الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة ::: 91 ـ 105
(91)
    وأمّا قوله : « من لم يقل برجعتنا فليس منّا » فإنّما أراد بذلك ما يختصّه من القول به ، في أنّ الله تعالى يحشر قوماً من اُمّة محمد ( صلى الله عليه وآله ) بعد موتهم قبل يوم القيامة ، وهذا مذهب يختصّ به آل محمّد ( عليهم السلام ) ، والقرآن شاهد به ، قال الله تعالى في ذكر الحشر الأكبر يوم القيامة ( وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ) (1) وقال سبحانه في حشر الرجعة قبل يوم القيامة ( وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّة فَوْجاً مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا ) (2) فأخبر أنّ الحشر حشران : عامّ وخاصّ.
    وقال سبحانه مخبراً عمّن يحشر من الظالمين أنّه يقول يوم الحشر الأكبر ( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوج مِن سَبِيل ) (3) وللعامّة في هذه الآية تأويل مردود ، وهو أن قالوا : المعنى أنّه خلقهم أمواتاً ثمّ أماتهم بعد الحياة.
    وهذا باطل لا يستمرّ (4) على لسان العرب ؛ لأنّ الفعل لا يدخل إلا على من كان بغير الصفة التي انطوى اللفظ على معناها ، ومن خلقه (5) الله أمواتاً لا يقال أماته ، وإنّما يدخل (6) ذلك فيمن طرأ عليه الموت بعد الحياة ، كذلك لا يقال أحيا الله ميتاً إلا أن يكون قبل إحيائه ميّتاً ، وهذا بيّن لمن تأمّله.
    وقد زعم بعضهم أنّ المراد الموتة التي تكون (7) بعد سؤالهم في القبور فتكون
1 ـ سورة الكهف 18 : 47.
2 ـ سورة النمل 27 : 83.
3 ـ سورة غافر 40 : 11.
4 ـ في المصدر : لا يجري.
5 ـ في « ش » : خلقهم.
6 ـ في المصدر : يقال.
7 ـ في « ط » : الموت الذي يكون.


(92)
الاُولى قبل الإقبار ، والثانية بعده ، وهذا أيضاً باطل من وجه آخر ، وهو أنّ الحياة للمسألة ليس للتكليف (1) ، فيندم الإنسان على ما فاته في حاله ، وندم القوم على ما فاتهم في حياتهم المرّتين يدلّ على أنّه لم يرد حياة المسألة ، لكنّه أراد حياة الرجعة التي تكون لتكليفهم (2) الندم على تفريطهم فلا يفعلون ذلك ، فيندمون يوم العرض على ما فاتهم من ذلك.
    والرجعة عندنا تختصّ بمن محض الإيمان ومحض الكفر ، دون من سوى هذين الفريقين ، فإذا أراد الله تعالى على ما ذكرناه أوهم الشياطين أعداء الله عزّ وجلّ أنّهم إنّما ردّوا إلى الدنيا لطغيانهم على الله ، فيزدادوا عتوّاً ، فينتقم الله منهم بأوليائه ، ويجعل لهم الكرّة عليهم ، فلا يبقى منهم إلا من هو مغموم بالعذاب ، وتصفو الأرض ويكون الدين لله.
    وقد قال قوم : كيف يعود (3) الكفّار بعد الموت إلى طغيانهم وقد عاينوا عذاب البرزخ ؟ فقلت : ليس ذلك بأعجب من الكفّار الذين يشاهدون العذاب فيقولون ( يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (4) فقال الله تعالى ( وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ ) (5) فلم يبق للمخالف بعد هذا شبهة يتعلّق بها (6).
    وقال (7) الشيخ المفيد أيضاً في جواب مسائله عن الرجعة : وعمّن يرجع فيها محمّد ( صلى الله عليه وآله ) وأهل بيته ، واُمّته الذين محض الإيمان والكفر ، دون من سلف من
1 ـ في « ح » : لا للتكليف.
2 ـ في « ح » : لتكليف ، وفي « ش » : لتكلّفهم.
3 ـ في « ح » : يرد.
4 و 5 ـ سورة الأنعام 6 : 27 و 28.
6 ـ المسائل السروية : 32 ـ 36 ( ضمن مصنّفات المفيد ج 7 ) باختلاف.
7 ـ من هنا إلى آخر قول المفيد. أثبتناه من نسخة « ح ».


