهجرة ، وهذه الصفات غير مجتمعة في الحكّام في ذلك الوقت ، إذن ، يجب عليهم أن يرفعوا اليد عن اعتبارها في الامام ، ويقولوا بإمامة من لم يكن بعالم أو لم يكن بشجاع ، وحتّى من يكون فاسقاً فاجراً كما سنقرأ صفة العدالة أيضاً.
    يقول : « نعم يجب أن يكون عدلاً ، لئلاّ يجور ، فإنّ الفاسق ربّما يصرف الاموال في أغراض نفسه فيضيع الحقوق. فهذه الصفات شروط معتبرة في الامامة بالاجماع ».
    هذا نصّ عبارته ، ثم يقول : « وهاهنا صفات أُخرى في
الدليل العقلي على إمامة علي ( عليه السلام ) ::: فهرس