الامام المهدي ( عليه السلام ) بين التواتر وحساب الاحتمال ::: 1 ـ 15

سلسلة الندوات العقائدية
( 38 )
الامام المهدي ( عليه السلام )
بين التواتر وحساب الاحتمال
الشيخ محمد باقر الايرواني
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدّمة المركز
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع


(6)
ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيـد
    الحمد لله رب العالمين ، وصلّى الله على محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
    قال الله عزوجل في كتابه الكريم : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ ) (1).
    بحثنا إن شاء الله تعالى في هذه المحاضرة يدور حول الامام المهدي روحي وأرواح العالمين له الفداء ، والبحث عن فكرة الامام المهدي ذات جوانب وجهات متعدّدة ، وانتخبت لكم الحديث عن واحد من تلك الجوانب ، وهو جانب ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه ، لاقوم في محاضرتي هذه بإثبات الولادة ونفي التشكيك عن ذلك.
1 ـ الصف : 8.

(8)

(9)
    التشكيك في فكرة الامام المهدي صلوات الله عليه يمكن إبرازه في بعدين :
    البعد الاول :
    التشكيك في الفكرة من الاساس ، فالامام المهدي سلام الله عليه لم يولد ولا يولد ويرفض القول بأنّه سوف يظهر في آخر الزمان رجل يتم إصلاح العالم على يديه ، مثل هذا الشخص لم يولد ولا يولد ولا تتحقق مثل هذه الفكرة ، هذا بُعد من التشكيك في فكرة الامام المهدي.
    البعد الثاني :
    أن يسلّم بفكرة الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه في الجملة ، ولكن يدّعى أنّ هذه الفكرة بعد لم تولد ، وإنّما تولد فيما بعد ، فشخص بعنوان الامام المهدي لم يتحقق بعد ، وإذا كان هناك مصلح يتحقق على يديه إزالة الظلم فذلك يتحقق ويولد فيما بعد.

    البعد الاوّل : التشكيك في أصل الفكرة
    إذا لاحظنا البُعد الاوّل من التشكيك ، أي : التشكيك في الفكرة من الاساس ، فبالامكان أن نجد المسلمين متفقين تقريباً على بطلان مثل ذلك ، فالامامية وغيرهم قد اتفقت كلمتهم على أنّه سيظهر في آخر


(10)
الزمان رجلٌ يتم إصلاح العالم على يده المباركة ، وقد دلّت على ذلك آيات كثيرة ، كما دلّت على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات.

    الاستدلال بالايات في بطلان التشكيك :
    أمّا الايات فأتمكن أن أقول هي بين خمس إلى ست ، طبيعي الايات التي لا تحتاج إلى تفسير من قبل أهل البيت سلام الله عليهم والتي هي ظاهرة بنفسها ، وواحدة من تلك الايات ما تلوته على مسامعكم الشريفة : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بأَفْواهِهِمْ ) ، نور الله هو الاسلام ( وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ ) ، هذا إخبار من الله عزوجل بأنّ نوره سوف يتمّه على جميع الكرة الارضية ، ومصداق ذلك لم يتحقق بعد ، وحيث أنّه لا يحتمل في حقه سبحانه عز وجل الاخبار على خلاف الواقع ، فلابد وأنّ إتمام النور سوف يتحقق يوماً من الايام ، ولا يحتمل تحقّقه إلاّ على يد هذا المصلح وهو الامام صلوات الله عليه ، هذه الاية بنفسها ظاهرة بلا حاجة الى تفسير روائي.
    ومن هذا القبيل قوله تعالى ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذّكْرِ أنَّ الارْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُون ) (1) ، المقصود من الارض جميع الارض ، ولحدّ الان لم يرث جميع الارض العباد الصالحون ، ولابدّ وأن يتحقق هذا فيما بعد في المستقبل ، ولا يحتمل تحققه إلاّ على يد الامام المهدي صلوات الله وسلامه عليه.
    هاتان الايتان وغيرهما من الايات ـ طبيعي أنا لا أريد أن أقف عند
1 ـ الانبياء : 105.

(11)
هذا البعد من التشكيك ، وإنّما أريد أن أمرّ عليه مرّ الكرام كتمهيد إلى البعد الثاني الذي هو أساس بحثي ـ تدلّ على فكرة الامام المهدي.
    ولكن أعود لاؤكد لكم من جديد أنّ هذه الايات لا تدلّ على أنّ هذا الشخص قد ولد الان وهو موجود الان وغائب عن أعيننا الان ، هذه تدل على أنّه سوف يتحقق هذا الحلم وهذه الامنية في يوم من الايام ، الارض يرثها العباد الصالحون ـ جميع الارض ـ ومن الممكن أنّ الامام لم يولد بعد وسوف يولد في المستقبل ، وتتحقق هذه الامنية على يده في المستقبل من دون أن يكون مولوداً الان ، فمثل هذه الايات لا تثبت ولادة الامام وأنّه غائب ، بل من المحتمل أنّه سوف يولد مثل هذا الشخص في المستقبل.

