اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 16 ـ 30
(16)
هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت عليَّ الرحمة غوصاً.
    وروي عن السيد انّ أبويه لما علما بمذهبه همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي ، فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلاً وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما. (1)
    وقال إسماعيل بن الساحر راوية السيد : كنت عنده يوماً في جناح له ، فأجال بصره فيه ، ثم قال : يا إسماعيل طال واللّه ما شُتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح ، قلت ومن كان يفعل ؟ قال : أبواي. (2)
    وقال المرزباني بسنده عن العباسة بنت السيد ، قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبيّ أسمع أبويّ يثلبان أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، وأوثر ذلك على الرجوع إليهما فأبيت في المساجد جائعاً لحبّي فراقهما وبغضي إياهما حتى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت ، فلمّا كبرت قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر.
    قلت لأبويّ : إنّ لي عليكما حقاً يصغر عند حقّكما عليّ فجنِّباني إذا حضرتكما ذكر أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، بسوء ، فإنّ ذلك يزعجني وأكره عقوقكما بمقالتكما ، فتماديا في غيّهما ، فانتقلت عنهما ، وكتبت إليهما شعراً ، وهو :
خف يا محمّد فالق الاصباح وأزل فساد الدين بالإصلاح

1 ـ الأغاني : 7 / 230.
2 ـ الأغاني : 7 / 235.


(17)
أتسبّ صنو محمّد ووصيه هيهات قد بعدت عليك و قرّبا أوصى النبي له بخير وصية ترجو بذلك الفوز بالإنجاح منك العذاب وقابض الأرواح يوم الغدير بأبين الأفصاح
    فتواعداني بالقتل ، فأتيت الأمير عقبة بن مسلم فأخبرته خبري ، فقال لي : لا تقربهما ، وأعدّ لي منزلاً أمر لي فيه بما أحتاج إليه وأجرى عليَّ جراية تفضل عن مؤنتي. (1)
    تفانيه في حبّ أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ونشر مناقبهم
    إنّ الأثر البارز في حياة السيد هو تفانيه في حبّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ونشر مناقبهم بقريظه وشعره وبيانه ولسانه ، ونقده اللاذع لأعداء العترة الطاهرة ومناوئيهم ، على نحو لا يرضى أن يتبوّأ مجلساً ليس فيه ذكر لأحمد ولا لوصيه عليه السَّلام.
    روى أبو الفرج الاصبهاني ، عن الحسن بن علي بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي : كنا جلوساً عند أبي عمرو بن العلا فتذاكرنا السيد ، فجاء فجلس
1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 154 ـ 155 ، ط عام 1413 هـ.

(18)
وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ، مِمّ القيام ؟ فقال :
انّي لأكره ان أطيل بمجلس لا ذكر فيه لأحمد ووصيه انّ الذي ينساهم في مجلس لا ذكرَ فيه لفضل آل محمّد وبنيه ذلك مجلس نظف (1) ردئ حتى يفارقه لغير مسدّد (2)
    وهناك وثائق تاريخية تعرب عن إخلاص السيد وولائه المنقطع النظير للعترة الطاهرة ، نقتطف منها هذه الشذرات ، فانّ الاستيعاب يطيل بنا الكلام.
    1. ذكر التميمي ـ وهو علي بن إسماعيل ـ عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) إذ استأذنه آذنه للسيد ، فأمر بايصاله ، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده ، فأنشده قوله :
أمْرُر على جدث الحسيـ آ أعظُمـاً لا زلت من ـن فقل لأعظُمه الزكيّه وَطفَاء (3) ساكبة رَويّه

1 ـ النظف : السيء الفاسد.
2 ـ الأغاني : 7 / 267.
3 ـ وطفاء : بينة الوطف ، والوطف في السحاب : أن يكون في وجهه كالمحل الثقيل ، أو هو استرخاء في جوانبه لكثرة مائه.


(19)
وإذا مررت بقـبره وأبكِ المطهَّر للمطـ كبُكاء مُعولة أتت فأطل به وَقف المطيّه ـهّر والمطهَّرة النقيّه يوماً لواحدها المنيّه
    قال : فرأيت دموع جعفر بن محمد تنحدر على خديه ، وارتفع الصراخ والبكاء من داره ، حتى أمره بالإمساك فأمسك. (1)
    2. روى الشيخ ابن قولويه ( المتوفّى عام 367 هـ ) بسنده عن أبي هارون المكفوف : قال : دخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ، فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا ، كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره ، قال فأنشدته.
امرر على جــدث الحــسين فقــل لأعظمــه الـزكيـّه
    قال : فلما بكى أمسكت أنا ، فقال : مر ، فمررت ، قال : ثمّ قال : زدني زدني ، قال : فأنشدته :
يا مريـم قومـي فانـدبي مـولاك وعلى الحسين فاسعدي ببكاك
    قال : فبكى وتهايج النساء (2)
    3. روى أبو سليمان الناجي ، ومحمد بن حليم الأعرج ، قالا :
1 ـ الأغاني : 7 / 240 ـ 241.
2 ـ كامل الزيارات : 105 ـ 106 ، ط النجف الأشرف ؛ ثواب الأعمال : 109 ، ط عام 1391 هـ.


(20)
    كان السيد إذا استنشد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاّبقوله :
أجَدّبآل فاطمةَ البكـورُ فدمعُ العين منهمر غزير
    وهناك منام صادق ينمُّ عن أنّ البيت المزبور حظى بإعجاب الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ).
    حدث إبراهيم بن هاشم العبدي البصري ، قال : رأيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في المنام وبين يديه السيد الشاعر وهو ينشد :
أجدّ بآل فاطمة البكـور فدمع العين منهمر غزير
    حتى أنشده إيّاها على آخرها وهو يسمع :
    قال : فحدثت هذا الحديث رجلاً جمعتني وإيّاه طوس عند قبر علي بن موسى الرضا ، فقال لي : واللّه لقد كنت على خلاف فرأيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في المنام وبين يديه رجل ينشد :
أجدّ بآل فاطمة البكور ...
    إلى آخرها ، فاستيقظت من نومي وقد رسخ في قلبي من حبّ علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه ما كنت أعتقده. (1)
    قال إسحاق : وسمعت العتبي ، يقول : ليس في عصرنا هذا أحسن مذهباً في شعره ولا أنقى ألفاظاً من السيد ، ثمّ قال لبعض من حضر : أنشدنا قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم ، فأنشده قوله :
هل عند من أحببت تنويل أم لا فانّ اللـوم تضـليـل

1 ـ الأغاني : 7 / 246.

(21)
    يقول فيها :
أقسم باللّه وآلائــه إنّ علـي بن أبي طــالب والمرء عمّا قال مسؤول علـى التقى والبرِّ مجبول
    فقال العتبي :
    أحسن واللّه ما شاء ، هذا و اللّه الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب. (1)
    4. سمع السيد محدّثاً يحدِّث أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كان ساجداً فركب الحسن والحسين على ظهره ، فقال عمر : نعم المطيّ مطّيكما ، فقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ونعم الراكبان هما.
    فانصرف السيد من فوره ، وقال في ذلك :
أتى حسناً والحسين النبـي ففدّاهما ثــــمّ حيّاهمــا فراحا وتحتهما عاتقــاه وليدان أُمّهمــا بـــرّة وشيخهمـا ابـن أبـي طالب خليليّ لا تُرجيا وأعلمــا وأنّ عَمَى الشكّ بعد اليقــين ضلال فلا تَلْجَجـا فيهـما أيُرجى عليٌّ إمام الهدى وقد جلسا حجرةً يلعبان وكانا لديه بذاك المكان فنعم المطيّة والراكبان حَصَـان مطهّرة للحَصَان فنعـم الوليدان والوالدان بأنّ الهدى غير ما تزعُمان وضعفَ البصيرة بعد العيان فبئست لعمركُما الخصلتان وعثمانُ ما أعند المُرجيان

1 ـ الأغاني : 7 / 258 ـ 259.

(22)
ويُرجى ابنُ حربٍ وأشياعه يكون إمامَهم في المعاد وهُوجُ الخوارج بالنَّهروان خبيثُ الهوى مؤمن الشَّيصَبان (1)
    إلى غير ذلك من قصائد جمة ذكر فيها فضائل الإمام علي وأهل بيته ( عليهم السَّلام ).
    ويكفيك في ذلك ما ذكره المعتز في طبقاته :
    كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث والأخبار والمناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلى الشعر ، وكان يملّه الحضور في محتشد لا يذكر فيه آل محمّد صلوات اللّه عليهم ، ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم. (2)
    وممّا تجدر الإشارة إليه انّ أكثر شعراء العصر الأموي والعباسي قد أنكبّوا على عتبة بلاط الجهاز الحاكم رغبة منهم في الصلة والعطايا ، ولكن السيد تنزّه عن هذه الوصمة و أناخ راحلته على عتبة أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) فلم يمدح شخصاً إلاّ لضرورة ، ولذلك تجد انّه يعيب البشار في شعره لما مدح من ليس أهلاً له ، فأقبل عليه ، وقال :
أيّها المادح العباد ليُعطى فاسأل اللّه ما طلبت إليهم لا تقُل في الجواد ما ليس فيه إنّ للّه ما بأيدي العباد وارجُ نفع المنزِّل العوّاد وتسمّي البخيل باسم الجواد
    قال بشار : من هذا ؟ فعرفَه ، فقال لولا أنّ هذا الرجل قد شُغل عنّا بمدح
1 ـ الأغاني : 7 / 258 ـ 259.
2 ـ طبقات الشعراء : 7.


(23)
بني هاشم لشغلنا ، ولو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا. (1)
    كما نقل انّ السيد دخل على المهدي لما بايع لابنيه موسى و هارون ، فانشأ يقول :
ما بال مجرى دمعك الساجم أم من هوى أنت له ساهر آليت لا أمدح ذا نائل أولتهم عندي يد المصطفى فانّها بيضاء محمودة جزاؤها حفظ أبي جعفر وطاعة المهدي ثمّ ابنه وللرشيد الرابع المرتضى ملكهُم خمسون معدودة ليس علينا ما بقُوا غيرهم حتى يَردّوها إلى هابط أمن قذىً بات بها لازم صبابة من قلبك الهائم من معشر غير بني هاشم ذي الفضل والمنّ أبي القاسم جزاؤها الشكر على العالم خليفة الرحمن والقائم موسى على ذي الإربة الحازمِ مفترض من حقّه اللاّزم برَغم أنف الحاسد الرّاغم في هذه الأُمّة من حاكم عليه عيسى منهم ناجم (2)
    وقد بلغ السيد في إخلاصه لأهل البيت انّه كان يجاهر بعقيدته ومودته لهم في مجلس الخلفاء وإن وُشي عليه ما وشي ولم يكن يتقي في ذلك أبداً.
1 ـ الأغاني : 7 / 237.
2 ـ الأغاني : 7 / 255 ـ 256


(24)
    روى عبد اللّه بن أبي بكر العتكي انّ أبا الخلاّل العتكي دخل على عقبة بن مسلم والسيد عنده ، وقد أمر له بجائزة ، وكان أبو الخلاّل شيخ العشيرة وكبيرها ، فقال له : أيُّها الأمير ، أتعطي هذه العطايا رجلاً ما يَفتُرُ عن سبّ أبي بكر وعمر! ، فقال له عقبة : ماعلمت ذاك ولا أعطيته إلاّ على العشرة والمودة القديمة وما يُوجبه حقُّه وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقُّهم ورعايتهم.
    فقال له أبو الخلاّل : فمره إن كان صادقاً أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرفض ، فقال : قد سمعك ، فإن شاء فعل ، فقال السيد :
إذا أنا لم أحفظ وصاة محمد فإنّي كمن يشري الضّلالة بالهدى ومالي وتيم أو عديَّ وانّما تتم صلاتي بالصلاة عليهم بكاملة إن لم أصلِّ عليهم بذلت لهم ودّي ونصحي ونصرتي وإنّ امراً يلحى على صدق ودّهم فإن شئت فاختر عاجل الغم ضِلّةً ولا عهده يوم الغدير المؤكّدا تنصَّر من بعد التّقى وتهوّدا أُولو نعمتي في اللّه من آل أحمد وليست صلاتي بعد أن أتشهدا وأدعُ لهم ربّاً كريماً ممجَّدا مدى الدهر ما سمّيت ياصاح سيداً أحقّ وأولى فيهم أن يُفنّدا وإلاّ فأمسك كي تصان وتُحمدا
    ثمّ نهض مغضباً ، فقام أبو الخلاّل إلى عُقبة ، فقال : أعِذْني من شرِّه ، أعاذك اللّه من السوء أيّها الأمير.
    قال : قد فعلت على ألاّ تعْرضَ له بعدها. (1)
1 ـ الأغاني : 7 / 262 ـ 263.

(25)
    ارتجاله في إنشاء الشعر
    روى أبو الفرج الاصبهاني : كان السيد يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل علي « رضي اللّه عنه » ويخرج من عنده ، ويقول في تلك المعاني شعراً ، فخرج ذات يوم من عند بعض أُمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع عليه ، فوقف بالكُناسة ، ثمّ قال : يا معشر الكوفيّين ، من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليَّ. فجعلوا يحدّثونه وينشدهم ، حتى أتاه رجل منهم ، وقال : إنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب « رضي اللّه تعالى عنه » عزم على الركوب ، فلبس ثيابه وأراد لُبس الخُفّ فلبس أحد خُفّيه ، ثمّ أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضّ عقاب من السماء فحلّق به ثمّ ألقاه فسقط منه أسود وانساب فدخل حُجراً ، فلبس عليّ رضي اللّه عنه الخُفّ قال : ولم يكن قال في ذلك شيئاً ، ففكّر هنيهة ، ثمّ قال :
ألا يا قوم للعجب العجاب أتى خُفّاً له وانساب فيه فخرّمن السماء له عُقاب فطار به فحلّق ثمّ أهوى إلى جُحر له فانساب فيه كريهُ الوجه اسودُ ذو بصيص ودوفِع عن أبي حسن عليّ لخُفّ أبي الحسين وللحُبابِ لينْهش رجله منه بنابِ من العِقْبان أو شبه العقابِ به للأرض من دون السّحابِ بعيد القعر لم يُرتج ببابِ حديدُ النّاب أزرق ذو لُعابِ نقيعُ سمامه بعد انسيابِ (1)

1 ـ الأغاني : 7 / 256 ـ 257.

(26)
    وزاد المرزباني بعد نقل القصة : ثمّ حرك فرسه وثناها و أعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر ، وقال : إنّي لم أكن قلت في هذا شيئاً. (1)
    صلته الوثيقة بالإمام الصادق ( عليه السَّلام )
    إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يُثمِّنون جهود الشعراء المخلصين المجاهرين بالولاء الذين نذروا أنفسهم في هذا السبيل ، ولبسوا في ذلك جلباب البلايا ، منهم شاعرنا المفلق السيد إسماعيل فكان الإمام الصادق يتفقده حيناً بعد حين.
    روي أنّ أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) لقي السيد بن محمد الحميري ، وقال : سمّتك أُمّك سيّداً ، وفِّقت في ذلك ، وأنت سيّد الشعراء ، ثمّ أنشد السيّد في ذلك.
ولقد عجبت لقائل لي مرّة سماك قومك سيِّداً صدقوا به ما أنت حين تخصُّ آل محمّد مدح الملوك ذوي الغنى لعطائهم فابشر فانّك فايز في حبّهم ما يعدل الدنيا جميعاً كلّها علامة فهم من الفقهاء أنت الموفّق سيّد الشعراء بالمدح منك وشاعر بسواء والمدح منك لهم بغير عطاء لو قد وردت عليهم بجزاء من حوض أحمد شربة من ماء (2)
    مذهبه
    كان السيد أباضي المنبت ، ثمّ صار شيعياً كيسانياً ، يقول بإمامة محمد بن
1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 171 ، ط عام 1413 هـ.
2 ـ رجال الكشي : 245 ، ط النجف الأشرف.


(27)
الحنفية ، لكنّه عدل عنه إلى الإمامية على يد الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، وعليه أكثر المؤرّخين.
    يقول السيد الحميري عن نفسه : كنت أقول بالغلو واعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية ، قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ اللّه عليَّ بالصادق جعفر ابن محمد عليهما السَّلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ... وتبت إلى اللّه تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :
ولمّا رأيت الناس في الدين قد غووا وناديت باسم اللّه واللّه أكبر ودنت بدين غير ما كنت دايناً فقلت : فهبني قد تهوَّدت برهة وإنّي إلى الرحمن من ذاك تائب فلست بغال ما حييت وراجع ولا قائلاً حيٌّ برضوى محمّد ولكنّه ممّا مضى لسبيله مع الطيبين الطاهرين الأُولى لهم تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفروا وأيقنت ان اللّه يعفو ويغفر به ونهاني سيد الناس جعفر وإلاّ فديني دين من يتنصّر وإنّي قد أسلمت واللّه أكبر إلى ما عليه كنت أُخفي وأُضمر وإن عاب جُهال مقالي فأكثروا على أفضل الحالات يُقفى ويخبر من المصطفى فرعٌ زكيٌّ وعنصر (1)
    وهانحن نذكر بعض الكلمات ، التي أشارت إلى مذهبه :
    1. قال المرزباني : كان السيد بلا شكّ كيسانياً يذهب إلى أنّ محمد بن الحنفية هو القائم المهدي وانّه مقيم في جبال رضوى ، وشعره في ذلك يدل على أنّه
1 ـ الغدير : 2 / 245 ـ 246.

(28)
كما ذكرنا كيسانياً فمن قوله :
يا شعب رضوى مالمن بك لا يرى حتى متى وإلى متى وكم المدى إنّي لآمل أن أراك وانّني وبنا إليه من الصبابة ألوق يا ابن الوصي وأنت حي ترزق من أن أموت ولا أراك لأفرق
    غير انّه رحمه اللّه رجع عن ذلك وذهب إلى إمامة الصادق ( عليه السَّلام ) وقال :
تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر ويثبت مهما شاء ربي بأمره وأيقنت انّ اللّه يعفو ويغفر ويمحو ويقضي في الأُمور ويقدر (1)
    ومن زعم انّ السيد أقام على الكيسانية فهو بذلك كاذب عليه وطاعن فيه ، ومن أوضح ما دل على بطلان ذلك ، دعاء الصادق ( عليه السَّلام ) وثناؤه عليه. (2)
    2. وقال المعتز في طبقات الشعراء : حدّثني محمد بن عبد اللّه ، قال : قال السدري راوية السيّد : كان السيّد أوّل زمانه كيسانياً يقول برجعة محمد الحنفيّة ، وأنشدني في ذلك :
حتى متى ؟ وإلى متى ؟ ومتى المدى يابن الوصيِّ وأنت حيٌّ ترزق

1 ـ هذا البيت ذكره المعتز في طبقاته كما سيوافيك.
2 ـ أخبار شعراء الشيعة : 165.
3 ـ طبقات الشعراء : 7.
4 ـ أخبار شعراء الشيعة 165.


(29)
    والقصيدة مشهورة ، وحدّثني محمد بن عبد الله ، قال : قال السدري : ما زال السيّد يقول بذلك حتى لقي الصّادق عليه السلام بمكّة أيّام الحجّ فناظره وألزمه الحجّة ، فرجع عن ذلك ، فذلك قوله في تركه تلك المقالة ورجوعه كان عليه ويذكر الصادق :
تجعفرت باسم الله والله أكبر ويثبت مهما شاء ربي بأمره وأيقنت انّ الله يعفو ويغفر ويمحو ويقضي في الأُمور ويقدر (1)
    3. وقال الصدوق : فلم يزل السيد ضالاً في أمر الغيبة يعتقدها في محمد بن الحنفية ، حتى لقي الصادق جعفر بن محمد عليهما السَّلام ورأى منه علامات الإمامة وشاهد منه دلالات الوصية ، فسأله عن الغيبة ، فذكر له انّها حقٌّ ، ولكنّها تقع بالثاني عشر من الأئمة ( عليهم السَّلام ) ، وأخبره بموت محمد بن الحنفية وانّ أباه محمد بن علي ابن الحسين بن علي ( عليه السَّلام ) شاهد دفنه ، فرجع السيد عن مقالته ، واستغفر من اعتقاده ورجع إلى الحقّ عند اتضاحه له ودان بالإمامة. (2)
    4. وقال المفيد : وكان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه اللّه ، وله في مذهبهم أشعار كثيرة ، ثمّ رجع عن القول بالكيسانية وتبرّأ منه ودان بالحقّ ، لأنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السَّلام دعاه إلى إمامته ، وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه. (3)
1 ـ طبقات الشعراء : 7.
2 ـ كمال الدين : 20.
3 ـ الفصول المختارة : 93.


(30)
    5. وقال الإربلي : السيد الحميري رحمه اللّه كان كيسانياً يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفية فلما عرّفه الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) الحق والقول بمذهب الإمامية الاثني عشرية ترك ما كان عليه ورجع إلى الحقّ وقال به :
    وينبئك عن مذهب الحقّ الصحيح قوله :
على آل الرسول وأقربيه أليسوا في السماء هم نجوم فيا من قد تحيّر في ضلال رسول اللّه يوم غدير خمّ وثاني أمره الحسن المرجّى وثالثه الحسين فليس يخفى ورابعهم علي ذو المساعي سلامٌ كلّما سجع الحمام وهم أعلام عزّلا يرام أمير المؤمنين هو الإمام أناف به وقد حضر الأنام له بيت المشاعر والمقام سنا بدر إذا اختلط الظلام به للدين والدنيا قوام
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس