المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: 91 ـ 105
(91)
بعضها وأوكل الباقي إلى فطنتك :
    فمنها : انّها جامعة اسلاميّة ، ورابطة إمامية باسم النبي وآله صلى الله عليه وآله ينبعث عنها الاعتصام بحبل الله عز وجل ، والتمسّك بثقلي رسول الله صلى الله عليه وآله وفيها من اجتماع القلوب على اداء الرسالة بمودّة القربى ، وترادف
هذه الفرقة تعمل الشبيه بأقسام مختلفة ، فتارة في مجالس مخصوصة ومقامات معينة ، وحيث انّه في أمثال هذه المجالس المخصوصة والمقامات المعينة يكون اشتراك الفرق الاخرى معهم أقلّ ، أوجدوا تمثيلاً بوضع خاص ، فعملوا الشبيه في الأزقّة والأسواق ، وداروا به بين جميع الفرق ، وبهذا السبب تتأثّر قلوب جميع الفرق منهم ومن غيرهم بذلك الأثر الذي يجب أن يحصل من التمثيل ، ولم يزل هذا العمل شيئاً فشيئاً يورث توجّه العام والخاص إليه ، حتى أنّ بعض الفرق الاسلامية الأخرى وبعض الهنود قلّدوا الشيعة فيه ، واشتركوا معهم في ذلك.
وعمل الشبيه في الهند أكثر رواجاً منه في جميع الممالك الاسلامية ، كما انّ سائر فرق الاسلام هناك أكثر اشتراكاً مع الشيعة في هذا العمل من سائر البلاد. ويظنّ أن اصول التمثيل وعمل الشبيه بين الشيعة قد جاءت من جهة سياسة السلاطين الصفويّة الذين كانوا أول سلسلة استولت على السلطنة بقوّة المذهب وروؤساء الشيعة الروحانيون شيئاً فشيئاً أيّدوا هذا العمل وأجازوه.
ومن جملة الامور التي صارت سبباً في ترقّي هذه الفرقة وشهرتها في كلّ مكان هو إرادة أنفسهم بالمرأى الحسن ، بمعنى أنّ هذه الطائفة بواسطة مجالس المأتم ، وعمل الشبيه ، واللطم والدوران ، وحمل الأعلام في مأتم الحسين ، جلبت إليها قلوب باقي الفرق بالجاه والاعتبار والقوة والشوكة ، لأنّه من المعلوم أنّ كل ّجمعية وجماعة تجلب إليها الأنظار وتوجّه إليها الخواطر إلى درجة ما.
مثلاً لو كان في مدينة عشرة آلاف نفس متفرّقين ، وكان في محل ألف نفس مجتمعين ، كانت شوكة الألف وعظمتهم في أنظار الخاصّ والعامّ أكثر من العشرة آلاف ، مضافاً إلى أنّه إذا اجتمع ألف نفس انضمّ إليهم من غيرهم بقدرهم بعضهم للتفرّج ، وبعضهم للصداقة والرفاقة ، وبعضهم لأغراض خاصّة ، وبهذا الانضمام تتضاعف قوة الألف وشوكتهم في الأنظار.


(92)
العزائم على إحياء أمر أهل البيت عليهم السلام ما ليس في غيرها.
    وحسبك في رجحانها ما يتسنّى بها للحكيم من إلقاء المواعظ والنصائح ، وإيقاف المجتمعين على الشؤون الإسلامية ، والامور الإمامية ولو إجمالاً ، وبذلك يكون أمل العاملي (1) ، نفس أمل إخوانه في العراق وفارس والبحرين والهند وغيرها من بلاد الاسلام.
    ولا تنس ما يتهيّأ للمجتمعين فيها من الاطّلاع على شؤونهم ، والبحث عن شؤون اخوانهم النائين عنهم ، وما يتيسّر لهم حينئذ من تبادل الآراء فيما يعود عليهم بالنفع ، ويجعلهم كالبنيان المرصوص ، يشدّ بعضه بعضاً ، أو كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضواً أنّت له سائر الأعضاء ، وبذلك يكونون مستقيمين في السير على خطة واحدة يسعون فيها وراء كلّ ما يرمون إليه.
    ومنها : انّ هذه المآتم دعوة إلى الدين بأحسن صورة وألطف اسلوب ، بل هي أعلى صرخة للإسلام توقظ الغافل من سباته ، وتنبّه الجاهل من سكراته ، بما تشربه في قلوب المجتمعين ، وتنفثه في آذان المستمعين ، وتبثّه في العالم ، وتصوره قالباً لجميع بني آدم ، من أعلام الرسالة ، وآيات الاسلام ، وأدلّة الدين ، وحجج المسلمين ، والسيرة النبويّة ، والخصائص العلوية ، ومصائب اهل البيت عليهم السلام في سبيل الله ، وصبرهم على الأذى في اعلاء كلمة الله.
    فاولوا النظر والتحقيق يعلمون أنّ خطباء المآتم كلهم دعاة إلى الدين من حيث لم يقصدوا ذلك ، بل لا مبشّر بالإسلام على التحقيق سواهم ، وأنت تعلم أنّ الموظفين لهذا العمل الشريف لا يقصرون في انحاء البسيطة عن الألوف المؤلّفة ،
1 ـ نسبة إلى جبل عامل في لبنان موطن المصنّف رحمه الله.

(93)
فلو بذل المسلمون شطر أموالهم ليوظفوا دعاة إلى دينهم بعد اولئك الخطباء ما تيسّر ذلك لهم ، ولو تيسّر من يستمع الدعوة على مرّ الدهور استماع الناس لما يُتلى في هذه المآتم بكلّ رغبة واقبال.
    ومنها : ما قد أثبته العيان ، وشهد به الحس والوجدان من بثّ روح المعارف بسبب هذه المآتم ، ونشر أطراف من العلوم ببركتها ، إذ هي ـ بشرط كونها على اصولها ـ أرقى مدارس للعوام ، يستضيئون فيها بأنوار الحكم من جوامع الكلم ، ويلتقطون منها دور السير ، ويقفون بها على أنواع العبر ، ويتلقون فيها من الحديث والتفسير والفقه ما يلزمهم حمله ولا يسعهم جهله ، بل هي المدرسة الوحيدة للعوام في جميع بلاد الاسلام.
    وقد تفنّن خطباؤها في ما يصدعون به أوّلاً على أعوادها ثم يتخلّصون منه إلى ذكر المصيبة وتلاوة الفاجعة ؛ فمنهم : من يشنف المسامع ويشرف الجوامع بالحكم النبويّة ، والمواعظ العلوية ، أو يتلو أوّلاً من كلام أئمّة أهل البيت عليهم السلام ما يقرّب المستمعين إلى الله ، ويأخذ بأعناقهم إلى تقواه.
    ومنهم : من يتلو أوّلاً من سيرة النبي صلى الله عليه وآله وتارخ أوصيائه عليهم السلام ما يبعث المستمعين على مودتهم ، ويضطرهم إلى بذل الجهد في طاعتهم.
    ومنهم : من ينبّه الأفكار أوّلاً إلى فضل رسول الله صلى الله عليه وآله ومقام أوصيائه عليهم السلام بما يسرده من الأحاديث الصحيحة ، والآيات المحكمة الصريحة.
    ومنهم : من يتلو أوّلاً الأحكام الشرعية والعقائد الدينية ما تعمّ به البلوى المكلّفين ولا مندوحة من معرفته لأحد من العالمين.


(94)
    هذه سيرتهم المستمرة أيام حياتهم ، فهل ترى بجدك للعوام مدرسة تقوم مقامها في جسيم فوائدها وعظيم مقاصدها ؟ لا وسرّ الحكماء الذين بعثوا شيعتهم عليها وحكمة الأوصياء الذين أرشدوا أوليائهم إليها.
    ومنها : الارتقاء في الخطابة ، والعروج إلى منتهى البراعة ، كما يشهد به الوجدان ، ولا نحتاج فيه إلى برهان.
    ومنها : العزاء عن كل مصيبة ، والسلوة لكل فادحة ، إذ تهون الفجائع بذكر فجائعهم ، وتنسى القوارع بتلاوة قوارعهم ، كما قيل في رثائهم عليه السلام :
أنست رزيّتكم رزايا التي سلفت وهوّنت الرزايا الآتية
    ومنها : انعاش أهل الفاقة ، واثلاج أكباد حرّى من أهل المسكنة على الدوام بما نفق في هذه المآتم من الأموال في سبيل الله عز وجل ، وما يبذل فيها لأهل المسغبة وغيرهم ، وأنت تعلم أنّه لا وسيلة لقراء تلك المآتم في التعيّش غالباً الا هذه الوظيفة ، وهم من الرجال والنساء ـ بقطع النظر عمّن يقومون بنفقته ، اُلوف مؤلّفة يعيشون ببركة أهل البيت عليهم السلام ويتنعّمون بيمن مآتمهم عليهم السلام.
    ومنها : انّ المصلحة التي استشهد الحسين عليه السلام ـ بأبي واُمّي ـ في سبيلها ، وسفك دمه الزكي تلقاءها ، تستوجب استمرار هذه المآتم ، وتقتضي دوامها إلى يوم القيامة وبيان ذلك :
    إنّ المنافقين حيث دفعوا أهل البيت عليهم السلام عن مقامهم ، وأزالوهم عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ظهروا للناس بمظاهر النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، وأظهروا التأييد لدينه ، والخدمة لشريعته ، فوقع الإلتباس ، واغترّ


(95)
بهم أكثر الناس ، ولما ملكوا من الامّة أزمتها ، واستسلمت لهم برمّتها ، حرموا ( والناس في سنّة عن سوء مقاصدهم ) من حلال الله ما شاؤوا ، وحلّلوا من حرامه ما أرادوا ، وعاثوا في الدين وحكموا فيه القاسطين ، فسمّلوا أعين أولياء الله ، وقطعوا أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وصلبوهم على جذوع النخل ، ونفوهم عن عقر ديارهم حتى تفرقوا أيدي سبأ ، ولعنوا أمير المؤمنين عليه السلام وكنّوا به عن أخيه الصادق الأمين صلى الله عليه وآله.
    فلو دامت تلك الأحوال ، وهم أولياء السلطة المطلقة ، والرئاسة الروحانية ، لما أبقوا للإسلام عيناً ولا أثراً ، لكن ثار الحسين عليه السلام فادياً دين الله عز وجل بنفسه وأحبائه حتى وردوا حياض المنايا ، ولسان حاله يقول :
إن كان دين محمد لم يستقم الا بقتلي يا سيوف خذيني
    فاستنقذ الدين من أيدي الظالمين ، وانكشف الغطاء بوقوع تلك الرزايا عن نفاق القوم حتى تجلّت عداوتهم لله عز وجل ، وظهر انتقامهم من رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ لم يكتفوا بقتل الرجال من بنيه عطاشى والماء تعبث فيه خنازير البر وكلابه ، ولم يقنعوا بذبح الأطفال من أشباله أحياء وقد غارت أعينهم من شدّة العطش ، ولا اكتفوا باستئصال العترة الطاهرة ونجوم الأرض من شيبة الحمد حتى وطأوا جثثهم بسنابك الخيل ، وحملوا رؤوسهم على أطراف الأسنة ، وتركوا أشلائهم الموزعة عارية بالعراء ، مباحة لوحوش الأرض وطير السماء ، ثمّ أرزوا ودائع الرسالة وحرائر الوحي مسلبات ، وطافوا البلاد بهنّ سبايا كأنّهنّ من كوافر البربر ، حتى أدخلوهنّ تارة على ابن مرجانة ، واخرى على ابن آكل الأكباد ، وأوقفوهنّ على درج الجامع في دمشق حيث تباع جواري السبي.
    فلم تبق بعدها وقفة من عداوتهم لله ، ولا ريبة بنفاقهم في دين الاسلام ،


(96)
وعلم حينئذ أهل البحث والتنقيب من اولي الألباب انّ هذه امور دبّرت بليل ، وانّها عن عهد السلف بها إلى خلفه ، وما كانت ارتجالاً من يزيد ـ وما المسبّب لو لم ينجح السبب ـ ثمّ لم تزل أنوار هذه الحقيقة تتجلّى لكلّ من نظر نظراً فلسفياً في فجائع الطفّ وخطوب أهل البيت عليهم السلام ، أو بَحَث بحث مدقّق عن أساس تلك القوارع ، وأسباب هاتيك الفظائع.
    وقد علم أهل التدقيق من اولي البصائر أنّه ما كان لهذا الفاجر أن يرتكب من أهل البيت ما ارتكب ، لولا ما مهده سلفه من هدم سورهم ، واطفاء نورهم ، وحمله الناس على رقابهم ، وفعله الشنيع يوم بابهم. (1)
    وتالله لولا ما بذله الحسين عليه السلام في سبيل إحياء الدين من نفسه الزكية ، ونفوس أحبّائه بتلك الكيفية ، لأمسى الاسلام خبراً من الأخبار السالفة (2) ،
1 ـ أقول : أخرج البلاذري في تاريخه قال : لمّا قتل الحسين بن علي بن أبي طالب ، كتب عبد الله بن عمر رسالة إلى يزيد بن معاوية جاء فيها : أمّا بعد ، فقد عظمت الرزية وجلّت المصيبة ، وحدث في الاسلام حدث عظيم ، ولا يوم كيوم قتل الحسين.
فكتب إليه يزيد :
أمّا بعد ، يا أحمق ! فإنّا جئنا إلى بيوت مجددة ، وفرش ممهّدة ، ووسائد منضدة ، فقاتلنا عنها ! فإن يكن الحق لنا فعن حقّنا قاتلنا ، وإن كان الحقّ لغيرنا فأبوك أوّل من سنّ هذا واستأثر بالحقّ على أهله.
2 ـ قال رحمه الله : كما شهد به العظماء من فلاسفة الغرب ، وإليك ما ذكره الميسو ماربين الألماني في كتابه « السياسة الإسلامية » بعين لفظ المعرّب قال من جملة كلام طويل : لا يشكّ صاحب الوجدان إذا دقّق النظر في أوضاع ذلك العصر وكيفية نجاح بني اميّة في مقاصدهم واستيلائهم على جميع طبقات الناس وتزلزل المسلمين انّ الحسين قد أحيا بقتله دين جده وقوانين الاسلام وان لم تقع تلك الواقعة ولم تظهر تلك الحسيّات الصادقة بين المسلمين لأجل قتل الحسين ، ولم يكن الاسلام على ما هو عليه الآن قطعاً بل كان من الممكن ضياع رسومه وقوانين حيث كان يومئذ حديث العهد ، عزم الحسين انجاح هذا المقصد واعلان


(97)

الثورة ضد بني اميّة من يوم توفي والده ، فلما قام يزيد مقام معاوية خرج الحسين من المدينة وكان يظهر مقصده العالي ويبثّ روح الثورة في المراكز المهمة الاسلامية كمكّة والعراق واينما حلّ فازداد ـ نفرة قلوب المسلمين التي هي مقدّمة الثورة من بني أميّة ، ولم يكن يجهل يزيد مقاصد الحسين وكان يعلم انّ الثورة إذا اُعلنت في جهة والحسين قائدها مع تنفّر المسلمين عموماً من جومة بني اميّة وميل القلوب وتوجه الأنظار إلى الحسين عمّت جميع البلاد وفي ذلك زوال ملكهم وسلطانهم فعزم يزيد قبل كلّ شيء من يوم بويع على قتل الحسين.
ولقد كان هذا العزم أعظم خطا سياسي صدر من بني اميّة الذي جعلهم نسياً منسياً ولم يبق منهم أثر ولا خبر.
وأعظم دلالة على انّ الحسين أقدم على قتل نفسه ، ولم تكن في نظره سلطنة ولا رئاسة هو : أنّه مضافاً إلى ما كان عليه من العلم والسياسة والتجربة التي وقف عليه زمن أبيه وأخيه في قتال بني اميّة كان يعلم أنّه مع عدم تهيئة الأسباب له واقتدار يزيد لا يمكنه المقاومة والغلبة ، وكان يقول : من يوم توفي والده انّه يقتل ، وأعلن يوم خروجه من المدينة انّه يمضي إلى القتل وأظهر ذلك لأصحابه والذي اتّبعوه من باب اتمام الحجّة حتى يتفرّق الذين التفّوا حوله طمعاً بالدنيا ، وطالما كان يقول : « خير لي مصرع أنا ملاقيه » ، ولو لم يكن قصده ذلك ولم يكن عالما عامداً لجمع الجنود ولسعى في تكثير أصحابه وزيادة استعداده لا أن يفرق الذين كانوا معه ، ولكن لما لم يكن له قصد الاالقتل مقدّمة لذلك المقصد العالي واعلان الثورة المقدّسة ضد يزيد رأى انّ خير الوسائل إلى ذلك الوحدة والمظلومية فان أثّر هكذا مصائب أشد وأكثر في القلوب.
من الظاهر انّ الحسين مع ما كانت له من المحبوبية في قلوب المسلمين في ذلك الزمان لو كان يطلب قوّة واستعداداً لأمكنه أن يخرج إلى حرب يزيد جيشاً جرّاراً ، ولكنّه لو وضع ذلك لكان قتله في سبيل طلب السلطنة والامارة ، ولم يفز بالمظلوميّة التي انتجت تلك الثورة والعظيمة ، هذا هو الذي سبب أن لا يبقى معه أحداً ، الا الذين لا يمكن انفكاكهم عنه ، كأولاده وأخوانه وبني أخوته وبني أعمامه وجماعة من خواص أصحابه ، حتى انّه أمر هؤلاء أيضاً بمفارقته ، ولكنّهم أبو عليه ذلك ، وهؤلاء أيضاً كانوا من المعروفين بين المسلمين بجلالة القدر ، وعظيم المنزلة ، وقتلهم معه ممّا يزيد في عظم المصيبة وأثر الواقعة.


(98)

نعم ، انّ الحسين بمبلغ علمه وحسن سياسته بذل كمال جهده في افشاء ظلم بني اميّة واظهار عداوتهم لبني هاشم وسلك في ذلك كلّ طريق ، لما كان يعلم عداوة بني اميّة له ولبني هاشم ، ويعرف انّه بعد قتله يأسرون عياله وأطفاله ، وذلك يؤيّد مقصده ، ويكون له أثر عظيم في قلوب المسلمين ـ سيّما العرب ـ كما وقع ذلك حملهم معه وجاء بهم إلى المدينة.
نعم ، انّ ظلم بني اميّة وقساوة قلوبهم في معاملاتهم مع حرم محمد وصباياه أثّر في قلوب المسلمين تأثيراً عظيماً لا ينقص عن أثر قتله وأصحابه ، ولقد أظهر في فعله هذا عقيدة بني اميّة في الاسلام وسلوكهم مع المسلمين سيّما ذراري نبيّهم ، لهذا كان الحسين يقول في جواب أصحابه والذين كانوا يمنعونه عن هذا السفر : أني أمضي إلى القتل ، ولما كانت أفكار المانعين محدودة ، وأنظارهم قاصرة لا يدركون مقاصد الحسين العالية لم يألوا جهدهم في منعه وآخر ما أجابهم به ان قال لهم : شاء الله ذلك ، وجدّي أمرني به ، فقالوا : ان كنت تمضي إلى القتل فما وجه حملك النسوة والأطفال ؟ فقال : « انّ الله شاء أن يراهنّ سبايا » ولما كان بينهم رئيساً روحانياً لم يكن لهم بدّ عن السكوت.
وممّا يدلّ على انّه لم يكن له غرض الا ذلك المقصد العالي الذي كان في نفسه ولم يتحمل تلك المصائب لسلطنة وامارة ولم يقدم على هذا الخطر من غير علم ودراية كما تصوّره بعض المؤرخين منّا أنّه قال لبعض ذوي النباهة قبل الواقعة بأعوام كثيرة على سبيل التسلية : « انّ بعد قتلي وظهور تلك المصائب المحزنة يبعث الله رجالاً يعرفون الحقّ من الباطل ، يزورون قبورنا ، ويبكون على مصابنا ، ويأخذون بثأرنا من أعدائنا. واولئك جماعة ينشرون دين الله وشريعة جدّي ، وأنا وجدّي نحبّهم وهم يحشرون معنا يوم القيامة ».
ولو تأمّل المتأمّل في كلام الحسين عليه السلام وحركاته يرى انّه لم يترك طريقاً من السياسة الاسلكه في إظهار شنائع بني اميّة وعداوتهم القلبية لبني هاشم ومظلومية نفسه ، وهذا ممّا يدلّ على حسن سياسته وقوّة قلبه وتضحية نفسه في طريق الوصول إلى المقصد الذي كان في نظره حتى انّه في آخر ساعات حياته عمل عملاً حيّر عقول الفلاسفة ولم يصرف نظره عن ذلك المقصد العالي مع تلك المصائب المحزنة ، والهموم المتراكمة ، وكثرة العطش والجراحات وهو قصّة الرضيع.
فلمّا كان يعلم أنّ بني اميّة لا يرحمون له صغيراً رفع طفله الصغير تعظيماً للمصيبة على يده أمام القوم ، وطلب منهم أن يأتوه شربة من الماء فلم يجيبوه الا بالسهم ، ويغلب على


(99)

الظنّ انّ غرض الحسين من هذا العمل تفهيم العالم بشدّة عداوة بني اميّة لبني هاشم وأنّها إلى أي درجة بلغت ، ولا يظن أحد انّ يزيد كان مجبوراً على تلك الاقدامات الفجيعة لأجل الدفاع عن نفسه ، لأنّ قتل الطفل الرضيع في ذلك الحال بتلك الكيفية ليس هو الاتوحّش وعداوة سبعية منافية لقواعد كلّ دين وشريعة ، ويمكن أن تكون هذه الفاجعة كافية في افتضاح بني اميّة ورفع الستار عن قبائح أعمالهم ونيّاتهم الفاسدة بين العالم سّيما المسلمين ، وأنّهم يخالفون الاسلام في حركاتهم ، بل يسعون بعصبية جاهلية إلى اضمحلال آل محمد وجعلهم أيدي سبأ.
ونظراً لتلك المقاصد العالية التي كانت في نظر الحسين مضافاً إلى وفور علمه وسياسته التي كان لا يشكّ فيها اثنان لم يرتكب أمراً يوجب مجبورية بني اميّة للدفاع حتى انّه مع ذلك النفوذ والاقتدار الذي كان له في ذلك العصر ، لم يسع في تسخير البلاد الاسلامية وضمّها إليه ، ولا هاجم ولاية من ولايات يزيد إلى أن حاصروه في وادٍ غير ذي زرع ، قبل أن تبدو منه أقل حركة عدائية ، أو تظهر منه ثورة ضد بني اميّة.
لم يقل الحسين يوماً : سأكون ملكاً أو سلطاناً ، وأصبح صاحب سلطة ، نعم ، كان يبثّ روح الثورة في المسلمين بنشره شنائع بني اميّة واضمحلال الدين أن دام ذلك الحال ، وكان يخبر بقتله ومظلوميته وهو مسرور ، ولما حوصر في تلك الأرض القفراء أظهر لهم من باب اتمام الحجة بأنّهم لو تركوه لرحل بعياله وأطفاله ، وخرج من سلطة يزيد ، ولقد كان لهذا الاظهار الدالّ على سلامة نفس الحسين في قلوب المسلمين غاية التأثير.
قتل قبل الحسين ظلماً وعدواناً كثير من الرؤساء الروحانيين وأرباب الديانات ، وقامت الثورة بعد قتلهم بين تابعيهم ضدّ الأعداء ، كما وقع مكرّراً في بني إسرائيل وقصّة يحيى من أعظم الحوادث التأريخية ، ومعاملة اليهود مع المسيح لم ير نظيرها إلى ذلك العهد ، ولكن واقعة الحسين فاقت الجميع.
أقول : واتماماً للفائدة أكثر نذكر بعض عبارات المسيو ماربين الألماني والتي لم يذكرها المصنّف رحمه الله هنا :
وقال المسيو ماربين كذلك : الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هو سبط محمد المتولد من ابنته وحبيبته فاطمة عليهم السلام ويمكننا القول بأنّه كان جامعاً للأخلاق والصفات المستحسنة عند العرب في ذلك الزمان ، ووارثاً للشجاعة من


(100)

أبيه ، وأعلم المسلمين باحكام دين جدّه ، وحاوياً بدرجة كاملة للجود الذي هو أحبّ الصفات ، وكان طلق اللسان ، فصيح البيان للغاية ، اتّفق المسلمون بلا مخالف على حسن العقيدة في الحسين حتى أنّ الطوائف التي تذمّ أباه وأخاه تمدحه وتثنى عليه ، وكتبهم مشحونة بذكر ملكاته الحسنة ، وسجاياه المستحسنة ، وكان غيوراً صادقاً غير هيّاب ، وانّ لغالب فرق المسلمين عقائد عظيمة في الحسين عليه السلام ، ولكن الذي نقدر أن نكتبه في كتابنا بكمال الطمأنينة ، وبلا خوف المعارضة هو أنّ تابعي علي عليه السلام يعتقدون في الحسين أكثر ممّا تقوله النصارى في المسيح عليه السلام ، فكما أنّنا نقول إنّ عيسى تحمّل هذه المصائب لتكفير السيئات ، هم يقولون ذلك في الحسين ، ويعدونه الشفيع المطلق يوم القيامة ، والشيء الذي لا يقبل الانكار أبداً.
إذا قلناه في الحسين هو انّه كان في عصره أوّل شخص سياسي ، ويمكن أن نقول أنّه لم يختر أحد من أرباب الديانات سياسة مؤثرة مثل سياستة ، ومع أنّ أباه عليّاً هو حكيم الإسلام ، وحكمياته وكليّاته الشخصية لم تكن بأقل ممّا هو لسائر حكماء العالم المعروفين ، لم يظهر منه مثل السياسة الحسينية.
ولأجل اثبات هذه المسألة يلزم الالتفات قليلاً إلى تاريخ العرب قبل الإسلام ، فنرى أنّها كانت قرابة بين بني هاشم وبني اميّة ؛ أي أنّهم بنو أعمام لأنّ أميّة وهاشم أنجال عبد مناف ، ومن قبل الإسلام كان بينهم نفور وكدورة بدرجة متناهية ، وحصل بينهم مراراً مجادلات وقتال ، وكان كلّ من الطرفين طالباً ثأر من الآخر ، وكان بنو هاشم وبنو اميّة أعزّاء محترمين في قريش ، ولهم السيادة ، بنو اميّة من جهة الغنى والرئاسة الدنيويّة ، وبنو هاشم من جهة العلم والرئاسة الروحانية ، وفي بدء الاسلام ازدادت العداوة بين بني هاشم وبني اميّة إلى أن فتح النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم مكة ، وأدخل في طاعته وتحت أمره عموم قريش وبني اميّة ، وفي الواقع استولى على رئاسة العرب الدينيّة والدنيويّة ، فلأجل ذلك ارتفع قدر بني هاشم بين العرب واطاعتهم بنو اميّة ، وأضرم هذا التقدّم في الباطن نار الحسد لبني هاشم في صدور بني اميّة ، وكانوا على استعداد للإيقاع ببني هاشم حقداً عليهم.
فلمّا توفّي النبي صلى الله عليه وآله وسلم اتّسع لهم المجال لذلك ، فسعوا أولاً أن لا يكون الخليفة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم على اصول ولاية العهد ، بل على اصول


(101)

أكثرية الآراء ولم تدع شدّة مخالفة بني اميّة أن تكون أكثرية الآراء في الخلافة بجانب بني هاشم ، فهنا نال بنو اميّة مآربهم ، وتغلّبوا على بني هاشم.
وبسبب الخلافة تمكّن بنو اميّة من الحصول على مقام منيع ، فسهّلوا الطريق لمستقبلهم ، وكانوا يسعون في رفعة منزلتهم عند الخلفاء يوماً فيوماً ، وأصبحوا ركناً من أركان السلطنة الإسلامية حتى أصبح الخليفة الثالث منهم ، وأصبح بنو اميّة متفوّقين تفوّقاً مطلقاً في كل عمل ومكان ، ووطّدوا مقامهم للمستقبل ، ونظراً إلى تلك العداوة والثارات التي كانت لبني أميّة عند بني هاشم حسب عوائد العرب في ذلك الزمان كان إظهارهم لخلوص العقيدة والنيّة الصافية للإسلام أقلّ من سواهم ، وكانوا باطناً يرون من العار أن يتّبعوا ديناً يكون ختامه باسم بني هاشم ، ولكثرة المسلمين في ذلك الزمان كان بنو اميّة يسيرون وراء مقاصدهم تحت ظلّ هذا الدين ، ولم يعلنوا بمخالفته ، وتظاهرو بمتابعته ، ولمّا رأوا أنفسهم في المقامات العالية ، ووطّدوا مقامهم في الجاه والجلالة ، أظهروا تمرّدهم عن أحكام الإسلام حتى أنّهم كانوا في المحافل يستهزئون بدين جاء به بنو هاشم.
ولما رأى بنو هاشم انّ الأمر صار الى هذا ، واطّلعوا على نوايا بني اميّة لم يقعدوا عن العمل ، وأظهروا للناس أعمال الخليفة الثالث بأساليب عجيبة ، فأثاروا المسلمين عليه حتى آل الأمر إلى أن اشترك رؤساء طبقات المسلمين في قتله ، وبأكثرية الآراء اصبح عليّ الخليفة الرابع.
من بعد هذه الواقعة تأكّد بنو اميّة أنّها ستكون لبني هاشم السيادة والعظمة كما كانت لهم في زمن النبي صلى الله عليه وآله. فلهذا قام معاوية الذي كان حاكماً لبلاد الشام من قبل الخلفاء السابقين ، وكان ذا إقتدار ودهاء ونظر بعيد ناشراً لواء العصيان على علي بدعوى انّ قتل عثمان كان بإشارة منه والقى الخلاف بين المسلمين وبتلك الطريقة التي كانت بين العرب قبل الإسلام شهر السيف بينهم.
ومعاوية وان لم يغلب عليّاً في هذه الحروب العديدة ، لكنّه لم يكن مغلوباً ، ولم يطل زمن تمرّد بني اميّة على رئاسة بني هاشم حتى قتلوا عليّاً عليه السلام وعندئذ تغلّب معاوية ، وصالحه الحسن الذي هو الأخ الأكبر للحسين وهو الخليفة الخامس ، وعادت الخلافة الى بني اميّة فكان معاوية من جهة يسعى في تقوية ملكه ، ومن جهة اخرى يسعى في اضمحلال بني هاشم ، ولم يفتر دقيقة واحدة عن محوهم.


(102)
وأضحى المسلمون امّه من الامم التالفة ، إذ لو بقي المنافقون على ما كانوا عليه من الظهور للعامّة بالنيابة عن رسول الله والنصح لدينه صلى الله عليه وآله ، وهم أولياء السلطة المطلقة والإرادة المقدّسة لغرسوا من شجرة النفاق ما أرادوا وبثّوا من روح الزندقة ما شاؤوا وفعلوا بالدين ما توجبه عداواتهم له وارتكبوا من الشريعة كلّ أمر يقتضيه نفاقهم.
    وأمّا وشيبة الحسين عليه السلام المخضوبة بدمه الطاهر ، لولا ما تحمّله سلام الله عليه في سبيل الله ما قامت لأهل البيت عليهم السلام ـ وهم حجج الله ـ قائمة ، ولا عرفهم ـ وهم اولوا الأمر ـ ممّن تأخّر عنهم أحد ، لكنّه ـ بأبي وأمّي ـ فضح المنافقين ، وأسقطهم من أنظار العالمين ، واستلفت الأبصار مصيبته إلى سائر مصائب أهل البيت ، واضطر الناس بحلول هذه القارعة إلى البحث عن اساسها ، وحملهم على التنقيب عن أسبابها ، والفحص عن جذرها وبذرها واستنهض الهمم إلى حفظ مقام أهل البيت عليهم السلام ، وحرك الحميّة على الانتصار لهم ، لأنّ
وكان الحسين مع أنّه تحت نفوذ أخيه الحسن لم يطع بني اميّة ، ولم يظهر مخالفتهم وكان يقول علناً لا بدّ أن اقتل في سبيل الحق ، ولا استسلم للباطل ، وكان بنو اميّة في اضطراب منه ، وبقي هذا الاضطراب إلى أن مضى الحسن ومعاوية وجلس يزيد في مقام أبيه على اصول ولاية العهد ، وابطلت الخلافة بأكثرية الآراء من بعد علي عليه السلام ، ولكن بعد تعيينه لولاية العهد استحصل معاوية على صكّ بأخذ البيعة له من رؤساء القوم ، ورأى الحسين عليه السلام من جهة انّ حركات بني اميّة الذين كانت لهم السلطة المطلقة والرئاسة الروحانية الإسلامية قاربت أن تزعزع عقيدة المسلمين من دين جدّه ، ومن جهة اخرى كان يعلم انّه إذا أطاع يزيد أو لم يطعه ، فبنو اميّة نظراً لعدواتهم وبغضهم لبني هاشم لا يألون جهداً في محوهم ، وإذا دامت هذه الحال مدّة لا يبقى أثر لبني هاشم في عالم الوجود ، فلهذا صمّم الحسين عليه السلام على القاء الثورة بين المسلمين ضد بني اميّة ، كما أنّه رأى من حين جلوس يزيد في مقام أبيه وجوب عدم طاعته ، ولم يخف مخالفته له.

(103)
الطبيعة البشرية ، والجبلة الانسانية تنتصر للمظلومين وتنتقم بجهدها من الظالمين فاندفع المسلمون إلى موالاة أهل البيت عليهم السلام حتى كأنّهم قد دخلوا ـ بعد فاجعة الطف ـ في دور جديد ، وظهرت الروحانية الاسلامية بأجلى مظاهرها ، وسطع نور اهل البيت عليهم السلام بعد أن كان محجوباً بسحائب ظلم الظالمين ، وانتبه الناس إلى نصوص الكتاب والسنّة فيهم عليهم السلام ، فهدى الله بها من هدى لدينه ، وضلّ عنها من عمى عن سبيله.
    وكان الحسين ـ بأبي وامّي ـ على يقين من ترتّب هذه الآثار الشريفة على قتله ، وانتهاب رحله ، وذبح أطفاله ، وسبي عياله ، بل لم يجد طريقاً لإرشاد الخلق إلى الأئمّة بالحقّ ، واستنقاذ الدين من أئمّة المنافقين ـ الذين خفي مكرهم ، وعلا في نفوس العامّة أمرهم ـ الاالاستسلام لتلك الرزايا ، والصبر على هاتيك البلايا ، وما قصد كربلاء الا لتحمّل ذلك البلاء عهد معهود عن أخيه ، عن أبيه ، عن جدّه ، عن الله عز وجل ، ويرشدك إلى ذلك ـ مضافاً إلى أخبارنا المتواترة من طريق العترة الطاهرة ـ دلائل أقواله ، وقرائن أفعاله ، فانّها نص فيما قلناه ، وحسبك منها جوابه لامّ سلمة إذ قالت له ـ كما في البحار وجلاء العيون وغيرهما ـ : يا بني لا تحزني بخروجك الى العراق فإنّي سمعت جدّك صلى الله عليه وآله يقول : يقتل ولدى الحسين بأرض يقال لها كربلاء.
    فقال لها : يا امّاه وأنا والله أعلم ذلك ، وأنّي مقتول لا محالة ، وليس لي منه بدّ ، وقد شاء الله أن يراني مقتولاً ، ويرى حرمي مشرّدين وأطفالي مذبوحين (1).
    وجوابه لأخيه عمر إذ قال له حين امتنع من البيعة ليزيد : حدّثني أخوك أبو
1 ـ تاريخ الطبري 5 : 189 ، دار السلام للنوري 1 : 102.

(104)
محمد ، عن ابيه ، ثم بكى حتى علا شهيقه ، فضمّه الحسين إليه وقال ـ كما في الملهوف وغيره ـ : حدّثك أنّي مقتول.
    قال : حوشيت يا ابن رسول الله.
    فقال : بحق أبيك بقتلي خبّرك ؟
    قال : نعم ، فلو بايعت.
    فقال عليه السلام : حدّثني أبي أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله أخبره بقتله وقتلي ، وانّ تربتي تكون بقرب تربته ، أتظنّ أنّك علمت ما لم أعلم ؟ (1)
    والرؤيا التي رآها في مسجد جدّه صلى الله عليه وآله حين ذهب ليودعه وقول النبي له فيها ـ كما في أمالي الصدوق وغيره ـ : بأبي أنت كأنّي أراك مرمّلاً بدمك بين عصابة من هذه الامّة ما لهم عند الله من خلاق (2).
    وكتابه إلى بني هاشم لما فصل من المدينة ، وقوله فيه ـ كما في الملهوف نقلاً عن رسائل ثقة الاسلام ـ : من لحق بي استشهد ، ومن تخلّف عنّي لم يبلـغ الفتـح (3).
    وخطبته ليلة خروجه من مكّة (4) ، وقوله فيها ـ كما في الملهوف وغيره ـ :
1 ـ المهلوف : 100 ، الأخبار الطوال : 29.
2 ـ أمالي الصدوق : 93 المجلس ( 30 ).
3 ـ المهلوف : 129 ، كامل الزيارات : 75 ، بصائر الدرجات : 141.
4 ـ ولها أسماء أخرى كثيرة منها : ام القرى ، والنساسة ، وأم رحم ، وهي بيت الله الحرام.
والمكّ : النقض والهلاك ، وسمّي البلد الحرام مكة لأنّها تنقض الذنوب وتنفيها ، أو تمكّ مَن قصدها بالظلم ، أي تهلكه. انظر : معجم البلدان 5 : 181 ـ 188 ، مجمع البحرين 5 : 289.


(105)
كأنّى بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس (1) وكربلاء (2) إلى أن قال : ـ ألا ومن كان باذلاً فينا وهجته ، موطئاً على لقاء الله نفسه ، فليرحل معنا فانّي راحل مصبحاً ان شاء الله تعالى.
    وقوله ـ كما في الملهوف وغيره ـ : لولا تقارب الأشياء ، وهبوط الأجل (3) لقاتلتهم بهؤلاء (4) ، ولكنّي أعلم يقيناً أنّ من هناك مصرعي ومصرع أصحابي ، لا ينجو منهم الاولدي عليّ (5).
    وجوابه لأخيه محمد بن الحنفية إذ قال له ـ كما في الملهوف وغيره ـ : يا أخي ، ألم تعدني النظر فيما سألتك ؟
    قال : بلى ، ولكن أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله بعدما فارقتك ، فقال : يا حسين ، اُخرج ، فإنّ الله قد شاء أن يراك قتيلاً.
    فقال ابن الحنفية : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، فما معنى حملك هذه النسوة وأنت تخرج على مثل هذا الحال ؟
1 ـ كانت مقبرة عامة للنصارى قبل الفتح الاسلامي ، وتقع في أراضي ناحية الحسينية قرب نينوى. انظر : تراث كربلاء : 19.
2 ـ المهلوف : 126 ، مقتل الخوارزمي 1 : 186.
3 ـ كذا في الأصل ، وفي الملهوف : وحضور الأجل ، وفي بعض المصادر : وحبوط الأجر.
4 ـ أي الملائكة.
قال الواقدي وزرارة بن خَلج : لقيناالحسين بن علي عليه السلام قبل أن يخرج إلى العراق ، بثلاثة ، فأخبرناه بضعف الناس بالكوفة ، وأنّ قلوبهم معه وسيوفهم عليه ، فأومأ بيده نحو السماء ، ففتحت أبواب السماء ، فنزلت الملائكة عدداً لا يحصيهم الا الله عز وجل ، فقال عليه السلام : لولا تقارب الاشياء و ...
انظر الملهوف : 125 ـ 126.
5 ـ الملهوف : 131 ، مقتل الخوارزمي 1 : 185.
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: فهرس