اللآلئ العبقرية في شرح العينيّة الحميرية ::: 406 ـ 420
(406)
وغيَّظه فتغيّظ ، وأغاظه وغايظه. وفي الصحاح إنّه غضبٌ كامنٌ للعاجز.
    « الفعل » ـ بالفتح ـ : هو التأثير ، و ـ بالكسر ـ هو الأثر ، وكلّ منهما عام لما كان عن علم ، أو لا عن قصد ، أو لا عن إنسان أو حيوان أو نبات أو جماد أو غير ذلك.
    « ما » حرف يؤتى به لكفّ ما قلبها عن العمل فيما بعدها. وأمّا بحسب المعنى فهي زائدة ، وزعم ابن درستويه وبعض الكوفيين أنّها نكرة مبهمة بمنزلة الضمير في نحو : ربه رجلاً. وهي اسم لمكان ونحوها. والجملة بعدها مفسّرة لها وخبر كان ، ولم تحتج الجملة إلى رابط ، كما لم تحتج مفسّراً لضمير الشأن والقصة لأنّها هي ما في المعنى.
    وذهب جماعة ، منهم : الزجّاجي والزمخشري ، إلى جواز الإعمال مع « ما » هذه في جميع الحروف المشبّهة بالفعل ، وعن الزجاج تجويز ذلك في غير « إن » و « أن » و « لكن ».
    « الآناف » : جمع « أنف » وهو العضو المعروف ، ويُجمع على أُنُوف وآنف أيضاً.
    « الجدع » قطع الأنف أو الأُذن أو اليد أو الشفة. جدعه : كمنعه فهو أجدع ، والأُنثى جدعاء.
    الإعراب :
    « ظلّ » إمّا ناقصة اسمها « قوم » والجملة بعده صفة له ، والمصراع الثاني خبر ، أو الجملة الأُولى خبر ، والمصراع الثاني صفة لمصدر مقدّر ، أي « غاظهم غيظاً كأنّما آنافهم تجدع » أي شبيهاً بغيظهم إذا جدعت آنافهم. فقد ولي حرف التشبيه غير


(407)
المشبه به ممّا يدلّ عليه وذلك كثير ، كقوله تعالى : ( كُونُوا أَنْصارَ اللّهِ كَما قالَ عِيسَى ابنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ ) (1) الآية.
    أو « ظلّ » تامّة بمعنى أقام نهاره ، و حينئذ فالجملة الأُولى صفة « قوم » والثانية حال عنه.
    ثم إن كانت « ما » كافّة كما هو الشائع المشهور ؛ ف آنافهم مبتدأ خبره « تجدع ».
    وإن كانت « كان » باقية على عملها فهما اسمها وخبرها.
    المعنى :
    المراد ب‍ « ظلّ » إمّا مجرّد الصيرورة ، أو عنى بالنهار المفهوم منه مدّة أعمارهم ، فإنّ مدّة العمر بل مدّة الدنيا ، بمنزلة نهار واحد ؛ لقصرها وزوالها ، أو لتشابه أجزائها في أكثر الأحكام ، أو عنى ذلك النهار الذي وقع فيه النصب حسب ، وتخصيصه مع دوام ذلك في سائر الأيّام ، لأنّ الغيظ في أوّل وقوع المكروه أشدّ وأقوى كما لا يخفى ، يعني : وصار قوم أغضبهم ـ أو أغضبهم في الغاية ـ فعل النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) و هو نصبه الخليفة ، مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم في شدّة الغيظ والألم ، أو الذلّ والحقارة وذهاب البهاء ، أو صاروا كذلك في تمام عمرهم أو في يومهم ذلك ، أو صار قوم منهم مغيظين بفعله غيظاً شبيهاً بغيظهم إذا جدعت آنافهم ، أو أقام نهارهم قوم غاظهم فعله حال كونهم مشبّهين بهم إذا جدعت آنافهم.
1 ـ الصف : 14.

(408)
    المعاني :
    فيه مسائل :
    الأُولى : العدول عن « صار » إلى « ظلّ » إن كان بمعناه للتوجيه.
    الثانية : تنكير قوم لإبهامهم وإن كان بعضهم مما يعلم منهم ذلك ، فإنّ إبهام البعض كاف في إبهام الجميع ، ولتحقيرهم أو لتقليلهم كما فهم ذلك من الأضلع والآناف.
    الثالثة : تقديم مفعول الغيظ لكونه ضميراً وأصله الاتّصال ، ولا داعي إلى الانفصال ، وللوزن وللقريب إلى المرجع ، وتقريب عائد الموصوف إليه للاهتمام بربط الصفة به.
    الرابعة : كفّ « كان » عن العمل ممّا للوزن ، ولتبعيد الجملة التي بعدها صورة عن أن يدخلها « كان » إبهاماً لكون مضمونها محقّقاً ، وتبعيد الـ « ما » ليس في الحقيقة مشبّهاً به عن موضع المشبّه به ، أعني ما يلي « كان » ، وإن كانت « ما » زائدة لا كافّة فهي لتأكيد الشبه مع الاشتمال على نوع تبعيد « ما » من التبعيدين المقصودين.
    الخامسة : إيثار الآناف على الأُنوف والأنف ، للوزن والتقليل كما في إيثار الأضلع.
    السادسة : إيثار الجملة الاسمية على الفعلية ، لأنّ مراده بجدع الآناف : التألّم والتوجّع أو الذلّ والمهانة وزوال البهاء ، فأراد الدلالة على ثبات ذلك ودوامه ، وللوزن والقافية.
    السابعة : تخصيص الجدع ب‍ « آنافهم » ، لأنّ الأنف أدخل في الذّلّ وفي إزالة البهاء ، وبذلك يزداد التألّم فإنّه ينضاف إلى الجمساني منه الروحاني.


(409)
    الثامنة : الإتيان بالمضارع لئلاّ يتوهّم انقضاء المراد بجدع الآناف ، ولاستحضار تلك الحال العجيبة الشأن ، وإبهام أنّهم كافّة يتحدّد لهم جدع الآناف زماناً فزماناً ، ويطرأ ذلك فيهم وهو يقوي شدّة الألم الحاصل به وأنّه لا سلو لهم ولا مجال لاستراحتهم.
    البيان :
    إسناد الغيظ إلى فعله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) مجاز وحقيقة ، غاظهم النبيّ ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بفعله التشبيه ، الذي فيه تشبيه مفرد بمفرد ، فإنّه إمّا تشبيههم وهم غائظون بفعله بهم وهم مجدوع آنافهم أو تشبيه حالهم بحال أُخرى لهم. ثمّ إن كان المصراع الثاني خبر « ظل » كان جميع أركان التشبيه مذكورة سوى الوجه ، فهو باعتبار إهمال الوجه ممّا يسمى مجملاً. وكذلك إن كان حالاً أو كان الخبر هو الجملة الأُولى فإنّ المشبّه وإن لم يكن ملفوظاً إلاّ أنّه في حكم الملفوظ. وكذا المشبّه به على كلّ حال ليس ملفوظاً وإنّما هو في حكم الملفوظ.


(410)
حَتّــى إذا وارَوهُ في قَبْــرِهِ ما قالَ بالأمسِ وأوصى بهِ وقطَّعوا أرحامَهُ بَعــدَهُ و أزمَعُوا غدراً بمــولاهُمُ وانْصَرَفُوا عَنْ دَفْنِهِ ضَيّعُوا واشتََــرَوا الضــرَّ بما ينفعُ فسـوفَ يُجزَون َبما قَطَّعوا تَبّــــاً لما كان بِه أزمَعُوا
    اللغة :
    « حتى » حرف له ثلاثة أوجه :
    منها : أن يكون حرف جر.
    ومنها : أن يكون عاطفة.
    ومنها : أن يكون حرف ابتداء وهو المقصود هنا ، والمراد بكونها حرف ابتداء : أنّها حرف يُبتدأُ ويستأنف بما بعدها ، إلاّ أنّه يلزم أن يكون بعدها مبتدأ.
    وقيل : بل معناه أنّها تصلح أن يقع بعدها مبتدأ.
    وتوهّم بعضهم أنّ معناه أنّ ما بعدها مبتدأ فيقدّرون ، نحو : « سرت حتى أدخلها » : حتّى أنا أدخلها.


(411)
    ولا يخفى عدم اطّراده في كثير من الموارد ، كقوله تعالى : ( وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ ) (1).
    وإن التزموا في نحو ذلك نحو الشأن والأمر أو ضمير الشأن ، فقد تكلّفوا لما لا داعي إليه.
    وهي تفيد الترقّي ، إمّا في التعظيم ، أو التحقير ، والأوّل هو المراد هنا.
    وزعم الأخفش وابن مالك وجماعة أنّ « حتّى » الداخلة على « إذا » حرف جرّ ، بتقدير « أن » بعدها ، ثمّ إنّ الجملة التي بعد « حتى الابتدائية » لا محلّ لها من الإعراب ، خلافاً للزجّاج وابن درستويه ، حيث زعما أنّها في محلّ جرّ.
    ويردّه أنّ حروف الجرّ لا تعلّق عن العمل ، بل لابدّ من أن تدخل إمّا على مفرد ، أو ما هو بتأويل المفرد.
    وأيضاً فإنّهم يكسرون بعدها « إن » فيقولون : مرض فلان ، حتى انّهم يرجونه ، مع أنّ القاعدة أنّ الواقع بعد حرف الجرّ « أنّ » المفتوحة.
    « إذا » إمّا شرطية ، أو ظرفيّة محضة ، وعلى كلّ فالمراد بها الزمان الماضي.
    « وارَوه » ووراه ، أي أخفاه وستره ، وأصله أن يجعل الشيء وراءه ، وهو ملزوم للإخفاء غالباً.
    « الصرف » : ردّ الشيء من مكان إلى مكان ، أو حالة إلى حالة يقال : صرفته عن كذا وإلى كذا فانصرف.
    « دفنه » وأدفنه على « افتعله » : ستره فاندفن وتدفّن. واشتهر في العرف في ستر الميّت في قبره.
1 ـ البقرة : 214.

(412)
    « ضاع » الشيء يضيع ضيعاً ـ بالفتح أو الكسر ـ وضيَّعة وضياعاً ـ بالفتح ـ : هلك ، وأضاع الشيء وضيّعه : أهمله أو أهلكه.
    « ما » موصولة أو مصدرية.
    « الباء » بمعنى « في ».
    « أمس » اسم معرفة متصرّف ، أي يستعمل في موضع الرفع والنصب والجرّ : موضوع لليوم الذي يلي اليوم الذي أنت فيه ممّا قبله ، فإن استعمل ظرفاً بُني على الكسر كما هو الأصل في البناء على الحركة. خلافاً للزجّاج والزجاجي فإنّهما جوّزا بناءه على الفتح. قيل : وسُمع : رأيته أمس ـ بالتنوين مع الكسر ـ وهو شاذ.
    وأجاز الخليل في لقيته « أمس » أن يكون التقدير : لقيته بالأمس ، فحذفت الباء والألف واللام ، فتكون الكسرة كسرة إعراب.
    وزعم قوم منهم الكسائي : أنّه ليس مبنياً ولا معرباً ، بل هو فعل أمر متضمّن للضمير محكي من الإمساء ، كما لو سمى بأصبح من الإصباح. فإذا قلت : جئتك أمس ، كان معناه : جئتك اليوم الذي كنت تقول فيه أمس ، ثم كثرت هذه الجملة على ألسنتهم حتى صارت اسماً لذلك اليوم.
    وإن استعمل غير ظرف ، فالحجازيون يبنونه على الكسر أيضاً فيقولون : ذهب أمس بما فيه ، وكرهت أمس ، وما رأيته مذ أمس.
    وقال سيبويه : إنّه جاء في الضرورة مذ أمس ـ بالفتح ـ وأنشد :
لَقَدْ رأيتُ عَجَباً مُذ أمسا عجائزاً مثلَ السَّعالي خَمسا (1)
    وتميم تعربه وتمنعه من الصرف حال الرفع وتبنيه حالتي النصب والجرّ. وقيل : بل يمنعونه الصرف في الأحوال كلّها. وقيل : بل ينوّنونه تنوين الصرف في
1 ـ كتاب سيبويه : 3 / 285 ونسبه للعجاج ، عن نوادر أبي زيد : 57.

(413)
غير النصب على الظرف وإذا انكر ، كقولك : مضى لنا أمس حسن ، لا يريد به اليوم الذي قبل يومك هذا. أو أُضيف نحو : إنّ أمسنا يوم طيّب ، أو أُدخلت عليه الألف واللاّم كما في البيت. أو ثنّي كقولك : مضت لنا أمسان. أو جمع نحو : مرّت لنا أُموس أو أمس أو أماس. ويمكن إدخال الأخيرين في التنكير ، أُعرب اتّفاقاً ، قال ابن مالك : وكذا إذا صغّر أُعرب اتّفاقاً.
    وفيه أنّ سيبويه وغيره نصّوا على أنّه لا يصغّر ، ولكن حكي عن المبرّد تصغيره.
    وقد جاء مع « أل » مبنيّاً على الكسر ، كما أنشدوا قوله :
    « وإنّي حسمتُ اليوم والأمسِ قَبلَهُ ».
    وحكي : لقيته الأمس الأحدث وأول ، بزيادة « أل » أو حذف حرف الجرّ مع إبقاء أثره.
    ومراد الناظم ب‍ « الأمس » : للزمان الماضي القريب ، وإنّما عبّر بالأمس ، مبالغة في التقريب.
    « الواو » للعطف ، أو الحال.
    « أوصى به » ووصّى ، أي عهد به ، و الاسم ، الوصاء والوصاية والوصيّة.
    وقال الراغب : « الوصية » : التقدّم إلى الغير بما يعمل بـه مقترناً بوعظ (1) ، ثمّ اشتهر في العرف في العهد بما يفعل بعد الموت.
    قال الأزهري وغيره : إنّ أصلها من قولهم : وصّى الشيء بكذا يصيه ، إذا وصله به ، وأرض واصية ، متّصلة النبات ، فسمّي هذا التصرف المتضمّن لما بعد الموت وصيّة ، لما فيه من وصل القربة الواقعة بعد الموت بالقرابات المنجرّة في
1 ـ مفردات غريب القرآن : 525.

(414)
الحياة ، أو وصل التصرّف بعد الموت بالتصرّف قبله.
    أقول : أو لأنّه أمر للوصي بأن يصله ولا ينقطع عنه ، أي يفعله ولا يتركه ، وهو عام لما بعد الموت وغيره ، وأنسب بالإيصاء أو التوصية ، فإنّهما يفيدان زيادة تعدّيه عمّا كان عليه وصى ـ مخفّفاً ـ وتصاريفه.
    « الباء » للتعدية ، أو الظرفيّة.
    « الشراء » ـ بالمدّ والقصر ـ : البيع والاشتراء ضدّ. قال الراغب : الشراء والبيع يتلازمان ، فالمشتري دافع الثمن وآخذ المثمن ، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن. هذا إذا كانت المبايعة والمشاراة بناض و سلعة.
    فأمّا إذا كانت بيع سلعة بسلعة ، فيصحّ أن يتصوّر كلّ واحد منهما مشترياً وبائعاً ، ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشراء يستعمل لكلّ واحد منهما في موضع الآخر ـ قال ـ : وشريت ، بمعنى : بعت أكثر ، وابتعت ، بمعنى : اشتريت أكثر (1) انتهى.
    ثمّ لما كان كلّ من البيع والشرى مستلزماً للاستبدال استعمل كلّ واحد منهما في كلّ استبدال ، قال سبحانه : ( أُولئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى ) (2) ( يَشْرون الحَياةَ الدُّنيا بالآخِرَة ) (3) ( وَلا تَشْتَرُوا بآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً ) (4) إلى غير ذلك.
    « الضرّ » إمّا بالفتح : مصدر « ضرّه » خلاف نفعه ، مراداً به معنى اسم الفاعل ، أي ما يضرّ ، أو المعنى المصدري.
    أو بالضمّ : مصدر أيضاً. أو اسم مرادف للألم والأذى.
1 ـ مفردات غريب القرآن : 260.
2 ـ البقرة : 16 و 175.
3 ـ البقرة : 207.
4 ـ البقرة : 41.


(415)
    وقال الراغب : الضرّ : سوء الحال إمّا في نفسه لقلّة العلم والفضل والعفّة ، وإمّا في بدنه لعدم جارحة ونقص ، وإمّا في حالة ظاهرة من قلّة مال وجاه ـ قال ـ : يقال : ضرّه ضرّاً : جلب إليه ضرّاً (1).
    و « الألف واللام » فيه إمّا للحقيقة ، أو العهد الذّهني ، أو الاستغراق.
    « الباء » للمقابلة.
    « ما » موصولة اسمية ، أو حرفية ، أو موصوفة.
    « النفع » ضدّ « الضرّ » ، نفعه بكذا فانتفع به ، والاسم : المنفعة والنفاع والنفعة.
    وقال الراغب : النّفع ما يستعان به في الوصول إلى الخيرات (2).
    « القطع » : الإبانة ، والتقطيع : مبالغة فيه أو تكثير.
    « الأرحام » جمع الرحم ـ بكسر الحاء ـ و هي القرابة ، قيل : وأصله من رحم المرأة وإنّما سميت القرابة بها لكونها منشأها وسببها ؛ قيل : ورحم المرأة من الرحمة ، بمعنى العطف والرقّة ، لأنّها تعطف على ما فيها من الجنين ولا تؤلمها بشيء ، بل تلائمه وترتّبه إلى غاية النشء. وقطع الرحم يكون إمّا بالهجران ، أو بترك البرّ ، فإنّ المراد بالرحم نفس القرابة ، فيبنى على تشبيهها بحبل واصل بين القريبين ، فإذا هجر أو ترك البرّ فكأنّه قطع ذلك الحبل وزال ما كان بينهما من القرابة.
    وإن كان المراد به ذا الرحم ، أي القريب ، فهو من : قطع فلاناً عنه ، إذا منعه عن الاختلاف إليه.
    والمراد بأرحامه في البيت : إمّا أُولو أرحامه من أمير المؤمنين وفاطمة الزهراء وأولادهما صلوات اللّه عليهم بل سائر الهاشميين ؛ إمّا بتقدير المضاف أو إطلاقها
1 ـ مفردات غريب القرآن : 293.
2 ـ المصدر نفسه : 502.


(416)
عليهم مبالغة ، وإمّا نفس قراباته صلوات اللّه عليه وآله بالنسبة إلى أُولئك الذين ذكرناهم ، أو قراباته بالنسبة إلى المقطعين فإنّ له ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بالنسبة إليهم أيضاً قرابة وإن كانت بعيدة ، أو المراد بقرابته بالنسبة إليهم القرب من جهة كونه رسولاً إليهم وطول صحبتهم إيّاه.
    « الفاء » إمّا لمجرّد السببية أو للعطف ؛ مراداً بها التعقيب في الذكر.
    « سوف » : حرف تنفيس أي استقبال ، فإنّ التنفيس هو التوسيع وإنّها تنقل المضارع عن الزمن الضيّق الذي هو الحال إلى الزمن الواسع. وعند البصريّين أنّها أوسع من السين. وقيل بالمرادفة ، وتنفصل عن السين بأنّها قد تدخلها اللاّم ، كقوله تعالى : ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ ) وبأنّه قد يفصل بينها وبين فعلها بالفعل الملغى ، كقوله :
وما أدري وسوفَ إخالُ أدري أقومٌ آلُ حِصن أم نِساءُ (1)
    وفيه لغات أُخر : « سَفْ » بحذف الواو وإسكان الفاء أو إبقائها على الفتحة ، و « سَوْ » بحذف الأخير وإسكان الواو أو فتحها. و « سَيْ » بقلب الواو ياءً ، وفي القاموس معناه الاستئناف أو كلمة تنفيس فيما لم يكن بعد ، قال : وتستعمل في التهديد والوعيد (2).
    « الجزاء » : الغناء والكفاية ، ثمّ غلب فيما فيه الكفاية من المقابلة للخير بالخير أو الشرّ بالشرّ ، يقال : جزيته بكذا وجزيته كذا. هذا إذا أُشير بكذا إلى الجزاء. ويقال : جزيته بكذا أو عن كذا وكذا أو بكذا إذا أُشير بكذا الأُولى إلى الفعل الّذي يقابله الجزاء.
1 ـ البيت لزهير ابن أبي سلمى من قصيدة في الهجاء. ( ديوانه : 12 ).
2 ـ الفيروزآبادي : القاموس المحيط : « سوف ».


(417)
    « الباء » للمقابلة.
    « ما » مصدرية ، أوموصولة.
    قال الخليل : أزمعت على أمر فأنا مزمع عليه إذا ثبت عزمه عليه (1).
    وقال الكسائي : يقال : أزمعت الأمر ، ولا يقال أزمعت عليه.
    قال الأعشى : « أأزمَعْتَ مِنْ آلِ لَيلى ابْتِكارا » (2).
    و قال الفرّاء : ازمعته وأزمعت عليه مثل : أجمعته وأجمعت عليه (3).
    « الغدر » ترك الوفاء بالعهد ، غدره وبه ، كنصر وضرب وسمع ، غدراً وغدراناً ـ محرّكة ـ وهو غادر وغدّار وغدور وغدير كسكيت وغدر ، كصرد. وأكثر ما يستعمل الأخير في النداء.
    ويظهر من كلام الراغب أنّ أصله الإخلال بالشيء وتركه أيّاً ما كان.
    « التب » والتبب والتباب والتبيب : الهلاك والخسار ، وقال الراغب : الاستمرار في الخسران ـ قال ـ : ولتضمن الاستمرار ، قيل : استتب لفلان كذا ، أي استمرّ (4).
    « اللام » للتبيين ، وأصله الاختصاص أو الاستحقاق أو تقوية العامل أو للاختصاص أو الاستحقاق أو التعليل. وتفصيل ذلك يأتيك في قسم الإعراب إن شاء اللّه.
    « ما » موصولة اسمية أو حرفية.
1 ـ كتاب العين « زمع » ، بهذاالمضمون.
2 ـ مطلع قصيدة يمدح قيس بن معدي كرب ، والبيت :
أأزمعتَ من آل ليلى ابتكارا وشَطّتْ على ذى هوىً أن تُزارا
( ديوان الأعشى : 80 ).
3 ـ ذكره في تاج العروس : 5 / 371.
4 ـ مفردات غريب القرآن : 72.


(418)
    « كان » إمّا ناقصة ، أو زائدة.
    « الباء » للتعدية أو السببيّة ، أو الاستعلاء ، أو زائدة.
    الإعراب :
    « إذا » إن كانت ظرفيّة تعلّقت ب‍ « ضيعوا » وإن كانت شرطية فقد مضى الخلاف فيها.
    « ما » في « ما قال » إن كانت موصولة كان عائدها محذوفاً ، أي « ما قاله » وأوصى عطف على « قال ».
    « به » ، متعلّق فإن كانت « ما » موصولة عاد الضمير فيه عليها وكانت « الباء » للتعدية ، وإن كانت مصدرية عاد الضمير على الأمس وكانت « الباء » للظرفية ، أي وإيصاءه فيه.
    « أرحامه » : مفعول ل‍ « قطعوا » إمّا على مجاز الحذف إن كان التقدير أُولي أرحامه فحذف المضاف وأُقيم مقامه المضاف إليه ، أو لا عليه على التقديرين الأُخريين ، أعني إرادة أُولي الأرحام بلفظ أرحامه ، أو إرادة معناه الحقيقي من غير حذف.
    « بعده » : ظرف للتقطيع ، والجملة إمّا عطف على مجموع الجملة الشرطية ، أي : وحتى قطعوا ، أو على الجزاء حسب ، فيكون « بعده » تأكيداً ، أو على ما وقع حتى بما خيّرها غاية له. وستأتي الاحتمالات فيه.
    « ما » في « بما قطعوا » إن كانت مصدريّة فلا تقدير ولا إشكال ، وإن كانت موصولة كانت عبارة عن التقطيع وكان عائدها محذوفاً ، أي بالتقطيع الّذي قطعوه ، أي فعلوه وأوقعوه.
    « غدراً » مفعول « أزمعوا ».


(419)
    « بمولاهم » مفعول « غدراً ».
    « تبّاً » مفعول مطلق لفعل مقدّر أي تبّ تباً فحذف الفعل وأُقيم المصدر مقامه ، وهذا الحذف واجب لأنّه لم يسمع منهم اثباته في نثر ولا نظم مع افتقارهم كثيراً إلى تغيير الأُسلوب وتبديله.
    ثمّ إنّ « اللام » التي بعده وبعد أمثاله من نحو : بهراً له ووثباً له ومن نحو سقياً له ورعياً له ، ممّا كان الضمير عائداً على المفعول للتبيين على ما نصّ عليه سيبويه ، إمّا لتبيين الفاعل أو المفعول ، وبحسب الإعراب هي مع مجرورها ظرف مستقرّ خبر لمبتدأ محذوف ، أي دعائي هذا له أو إرادتي له. وهذه الجملة مستأنفة ومبتدأها واجب الحذف ليلي الفاعل أو المفعول ما قام مقام الفعل.
    ومن هذا ظهر لك أنّها في الحقيقة « لام » الاختصاص أو الاستحقاق.
    وقال بعض من جعلها للتبيين : إنّ التقدير له أعني.
    واعترض عليه ابن هشام في المغني ؛ بأنّ أعني متعدّي بنفسه ، وهو مردود بأنّه لا يأتي أن تكون اللام لتقوية العامل ، وإنّما دخلت لكونه مؤخراً. وقال الكوفيون : إنّ أصل سقيا لك مثلاً : يسقيك ، فهذه اللاّم هي لام الاختصاص المضمرة في الإضافة.
    أقول : ويحتمل أن تكون للاختصاص أو الاستحقاق ، ويكون الظرف مستقرّاً صفة للمصدر ، فكأنّه قال : تب تبّاً مختصاً به أو مستحقّاً له ، وكذا سقياً له ونحوه.
    وردّ ابن هشام في المغني ذلك ، بأنّ الفعل لا يوصف ، فكذا ما قام مقامه دعوى لا برهان عليها.
    واللاّم الّتي في البيت محتمل مع ذلك أن تكون للتعليل ، بأن يكون التقدير تبّاً لهم لما كان ، ثمّ إن كان « كان » ناقصة ، كان اسمها الضمير العائد على القوم ،


(420)
وجاز إفراده بناءً على لفظ « القوم » ، أو العائد إلى « ما » إن كانت موصولة.
    أو يقرأ « كانُ » بضمّ النون على أنّ الأصل « كانوا » فحذف الواو للضرورة ، كقوله : « فلو أنَّ الأطباء كانُ حولي ».
    أو يكون الاسم « أزمعوا » على تأويله بالمفرد ، أي ازماعهم.
    وإن كانت زائدة فلا إشكال.
    « به » فيه احتمالات : أحدها أن يكون « باؤه » بمعنى « على » و يكون متعلّقاً ب‍ « أزمعوا » أي : لما كان أزمعوا عليه ، فإن كانت « ما » موصولة اسمية عاد الضمير إليها ، وإن كانت موصولة حرفيّة عاد على الغدر المتقدم ذكره.
    والثاني : أن يكون « الباء » للتعدية ويكون متعلّقاً بالغدر مقدّراً مفعولاً لأزمعوا ، وحينئذ فالضمير فيه لا يعود إلاّ إلى مولاهم ولا يكون « ما » إلاّ مصدرية إلاّ أن يقدّر عائد عليها نحو : « به » أو « له » ، أو يكون متعلّقاً بفعله مقدراً ، أي ما كان أزمعوا فعله به ، وحينئذ يكون عائد « ما » في فعله ، أو فعلاً مقدّراً ، أي ما كان أزمعوا فعلاً به ، وحينئذ فلابدّ من تقدير العائد كما سبق.
    والثالث : أن يكون « الباء » للسببيّة وحينئذ لا يرجع الضمير إلاّ إلى « ما » ولا تكون « ما » إلاّ موصولة اسمية ويكون مفعول أزمعوا مقدّراً ، أي لما بسببه أزمعوا غدراً بمولاهم ، وحينئذ فإن كانت « كان » ناقصة ، جاز تعلّق « به » بها على قول ، وجاز تعلّقه بأزمعوا أيضاً ، وإن كانت زائدة لم يتعلّق إلاّ بأزمعوا.
    والرابع : أن تكون « الباء » زائدة ويكون الضمير مفعولاً لأزمعوا ، أي أزمعوه ، فإن كانت « ما » موصولة عاد إليها وإلاّ فإلى الغدر.
    والخامس : أن تكون الباء للتعدية ويكون به متعلقاً بأزمعوا ، وإنّما عدي
اللآلئ العبقرية في شرح العقينيّة الحميرية ::: فهرس