(93)
الاُمم الخالية والقرون البالية (1).
    وقال السيِّد المرتضى علم الهدى في جواب المسائل التي وردت عليه من الري حيث سألوا عن حقيقة الرجعة ; لأنّ شذّاذ الإماميّة يذهبون إلى أنّ الرجعة رجوع دولتهم في أيّام القائم ( عليه السلام ) دون رجوع أجسامهم (2).
    الجواب : إنّ الذي تذهب إليه الشيعة الإماميّة أنّ الله يعيد عند ظهور إمام الزمان المهدي ( عليه السلام ) قوماً ممّن كان تقدّم موته من شيعته ، ليفوزوا بثواب نصرته ومعونته ، ومشاهدة دولته. ويعيد أيضاً قوماً من أعدائه لينتقم منهم ، والدليل على صحّة ذلك أنّ ذلك لا شبهة على عاقل أنّه مقدور لله غير مستحيل ، فإنّا نرى كثيراً من مخالفينا ينكرون الرجعة إنكار من يراها مستحيلة.
    وإذا ثبت جواز الرجعة فالطريق إلى إثباتها إجماع الإماميّة ، فإنّهم لا يختلفون في ذلك ، وإجماعهم ـ قد بيّنّا في غير موضع من كتبنا أنّه ـ حجّة ، وبيّنّا أنّ الرجعة لا تنافي التكليف ، فلا يظنّ ظانّ أنّ التكليف معها باطل ، فإنّ التكليف كما يصحّ مع ظهور المعجزات ، فكذا يصحّ مع الرجعة ، لأنّه ليس في ذلك ملجأ إلى فعل الواجب وترك القبيح.
    فأمّا من تأوّل الرجعة بأنّ معناها رجوع الدولة دون رجوع الأشخاص وإحياء الأموات ، فإنّ قوماً من الشيعة لمّا عجزوا عن نصرة الرجعة عوّلوا على هذا التأويل ، وهذا غير صحيح ؛ لأنّ الرجعة لم تثبت بظواهر الأخبار المنقولة (3) فتطرّق التأويلات عليها ، وكيف يثبت ما هو مقطوع على صحّته بأخبار الآحاد
1 ـ المسائل السروية : 35 ( ضمن مصنفات المفيد ج 7 ) باختلاف.
2 ـ في « ح » : أجسادهم.
3 ـ ( المنقولة ) لم ترد في « ط ».


(94)
التي لاتوجب العلم !
    وإنّما المعوّل في إثبات الرجعة على إجماع الإماميّة على معناها ، بأنّ الله يُحيي أمواتاً عند قيام القائم ( عليه السلام ) من أوليائه وأعدائه ، فكيف يتطرّق التأويل على ما هو معلوم فالمعنى غير محتمل (1) « انتهى ».
    وقال السيِّد رضيّ الدين بن طاووس في « الطرائف » : روى مسلم في صحيحه ـ في أوائل الجزء الأوّل ـ بإسناده إلى الجرّاح بن مليح ، قال : سمعت (2) جابراً يقول : عندي سبعون ألف حديث عن أبي جعفر الباقر ( عليه السلام ) ، عن النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) تركوها كلّها.
    ثمّ ذكر مسلم في « صحيحه » : بإسناده إلى محمّد بن عمر الرازي ، قال : سمعت جريراً (3) يقول : لقيت جابر بن يزيد الجعفي (4) فلم أكتب عنه ; لأنّه كان يؤمن بالرجعة.
    قال ابن طاووس : انظر كيف حرموا أنفسهم الإنتفاع برواية سبعين ألف حديث عن نبيّهم برواية أبي جعفر ( عليه السلام ) الذي هو من أعيان أهل بيته ، الذين (5) أمرهم الله بالتمسّك بهم ، وإنّ أكثر المسلمين أو كلّهم قد رووا إحياء الأموات في الدنيا ، وحديث إحياء الله الأموات في القبور للمسألة ، وقد تقدّمت روايتهم عن أهل الكهف ، وهذا كتابهم يتضمّن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (6) والسبعون الذين أصابتهم الصاعقة
1 ـ رسائل الشريف المرتضى 1 : 125 ـ 126.
2 ـ في « ط » : سمعنا.
3 ـ في « ح » : حريزاً.
4 ـ ( الجعفي ) لم يرد في « ط ».
5 ـ في « ش » : الذي.
6 ـ سورة البقرة 2 : 243.


(95)
مع موسى ، وحديث العزير ومن أحياه عيسى بن مريم ، وحديث جريح الذي أجمع على صحّته ، وحديث الذين يحييهم الله في القبور للمسألة ، فأيّ فرق بين هؤلاء وبين ما رواه أهل البيت وشيعتهم من الرجعة ، وأيّ ذنب لجابر في ذلك حتّى يُسقَط حديثه (1) « انتهى ».
    وتأتي جملة اُخرى من عبارات علمائنا في هذا المعنى إن شاء الله تعالى (2).

    الخامس : الضرورة ، فإنّ ثبوت الرجعة من ضروريّات مذهب الإماميّة عند جميع العلماء المعروفين والمصنّفين المشهورين ، بل يعلم العامّة أنّ ذلك من مذهب الشيعة ، فلا ترى أحداً يعرف اسمه ويعلم (3) له تصنيف من الإماميّة يصرّح بإنكار الرجعة ولا تأويلها ، ومعلوم أنّ الضروري والنظري يختلف عند الناظرين ، فقد يكون الحكم ضروريّاً عند قوم ، نظرياً عند آخرين ، والذي يعلم بالتتبّع أنّ صحّة الرجعة أمر محقّق معلوم مفروغ منه مقطوع به ، ضروريّ عند أكثر علماء (4) الإماميّة أو الجميع ، حتّى لقد صنّفت الإماميّة كتباً كثيرة في إثبات الرجعة كما صنّفوا في إثبات المتعة وإثبات الإمامة وغير ذلك ، ولا يحضرني أسماء جميع تلك (5) الكتب وأنا أذكر ما حضرني من ذلك.
    قال الشيخ الجليل رئيس الطائفة أبو جعفر الطوسي في « فهرست علماء الشيعة ومصنّفيهم » : أحمد بن داود بن سعيد الفزاري يكنّى أبا يحيى الجرجاني ، كان من أجلّة أصحاب الحديث من العامّة ، ورزقه الله هذا الأمر واستبصر ، وله مصنّفات
1 ـ الطرائف في معرفة مذاهب الطوائف : 190 ـ 191 ، صحيح مسلم 1 : 20 ـ المقدّمة.
2 ـ إلى هنا انتهى ما سقط من « ك ».
3 ـ في « ح ، ك » : أو يعلم ، وفي « ط » : ويعرف.
4 ـ في « ط » : علمائنا.
5 ـ « تلك » لم ترد في « ط ، ش ».


