|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(256)
مضمونهما معاً هو المفعول به في الحقيقة فحذف أحدهما بمنزلة حذف بعض أجزاء الكلمة ، وممّا جاء من حذف الأوّل قوله تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ ) (1) على القراءة بالياء ، أي بخلهم هو خيراً ، ويمكن أن يقال : إنَّ « هو » هو المفعول الأوّل على أن يكون الضمير المرفوع مقاماً مقام المنصوب ويكون راجعاً إلى البخل المفهوم من الفعل كقوله تعالى : ( اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى ) (2).
وممّا جاء من حذف الثاني قوله :
وقوله :
« المفزع » هنا اسم مكان بمعنى : « الملجأ » أي من يُفزَع ويُلتَجأ إليه على 1 ـ آل عمران : 180. 2 ـ المائدة : 8. 3 ـ البيت من معلّقة الحارث بن حلزة اليشكري التي أولها :
4 ـ البيت لعنترة بن شداد العبسي ، من معلقته المشهورة التي مطلعها :
( شرح ابن عقيل : الشاهد 133 ).
(257)
التقديرين الأوّلين ومصدر على الثالث.
« كان » يحتمل أن تكون زائدة ، وأن تكون بمعنى صار ، وذلك إن كانت « لو » بمعنى « ان » و إلاّ فمعناها الأصلي وهو محتمل على الأوّل أيضاً. ويحتمل على كلّ أن تكون تامّة بمعنى ألفيتم. « عسى » فعل مطلقاً ، خلافاً لثعلب وابن السرّاج فإنّهما ذهبا إلى أنّه حرف مطلقاً ، وخلافاً لسيبويه على ما حكاه السيرافي عنه فإنّه ذهب إلى أنّه حرف إذا اتّصل به ضمير منصوب ، كقول روبه :
وعن المازني : إذا كان فاعله غير ضمير المتكلّم أو المخاطب لم يكن إلاّ فعل بفتح العين ، قال الشيخ أبو علي الفارسي : إنّه يجوز في المسند إلى الظاهر الكسر أيضاً أخذاً بلغة الكسر ، في نحو « عسيتم » وجعل الفتح هو القياس. وفي الترشيح في « عسى » لغتان : عسى بفتح العين مثل « نصر » ، وعِسى بكسرها مثل « رِضى » ، فإن أُضمرت فيه وثنّيت وجمعت ، فعلى هاتين اللغتين زيد عسى وعسيا وعسوا وعست وعستا وعسين ، هذا في لغة من فتح ، وعسى وعسيا وعسواً وعسيت وعسيتا وعسين في لغة من كسر ، فإذا خاطبت فيمن فتح لقد عسيت وعسيتما وعسيتم وعسيت وعسيتنّ ، وفيمن كسر لقد عسيت وعسيتما وعسيتم ولقد عسيت وعسيتما وعسيتنّ. انتهى. 1 ـ أنى يأنى إنى ، أى حان. 2 ـ ذكره الشيخ الطوسي في « التبيان » : 6 / 94. (258)
ثمّ إنّ المشهور أنّه إذا اتصل به الضمير المرفوع كان على صورته الأصلية ، ومن العرب من يأتي بصورة المنصوب فيقول : عساني وعساك وعساه.
