المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: 76 ـ 90
(76)
المفهوم ثبوت الضلال لمن تخلّى عن أحدهما ، وناهيك به في وجوب اتباع العترة والانقطاع في الدين إليها ، وإلى القرآن العزيز.
    على انّ اقترانهم بالكتاب ( وهو معصوم ) وجعلهم في وجوب التمسّك بهم مثله دليل قاطع على حجّية أقوالهم وأفعالهم ، وانّ الرجوع في الدين إلى خلافهم ليس الا كترك القرآن ، والرجوع إلى كتاب يخالف أحكامه ، ولا تنس دلالة قوله صلى الله عليه وآله : « ولن يفترقا » ، على عدم خلو الزمان ممّن يفرغ منهم عن القرآن ، والقرآن يفرغ عنه. (1)
    ثم انّ قوله : فلا تقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فانّهم أعلم منكم ـ نصّ صريح فيما قلناه كما لا يخفى ـ ، وكم لهذا الحديث من نظير في الدلالة على وجوب الاقتداء بالعترة الطاهرة ، أو المنع من مخالفتها نستلفت الباحثين إلى ما أخرجناه من ذلك من مبحث العصمة من ( سبيل المؤمنين ) وحسبك منه ما أخرجه الحاكم بسند صحّحه على شرط البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال من جملة حديث « وأهل بيتي أمان لاُمّتي » من الاختلاف : فإذا خالفتها قبيلة من العرب ( في بعض أحكام الدين ) اختلفوا ( في فتاويهم ) فصاروا حزب ابليس.
1 ـ قال رحمه الله : ومثله : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : في كل خلف من امّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالّين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عز وجل ، فانظروا مَن توفدون.
أخرجه الملأ ، كما في تفسير الآية الرابعة من الآيات التي أوردها ابن حجر في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من صواعقه ، وفي هذا المعنى صحاح متواترة من طريق العترة الطاهرة ، بل هو من ضروريات مذهبهم عليهم السلام : انظر : الصواعق المحرقة : 236.


(77)
    أليس هذا نصّاً في وجوب اتّباعهم ، وحرمة مخالفتهم ، وهل في لغة العرب أو غيرها عبارة أبلغ منه في انذار مخالفيهم ؟
    وأخرج أحمد بن حنبل وغيره بالإسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله قال : النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت ذهب أهل الأرض.
    وفي رواية : فإذا هلك أهل بيتي جاء أهل الأرض من الآيات ما كانوا يوعدون.
    وفي هذا المعنى صحاح متظافرة من طريق العترة الطاهرة ومتى كانوا أماناً لأهل الأرض ، فكيف يستبدل بهم ، وأنّى يعدل عنهم.
    وجاء من طرق عديدة يقوّي بعضها بعضاً ( كذا قال ابن حجر ) (1) أنّه صلى الله عليه وآله قال : إنّما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا.
    قال ابن حجر : وفي رواية مسلم : ومن تخلّف عنها غرق.
    قال : وفي رواية : هلك. وإنّما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطّة في بني إسرائيل ، من دخله غفر له.
    قال : وفي رواية : غفر له الذنوب.
    ولا يخفى انّ المراد من تمثيلهم بسفينة نوح ، انّما هو الزام الامّة باتباع طريقهم ، والتمسّك بالعروة الوثقى من ولايتهم ، وليس المراد من النجاة بذلك الا رضوان الله عز وجل والجنّة ، كما انّ المراد بغرق المتخلفين عنهم أو هلاكهم إنّما هو
1 ـ الصواعق المحرقة : 151.

(78)
سخط الله سبحانه والنار.
    والمراد من تمثيلهم بباب حطّة انّما هو بعض الامّة على التواضع لله عز وجل بالاقتداء بهم والاستسلام لأوامرهم ونواهيهم ، وهذا كلّه ظاهر كما ترى.
    قال ابن حجر ـ بعد إيراد هذه الأحاديث في تفسير الآية السابعة من الآيات التي أوردها في الفصل الأول من الباب الحادي عشر من الصواعق ـ ما هذا لفظه :
    ووجه تشبيههم بالسفينة ـ فيما مرّ ـ أنّ من أحبّهم وعظّمهم ، شكراً لنعمة مشرفهم صلى الله عليه وآله وسلم ، وأخذ بهدى علمائهم ، نجا من ظلمة المخالفات ، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم ، وهلك في مفاوز الطغيان.
    إلى أن قال : وبباب حطّة ـ يعني ووجه تشبيههم بباب حطّة ـ انّ الله تعالى جعل دخول ذلك الباب الذي هو باب اريحاء أو بيت المقدس مع التواضع والاستغفار سبباً للمغفرة ، وجعل لهذه الامة مودّة أهل البيت سبباً لها. (1) إلى آخر كلامه.
    ولو أردنا استيفاء ما جاء من صحاح الستّة في وجوب اتباع أئمة أهل البيت ، والانقطاع الدين إليهم عن العالمين لطال المقام ، وخرجنا عن موضوع هذه المقدّمة وحاصله : أنّ مآتمنا بما فيها من الجلوس بعنوان الحزن على مصائب أهل البيت ، والانفاق عنهمه في وجوه البر ، وتلاوة رثائهم ومناقبهم ، والبكاء رحمة لهم ، سيرة قطعية قد استمّرت عليها أئمّة الهدى من أهل البيت ، وأمروا بها
1 ـ الصواعق المحرقة : 152.