    الاستدلال بالروايات على بطلان التشكيك :
    الروايات أيضاً في هذه المجال ـ في أصل فكرة الامام المهدي ، وأنّه سوف تتحقق هذه الامنية ، ولو من دون دلالة على أنّ هذا الشخص مولود بالفعل ـ كثيرة وسلّم بها غير الامامية أيضاً ، وألّفوا كتباً في جمع هذه الروايات الدالة على الامام المهدي وأنّه سوف يظهر في آخر الزمان شخص باسم المهدي ، والذي اطلعت عليه أنا أكثر من ثلاثين كتاباً للاخوة من العامة غير الامامية في هذا المجال.
    ومن باب المثال أقرأ لكم بعض الروايات :
    عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنّه قال : « لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجلٌ


(12)
من أهل بيتي يواطئ إسمه إسمي » (1).
    حديث آخر : « لا تقوم الساعة حتى تملا الارض ظلماً وجوراً وعدواناً ثم يخرج من أهل بيتي من يملاها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً » (2).
    وعلى هذا النسق روايات آخرى كثيرة موجودة.
    وقد سلّم بهذه الروايات وبهذه الفكرة في الجملة غيرنا من الاخوة العامّة ، بما فيهم ابن تيمية وابن حجر (3) ، بل في الاونة الاخيرة سلّم بها عبد العزيز بن باز كما ورد في مجلّة الجامعة التي تصدر من المدينة المنوّرة (4) وذكر أنّ هذه الفكرة صحيحة والروايات صحيحة ولا يمكن إنكار هذه الفكرة.
    فالمسلمون إذن بشكل عام قد سلّموا بهذه الفكرة ، للايات والروايات.
    وإذا كان هناك منكر فهو قليل ، ويمكن أن يعدّ شاذاً ، من قبيل ابن خلدون في تاريخه (5) وأبو زهرة في كتابه الامام الصادق (6) ومحمد
1 ـ مسند أحمد 1 : 377 ح 3563 ، ونحوه الصواعق المحرقة : 249.
2 ـ مسند أحمد 3 : 36 ح 10920 ، كنز العمال 14 : 271 ح 38691 ، وفيه : « رجل من عترتي ».
3 ـ الصواعق المحرقة : 249.
4 ـ مجلة الجامعة الاسلامية العدد 3 من السنة الاولى 161 ـ 162.
5 ـ تاريخ ابن خلدون 1 : 199.
6 ـ الامام الصادق : 199.


(13)
رشيد رضا في كتابه تفسير المنار (1) في قوله تعالي : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللهِ ) (2) ، فانه حينما يمرّ بها هناك يقول : الروايات ضعيفة ، فهو يحاول تضعيف الروايات بمجرد دعوى ذلك لا أكثر.
    على أي حال أصل فكرة الامام المهدي وأنّه سوف يتحقق هذا الحلم وتتحقق هذه الامنية مسلّمة من قبل عامة المسلمين تقريباً إلاّ من شذّ ، وقد دلّت عليها الايات كما قلت ، والروايات الكثيرة التي جمعت في ثلاثين كتاب أو أكثر للاخوة العامة فقط.

    البعد الثاني : التشكيك في الولادة
    البعد الثاني للتشكيك هوالتشكيك في ولادة الامام سلام الله عليه ، بمعنى أن يقال : نحن نسلّم بهذه الفكرة وأنّه سيظهر شخص ، لكن هذا الشخص لا يلزم أن يكون هو الامام المهدي ، ولا يلزم أن يكون مولوداً الان ، ولا يلزم أن يكون قد غاب ، ولعلّه يولد في المستقبل والان غير موجود ، ولا توجد غيبة ، فكيف نتمكن أن نثبت ولادة الامام المهدي الان وأنّه قد تحققت ولادته ؟ إن المهم في محاضرتي هذه هو إثبات هذا الموضوع ، وعنونت محاضرتي بعنوان « الامام المهدي سلام الله عليه بين التواتر وحساب الاحتمال » وسأحاول إن شاء الله إثبات ولادة الامام من خلال هذين الطريقين ، أي : طريق التواتر مرّة ، وطريق حساب الاحتمال أخرى.
1 ـ تفسير المنار 10 : 393 ، سورة التوبة ، وله مناقشات حول روايات الامام المهدي ( عليه السلام ) راجع 9 : 499 ـ 507.
2 ـ التوبة : 32.


(14)

(15)
    وقبل أن اشرع بالبحث أودّ أن أبيّن أربع قضايا كمقدمة لتحقيق الهدف :

    القضية الاولى
    أي مسألة تاريخية إذا ما أردنا إثباتها فهناك طريقان لاثباتها :
    أحدهما : التواتر.
    ثانيهما : حساب الاحتمال.
    والتواتر كما تعلمون يعني : أن يخبر بالقضية مجموعة كبيرة من المخبرين بحيث لا نحتمل اجتماعهم واتفاقهم وتواطئهم على الكذب ، فإذا كان خبر من الاخبار جاء ثلاثمائة شخص أو مائتا شخص أخبرونا به ، وكلّ واحد نفترضه من مكان غير مكان الاخر ، في مثل هذه الحالة لا نحتمل تواطؤ الجميع واتفاقهم على الكذب ، مثل هذا الخبر يقال له الخبر المتواتر.
    هذا طريق لتحصيل العلم بالقضية والمسألة التاريخية.
    الطريق الثاني : أن نفترض أنّ الخبر ليس متواتراً ، كما اذا أخبر به واحد أو اثنان أو ثلاثة أو أربعة أو خمسة من دون تواتر ، ولكن انظمّت
الامام المهدي ( عليه السلام ) بين التواتر وحساب الاحتمال ::: فهرس