|
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
(316)
للمقام إنّما هو غير الآخرين.
« خطب » يخطب ، كنصر ينصر ، خُطبة ـ بالضم ـ أتى بالخطبة ؛ وهي الكلام المؤلّف المتضمّن وعظاً وإبلاغاً ، وكذلك خطابه ـ بالفتح ـ وقيل بالكسر. وفي الصحاح : خُطب ـ بالضم ـ خطابة ـ بالفتح ـ صار خطيباً. « الواو » للحال. « الكف » : من رؤوس الأصابع إلى الكوع ، قيل : سمّي بها لكفّها البدن عمّا يؤذيه. وربّما أُريد جملة اليد ، وهو مؤنث لازم التأنيث كما نصّ عليه الحاجبي والمالكي وغيرهما. « عليّ » اسم أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه وهو اسم شقّه اللّه تعالى من اسمه. روى الصدوق أبو جعفر ابن بابويه رضوان اللّه عليه في كتاب « معاني الأخبار » بسنده عن عبد اللّه بن الفضل الهاشمي ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جدّه صلوات اللّه عليهم قال : كان رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ذات يوم جالساً وعنده عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات اللّه عليهم فقال : والّذي بَعَثني بالحقّ بَشيراً ما على وجه الأرض خلقٌ أحبّ إلى اللّه عزّ و جلّ ولا أكرم عليه منّا ؛ إنّ اللّه تبارك وتعالى شقَّ لي اسماً من أسمائه فهو محمود وأنا محمّد ؛ و شقّ لك يا عليّ اسماً من أسمائه ، فهو العليّ الأعلى وأنت عليّ ؛ وشقّ لك يا حسن اسماً من أسمائه ، فهو المحسن وأنت حسن ؛ وشقَّ لك يا حسين اسماً من أسمائه ، فهو ذو الإحسان وأنت حسين ؛ وشقَّ لكِ يا فاطمة اسماً من أسمائه ، فهو الفاطر وأنتِ فاطمة ، ثمّ قال ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : الّلهمّ إنّي أُشهدك أنّي سلمٌ لمن سالمهم ، وحرب لمن حاربهم ، ومحبٌّ لمن أحبّهم ، ومبغضٌ لمن أبغضهم ، وعدوٌّ لمن عاداهم ، و وليٌّ لمن والاهم لأنّهم منّي (317)
وأنا منهم. (1)
وروى أيضاً فيه وفي « علل الشرائع » بإسناده عن أبي ذر رضي اللّه عنه ، عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ـ في حديث طويل ـ : وجعل فيَّ النبوّة والبركة ، وجعل في عليّ الفصاحة والفروسيّة ؛ وشقّ لنا اسمين من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمّد ؛ واللّه الأعلى وهذا عليّ. (2) وروى أيضاً فيهما بإسناده عن ابن مسعود قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) لعلي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) : لمّا خلق اللّه ـ عزّ و جلّ ذكره ـ آدم ونفخ فيه من روحه ؛ وأسْجَدَ له ملائكته ؛ وأسكنه جنّته ؛ وزوّجه حوّاء أمته فرفع طرفه نحو العرش ، فإذا هو بخمسة سطور مكتوبات ، قال آدم : يا ربّ مَن هؤلاء ؟ قال اللّه عزّ وجلّ له : هؤلاء الذين إذا شُفّع بهم إلى خلقي شفّعتهم. فقال آدم : يا ربّ بقدرهم عندك ما اسمهم ؟ قال : أمّا الأوّل فأنا المحمود وهو محمّد ؛ والثاني : فأنا العالي وهو عليّ ؛ والثالث : فأنا الفاطر وهي فاطمة ؛ والرّابع : فأنا المحسن وهو الحسن ؛ والخامس : فأنا ذو الإحسان وهذا الحسين ، كلّ محمد اللّه عزّوجلّ. (3) إلى غير ذلك من الأخبار الناطقة بهذا ، الاشتقاق وهي من الكثرة بمكان. ثمّ إنّ الصدوق روى في الكتابين عن جابر بن يزيد الجعفي رحمه اللّه أنّه قال : اختلف النّاس من أهل المعرفة لِمَ سُمِّي عليّ علياً ، فقالت طائفة : لَم يُسمّ أحد من ولد آدم قبله بهذا الاسم في العرب ولا في العجم إلاّ أن يكون الرجل من العرب يقول ابني هذا ، عليّ يريد من العلو لا أنّه اسمه و إنّما سمّى به الناس بعده 1 ـ معاني الأخبار : 55 ، ح 17 ، انتشارات اسلامي : 1361 هـ ش. 2 ـ علل الشرائع : 1 / 134 ، ح 1. ( باب العلّة التي من أجلها سمي الاكرمون على اللّه تعالى محمداً وعليّاً ... ). ( المكتبة الحيدرية ، 1385 هـ ـ 1966 م. 3 ـ المصدر نفسه : 1 / 135 ، ح 2. (318)
وفي وقته.
وقالت طائفة : سمّي عليّ عليّاً لعلوّه على كلّ من بارزه. وقالت طائفة : سمّي عليٌّ عليّاً ؛ لأنّ داره في الجنان تعلو حتى تحاذي منازل الأنبياء ، ( وليس نبي تعلو منزلته منزلة غيره ) (1). وقالت طائفة : سمّي عليّ عليّاً ؛ لأنّه علا ظهر رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بقدميه طاعة للّه عزّ وجلّ ولم يَعْل أحد على ظهر نبيّ غيره عند حطّ الأصنام من سطح (2) مكة. وقالت طائفة : إنّما سمّي عليّ علياً ؛ لأنّه زُوّج في أعلى السّموات ولم يُزَوَّج أحد من خلق اللّه في ذلك الموضع غيره. وقال طائفة : إنّما سمّي علي عليّاً ؛ لأنّه كان أعلى الناس علماً بعد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ). (3) قال الراغب : ظهر الشيء ، أصله أن يحصل شيء على ظهر الأرض فلا يخفى ، وبطن إذا حصل في بطنان الأرض فيخفى ثمّ صار مستعملاً في كلّ بارز للبصر والبصيرة ، وتقول : ظهرت على الرجل وبه إذا غلبته ، وظهرت البيت وعلى البيت إذا علوت عليه. وأصلها أيضاً أن تعلو على ظهر الرجل أو البيت وظهر فلان إذا أعلنت به. « لمع » البرق كمنع ، لمعاً ولمعاناً ـ محرّكة ـ : أضاء كالتمع ، ولمع بيده : أشار ، ولمع فلان الباب : برز منه. « رفع » الشيء : أعلاء عن مقرّه ، خلاف وضعه إمّا حقيقة وذلك في الأجسام 1 ـ ما بين القوسين ليس في المصدر. 2 ـ « وسط » : المصدر. 3 ـ علل الشرائع : 1 / 136 ـ 137. (319)
أو مجازاً وذلك في الذكر ، أو المنزلة كقوله تعالى : ( وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ ) (1) وقوله تعالى : ( نَرْفَعُ دَرَجات مَنْ نَشاءُ ) (2).
« الكرم » ضدّ اللّؤم ، وقد كرم ـ بالضمّ ـ فهو كريم ، وقوم كرام وكرماء ونسوة كرايم ، ويقال رجلٌ كَرَمٌ أيضاً وامرأة كرم ونسوة كرم. وحقيقته كون الشخص جميل الأخلاق حميد الأفعال ، قال بعض العلماء : الكرم كالحرّية إلاّ أنّ الحرّية قد تقال في المحاسن الصغيرة والكبيرة ، والكرم لا يقال إلاّ في المحاسن الكبيرة كما ينفق مالاً في تجهيز جيش في سبيل اللّه ، وتحمل حمالة ترتو به دماء قوم. ومعنى جملة أكرم بما في حيّزه التعجّب من كرم الكفّين لبلوغه حداً تعجب منه. ومعنى « الباء » في « بكفّ » يُعلم في قسم الإعراب إن شاء اللّه. « الواو » في « والأملاك » للحال أو الاعتراض و « الألف واللاّم » للجنس ، أي للعهد الذهني كما في الخيل. والأملاك جمع ملك ، وهم عند أكثر الأُمّة نحو أجسام نورانيّة الهيئة سعيدة قادرة على التصرّفات الشريفة والأفعال الشاقّة ، ذوات عقول وأفهام ؛ وهم أنواع كثيرة ومراتب شتّى بعضهم أقرب عند اللّه من بعض كما قال تعالى حكاية عنهم : ( وَما مِنّا إلاّ لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ ). (3) وقد حصر بعضهم مراتبهم في تسعة : فالأُولى : المقرّبون. والثانية : الحاملون للعرش. والثالثة : الحافّون حول العرش. 1 ـ الشرح : 4. 2 ـ الأنعام : 83. 3 ـ الصافات : 164. (320)
والرابعة : ملائكة الكرسي والسماوات.
والخامسة : ملائكة العناصر. والسادسة : الموكّلون بالمركبات. والسابعة : الحفظة الكرام الكاتبون. والثامنة : خزنة الجنّة والتاسعة : ملائكة النار. واختلف في لفظ « ملك » ، فعن الكسائي أنّ أصله « مَأْلَكْ » بتقديم الهمزة من ألك ألوكاً ألوكة ومألكاً ، ومألكة ، بضم اللاّم ، وقد يفتح وهي الرسالة ، ويقال للرسول : ألوك ، ويقال امتالك مالكته ، إذا حمل رسالته ، قيل : وإنّما سميت الرسالة ، ألوكاً لأنّها تولك في الفم ، أي تمضغ ، قلبت فقدّمت اللام على الهمزة ثمّ تركت همزته لكثرة الاستعمال. وأنشد أبو عبيدة لجاهلي من عبد القيس.
وذهب أبو عبيدة إلى أنّه من لاك بمعنى أرسل ملأكاً ، وملأكة ، وحينئذ فلا قلب. وقيل : بل الملك هو الأصل وملاك فرع له زيدت فيه الهمزة كشمال ؛ وهو من ملكت العجين إذا شددت عجنه. 1 ـ وذكره في الصحاح : « مالك » وفيه أن السيرافي نسبه إلى أبي وَجْزَةَ يمدح به عبدالّله بن الزبير ، وتفسير القرطبي : 1 / 263. (321)
وبالجملة فهو بمعنى الشدّة والقوّة سمّوا بذلك لقوّتهم وقدرتهم على الأفعال الشّاقّة.
وقال الراغب : وقال بعض المحقّقين : هو من الملك قال : والمتولى من الملائكة شيئاً من السياسات يقال له : ملك ـ بالفتح ـ ومن البشر يقال له : ملِك ـ الكسر ـ قال : فكلّ ملك ملائكة وليس كلّ ملائكة ملكاً ، بل الملك هو هم المشار إليه بقوله تعالى ( فَالمدبّرات ) و ( المقسمات ) ( والنّازعات ) ونحو ذلك. ومنه ملك الموت ، قال عزّ وجلّ : ( وَالملك على أرجائها ) (1) وقال : ( وَما أُنْزِلَ عَلى المَلَكَيْنِ ببابِلَ ) (2) وقال : ( قُلْ يَتَوفّاكُمْ مَلَكُ المَوتِ الّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) (3). انتهى كلام الراغب بألفاظه. (4) فقد ظهر أنّ فيه مذاهب أربعة. وأنّه على أوّلها على وزن معل ، وأصله على وزن مفعل ، والملائك على مفاعل ويكون جمعه على املاك مخالفاً للقياس ، فإنّ القياس أن يرد اللفظ في الجمع إلى أصله ولم يفعل فيه ، فقد نزل الفرع لكثرة استعماله بمنزلة الأصل كقنابر في جمع قنبراء التي أصلها قنبراء. وعلى الثاني على وزن مفل وأصله على مفعل من غير قلب ، والملائك على مفاعل ، وأملاك على غير قياس أيضاً ، وعلى الأخيرين على وزن فعل وجمعه على أملاك هو القياس. 1 ـ الحاقة : 17. 2 ـ البقرة : 102. 3 ـ السجدة : 11. 4 ـ مفردات غريب القرآن : 473. (322)
إلاّ أنّه على الثالث قد يقال فيه ملاك ويجمع على ملائك.
وعلى الرابع : ملك أصل ، وجمعه أملاك وملاك أصل آخر وجمعه ملايك ، وعلى الأوّل ملاك على فعأل وملايك على فعايل دون الأخير. ويحتمل بعيداً أن يكون الأملاك في البيت جمعاً لملِك ـ بالكسر ـ بمعنى ذي الملك وبمعناه الملك ـ بالسكون ـ والمليك. فيكون المراد أنّ الرؤساء والملوك من العرب والعجم من حوله ، وربّما تأيّد هذا المعنى بما روي عنه من قوله :
1 ـ كشف الغُمّة : 1 / 305. 2 ـ الجمعة : 9. 3 ـ آل عمران : 10. (323)
« حول » الشيء : جانبه الذي يحول إليه إذا أراد ، وبمعناه حوليه وحواليه وحواله وأحواله.
« الواو » للحال ، أو الاعتراض ، أو العطف. « في » للظرفية ، أو المصاحبة ، أو الاستعلاء. قال الراغب : الشهود والشهادة : الحضور مع المشاهدة إمّا بالبصر ، أو بالبصيرة ، وقد يقال للحضور مفرداً ، قال تعالى : ( عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ ) (1) إلاّ أنّ الشهود بالحضور المجرّد أولى ، والشهادة مع المشاهدة أولى (2). وقال غيره : الشّهود هو الحضور ، والشّهادة إخبار بما علم قطعاً ، وأصلها الإخبار بما شوهد أي عُويِن ، ثمّ نزل ما علم قطعاً منزلة ما عوين فاستعمل فيه الشهادة. ثمّ الشاهد ربّما يطلق على من تحمّل الشهادة و إن لم يقمها. وشاهد في البيت يحتمل أن يكون بمعنى حاضر وأن يكون بمعنى متحمل للشهادة. وأن يكون بمعنى عالم. « من » موصولة أو موصوفة. « المولى » له معان : منها : الأولى ، وهو أصل المعاني و عمادها ، وجعله بمعناه أبو عبيدة في قوله تعالى : ( فَالْيَومَ لا يُؤخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الّذِينَ كَفَروا مَأْواكُمُ النّارُ هِيَ مَولاكُمْ ) (3). واستشهد بقول لبيد : 1 ـ الأنعام : 73. 2 ـ مفردات غريب القرآن : 267. 3 ـ الحديد : 15. (324)
ومنها : مالك الرق. ومنها : المعتق. ومنها : ابن العم ، كما في قوله تعالى حكاية : ( وَإِنّي خِفْتُ المَوالِيَ مِنْ وَرائِي ) (3). وقوله :
ومنها : ضامن الجريرة. ومنها : الحليف. 1 ـ المعلّقات العشر : معلّقة لبيد بن ربيعة ، والتي مطلعها :
3 ـ مريم : 5. 4 ـ البيت للفضل بن العباس بن عتبة ، من شعراء بني هاشم في عهد بني اُميّة تفسير القرطبي : 11 / 79 ، التبيان : 3 / 187. 5 ـ التحريم : 4. (325)
كما قال : « موالي حلف لا موالي قرابة » (1).
ومنها : الجار ، كقوله : « مولى اليمين ومولى الجار والنسب » (2). ومنها : الإمام السيّد المطاع. ومنها : العاقبة ، وعليه حمل بعضهم قوله تعالى : ( مَأْواكُمُ النّارُ هِي مَولاكُمْ ) (3). ومنها : العبد. ومنها : الصاحب. ومنها : القريب. ومنها : الابن. ومنها : العم. ومنها : النزيل. ومنها : الشّريك. ومنها : ابن الأُخت. ومنها : الربّ. ومنها : المنعم. ومنها : المنعم عليه. 1 ـ قاله الجعدي ، والبيت بكامله :
( تاج العروس : 10 / 7 ).
2 ـ وقائله : عتبة بن شتير بن خالد ، والبيت بكامله :
3 ـ الحديد : 15. (326)
ومنها : المحبّ
ومنها : التابع. ومنها : الصهر. ومنها : ما يلي الشيء مثل : خلفه و قدّامه ، و عليه حمله بعضهم في شعر لبيد ، وسيتّضح لك المراد هنا من معانيه إن شاء اللّه عند ذكره. « الفاء » هي التي يؤتى بها في جزاء الشرط ، وإنّما أُتي بها هنا لتضمن المبتدئ معنى الشرط. « ها » على وجهين : اسم ، وحرف. والاسم منه على وجهين : اسم فعل بمعنى « خذ » و « يمد » ويلحق بهما كاف الخطاب ، وضمير للمؤنّث الغائب. والحرف منه ؛ موضوع للتنبيه ، وهي في الأكثر لا تدخل إلاّ في أحد مواضع أربعة : أحدها اسم الإشارة إذا لم يكن مختصّاً بالبعيد نحو : هذا وهؤلاء وهاهنا بتخفيف النون ، بخلاف هنا بتشديد النون و « ثم » و « ذلك ». والثاني : مضمر منفصل وقع مبتدأ خبره اسم إشارة ، نحو : ها أنتم أُولاء. والثالث : بعد أي في نداء المعرف وهو فيه لازم ، فتارة يكون مع اسم الإشارة نحو : يا أهذا الرجل ، وقد يكون لا معها نحو : يا أيّها الرجل ، وفي الارتشاف ولا يحفظ يا أيهذان الرجلان ، ولا يا أيّها ولاء الرجال ، والقياس يقتضي جوازه. والرابع : قبل لفظ « اللّه » إذا كان مقسماً به وحرف القسم محذوف نحو : ها اللّه لأفعلن ، بقطع همزة « اللّه » ووصلها ، وكلاهما مع إثبات ألفها وحذفها. وذهب الخليل إلى أنّ « ها » الداخلة على اسم الإشارة يفصل بينها وبينه (327)
كثيراً إمّا بضمير المرفوع المنفصل نحو : ها أنتم أُولاء ، وإمّا بالقسم نحو : ها اللّه ذا. وقوله :
فالأصل عنده في هذه الأمثلة أنتم هؤلاء ، واللّه هذا ، ولعمر اللّه هذا ، وإنّ هاتا وهذا ليا. قال نجم الأئمة ( رضوان اللّه عليه ) : والدّليل على أنّه فصل حرف التنبيه عن اسم الإشارة ما حكى أبو الخطّاب (4) عمّن يوثق به : هذا أنا أفعل ، و : أنا هذا أفعل في موضع : ها أنا ذا أفعل. 1 ـ البيت لزهير بن أبي سلمى من أبيات قالها ـ كما قال الأعرابي ـ بعد أن أغار الحارث بن ورقاء الصيداوي من بني أسد ، على بني عبداللّه بن غطفان فغنم فاستاق إبل زهير وراعيه يساراً. ديوانه : 47. 2 ـ البيت للنابغة الذبياني ، وفي ديوانه : 37 البيت هكذا :
4 ـ وهو الأخفش الأكبر شيخ سيبويه : عبدالحميد بن عبدالمجيد ، أبوالخطّاب من أئمّة اللغة والنحو ، وله ألفاظ لغوية انفرد بها ينقلها عنه العرب ، ولم تعرف سنة وفاته. ( ترجمه في طبقات الزبيدي : 35 ، ونزهة الألباء : 53 ، وبغية الوعاة : 296 ). (328)
وحدّث يونس : هذا أنت تقول كذا (1).
واستدلّ من خالف الخليل فذهب إلى أنّ حرف التنبيه في موضعه غير مفصول بينه وبين ما يتّصل به بنحو قوله تعالى ( ها أَنْتُمْ هؤلاء ) (2) فإنّ « ها » الأُولى لو كانت هي الداخلة على اسم الإشارة لم تعد بعد أنتم. قال نجم الأئمة : ويجوز أن يعتذر للخليل بأنّ تلك الإعادة للبعد بينهما ، كما أعيد ( فَلا تَحسبنَّهم ) (3) ، لبعد قوله : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُون ). (4) ـ قال : ـ وأيضاً قوله تعالى : ( ثُمَّ أَنْتُمْ هؤلاءِ تَقْتُلُونَ ) (5) دليل على أنّ المقصود في ( ها أنتم أولاء ) ، هو الذي كان مع اسم الإشارة ، ولو كان في صدر الجملة من الأصل لجاز من غير اسم الإشارة نحو : ها أنت زيد ، وما حكى الزمخشريّ من قولهم : ها انّ زيداً منطلق ، وها أفعل كذا (6) ، ممّا لم أعثر له على شاهد ، فالأولى أن نقول : إنّ « هاء التنبيه » مختصّ باسم الإشارة ، وقد يفصل منه كما مرّ ، ولم يثبت دخولها في غيره من الجمل والمفردات (7). انتهى بألفاظه. وفي كتاب : « ألف با » لابن الشيخ : أنّها للتنبيه في قولك : ها زيد إذا ناديته ، وأُختها الهمزة لأنّك تقول في النداء : أزيد ، وكثيراً ما تفعل العرب هذا يقولون : أرقت الماء وهرقت ، وأم واللّه ، وهم واللّه. حولوا الهمزة هاءً لقرب المخرج قال : والمراد بالهاء التي للتنبيه إيقاظ الغافل وتنبيهه لسماع الكلام الوكيد. « اللام » للاستحقاق ، أو شبه الملك. 1 ـ شرح الرضي : 4 / 422. 2 ـ آل عمران : 66 ، النساء : 109 ومحمد : 38. 3 ـ آل عمران : 188. 4 ـ آل عمران : 180. 5 ـ البقرة : 85. 6 ـ انظر عبارته في شرح ابن يعيش : 8 / 113. 7 ـ شرح الرضي : 4 / 423. (329)
« الفاء » للعطف.
« رضي » عن فلان وعليه وبفعله : يرضى رضى ورضواناً بكسر أوّلهما وقد يضمّ ومرضاة : ضدّ سخط ، والاسم الرضاء ، وأرضيته عنّي أو رضيته ـ بالتشديد ـ فرضي وترضيته أرضيته بعد جهد. « قنع » يقنع كفرح : قناعة اجتزأ (1) باليسير ، وكمنع قنوعاً : سأل وتذلّل ورضي باليسير ، قال تعالى : ( وَأَطْعِمُوا القانِعَ وَالمُعْتَرَّ ) (2) أي السائل. وقيل : إنّ القانع هو السائل الذي لا يلحّ في السؤال ، ويرضى بما يأتيه عفواً فيرجع إلى الأوّل. قال الشاعر :
قال : إذا وقعت على الأرض ( فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا القانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ) (5) قال : القانع الذي يرضى بما أعطيته ولا يسخط ولا يكلح ولا يزبد شدقه غضباً ، والمعتر المار بك تطعمه. (6) وروى أيضاً بسنده عن سيف التمّار قال : قال لي أبو عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : إنّ 1 ـ اجْتَزَأَ : اكتفى وقنع ، من جَزَأ « تَجَزَّأ واجْتَزَأ بالشيء. يقال : « جَزَّأ الماشية بالرطب عن الماء » أي اقنعها بالعشب الأخضر فا كتفت به عن الماء. 2 ـ الحج : 36. 3 ـ ذكرها لطبرسي في تفسير مجمع البيان : 7 / 153 و نسبه إلى الشماخ. 4 و 5 ـ الحج : 36. 6 ـ معاني الأخبار : 208 ، ح 1 ، باب معني القانع والمعترّ. (330)
سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقي أبي عليه السلام : إنّي سقت هدياً فكيف أصنع ؟ فقال : أطعم أهلك ثلثاً وأطعم القانع ثلثاً وأطعم المسكين ثلثاً ، قلت : المسكين هو السائل ؟ قال : نعم ، والقانع يقنع بما أرسلت إليه من البضعة فما فوقها ، والمعتر يعتريك لا يسألك (1). ثمّ قال الصدوق رحمه الله : وأصل القنوع الرجل يكون مع الرجل يطلب فضله ويسأله معروفه ، قال : ويقال : من هذا القنوع قنع يقنع قنوعاً.
وأمّا القانع الراضي بما أعطاه الله عزّ وجلّ فليس من ذلك ، يقال منه قنعت أقنع قناعة ، وهذا بكسر النون وذلك بفتحها ، وذاك من القنوع ، وهذا من القناعة. انتهى لفظه. (2) ـ الإعراب : جملة البيتين الأوّلين عطف على جملة : فقال لو أعلمتكم ، إلى تمام البيتين ، أو على جملة : أتوا أحمدا ، الى الخمسة الأبيات. « أتته » : فعل ومفعول وهو الضمير العائد الى أحمد ، وقد عرفت أنّ الفعل يحتمل التأنيث والتذكير بعد « ذا » مركب إضافي منصوب على الضرفية ولا يخرج بعد عن الضرفيّة إلّا إذا جرّ ، ولا يجرّ إلاّ ب « من » وله حالتان ؛ لأنّه إمّا أن يكون مضافاً أو لا. وعلى الأول إمّا أن يكون ما أُضيف إليه مذكوراً أو لا ، فإن لم يكن مضافاً أو كان وقد ذكر المضاف إليه ، كان معرباً منصوباً على الظرفيّة أو مجروراً ب « من ». 1 ـ المصدر نفسه : 208 ، ح 2. 2 ـ المصدر نفسه : 209 ، وغريب الحديث ، للقاسم بن سلام الهروي ، دار الكتاب العربي ، بيروت. |
|||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
|