اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 31 ـ 45
(31)
وخامسهم محمد ارتضاه وجعفر سادس النجباء بدر وموسى سابع وله مقام علي ثان والقبر منه وتاسعهم طريد بني البغايا وعاشرهم عليّ وهو حصن وحادى العشر مصباح المعالي وثاني العشر حان له القيام أُولئك في الجنان بهم مساعي له في المأثرات إذن مقام ببهجته زها البدر التمام تقاصر عن أدانيه الكرام بأرض الطوس إن قحطوا رهام محمّد الزكيّ له حسام يحنُّ لفقده البلد الحرام منير الضوء الحسن الهمام محمد الزكي به اعتصام وجيرتي الخوامس والسلام (1)

1 ـ كشف الغمة : 124 ، عنه الغدير : 2 / 251.

(32)
    وفاته
    أثار نبأ وفاة السيد ضجة كبيرة في المجتمع الكوفي ، فقد توفّي السيد عام 173 هـ ، وقيل 178 هـ (1).
    روى المرزباني باسناده عن ابن أبي حودان ، قال : حضرت السيد ببغداد عند موته ، فقال لغلام له : إذا متُّ فأت مجمع البصريين وأعلمهم بموتي وما أظنه يجيء منهم إلا ّرجل أو رجلان ، ثمّ اذهب إلى مجمع الكوفيين فأعلمهم بموتي أنشدهم :
يا أهل كوفان إنّي وامق لكم أهواكم وأواليكم وأمدحكم بحبّكم لوصي المصطفى وكفى مذ كنت طفلاً إلى السبعين والكبر حتماً عليَّ كمحتوم من القدر بالمصطفى وبه من سائر البشر
    فاإلى أن قال :
وكفّنوني بياضاً لا يخالطه ولا يشيعني النصّاب إنّهم شيء من الوشي أو من فاخر الحبر شرُّ البريّة من انثى ومن ذكر

1 ـ لسان الميزان : 1 / 438.

(33)
عسى الإله ينجِّيني برحمته ومدحي الغرر الزاكين من سقر
    فانّهم ليسارعون إليَّ ويكبرون ، فلما مات فعل الغلام ذلك ، فما أتى من البصريين إلاّ ثلاثة معهم ثلاثة أكفان وعطر ، وأتى من الكوفيين خلق عظيم ومعهم سبعون كفناً ووجّه الرشيد بأخيه علي وبأكفان وطيب ، فردت أكفان العامة عليهم وكفن في أكفان الرشيد ، وصلّى عليه علي بن المهدي وكبّر خمساً ، ووقف على قبره إلى أن سطح ومضى كلّ ذلك بأمر الرشيد. (1)
    ونقل أبو الفرج الاصبهاني ، عن بشير بن عمّار ، قال : حضرت وفاة السيد في الرُّميلة ببغداد ، فوجه رسولاً إلى صفّّ الجزّارين الكوفيين يُعلمهم بحاله ووفاته ، فغلط الرسول فذهب إلى صف السموسين فشتموه ولعنوه ، فعلم أنّه قد غلط ، فعاد إلى الكوفيين يُعلمهم بحاله ووفاته ، فوافاه سبعون كفناً ، قال : وحضرناه جميعاً ، وانّه ليتحسّر تحسراً شديداً وإن وجهه لأسود كالقار وما يتكلم ، إلى أن أفاق إفاقة ، وفتح عينيه ، فنظر إلى ناحية القبلة ، ثمّ قال : يا أمير المؤمنين ، أتفعل هذا بوليك ! قالها ثلاث مرات ، مرة بعد أُخرى.
    قال : فتجلّى واللّه في جبهته عرق بياض ، فما زال يتسع ويلبس وجهه حتى صار كلّه كالبدر ، وتوفي فأخذناه في جهازه ودفناه في الجنينة ببغداد ، وذلك في خلافة الرشيد. (2)
    نعم ثمة أوهام حيكت حول وفاة السيد نشير إلى بعضها :
1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 170.
2 ـ الأغاني : 7 / 278.


(34)
    قال أبو الفرج الاصبهاني : كنت عند جعفر بن محمد ، فأتاه نعي السيد ، فدعا له وترحّم عليه ، فقال رجل : يابن رسول اللّه ، تدعو له وهو يشرب الخمر ويؤمن بالرَّجعة ، فقال : حدثني أبي عن جدّي ، انّ محبِّي آل محمّد لا يموتون إلاّ تائبين وقد تاب ، ورفع مُصلّى كانت تحته ، فأخرج كتاباً من السيد يعرِّفه فيه انّه قد تاب ويسأله الدعاء له. (1)
    أقول : إنّ ما ذكره صاحب الأغاني لا يوافق التاريخ القطعي ، فانّ الإمام توفي عام 148 هـ ، وتوفّي السيد عام 173 هـ وعلى قول178 هـ ، فكيف يصحّ ما ذكره ؟!
    ويقرب من ذلك ما ذكره الكشي بسنده عن محمد بن النعمان ، قال : دخلت على السيد بن محمد ، وهو لما به قد اسود وجهه وازرقت عيناه وعطش كبده وسلب الكلام ، وهو يومئذ يقول بمحمد بن الحنفية ، وهو من حشمه ، وكان ممّن يشرب المسكر فجئت ، وكان قد قدم أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) الكوفة ، لأنّه كان انصرف من عند أبي جعفر المنصور ، فدخلت على أبي عبد اللّه ، فقلت : جعلت فداك انّي فارقت السيد بن محمد الحميري ، وهو لما به قد اسودّ وجهه وازرقت عيناه وعطش كبده وسلب الكلام فانّه كان يشرب المسكر.
    فقال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : اسرجوا حماري ، فاسرج له فركب ومضى ، ومضيت معه ، حتى دخلنا على السيد وانّ جماعة محدقون به ، فجلس أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عند رأسه ، وقال : يا سيد ، ففتح عينه ينظر إلى أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ولا يمكنه الكلام وقد اسودّ وجهه ، فجعل يبكي وعينه إلى أبي عبد اللّه ، ولا يمكنه الكلام ، وانا لنتبين فيه انّه يريد الكلام ولا يمكنه ، فرأينا أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) حرك شفتيه فنطق السيد ،
1 ـ الأغاني : 7 / 277.

(35)
فقال : جعلني اللّه فداك ، أبأوليائك يفعل هذا ؟
    فقال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : يا سيد قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك ويرحمك ويدخلك جنته التي وعد أولياءه ، فقال في ذلك :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر وأيقـنت انّ اللّه يعفـو ويغفـر
    فلم يبرح أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) حتى قعد السيد على أسته. (1)
    إنّ المتبادر من الخبر انّ السيد كان في حالة الاحتضار ، وانّه اعتنق المذهب الإمامي في ذلك الوقت ، مع أنّك عرفت انّ السيد قد توفّي بعد وفاة الإمام الصادق بسنوات طويلة.
    وليس من البعيد أن يُتّهم السيد بشرب النبيذ للحط من مكانته ، ومن كان محبّاً للوصي ( عليه السَّلام ) ومتفانياً في حبه ، كيف يخالفه ، وانّه ليعلم أنّ شرب النبيذ أبشع منكر عنده.
    ويظهر من الحجاج الذي دار بينه و بين شاعر أهل البيت الكميت الأسدي ، انّ السيد كان عارفاً بالكتاب والسنّة وإقامة الحجج الدامغة وإفحام الخصم ، فمن تنوّر قلبه بالكتاب والسنّة ، كيف يشرب النبيذ أواخر عمره ، ونكتفي هنا بسرد هذه الواقعة التاريخية التي تكشف بوضوح عن تضلّعه في العلم والفقه والتاريخ.
    قال المرزباني : قيل إنّ السيد حجّ في أيّام هشام ، فلقي الكميت فسلّم عليه ، وقال : أنت القائل :
1 ـ رجال الكشي : 244 ـ 245 ، ط النجف الأشرف.

(36)
ولا أقول إذا لم يعطيــا فدكــا اللّه يعلـم ماذا تـأتيـــان بـــه بنت الرسول ولا ميـراثه كفــــرا يوم القيامة من عذر إذاح ضرا
    قال : نعم ، قلته تقية من بني أُُميّة ، وفي مضمون قولي شهادة عليهما إنّهما أخذا ما كان في يدها.
    فقال السيد : لولا إقامة الحجّة لوسعني السكوت لقد ضعفت يا هذا عن الحق ، يقول رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : فاطمة بضعة منّي يريبني مارابها ، وانّ اللّه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، فخالفت رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وهب لها فدكاً بأمر اللّه له ، وشهد لها أمير المؤمنين والحسن والحسين وأُُمّ أيمن بأنّ رسول اللّه أقطع فاطمة فدكاً فلم يحكما لها بذلك ، واللّه تعالى يقول : ( يَرِثُني وَيَرثُ مِنْ آل يَعْقُوب ) (1) ويقول : ( وَوَرِثَ سُليمان داود ) (2). وهم يجعلون سبب مصير الخلافة إليهم ، الصلاة وشهادة المرأة لأبيها انّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : مروا فلاناً بالصلاة بالناس ، فصدقت المرأة لأبيها ، ولم تصدق فاطمة والحسن والحسين وأُم أيمن في مثل فدك ، وتطالب مثل فاطمة بالبيّنة على ما ادّعت لأبيها.
    وتقول أنت مثل هذا القول وبعد فما تقول في رجل حلف بالطلاق انّ الذي طلبت فاطمة ( عليها السَّلام ) هو حق وإنّ عليّاً والحسن والحسين وأُمّ أيمن ما شهدوا إلاّ بحق ما تقول في طلاقه ؟ قال : ما عليه طلاق.
    قال : فإن حلف بالطلاق إنّهم قالوا غير الحقّ ؟
    قال : يقع الطلاق ، لأنّهم لا يقولون إلاّ الحقّ ، قال : فانظر في أمرك ، فقال
1 ـ النساء : 19.
2 ـ النمل : 27.


(37)
الكميت : أنا تائب إلى اللّه مما قلت ، وأنت أبا هاشم أعلم وأفقه منّا. (1)
    ومن تتبع شعره الطافح بالكتاب والسنّة ، وثباته على المبدأ وتحمل المصائب والمشاق في سبيل عقيدته ، لوقف على سخافة ما اتّهم به من شرب الخمر والنبيذ.
    وأين الصامد في سبيل الحق من المخمور الذي لا يبالي بما يدور حوله ؟!
    هذه نبذة مختصرة من سيرة السيد الحميري وأخباره وشعره ، ومن أراد التفصيل فليرجع إلى المصادر التي تعرضت لبيان اخبار السيد وأخص بالذكر منها :
    أ : الأغاني (2) لأبي الفرج الاصبهاني المتوفّى عام 356 هـ.
    ب : أخبار السيد الحميري ، تأليف أبي عبد اللّه محمد بن عمران المرزباني الخراساني المتوفّى عام 384 هـ ، تحقيق الدكتور الشيخ محمد هادي الأميني.
    مضافاً إلى ما في المعاجم والتراجم حول السيد ، كأعيان الشيعة للسيد الأمين ، والغدير للشيخ الأميني ، وقد بلغوا الغاية ، شكر اللّه مساعيهم.
    ثمّ إنّ هناك من جمع أخبار السيد في كتب خاصة من أصحابنا وغيرهم.
    فقد ذكر النجاشي من جمع أخبار السيد ، وقال :
    أحمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز أبو عبد اللّه شيخنا المعروف بابن عبدون ، له كتب منها اخبار السيد بن محمد. (3)
    وقال : إسحاق بن محمد بن أحمد بن أبان له كتاب أخبار السيد ، وكتاب
1 ـ الأغاني : 7 / 229 ـ 278 و 4 / 2 و 6 / 206 و 8 / 276 و 18 / 254.
2 ـ أخبار شعراء الشيعة : 178 ـ 179.
3 ـ رجال النجاشي برقم 209.


(38)
مجالس هشام. (1)
    وقال : عبد العزيز بن يحيى بن أحمد بن عيسى الجلودي ، شيخ البصرة واخباريّها ، ثمّ ذكر تآليفه الكثيرة ، منها : اخبار السيد بن محمد. (2)
    وقد عقد الدكتور الشيخ هادي الأميني محقق كتاب اخبار السيد للمرزباني عنواناً لمن ألف في أخباره وذكر منهم :
    1. أحمد بن محمد بن عبيد اللّه بن الحسن بن عباس بن إبراهيم بن أيّوب الجوهري ( المتوفّى عام 401 هـ ).
    2. أحمد بن إبراهيم بن المعلّى بن العمي ينسب إلى العم ، وهو مرة بن مالك ابن حنظلة بن زيد مناة بني تميم. (3)
    3. صالح بن محمد الصرابي شيخ أبي الحسن الجندي. (4)
    4. كاظم بن الشيخ باقر بن حسين مظفر له أخبار وشعر السيد. (5)
    قصيدته العينيّة
    لقد نالت قصيدتان من قصائد السيد أقبالاً واسعاً من قبل الأُدباء والشعراء ، وأكبّ غير واحد من المحقّقين على شرحهما وهما :
    1. القصيدة المذهَّبة التي مستهلها :
1 ـ رجال النجاشي برقم 175.
2 ـ رجال النجاشي برقم 638.
3 ـ رجال الطوسي برقم 30 ؛ رجال النجاشي برقم 70.
4 ـ رجال النجاشي برقم 141.
5 ـ معجم رجال الفكر و الأدب : 419.


(39)
هلا وقعت على المكان المُعْشب بين الطويلع فاللوى من كُبكُب
    وتناهز القصيدة 112 بيتاً ، شرحها السيد الشريف المرتضى ( المتوفّى عام 436 ) وطبع في مصر عام 313 هـ ، كما شرحها الحافظ النسابة المعروف بتاج العلى الحسيني ( المتوفّى عام 610 هـ ).
    2. القصيدة العينية التي مستهلّها :
لأُمّ عمر باللوى مربع طامسة أعلامه بلقع
    التي تناهز 54 بيتاً شرحها غير واحد من المحقّقين والأُدباء ، كما اعتنى بها أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) بالسماع ، ودعوة الآخرين الى سماعها وحفظها كما سيوافيك ، وقد شرحها أعلام الطائفة ، وقد ناهزت شروح القصيدة 15 شرحاً. وقد وقفنا على بعضها وذكر قسماً منها شيخنا المجيز الطهراني ، وبعضاً منها شيخنا المحقّق الأميني وإليك أسماؤهم :
    1. الشيخ حسين بن جمال الدين الخوانساري ( المتوفّى عام 1099 هـ ).
    2. ميرزا علي خان الكلبايكاني تلميذ العلاّمة المجلسي.
    3. المولى محمد قاسم الهزار جريبي ( المتوفّى عام 1112 هـ ) وقد صنّف فيها التحفة الأحمدية.
    4. بهاء الدين محمد بن تاج الدين الحسن الاصبهاني الشهير بالفاضل الهندي ( 1062 ـ 1135 هـ ) وهذا هو الذي يزفّه الطبع إلى القرّاء الكرام ، وسنقوم بترجمة الشارح عن قريب.
    5. الحاج المولى محمّد حسين القزويني المتوفّى في القرن الثاني عشر.
    6. الحاج المولى صالح بن محمّد البرغاني.


(40)
    7. الحاج ميرزا محمد رضا القراجة داغي التبريزي ، فرغ منه سنة 1289 هـ وطبع في تبريز سنة 1301 هـ.
    8. السيّد محمّد عبّاس بن السيِّد علي أكبر الموسوي ( المتوفّى 1306 هـ ) ، أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر.
    9. الحاج المولى حسن بن الحاج محمّد إبراهيم بن الحاج محتشم الأردكاني ( المتوفّى عام1315 هـ ).
    10. الشيخ بخشعلي اليزدي الحائري ( المتوفّى 1320 هـ ).
    11. ميرزا فضل علي بن المولى عبد الكريم الإرواني التبريزي ( المتوفّى سنة 1337 هـ ) مؤلِّف « حدائق العارفين ».
    12. الشيخ علي بن علي رضا الخوئي ( المتوفّى 1350 هـ ).
    13. السيد أنور حسين الهندي ( المتوفّى 1350 هـ ).
    14. السيّد علي أكبر بن السيِّد رضي الرضوي القمي.
    15. الحاج المولى علي التبريزي مؤلِّف ( وقائع الأيّام ) المطبوع. (1)
    قد كان لقصيدته العينية التي نحن بصدد التقديم لها دويّ واسع في المجتمع الإسلامي ، وهذا هو الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) يُشيد بهذه القصيدة ويضرب ستراً لتسمعها النساء.
    روى في الأغاني عن فُضيل الرسان ، قال : دخلت على جعفر بن محمد أُعزيه عن عمّه زيد ، ثمّ قلت له : ألا أنشدك شعر السيد ؟ فقال : أنشد ، فأنشدته قصيدة يقول فيها :
1 ـ الغدير : 2 / 224.

(41)
فالناس يوم البعث رايتهم قائدها العجل وفرعونهم ومارق من دينه مخرج وراية قائدها وجهه خمس فمنها هالك أربع وسامري الامّة المفظع أسود عبدٌ لكعٌ أوكع كأنّه الشمس إذا تطلع
    فسمعت مجيباً من وراء الستور ، فقال : من قائل هذا الشعر ؟ فقلت : السيّد! فقال : رحمه اللّه. (1)
    روى المرزباني ، قال : حدثني فضيل بن عمر الحبال ، قال : دخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) بعد قتل زيد ( عليه السَّلام ) فجعل يبكي ، ويقول : رحم اللّه زيداً انّه العالم الصدوق ، ولو ملك أمراً لعرف أين يضعه.
    فقلت : أنشدك شعر السيد ؟ فقال : امهل قليلاً ، وأمر بستور ، فسدلت ، وفتحت أبواب غير الأُولى ، ثمّ قال : هات ما عندك فأنشدته :
لأُمّ عمرو باللوى مربع دارسة أعلامه بلقـع (2)

1 ـ الأغاني : 7 / 252 ، وما في ذيله من العبارة المشعرة بوفاة السيد حين إنشاء الشعر فموضوعة ، لأنّ السيد توفي بعد وفاة الإمام الصادق ( عليه السَّلام ).
2 ـ أخبار شعراء الشيعة : 159.


(42)
    وظاهر هذين النصين انّ المجلس انعقد بعد وفاة زيد الشهيد بقليل. لأنّ فُضيل الرسان دخل على جعفر بن محمد الصادق ليعزِّيه عن عمه ، وقد استشهد زيد في صفر عام 122 هـ أو 123 هـ وعلى ذلك ، فقد انشأ السيد القصيدة في هذه السنة أو قريبة منها و بما انّه ولد عام 105 هـ فقد كان في ريعان شبابه حين قتل زيد وانشأ القصيدة في تلك الأيّام.
    ولا غرو في ذلك ، وقد نقل المرزباني عن العباسة بنت السيد ، انّها قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبي أسمع أبويَّ يثلبان أمير المؤمنين عليه السَّلام فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، واوثر ذلك على الرجوع إليهما ، فأبيت في المساجد جائعاً لحبّي فراقهما وبغضي إيّاهما حتى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت ، فلمّا كبرت قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر ... (1)
    ونقل المرزباني عن أبي إسماعيل إبراهيم بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن حسن بن طباطبا ، قال : سمعت زيد بن موسى بن جعفر ، يقول : رأيت رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في النوم وقدّامه رجل جالس عليه ثياب بيض ، فنظرت إليه فلم أعرفه ، إذ التفت رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فقال له : يا سيد ، أنشدني قولك : « لأُمِّ عمرو في اللِّوى مَرْبَعُ ».
    فأنشده إيّاها كلّها ما غادر منها بيتاً واحداً ، فحفظتها عنه كلّها في النوم. قال أبو إسماعيل : وكان زيد بن موسى لحّاناً رديّ الانشاد ، فكان إذا أنشد هذه القصيدة لم يتعتع فيها ولم يلحن. (2)
    وقد نقل العلاّمة المجلسي مناماً عن علي بن موسى الرضا ، نقله عنه سهل
1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 154.
2 ـ المصدر نفسه : 161 ـ 162 ، وقريب منه ما نقله الشريف الرضي في حقائق الأئمّة.


(43)
ابن ظبيان يتعلق بهذه القصيدة وقائلها. (1)
    إلى هنا تم ما كنّا نرمي إليه من ترجمة سيد الشعراء السيد إسماعيل الحميري ، وما يرجع إلى قصيدته العينيّة.
    ولا يفوتنا أن نعرج على سيرة شارح هذه القصيدة ، أعني : الشيخ بهاءالدين محمد بن الحسن الاصفهاني المعروف ب‍ « الفاضل الهندي » ( 1062 ـ 1137 هـ ).
    بما انّه طال بنا الكلام في المقام نذكر شيئاً مختصراً عن حياته ونحيل التفصيل إلى كتب السير والمعاجم لا سيما الترجمة الوافية التي قدمت له في مستهل كتابه « كشف اللثام عن قواعد الأحكام ».
    ترجمة الشارح
    قد قام بشرح القصيدة العينية نابغة عصره وفريد دهره أبو الفضل بهاء الدين محمد بن الحسن الاصفهاني المشهور بالفاضل الهندي ( 1062 ـ 1137 هـ ) مؤلف الموسوعة الفقهية الضخمة المسماة ب‍ « كشف اللثام عن قواعد الأحكام » إلى غير ذلك من الآثار العلمية.
    يحدّثنا التاريخ انّ لفيفاً من نوابغ المجتهدين ، قد نالوا درجة الاجتهاد وهم بعدُ في سن مبكر لم يبلغوا الحلم.
    منهم على سبيل المثال : العلاّمة الحلّي.
    قال سيدنا الأمين في أعيان الشيعة : برع في المعقول والمنقول وتقدم وهو في عصر الصبا على العلماء الفحول. (2)
1 ـ بحار الأنوار : 47 / 328 ـ 332.
2 ـ أعيان الشيعة : 24 / 279.


(44)
    ومنهم نجله محمد بن الحسن المعروف بفخر المحقّقين ( 683 ـ 772 ) وذلك لأنّ والده ألّف كتاب القواعد باستدعاء ولده فخر المحقّقين.
    وقال العلاّمة في خطبة القواعد : فهذا كتاب « قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام » لخصت فيه لبّ الفتاوى خاصة ، وبينت فيه قواعد أحكام الخاصة ، إجابة لالتماس أحبّ الناس إليّ وأعزّهم عليّ ، وهو الولد العزيز محمد الذي أرجو من اللّه طول عمره بعدي. (1)
    وذكر ذلك أيضاً نفس فخر المحقّقين في شرحه لهذا الكتاب ، قال في شرح خطبة القواعد :
    إنّي لما اشتغلت على والدي قدّس اللّه سرّه في المعقول والمنقول وقرأت عليه كثيراً من كتب أصحابنا ، فالتمست منه أن يعمل لي كتاباً في الفقه جامعاً لقواعده حاوياً لفرائده ، مشتملاً على غوامضه ودقائقه ، جامعاً لأسراره وحقائقه ، يبني مسائله على علم الأُصولين وعلى علم البرهان. (2)
    هذا من جانب ، ومن جانب آخر فانّ العلاّمة يصرّح في خاتمة كتاب القواعد انّه فرغ منه بعد ان بلغ من العمر الخمسين ودخل في عشرة الستين.
    وبما انّ العلاّمة من مواليد عام 648 هـ فقد فرغ عنه عام 698 هـ فيكون عمر ولده فخر المحقّقين عند إتمام الكتاب 15 سنة أو 16 سنة ، فلو استغرق تأليف هذا الكتاب سنتين فقد ألفه لولده وهو ابن 14 سنة.
    ويؤيد ذلك انّ العلاّمة فهرس أسماء كتبه في « خلاصة الأقوال في معرفة
1 ـ قواعد الأحكام : 2 ، الطبعة الحجرية.
2 ـ إيضاح الفوائد : 1 / 9.


(45)
الرجال » ، وذكر منها « قواعد الاحكام في معرفة الحلال والحرام » ، وقد ألّف الخلاصة عام 693 (1) ، فلولده فخر المحقّقين من العمر يومذاك 11 سنة.
    ومنهم شيخنا المترجم شارح القصيدة فانّه بعد ما ذكر قصة تأليف العلاّمة كتابه القواعد لولده ، قال : وقد يستبعد ذلك ، ثمّ شرع في رفع الاستبعاد ، وقال : وقد فرغت من تحصيل العلوم معقولها ومنقولها ولم أكمل ثلاث عشرة سنة ، وشرعت في التصنيف ولم أكمل احدى عشرة ، وصنفت « منية الحريص على فهم شرح التلخيص » ولم أكمل تسع عشرة سنة. وقد كنت عملت قبله من كتبي ما ينيف على عشرة من متون وشروح وحواشي ، ك‍ « التلخيص في البلاغة » وتوابعها ، و « الزبدة في أُصول الدين » ، و « الخود البريعة في أُُصول الشريعة » وشروحها و « الكاشف » ، وحواشي شرح عقائد النسفية ، وكنت ألقي من الدروس وأنا ابن عشر سنين شرحي التلخيص للتفتازاني مختصره ومطوله. (2)
    هذا ولكن الذي يدل على نبوغ مؤلفنا الشارح هي الآثار العلمية التي تركها للأجيال الآتية ، فانّ كتابه « كشف اللثام » آية نبوغه في الفقه وبراعته في الاستنباط.
    ويكفي في قيمة هذا الكتاب ما نقله المحدّث القمي ، عن أُستاذه المحدث النوري ، عن شيخه الشيخ عبد الحسين انّ صاحب الجواهر كان يعتمد على كتاب « كشف اللثام » على نحو لا يكتب شيئاًمن موسوعته إلاّ بعد الرجوع إلى ذلك الكتاب.
    ومن لاحظ كتاب الجواهر أيقن انّه اعتمد على كشف اللثام في موارد
1 ـ خلاصة الأقوال : برقم 274.
2 ـ كشف اللثام : المقدمة : 1 / 112.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس