|
|||
(16)
اشتراطها خلاف ».
إذن ، نتكلم معهم باعتبارنا عقلاء مثلهم ، ونعتبر هذه الصفات الثلاث أيضاً في الامام ، ونفترض أنّ الامامة تثبت بالاختيار ، والامامة مورد نزاع بيننا وبينهم ، فنحن نقول بإمامة علي وهم يقولون بإمامة أبي بكر. فلنلاحظ إذن ، هل هذه الصفات المعتبرة بالاجماع في الامام ، المجوّز توفّرها فيه لانتخابه واختياره إماماً ، هل هذه الصفات توفّرت في علي أو في أبي بكر ، حتّى نختار عليّاً أو نختار أبا بكر ، ومع غضّ النظر عن الكتاب والسنّة الدالّين على إمامة علي بالنص أو غير ذلك؟ نحن والعقل الذي يقول بأنّ الرئيس للاُمّة والخليفة عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يجب أن يكون واجداً لهذه الصفات المجمع عليها ، ونحن تبع لهذا الاجماع الذي هم يدّعونه على هذه الصفات. وأيضاً : نحن نوافق على هذا الاجماع ، وإن كنّا نقول باعتبار العصمة التي هي أعلى من العدالة ، لكن مع ذلك نبحث عن هذه المسألة في هذه الليلة مع غضّ النظر عن مسلكنا في ثبوت الامامة وتعيين الامام. إذن ، يتلخّص كلام القوم في الصفات اللازم وجودها في (17)
الامام بالاجماع في ثلاثة صفات :
أنْ يكون متمكناً من إقامة الحجج وحلّ الشبه في العقائد الدينية ، لانّ أهم مقاصد الامامة حفظ العقائد وفصل الخصومات ، فلابدّ وأن يكون عالماً في الدين بجميع جهاته من أُصوله وفروعه ، ليتمكّن من الدفاع عن هذا الدين إذا ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية. وأن يكون شجاعاً ، ليقوى على الذب عن الحوزة والحفظ لبيضة الاسلام بالثبات في المعارك ، لانّ الامام إذا فرّ من المعركة فالمأمومون أيضاً يفرّون ، إذا فرّ القائد فالجنود يفرّون تبعاً له ، إذا انكسر الرئيس انكسر الجيش كلّه ، وهذا واضح ، إذن بنصّ عبارة هؤلاء يجب أن يكون من أهل الثبات في المعارك. وأن يكون عدلاً غير ظالم ولا فاسق. فإمّا تكون هذه الصفات مجتمعة في علي دون غيره ، فيكون علي هو الامام ، وإمّا تكون مجتمعة في غير علي فيكون ذاك هو الامام ، وإمّا تكون مجتمعة في كليهما ، فحينئذ ينظر إلى أنّ أيّهما الواجد لهذه الصفات في أعلى مراتبها ، وإلاّ فمن القبيح تقديم المفضول على الفاضل عقلاً ، والقرآن الكريم يقول : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي ) ، من يكون عادلاً أولى بأن (18)
يكون إماماً أو من يكون فاسقاً؟ العالم أولى أن يكون إماماً نقتدي به أو من يكون جاهلاً؟ وعلى فرض أن يكون كلاهما عالمين فالاعلم هو المتعيّن أو لا؟ لابدّ من الرجوع إلى العقل والعقلاء ، ونحن نتكلّم على هذا الصعيد.
قالوا : هذه هي الصفات المعتبرة بالاجماع ، أمّا أنْ يكون هاشميّاً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون معصوماً ففيه خلاف ، أمّا أن يكون حرّاً ، ربّما يكون فيه خلاف ، ربّما ينسبون إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه أمر بإطاعة من ولّي على المسلمين وإنْ كان عبداً ، ربّما ينسبون إليه هكذا حديث ، لكن هذه قضايا مختلف فيها ، فالعصمة تقول بها الشيعة وغيرهم لا يقولون بها ، وكذا سائر الصفات فهي مورد خلاف ، مثل أن يكون هاشمياً ، أن يكون قرشياً ، أن يكون حرّاً ، وغير ذلك من الصفات المطروحة في الكتب. أمّا الصفات المتفق عليها بين الجميع فهي : العلم والعدالة والشجاعة ، ونحن نبحث على ضوء هذه الصفات. (19)
العلم والتمكن من إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ، والتمكن من دفع شبه المخالفين ، من الصفات المتفق عليها.
لندرس سيرة علي وسيرة أبي بكر ، لندرس ما ورد في هذا وهذا ، لندرس ما قاله رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ما قاله الصحابة ، ما قاله سائر العلماء في علي ، وما قيل في أبي بكر. ولا نرجع إلى شيء ممّا يروى عن كلّ واحد منهما في حقّ نفسه ، فعلي ( عليه السلام ) يقول : « علّمني رسول الله ألف باب من العلم ، يفتح لي من كلّ باب ألف باب » (1). لا نرجع إلى هذا الحديث ، وهذا الخبر ، لانّ المفروض أنّه في علي ومن علي ، نرجع إلى غير هذه الروايات. 1 ـ كنز العمال 13 / 114 رقم 36372 ، 165 رقم 36500. (20)
مثلاً يقول علي : « سلوني قبل أن تفقدوني » (1) هذا لم يرد عن أبي بكر ، أبو بكر لم يقل في يوم من الايام : سلوني قبل أن تفقدوني ، لكن نضع على جانب مثل هذه الروايات الواردة عن علي ، وإنْ كنّا نستدلّ بها في مواضعها ، وهي موجودة في كتب أهل السنّة.
لكنّا نريد أن ندرس سيرة هذين الرجلين ، أن ندرس سيرة أمير المؤمنين وأبي بكر على ضوء ما ورد وما قيل فيهما عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) والصحابة والعلماء ، لنكون على بصيرة من أمرنا ، عندما نريد أن نختار وننتخب أحدهما للامامة بعد رسول الله على مسلك القوم. أنا مدينة العلم وعلي بابها : نلاحظ في كتب القوم أنّ رسول الله يقول في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها ». ونحن الان نبحث عن الصفة الاولى وهي العلم ، والتمكن من إقامة الحجج والبراهين ، ورسول الله يقول في علي : « أنا مدينة 1 ـ أخرجه أحمد في المناقب وابن سعد وابن عبد البر وغيرهم ، الاستيعاب 3/1103 ، الرياض النضرة 2 / 198 ، الصواعق المحرقة : 76. (21)
العلم وعلي بابها ».
هذا الحديث موجود في كتبهم ، يرويه : 1 ـ عبد الرزاق بن همّام الصنعاني. 2 ـ يحيى بن معين ، الامام في الجرح والتعديل ، مع تصحيحه لهذا الحديث. 3 ـ أحمد بن حنبل. 4 ـ الترمذي. 5 ـ البزّار. 6 ـ ابن جرير الطبري. 7 ـ الطبراني. 8 ـ أبو الشيخ. 9 ـ ابن السقا الواسطي. 10 ـ ابن شاهين. 11 ـ الحاكم النيسابوري. 12 ـ ابن مردويه. 13 ـ أبو نعيم الاصبهاني. 14 ـ الماوردي. 15 ـ الخطيب البغدادي. (22)
16 ـ ابن عبد البر.
17 ـ السمعاني. 18 ـ ابن عساكر. 19 ـ ابن الاثير. 20 ـ ابن النجّار. 21 ـ السيوطي. 22 ـ القسطلاني. 23 ـ ابن حجر المكي. 24 ـ المتقي الهندي. 25 ـ علي القاري. 26 ـ المنّاوي. 27 ـ الزرقاني. 28 ـ الشاه ولي الله الدهلوي. وغيرهم ، وكلّ هؤلاء يشهدون بأنّ رسول الله قال في علي : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » (1). 1 ـ تهذيب الاثار « مسند الامام علي ( عليه السلام ) » : 105 رقم 173 ـ مطبعة المدني المؤسسة السعودية بمصر ـ 1402 ، صحيح الترمذي. كما في جامع الاُصول 9 / 473 ، وتاريخ الخلفاء للسيوطي : 170 وغيرهما ، المعجم الكبير للطبراني 11/65 رقم 11061 ـ دار إحياء التراث العربي ، تاريخ بغداد 4 / 348 ، 7 / 172 ، 11 / 204 ، الاستيعاب 3 / 1102 ، فردوس الاخبار 1 / 76 ، أُسد الغابة 4 / 22 ، الرياض النضرة 2 / 255 ، تهذيب الكمال 20 / 485 ، تاريخ جرجان : 24 ، تذكرة الحفاظ 4 / 28 ، البداية والنهاية 7 / 358 ، مجمع الزوائد 9 / 114 ، عمدة القاري 7 / 631 ، اتحاف السادة المتقين 6 / 224 ، مستدرك الحاكم 3/126 و127 ، ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 2/465 رقم 984 ، جامع الاُصول 8/657 رقم 6501 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1403 ، الجامع الصغير للسيوطي 1/415 رقم 2705 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1401 ، الصواعق المحرقة : 189 ، كنز العمال 11/614 رقم 32978 و32979 ، فيض القدير للمنّاوي : 3/46 ـ دارالفكر ـ بيروت ـ 1391. (23)
وهل قال مثل هذا الكلام في غير علي؟
أنا دار الحكمة وعلي بابها : ويقول رسول الله في حق علي : « أنا دار الحكمة وعلي بابها » ، وعندما نراجع الكتب نرى هذا الحديث يرويه : 1 ـ أحمد بن حنبل. 2 ـ الترمذي. 3 ـ محمّد بن جرير الطبري. 4 ـ الحاكم النيسابوري. 5 ـ ابن مردويه. (24)
6 ـ أبو نعيم.
7 ـ الخطيب التبريزي. 8 ـ العلائي. 9 ـ الفيروزآبادي. 10 ـ ابن الجزري. 11 ـ ابن حجر العسقلاني. 12 ـ السيوطي. 13 ـ القسطلاني. 14 ـ الصالحي الدمشقي. 15 ـ ابن حجر المكي. 16 ـ المتقي الهندي. 17 ـ المنّاوي. 18 ـ الزرقاني. 19 ـ ولي الله الدهلوي. وغيرهم. وهؤلاء يشهدون بأنّ رسول الله قال في علي : « أنا دار الحكمة (25)
وعلي بابها » (1).
فإذا كان رسول الله يقول في حقّ علي هكذا ، وهم يروون هذا الحديث ، فهل علي المتمكن من إقامة الحجج والبراهين على حقيّة هذا الدين ودفع الشبه ، أو غيره الذي لم يرد مثل هذا الحديث في حقّه؟ أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي : والاظهر من هذا قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي : « أنت تبيّن لاُمّتي ما اختلفوا فيه من بعدي ». فقد نصب علياً للحكم بيننا في كلّ ما اختلفنا فيه ، من أُمور ديننا ودنيانا. وهذا الحديث يرويه : 1 ـ فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : 138 رقم 203 ، سنن الترمذي 5/637 ، تهذيب الاثار « مسند علي ( عليه السلام ) » : 104 رقم 8 ، حلية الاولياء 1/64 ، مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي 2/504 رقم 6096 ـ دار الارقم ـ بيروت ، أسنى المطالب لابن الجزري : 70 ـ مكتبة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ـ أصفهان ، الرياض النضرة 2 / 255 ، شرح المواهب اللدنية 3 / 129 ، الجامع الصغير للسيوطي 1/415 رقم 2704 ، الصواعق المحرقة : 189 ، كنز العمال 11/600 رقم 32889 و13/147 رقم 36462 ، فيض القدير 3/46. (26)
1 ـ الحاكم النيسابوري ، ويصحّحه.
2 ـ ابن عساكر ، في تاريخ دمشق. 3 ـ الديلمي. 4 ـ السيوطي. 5 ـ المتقي الهندي. 6 ـ المنّاوي. وجماعة آخرون يروون هذا الحديث (1). ولم يرد مثل هذا الحديث في حقّ غير علي. عليّ هو الاُذن الواعية : وأيضاً ، لمّا نزل قوله تعالى : ( وَتَعِيهَا أُذُنٌ واعِيَةٌ ) (2) نرى رسول الله يقول : بأنّ عليّاً هو الاُذن الواعية. فيكون علي وعاءً لكلّ ما أنزل الله سبحانه وتعالى ، يكون وعاء لجميع الحقائق ، يكون واعياً لجميع الاُمور. وهذا الحديث تجدونه في : 1 ـ مستدرك الحاكم 3/122 ، ترجمة الامام علي ( عليه السلام ) من تاريخ دمشق 2/488 رقم 1008 و 1009 ، كنز العمال 11/615 رقم 32983. 2 ـ سورة الحاقة : 12. (27)
1 ـ تفسير الطبري.
2 ـ تفسير الكشاف. 3 ـ تفسير الرازي. 4 ـ الدر المنثور ، حيث يرويه السيوطي هناك عن : سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وابن عساكر ، والواحدي ، وابن النجار. وتجدونه أيضاً في : 5 ـ حلية الاولياء. 6 ـ مجمع الزوائد. وفي غير هذه الكتب (1). أقضاكم عليّ : ويقول رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « أقضاكم علي ». وكنّا نحتاج إلى الامام لرفع الخصومات كما ذكر صاحب شرح المواقف ، كنّا نحتاج إليه لرفع الخصومات والتنازعات والخلافات بين الناس ، ورسول الله يقول : « علي أقضاكم ». 1 ـ تفسير الطبري 29/35 ـ 36 ، تفسير الكشاف 4/151 ، تفسير الرازي 30/107 ، الدر المنثور 8/267. (28)
ولم يرد مثل هذا الكلام في حق غير علي.
فما ذنبنا إن قلنا بأنّ عليّاً هو المتعيّن للامامة حتّى لو كان الامر موكولاً إلى الاُمّة ، حتّى لو كان الامر مفوّضاً إلى اختيار الناس؟ كان عليهم أنْ يختاروا عليّاً ، لانّ هذه هي الضوابط التي قرّروها في علم الكلام ، وقالوا : بأن هذه الصفات هي صفات مجمع على اعتبارهم في الامام. وحديث « أقضاكم علي » تجدونه في : 1 ـ صحيح البخاري. 2 ـ مسند أحمد. 3 ـ المستدرك. 4 ـ سنن ابن ماجه. 5 ـ الطبقات الكبرى. 6 ـ الاستيعاب. 7 ـ سنن البيهقي. 8 ـ مجمع الزوائد. 9 ـ حلية الاولياء. 10 ـ أُسد الغابة. 11 ـ الرياض النضرة. (29)
وفي غيرها من الكتب.
هذا فيما يتعلّق ـ باختصار ـ بكلمات رسول الله التي يروونها هم ، وفيها شهادة رسول الله أو إخبار رسول الله بمقامات علي ، وبأنّه المتمكن من إقامة الحجج ، إقامة البراهين ، ودفع الشبه ، إنّ عليّاً هو المرجع من قبل رسول الله في رفع الخلافات ، هو المبيّن لما اختلف فيه المسلمون بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ). كلمات الصحابة في المقام العلمي للامام علي ( عليه السلام ) : وأمّا كلمات الصحابة فما أكثرها ، وإنّي أنقل لكم نصّاً من أحد كبار الحفّاظ بترجمة أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، يشتمل هذا النص على شهادات من كبار الصحابة والتابعين في حقّ علي ( عليه السلام ) من حيث مقامه العلمي. يقول الحافظ النووي في كتاب تهذيب الاسماء واللغات حيث يترجم لعلي ( عليه السلام ) : أحد العلماء الربّانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين ، وأحد السابقين إلى الاسلام ... إلى أن قال : أمّا علمه ، فكان من العلوم في المحلّ العالي ، روى عن (30)
رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خمسمائة حديث وستّة وثمانين حديثاً ، اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين ، وانفرد البخاري بتسعة ، ومسلم بخمسة عشر ، روى عنه بنوه الثلاثة الحسن والحسين ومحمّد بن الحنفية ، وروى عنه : ابن مسعود ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو موسى ، وعبدالله بن جعفر ، وعبدالله بن الزبير ، وأبو سعيد ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبدالله ، وروى عنه من التابعين خلائق مشهورون.
ونقلوا عن ابن مسعود قال : كنّا نتحدّث أن أقضى المدينة علي. قال ابن المسيّب : ما كان أحد يقول : سلوني غير علي. وقال ابن عباس : أُعطي علي تسعة أعشار العلم ، ووالله لقد شاركهم في العشر الباقي. قال ابن عباس : وإذا ثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره. ثمّ يقول النووي : وسؤال كبار الصحابة ـ متى قالوا كبار الصحابة فمقصودهم المشايخ الثلاثة وغيرهم من العشرة المبشرة ، هذه الطبقة ـ ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل |
|||
|