الامام المهدي ( عليه السلام ) بين التواتر وحساب الاحتمال ::: 16 ـ 30
(16)
إلى ذلك قرائن من هنا وهناك ، يحصل العلم بسببها على مستوى حساب الاحتمال.
    فلنفترض أنّ هناك شخصاً مصاب بمرض عضال ، وجاء شخص وأخبر بأنّ فلاناً قد شوفي من مرضه ، يحصل احتمال أنّه شوفي بدرجة ثلاثين بالمائة مثلاً ، لكن إذا انضمّت إلى ذلك قرائن فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية من ثلاثين إلى أربعين وإلى خمسين وإلى أكثر ، افترض أنّنا شاهدناه لا يستعمل الدواء بعد ذلك وكان حينما يحضر في مكان يستعمل الدواء ، فهذا يقوّي احتمال الشفاء ، وإذا كانت القيمة الاحتمالية للشفاء بدرجة ثلاثين الان ترتفع وتصير بدرجة أربعين مثلاً ، وأيضاً شاهدناه يجلس في المجلس ضاحكاً مستبشراً ، هذه الظاهرة أيضاً تصعّد من القيمة الاحتمالية لهذا الخبر ، وهكذا حينما تنضمّ قرائن من هذا القبيل ، فسوف ترتفع القيمة الاحتمالية للخبر إلى أن تصل الى درجة مائة بالمائة.
    هذا الخبر هو في الحقيقة ليس خبراً متواتراً ، لكن لانضمام القرائن حصل العلم.
    فهنا حصول العلم يحصل بحساب الاحتمال ، يعني بتقوّي القيمة الاحتمالية بسبب انضمام القرائن.
    إذن ، حصول العلم بأي قضية تاريخيّة يتمّ من خلال أمرين :
    من خلال التواتر.
    ومن طريق حساب الاحتمال بتجميع القرائن.
    هذه القضية الاولى التي أحببت الاشارة إليها.


(17)
    القضية الثانية
    لا يلزم في الخبر المتواتر أن يكون المخبر من الثقات ، فان اشتراط الوثاقة في المخبر يلزم في الخبر غير المتواتر ، كما إذا جاءنا شخص واحد أو اثنان أو ثلاثة وأخبرونا بقضية ، هنا يشترط أن يكون المخبر ـ لاجل أن يكون هذا الخبر حجة ـ عادلاً ، أما لو كانت القضية أخبر بها مائة أو مائتان أو ثلاثمائة ، يعني العدد كان يشكّل التواتر فليس من الضروري عدالة المخبر ؟ فالعدالة والوثاقة هي شرط في الخبر غير المتواتر.
    وأرجو أن لا يحصل خلط في هذه القضية بين الخبر المتواتر وبين الخبر غير المتواتر ، إذ البعض يتصور أنّ مسألة الوثاقة ومسألة عدالة الراوي يلزم تطبيقهما حتى في الخبر المتواتر ، هذا غير صحيح ، بل الذي نشترط فيه العدالة والوثاقة هو الخبر غير المتواتر.
    لماذا لا نشترط في الخبر المتواتر العدالة والوثاقة ؟
    النكتة هي : أنّ الخبر المتواتر حسب الفرض يفيد العلم ، لكثرة المخبرين ، وبعد ما أفاد العلم لا معنى لاشتراط الوثاقة والعدالة ، إذ المفروض أنّ العلم حصل ، وليس بعد العلم شيء يُقصد ، فلا معنى إذن لاشتراط الوثاقة والعدالة في باب الخبر المتواتر ، وهذه قضيّة بديهيّة وواضحة في سوق العلم.
    وعلى أساس هذه القضيّة ليس من الحق وليس من الصواب أن نأتي إلى الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي ( عليه السلام ) أو أي قضية ترتبط بالامام المهدي سلام الله عليه ونقول : هذه الرواية ضعيفة السند ، الرواة مجاهيل ، هذا مجهول أو ذاك مجهول ، هذه الرواية الاولى إذن نطرحها ،


