الدليل العقلي على إمامة علي ( عليه السلام ) ::: 46 ـ 55
(46)
من عمر ، وعمر أشجع من عثمان وعلي وطلحة والزبير ، وكان يوم بدر مع النبي في العريش (1).
    إذن ، تكون شجاعة أبي بكر بقوّة القلب فقط ، وقد جاهد وقاتل بقوّة القلب.
    فالشجاعة على قسمين أو لها معنيان : الشجاعة التي يفهمها كلّ عربي ، ومعنى آخر يراد من الشجاعة : قوّة القلب ، وأبو بكر كان قوي القلب !!.
    وهكذا يجيب ابن تيميّة عن توفّر هذا الشرط في علي دون الشيخين ، يجيب عن ذلك بجواب لا تجدونه في أيّ كتاب من الكتب ، فيجعل عمر مقاتلاً ، لكن لا باليد بل بالدعاء ، والقتال بالدعاء كالقتال باليد ، ويجعل أبا بكر شجاعاً ، لكن شجاعة القلب وهي المطلوبة في الائمّة !! وكأنّ عليّاً كانت عنده الشجاعة البدنية ولم تكن عنده شجاعة قلبيّة !!
    وكلّ هذا من ابن تيميّة ينفعنا في يقيننا بصحة استدلالاتنا ، وإلاّ فأيّ معنى لتفسير القتال والجهاد في سبيل الله وقتل طائفة من الكفّار بالدعاء؟
1 ـ منهاج السنة 8 / 79.

(47)
    ثمّ لو كانا واجدين لقوّة القلب ـ كما يقول ابن تيميّة ـ فلماذا فرّا؟
    لاريب في أنّهما قد فرّا في أُحد ، وقد روى الخبر أئمّة القوم ، منهم :
    1 ـ أبو داود الطيالسي.
    2 ـ ابن سعد صاحب الطبقات.
    3 ـ أبو بكر البزّار.
    4 ـ الطبراني.
    5 ـ ابن حبّان.
    6 ـ الدارقطني.
    7 ـ أبو نعيم.
    8 ـ ابن عساكر.
    9 ـ الضياء المقدسي.
    وغيرهم من الائمّة الاعلام.
    راجعوا كنز العمال (1) ، أعطيكم بعض الاوقات بعض الارقام ، لانّ القضايا حساسة فأضطرّ إلى إعطاء المصدر.
1 ـ كنز العمال 10/424.

(48)
    أمّا في خيبر ، فقد روى فرارهما :
    1 ـ أحمد.
    2 ـ ابن أبي شيبة.
    3 ـ ابن ماجة.
    4 ـ البزّار.
    5 ـ الطبري.
    6 ـ الطبراني.
    7 ـ الحاكم.
    8 ـ البيهقي.
    9 ـ الضياء المقدسي.
    10 ـ الهيثمي.
    وجماعة غيرهم.
    راجعوا أيضاً كنز العمال ، يروي عن كلّ هؤلاء (1).
    وأمّا في حنين ، فالذي صبر مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو علي فقط ، كما في الحديث الصحيح عن ابن عباس ، وهذا الحديث في المستدرك (2).
1 ـ كنز العمال 10/461.
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 111.


(49)
    أمّا في الخندق فالكل يعلم كلمة رسول الله : « لَضربة علي في يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين » (1) ، أو « أفضل من عبادة الامّة إلى يوم القيامة » (2).
1 ـ شرح المواهب 8 / 371.
2 ـ المستدرك على الصحيحين 3 / 32.


(50)

(51)
    ففي من توفّرت هذه الشروط : العلم ، العدالة ، الشجاعة ... ، هذه الشروط والصفات المتفق على ضرورة وجودها في شخص حتّى يصلح ذلك الشخص لانتخاب الناس إيّاه واختياره للامامة بعد رسول الله على مسلك الاختيار؟
    هذه الشروط إنّما توفّرت في علي ( عليه السلام ) ، وليست بمتوفرة في غيره ، وعلى فرض وجودها في غيره أيضاً ، أعني أبا بكر وعمر ، فقد أمكننا أن نعرف على ضوء الادلّة الواردة في الكتب الموثوقة المعتمدة ، أن نعرف الذي كانت تلك الصفات موجودة فيه على الوجه الاتم الافضل ، وقد ثبت أنّ عليّاً ( عليه السلام ) ـ على فرض وجود هذه الصفات في غيره ـ هو الاولى ، فثبت أنّه الافضل ، وثبت أنّه الاحق ، ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى ).


(52)
    إذا كان الرجل والرجلان يجهلان المسألة والمسألتين ، ومسائل فرعية في الاحكام الشرعية ، ويجهل الرجل ماذا كان رسول الله يقرأ في صلاتي الفطر والاضحى ، كيف نجعل هذا الشخص قائماً مقام رسول الله ، متمكّناً من إقامة الحجج والبراهين ، والذب عن دين الله وعن شريعة سيد المرسلين ، متى ما جاءت شبهة أو توجّهت هجمة فكرية عن خارج البلاد الاسلامية؟ فما لهم كيف يحكمون.

    نعم ، لا مناص لمن يقول بقبح تقدّم المفضول على الفاضل كابن تيميّة ـ ابن تيميّة ينصُّ في أكثر من موضع من منهاج السنّة على قبح تقدم المفضول على الفاضل ـ فحينئذ لابدّ وأنْ يلتزم بإمامة علي.
    إلاّ أنّه يضطر إلى تكذيب الثوابت ، ولا مناص له من التكذيب ، حتّى لو كان الحديث موجوداً في الصحيحين وفي غير الصحيحين من الصحاح وفي غير الصحاح من الكتب المعتبرة بأسانيد صحيحة ، لان النصب والعداء لامير المؤمنين ( عليه السلام ) يمنعه من الاعتراف بالحق والالتزام به ، إلاّ أنا نوضّح هذه الحقائق ونستدل


(53)
عليها ، عسى أن يرجع بعض الناس عن تقليده واتّباعه ، ولا أقل من إقامة الحجة ، ليهلك من هلك عن بيّنة.
    نعم ، هناك من يعترف بصحة هذه الاحاديث ، إلاّ أنّه ينفي قبح تقدم المفضول على الفاضل.
    فيدور الامر عند القائلين بإمامة أبي بكر وعمر ، بين نفي قبح تقدم المفضول على الفاضل وقبول الاحاديث والاثار والاخبار هذه لصحّتها ، وبين قبول قبح تقدم المفضول على الفاضل وتكذيب هذه الاحاديث والاثار والقضايا الثابتة.
    وقد مشى على الطريق الثاني ابن تيميّة ، وعلى الطريق الاول الفضل ابن روزبهان ، وكلاهما في مقام الرد على العلاّمة الحلّي في استدلالاته على إمامة أمير المؤمنين ، فابن روزبهان يقول بعدم ضرورة كون الامام أفضل من غيره وأنّه لا يقبح تقدم المفضول على الفاضل وحكم على خلاف حكم العقلاء من الاولين والاخرين ، وابن تيميّة يوافق على هذا الحكم العقلي ، إلاّ أنّه يكذّب الاحاديث الصحيحة ويتصرّف في معنى الشجاعة ومعنى القتل ومعنى الجهاد. والفضل ابن روزبهان لا يضطر إلى هذه التصرفات القبيحة الشنيعة الرديئة ، إلاّ أنّه ينكر أن يكون تقدم المفضول على الفاضل قبيحاً ، وهذا رأي على خلاف حكم العقل وبناء العقلاء.


(54)
    وإذا ما رجعتم إلى كتاب المواقف ، شرح المواقف ، شرح المقاصد ، وغير هذه الكتب ، ترونهم مضطربين ، لا يعلمون ما يقولون ، لا يفهمون بما يحكمون ، فما لهم كيف يحكمون؟ راجعوا شرح المواقف وشرح المقاصد وغيرهما من كتب القوم :
    فتارة يوافقون على قبح تقدم المفضول على الفاضل ، وهذه الاحاديث صحيحة.
    وتارة يتأمّلون وكأنّهم لا يعلمون أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح أو لا ، ويتركون البحث على حاله؟
    وقد نقلت هنا عبارة كتاب المواقف للقاضي الايجي ، الذي ذكر في هذه المسألة الخلاف في تقدم المفضول وعدم تقدم المفضول ، وأنّه قبيح أوْ لا ، وهو ساكت لا يختار أحد القولين ، لانّه لا يدري ماذا يقول؟ يبقى متحيّراً ، يبقى مضطرباً ، لانّ الامر يدور بين الامرين كما ذكرت.
    وإذا سألت القاضي الايجي عن أنّ أبا بكر أفضل من علي أوْ لا ، وتريد منه الكلام الصريح والفتوى الواضحة في هذه المسألة ، والافصاح عن رأيه؟
    يقول : بأنّ الافضليّة لا يمكننا أنْ ندركها ونتوصّل إليها ! ثمّ إنّ الصحابة قدّموا أبا بكر وعمر وعثمان على علي ، وجعلوا أولئك


(55)
أفضل من علي ، وحسن الظنّ بهم ـ أي بالصحابة ـ يقتضي أن نقول بقولهم ونوكل الامر إلى الله سبحانه وتعالى.
    وهكذا يريد الفرار من هذه المسألة ، والخروج عن عهدة هذه القضية ، وإلقاء المسؤولية على الصحابة.
    فأقول للقاضي الايجي : إذن ، لماذا أتعبت نفسك؟ إذن ، لماذا بحثت عن هذه المسألة؟ ولماذا طرحت هذه القضية في كتابك الذي أصبح أهم متن من الكتب الكلامية؟ وكان عليك من الاول أنْ تقول : بأنّ الصحابة كذا فعلوا ، ونحن كذا نقول ، وإنّا على آثارهم مقتدون ، وكذلك يفعلون.
    وإنّا لله وإنّا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون ، وصلّى الله على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
الدليل العقلي على إمامة علي ( عليه السلام ) ::: فهرس