واختلفت فيه الأقوال فقيل : إنّ عسى فيه حرف ، كما عرفت ، وقيل : بل عكس عمله تشبيهاً له ب « لعلّ » لتقارب معنييها وهو أيضاً محكي عن سيبويه ، والذي رأيته في الكتاب موافق له ، فإنّه قال في باب ما يكون مضمراً فيه الاسم متحوّلاً عن حاله إذا أُظهر بعده الاسم : وأمّا قولهم « عساك » فالكاف منصوب. قال الراجز (1) : « يا أبتا علّك أو عساكا ». والدليل على أنّها منصوبة أنّك إذا عنيت نفسك كان علامتك « ني ». قال عمران بن حِطّان (2) :
وعن المبرّد وأبي علي أنّه قد عكس الاسناد فجعل المخبر عنه مخبراً به وبالعكس. وعن الأخفش أنّه يجوز في الضمير فأُقيم المنصوب مقام المرفوع. وأمّا معناه ، فقال سيبويه : « عسى » طمع وإشفاق ، فالطمع في المحبوب والإشفاق في المكروه ، نحو : عسيت أن أموت (4). وفي الصحاح : وعسى من اللّه تعالى واجبةٌ في جميع القرآن إلاّ في قوله : 1 ـ وهو رؤبة. 2 ـ وهو من القعدية الذين كانوا يقعدون عن الحروب مع أنهم يحثون غيرهم عليها ويزيّنونها لهم ( هامش شرح الرضي : 2 / 447 ). 3 ـ كتاب سيبويه : 2 / 374 ـ 375. 4 ـ شرح الرضي : 4 / 214. (259)
( عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ ) (1) ـ قال : ـ وقال أبو عبيدة : عسى من اللّه إيجابٌ ، فجاءت على إحدى لغتَي العرب لأنّ عسى في كلامهم رجاءٌ ويقين ، وأنشد لابن مُقْبل :
وقال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : وأنا لا أعرف « عسى » في غير كلامه تعالى لليقين ، فقوله : « عسى » لليقين ، فيه نظر ، ويجوز أن يكون معنى ظنّي بهم كعسى ، أي مع طمع (3). وقال الراغب : وكثير من المفسّرين فسّروا « عسى » و « لعلّ » في القرآن باللاّزم وقالوا : إنّ الطمع والرجاء لا يصحّ من اللّه ، وفي هذا قصور نظر ، وذاك أنّ اللّه تعالى إذا ذكر ذلك يذكره ليكون الإنسان منه على رجاء لا أن يكون هو تعالى راجياً ، فقوله تعالى : ( هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) (4) وقوله : ( هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِتالُ ) (5) وقوله ( عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ ). (6) أي كونوا راجين في ذلك (7). انتهى. وزاد في القاموس في معانيه « الشك » ، وفي المفصل : أنّ لها مذهبين : أحدهما أن يكون بمنزلة قارب فيكون لها مرفوع ومنصوب ، والثاني أن يكون بمنزلة قرب فلا يكون لها إلاّ مرفوع. 1 ـ التحريم : 5. 2 ـ لصحاح : 6 / 2426 مادة « عسا ». 3 ـ شرح الرضي : 4 / 214. 4 ـ محمد : 22. 5 ـ البقرة : 246. 6 ـ الأعراف : 129. 7 ـ مفردات الراغب : 335. (260)
« في » إمّا ظرفية ، وإمّا بمعنى الباء ، كما في قوله :
أو بمعنى التعليل كما في قوله تعالى : ( لَمَسَّكُمْ فيما أَفَضْتُمْ ) (3) وقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فيما روي عنه : أنّ امرأة دخلت النار في هرّة (4). أو للمصاحبة كما في قوله تعالى ( ادْخُلُوا في أُمَم ) (5) وقوله تعالى : ( فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ فِي زِينته ) (6) على ما قيل فيهما. « أن » على وجهين : اسم وهو الضمير بمعنى « أنا » والذي في أوائل أنت وأخواته على قول الجمهور ، وحرف وهو على وجوه : منها : أن تكون مصدرية ، وهي على وجهين : الأوّل : الناصبة للفعل المضارع ، والثاني : المخفّفة من « أنّ » المثقلة. والكلام هنا في الأُولى ، وقد تلغى عن العمل فترفع الفعل بعدها حملاً على أُختها « ما » المصدرية أو « أن » المخففة من الثقيلة ، كقراءة ابن محيصين (7) ( لِمَنْ أَرادَ 1 ـ البيت لزيد الخيل الطائي : وهو من قصيدة يرد فيها على كعب بن زهير ، مجمع البحرين : 3 / 442 وشرح الرضي : 4 / 279. 2 ـ الشورى : 11. 3 ـ النور : 14. 4 ـ أخرجه البخاري في كتاب « بدءالخلق » : ص 149 من الجزء الثاني من مسنده وذكره ابن أبي جمهور الاحسائي في « عوالي اللألي » : 1 / 153 و أحمد في مسنده : 2 / 261 عن أبي هريرة. 5 ـ الأعراف : 38. 6 ـ القصص : 79. 7 ـ جاء في تفسير مجمع البيان للطبرسي : 1 / 202 : « محيصن : ـ بمهملتين ـ مصغّراً ، واسمه عمر بن عبد الرحمن بن محيصن ، وهو قارئ أهل مكة مات سنة 123 هـ ( راجع تهذيب التهذيب : 7 / 474 ). (261)
أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ ) (1) وقوله :
وهي ممّا يخلص الفعل للاستقبال كالسين وسوف في المشهور. صنع إليه معروفاً كمنع ، صُنعاً بالضم ، وصنع به صنيعاً قبيحاً أي فعل ، وصنع الشيء صنعاً بالفتح والضم : عمله. 1 ـ البقرة : 233. 2 ـ ذكره في ( شرح شواهد المغني : 1 / 100 الشاهد 32 ). 3 ـ مغني اللبيب : 1 / 20 وتاج العروس : 9 / 130. (262)
وقال الراغب : الصنع : إجادة الفعل ، فكلّ صنع فعل وليس كلّ فعل صنعاً ، ولا ينسب إلى الحيوانات والجمادات كما ينسب إليها الفعل ، ثمّ قال : وللإجادة ، يقال للحاذق المجيد : صنع ، وللحاذقة المجيدة : صناع (1).انتهى.
والصناعة حرفة الصانع ، وعمله الصنعة ، وصنعة الفرس حسن القيام عليه ، يقال : صنعت فرسي صنعاً وصنعةً فهو فرس صنيع ، والصنيعة ما اصطنعته من خير كالصنيع. الصنيع إمّا المراد به معناه المصدري ، أو معنى اسم المفعول. « أهل » الرّجل في الأصل : من يجمعهم وإيّاه بيت. ثمّ اتّسع فاستعمل فيمن يجمعهم وإيّاه نسب. وعبّر بأهل الرجل عن زوجته ؛ وبأهل الإسلام عمّن يجمعهم الإسلام ، وكذا قالوا في كلّ شيء جامع بين جماعة من علم أو عمل أو صناعة أو جوار أو جار إنّهم أهله ، ولعلّ الإضافة في كلّ منها بأدنى ملابسة فإذا قيل : أهل الإسلام أو البيت أو العلم ، كان معناه الجماعة الذين بعضهم أهلٌ لبعض في الإسلام أو البيت أو العلم ، وعليه قس. « الألف و اللام » للعهد الخارجي ، أو الجنس ، فعلى الأوّل يكون العجل بمعنى الذي صاغه السامري لبني إسرائيل. « العِجْل » والعُجُول كستور : وَلَد البقرة ، والأُنثى عِجْلَة. قال الراغب : لتصوّر عجلته التي تعدم منه إذا صار ثوراًً (2). « إذ » له وجوه : منها : أن يكون اسماً للزمن الماضي ، وإن دخل على المضارع قلَبه ماضياً 1 ـ مفردات الراغب : 286. 2 ـ المفردات : 323. (263)
نحو : ( وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ) (1) وحينئذ فهو ظرف غالباً نحو : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْأَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) (2) ، وقيل : قد جاء مفعولاً به نحو : ( وَاذْكُروا إِذْ كُنْتُمْ قَليلاً ) (3) ( وَإِذْ قُلْنا لِلمَلائِكَة ) (4) ( إِذْفَرَقْنا بِكُمُ الْبَحْرَ ) (5) إلى غير ذلك.
وقد جاء بدلاً من المفعول به كقوله تعالى : ( وَاْذكُرْ فِي الكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ ) (6). وأنت تعلم أنّ كلّ مثال يمثّل به لهذين الوجهين يمكن فيه التأويل بتقدير العامل في « إذ » إلاّ أنّه تعسّف لا حاجة إليه. وقد جاء مضافاً إليه ، نحو : « يومئذ » و « حينئذ » و : ( بعد إذ نجّانا اللّه ) (7) وبعد « إذ أنتم مهتدون ». قال نجم الأئمّة رضي اللّه عنه : ولم يعهد مجروراً باسم إلاّ ب « بعد » (8). ولا أفهم هذا الكلام منه رحمه اللّه. نعم لم يعهد مجروراً باسم غير ظرف وهو لازم الإضافة إلى الجملة ، لكنّها قد تحذف ويعوّض عنها التنوين ك « يومئذ » و « ساعة إذ » ومنها : أن يكون للتعليل كقوله تعالى : ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إِذْ ظَلَمْتُمْ إِنَّكُمْ فِي العَذابِ مُشْتَرِكُونَ ) (9) ونحو : جئتك إذ كنت كريماً. واختلف في اسميّته وحرفيّته حينئذ ، ولا يخفى أنّ الآية تقوّي الحرفيّة ، فإنّه على القول بالاسميّة باق على الظرفية وإنّما يُفهم التعليل عنده من فحوى الكلام وهنا لا مجال للظرفية فإنّه لو 1 ـ الأنفال : 30. 2 ـ التوبة : 40. 3 ـ الأعراف : 86. 4 ـ طه : 116. 5 ـ البقرة : 50. 6 ـ مريم : 16. 7 ـ الأعراف : 89. 8 ـ شرح الرضي : 3 / 200. 9 ـ الزخرف : 39. (264)
كان ظرفاً لم يكن إلاّ بدلاً من اليوم أو ظرفاً آخر ل « ينفع » ، أو ظرفاً ل « مشتركون » والكل باطل كما لا يخفى.
قال أبو الفتح : راجعت أبا علي مراراً في قوله تعالى : ( وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَومَ إذْ ظَلَمْتُمْ ) (1) الآية ، مستشكلاً إبدال « إذ » من « اليوم » ، فآخر ما تحصّل منه أنّ الدنيا والآخرة متّصلتان ، وأنّهما في حكم اللّه تعالى سواء ، فكأن اليوم ماض ، أو كأن « إذ » مستقبلة. وقيل : التقدير أو المعنى : إذ ثبت ظلمكم ، وقيل : التقدير بعد « إذ ظلمتم » (2). وأمثال هذه التأويلات جارية في جميع الموارد إلاّ أنّها تكلّفات من غير حاجة إليها. ومنها : أن تزيد للتوكيد ؛ ذكره أبو عبيدة وابن قتيبة وحملا عليه ، نحو ( وَإِذْ قال رَبُّكَ ) (3). « الفاء » للسببية المحضة كما في قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ ) (4). « ترك » الشيء : رفضه اختياراً ، أو اضطراراً. فمن الأوّل قوله تعالى : ( وَتَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذ يَمُوجُ في بَعْض ) (5). ومن الثاني : قوله تعالى : ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّات وَعُيُون ) (6). و « اللام » إمّا هي اللاّم المزيدة لتقوية العامل ، أو للتعليل ، أو لشبه التمليك الذي يسمّى بالانتفاع. « الدَّعَةُ » : الخَفْضُ والسعة ، والهاء فيها عوضٌ من الواو كما في السعة. 1 ـ مريم : 29. 2 ـ مغني اللبيب : 1 / 82. 3 ـ البقرة : 30. 4 ـ الكوثر : 2. 5 ـ الكهف : 99. 6 ـ الدخان : 25. (265)
تقول منه : وَدُعَ الرجُلُ ـ بالضم ـ ، فهو وَدِيعٌ ، أي ساكنٌ ، ووادعٌ أيضاً ، مثل حَمُضَ فهو حامض ، . يقال : نالَ فلان المكارمَ وادِعاً من غير كُلْفَة.
ورجلٌ مُتَّدعٌ ، أي صاحب دَعَة وراحة. الإعراب : جملة البيتين معطوفة على قوله : « أتوا أحمدا » لا على قوله : « قالوا » ؛ للزوم أن يكون داخلاً في بيان الإتيان بالخطبة وليس بالضرورة. « قال » جملة فعلية فاعلها الضمير المستتر الراجع إلى « أحمد ». ما بعدها من تتمّة البيتين مفعولها ، أو إلاّ قوله « فالترك له أودع » كما سيظهر. « أعلمتكم » فعل الشرط ، « مفزعاً » مفعوله أو مفعوله الثاني أو الأوّل ، بما في حيّزه جواب الشرط إن لم تكن زائدة ولا كانت بمعناها الأصلي مع كون « لو » بمعنى « أن ». فعلى الأوّل يكون الجواب ما بعده. وعلى الثاني يكون الجواب محذوفاً معلولاً للمذكور ، أي « لو أعلمتكم لم ينفعكم أو خالفتم » ونحو ذلك « لأنّكم كنتم عسيتم » الخ ، فإنّه حينئذ ممحّص للمعنى فلا يصلح أن يكون جواباً ل « أن » ، فإن كانت « كان » ناقصة كان الضمير اسمها وما بعده خبرها ، وإلاّ كان الضمير فاعلها وما بعده حالاً عنه إن لم يكن زائداً. واعلم أنّ للنحويّين في « عسى » أقوالاً : منها : أنّها ناقصة داخلة على المبتدأ والخبر و أنّها لإنشاء الترجّي ، فإنّ مع الفعل خبرها وما قبل ذلك اسمها ، إلاّ أنّه لا يكون خبرها إلاّ مضارعاً. (266)
قال سيبويه : فالفعل هيهنا بمنزلة الفعل في « كان » إذا قلت : « كان يقول » ، وهو في موضع اسم منصوب بمنزلته « ثَمَّ » ، وهو ثَمَّ خَبَرٌ كما أنّه هيهنا خبر ، إلاّ أنّك لا تستعمل الاسم ، فأخلصوا هذه الحروف ، ـ يعني أفعال المقاربة ـ للأفعال كما خلصت حروف الاستفهام للأفعال ، نحو « هلاّ » و « ألاّ » (1). انتهى.
ومنها : ما ذهب إليه الكوفيّون من أنّها تامّة بمعنى « قرب » وما بعدها فاعلها ، و « أن مع الفعل » بدل منه ؛ بدل الاشتمال ، فإذا قلت : عسى زيد أن يقوم ، كان بمعنى : قرب قيام زيد. ومنها : أنّها تامّة إلاّ أنّها بمعنى قارب و « أن » مع الفعل : مفعوله ، فمعنى المثال : « قارب زيد القيام ». ومنها : أنّها تامّة بمعنى تهيّأ و « أن » مع الفعل منصوب المحل بنزع الخافض وهو اللام ، فمعنى المثال : تهيّأ زيدٌ لأن يقوم. ومنها : أنّها تامّة بمعنى « قرب » إلاّ أنّ « ان » مع الفعل منصوب بنزع من ، فالمعنى : عسى زيدٌ من أن يقوم. ومنها : أنّها ناقصة إلاّ أنّ « أن » والفعل بدل ممّا قبله وهو قائم مقام الجزئين أعني الاسم والخبر ، كما سدّمسد المفعولين في قوله تعالى : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيرٌ ) (2) على قراءة « تحسبنّ » بالفوقانيّة ، ولمّا كان يرد على الأوّل من هذه الأقوال أنّه لو كان « أن » مع الفعل خبراً ، وجب أن يحمل على الاسم وهو ممّا لا يصلح لذلك ، أوّلوه بوجوه : منها : أن يقدّر المضاف إمّا قبل الاسم بأن يكون التقدير : عسى أمر زيد ، أو 1 ـ كتاب سيبويه : 3 / 160. 2 ـ آل عمران : 178. (267)
قيل « أن » بأن يكون التقدير : عسى زيد صاحب القيام ، كما يحتمل الوجهان في قوله تعالى : ( وَلكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ ) (1).
ومنها : أنّه من باب : زيد عدل. ومنها : أنّ « أن » زائدة لا مصدرية ، وهذا الوجه غلط من وجهين : الأوّل : أنّها لو كانت زائدة لما نصبت ، والثاني : أنّها لو كانت زائدة لما لزمت ، وعلى القول بالإنشائية فجعل الجملة التي هي صدرها خبراً لكنتم أو حالاً مبني على التأويل بالخبر ، بأن يكون الخبر أو الحال ما يفهم منها من الاخبار بأنّهم متوقع منهم ذلك ، فكأنّه قيل : كنتم متوقعاً منكم كذا ، أو على تقدير نحو : مقولاً في شأنه. وقد لا تذكر بعد عسى إلاّ أن مع الفعل ، وحينئذ ففيه أقوال : منها : أنّ « عسى » تامّة ليس لها إلاّ فاعل هو أن مع الفعل. ومنها : أنّها ناقصة وقد تنازعت هي والفعل في الاسم بعده ، فعلى اختيار البصريين ينبغي أن يقال في التثنية : عسيا أن يخرج الزيدان ، وعلى اختيار الكوفيين : عسى أن يخرجا الزيدان. ومنها : أنّها ناقصة و « أن » مع الفعل سادّ مسدّ الجزءين. ومنها : أنّها ناقصة والمذكور اسمها ، وخبرها محذوف أي : عسى أن يقوم زيدان تقع ، أي قارب قيام زيد الوقوع ، وقد جاء بعد عسى مكان « أن » مع الفعل اسم مفرد في المثل السائر « عسى الغُوَيْرُ أبْوُساً » (2). 1 ـ البقرة : 177. 2 ـ المثل من قول « الزبّاء » في قصتها المشهورة ، حين قيل لها : اُدخلي الغار الذي تحت قصرك ، فقالت « عسى الغوير أبؤساً » أي : إن فررت من بأس واحد فعسى أن أقع في أبؤس. كتاب سيبويه : 3 / 58 وانظر في ذلك جمهرة الأمثال للعسكري 2 / 50 رقم 1209. (268)
وفي قوله :
الظرف ، أعني « فيه » إمّا أن يتعلّق ب « تصنعوا » ولكن يلزم تقديم معمول الصلة على الموصول ، أو يتعلّق ب « عسى » ، أو حال عن فاعل « عسى ». وتفصيل ذلك أنّه يحتمل أن يكون بمعنى الباء وحينئذ أيضاً يتعلّق به. أو يحتمل أن يكون للتعليل وحينئذ يحتمل أن يكون متعلّقاً ب « تصنعوا » وبـ « عسى ». ويحتمل أن يكون للمصاحبة وحينئذ فليس إلاّ حالاً عن فاعل « عسى » ، والضمير فيه إمّا على الأوّل فالظاهر أنّه راجع إلى المفزع إن كان اسم مكان ، أو إلى المفهوم منه من المفزع اسم مكان إن كان مصدراً ، أو إلى « من » المقدّرة أو « أحد » المقدّر ، فإنّ التقدير حينئذ : أعلمتكم إلى من مفزعاً أو مفزعاً إلى أحد. ويحتمل أن يرجع إلى المعلم أي الوصية التي يوصي بها من كون فلان مفزعاً. 1 ـ قال أبوحيّان : « هذا البيت مجهول ، لم ينسبه الشُّرّاح إلى أحد » ؛ قال ابن هشام : « طعن في هذا البيت عبد الواحد في كتابه « بغية الآمل ومنية السائل » فقال : هو بيت مجهول ، لم ينسبه الشُّراح إلى أحد ، فسقط الاحتجاج به ، ولو صح ما قاله لسقط الاحتجاج بخمسين بيتاً من كتاب سيبويه ، فإنّ فيه ألف بيت عرف قائلوها وخمسين بيتاً مجهولة القائلين » ، ( شرح ابن عقيل : الشاهد 84 ). (269)
وأمّا على الثاني : فالأمر أيضاً كذلك ، أي بالموصى له أو بالوصية.
وأمّا على الثالث : فالظاهر رجوعه إلى الاعلام أي « عسيتم لأجل هذا الاعلام أن تصيروا مثل أصحاب العجل في صنيعهم » إمّا لأنّه إذا لم يكن إعلام لم تتحقق مخالفة ، وإمّا لأنّه إن أعلم فإنّما يعلم أنّ المفزع هو علي بن أبي طالب صلوات اللّه وسلامه عليه وقد علم أنّهم يعادونه ، فلو أعلم أنّه المفزع ازدادت عداوتهم له. ويحتمل الرجوع إلى المعلم. وعلى الرابع أيضاً يحتمل إرجاع الضمير إلى كلّ من « المفزع » ومن « الاعلام ». « صنيع » إمّا مفعول مطلق ل « تصنعوا » ، أي « صنيعاً مثل صنيع أهل العجل » وهو الظاهر. أو مفعول به على أن يريد به معنى اسم المفعول أي المصنوع ، وعليه أيضاً يكون المراد « مثل صنيع » إمّا بتقدير المثل ، أو بمجرد العناية. الإضافة في أهل العجل كما عرفت لابيه بأدنى ملابسة. « إذ » إمّا ظرف متعلّق ب « الصنيع » وإمّا للتعليل لما يفهم من إسناد الصنيع إليهم ، فإنّ الصنيع كما عرفت يخصّ الفعل القبيح ، فكأنه قيل : إنّهم فعلوا فعلاً قبيحاً لأنّهم فارقوا هارون. وإمّا زائدة وما بعدها بيان للصنيع. « الترك » مبتدأ وخبره « أودع ». و « له » إمّا أن يتعلّق بالترك ، وإمّا ب « أودع » فإن كان الأوّل وكانت اللام للتقوية فالضمير إنّما يعود على الإعلام ، وإن كانت اللاّم للتعليل فالضمير عائد إلى مضمون جواب الشرط أي لأجل ما عسى أن يفعلوا كذا كان الترك أودع ، وحيئنذ فالألف واللاّم في الترك قائم مقام الإضافة ، أي تركه. (270)
وإن كان الثاني كان اللاّم للتعليل أو لشبه التمليك وهي المسمّاة ب « لام الانتفاع » والضمير على الأوّل عائداً على مضمون جواب الشرط ، وعلى الثاني عائداً على المفزع ، والمفضل عليه محذوف ، أي أودع من الإعلام ، واشتمال المفضل عليه على أصل البيعة تقديري موافقاً لرأي المخاطبين ، أي إن كان في الإعلام بيعة كما تظنّون فالترك أوسع ، كقول أمير المؤمنين صلوات وسلامه عليه : « لأن أصوم يوماً من شعبان أحبُّ إليَّ مِنْ أنْ أفْطُرَ يوماً من شهر رمضان » (1).
وقوله ( عليه السَّلام ) « اللّهمّ أبدلني بهم خيراً منهم وأبدلْهُمْ بي شَرّاً منّي » (2). وكقوله تعالى : ( أَصْحابُ الجَنَّةِ يَومَئِذ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً ) (3). أو يقال : إنّه لم يرد معنى التفضيل أصلاً ، فإنّ أبا عبيدة وجماعة ذهبوا إلى أنّ أفعل التي أصلها أن يكون للتفضيل ، قد تخرج إلى معنى فاعل وفعيل من غير ملاحظة معنى التفضيل. وذهب جماعة إلى أنّها ربّما تكون بمعنى الصفة المشبهة ، وعن المبرّد أنّ تأويلها باسم الفاعل أو الصفة المشبّهة قياس مطّرد. وقال الشاعر : « ملوك عظام من ملوك أعاظم » (4). 1 ـ بحارالأنوار : 95 / 303 عن كتاب فضائل الأشهر الثلاثة. وذكره الشيخ في تهذيب الاحكام : 4 / 181 ، عن أبي عبدالله عليه السلام ، والبيهقي في السنن الكبرى : 4 / 211. دار الفكر ، بيروت. 2 ـ نهج البلاغة : الخطبة : 25. 3 ـ الفرقان : 24. 4 ـ جزء من بيت قاله شخص نزل به عبيد اللّه بن العباس بن عبد المطّلب ، فذبح له عنزاً لم يكن عنده غيرها ، فأكرمه عبيد اللّه ومنحه مالاً كثيراً ، وهو ومن أبيات في مدح عبيداللّه يقول فيها :
|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|