(79)
أولياءهم على مرّ الليالي والأيام فورثناها منهم ، وثابرنا عليها عملاً بما هو المأثور عنهم ، فكيف والحال هذه ـ تنكرونها علينا ، وتقولون فيها ما تقولون ؟ والله يعلم انّها ليست كما تظنّون.
    دع بكاء الأنبياء والأوصياء ، ودع عنك ما كان من ملائكة السماء ، وقل لي هل جهلت نوح الجن في طبقاتها (1) ، ورثاء الطير في وكناتها (2) ، وبكاء الوحش في فلواتها (3) ، ورسيس حيتان البحر في غمراتها (4) ؟ وهل نسيت الشمس وكسوفها ، والنجوم وخسوفها ، والأرض وزلزالها (5) ، وتلك الفجائع وأهوالها ؟ أم هل ذهلت عن الأحجار ودمائها ، والأشجار وبكائها ، والآفاق وغبرتها ، والسماء وحمرتها ، وقارورة امّ سلمة وحصياتها (6) وتلك الساعة وآياتها ؟
1 ـ انظر : الطبقات الكبرى 1 : 23 ، العرائس الواضحة : 190 ، إسعاف الراغبين : 217 ، ينابيع المودّة 1 : 330 ، كفاية الطالب : 290 ، المعجم الكبير 3 : 127 ، مجمع الزوائد 9 : 196 ، إحقاق الحقّ 11 : 567 ـ 568.
2 ـ انظر : مقتل الحسين 2 : 91 ، الكامل في التاريخ 3 : 296 ، الخصائص الكبرى 2 : 126 ، مجمع الزوائد 9 : 196 ، تاريخ الخلفاء : 81 ، إحقاق الحق 11 : 490.
3 ـ انظر : مقتل الحسين 2 : 91 ، الكامل في التاريخ 3 : 296 ، الخصائص الكبرى 2 : 126 ، مجمع الزوائد 9 : 196 ، تاريخ الخلفاء : 81 ، إحقاق الحق 11 : 490.
4 ـ انظر : تاريخ دمشق ـ ترجمة الامام الحسين ـ 4 : 339 ، مقتل الحسين 2 : 90 ، سير اعلام النبلاء 3 : 311 ، المحاسن والمساوئ : 62 ، تاريخ الخلفاء : 80 ، إحقاق الحق 11 : 467.
5 ـ انظر : المصادر السابقة.
6 ـ قال : ( رحمه الله ) اشرنا بهذا إلى ما رواه الملأ في سيرته ، وابن احمد في زيادة المسند ، كما في الصواعق عن امّ سلمة ، قالت ـ من حديث ـ : ثمّ ناولني كفّا من تراب أحمر وقال : انّ هذا من تربة الأرض التي يقتل بها ( ولدي ) فمتى صار دماً فاعلمي انّه قد قتل ، قالت : فوضعته في قارورة ، وكنت أقول : انّ يوماً يتحول فيه دماً ليوم عظيم.
وفي رواية اخرى ـ كما في الصواعق أيضا ـ : انّ جبرئيل جاء بحصيات فجعلهن النبي


(80)
    ألم يرو الملأ عن ام سلمة ( كما في الصواعق (1) وغيرها (2) ) انّها قالت : سمعت نوح الجن على الحسين.
    وروى ابن سعد ـ كما في الصواعق أيضاً ـ : انّها بكت حينئذ حتى غشي عليها.
    وأخرج أبو نعيم الحافظ في الدلائل عنها ـ كما نقله السيوطي ـ قالت : سمعت الجن تبكي على الحسين وتنوح عليه. (3)
    وأخرج ثعلب في أماليه ( كما في تاريخ الخلفاء ايضا ) عن أبي جناب الكلبي (4) قال : أتيت كربلاء ، فقلت لرجل من أشراف العرب بها : أخبرني بما بلغني
صلى الله عليه وآله في قارورة ، قالت امّ سلمة : فلمّا كانت ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول :
أيّها القاتلـون جهلا حسيناً قد لعنتم على لسان ابن داو ابشروا بالعـذاب والتذليل د وموسى وحامل الانجيل
قالت : فبكيت وفتحت القارورة ، فإذا الحصيات قد جرت دماً.
أقول : وانظر أيضا حديث امّ سلمة في : المعجم الكبير 3 : 130 ، ذخائر العقبى : 150 ، تاريخ الإسلام 2 : 249 ، أسماء الرجال 2 : 141 ، سير أعلام النبلاء 3 : 214 ، آكام المرجان : 147 ، نظم الدرر : 217 ، الإصابة 1 : 334 ، مجمع الزوائد 9 : 199 ، البداية والنهاية 6 : 231 ، تاريخ الخلفاء : 80 ، وسيلة المآل : 107 ، مفتاح النجا : 144 ، ينابيع المودّة : 320 ، الشرف المؤبّد : 68 ، كفاية الطالب : 294 ، التذكرة : 279 ، المختصر من المقتبس : 263 ، تاج العروس 3 : 196.
1 ـ قال رحمه الله : كلّ ما ننقله هنا عن الصواعق موجود في أثناء كلامه في الحديث الثلاثين من الأحاديث التي أوردها في الفصل الثالث من الباب الحادي عشر.
2 ـ البداية والنهاية 6 : 231 ، مجمع الزوائد 9 : 199 ، كفاية الطالب : 294.
3 ـ دلائل النبوة 2 : 556 ، تاريخ الخلفاء : 80.
4 ـ في الأصل : أبو خباب الكلبي ، وما أثبتناه هوالصحيح ، وهو : يحيى بن أبي حيّة الكوفي ،


(81)
انّكم تسمعون من نوح الجنّ ؟ فقال : ما تلقى أحداً (1) الاأخبرك أنّه سمع ذلك. قلت : فأخبرني بما سمعت أنت ؟
    قال : سمعتهم يقولون :
مسح الرسول جبينه أبواه من عَليا قريـ فله بريق في الخـدود ـش وجدّه خير الجدود (2)
    وأخرج أبو نعيم الحافظ ( في كتـاب دلائل النبوة ) عن نضرة الأزدية قالت : لمّا قتل الحسيـن بن علي أمطرت السماء دماً ، فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملـوءة دماً. (3)
    قال ابن حجر ـ بعد إيراده في الصواعق ـ : وكذا روي في أحاديث غير هذه. (4)
    قال : وممّا ظهر يوم قتله من الآيات أيضا : انّ السماء إسودّت إسوداداً عظيماً حتى رؤيت النجوم نهاراً.
حدّث عن أبيه والشعبي وأبي اسحاق السبيعي وغيرهم ، روى عن عبد الرحمن المحاربي وغيره. انظر : لسان الميزان 6 : 789 ، الإكمال 2 : 134.
1 ـ في المصدر : ما تلقى حرّا ولا عبداً.
2 ـ مجالس ثعلب 2 : 339 ، تاريخ الخلفاء : 81 ، الملهوف : 226.
أقول : وقد نسب البيهقي في ( المحاسن والمساوئ 1 : 49 ) هذه الأبيات إلى الشاعر كعب بن زهير ، والظاهر انّه كعب بن زهير الصحابي ، ولم أجد الأبيات المنسوبة إليه في غير هذا الكتاب ، فإن صحّت هذه النسبة ، فهي ممّا كتمت في أيام الامويّين والعباسيّين.
3 ـ دلائل النبوة 2 : 553 ، المناقب لابن شهراشوب 4 : 54 ، العوالم 17 : 466 ح 1 ، بحار الأنوار 45 : 215 ح 38 ..
4 ـ الصواعق المحرقة : 194.


(82)
    قال : ولم يرفع حجر الاوجد تحته دم عبيط. (1)
    وأخرج أبو الشيخ ـ كما في الصواعق أيضاً ـ : انّ السماء احمرّت لقتله عليه السلام وانكسفت الشمس حتى بدت الكواكب نصف النهار وظنّ الناس انّ القيامة قد قامت.
    قال : ولم يرفع حجر في الشام (2) الا رؤي تحته دم عبيط.
    وأخرج عثمان بن أبي شيبة ـ كما في الصواعق وغيرها ـ انّ الشمس مكثت بعد قتله عليه السلام سبعة ايّام ترى على الحيطان كأنّها ملاحف معصفرة (3) من شدّة حمرتها وضربت الكواكب بعضها بعضاً. (4)
    قال في الصواعق : ونقل ابن الجوزي عن ابن سيرين : انّ الدنيا أظلمت ثلاثة أيّام ثم ظهرت الحمرة في السماء. (5)
    قال : وقال أبو سعيد : ما رفع حجر من الدنيا الا وتحته دم الثياب حتى
1 ـ الصواعق المحرقة : 116 و 192 ، تذكرة الخواص : 284 ، نظم درر السمطين : 220 ، كفاية الطالب : 295 ، الإتحاف بحبّ الأشراف : 12.
2 ـ الشام ـ بالهمزة ـ ويجوز أن لا يهمز ، فيكون جمع شامة ، سمّيت بذلك لكثرة قراها وتداني بعضها من بعض فشبّهت بالشامات ، حدّها من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية ، وعرضها من جَبَلَي طي من نحو القبلة إلى بحر الروم ، وبها من امّهات المدن حلب ، ومنبج وحماة وحمص ودمشق والبيت المقدّس والمعرة وفي الساحل أنطاكية وطرابلس.
انظر : معجم البلدان 3 : 311 ـ 315.
3 ـ المعصفرة : التي اصطبغت باللون الأصفر. « المنجد في اللغة : 509 ».
4 ـ المعجم الكبير : 146 ، مجمع الزوائد 9 : 179 ، سير أعلام النبلاء 3 : 210 ، تاريخ الخلفاء : 80 ، إحقاق الحق 11 : 465 ـ 466.
5 ـ الصواعق المحرقة : 116 و 192 ، تذكرة الخواص : 284 ، تاريخ الاسلام 2 : 349.


(83)
تقطّعت.
    قال : وأخرج الثعلبي : انّ السماء بكت وبكاؤها حمرتها.
    وقال غيره : احمرّت آفاق السماء ستّة أشهر بعد قتله ، ثم لا زالت الحمرة ترى بعد ذلك.
    وانّ ابن سيرين قال : اُخبرنا انّ الحمرة التي مع الشفق لم تكن قبل قتل الحسين عليه السلام.
    قال : وذكر ابن سعد : انّ هذه الحمرة لم تر في السماء قبل قتله. (1)
    إلى آخر ما هو مذكور في كتب السنّة ، ممّا يدلّك على انقلاب الكون بمقتله عليه السلام ، وانّه قد بكته السماء ، وصخور الأرض دماً.
    ولو فرض خصمنا جاهلاً بما في تلك الكتب ممّا سمعت بعضه ، فهل يجهل ما قام به ابن نباتة (2) خطيبا على أعواده ، وتركه سنة لخطباء المسلمين في
1 ـ الصواعق المحرقة : 116 و 193 ـ 195 ، تذكرة الخواص : 283.
وللاطلاع انظر : المعجم الكبير : 145 ، نظم درر السمطين : 220 ، الاتحاف بحب الأشراف : 12 ذخائر العقبى : 145 ، الكامل في التاريخ 3 : 296 ، الأنس الجليل : 252 ، وسيلة المآل : 98 ، تفسير القرآن لابن كثير 9 : 162 ، تهذيب التهذيب 2 : 353 ، كفاية الطالب : 296 ، تاريخ دمشق 4 : 339 ، تاريخ الاسلام 2 : 348 ، سير أعلام النبلاء 3 : 212 ، مقتل الحسين 2 : 89 و 90 ، العقد الفريد 2 : 220 ، الخصائص الكبرى 2 : 126 ، مجمع الزوائد 9 : 196 ، تاريخ الخلفاء : 80 ، مفتاح النجا « مخطوط » ، نور الأبصار : 123 ، إسعاف الراغبين : 215.
2 ـ هو أبو القاسم الأصبغ بن نباتة المجاشعي التميمي الحنظلي ، من خاصّة أصحاب أمير المؤمنين عليه السلام ومن شرطة الخميس ، عمّر بعد علي عليه السلام طويلاً ، وتوفّي بعد المائة ، والظاهر انّه أوّل من كتب مقتل سيد الشهداء عليه السلام. انظر : الفهرست 37 ـ 38 رقم 108 ، الذريعة 22 : 23 ـ 24 رقم 5838.


(84)
الجمعة الثانية من المحرم في كل سنة ، وإليك ما اشتملت عليه تلك الخطبة ـ بعين لفظه ـ :
    [ أيّها الناس إن شهركم هذا استشهد فيه الحسين بن علي بن أبي طالب فنال بذلك أعلى المفاخر والمراتب ، وكان ذلك في أرض يقال لها كربلاء ، أحلّ الله بقاتله كلّ كرب وبلاء ... ].
    [ و ] قال : بكت لموته الأرض والسماوات ، وأمطرت دماً ، وأظلمت الأفلاك من الكسوف ، واشتدّ سواد السماء ودام ذلك ثلاثة أيّام ، والكواكب في أفلاكها تتهافت ، وعظمت الأهوال حتى ظنّ ان القيامة قد قامت.
    [ ثم ] قال : كيف لا وهو ابن السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام وسبط سيّد الخلائق دنيا وآخرة ، وكان عليه الصلاة والسلام من حبّه في الحسين ، يقبّل شفتيه ، ويحمله كثيراً على كتفيه ، فكيف لو رآه ملقى على جنبيه ، شديد العطش والماء بين يديه ، وأطفاله يصيحون بالبكاء عليه ؟ لصاح عليه الصلاة والسلام ، وخرّ مغشياً عليه.
    [ ثم ] قال : فتأسّفوا رحمكم الله على هذا السبط السعيد الشهيد ، وتسلّموا بما أصابه عمّا سلف لكم من موت الأحرار والعبيد ، واتّقوا الله حقّ تقواه.
    قال : وفي الحديث : إذا حشر الناس في عرصات القيامة ، نادى مناد من وراء حجب العرش :
    يا أهل الموقف ، غضّوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد ، فتجوز وعليها ثوب مخضوب بدم الحسين ، وتتعلّق بساق العرش ، وتقول : أنت الجبّار العدل ، اقض بيني وبين من قتل ابني ، فيقضي الله بينها وبينه.


(85)
    ثم تقول : اللهم شفّعني فيمن بكى على مصيبتي ، فيشفّعها الله تعالى فيهم (1) ... إلى آخر كلامه.
    فهل ـ بعد ذلك كلّه ـ تقول : إنّ البكاء على مصائب أهل البيت بدعة ، وهب انّك لا ترجو شفاعة الزهراء ، ولا تبكي لبكاء الأنبياء والأوصياء ، فابك لبكاء الشمس والقمر ، ولا يكن قلبك أقسى من الحجر ، إبك لبكاء عمر بن سعد (2) ، أو عمرو بن الحجّاج (3) والأخنس بن يزيد (4) ، ويزيد بن معاوية (5) ، أو خولي (6) ،
1 ـ المناقب لابن المغازلي : 355 ح 404 ، فرائد السمطين 2 : 265 ، أمالي المفيد : 84.
2 ـ عمر بن سعد بن أبي وقّاص الزهري المدني ، سيّره عبيد الله بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، وكتب له عهده على الري ، ثم لمّا علم ابن زياد بمسير الحسين عليه السلام من مكّة متّجهاً إلى الكوفة كتب إلى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فعاد ، فولاه قتال الحسين عليه السلام ، فاستعفاه ، فهدّه وذكّره ولاية الري ، فأطاع ، بعث المختار من قتل عمر بن سعد حين قيامه فقتل. انظر : الطبقات 5 : 125 ، الأعلام 5 : 47.
3 ـ عمرو بن الحجّاج الزبيدي ؛ وقيل : عمر. انظر : الارشاد للمفيد : 38.
4 ـ وفي بعض المصادر : أخنس بن مرتد ، وأخنس بن مرثد ، وهو ابن علقمة الحضرمي ، من العشرة الذين داسوا الحسين عليه السلام بحوافر خيلوهم ، حتى رضّوا ظهره وصدره ، وهو من أولاد الزنا.
5 ـ يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ثاني ملوك الدولة الاموية في الشام ، ولد بالماطرون ونشأ في دمشق وولي الخلافة بعد وفاة أبيه سنة 60 هـ ولم يبايعه جماعة وعلى رأسهم الحسين عليه السلام لفسقه وفجوره ولهوه ولعبه ، خلع أهل المدينة طاعته سنة 63 هـ. فأرسل إليهم مسلم بن عقبة وأمره أن يستبيحها ثلاثة أيام وأن يبايع أهلها على أنّهم عبيد ليزيد ، ففعل بها مسلم الأفاعيل القبيحة ، وقتل فيها كثيراً من الصحابة والتابعين ، مات يزيد سنة 64 هـ.
انظر : تاريخ الخميس 2 : 300 ، تاريخ ابن الأثير 4 : 49 ، جمهرة الأنساب : 103.
6 ـ هو خولي بن يزيد الأصبحي ، من أشقياء الكوفة ومبغضي أهل البيت عليهم السلام ، بعد سقوط الإمام الحسين عليه السلام على الأرض تقدّم ليحتزّ رأسه. وذهب هو وحميد بن مسلم الأزدي بالرأس إلى ابن زياد لكن الوقت كان متأخرّاً وباب القصر مغلقاً فاضطر إلى


(86)
والسالب لحلي فاطمة بنت الحسين (1) عليه السلام ، إبك لبكاء العسكر بأجمعه ، فقد شهدت كتب السير بكائهم ، مع خبث امّهاتهم وآبائهم ، أيحسن منك ـ وأنت مسلم ـ أن يصاب رسول الله صلى الله عليه وآله بهذه الفجائع ، وتحل بساحته تلك القوارع ، ثم تتّخذها ظهرياً ، وتكون عندك نسياً ، ما هذا شأن أهل الوفاء ، ولا بهذا تكون المواساة لسيّدة الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم.
    ثم انّ الانقلاب الهائل ، وتلك الأحوال المدهشة ( من الخسوف والكسوف ورجفة الأرض ، وظلمة الأفق وتهافت النجوم ، وحمرة السماء وبكاء الصخر الأصم دماً ، لم تكن الا إظهاراً لغضب الله عز وجل ، وتنبيهاً على فظاعة الخطب ، وتسجيلاً لتلك النازلة في صفحات الأفق ، لئلا تنسى على مرّ الليالي والأيّام ، وفيها من بعث الناس على استشعار الحزن وادثار الكآبة ما لا يخفى على اولي الألباب.
أخذ الرأس إلى داره واخفائه هناك.
كان له زوجتان ، لمّا علمت أحداهما بانّه قد أتى برأس الحسين إلى الدار غضبت عليه ولم تجتمع بعدها وأيّاه في فراش واحد.
بقي خولي في أيام المختار متخفّياً ، الاأنّ زوجته الاخرى واسمها عيوف بنت مالك دلّت عليه أصحاب المختار ، وكانت هذه المرأة قد غضبت عليه منذ أن جاء برأس الحسين ، فأخذوا خولي وقتلوه. انظر : بحار الأنوار 45 : 125 ، أعيان الشيعة 1 : 612 ، مستدركات علم الرجال 3 : 344 ، مقتل الحسين للمقرم : 391.
1 ـ فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام ، تابعية من روايات الحديث ، روت عن جدّتها فاطمة مرسلاً وعن أبيها ، حملت إلى الشام مع اختها سكينة وعمّتها زينب وامّ كلثوم ؛ قيل : عادت إلى المدينة ، فتزوّجها ابن عمّها الحسن بن الحسن بن علي ، ومات عنها فتزوجها عبد الله بن عمرو بن عثمان ، ومات فأبت الزواج إلى أن توفّيت سنة 110 هـ. انظر : الطبقات 8 : 347 ، مقاتل الطالبيين : 119 و 120 و 202 ، الأعلام 5 : 130.


(87)
    علم الباحثون من مدقّقي الفلاسفة انّ في مآتمنا المختصّة بأهل البيت عليهم السلام أسراراً شريفة (1) تعود على الامّة بصلاح آخرتها ودنياها ، أنبهك إليها بذكر
1 ـ قال رحمه الله : نبهك الى بعضها ، حكيما الغربيين ، فيلسوفا المستشرقين : الدكتور ( جوزف ) الفرنساوي في كتابه : « الاسلام والمسلمون » ، والمسيو ( ماربين ) الألماني في كتابه « السياسة الاسلامية » ، وقد ترجمت جريدة ( الحبل المتين ) الفارسية في العدد ( 82 ) من اعداد سنة 17 [ وقيل : في العدد ( 28 ) من السنة الثامنة بتاريخ 7 محرم سنة 1329 هـ ـ 1911 م ] فصلين من ذينك الكتابين النفيسين يحتويان على أسرار شهادة الحسين وفلسفة مآتمه عليه السلام ، فكان لهما دوي في العالم الاسلامي وأخذا في الشرق دوراً مهمّاً ، وترجما بالتركية والهندية ، وعرّبهما سيدنا الشريف العلامة الباحث السيد صدر الدين الموسوي نجل الإمام الكبير حجّة الاسلام ، وآية الله في الأنام ، قدوتنا المولى السيد إسماعيل الصدر أبقاه الله ، فنشرت مجلة العلم أحد الفصلين ، ومجلة العرفان نشرت الآخر ، وإليك ما ذكره الدكتور ( جوزف ) تحت عنوان « الشيعة وترقياتها المحيّرة للعقول » قال في جملة كلام له طويل :
لم تكن هذه الفرقة ( يعني الشيعة ) ظاهرة في القرون الإسلامية الاولى كأختها ، ويمكن أن تنسب قلّتهم إلى سببين :
أحدهما : انّ الرئاسة والحكومة التي هي سبب ازدياد تابعي المذهب كانت من بدء الإسلام بيد الفرقة الثانية.
ثانيهما : انّه كان القتل والإغارة عليهم في كل زمان ومكان ، ولهذا حكم أحد أئمّتهم في أوائل القرن الثاني من الإسلام بالتقية واخفاء مذهب الشيعة ، حفظاً لنفوسهم وأموالهم ، فزادت في قوّتهم ، لأنّهم حيث لم يكونوا ظاهرين لم تنلهم أيدي أعدائهم القويّة بالقتل والغارة ، وأقاموا المآتم تحت الستار يبكون فيها على الحسين فأثّرت هذه المآتم في قلوب هذه الطائفة إلى حدّ انّه لم يمر عليها زمن كثير حتى بلغت الأوج في الترقّي ، ودخل في هذه


(88)

الطائفة بعض الوزراء وكثير من الملوك والخلفاء ، فبعضهم أخفى ذلك تقيّة ، وبعضهم أظهره جهراً.
من بعد الأمير تيمور الكورگاني ورجوع سلطنة إيران قليلاً قليلاً إلى الصفوية ، اتّخذت فرقة الشيعة إيران مركزاً لها ، وبمقتضى تخمين بعض سائحي فرنسا أن الشيعة سدس أو سبع المسلمين ـ ونظراً إلى ترقّي هذه الطائفة في مدة قليلة بدون اجبار اصلاً يمكن القول بأنّه لا يمضى قرن أو قرنان حتى يزيد عددها على عدد سائر فرق المسملين ، والعلّة في ذلك ؛ هي إقامة هذه المآتم التي جعلت كل فرد من أفرادها داعية إلى مذهبه.
اليوم لا يوجد نقطة من نقاط العالم يكون فيها شخصان من الشيعة الا ويقيمان فيها المآتم ، ويبذلان المال والطعام. رأيت في بندر ( مارسل ) في الفندق شخصاً واحداً عربياً شيعياً من أهل البحرين يقيم المأتم منفرداً جالساً على الكرسي بيده الكتاب يقرأ ويبكي ، وكان قد أعدّ مائدة من الطعام ففرّقها على الفقراء !
هذه الطائفة تصرف في هذا السبيل الأموال على قسمين ، فبعضهم يبذلون في كلّ سنة من أموالهم خاصّة في هذا السبيل بقدر استطاعتهم ما يقدّر بالملايين من الفرنكات ، والبعض الآخر من أوقاف خصّصت لإقامة هذه المآتم ، وهذا المبلغ طائل جداً ، ويمكن القول بأنّ جميع فرق المسلمين منضمّة بعضها إلى بعض لا تبذل في سبيل مذهبها ما تبذله هذه الطائفة ، وموقوفات هذه الفرقة هي ضعف أوقاف سائر المسلمين أو ثلاثة أضعافها.
كل واحد من هذه الفرقة بلا استثناء سائر في طريق الدعوة إلى مذهبه ، وهذه النكتة مستورة عن جميع المسلمين حتى الشيعة أنفسهم ، فإنهم لا يتصوّرون هذه الفائدة من عملهم هذا ، بل قصدهم الثواب الاخروي ، ولكن بما أن كلّ عمل في هذا العالم لا بدّ أن يظهر له بطبيعته أثر ، فهذا العمل أيضاً يؤثر ثمرات للشيعة ، من المسلّم أن المذهب الذي دعاته من خمسين إلى ستّين مليوناً لا محالة يترقّى على التدريج ترقّياً لائقاً بهم ، حتى انّ الرؤساء الروحانية ، والملوك والوزراء لهذه الفرقة ليسوا بخارجين عن صفة الدعوة ، فقراء وضعفاء هذه الفرقة بما انّهم حصلوا ويحصلون على فوائد كلّية من هذا الطريق ، فهم يحافظون على إقامة هذه المآتم أكثر من كبرائها ؛ لأنّهم رأوا في هذا العمل ثواب الآخرة وأجر الدنيا ، فلهذا ترك جمع غفير من عرفاء هذه الفرقة أسباب معاشهم ، واشتغلوا بهذا العمل ، فهم يتحمّلون المشاقّ ليتمكّنوا من ذكر فضائل كبراء دينهم ، والمصائب التي أصابت أهل هذا البيت


(89)

بأحسن وجه واقوى تقرير على رؤوس المنابر وفي المجالس العامّة.
وبسبب هذه المشاقّ التي اختارتها هذه الجماعة في هذا الفن تفوّقت خطباء هذه الفرقة على جميع الطوائف الإسلامية ، وحيث انّ تكرار المطلب الواحد يورث اشمئزاز القلوب لمذهبهم في هذ الطريقة على المنابر ، حتى آل الأمر إلى أن أصبح الأميّون من الشيعة أعرف في مسائل مذهبهم ممّن يقرأون ويفهمون من الفرق الإسلامية الاخرى من كثرة ما سمعوا من عرفائهم.
اليوم إذا نظرنا في كلّ نقطة من نقاط العالم من حيث العدد والنفوس نرى أن أليق المسلمين بالمعرفة والعلم والحرفة والثروة هي فرقة الشيعة ، دعوة هذه الفرقة غير محصورة في أهل مذهبهم أو في سائر الفرق الاسلامية ، بل أي قوم وضع أفراد هذه الطائفة أقدامهم بينهم يسرى في قلوب أهل تلك الملّة هذا الأثر.
إنّ العدد الكثير الذي يرى اليوم في بلاد الهند من الشيعة هو من تأثير إقامة هذه المآتم ، فرقة الشيعة حتى في زمان السلاطين الصفوية لم تسع في ترقّي مذهبها بقوّة السيف ، بل ترقّت هذا الترقّي المحيّر للعقول بقوّة الكلام الذي هو أشدّ تأثيراً من السيف ، ترقّت اليوم هذه الفرقة في إداء مراسمها المذهبية بدرجة جعلت ثلثي المسلمين يتّبعونها في حركاتها ، جمّ غفير من الهنود والفرس وسائر المذاهب أيضاً شاركوهم في أعمالهم ، وهذا أمر واضح انّه بعد مضي قرن تودّع هذه الاخيالات بطريق الإرث لأبناء تلك الطوائف ، فيسلّمون بها أو يعتقدون بذلك المذهب ، وحيث انّ فرقة الشيعة تعتقد أنّ جميع مطالبها مرتبطة بكبراء مذهبها ويطلبون المدد منهم في الحوائج والشدائد ، فسائر الفرق أيضاً التي تشاركهم في أفعالهم وأعمالهم تتأسّى بهم كثيراً ، فبمجرّد مصادفة قضاء حوائجهم تزداد عقيدتهم رسوخاً.
من هذه القرائن والأسباب يمكن ان يستدرك انّه لا يمر زمن قليل على هذه الفرقة حتى تتفوّق من حيث العدد على جميع الفرق الإسلامية ، كان أكثر هذه الفرقة إلى ما قبل قرن أو قرنين ما عدا إيران يعملون بالتقيّة في مذهبهم لقلّة العدد ، وعدم القدرة ، ومن الزمن الذي استولت فيه دول الغرب على الممالك الشرقية وأعطت الحريّة لجميع المذاهب ، تظاهرت هذه الفرقة بمراسم مذهبها في كلّ نقطة ، وهذه الحريّة أفادتهم بدرجة أنّها رفعت من مذهب


(90)

الشيعة اسم التقيّة.
بمناسبة الأسباب التي ذكرت ، وقفت هذه الفرقة على مقتضيات العصر اكثر من سائر الفرق الاسلامية ، وأقدمت على كسب المعاش وتحصيل العلوم أكثر من الآخرين ، ومن هذه الوجهة فالرجال العاملون الذين يعيشون بكدّ اليمين يوجدون فيهم أكثر من سائر فرق المسلمين ، وحيث انّ الغالب عليهم العمل ، فالملازمون لهم وخدّامهم يصيرون بالطبع تابعين لهم ، وعلاوة على ذلك انّهم بواسطة الأعمال يحتاج الناس إليهم ، ومحبّتهم ومعاشرتهم لسائر الفرق موجبة لاختلاط الآخرين معهم عند مشاركتهم لهم في مجالسهم ومحافلهم ، وحينما يصغى المباشرون لهم إلى سماع اصول مذهبهم وأحاديثهم مرّة بعد مرّة لا محالة يألفون مشربهم ، وهذا هو عمل الدعاة ، والأثر الذي يترتّب على هذه الوضعية هو الأثر الذي توخّته عرفاء دول الغرب في ترقية دين المسيح مع بذل أموال تحيّر العقول.
من جملة الامور السياسية التي ألبستها روؤساء فرقة الشيعة لباس المذهب من عدّة قرون وصارت مورثة جداً لجلب قلوبهم وقلوب غيرهم ؛ هي اصول التمثيل باسم الشبيه والتعزية في مأتم الحسين ، التمثيل أدخلته حكماء الهند في عباداتها لعدّة أغراض خارجة عن موضوع بحثنا ، الاوربّيون بمقتضى السياسة ألبسوا التمثيل لباس التفرّج ، وأظهروا في محلات التفرّج العمومية لأنظار العامّ والخاصّ اموراً سياسية مهمّة لاستجلاب القلوب ، وقليلاً قليلاً أصابوا هدفين بسهم واحد ؛ تفريح الطبائع ، وجلب قلوب العامّة في الامور السياسية.
فرقة الشيعة حصلت من هذه النكتة على فائدة تامّة فألبست ذلك لباس المذهب ، فيستنبط أنّ فرقة الشيعة أخذت هذا العمل من الهنود ، وعلى كلّ حال فالتأثير الذي يلزم أن يحصل على قلوب العامّة والخاصّة في اقامة العزاء والشبيه قد حصل.
من جهة يذكرون في مجالس قراءة التعزية المتواصلة ، وعلى المنابر المصائب التي وردت على رؤساء دينهم ، والمظالم التي وردت على الحسين ، ومع تلك الأحاديث المشوّقة إلى البكاء على مصائب آل الرسول.
فتمثيل تلك المصائب للأنظار أيضاً له تاثير عظيم ويجعل العامّ والخاصّ من هذه الفرقة راسخ العقيدة فوق التصوّر ، وهذه النكات الدقيقة صارت سبباً في أنّه لم يسمع بأحد من هذه الفرقة من ابتداء ترقّي مذهب الشيعة انّه ترك دين الإسلام أو دخل في فرقة اسلامية اخرى.
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: فهرس