(18)
الرواية الثانية الراوي فيها مجهول إذن نطرحها ، والثالثة كذلك ، الرابعة هكذا و ...
    هذا ليس بصحيح ، فان هذا صحيح لو فرض أنّ الرواية كانت واحدة أو اثنتين أو ثلاث أو أربع أو خمس أو عشر ، أما بعد فرض أن تكون الروايات الدالة على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه قد بلغت حدّ التواتر لا معنى أن نقول هذه الرواية الاولى ضعيفة السند ، والثانية ضعيفة السند لجهالة الراوي والثالثة هكذا ، فان هذه الطريقة وجيهة في الخبر غير المتواتر ، أمّا في الخبر المتواتر فلا معنى لها.
    هذه القضيّة الثانية التي أحببت الاشارة إليها.

    القضية الثالثة
    إذا فرض أنّ لدينا مجموعة من الاخبار تختلف في الخصوصيّات والتفاصيل ، لكن الجميع يشترك في مدلول واحد من زاوية ، كما لو فرضنا أنّه جاءنا مجموعة كبيرة من الاشخاص يخبروننا عن تماثل ذلك الشخص المريض للشفاء ، لكن الشخص الاوّل جاء وأخبر بالشفاء في الساعة الواحدة ، والثاني حينما جاء أخبر بالشفاء أيضاً لكن في الساعة الثانية ، والثالث حينما جاء أخبر بشفائه لكن في الساعة الثالثة ، فاختلفوا في رقم الساعة ، لكن الكلّ متفق على أنّه قد شوفي ، والخامس أو السادس جاء وأخبر بالشفاء لكن بهذا الدواء ، والاخر قال بذلك الدواء ، فكان الاختلاف بمثل هذا الشكل ، أي : اختلاف في الخصوصيّات ، لكن الكلّ متفق من زاوية واحدة ، وهي أنّه قد شوفي.
    في مثل هذه الحالة هل يثبت الشفاء ؟


(19)
    نعم أصل الشفاء يثبت بنحو العلم.
    والنكتة في ذلك ، أنّ المخبر الاوّل في الحقيقة يخبر بخبرين لا بخبر واحد : الخبر الاول الذي يخبر به أنّه شوفي ، والخبر الثاني أنّه شوفي في الساعة الاولى ، الثاني حينما يخبر أيضاً يخبر بأنه شوفي ، والثالث حينما يخبر أيضاً يخبر بأنّه شوفي ، إذن هم متفقون في الاخبار الاول أنه شوفي ، لكن يختلفون في الاخبار الثاني ، إذن في الاخبار الاول التواتر موجود والاتفاق بين الجميع موجود.
    ومن هنا نخرج بهذه النتيجة : أنّ الاخبار الكثيرة إذا اتفقت من زاوية على شيء معيّن فالعلم يحصل بذلك الشيء ، وإن اختلفت هذه الاخبار من الجوانب الاخرى في التفاصيل.
    وبعد هذا فليس من حقّنا أن نناقش في روايات الامام المهدي ( عليه السلام ) ونقول : هذه مختلفة في التفاصيل ، واحدة تقول بأنّ أم الامام المهدي اسمها نرجس والثانية تقول أنّ أم الامام اسمها سوسن والثالثة تقول اسمها شيء ثالث ، أو أن واحدة تقول وُلد في هذه الليلة والثانية تقول وُلد في تلك الليلة أو واحدة تقول وُلد في هذه السنة والاخرى تقول في السنة الاخرى ، فعلى هذا الاساس هذه الروايات لا يمكن أن نأخذ بها ، وليست متواترة وليست مقبولة ، لانها تختلف في التفاصيل ، ولا تنفع في إثبات التواتر وفي تحصيل العلم بولادة الامام سلام الله عليه ، لانها مختلفة ومتضاربة فيما بينها حيث اختلفت بهذا الشكل.
    إنه باطل ، لان المفروض أن كل هذه الاخبار متفقة في جانب واحد ، وهو الاخبار بولادة الامام سلام الله عليه ، ولئن اختلفت فهي مختلفة في


(20)
تفاصيل وخصوصيات اُخرى ، لكن في أصل ولادة الامام هي متفقة ، فالعلم يحصل والتواتر يثبت من هذه الناحية.
    هذه القضية الثالثة.

    القضية الرابعة
    وهي الاخيرة التي أردت الاشارة إليها : ليس من حق شخص أن يجتهد في مقابل النص ، فإذا كان عندنا نص صريح الدلالة وتام السند من كلتا الجهتين ، فلا حق لاحد أن يأتي ويقول أنا أجتهد في هذه المسألة.
    فالله عزوجل يقول : ( وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (1) ، وهذه الاية بوضوح تدلّ على الطلب ، غاية ما في الامر ليست صريحة في الطلب الوجوبي ، لكن في أصل الطلب ـ طلب الصلاة وطلب الزكاة ـ دلالتها صريحة وسند القرآن لا مناقشة فيه.
    فلا يحق لاحد أن يقول : أنا أريد أن أجتهد في هذه المسألة وأقول هي لا تدل على الطلب !! ليس له هذا الحق ، وهذا يسمونه اجتهاد في مقابل النص.
    نعم إذا كان يجتهد في الدلالة ويقول لا تدل على الوجوب بل تدل على الاستحباب ، فهذا جيد ، لانّ الدلالة ليست صريحة على الوجوب ، أمّا أن يجتهد في الدلالة على أصل الطلب ويقول أنا أجتهد وأقول لا تدل هذه على اصل الطلب في رأيي فهذا لا معنى له ، لانّ دلالتها على الطلب صريحة والسند أيضاً قطعي.
1 ـ البقرة : 43.

(21)
    على ضوء هذا أخرج بهذه النتيجة أيضاً : ليس من حق أحد أن يقول روايات الامام المهدي أنا اجتهد فيها كما يجتهد الناس في مجالات أخرى ، هذا لا معنى له ، لانّ الروايات حسب الفرض هي واضحة الدلالة صريحة وتامة غير قابلة للاجتهاد ، وسندها متواتر ، فالاجتهاد هنا إذن لا معنى له أيضاً ، فان للاجتهاد مجالاً إذا فرض أنّ الدلالة لم تكن صريحة أو السند لم يكن قطعياً ، أما بعد قطعية السند وصراحة الدلالة ، فالاجتهاد لا معنى له ، فانّه اجتهاد في مقابل النصّ ، وهذه قضية واضحة أيضاً.
    هذه أربع قضايا أحببت الاشارة إليها في مقدّمة بحثي ، والان أدخل في البحث وأريد أن أبيّن عوامل نشوء اليقين بولادة الامام المهدي سلام الله عليه ، وسوف نلاحظ أن هذه العوامل إما تفيد التواتر ، أو تفيد اليقين بحساب الاحتمال ، كما أوضّح لكم فيما بعد.


(22)

(23)
    العامل الاول
    الاحاديث الكثيرة المسلّمة بين الفريقين الامامية وغيرهم ، والتي تدلّ على ولادة الامام سلام الله عليه ، ولكن من دون أن ترد في خصوص الامام المهدي وبعنوانه ، فهي تدلّ على ولادة الامام من دون أن تنصب على هذا الاتجاه ، وأذكر لكم في هذا المجال ثلاثة أحاديث :
    الحديث الاول : حديث الثِقْلين أو الثَقَلَين ، الذي هو حديث متواتر بين الامامية والاخوة العامة ، ولا مجال للمناقشة في سنده ، قاله النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في مواطن متعدّدة : في حجة الوداع ، في حجرته المباركة ، في مرضه ، وفي ... ، فإذا رأينا اختلافاً في بعض ألفاظ الحديث فهو ناشئ من اختلاف مواطن تعدّد ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لهذا الحديث :
    « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي ، أحدهما أكبر من الاخر ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض » (1).
1 ـ راجع : المستدرك للحاكم 3 : 109 ، المعجم الكبير للطبراني 5 : 166 ح 4969 ، تاريخ بغداد 8 : 442 ، حلية الاولياء 1 : 355 ، مجمع الزوائد 9 : 164 ، وغيرها كثير جداً.

(24)
    لاحظوا : « ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض » ، يعني أن الكتاب مع العترة ، من البداية ، من زمان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الى أن يردا عليه الحوض.
    وهذا يدلّ على أنّ العترة الطاهرة مستمرة مع الكتاب الكريم ، وهذا الاستمرار لا يمكن توجيهه إلاّ بافتراض أنّ الامام المهدي ( عليه السلام ) قد ولد ولكنه غائب عن الاعين ، إذ لو لم يكن مولوداً وسوف يولد في المستقبل لافترق الكتاب عن العترة الطاهرة ، وهذا تكذيب ـ استغفر الله ـ للنبي ، فهو يقول : « ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض » هذا لازمه أنّ العترة لها استمرار وبقاء مع الكتاب الى أن يردا على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، وهذا لا يمكن توجيهه إلاّ بما قلت : إن الامام المهدي سلام الله عليه قد ولد ولكنه غائب ، وإلاّ يلزم الاخبار على خلاف الواقع.
    وهذا حديث واضح الدلالة ، يدل على ولادة الامام سلام الله عليه ، لكن كما قلت هذا الحديث لم يرد ابتداءاً في الامام المهدي ، وإنّما هو منصبّ على قضيّة ثانية : « وإنّهما لن يفترقا » ، لكن نستفيد منه ولادة الامام بالدلالة الالتزامية.
    وقد يقول قائل : لنفترض أن الامام ( عليه السلام ) لم يولد ، ولكن في فترة الرجعة التي ستقع في المستقبل يرجع الامام العسكري ( عليه السلام ) ، ويتولد آنذاك الامام المهدي ( عليه السلام ) ، إن هذه فريضة ممكنة وعلى أساسها يتم التلائم بين صدق الحديث وافتراض عدم ولادة الامام ( عليه السلام ).
    وجوابنا : أن لازم هذه الفريضة تحقق الافتراق بين العترة الطاهرة والكتاب الكريم في الفترة السابقة على فترة الرجعة ، ففي هذه الفترة لا


(25)
وجود للامام المهدي ( عليه السلام ) ولا وجود للعترة وقد تحقق فيها افتراق الكتاب الكريم عن العترة الطاهرة.
    الحديث الثاني : حديث الاثني عشر ، وهذا أيضاً حديث مسلّمٌ بين الفريقين ، يرويه البخاري ومسلم وغيرهما من طرق أهل السنة ، ومن طرقنا أيضاً قد رواه غير واحد كالشيخ الصدوق مثلاً في كمال الدين والحديث منقول عن جابر بن سمرة يقول :
    دخلت مع أبي على النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسمعته يقول : « إنّ هذا لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة » ، ثم تكلّم بكلام خفي عليّ ، فقلت لابي ما قال ؟ قال : كلّهم من قريش (1).
    وهذا الحديث من المسلّمات أيضاً ، وليس له تطبيق معقول ومقبول إلاّ الائمة الاثني عشر ( عليهم السلام ).
    وجاء البعض وحاول تطبيقه على الخلفاء الراشدين واثنين أو ثلاثة من بني أميّة واثنين أو ثلاثة من بني العباس.
    إن هذا تطبيق غير مقبول ، وكلّ شخص يلاحظ هذا الحديث يجده إخباراً غيبي من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن قضية ليس لها مصداق وجيه ومقبول سوى الائمة صلوات الله عليهم الاثني عشر.
    وهذا الحديث بالملازمة يدلّ على ولادة الامام المهدي سلام الله عليه ، إذ لو لم يكن مولوداً الان ، والمفروض أنّ الامام العسكري توفي ،
1 ـ كمال الدين : 272 ، والغيبة للطوسي : 128.
     وانظر صحيح البخاري 9 : 729 كتاب الاحكام باب الاستخلاف ، وصحيح مسلم 3 : 220 ح 1821 كتاب الامارة ، ومسند أحمد 5 : 90.


(26)
ولم يحتمل أحد أنه موجود ، إذن كيف يولد الامام المهدي من أب هو متوفى.
    فلابدّ وأن نفترض أنّ ولادة الامام ( عليه السلام ) قد تحقّقت ، وإلاّ هذا الحديث يعود تطبيقه غير وجيه.
    فهذا الحديث بالدلالة الالتزامية يدل على ولادة الامام صلوات الله وسلامه عليه.
    الحديث الثالث الذي أريد أن أذكره في هذا المجال ، حديث أيضاً مسلّم سنداً بين الفريقين ، وهو قوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    « من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهليّة » (1) ، هذا أيضاً يرويه أهل السنة ، ويرويه الشيخ الكليني في الكافي ، فهو مسلّم عند السنّة والشيعة.
    فإذا لم يكن الامام المهدي ( عليه السلام ) مولوداً الان ، فهذا معناه نحن لا نعرف إمام زماننا ، فميتتنا ميتة جاهلية.
    فالحديث يدلّ على أنّ كلّ زمان لابدّ فيه من إمام ، وكلّ شخص مكلّف بمعرفة ذلك الامام ومكلّف بأن لا يموت ميتة جاهلية ، فلو لم يكن الامام مولوداً إذن كيف نعرف إمام زماننا ؟.
    هذه أحاديث ثلاثة ، وإن لم تكن منصبّة على الامام المهدي صلوات الله عليه مباشرة ، ولكنّها بالدلالة الالتزامية تدلّ على أنّ الامام سلام الله عليه قد ولد وتحققت ولادته.
1 ـ كمال الدين : 409 ح 9 ، المناقب لابن شهر آشوب 3 : 217 ، ونحوه الكافي 1 : 377 ح3 ، وفي مسند الطيالسي : 259 ، وصحيح مسلم 3 : 239 ح 1851 عن عبد الله بن عمر : «...من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهليّة ».

(27)
    العامل الثاني
    إخبار النبي والائمة صلوات الله عليهم بأنّه سوف يولد للامام العسكري ولد يملا الارض قسطاً وعدلاً ويغيب ، ويلزم على كلّ مسلم أن يؤمن بذلك.
    هذه الاحاديث كثيرة ، فالشيخ الصدوق في كمال الدين جعلها في أبواب :
    باب ما روي عن النبي في الامام المهدي ، ذكر فيه خمسة وأربعين حديثاً.
    ثم بعد ذلك ذكر باب ما روي عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في الامام المهدي.
    ثم باب عن الزهراء سلام الله عليها وما ورد عنها في الامام المهدي ( عليه السلام ) ، ذكر فيه أربعة أحاديث.
    ثم عن الامام الحسن ( عليه السلام ) ، ذكر فيه حديثين.
    ثم عن الامام الحسين ( عليه السلام ) ، ذكر فيه خمسة أحاديث.
    ثم عن الامام السجاد ( عليه السلام ) ، ذكر فيه تسعة أحاديث.
    ثم عن الامام الباقر ( عليه السلام ) ، ذكر فيه سبعة عشر حديثاً.


(28)
    ثم عن الامام الصادق ( عليه السلام ) ، ذكر فيه سبعة وخمسين حديثاً.
    وقد جمعتُ الاحاديث فكانت مائة وثلاثة وتسعين حديثاً.
    هذا فقط ما يرويه الشيخ الصدوق في الاكمال (1) ، ولا أريد أن أضمّ ما ذكره الكليني في الكافي ، والشيخ الطوسي ، وغيرهما (2) ، وربما آنذاك يفوق العدد الالف رواية.
    وتبرّكاً وتيمّناً أذكر حديثاً واحداً عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وحديثين عن الامام الصادق سلام الله عليه.
    أمّا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) :
    فهو ما رواه ابن عباس قال : سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « ... ألا وإنّ الله تبارك وتعالى جعلني وإيّاهم حججاً على عباده ، وجعل من صلب الحسين أئمة يقومون بأمري ، ويحفظون وصيّتي ، التاسع منهم قائم أهل بيتي ومهدي أمتي ، أشبه الناس بي في شمائله وأقواله وأفعاله ، يظهر بعد غيبة طويلة ... » إلى آخر الحديث (3).
    وبهذا المضمون أو قريب منه أحاديث كثيرة ، وبعض الاحاديث تذكر أسماء الائمة صلوات الله عليهم.
    وأمّا عن الامام الصادق ( عليه السلام ) :
    فهو ما رواه محمد بن مسلم بسند صحيح متفق عليه قال : سمعت أبا
1 ـ كمال الدين : 256 ـ 384.
2 ـ الكافي 1 : 328 ـ 335 ، والغيبة للطوسي : 157 ، البحار 51 : 65 ـ 162.
3 ـ كمال الدين : 257 ح 2 ، كفاية الاثر : 10.


(29)
عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « إن بلغكم عن صاحبكم غيبة فلا تنكروها » (1).
    وحديث آخر عن زرارة يقول : سمعت أبا عبد الله ( عليه السلام ) يقول : « إنّ للقائم غيبة قبل أن يقوم ، يا زرارة وهو المنتظر ، وهو الذي يشك في ولادته » (2).
    فمسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق ( عليه السلام ) من ذلك الزمان ، فكان أوّل من شكك في الولادة جعفر عمّ الامام المهدي ( عليه السلام ) ، لعدم اطلاعه على الولادة ، ووجود تعتيم إعلامي قوي على مسألة ولادة الامام المهدي ( عليه السلام ) ، نتيجة الظروف الحرجة المحيطة بالامامة في تلك الفترة ، حتى أنّه لم يجز الائمة التصريح باسم الامام المهدي ، فجعفر ما كان مطّلعاً على أنّ الامام العسكري ( عليه السلام ) له ولد باسم الامام المهدي ، لذلك فوجئ بالقضية وأنكر أو شكّك في الولادة ، فهو اوّل من شكك.
    ثم تلاه في التشكيك ابن حزم في كتابه الفصل في الملل والاهواء والنحل ، شكّك في مسألة الولادة فقال : وتقول طائفة منهم ـ أي من الشيعة ـ أنّ مولد هذا يعني الامام المهدي الذي لم يخلق قط في سنة ستين ومائتين ، سنة موت أبيه (3).
    وتبعه على ذلك محمد اسعاف النشاشيبي في كتابه الاسلام الصحيح ، يقول : ولم يعقب الحسن ـ يعني العسكري سلام الله عليه ـ
1 ـ الكافي 1 : 340 ح 15 ، الغيبة للطوسي : 161 ح 118.
2 ـ كمال الدين : 342 ح 24.
3 ـ الفصل 3 : 114.


(30)
ذكراً ولا أنثى (1).
    على أي حال مسألة التشكيك في الولادة أخبر بها الامام الصادق ( عليه السلام ) ، وكانت موجودة من تلك الفترة ، فالامام يقول لزرارة : « وهو المنتظر وهو الذي يشك في ولادته ، منهم من يقول مات أبوه بلا خلف ، ومنهم من يقول أنّه ولد قبل موت أبيه بسنتين ... » إلى أن يقول الامام : « يا زرارة إذا أدركت ذلك الزمان فادعوا بهذا الدعاء : « اللّهم عرّفني نفسك فانّك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيّك ، اللّهم عرّفني رسولك فانّك إن لم تعرّفني رسولك لم أعرف جحتك ، اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرّفني حجتك ضللت عن ديني » (2).
    واقعاً الانسان والعياذ بالله فجأةً يضلّ عن الدين من حيث لا يشعر ، فالدعاء بهذا ضروري للبقاء بالتمسّك بهذا المذهب الصحيح : « اللّهم عرّفني حجتك فانّك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني ».
    ومن الاشياء التي لا تنبغي الغفلة عنها الادعية المعروفة عن أهل البيت صلوات الله عليهم ، ومنها هذا الدعاء : « اللّهم كن لوليك الحجة ابن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كلّ ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً » (3).
    ومن الطبيعي أنّ الائمة صلوات الله عليهم يذكرون هذا الدعاء
1 ـ الاسلام الصحيح : 348.
2 ـ كمال الدين : 342 ح 24.
3 ـ الكافي 4 : 162.
الامام المهدي ( عليه السلام ) بين التواتر وحساب الاحتمال ::: فهرس