|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(16)
هذه الغرفة ، فإذا سئل عن التشيّع من أين وقع له ، قال : غاصت عليَّ الرحمة غوصاً.
وروي عن السيد انّ أبويه لما علما بمذهبه همّا بقتله ، فأتى عقبة بن سلم الهنائي ، فأخبره بذلك فأجاره وبوأه منزلاً وهبه له فكان فيه حتى ماتا فورثهما. (1) وقال إسماعيل بن الساحر راوية السيد : كنت عنده يوماً في جناح له ، فأجال بصره فيه ، ثم قال : يا إسماعيل طال واللّه ما شُتم أمير المؤمنين عليّ في هذا الجناح ، قلت ومن كان يفعل ؟ قال : أبواي. (2) وقال المرزباني بسنده عن العباسة بنت السيد ، قالت : قال لي أبي : كنت وأنا صبيّ أسمع أبويّ يثلبان أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فأخرج عنهما وأبقى جائعاً ، وأوثر ذلك على الرجوع إليهما فأبيت في المساجد جائعاً لحبّي فراقهما وبغضي إياهما حتى إذا أجهدني الجوع رجعت فأكلت ثمّ خرجت ، فلمّا كبرت قليلاً وعقلت وبدأت أقول الشعر. قلت لأبويّ : إنّ لي عليكما حقاً يصغر عند حقّكما عليّ فجنِّباني إذا حضرتكما ذكر أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) ، بسوء ، فإنّ ذلك يزعجني وأكره عقوقكما بمقالتكما ، فتماديا في غيّهما ، فانتقلت عنهما ، وكتبت إليهما شعراً ، وهو :
1 ـ الأغاني : 7 / 230. 2 ـ الأغاني : 7 / 235. (17)
تفانيه في حبّ أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ونشر مناقبهم إنّ الأثر البارز في حياة السيد هو تفانيه في حبّ أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) ونشر مناقبهم بقريظه وشعره وبيانه ولسانه ، ونقده اللاذع لأعداء العترة الطاهرة ومناوئيهم ، على نحو لا يرضى أن يتبوّأ مجلساً ليس فيه ذكر لأحمد ولا لوصيه عليه السَّلام. روى أبو الفرج الاصبهاني ، عن الحسن بن علي بن أبي حرب بن أبي الأسود الدؤلي : كنا جلوساً عند أبي عمرو بن العلا فتذاكرنا السيد ، فجاء فجلس 1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 154 ـ 155 ، ط عام 1413 هـ. (18)
وخضنا في ذكر الزرع والنخل ساعة فنهض ، فقلنا : يا أبا هاشم ، مِمّ القيام ؟ فقال :
1. ذكر التميمي ـ وهو علي بن إسماعيل ـ عن أبيه ، قال : كنت عند أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) إذ استأذنه آذنه للسيد ، فأمر بايصاله ، وأقعد حرمه خلف ستر ، ودخل فسلم وجلس ، فاستنشده ، فأنشده قوله :
1 ـ النظف : السيء الفاسد. 2 ـ الأغاني : 7 / 267. 3 ـ وطفاء : بينة الوطف ، والوطف في السحاب : أن يكون في وجهه كالمحل الثقيل ، أو هو استرخاء في جوانبه لكثرة مائه. (19)
2. روى الشيخ ابن قولويه ( المتوفّى عام 367 هـ ) بسنده عن أبي هارون المكفوف : قال : دخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ، فقال لي : أنشدني ، فأنشدته ، فقال : لا ، كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره ، قال فأنشدته.
3. روى أبو سليمان الناجي ، ومحمد بن حليم الأعرج ، قالا : 1 ـ الأغاني : 7 / 240 ـ 241. 2 ـ كامل الزيارات : 105 ـ 106 ، ط النجف الأشرف ؛ ثواب الأعمال : 109 ، ط عام 1391 هـ. (20)
كان السيد إذا استنشد شيئاً من شعره لم يبدأ بشيء إلاّبقوله :
حدث إبراهيم بن هاشم العبدي البصري ، قال : رأيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في المنام وبين يديه السيد الشاعر وهو ينشد :
قال : فحدثت هذا الحديث رجلاً جمعتني وإيّاه طوس عند قبر علي بن موسى الرضا ، فقال لي : واللّه لقد كنت على خلاف فرأيت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) في المنام وبين يديه رجل ينشد :
قال إسحاق : وسمعت العتبي ، يقول : ليس في عصرنا هذا أحسن مذهباً في شعره ولا أنقى ألفاظاً من السيد ، ثمّ قال لبعض من حضر : أنشدنا قصيدته اللامية التي أنشدتناها اليوم ، فأنشده قوله :
1 ـ الأغاني : 7 / 246. (21)
يقول فيها :
أحسن واللّه ما شاء ، هذا و اللّه الشعر الذي يهجم على القلب بلا حجاب. (1) 4. سمع السيد محدّثاً يحدِّث أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) كان ساجداً فركب الحسن والحسين على ظهره ، فقال عمر : نعم المطيّ مطّيكما ، فقال النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : ونعم الراكبان هما. فانصرف السيد من فوره ، وقال في ذلك :
1 ـ الأغاني : 7 / 258 ـ 259. (22)
ويكفيك في ذلك ما ذكره المعتز في طبقاته : كان السيد أحذق الناس بسوق الأحاديث والأخبار والمناقب في الشعر لم يترك لعلي بن أبي طالب فضيلة معروفة إلاّ نقلها إلى الشعر ، وكان يملّه الحضور في محتشد لا يذكر فيه آل محمّد صلوات اللّه عليهم ، ولم يأنس بحفلة تخلو عن ذكرهم. (2) وممّا تجدر الإشارة إليه انّ أكثر شعراء العصر الأموي والعباسي قد أنكبّوا على عتبة بلاط الجهاز الحاكم رغبة منهم في الصلة والعطايا ، ولكن السيد تنزّه عن هذه الوصمة و أناخ راحلته على عتبة أئمّة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) فلم يمدح شخصاً إلاّ لضرورة ، ولذلك تجد انّه يعيب البشار في شعره لما مدح من ليس أهلاً له ، فأقبل عليه ، وقال :
1 ـ الأغاني : 7 / 258 ـ 259. 2 ـ طبقات الشعراء : 7. (23)
بني هاشم لشغلنا ، ولو شاركنا في مذهبنا لأتعبنا. (1)
كما نقل انّ السيد دخل على المهدي لما بايع لابنيه موسى و هارون ، فانشأ يقول :
1 ـ الأغاني : 7 / 237. 2 ـ الأغاني : 7 / 255 ـ 256 (24)
روى عبد اللّه بن أبي بكر العتكي انّ أبا الخلاّل العتكي دخل على عقبة بن مسلم والسيد عنده ، وقد أمر له بجائزة ، وكان أبو الخلاّل شيخ العشيرة وكبيرها ، فقال له : أيُّها الأمير ، أتعطي هذه العطايا رجلاً ما يَفتُرُ عن سبّ أبي بكر وعمر! ، فقال له عقبة : ماعلمت ذاك ولا أعطيته إلاّ على العشرة والمودة القديمة وما يُوجبه حقُّه وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقُّهم ورعايتهم.
فقال له أبو الخلاّل : فمره إن كان صادقاً أن يمدح أبا بكر وعمر حتى نعرف براءته مما ينسب إليه من الرفض ، فقال : قد سمعك ، فإن شاء فعل ، فقال السيد :
قال : قد فعلت على ألاّ تعْرضَ له بعدها. (1) 1 ـ الأغاني : 7 / 262 ـ 263. (25)
ارتجاله في إنشاء الشعر
روى أبو الفرج الاصبهاني : كان السيد يأتي الأعمش فيكتب عنه فضائل علي « رضي اللّه عنه » ويخرج من عنده ، ويقول في تلك المعاني شعراً ، فخرج ذات يوم من عند بعض أُمراء الكوفة وقد حمله على فرس وخلع عليه ، فوقف بالكُناسة ، ثمّ قال : يا معشر الكوفيّين ، من جاءني منكم بفضيلة لعلي بن أبي طالب لم أقل فيها شعراً أعطيته فرسي هذا وما عليَّ. فجعلوا يحدّثونه وينشدهم ، حتى أتاه رجل منهم ، وقال : إنّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب « رضي اللّه تعالى عنه » عزم على الركوب ، فلبس ثيابه وأراد لُبس الخُفّ فلبس أحد خُفّيه ، ثمّ أهوى إلى الآخر ليأخذه فانقضّ عقاب من السماء فحلّق به ثمّ ألقاه فسقط منه أسود وانساب فدخل حُجراً ، فلبس عليّ رضي اللّه عنه الخُفّ قال : ولم يكن قال في ذلك شيئاً ، ففكّر هنيهة ، ثمّ قال :
1 ـ الأغاني : 7 / 256 ـ 257. (26)
وزاد المرزباني بعد نقل القصة : ثمّ حرك فرسه وثناها و أعطى ما كان معه من المال والفرس للذي روى له الخبر ، وقال : إنّي لم أكن قلت في هذا شيئاً. (1)
صلته الوثيقة بالإمام الصادق ( عليه السَّلام ) إنّ أئمّة أهل البيت كانوا يُثمِّنون جهود الشعراء المخلصين المجاهرين بالولاء الذين نذروا أنفسهم في هذا السبيل ، ولبسوا في ذلك جلباب البلايا ، منهم شاعرنا المفلق السيد إسماعيل فكان الإمام الصادق يتفقده حيناً بعد حين. روي أنّ أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) لقي السيد بن محمد الحميري ، وقال : سمّتك أُمّك سيّداً ، وفِّقت في ذلك ، وأنت سيّد الشعراء ، ثمّ أنشد السيّد في ذلك.
كان السيد أباضي المنبت ، ثمّ صار شيعياً كيسانياً ، يقول بإمامة محمد بن 1 ـ أخبار شعراء الشيعة : 171 ، ط عام 1413 هـ. 2 ـ رجال الكشي : 245 ، ط النجف الأشرف. (27)
الحنفية ، لكنّه عدل عنه إلى الإمامية على يد الإمام الصادق ( عليه السَّلام ) ، وعليه أكثر المؤرّخين.
يقول السيد الحميري عن نفسه : كنت أقول بالغلو واعتقد غيبة محمد بن علي الملقب بابن الحنفية ، قد ضللت في ذلك زماناً ، فمنَّ اللّه عليَّ بالصادق جعفر ابن محمد عليهما السَّلام وأنقذني به من النار وهداني إلى سواء الصراط ... وتبت إلى اللّه تعالى ذكره على يديه وقلت قصيدتي التي أوّلها :
1. قال المرزباني : كان السيد بلا شكّ كيسانياً يذهب إلى أنّ محمد بن الحنفية هو القائم المهدي وانّه مقيم في جبال رضوى ، وشعره في ذلك يدل على أنّه 1 ـ الغدير : 2 / 245 ـ 246. (28)
كما ذكرنا كيسانياً فمن قوله :
2. وقال المعتز في طبقات الشعراء : حدّثني محمد بن عبد اللّه ، قال : قال السدري راوية السيّد : كان السيّد أوّل زمانه كيسانياً يقول برجعة محمد الحنفيّة ، وأنشدني في ذلك :
1 ـ هذا البيت ذكره المعتز في طبقاته كما سيوافيك. 2 ـ أخبار شعراء الشيعة : 165. 3 ـ طبقات الشعراء : 7. 4 ـ أخبار شعراء الشيعة 165. (29)
والقصيدة مشهورة ، وحدّثني محمد بن عبد الله ، قال : قال السدري : ما زال السيّد يقول بذلك حتى لقي الصّادق عليه السلام بمكّة أيّام الحجّ فناظره وألزمه الحجّة ، فرجع عن ذلك ، فذلك قوله في تركه تلك المقالة ورجوعه كان عليه ويذكر الصادق :
4. وقال المفيد : وكان من الكيسانية أبو هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الشاعر رحمه اللّه ، وله في مذهبهم أشعار كثيرة ، ثمّ رجع عن القول بالكيسانية وتبرّأ منه ودان بالحقّ ، لأنّ أبا عبد اللّه جعفر بن محمد عليهما السَّلام دعاه إلى إمامته ، وأبان له عن فرض طاعته ، فاستجاب له فقال بنظام الإمامة وفارق ما كان عليه. (3) 1 ـ طبقات الشعراء : 7. 2 ـ كمال الدين : 20. 3 ـ الفصول المختارة : 93. (30)
5. وقال الإربلي : السيد الحميري رحمه اللّه كان كيسانياً يقول برجعة أبي القاسم محمد بن الحنفية فلما عرّفه الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السَّلام ) الحق والقول بمذهب الإمامية الاثني عشرية ترك ما كان عليه ورجع إلى الحقّ وقال به :
وينبئك عن مذهب الحقّ الصحيح قوله :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|