(96)
كثيرة في فنون الاحتجاج على المخالفين ـ إلى أن قال ـ : فمن كتبه كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ : كتاب المتعة ، كتاب الرجعة (1).
    وقال النجاشي في كتاب « الرجال » : أبو يحيى الجرجاني ، قال الكشّي : كان من أجلّة (2) أصحاب الحديث ، ورزقه الله هذا الأمر ، وصنّف في الردّ على الحشوية (3) تصنيفاً كثيراً ، فمنها كتاب خلاف عمر ـ إلى أن قال ـ : كتاب المتعة والرجعة (4).
    وقال النجاشي في ترجمة الحسن بن علي بن أبي حمزة : له كتب منها كتاب القائم ، كتاب الدلائل ، كتاب المتعة ، كتاب الرجعة ، كتاب فضائل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) (5).
    وقال النجاشي أيضاً : الفضل بن شاذان كان ثقة أجلّ أصحابنا الفقهاء والمتكلِّمين وله جلالة في هذه الطائفة ، وهو في فضله أشهر من أن نصفه ، ذكر الكنجي أنّه صنّف مائة وثمانين كتاباً وقع إلينا منها : كتاب النقض على الإسكافي ـ إلى أن قال ـ : كتاب إثبات الرجعة ، كتاب الرجعة ، كتاب حذو النعل بالنعل (6)
1 ـ فهرست الطوسي : 80 ـ 81 / 100.
2 ـ الحشوية : وسمّيت بالحشوية لأنّهم يحشّون الأحاديث التي لا أصل لها في الأحاديث المرويّة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجميع الحشوية يقولون بالجبر والتفويض.
    المقالات والفرق لسعد بن عبد الله الأشعري : 136.
3 ـ رجال النجاشي : 454 / 1231.
4 ـ رجال النجاشي : 454 / 1231.
5 ـ نفس المصدر : 37 / 73.
6 ـ في حاشية نسخة « ك ، ط » : الظاهر أنّه في مشابهة أحوال هذه الاُمّة لأحوال بني إسرائيل في الرجعة وغيرها ، وقد ألّف الراوندي كتاباً مختصراً في ذلك وجعله ملحقاً بكتاب الخرائج والجرائح « منه ( رحمه الله ) ».


(97)
« انتهى » (1).
    وقال الشيخ الطوسي في « الفهرست » : الفضل بن شاذان متكلِّم جليل القدر ، له كتب منها : كتاب الفرائض ـ إلى أن قال ـ : كتاب في إثبات الرجعة (2) « انتهى ».
    وروى الكشّي في مدحه وجلالته أحاديث بليغة تدلّ على صحّة اعتقاداته ، والاعتماد على مؤلّفاته ، فانظر إلى هذا الشيخ الجليل (3) الذي هو أجلّ علماء الشيعة ومصنّفيهم ، قد صنّف كتابين في إثبات الرجعة بل ثلاثة فكيف إذا انضمّ إليه غيره (4).
    وقد ذكر النجاشي في ترجمة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه بعدما ذكر له مدائح جليلة وأنّه ألّف كتباً كثيرة وعدّ منها كتاب المتعة ، كتاب الرجعة ونحوه (5).
    ذكر الشيخ في « الفهرست » وذكر من كتبه ومصنّفاته كتاب « حذو النعل بالنعل » (6).
    وقال العلاّمة في « الخلاصة » : محمّد بن مسعود العيّاشي ثقة صدوق عين من عيون هذه الطائفة وكبيرها ، جليل القدر واسع الأخبار بصير بالرواية ، مضطلع بها ، له كتب كثيرة ، تزيد على مائتي مصنّف ونحوه (7).
1 ـ رجال النجاشي : 307 / 840.
2 ـ فهرست الطوسي : 197 و 198 / 563.
3 ـ ( الجليل ) لم يرد في « ح ، ط ، ك ».
4 ـ رجال الكشّي : 537 / 1023.
5 ـ رجال النجاشي : 39 / 1049.
6 ـ فهرست الطوسي : 237 / 710.
7 ـ خلاصة الأقوال : 246 / 836.


(98)
    وقال النجاشي والشيخ وذكرا من جملة كتبه ومصنّفاته كتاب الرجعة (1).
    وقد نقل جميع ما ذكرناه من علماء الرجال هنا مولانا ميرزا محمّد الاسترابادي في كتابه في الرجال (2).
    وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة أمر قد صار ضرورياً ما يأتي نقله عن كتاب « سليم بن قيس الهلالي » (3) الذي صنّفه في زمان أمير المؤمنين ( عليه السلام ) وقوله : حتّى صرت ما أنا بيوم القيامة أشدّ يقيناً منّي بالرجعة (4) « انتهى ».
    وقد تجدّد بعده من الأحاديث التي يأتي ذكرها ما يزيد ذلك اليقين أضعافاً مضاعفة ، وقد صنّف المتأخِّرون من علمائنا أيضاً رسائل وكتباً في إثبات الرجعة ، وقد حضرني منها ثلاث رسائل ، ولم تصل إلينا الكتب السابقة المذكورة في إثبات الرجعة لننقل بعض ما فيها من الأحاديث والأدلّة ، وفيما وصل إلينا من الأحاديث المتفرّقة في الكتب المشهورة الآن (5) كفاية إن شاء الله تعالى.
    وقال السيِّد الجليل رضيّ الدين علي بن طاووس في كتاب « كشف المحجّة لثمرة المهجة » : جمعني وبعض أهل الخلاف مجلس منفرد ، فقلت لهم : ما الذي تنكرون على الإماميّة ؟ فقالوا : نأخذ عليهم تعرّضهم بالصحابة ، ونأخذ عليهم القول بالرجعة وبالمتعة ، ونأخذ عليهم حديث المهدي وأنّه حيّ مع تطاول زمان
1 ـ رجال النجاشي : 352 / 944 ، فهرست الطوسي : 214 / 604.
2 ـ منهج المقال : 396 ـ ترجمة أحمد بن داود الجرجاني و 102 ـ ترجمة الحسن بن أبي حمزة و 260ـ ترجمة الفضل بن شاذان و 307 ـ ترجمة محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه و 319ـ ترجمة محمّد بن مسعود العيّاشي.
3 ـ ( الهلالي ) لم يرد في « ح ، ش ، ك ».
4 ـ كتاب سليم بن قيس الهلالي 2 : 562.
5 ـ ( الآن ) أثبتناها من « ح ، ط ، ش ، ك ».


(99)
غيبته.
    قال : فقلت لهم : أمّا تعرّض من أشرتم إليه بذمّ الصحابة ـ إلى أن قال ـ : وأمّا ما أخذتم عليهم من القول بالرجعة ، فأنتم تروون أنّ النبيّ ( صلى الله عليه وآله ) قال : « إنّه يجري في اُمّته ما جرى في الاُمم السابقة ». وهذا القرآن يتضمّن ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوْا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ) (1) فشهد أنّه قد أحياهم في الدنيا وهي رجعة ، فينبغي أن يكون في هذه الاُمّة مثل ذلك فوافقوا (2) على ذلك (3). ثمّ ذكر كلامه معهم في القول بالمتعة وفي غيبة (4) المهدي ( عليه السلام ).
    وروى ابن بابويه في كتاب « كمال الدين وتمام النعمة » والشيخ الطوسي في كتاب « الغيبة » والطبرسي في كتاب « الاحتجاج » بأسانيدهم في توقيعات صاحب الأمر ( عليه السلام ) (5) على مسائل محمّد بن عبدالله بن جعفر الحميري أنّه سأله عن رجل ممّن يقول بالحقّ ويرى المتعة ويقول بالرجعة ، إلا أنّ له أهلاً موافقة له قد عاهدها أن لا يتزوّج عليها ولا يتمتّع ولا يتسرّى.
    الجواب : « يستحبّ له أن يطيع الله بالمتعة ليزول عنه الحلف في المعصية ولو مرّة واحدة » (6).
1 ـ سورة البقرة 2 : 243.
2 ـ في « ك » : موافق.
3 ـ كشف المحجّة : 54 ـ 55.
4 ـ في « ح ، ط » : وغيبة. بدل من : وفي غيبة.
5 ـ في « ح » : صاحب الزمان ( عليه السلام ).
6 ـ لم أعثر عليه في الكمال ولا في كتب الصدوق ، وقد أورده المصنّف في الوسائل 21 : 17/3 ، عن الاحتجاج ولم يُشر إلى كتب الشيخ الصدوق ، كتاب الغيبة : 383 ، الاحتجاج 2 : 572 ـ 573.


(100)
    أقول : فهذا يدلّ على أنّ القول بالرجعة من خواصّ الشيعة وعلامات التشيّع مثل إباحة المتعة ونحوها من الضروريّات ، وتقرير المهدي ( عليه السلام ) له على ذلك يدلّ على صحّته.
    وروى الطبرسي في « الاحتجاج » قال : قد كانت لأبي جعفر مؤمن الطاق مقامات مع أبي حنيفة ، فمن ذلك : ما روي أنّه قال يوماً لمؤمن الطاق : إنّكم تقولون بالرجعة ؟ قال : نعم ، قال أبو حنيفة : فأعطني الآن ألف درهم حتّى اُعطيك ألف دينار إذا رجعنا ، قال الطاقي (1) لأبي حنيفة : فأعطني كفيلاً أنّك ترجع إنساناً ولا ترجع خنزيراً (2).
    أقول : هذا كما ترى أيضاً (3) يدلّ على أنّ القول بالرجعة أمر معلوم من مذهب الإماميّة يعرفه المؤالف والمخالف ، وهذا معنى ضروري (4) المذهب ، وهذا أعلى مرتبة من الإجماع ، وفيه دلالة واضحة على بطلان تأويل الرجعة برجوع الدولة وقت خروج المهدي ( عليه السلام ) ، مضافاً إلى التصريحات الباقية الآتية.
    وقد قال النجاشي أيضاً في « كتاب الرجال » : محمّد بن علي بن النعمان مؤمن الطاق ، روى عن أبي جعفر وأبي عبدالله ( عليهما السلام ) فأمّا منزلته في العلم وحسن الخاطر فأشهر من أن يذكر ـ ثمّ ذكر جملة من كتبه إلى أن قال ـ : وكان له مع أبي حنيفة حكايات منها أنّه قال له : يا أبا جعفر أتقول بالرجعة ؟ فقال : نعم ، قال : أقرضني من كيسك هذا خمسمائة دينار ، فإذا عدت أنا وأنت رددتها إليك ، فقال له في الحال :
1 ـ في « ك » : مؤمن الطاق.
2 ـ الاحتجاج 2 : 313 ـ 314.
3 ـ ( أيضاً ) لم ترد في « ط ».
4 ـ في « ط » : ضرورة.


(101)
أريد ضميناً يضمن لي أنّك تعود إنساناً ، فإنّي (1) أخاف أن تعود قرداً فلا أتمكَّن من استرجاع ما أخذت منّي (2) « انتهى ».
    وممّا يدلّ على أنّ صحّة الرجعة قد صارت ضروريّة عند كلّ من تتبّع الأحاديث ، إنّك لا تجد في الضروريّات كوجوب الصلاة وتحريم الزنا أكثر من الأحاديث الدالّة على صحّة الرجعة.
    وممّا يدلّ على ذلك أنّ العامّة قد نقلوا في كتبهم عن الإماميّة أنّهم قائلون بالرجعة وأنكروا عليهم ذلك ، فمنهم الرازي ، والنيشابوري ، والزمخشري ، والشهرستاني ، وابن أبي الحديد وغيرهم ، فقد ذكروا أنّ الشيعة تعتقد صحّة الرجعة ، وأنكروا عليهم ذلك (3) ، وهو دالّ على صحّتها وأنّها من خواصّ الشيعة وضروريّات مذهبهم.
    قال محمّد بن عبد الكريم الشهرستاني في كتاب « الملل والنحل » في بحث الجعفريّة القائلين بإمامة جعفر بن محمّد الصادق ( عليه السلام ) ما هذا لفظه : وهو ذو علم غزير في الدين ، وأدب كامل في الحكمة ، وزهد بالغ في الدنيا ، وقد أقام بالمدينة مدّة يفيد المنتمين (4) إليه من الشيعة أسرار العلوم ـ إلى أن قال ـ : وقد تبرّأ (5) من خصائص مذاهب الرافضة وحماقاتهم من القول بالغيبة والرجعة والبداء ، ثمّ قال : لكنّ الشيعة بعده افترقوا وانتحل كلّ واحد منهم مذهباً ، وأراد أن يروّج على أصحابه فنسبه إليه وربطه به ، والسيِّد بريء من ذلك (6) « انتهى ».
1 ـ من قوله : ( اُريد ضميناً ) إلى هنا لم يرد في « ط ».
2 ـ رجال النجاشي : 325 / 886.
3 ـ من قوله : ( فمنهم الرازي ) إلى هنا لم يرد في « ك ».
4 ـ في « ش ، ك » : المنتهين.
5 ـ في « ح » : يرى.
6 ـ الملل والنحل 1 : 166.


(102)
    السادس : إنّ الرجعة قد وقعت في بني إسرائيل والاُمم السالفة في الرعية وفي الأنبياء والأوصياء ، وكلّ ما وقع في (1) الاُمم السالفة يقع مثله في هذه الاُمّة حذو النعل بالنعل ، والقذّة بالقذّة ، والرجعة تقع في هذه الاُمّة (2) البتة ، والمقدّمتان ثابتتان بالكتاب والسنّة والإجماع ، فتكون النتيجة حقّاً وهو المطلوب.
    ويأتي إثبات المقدّمتين إن شاء الله تعالى.

    السابع : إنّ صحّة الرجعة وثبوتها ووقوعها من اعتقادات أهل العصمة ( عليهم السلام ) ، وكلّ ما كان من اعتقاداتهم فهو حقّ بل قد أجمعوا على صحّتها ، وإجماعهم حجّة ، وقد صرّح الطبرسي (3) فيما تقدّم بنقل إجماعهم ، وروى الحديث الدالّ على حجّيته ، ولها أدلّة اُخرى كثيرة ، أمّا الصغرى فثابتة بالأحاديث المتواترة الآتية ، وأمّا الكبرى فثابتة بالأدلّة العقليّة والنقليّة فتكون الرجعة حقّاً.

    الثامن : إنّا مأمورون بالإقرار بالرجعة واعتقادها وتجديد الاعتراف بها في الأدعية والزيارات ويوم الجمعة ، وكلّ وقت كما أنّا مأمورون بالإقرار في كثير من الأوقات بالتوحيد والنبوّة والإمامة والقيامة ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ ، والصغرى ثابتة بالنقل المتواتر الآتي ، والكبرى بديهيّة فالرجعة حقّ.

    التاسع : إنّ الرجعة أمر لم يقل بصحّته أحد من العامّة على ما يظهر ، وقد قالت بها الشيعة ، وكلّ ما كان كذلك فهو حقّ ، أمّا الصغرى فظاهرة ، وأمّا الكبرى فالأدلّة عليها كثيرة تقدّم بعضها في المقدّمة السادسة ، وقد روي عن الأئمّة ( عليهم السلام ) أنّهم قالوا في حقّ العامّة : « والله ما هم على شيء ممّا أنتم عليه ، ولا أنتم على شيء ممّا هم
1 ـ في « ط » زيادة : بني اسرائيل و.
2 ـ من قوله : ( خذو النعل ) إلى هنا لم يرد في « ك ».
3 ـ في نسخة « ش » : الطوسي.


(103)
عليه ، فخالفوهم فما هم من الحنيفيّة على شيء » (1).
    وروى الشيخ في كتاب القضاء من « التهذيب » وابن بابويه في « عيون الأخبار » حديثاً مضمونه أنّ الإنسان إذا كان في بلد ليس فيه أحد من علماء الشيعة يسأله عن مسألة خاصّة ينبغي أن يسأل عنها قاضي البلد ، فما أفتاه بشيء فليأخذ بخلافه فإنّ الحقّ في خلافه (2).
    والأحاديث في مثل هذا كثيرة جدّاً وإذا خرج بعض الأفراد بنصّ بقي الباقي.
    وقد قال بعض المحقّقين من علمائنا المتأخِّرين : إنّ من جملة نعماء الله على هذه الطائفة المحقّة (3) أنّه خلّى بين العامّة وبين الشيطان فأضلّهم في جميع المسائل النظرية حتّى يكون الأخذ بخلافهم ضابطة لنا ، ونظيره ما ورد في حقّ النساء : شاوروهنّ وخالفوهنّ (4) « انتهى ».

    العاشر : إنّ الإمام يجب أن يكون مستجاب الدعوة ، فإذا دعا الله بإحياء الموتى وقع ذلك بإذن الله ، والمقدّمة الاُولى ثابتة بالنصوص الكثيرة المذكورة في محلّها ، والثانية بديهيّة ، فهذا دليل على الإمكان واضح قريب ، إذ لا دليل على استحالة دعاء الإمام بذلك ، وعدم قيام دليل الاستحالة كاف.

    الحادي عشر : إنّ الله ما أعطى أحداً من الأنبياء فضيلة (5) ولا علماً إلا وقد
1 ـ أورده المصنّف في وسائل الشيعة 27 : 119 / 32 ، والفصول المهمّة في اُصول الأئمّة 1 : 577/880.
2 ـ التهذيب 6 : 295 / 27 ، عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) 1 : 275 ، وعلل الشرائع : 531 / 4 ، وعنهم في الوسائل 27 : 115 / 23.
3 ـ في « ط » : الحقّة.
4 ـ وسائل الشيعة 27 : 116 / هامش رقم 1. تعليقة الحرّ العاملي ، نقلاً عن بعض أصحابنا.
5 ـ في « ك » : فضلا.


(104)
أعطى نبيّنا ( صلى الله عليه وآله ) مثله بل أعظم منه ، ومعلوم أنّ كثيراً من الأنبياء السابقين أحيا الله لهم الموتى ، ولا ريب أنّ الإمام يرث علم الرسول وفضله ، والمقدّمات كلّها ثابتة بالأحاديث الآتية وغيرها ، بل وقد وقع إحياء الله الموتى لغير المعصومين (1) من أهل العلم والعبادة ، كما يأتي إن شاء الله تعالى ، فيثبت مثله (2) هنا بطريق الأولويّة.

    الثاني عشر : إنّ الإمام ( عليه السلام ) عالم بالاسم الأعظم الذي إذا دُعي الله به لإحياء الموتى أحياهم ، والتقريب ما تقدّم ، فهذا ممّا يدلّ على الإمكان بل الوقوع ، وهذه الأدلّة وإن كان فيها بعض التداخل ، وأنّ بعضها يدلّ على الإمكان وبعضها على الوقوع ويمكن الزيادة فيها ، لكن اقتصرنا عليها لأجل العدد الشريف ، وأمّا ما يتخيّل فيها من المفاسد فلا وجه له.
    ويأتي الكلام في ذلك في آخر هذه الرسالة إن شاء الله.
1 ـ في « ح ، ش ، ك » : المعصوم.
2 ـ ( مثله ) لم يرد في « ح ».


(105)
    إعلم أنّ مذهب قدمائنا وجميع الإخباريّين أنّه لا يجوز العمل والاعتماد في تفسير القرآن وغيره من الاُمور الشرعيّة إلا على كلام أهل العصمة ( عليهم السلام ) ، وفعلهم وتقريرهم ، والأحاديث في ذلك متواترة ، والآيات المذكورة قد وردت الأحاديث في تفسيرها ، وأنّ المراد بها الرجعة ، فيجب الاعتماد عليها واعتقاد مضمونها ، ثمّ إنّه إذا ورد حديثان في تفسير آية بمعنيين مختلفين أحدهما في الرجعة مثلاً ، والآخر في غيرها ، فلا يجوز إنكار أحد الحديثين فإنّه قد ورد : « إنّ للقرآن ظاهراً وباطناً » (1) ، وإنّه قد يراد بآية واحدة معنيان فصاعداً.
    والأحاديث الواردة في تفسير الآيات تأتي في بابها إن شاء الله تعالى.
    إذا تقرّر هذا فالذي يدلّ على الرجعة ووقوعها والإخبار بها آيات كثيرة ، وأنا أذكر ما تيسّر ذكره ، وما وصل إليّ في تفسيره (2) حديث أو أحاديث ، وذلك آيات :
1 ـ الكافي 4 : 549/ ذيل حديث 4 ، علل الشرائع : 609 ، معاني الأخبار : 340/ ذيل حديث 10.
2 ـ في المطبوع زيادة : من.
الاِيقاظ مِنَ الهجْعَةِ بالبرهان على الرجعة ::: فهرس