اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 61 ـ 75
(61)
    اسمه : إسماعيل. وكنيته : أبو هاشم ، على ما قاله سيّدنا الأجل الشريف المرتضى علم الهدى سلام اللّه عليه ، في آخر شرح بائيّته التي مطلعها :
هلاّ وَقَفتَ على المكانِ المُعشبِ بين الطّوَيْلِعِ فَاللّوى مِنْ كُبكُبِ (1)
    وكذا في كتاب « بشارة المصطفى لشيعة المرتضى » للشيخ الجليل أبي جعفر محمد بن أبي القاسم الطبري رحمه اللّه. (2)
    وفي كتاب « الرجال » لشيخ الطائفة المحقّة ورئيسها أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي رضوان اللّه عليه : أنّ كنيته أبو عامر. (3)
    وأمّا « السيد » فهو ممّا لقّبوه به للتعظيم ، قيل : إنّ أوّل من لقّبه به : حمّال كان
1 ـ الشريف المرتضى : شرح القصيدة الذهبية ( للسيد الحميري ) : ص 1. يقول الشريف المرتضى قدَّس سرَّه في مقدّمته بعد الحمد والصلاة على النبي وآله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : سأل السيد الوالد ـ أطال اللّه بقاءه ـ تفسير قصيدة أبي هاشم إسماعيل بن محمد الحميري الملقّب ب‍ « السيد » ـ رضي اللّه عنه ـ البائية ... وإيضاح معانيها ومشكل ألفاظها ، وأنا أُُجيب إلى ذلك.
    و كُبكُب : جبل مطلّ على عرفات.
2 ـ بشارة المصطفى : 278.
3 ـ رجال الطوسي : ص 148 رقم 108 ، في أصحاب الصادق ( عليه السَّلام ).


(62)
يسأل عن حمل بعيره فيقول : ميمات السيّد. (1)
    وفي بعض الأخبار أنّه ممّا سمّته به أُمّه ، فقد قال الشيخ الصدوق أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الكشي في كتابه « الرجال » : وروي أنّ أبا عبداللّه عليه السَّلام (2) لقي السيد ابن محمد الحميري فقال : سمّتك أُمّك سيّداً ووُفّقت في ذلك وأنت سيّد الشعراء ، ثمّ أنشد السيد في ذلك :
ولَقَدْ عَجبتُ لِقائل لي مَرَّةً سَمّاك قَومُكَ سَيّداً صَدقُوا به ما أنتَ حينَ تخصُّ آل محمّد مَدحَ الملوكَ ذَوُو الغنا لِعَطائِهم فَأَبْشِرْ فإنّكَ فائزٌ في حُبِّهِم ما تعدلُ الدُّنيا جَميعاً كُلّها عَلاّمة فهم منَ الفُهماءِ (3) أنتَ الموفَّقُ سيِّدُ الشُّعراءِ بِالمدحِ منكَ وشاعر بسواءِ والمدحُ مِنْكَ لَهُم لغيرِ عَطاءِ لَوْ قَدْ وَردتَ عليهم بِجَزاءِ مِنْ حَوضِ أحمد شربةً من ماءِ (4)
    وكان السيّد نظّاماً للوقائع كثير الشعر مُجيده ، حتى روي أنّه وُجد حمّال وهو
1 ـ يأتي نص الحديث في ص 63 عن كشف الغمة.
2 ـ الإمام جعفر الصادق ( عليه السَّلام ).
3 ـ في المصدر : « الفقهاء ».
4 ـ رجال الكشي : 2 / 569 ـ 574 رقم 505.


(63)
يمشي بحمل ثقيل ، فقيل : ما معك ؟ فقال : ميمات السيّد. (1)
    وعن الأصمعي أنّه قال : لولا أنّه يسبّ الصحابة في شعره ما قدّمتُ عليه أحداً في طبقته.
    وقد كان في بادئ الأمر كيسانياً (2) فرجع إلى الحقّ بهداية الإمام الهمام أبي عبد اللّه الصادق ( عليه السَّلام ).
    وممّا قاله وهو كيسانيّ :
ألا إنّ الأئمّة من قُريش عليٌّ والثلاثة من بَنيهِ فسبطٌ سِبطُ إيمان وبِرّ وسِبطٌ (3) لا يذوقُ الموتَ حتّى وُلاة الأمر أربعة سَواءُ هُمُ أسْباطُنا والأوصياءُ وسبطٌ غيّبته كربلاءُ يَقودُ الجيش يَقدمه اللِّواءُ

1 ـ علي بن عيسي الإربلي : كشف الغمّة : 1 / 548.
2 ـ الكيسانيّة : يدّعي أصحاب المقالات أنّ عدة من الشيعة التفّوا حول محمد ابن الحنفيّة وكان اسمه « كيسان » ـ بادعاء بعض الكيسانيّة ـ واتّخذوه قائداً ( في حياة الإمام زين العابدين ( عليه السَّلام ) ).
    والشيعة تعتقد بأنّه مذهب مختلق في حينه من جانب الأعداء ملصق بشيعة أهل البيت ( عليهم السَّلام ) لتشويههم آنذاك أولاً وتحطيم سمعة الثائر المختار بن أبي عبيدة ثانياً. ( انظر بحوث في الملل والنحل للعلاّمة السبحاني : 7 / 27 ـ 44.
3 ـ يعني بالسبط الذي لا يذوق الموت محمد ابن الحنفية.


(64)
تَغَيَّبَ لا يُرى عنّا زماناً برَضوى عنده عسلٌ وماءُ (1)
    وقد رأيت أخطب خطباء خوارزم أبا المؤيّد موفق بن أحمد المكي في كتاب « مقتل الحسين صلوات اللّه عليه » (2) نسب هذه الأبيات إلى كثير بن عبدالرحمن.
    وقوله :
يا شعب رَضوى ما لِمَن بكَ لا يُرى حتى متى وإلى متى وكم المدى إنّي لآملُ أن أراكَ وإنّني وبنا إليه من الصبابة أولَق يا ابن الوصيّ وأنت حيٌّ تُرزق مِنْ أن أموت ولا أراك لأفرقُ
    وقوله :
ألا حيِّ المقيم بشعبِ رَضْوى واهدِ لَهُ بمنزله السَّلاما

1 ـ محمد بن بابويه ( الصدوق ) : كمال الدين وإتمام النعمة : 32. وفي « الأغاني » لأبي الفرج الاصفهاني ( 7 / 245 ) وذكر رواية السيد : أنّه حضر يوماً وقد ناظره محمد بن عليّ بن النعمان فغلبه محمد في دفع ابن الحنفيّة عن الإمامة ؛ فقال السيد ـ و ذكر الأبيات ـ.
2 ـ الخوارزمي : مقتل الحسين ( عليه السَّلام ) : 2 / 129.


(65)
وقُل يا ابنَ الوصيّ فدتكَ نفسي أضِر (1) بمعشر والوكَ مِنّا فما ذاقَ ابنُ خولَة طَعمَ مَوت أطلتَ بذلك الجبلِ المقاما وَسَمّوكَ الخليفة والإماما ولا وارت له أرض عظاما
    وقوله :
أياشعب رَضوى ما لمن بك لا يُرى فلو غاب عنّا عُمر نُوح لأيقَنَتْ فحتّى متى يخفى وأنت قريبُ مِنّا النفوس بأنّه سَيَؤوبُ (2)
    قال الشيخ الصدوق ثقة الإسلام والمسلمين أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي رحمهمُ اللّه في كتاب « كمال الدين وإتمام النعمة » : حدّثنا عبد الواحد بن محمد العطار رحمه اللّه قال : حدّثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، قال : حدّثنا حمدان بن سليمان ، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع ، عن
1 ـ أضرّ بي فلان ، أي دنا منّي دنوّاً شديداً ، وكلّ ما دنا دنوّاً مضيّقاً فقد أضرّ ، وأضرّ السيل من الحائط : دنا منه ( لسان العرب : « ضرر ) ».
2 ـ الصدوق : كمال الدين : 32 و 33.


(66)
حيّان السرّاج (1) قال : سمعت السيد ابن محمد الحميري يقول : كنت أقول بالغلوّ وأعتقد غيبة محمد بن علي ابن الحنفية ، قد ظللت في ذلك زماناً فمنّ اللّه عليّ بالصادق جعفر بن محمد عليهما السَّلام وأنقذني به من النّار وهداني إلى سواء الصراط ، فسألته بعد ما صحّ عندي بالدلائل الّتي شاهدتها منه أنّه حجّة اللّه عليّ وعلى جميع أهل زمانه وأنّه الإمام الّذي فرض اللّه طاعته وأوجب الاقتداء به ، فقلت له : يا ابن رسول اللّه قد روي لنا أخبار عن آبائك عليهم السَّلام في الغيبة وصحّة كونها فأخبرني بمن تقع؟
    قال ( عليه السَّلام ) : إنّ الغيبة ستقع بالسّادس من ولدي وهو الثاني عشر من الأئمة الهداة بعد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب و آخرهم القائم بالحقّ بقيّة اللّه في الأرض وصاحب الزّمان ، واللّه لو بقي في غيبته ما بقي نوح في الأرض في قومه لم يخرج من الدنيا حتى يخرج فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
    قال السيّد : فلمّا سمعت ذلك من مولاي الصادق جعفر بن محمد عليهما السَّلام تبت إلى اللّه تعالى ذكره على يديه ، وقلت قصيدتي التي أوّلها :
فلمّا رأيتُ الناسَ بالدِّين قَد غووا تجعفرتُ باسم اللّهِ واللّه أكبرُ

1 ـ حيّان السرّاج : من الكيسانية القائلين بأنّ محمد بن الحنفية إمام وهو حيّ لم يمت ، وقد ذكر الكشي في ذلك عدّة روايات. ( السيد الخوئي قدَّس سرَّه : معجم رجال الحديث : 6 / 308 رقم 4120 ).

(67)
تجعفرتُ بسم اللّه واللّه أكبر ودِنْتُ بدين غيرَ ما كنتُ دائناً فقلتُ فهبني قد تهوَّدتُ بُرهَةً فإنّي إلى الرحمن من ذاك تائبٌ فلستُ بغال ما حييتُ ، وراجعٌ ولا قائل حيّ برضوى محمد ولكنّه ممّن مَضى لسبيلهِ مع الطيِّبينَ الطاهرين الأُولى لَهُمْ وأيقَنْتُ أنّ اللّه يعفو ويَغفرُ بهِ ونَهاني واحدُ الناسِ جعفرُ وإلاّ فديني دينُ مَنْ يتنصَّرُ وإنّي قد أسلمتُ واللّهُ أكبرُ إلى ما عليهِ كنت أُخفي وأُضمرُ وإن عابَ جُهّالُ مَقالي وأكثرُوا على أفضلِ الحالاتِ يَقْفِي ويخبرُ مِنَ المُصْطَفى فرعٌ زكيٌّ وعنصرُ


(68)
    إلى آخر القصيدة وهي طويلة ، وقلت بعد ذلك قصيدة أُخرى :
أيا راكباً نحو المدينة جَسرةً إذا ما هَداك اللّه عاينتَ جعفراً ألا يا أمين اللّهِ وابن أمينه إليك من الأمر الذي كنت مطنباً وما كان قولي في ابن خولة مطنباً ولكن روينا عن وصيِّ محمّد إنّ وليّ اللّه يُفقدُ لا يُرى عذافرة يطوى بها كلّ سَبسَبِ (1) فقُل لِوليّ اللّه وابن المُهَذَّبِ أتوبُ إلى الرحمنِ ثمّ تأوّبي أُحارب فيه جاهداً كلَّ معربِ معاندة منّي لنسل المطيّبِ وما كان فيما قال بالمتكذِّبِ سنين كفعلِ الخائف المترقِّبِ

1 ـ الجَسْرُ : ـ بالفتح ـ : العظيم من الإبل وغيرها ، والأُنثى جَسْرَة. العَذافِرة : الناقة العظيمة. والناقة الشديدة. الأمينة الوثيقة الظهيرة. وجَمَل عُذافر وعَذَوْفَر : صلب عظيم شديد. السبسب : المفازة ، والأرض المستوية البعيدة ( لسان العرب : « جسر » ، « عذفر » و « سبسب » ).

(69)
فيقسم أموال الفقيد كأنّما فيمكت (1) حيناً ثمّ يشرق شخصه يسير بنصر اللّه من بيت ربّه يسير إلى أعدائه بلوائه فلمّا روى أنّ ابن خولة غائب وقلنا هو المهدي و القائم الذي فإن قلت : لا ، فالحقُّ قولك والّذي وأُشهد ربّي أنّ قولك حجّة بأنّ ولي اللّه والقائم الّذي تغيّبه بين الصفيح المنصّبِ مضيئاً بنور العدل إشراق كوكبِ على سؤدد منه وأمر مسبّبِ فيقتلهم قتلاً كحران مغضبِ صرفنا إليه قولنا لم نكذبِ يعيش بجدوى عدله كلُّ مجدبِ أمرتَ فحتمٌ غير ما متعقّبِ على النّاس طُرّاً من مطيع ومُذنبِ تطلع نفسي نحوه بتطرّبِ

1 ـ مَكت بالمكان : أقام ، كَمَكَد. ( لسان العرب : « مكت » ).

(70)
له غيبة لا بدّ أن سيغيبها فيمكث حيناً ثم يظهر عينه بذاك أدين اللّه سرّاً وجهرةً فصلّى عليه اللّه من متغيّبِ فيملأ عدلاً كلّ مشرق ومغربِ ولستُ وإن عوتبتُ فيه بمعتّبِ (1)
    وفي المناقب للشيخ الجليل رشيد الدين محمد بن علي بن شهر اشوب رحمه اللّه : داود الرقي : بلغ السيد الحميري أنّه ذُكر عند الصادق ( عليه السَّلام ) فقال : السيد كافر ، فأتاه وقال : يا سيّدي أنا كافر مع شدّة حبّي لكم ومعاداتي الناس فيكم ؟! قال : وما ينفعك ذاك وأنت كافر بحجّة الدهر والزمان ، ثمّ أخذ بيده وأدخله بيتاً فإذا في البيت قبر ، فصلّى ركعتين ثمّ ضرب بيده على القبر فصار القبر قطعاً ، فخرج شخص من قبره ينفض التراب عن رأسه ولحيته فقال له الصادق ( عليه السَّلام ) : من أنت ؟ قال : أنا محمد بن علي المسمى بابن الحنفية ، فقال : فمن أنا ؟ فقال جعفر بن محمدحجّة الدهر والزمان. فخرج السيد يقول : ( تجعفرت باسم اللّه فيمن تجعفرا ). (2)
    ثمّ قال رحمه اللّه (3) : وفي اخبار السيد أنّه ناظر معه مؤمن الطاق في ابن الحنفية فغلبه عليه ، فقال :
1 ـ الصدوق : كمال الدين : ص 33 ـ 35.
2 ـ ابن شهر اشوب : مناقب آل أبي طالب : 4 / 245.
3 ـ أي صاحب الكتاب.


(71)
تركتُ ابن خولةَ لا عَن قلى وَإنّي لَهُ حافظٌ في المغيبِ هوَ الحبرُ حبرُ بني هاشم بِه يُنعِشُ اللّهُ جَمعَ العِبادِ أتاني بُرهانهُ مُعْلَناً فَمَنْ صدَّ بعد بَيانِ الهُدى وإنّي لَكَالْكَلِفِ الوامِقِ (1) أدينُ بما دانَ في الصادقِ ونورٌ مِنَ المَلكِ الرّازِقِ ويُجري البَلاغَةَ في النّاطِقِ فَدُنتُ ولَمْ أكُ كالمائِقِ إلى حَبْتَر وَأبَى حامِقِ
    فقال الطاقي : أحسنت ; الآن أتيت رشدك ، وبلغت أشدّك ، وتبوّأت من الخير موضعاً ومن الجنّة مقعداً. وأنشأ السيد يقول :
    تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر
    ـ إلى قوله : ـ
1 ـ الكلَف : الوُلوع بالشيء مع شغل قلب ومَشقّة.
    ووَمِقَ : أحبَّ ، والوِماق : محبة لغير رِيبة. ( لسان العرب : « كلف » ، « ومق » ).


(72)
ولَستُ بغال ما حَيِيتُ وراجع إلى ما عَليهِ كُنتُ أُخفي وأُظمرُ (1)
    وقد رويناه فيما مرّ : « وأضمر ».
    وحكى أيضاً في القصيدة الأُخرى التي صدرها :
    ( أيا راكباً نَحوَ المَدينةِ جَسْرَةً )
    بعض أبياتها ، بمخالفة ما في الألفاظ والترتيب.
    ـ ثم قال : ـ
    و أنشد فيه :
امدح أبا عبد الإله سِبطُ النَّبيّ محمَّد تغْشَى العُيونُ النّاظِراتُ عَذْبُ المَوارِدِ بَحْرُهُ فتى البريّة في احتمالِهِ حَبلٌ تَفرَّعَ مِنْ حِبالِهِ إذا سَمَوْنَ إلى جَلالِهِ يَروي الخَلائِقَ مِنْ سجالِهِ

1 ـ نص البيت من المصدر ، وفي الأصل :
    « ولست مغال ما حييت » البيت إلاّ ان عجزه وأظهر. وهو غير مستقيم.


(73)
بَحرٌ أطلَّ عَلَى البُحورِ سَقَتِ العِبادَ يَمينَُهُ يَحكي السَّحابَ يَمينُهُ الأرضُ مِيراثٌ لَهُ يا حُجَّةَ اللّهِ الجَليلِ وابن الوَصيّ المُصطفى أنتَ ابنُ بِنتِ مُحمَّد فَضِياءُ نُورِكَ نُورُهُ فيكَ الخَلاصُ مِنَ الرَّدَى يَمُدُّهُنَّ نَدَى بلالِهِ وسَقَى البلادَ نَدى شمالِهِ وَالودق يَخْرجُ مِنْ خلالِهِ والناسُ طُرّاً في عِيالِهِ وَعَيْنِهِ وزَعيمَ آلِهِ وشَبيهَ أحمدَ في كَمالِهِ حَذْوَاً خُلقتَ على مِثالِهِ وظِلالُ رُوحِكَ من ظِلالِهِ وبِكَ الهداية مِن ضَلالهِ


(74)
أَثني ولستُ بِبالغ عُشْرَ الفَريدة من خِصالِهِ (1)
    وقال الشيخ أبو عمرو الكشي في كتاب « الرجال » : وحدّثني نصر بن الصباح قال : حدّثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن عبد اللّه بن بكير ، عن محمد بن النعمان قال : دخلت على السيّد ابن محمد وهو لما به قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده ، وهو يومئذ يقول بمحمد ابن الحنفية وهو من حشمه ، وكان ممّن يشرب المسكر ، فجئت وكان قد قدم أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) الى الكوفة لأنّه كان انصرف من عند أبي جعفر المنصور ، فدخلت على أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) فقلت : جعلت فداك إنّي فارقت السيّد ابن محمد الحميري لما قد اسودّ وجهه وازرقّت عيناه وعطش كبده وسُلب الكلام ، فإنّه كان يشرب المسكر.
    فقال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : أسرجوا له ، فركب ومضى ومضيت ومعه حتى دخلنا على السيّد وإنّ جماعة محدقون به ، فقعد أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عند رأسه وقال : يا سيّد! ففتح عينه ينظر إلى أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ولا يمكنه الكلام (2) ، وإنّا لنتبيّن فيه أنّه يريد الكلام ولا يمكنه.
    فرأينا أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) حرَّك شفتيه فنظر السيّد (3) فقال أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : قل بالحقّ يكشف اللّه ما بك ويرحمك ويدخلك جنّته التي وعد أولياءه ، فقال في ذلك :
    ( تجعفرت باسم اللّه واللّه أكبر ). فلم يبرح أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) حتى قعد السيّد
1 ـ ابن شهر اشوب : مناقب آل أبي طالب : 4 / 246 ـ 247.
2 ـ « وقد اسودّ وجهه ، فجعل يبكي وعينه إلى أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) ولا يمكنه الكلام » : ( رجال الكشي ).
3 ـ « فنطق السيد فقال : جعلني اللّه فداك أبأوليائك يفعل هذا! » بدل : « فنظر السيد » : ( رجال الكشي ).


(75)
على استه. (1)
    وفي كتاب « كشف الغمة في معرفة الأئمّة » للشيخ الإمام علي بن عيسى الإربلي رحمه اللّه : روى الحسين بن عون قال : دخلت على السيّد ابن محمد الحميري عايداً في علّته التي مات فيها فوجدته يساق به ، ووجدت عنده جماعة من جيرانه ، وكانوا عثمانية ، وكان السيّد جميل الوجه رحب الجبهة عريض مابين السالفين ، فبدَت في وجهه نكتة سوداء مثل النقطة من المداد ، ثمّ لم تزل تنمو وتزيد حتى طبّقت وجهه بسوادها ، فاغتمّ لذلك من حضره من الشيعة ، وظهر من الناصبة سرور وشماتة ، فلم يلبث بذلك إلاّ قليلاً حتّى بدت في ذلك المكان من وجهه لمعة بيضاء ، فلم تزل تزيد أيضاً وتنمى حتى اسفر (2) وجهه وأشرق وأفتر السيد ضاحكاً وقال :
كذب الزاعمون أنّ علياً فقد وربّي دخلت جنّة عدن فأبشروا اليوم أولياء عليّ ثمّ من بعده تولّوا بنيه لم ينج محبّه من هنات وعفا لي الإله عن سيّئاتي وتولّوا عليّاً حتى الممات واحداً بعد واحد بالصفات

1 ـ الكشي : الرجال : ص 572 ـ 573.
2 ـ « اسفرّ » : المصدر.
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس