|
||||||
(241)
يترشح للسياسة ، لا أنّه جعلهم كلّهم متولّين للأمر فذلك مُناف للحكمة ، كما قيل : لا خير في كثرة الرؤساء ، ـ قال ـ : قال بعضهم : الملك اسم لكلّ من يملك السياسة إمّا في نفسه وذلك بالتمكين من زمام قواه وصرفها عن هواها ، وإمّا في غيره سواء تولّى ذلك أو لم يتولّ ، على ما تقدّم (1).
« من » نكرة موصوفة وتحتمل الموصولية. « الطمع » نزوع النفس إلى الشيء شهوة له ، طمع فيه كفرح : طمعاً وطماعة وطماعيّة مخففاً فهو طامع ، وطمع كفرح و نُدس. الإعراب : « إذا » إن كانت شرطية ، فجوابها محذوف مدلول عليه بما تقدّمها ، أي « إذا توفيت فإلى من الغاية والمفزع » بناءً على ما ذهب إليه جمهور البصريين من عدم جواز تقديم الجواب على الشرط. وذهب الكوفيون وأبو زيد والمبرّد والأخفش إلى جوازه. وذهب المازني إلى أنّه إن كان ماضياً لم يجز تقديمه ، نحو : قمت إن قام زيد ، وإن كان مضارعاً جاز ، نحو : أقوم إن قام زيد. وذهب بعض البصريين إلى أنّه يجوز إن كان فعل الشرط ماضياً أو كانا ماضيين. واختلف النحويون في عاملها فالأكثرون على أنّ عاملها الجواب وأنّها مضافة إلى الشرط ، وبعض المحقّقين على أنّ عاملها الشرط وحينئذ لا تكون 1 ـ مفردات الراغب : 472. (242)
مضافة إليه بل تكون مثل « متى » و « حيثما » و « أنّى ».
والدليل على أنّه يجوز أن يكون الجواب عاملها وجوه : منها : قوله تعالى : ( أإذا ما مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً ) (1) فإنّه لو كان العامل في إذا : « أُخرج » ، لزم أن يكون الإخراج في زمان الموت وليس كذلك. وأُجيب عنه : بأنّ التقدير : « إذا ما مت وصرت رميماً » أي إذا اجتمع فيَّ الأمران كما قال تعالى : ( أإذا كُنّا رفاتاً وعظاماً أئِنّا لَفِي خَلْق جَدِيد ). (2) أقول : ولا حاجة إلى هذا التقدير ، فإنّه يجوز أن لا يكون المراد بالموت حدوثه بل حصوله الشامل لاستمراره ، وحينئذ فلا فرق بينه وبين صيرورتهم رميماً في صحة أن يقال : الإخراج واقع في زمانه بمعنى وقوعه في زمان مقارن لزمانه ، وأمّا اتّحاد الزمانين فلا يمكن فيها ، كما لا يخفى. ومنها : أنّه يقال : إذا جئتني اليوم أكرمتك غداً ، ولو كان العامل في « إذا » : « أكرمتك » لزم أن يكون للإكرام ظرفان زمانيان متضادّان بخلاف ما إذا كان العامل هو « جئتني » فإنّه وإن لزم عمله في ظرفين زمانيّين لكنهما ليسا بمتضادّين فهو كقولك : أتيتك يوم الجمعة ظهراً. ويرد على هذا الوجه : أنّ لهم أن يؤوّلوا مثل ذلك إلى معنى « إن جئتني اليوم تسبب ذلك لإكرامي إياك غداً » ، كما يقال في نحو : إن أكرمتني اليوم فقد أكرمتك أمس ، أنّ المعنى : فقد كان جزاءً لإكرامي إيّاك أمس. ومنها : أنّه ربّما ورد الجواب مقروناً ب « إذا » الفجائية وبالحرف الناسخ ، 1 ـ مريم : 66. 2 ـ الإسراء : 49 و 98. (243)
نحو : ( ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ ) (1) ونحو : إذا جئتني فإنّي أكرمك. ولا يعمل ما بعد شيء منهما فيما قبله.
ومنها : أنّه ربّما كان الصالح للعمل فيها الوارد في الجزاء صفة ، كقوله تعالى : ( فَإِذا نُقِرَ فِي النّاقُورِ * فَذلِكَ يَوْمَئِذ يَوْمٌ عَسِيرٌ ) (2) ولا تعمل الصفة فيما قبل موصوفها. وربّما يجاب عن هذين الوجهين : بأنّه يجوز أن يخالف « إذا » غيرها في عدم مانعية هذه الموانع من العمل فيها. كما أنّ أبا البقاء صرّح بأنّ « الفاء » في جواب « إذا » لا تمنع من العمل فيها. وصرّح الزمخشري : بأنّ العامل في ( إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ ) (3) : سبّح. على أنّ الزمخشري جوّز أن يتعلّق قوله : ( في أنفسهم ) بقوله : ( بليغاً ) في قوله تعالى : ( وَقُلْ لَهُمْ في أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً ). (4) ومنها : أنّه يمتنع إعمال الجواب في قوله :
فإن كان الأوّل كان التقدير « إذا كان جائياً فلا أسبقه ». 1 ـ الروم : 25. 2 ـ المدثر : 8 و 9. 3 ـ النصر : 1. 4 ـ النساء : 63. 5 ـ من قصيدة لزهير بن أبي سلمى ، وفي ديوان زهير : 284 و قال الأصمعي : ليست لزهير ، وقيل هي لصرمة بن أبي أنس الانصاري ، ولا تشبه كلام زهير. (244)
وإن كان الثاني كانت متعلّقة ب « سابقاً ».
وعلى كلّ تقدير لا يكون له معنى محصّل ؛ لأنّ الشيء إنّما يسبق قبل مجيئه لا إذا جاء. ويدفع هذا الوجه بجواز أن يكون المراد بالمجيئ تحتم المجيئ وتقديره من اللّه سبحانه ، وبأنّ السبق يجوز أن يكون بمعنى الفوت ، أي : لا أفوت شيئاً إذا كان جائياً ، أو بأنّه يجوز أن يكون الجواب المقدّر لم يكن له مردّ ، ونحو ذلك ، وحينئذ فإمّا أن يقدّر له « شيئاً » صفة أي : شيئاً مقدّراً ، أو تكون الجملة الشرطية صفة له ، أو يبقى على « شيئاً » على عمومه ويكون نفى أن يسبقه مبالغة. ومنها : أنّ الشرط والجزاء عبارة عن جملتين تربط بينهما الأداة وعلى قولهم تصير الجملتان جملة واحدة ، لأنّ المعمول داخل في جملة عاملة. ولهم أن يقولوا : إن أردت بكون الشرط والجزاء جملتين كونهما في الظاهر. سلّمناه والأمر كذلك هنا. وإن أردت كونهما كذلك حقيقة فهو ممنوع ، بل المحقّقون على أنّ الشّرط قيد للجزاء كما عرفت سابقاً. ولو سلّم ففيما يكون حقيقة أداة الشرط. وأمّا في « إذا » الموضوعة للزمان وإنّما تضمن معنى الشرط فكلا. فهذه وما أشبهها أدلّة القائلين بكون العامل هو الشرط. وأمّا دليل الأكثرين ، فهو أنّ « إذا » موضوعة للوقت المعيّن ولا يتعيّن إلاّ بنسبتها إلاّما يعينها من شرط فتصير مضافة إلى الشرط ، وإذا صارت مضافة إليه تعذّر عمله فيها لأنّه يؤدي إلى كون الشيء عاملاً ومعمولاً معاً من وجه واحد فوجب أن يكون العامل فيها الجواب وأمّا « متى » فليس لوقت معيّن فلا يلزم أن (245)
يكون مضافاً فصحّ عمل ما بعده فيه.
قال الحاجبي في الإيضاح : فإن قيل : فقد عملت « متى » فيما بعدها وما بعدها على هذا القول عامل فيها ، فقد صار الشيء عاملاً معمولاً ، قلت : تعدّدت الوجوه وتعدّد الوجوه كتعدّد أصحابها ، ووجه التعدّد أنّ « متى » إنّما عملت في فعلها لتضمّنها معنى « أن » ، وما بعدها عمل فيها لكونها ظرفاً له ، فالوجه الّذي عملت به غير الذي عمل فيها ، قال : فإن قلت : فقدره كذلك في « إذا ». قلت : لا يستقيم لأنّك إذا جعلت « إذا » مضافة إلى فعلها كان عملها فيه باعتبار كونها ظرفاً له ، إذ هو الّذي جوّز النسبة ، وإذا جعلت الفعل عاملاً فيها كان على معنى كونها ظرفاً له ، فصار الوجه واحداً. ثمّ قال : والحقّ أنّ « إذا » و « متى » سواء في كون الشرط عاملاً ، وتقدير الإضافة في « إذا » لا معنى له ، وما ذكروه من كونها لوقت معيّن مسلّم لكنّه حاصل بذكر الفعل بعدها كما يحصل في قولك : زماناً طلعت فيه الشمس ، فإنّه يحصل التعيين ولا يلزم الإضافة وإذا لم يلزم الإضافة لم يلزم فساد عمل الشرط. وردّ عليه نجم الأئمّة سلام اللّه عليه : أنّه إنّما حصل التخصيص به ـ في المثال المذكور ـ لكونه صفة له لا لمجرد ذكره بعده ، ـ قال : ـ ولو كان مجرّد ذكر الفعل بعد كلمة « إذا » يكفي لتخصيصها ، لتخصّص « متى » في : متى قام زيد ، وهو غير مخصّص اتفاقاً منهم (1). أقول : ومن هذه الجملة تبيّن لك أنّ الأقوى قول الأكثرين ، هذا إذا كانت شرطية ، وأمّا إذا كانت ظرفيّة محضة ، فالعامل فيها هنا الظرف المستقر أعني إلى من ، أو العامل المقدّر له ، أو المعنى النسبي المفهوم بين المبتدأ والخبر وحينئذ فلا 1 ـ شرح الرضي : 3 / 190. (246)
شبهة في كونها مضافة إلى الجملة التي بعدها.
« توفّيت » إن قُرئ مبنيّاً للمفعول كان الضمير مفعوله النائب مناب الفاعل وفاعله متروكاً وهو « اللّه سبحانه » أي : توفّاك اللّه من الدهر أو الدنيا ، أو الضّمير مضاف إليه لمحذوف أي توفّى روحك منك. ويجوز أن يفهم هذا المعنى من الأوّل على أن يكون المخاطب هو الروح لأنّه المتكلّم والقائل للخطاب فيكون المعنى « توفّاك من جسدك ». ويجوز أن يكون فيه حذف واتّصال ، أي : « توفّى منك » والمتوفّى هو الرّوح. وإن قرئ مبنيّاً للفاعل كان الضمير فاعله وكان مفعوله محذوفاً أي « توفّيت أجلك أو حظّك من الدّنيا » أو كان الفعل منزلاً منزلة اللازم تنزيله ، منزلة قولك : متّ. و « فارقتنا » : معطوف على ما قبله عطف اللازم على ملزومه ، أو حال عن ضمير « توفّيت » بتقدير « قد » إن كانت لازمة كما هو رأي الجمهور ، وعلى رأي الأخفش والكوفيين غير الفرّاء ; لا حاجة إلى التقدير. والجملة بعده حال عن فاعل « قالوا » والظرف الأوّل منها أعني « فيهم » مستقر فاعله « من » الموصوفة أو خبر ل « من » الموصوفة ، ومصحح الابتدائية لمن أُمور : منها : وصفها بيطمع. ومنها : ظرفية الخبر أو تقديمه. ومنها : وقوعها في الجملة الحالية ؛ وذلك لأنّهم عدّوا من المسوّغات أن يكون ثبوت الخبر للمتبدأ من خوارق العادة ، نحو شجرة سجدت وبقرة تكلّمت ، (247)
وإذا وقع في الجملة الحالية كان الحكم عليه أيضاً من الخوارق إذ يعتبر المقارنة بين الحال وعاملها ، وتحقّق المقارنة مما لا توجبه العادة ، فهو كما إذا وقعت النكرة بعد « إذا » الفجائية نحو : خرجت فإذا رجل بالباب ، إذ لا يوجب العادة أن لا يخلو الحال من أن يقال : جئتك عند خروجك رجل.
والظرف الثاني أعني في الملك ، ظاهره أنّه متعلّق بيطمع لكنّه يلزم تقديم معمول الصفة أو الصلة على الموصوف أو الموصول. ويحتمل أن يجعل متعلّقاً بالظرف الأوّل أو خبراً بعد خبر و يكون المراد : « في شأن الملك » أو « طامع في الملك ». أو يجعل حالاً عن ضمير الظرف الأوّل أو « من » أي « طامعاً في الملك ». وعلى هذه التقادير يكون « يطمع » منزلاً منزلة اللاّزم ، أي « من له الطمع ». المعنى : قالوا : لو شئت أعلمتنا أنّ الغاية والالتجاء منتهيان إلى أيّ شخص إذا توفّاك اللّه أو توفّيت أجلك أو حظّك من الدنيا وانفصلت ، أو وقد انفصلت عنّا بسبب ذلك ، أو إذا توفّيت وفارقتنا فإلى من الغاية والمفزع؟ والحال أنّه كائن فيهم حين قالوا ذلك من يطمع في الملك أو كائن فيهم في شأن الملك من له الطمع ، أو كائن فيهم طامع في الملك من له الطمع ، أو من له الطمع كائن فيهم طامعاً في الملك. (248)
المعاني :
فيه مسائل : الأُولى : في الإتيان ب « إذا » إن كانت شرطية دون غيرها من أدوات الشرط دلالة على قطعهم بوقوع الشرط. فإن قلت : أمّا القطع بالتوفّي فهو صحيح ، وأمّا القطع بمفارقته لهم بالموت ، فغير ظاهر ؛ لأنّ المفهوم من ذلك أن يموت وهم أحياء وهو غير معلوم. قلت : أوّلاً : يجوز أن يكونوا علموا بإخباره ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنّهم ميّتون بعده. وثانياً : يجوز أن يكون المراد بضمير التكلم في « فارقتنا » غير مقصور على القائلين ولا الحاضرين ، بل جميع الأُمّة ، ومفارقة المجموع تصدق بمفارقة بعض منهم ، ويكون علمهم ببقاء جمع من الأُمّة بعده ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أيضاً بإخباره. وثالثاً : إنّ المفارقة كما تصدق بموته ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) تصدق بموت الجميع إذ لا اجتماع حسّياً بين الموتى وإن كان بينهم نحوٌ آخر من الاجتماع وخصوصاً النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فإنّ له المرتبة العليا التي لا يجتمع معه فيها إلاّ قليل ، فالاجتماع الباطني أيضاً بينه وبينهم مفقود ، وحينئذ فلابدّ من أن لا يكون المراد بالغاية والمفزع غايتهم ومفزعهم. ورابعاً : أنّه يحتمل أن يكونوا قد قطعوا بذلك من طول آمالهم ، أو يكون الناظم رحمه اللّه تكلّم بذلك على ألسنتهم تعييراً لهم وتنبيهاً على أنّهم كانوا من طول الأمل كذلك. وخامساً : أنّه يحتمل أن يقدر « وإن فارقتنا ». وسادساً : أنّه ربّما يخالف المعطوف المعطوف عليه في بعض الأحكام فليكن (249)
هذا من ذاك ، ويكون العاطف إنّما نقل إلى المعطوف معنى الشرطية من « إذا » دون القطع.
هذا كلّه إن كانت « إذا » شرطية ، وإلاّ فيجوز أن يكون ينزل على الفرض والتقدير إمّا كِلا الأمرين أو أحدهما ، هذا ، ثمّ إنّ في الإتيان ب « إذا » : التوجيه. الثانية : حذف فاعل التوفّي ، لوجوه : منها : المعلوميّة. ومنها : عدم تعلّق الغرض إلاّ بوقوع الفعل على المفعول. ومنها : التعظيم. ومنها : ضيق المقام للوزن. ومنها : أنّ المقام مقام الإيجاز ، فإنّه أمر مكروه للمؤمنين فيحبّ المتكلّم أن يطويه سريعاً. ومنها : أنّ التوفّي على مراتب ، منها : ما يكون بتوسّط ملك الموت. ومنها : ما يكون بتوسط الأعوان ، ومنها : ما يحتمل أن يكون بلا واسطة ، فالفاعل البعيد للتوفّي في الأوّلين هو اللّه سبحانه بمعنى أنّه يتوفّى من ملك الموت ، وهو إمّا أن يتوفّاه بلا واسطة أو من الأعوان ، وهو سبحانه في الأخير فاعل قريب ، ويشهد بذلك قوله تعالى : ( اللّهُ يَتَوفّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (1) وفي موضع آخر ( يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (2) وفي آخر ( الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ ). (3) وقد روى الشيخ الصدوق أبو جعفر محمد بن بابويه رضوان اللّه عليه في 1 ـ الزمر : 42. 2 ـ السجدة : 11. 3 ـ النحل : 32. (250)
كتاب « التوحيد » بإسناده : إنّ رجلاً أتى أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه فقال : يا أمير المؤمنين إنّي شككت في كتاب اللّه المنزل. فقال له صلوات اللّه عليه : ثكلتك أُمّك وكيف شككت في كتاب اللّه المنزل ؟! قال : لأنّي وجدت الكتاب يُكذّب بعضُه بعضاً فكيف لا أشك فيه.
ثمّ ذكر الرجل آيات ; منها ما ذكرناها ، فأجابه أمير المؤمنين صلوات اللّه وسلامه عليه عن آيات آيات ، إلى أن قال : وقوله تعالى : ( اللّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (1) وقوله تعالى : ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) (2) وقوله : ( الّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمي أَنْفُسِهِمْ ) (3) وقوله : ( الَّذِينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائكَةُ طَيِّبينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (4) ـ إلى أن يقول ـ فإنّ اللّه تبارك وتعالى يدبّر الأمر كيف يشاء ويوكّل من خَلقه من يشاء بما يشاء ، أمّا ملك الموت فإنّ اللّه عزّ وجلّ يوكّله بخاصّة من يشاء من خلقه ، ويوكّل رسله من الملائكة خاصة بمن يشاء من خلقه ، والملائكة الّذين سمّاهم اللّه عزّ ذكره وكّلهم بخاصّة من يشاء من خلقه ، إنّه تبارك وتعالى يدبّر الأمور كيف يشاء (5). والحديث طويل اقتصرنا منه على موضع الحاجة. وروى أيضاً في كتاب « من لا يحضره الفقيه » مرسلاً عن الإمام أبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق صلوات اللّه عليهما : أنّه سئل عن قول اللّه عزّوجلّ : ( اللّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوتِها ) وعن قول اللّه عزّ وجلّ ( قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ المَوْتِ الّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (6) وعن قول اللّه عزّوجلّ : ( الّذينَ تَتَوفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ ) 1 ـ الزمر : 42. 2 ـ الأنعام : 61. 3 ـ النحل : 28. 4 ـ النحل : 32. 5 ـ التوحيد : 254 ـ 268 جماعة المدرسين ـ قم 1387 هـ. 6 ـ السجدة : 11. (251)
و ( الّذينَ تَتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ ) وعن قول اللّه عزّوجلّ : ( تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا ) وعن قول اللّه عزّوجلّ : ( وَلَو تَرى إِذْ يَتَوفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلائِكَةُ ) (1) ، وقد يموت في الساعة الواحدة في جميع الآفاق ما لا يحصيه إلاّ اللّه عزّ وجلّ فكيف هذا ؟ فقال : إنّ اللّه تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح ـ بمنزلة صاحب الشرطة ، له أعوان من الإنس و يبعثهم في حوائجه ـ فتتوفّاهم الملائكة ويتوفّاهم ملك الموت من الملائكة مع ما يقبض هو ويتوفّاهم اللّه عزّوجلّ من ملك الموت (2).
إلى غير ذلك من الأخبار التي تضاهيها فأُبهم الفاعل ؛ ليبقى التوفّي على إطلاقه ، أو لعدم علم المتكلّم بأنّ الواقع أيّ نوع من الأنواع الثلاثة. هذا إن قرئ « توفّيت » على البناء للمفعول. فإن قرئ مبنيّاً للفاعل ، فترك المفعول للرابع والخامس من الوجوه ولاتّباع الاستعمال الغالب ، ولتنزيله منزلة « متّ ». الثالثة : التعبير عن التوفّي بالماضي ؛ لتنزيله في القطع بحصوله منزلة الماضي ، ولذا نرى الغالب بعد « إذا » هو الماضي ؛ لما عرفت أنّ « إذا » للقطع بحصول الشرط. وفيه نكتة أُخرى : هي أنّه لمّا كان أمراً مكروهاً ثقيلاً على النفوس وأراد المتكلّم توطين نفسه عليه ، أبرزه في صورة الأمر الواقع ليسرع نفسه في التهيّؤ والتوطّن له أو تسلّى بأنّه كأنّه قد وقع وانقضى ، أو أنّ الناظم رحمه اللّه لمّا رأى أنّ من المتكلّمين بذلك من يطمع في الملك ويرغب في توفّي النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) عبّر بالماضي على 1 ـ الأنفال : 50. 2 ـ الشيخ الصدوق : من لا يحضره الفقيه : 1 / 136 ، ح 368. (252)
لسانهم تنبيهاً على غاية رغبتهم في ذلك حتّى انّهم ينزلونه منزلة الواقع تنزيلاً للحضور الذهني منزلة الحضور الخارجي تفاءُلاً على زعمهم لأنفسهم المقبوحة.
الرّابعة : تقديم جواب الشرط أو ما يدلّ عليه على الشرط ، لكونه أهمّ ، ولكون التوفّي مكروهاً فناسب التأخير ؛ لعدم مساعدة النفس على التلفّظ به إلاّ بعد توطين تهيّؤ ؛ وللتوجيه باحتمال « إذا » للشرطية وغيرها ؛ وللاختصار لعدم الحاجة إلى الفاء الجزائية. الخامسة : حذف جواب الشرط إن كان محذوفاً للاحتراز عن العبث ، لأنّ مفسره موجود ، وهذا الحذف واجب كما صرّح به ابن هشام في « الارتشاف » ، ويكثر حذفه إذا دلّ عليه ما ينوب منابه ، كجواب القسم ، وكتقدم ما يدلّ عليه ، وهو صريح في عدم الوجوب. السادسة : زيادة قوله « فارقتنا » ؛ للتصريح بما هو الداعي إلى نصب الخليفة ؛ وللإشارة إلى أنّه إذا توفّي كان من الأحياء ، وإنّ توفيه إنّما هو مفارقة وهجرة ، ولذا نسب المفارقة إليه كما ينسب الأفعال الاختيارية إلى الأحياء المختارين ؛ وللإشارة إلى أنّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لا يُتَوفّى إلاّ إذا اختار الموت ; ولأنّ التوفّي أعمّ من أن يُتَوفّى وهم باقون أو غير باقين ، وإنّما يفتقرون إلى الخليفة على الأوّل ، فكأنّهم قالوا : إذا توفيت ونحن باقون. السابعة : تقديم الظرف الأوّل على المبتدأ إن كان مبتدأً ، لزيادة تخصيصه ، وللقافية ، ولتقريب العائد إلى ذي الحال منه ، ولأنّه لو أخّر كان موهماً لخلاف المقصود سواء قدّم على الظرف الثاني أو أخّر ، مع أنّه لو قدّم لزم الفصل بإلاجنبي بين الظرف وعامله. أمّا الإبهام على تقدير التقديم ، فظاهر لأنّه لو قيل : ومن يطمع فيهم في (253)
الملك ، كان الظاهر المتبادر أن يتعلّق الظرف الأوّل بيطمع ويكون الثاني خبر المبتدأ.
وأمّا على تقدير التأخير ، فلأنّه لو قيل : ومن يطمع في الملك فيهم أوهم أو لا ان يتعلق فيهم بالملك على أن يكون حالاً منه ، وإن كان يزول هذا الوهم بعد التأمّل. وللتوجيه باحتمال الجملة للأسمية والفعلية ، وبالاحتمال الظاهر ل « يطمع » للتعدي واللزوم ، والاهتمام بكونه فيهم لأنّه ممّا ينط به التعجّب ولأنّه حال عنهم. الثامنة : تقديم الظرف الثاني إن كان متعلّقاً ب « يطمع » للقافية والتوجيه والاهتمام. التاسعة : تنزيل « طمع » منزلة اللازم إن كان للدلالة على أنّهم من رسوخ الطمع فيهم كان الطمع صفة ذاتية ثابتة لهم لا عرضيّة حادثة ، ولإبهام المطموع فيه للتعميم وللتعظيم. العاشرة : التعبير عن الطامعين ب « من » ؛ للاختصار والإبهام على السامعين ، ولأنّه لا يتيقّن ذلك في حقّ في بعض وإن كان معلوماً في حقّ آخرين ؛ ولتحقيرهم ولعدم تعلّق غرض بأعيانهم وإنّما تعلّق الغرض بالصلة أو الصفة ، وإن كانت « من » نكرة ففي التعبير تحقير لهم ، وإن كان معرفة ففيه دلالة على أنّهم معروفون لا حاجة إلى التصريح بأسمائهم. البيان : « توفيت » إن كان مبنيّاً للمفعول كان استعارة تبعيّة تشبيهاً لقبض الروح بالاستيفاء ، أو تشبيهاً للروح بالحقّ ، وللجسد بالمستودع ونحوه ، فإذا قبض الروح (254)
فكأنّه استوفى حقّه من المستودع ، أو تشبيهاً للإنسان بالحقّ ، وللزمان أو الدار الدنيا نحو المستودع ، أو تمثيلاً للموت بتوفّيه.
وإن كان مبنيّاً للفاعل وقدّرت مفعوله الحظ كان حقيقة ، وإن قدّرت الأجل ففيه استعارة تبعية أيضاً تشبيهاً لتمام الأجل باستيفاء الحق ، وللأجل بالحق ، وللدنيا بالمستودع ، مثلاً والإنسان بالمستودع ، أو تمثيلاً لانقضاء الأجل باستيفاء حقّ من نحو مستودع. (255)
« الفاء » للعطف. « لو » إمّا بمعنى « إن » أو بمعناها الحقيقي من تعليق مقدّر بمقدّر. « العلم » هنا بمعنى المعرفة التي تتعدّى إلى مفعول واحد ، أو بمعناه الحقيقي وقد حذف مفعوله الأوّل أو الثاني ، فإنّه جائز عند الجمهور ، أي أعلمتكم أحداً مفزعاً أو مفزعاً لكم أو مفزعاً إلى أحد أو إلى من مفزعاً ، وحذف أحد مفعولي أفعال القلوب ممّا اختلفت فيه الأقوال. فمنهم من أطلق المنع. ومنهم من أطلق الجواز. ومنهم من صرّح بالامتناع على كلّ حال. ومنهم من فصّل فأجاز عند قيام القرينة ومَنَع عند عدم القرينة ولكن لا خلاف في أنّه قليل مطلقاً ، وسبب القلّة أنّ المفعولين معاً بمنزلة اسم واحد لأنّ |
||||||
|