المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: 136 ـ 150
(136)
شبيه ، ولقد بكت السماوات السبع لقتله ـ إلى أن قال : ـ
    يا بن شبيب ، انّ سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا ...
    وقال عليه السلام : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى الله له حوائج الدنيا والآخرة ، ومن كان يوم عاشوراء يوم مصيبته وحزنه وبكائه ، جعل الله عز وجل يوم القيامة يوم فرحه وسروره ، وقرّت بنا في الجنان عينه ...
    وعن الباقر عليه السلام قال : كان أبي يقول : أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين عليه السلام دمعة حتى تسيل على خدّه ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار ...
    وقال الصادق عليه السلام لفضيل بن يسار : أتجلسون وتتحدّثون ؟ قال : نعم ، جعلت فداك.
    قال عليه السلام : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا ، فرحم الله من أحيا أمرنا.
    يا فضيل ، من ذَكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ...
    وعن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين عليه السلام عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام في يوم قط فرؤى فيه مبتسماً إلى الليل.
    قال : وكان أبو عبد الله عليه السلام يقول : الحسين عبرة كل مؤمن ...
    وعن الصادق عليه السلام قال : قال الحسين عليه السلام : أنا قتيل العبرة ،


(137)
لا يذكرني مؤمن الا استعبر (1) ... جعلت فداك.
يا بن النبـيّ المصطفـى ووصيّه تبكيـك عينـي لا لأجـل مثوبة تبتـلّ منـكـم كربـلا بدم ولا أنست رزيّـتـكم رزايـانا التي ولقد يعزّ علـى رسـول الله أن ويرى حسينـاً وهـو قرّة عينه وجسومهم تحت السنابك بالعرى ويزيد يقرع ثغـره بقضيـبـه وأخا الزكي ابن البتول الزاكية لكنمـا عينـي لأجلـك باكية تبتلّ منّي بالدموع الجـاريـة سلفت وهوّنت الرزايـا الآتية تسبى نساءه إلى يزيد الطاغية ورجاله لم تبـق منهـم باقية ورؤوسهم فوق الرماح العالية مترنّماً منـه الشماتـة بادية (2)

1 ـ قال رحمه الله : إلى غير ذلك من صحاح الأخبار المتواترة بمعناها عن الائمّة الأبرار ، وناهيك بها حجّة على رجحان المآتم الحسينيّة ، واستحبابها شرعاً ، فإنّ أقوال أئمّة الثقلين وأفعالم وتقريرهم ، حجّة لوجوب عصمتهم بحكم العقل والنقل ، كما هو مقرّر في مظانه من كتب المتكلّمين من أصحابنا.
وكنّا فصّلنا القول فيه في كتابنا الكبير « سبيل المؤمنين » ، على انّ الاقتداء بهم لا يتوقّف ـ عند الخصم ـ على عصمتهم ، بل كيفينا فيه ما اتّفقت عليه الكلمة من إمامتهم في الفتوى ، وانّهم في أنفسم لا يقصرون عن الفقهاء الأربعة وأضرابهم كالثوري ، والأوزاعي علماً ولا عملاً.
وأنت تعلم انّ هذه المآتم لو ثبتت عن أبي حنيفة ، أو صاحبيه أبي يوسف والشيباني ، لاستبق الخصم إليها ، وعكف أيّام حياته عليها ، فلِمَ ينكرها علينا ، ويندّد بها بعد ثبوتها عن أئمّة أهل البيت يا منصفون ؟!
2 ـ وهي للشيخ عبد الحسين الأعسم ، وهو ابن الشيخ محمد علي بن الحسين بن محمد الأعسم الزبيدي النجفي ، وفد في حدود 1177 وتوفي سنة 1247 هـ بالطاعون العام في النجف ، كان فقيهاً عالماً محقّقاً أديباً وشاعراً. انظر أدب الطف للسيد المجاهد جواد شبر 6 : 289.


(138)
    لا ريب في جواز رثاء موتى المؤمنين ، لأصالة الإباحة ، وعدم الدليل على خلافها (1) وقد رثي آدم ولده هابيل ، واستمرت على ذلك ذرّيّته إلى يومنا هذا بلا
قد أوهنت جلـدي الديـار الخالية ومتى سألت الـدار عـن أربابها ومعالم أضحـت مآتـم لا تـرى كانت غياثـاً للمنوب فأصبحـت ورد الحسـين إلى العراق وظنهم قست القلـوب فلـم تمـل لهداية ما ذاق طعم فراتهـم حتى قضى لابن النبي المصطفـى ووصيه تبكيك عينـي لا لأجـل مثوبة تبتل منكم كـربـلا بـدم ولا أنست رزيتـكـم رزايانا التي وفجائـع الأيـام تبقـى مـدةً لهفي لركب صرّعوا في كربلا نصروا ابن نبيّـهم طوبى لهم من أهلهـا ما للـديـار وماليـة يعد الصـدى منهـا سؤالي ثانية فيها سـوى ناع يجـاوب ناعية فلجميع أنواع النـوائـب حاوية تركوا النفاق اذ العراق كما هية تباً لها تيـك القـلـوب القاسية عطشاً فغسّل بالـدمـاء القانية وأخي الزكي ابن البتول الزاكية لكنّما عينـي لأجلـك باكيـة تبتل مني بالـدمـوع الجارية سلفت وهونت الرزايـا الاتية وتزول وهي الى القيامة باقية كانت بها آجالهـم مـتـدانين نالوا بنصرته مـراتب سامية
1 ـ قال رحمه الله : لكن الذي يظهر من القسطلاني ـ في باب رثي النبي سعد بن خولي ص 318 من الجزء 30 من ارشاد الساري في شرح صحيح البخاري ـ انّ جماعة يفصلون القول في الرثاء فيحرّمون منه ما اشتمل على مدح الميّت وذكر محاسنه الباعث على تحريك الحزن وتهييج اللوعة ، ويبيحون منه ما عدا ذلك ، والحقّ إباحته مطلقاً الا إذا اشتمل على الباطل ، إذ لا دليل على الحرمة ، والنهي الذي يزعمون انّما يستفاد منه الكراهة في موارد اُخر ليست موضوع بحثنا ، على انّ النهي غير صحيح عندنا.


(139)
نكير.
    وأقرّ رسول الله صلى الله عليه وآله عليه اصحابه مع اكثارهم من تهيج الحـزن به ، وتفنّنهم في ذلك بذكر مدائح الموتى في أخلاقهم وأفعالهم (1).
    ولمّا توفّي رسول الله صلى الله عليه وآله تنافست فضلاء الصحابة في رثائه.
    فرثته بضعته الزهراء سيدة نساء العالمين عليها السلام بأبيات تهيج الأحزان ، ذكر القسطلاني منها هذين البيتين :
ماذا على من شمّ تربة أحمد صبّت عليَّ مصائب لو أنّها أن لا يشمّ مدى الزمان غواليا صبّت على الأيّام صرن لياليا

1 ـ قال رحمه الله : تلك مراثيهم في كتب الأخبار ، فراجع « الاستيعاب » ان أردت بعضها أحوال سيد الشهداء حمزة ، وعثمان بن مظعون ، وسعد بن معاذ ، وشمّاس بن عثمان بن الشريد ، والوليد بن الوليد بن المغيرة ، وأبي خرّاش الهذلي ، واياس بن بكير الليثي ، وعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل وغيرهم.
ولاحظ من « الاصابة » أحوال ذي الجناحين جعفر بن أبي طالب ، وأبي زيد الطائي ، وأبي سنان بن حريث المخزومي ، والأشهب بن رميلة الدارمي ، وزينب بنت العوّام ، وعبد الله بن عبد المدان الحارثي ، وجماعة آخرين لا يحضرني أسمائهم ، ودونك كتاب ( الدرّة في التعازي والمراثي ) وهو في أوّل الجزء الثاني من العقد الفريد تجد فيه مراثي الصحابة ومن بعده شيئاً كثيراً.
وإذا تتبّعت كتاب « اُسد الغابة » تجد الكثير من مراثي الصحابة ، وليس شيء ممّا أشرنا إليه الا وقد اشتمل على ما يهيج الحزن ، ويجدّد اللوعة بمدح الميّت بالحقّ ، وذكر محاسنه بالصدق.
أقول : وقد فصّلنا الكلام في كلّ ما ذكره المصنّف رحمه الله في مقدّمة الكتاب ، فيمكنك مراجعة ذلك للاطّلاع على تلك المراثي وغيرها.


(140)
    ورثته أيضا بأبيات تثير الأشجان ، ذكر ابن عبد ربّه منها هذين البيتين :
إنّا فقدناك فقـد الأرض وابلها فليت قبلك كان الموت صادفنا وغاب مذ غبت عنّا الوحي والكتب لمـا نعيت وحالـت دونـك الكتب
    ورثاه كلّ من عمّته صفيّة ، وابن عمّه أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب ، وأبي ذؤيب الهذلي ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وامّ رعلة القشيرية ، وعامر بن الطفيل وغيرهم.
    ومن استوعب الاستيعاب ، وتتبّع طبقات ابن سعد واُسد الغابة والاصابة يجد من مراثي الصحابة شيئاً كثيراً. (1)
    وقد أكثرت الخنساء ـ وهي صحابية ذات شأن ـ من رثاء أخويها صخر ومعاوية ـ وهما كافران ـ وابدعت في مدائح صخر ، وأهاجت عليه لواعج الأحزان ، على انّها كانت من الصالحات ، وقد بذلت أولادها الأربعة في نشر الدعوة الإسلامية ، وسرّها قتلهم في هذا السبيل ، وما برحت ترثي أخويها حتى ماتت ، فما أنكر عليها في ذلك أحد.
    وأكثر أيضاً متمّم بن نويرة من تهيج الحزن على أخيه مالك في مراثيه السائرة حتى وقف مرّة في المسجد وهو غاص بالصحابة ، واتكأ على سيّة قوسه أمام أبي بكر بعد صلاة الصبح فأنشد :
نعم القتيل إذ الرياح تناوحت خلف البيوت قتلت يا بن الأزور
    ثم أومأ إلى أبي بكر فقال مخاطباً له :
أدعوته بالله ثم غدرته هو لو دعاك بذمة لم يغدر

1 ـ وللاطّلاع أكثر على هذه المراثي ، انظر : المقدّمة الزاهرة لهذا الكتاب.

(141)
    فقال أبو بكر : والله ما دعوته ، ولا غدرته ، ثمّ قال متمّم :
لنعم حشو الدرع كان وحاسراً لا يمسك الفحشاء تحت ثيابه ولنعم مأوى الطارق المتنوّر حلـو شمائله عفيف المأزر
    وبكي حتى انحط عن سية قوسه.
    قالوا : فما زال يبكي حتى دمعت عينه العوراء ، فما أنكر عليه في بكائه ، ولا في رثائه منكر ، مع ما في بكائه ورثائه من المغازي السياسية ، بل قال له عمر : لوددت انّك رثيت زيداً أخي بمثل ما رثيت به مالكاً أخاك ، فرثي متمّم بعدها زيداً فما أجاد.
    فعاتبه عمر بقوله : لِمَ لَم ترث أخي كما رثيت اخاك ؟
    فقال : إنّه والله ليحرّكني لأخي ما لا يحرّكني لأخيك.
    واستحسن الصحابة والتابعين ومن بعدهم مراثيه في مالك ، فكانوا يتمثّلون بها إذا اقتضى الأمر ذلك ، كما فعلته عائشة إذ وقفت على قبر أخيها عبد الرحمن فبكت عليه وتمثّلت بقول متمّم :
وكنا كندماني جذيمة حقبة فلمّـا تفرّقنا كأنّي ومالكاً من الدهر حتى قيل لن يتصدعا لطـول اجتماع لم نبت ليلة معا
    وما زال الرثاء فاشياً بين المسلمين في كل عصر ومصر لا يتناكرونه.
    وحسبنا دليلاً على استحبابه في مآتمنا ما رواه أصحابنا عن زيد الشحّام قال : كنّا عند أبي عبد الله الصادق عليه السلام نحن وجماعة من الكوفيين ، فدخل جعفر بن عفّان فقرّبه الإمام وأدناه ، ثم قال : يا جعفر بلغني انّك تقول الشعر في الحسين وتجيد.


(142)
    قال : نعم جعلت فداك.
    قال : قل ، فأنشدته :
ليبك علـى الإسـلام من كان باكياً غــداة حسيـن للرمـاح دريئـة وغـودر في الصحراء شلواً مبدداً فمـا نصرته اُمّة السـوء إذ دعا وما حفظت قرب النبي ولا رعت أذاقتـه حـرّ القـتـل امّة جـدّه فلا قدّس الرحـمـن امـّة جـده كما فجعت بنت الرسـول بنسلها فقد ضيعت أحكـامـه واستـحلّت وقد نهلت منـه السيـوف وعلـّت عليه عتاق الطيـر بـاتـت وظلّت لقد طاشت الأحلام منهـم وظـلّت وزلّت بهـا أقـدامهـا واسـتزلّت فتبـّت أكـف الظالميـن وشلّـت وإن هي صـامت للإله وصـلـّت وكانوا كماة (1) الحرب حين استقلّت
    فبكي الصادق عليه السلام ومن حوله حتى صارت الدموع على وجهه ولحيته ثمّ قال : يا جعفر والله لقد شهدك الملائكة المقرّبون ، وأنّهم لهاهنا يسمعون قولك في الحسين ، ولقد بكوا كما بكينا وأكثر ، وقد أوجب الله تعالى لك يا جعفر في ساعتك الجنّة وغفر لك.
    ثم قال عليه السلام : ألا ازيدك ؟
    قال : نعم يا سيّدي.
    قال عليه السلام : ما من أحد قال في الحسين شعراً ، فبكى وأبكى الا أوجب الله له الجنّة وغفر له.
    وقد نسج جعفر بن عفّان في هذا الرثاء على روي سليمان بن قتّة
1 ـ كذا في الأصل ، وفي المصدر : حماة.

(143)
العدوي (1) ، إذ مرّ بكربلاء لثلاث بعد قتل الحسين وأصحابه ، فنظر إلى مصارعهم ومضاربهم ، فأنشأ يقول ويبكي :
مررت علـى أبـيـات آل محمـد فلا يـبعد الله الـديـار وأهـلـها وانّ قتيـل الطـفّ مـن آل هاشم وكانوا غيـاثاً ثم أضحـوا رزيـة ألم تر أن الشمس أضحت مريضة وقد أعولـت تبكـي السماء لفقده فلم أرهـا أمثـالها (2) حين حلّت وإن أصبحت منهم برغمي تخلّت أذلّ رقاب المسلمـيـن فـذلـّت ألا عظمت تلك الرزايـا وجـلّت لقتـل حسيـن والبـلاد اقشعرّت وأنجمها ناحت علـيـه وصلّت (3)

1 ـ في القاموس : قتّة : كضبّة ، اسم ( امُ سليمان ) بن حبيب المحاربي ( التابعي ) المشهور يعرف بابن قتّة ، وهو القائل في رثاء الحسين عليه السلام :
وانّ قتيل الطف من آل هاشم أذلّ رقاب المسلمين فذلّت
وهو مولى بني تيم بن مرّة ، توفّي بدمشق سنة 126 هـ ، وينبغي أن يكون أوّل من رثى الحسين عليه السلام ، لأنّه مرّ بكربلاء بعد قتل الحسين عليه السلام بثلاث ليال ، فنظر إلى مضاربهم ، واتّكأ على قوس له عربية وأنشأ يقول : مررت ...
    وقيل : إن هذه المرثيّة لأبي الرميح ( الزميج ) الخزاعي.
    انظر : سير أعلام النبلاء 4 : 596 ( وذكر انّ قتّة اسم امّه ) ، الجرح والتعديل 4 : 136 ، المعجم الأوسط 2 : 457 ، طبقات القرّاء 1 : 314 ، تهذيب الكمال 6 : 477.
2 ـ في بعض المصادر : كعهدها ، وقد صحّفت في مصادر اخرى ، فقد وردت في تهذيب الكمال وأنساب الأشراف : « فألفيتها أمثالها ... » وهذا التصحيف متعمّد من أشياع آل أبي سفيان لعنهم الله.
3 ـ قال رحمه الله : أنشد هذه الأبيات أبو تمام في الحماسة ، والمبرد في الكامل لسليمان بن قتّة ، ونسبها ابن الأثير في آخر وقعة الطف من كامله الى التيمي تيم مرّة قال : وكان منقطعاً إلى بني هاشم ، والظاهر أنّه أراد سليمان بن قتّة لأنّه تيمي بالولاء.
وقال الخطيب التبريزي في شرح الحماسة : رواها البرقي لأبي زميج الخزاعي ، وأوردها ابن عبد البر في ترجمة الحسين من الاستيعاب ، فنسبها إلى سليمان بن قتّة


(144)
    ورحم الله الحسين بن الضحاك (1) إذ نسج على هذا الروي والقافية ، فقال :
وممّا شجا قلبي وأسبل (2) عبرتي ومهتـوكة بالطفّ عنها سجوفها إذا حفزتـها وزعـة من منازع وربّات خـدرٍ مـن ذؤابة هاشم أردّ يداً منّـي إذا مـا ذكـرتها فلا بات ليل الشامتين بغيـظه (3) محارم من آل النـبـي استحلـّت كعاب كقـرن الشمـس لما تبدّت لها المرط عادت بالخضوع ورنّت هتفن بدعـوى خيـر حيٍّ وميّت على كبد حـرّى وقلـب مفتّـت ولا بلغت آمالهـا مـا تمـنـّت (4)
    ولله درّ عواطف الامام محمد بن إدريس الشافعي (5) حيث يقول من أبيات له في رثاء الحسين عليه السلام : (6)
تزلزلـت الدنيـا لآل محمـد فمن مبلغ عنّي الحسين رسالة قتيل بلا جـرم كأن قميصه وكادت لهم صمّ الجبال تذوب وان كرهتها أنفـس وقلـوب صبيغ بماء الأرجوان خضيب (7)

الخزاعي ، وقيل : انّها لأبي الزميج الخزاعي.
1 ـ هو أبو علي الحسين بن الضحاك بن ياسر الباهلي المعروف بالخليع أو الخالع ، ولد سنة 162 ومات سنة 250 فيكون عمره 88 سنة ؛ وقيل : بل عمّر أكثر من مائة سنة ، وكانت ولادته بالبصرة. انظر : أدب الطف 1 : 310.
2 ـ في أدب الطف : وأوكف.
3 ـ في أدب الطف : بغبطة.
4 ـ الدرّ النضيد : 126.
5 ـ هو محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع ، ولد سنة 150 هـ وتوفي سنة 204 بمصر ، وهو أحد أئمة المذاهب الأربعة السنّية.
6 ـ انظر : ينابيع المودّة 2 ك 356 ، بحار الانوار 45 : 274 ، فرائد السمطين 2 : 266.
7 ـ قال رحمه الله : هذا الرثاء نقله عن الإمام الشافعي جمال الدين الحافظ الزرندي المدني كما في كتاب معارج الأصول ، ونقله الفاضل البلخي في ينابيعه.


(145)
    وروى الصدوق في أماليه وفي ثواب الأعمال ؛ وابن قولويه في كامله بالإسناد إلى أبي عمارة قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام فقال : أنشد في الحسين ، فأنشدته فبكى ، ثمّ أنشدته فبكى ، قال : فوالله ما زلت أنشده وهو يبكي حتى سمعت البكاء من الدار.
    فقال : يا أبا عمارة من أنشد في الحسين فأبكى فله الجنّة ، ومن أنشد في الحسين فتباكى فله الجنّة ...
    وروى الصدوق في ثواب الأعمال ، وابن قولويه في كامله بالإسناد إلى أبي هارون المكفوف قال : دخلت على أبي عبد الله الصادق عليه السلام ، فقال : يا
أقول : وأورد هذه الأبيات ابن شهراشوب في مناقب آل أبي طالب :
تأوّب غمـّي والـفـؤاد كئـيـب وممّا نفي نـومـي وشيّـب لمّتي فمن مبلّغ عـنّي الحسـيـن رسالة قتيـل بـلا جـرم كـأنّ قميصه وللسيـف أعـوال وللـرمح رنّة تـزلـزلـت الـدنيا لآل محمـّد وغارت نجوم واقشعرت كـواكب يصلّى على المبعوث من آل هاشم لئن كـان ذنبـي حـبّ آل محمد هم شفعـائي يوم حشري وموقفي وأرّق نومـي فالـرقاد غريب تصاريف ايّام لهـنّ خطـوب وإن كرهتها أنفـس وقلـوب صبيغ بماء الأرجوان خضيب وللخيل من بعد الصهيل نحيب وكادت لهم صمّ الجبال تذوب وهتك أستـار وشـقّ جيوب ويغزى بنوه إنّ ذا لعجـيـب فذلك ذنـب لسـت عنه أتوب إذا ما بدت للناظـرين خطوب
وقال الشيخ سليمان الحنفي القندوزي في ينابيع المودّة : قال الحافظ جمال الدين المدني في كتابه ( معراج الاصول ) انّ الامام الشافعي أنشد :
تأوّه قلبـي والفـؤاد كئيـب فمن مبلّغ عني الحسين رسالة ذبيح ، بلا جرم كأنّ قميصه وأرّق نومي فالسهاد عجيـب وإن كرهتها أنفس وقـلـوب صيبغ بماء الارجوان خضيب
الأبيات...


(146)
أبا هارون ، انشدني في الحسين ، فأنشدته ـ فلم يعجبه الانشاد لخلوّه من الرقّة المشجية وكأنّه تركها حياء من الإمام عليه السلام ـ.
    فقال : لا ، ـ يعني لا تنشد بهذه الطريقة ـ ، بل كما تنشدون ، وكما ترثيه عند قبره.
    قال : فأنشدته (1) حينئذ :
أمرر على جدث الحسين يا أعظمـاً لا زلـت من وإذا مـررت بقـبـره وابك المطهّر للمطـهّـ كبكـاء معـولة أتـت فقل لاعظمـه الزكيّة وطفاء ساكـبة رويّة (2) فأطل به وقف المطيّة ر والمطهـّرة التقيـّة يوماً لواحـدها المنيّة
    قال : فبكى ، ثم قال : زدني ، فأنشدته القصيدة الاخرى :
يا مريم قومي واندبي مولاك وعلى الحسين اسعدي ببكاك
    قال : فبكى الصادق وتهايج النساء من خلف الستر ، فلمّا أن سكتن قال : يا أبا هارون ، مَن أنشد في الحسين فبكى وأبكى عشرة كتبت لهم الجنّة ـ إلى أن قال : ـ ومن ذُكر الحسين عنده فخرج من عينه مقدار جناح ذبابة كان ثوابه على الله ولم يرض له بدون الجنّة.
    ودخل عبد الله بن غالب على الإمام الصادق عليه السلام فأنشده مرثيّته في الحسين عليه السلام ، فلمّا انتهى إلى قوله : لبلية ... البيت ، صاحت باكية من وراء
1 ـ قال رحمه الله : أنشد أبو هارون هذه الأبيات وهي للسيد إسماعيل الحميري.
2 ـ وطفاء ـ كحمراء ـ : منهمرة ، من قولهم : وطف المطر : انهمر ؛ ويقال : سحابة وطفآء ، أي : مسترخية لكثرة مائها.


(147)
الستر : يا أبتاه. (1)
    وللإمام الثامن الضامن عليه السلام مع دعبل الخزاعي قضية مشهورة (2) ؛
1 ـ انظر : كامل الزيارات : 105 ح 3.
2 ـ قال رحمه الله : أشار إليها الفاضل العباسي في أحوال دعبل من معاهد التنصيص في شرح شواهد التلخيص في اوّل ص 373 ، وذكرها الصدوق في عيون أخبار الرضا ، والعلامة الأربلي في كشف الغمّة ، والمجلسي في بحار الأنوار ، وأبو الفرج الأصفهاني في أغانيه ، وغير واحد من المحدّثين والمؤرخين. أقول : وقد ذكرنا القصّة مفصّلة في الهامش أثناء تعليقناعلى ذكرها في المقدّمة الزاهرة.
أما أبيات القصيدة التي أنشدها دعبل فمنها :
مدارس آيات خلـت مـن تـلاوة لآل رسول الله من خيف من منى ديـار علـي والحسيـن وجعفـر منازل كانت للصـلاة وللتـقـى إذا لـم ننـاج الله فـي صلواتنـا فيا ربّ زدنـي في هواي بصيرة سأبكيـهـم ما حـجّ لله راكـب سقـى الله قبـراً بالمـدينة غيثه قبور ببطن النهر من جنب كربلا توفّوا عطـاشا بالفـرات فليتني الى الله أشكـو لوعةً عند ذكرهم أفاطم لو خلـت الحسيـن مجدّلاً اذاً للطـمت الخـدّ فاطم عنـده أفاطم قومي يا ابنة الخير واندبي ديار رسـول الله أصبحن بلقعاً وآل زياد في القصور مصونة ومنزل وحـي مقفـر العرصات وبالبيت والتعريـف والجمـرات وحمـزة والسجـاد ذي الثفنـات وللصوم والتطهيـر والحسنـات بأسمـائهـم لم يقبـل الصلوات وزد حبهم يا ربّ فـي حسنـاتي وما ناخ قمريّ علـى الشجـرات فقد حـلّ فيـه الأمـن والبركات معـرسهـم منها بشـط فـرات توفّيـت فيهـم قبـل حين وفاتي سقتني بكأس الثكل والفـظـعات وقد مات عطشـانـاً بشطّ فرات وأجريت دمع العين في الوجنات نجوم سمـاوات بـأرض فلاة وآل زيـاد تسكـن الحجـرات وآل رسـول الله فـي الفلـوات

(148)
وذلك لما وفد عليه بعبقريته التائية تلك القصيدة التاريخية الرنّانة ، التي تجاذبت بها أندية الأدب ، وانتشرت في أقطار العرب ، وقامت بتلاوتها في دار الرضا قيامة الأحزان ، وقرعت ساحته الشريفة بنوح دعبل بها الأشجان ، فبكى الإمام أحرّ بكاء ، وعلا من وراء الستر صراخ النساء ، وكان لأطفاله رنين ومأق ورغاء (1) حتى استولي عليه الاغماء ، واشترك في البكاء معه جنّة الأرض وملائكة السماء.
    وقد علم الناس أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد أمر بشراً (2) برثاء سيد الشهداء حيث قال :
    يا بشر ، رحم الله أباك لقد كان شاعراً ، فهل تقدر على شيء منه ؟
    قال : نعم يا بن رسول الله.
    قال عليه السلام : ادخل المدينة وأنع أبا عبد الله.
    قال بشر بن حذلم : فركبت فرسي ، وركضت حتى دخلت المدينة ، فلمّا بلغت مسجد النبي صلى الله عليه وآله رفعت صوتي بالبكاء ، وأنشأت :
يا أهل يثرب لا مقام لكم بها الجسم منه بكربلاء مضرّجُ قُتل الحسين فأدمعي مدرارُ والرأس منه على القناء يدار (3)

1 ـ قال رحمه الله : المأق : ما يأخذ الصبي بعد البكاء من الشهيق الشبيه بالفواق ، ورغاء الصبي : هو أشد ما يكون من بكائه.
2 ـ وهو بشر بن حذلم ؛ وقيل أيضاً : ان اسمه بشير بن جذلم ، وهو من أصحاب الإمام السجاد عليه السلام ، رافق عيال الإمام الحسين عليه السلام عند عودتهم من الشام إلى المدينة.
انظر : الملهوف : 226.
3 ـ حياة الإمام الحسين 2 : 423 ، الملهوف : 227.


(149)
    لا ريب في رجحان تلاوة الأحاديث المشتملة على مناقب الموتى من المؤمنين ومصائبهم ، إذ تكون كذكرى لحياتهم ، تنتفع الامّة بها على قدر مكانتهم في محامد الصفات ، ومكارم الأخلاق ، ومحاسن الأفعال.
    وانّ امّته تهتم بتاريخ عظمائها الممتازين في دينهم ودنياهم ، لتعد حافظة مجدها ، ناصحة لمن بعدها ، وقد جرت سيرة الخلف والسلف على ذكر مناقب الموتى ومصائبهم ، كتابة وخطابة ، نظماً ونثراً. والعقل والنقل يحكمان بحسن ذلك ، وقواعد المدنية تقتضيه ، واصول الترقّي في المعارف والفضائل توجبه ، إذ به تحفظ الآثار النافعة ، وتخلّد الأرواح الشريفة ، وبالتنافس فيه تعرج أبطال المنابر إلى أوج البلاغة ، وتستوي رجال المحابر ببراعتها على عرش البراعة.
    وما أحوج الامّة إلى ذكرى ما أصاب سلفها من النوائب أيّام بؤسهم ، وما اكتسبوه من المآثر والمناقب أيّام عزّهم « إنّ في ذلك لذكرى لأولي الألباب » (1).
    وهذا كتاب الله عز وجل وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله يمثّلان مناقب الأنبياء ومصائبهم بأجلى مظاهر التمثيل ، ويصوّران مثالب أعداء الله وأعداء أنبيائه بأوضح التصوير ، ولولا الكتاب والسنّة ، ما عرفنا فضائل أنبياء الله ، ولا رذائل أعدائه ، وأنّى لنا ـ لولا الكتاب والسنّة ـ بالوقوف على نصح الأنبياء لله تعالى ولعباده ، والصبر على الأذى الذي نالهم في سبيل الحق من النماردة
1 ـ سورة الزمر : 21.

(150)
والفراعنة والعمالقة ، وأصحاب الرسّ والأخدود وغيرهم.
    فالقول بتحريم تلاوة مناقب أهل المناقب من الموتى ومصائبهم يستلزم تحريم تلاوة الكتاب والسنّة ، وقراءة التاريخ وعلم الرجال ، ومن يرضى لنفسه هذا الحمق ! ويختار لبصيرته هذا العمي ! نعوذ بالله من سفه الجاهلين.
    وقف أمير المؤمنين عليه السلام على قبر خباب بن الأرت في ظهر الكوفة ، وهو أوّل من دفن هناك فقال عليه السلام ـ في تأبينه ـ :
    رحم الله خباباً ، لقد أسلم راغباً ، وهاجر طائعاً ، وعاش مجاهداً ، وابتلي في جسمه أحوالاً ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملاً.
    ووقف الإمام زين العابدين على قبر جدّه أمير المؤمنين عليهما السلام فقال :
    أشهد انّك جاهدت في الله حقّ جهاده ، وعملت بكتابه ، واتّبعت سنن نبيّه صلى الله عليه وآله ، حتى دعاك الله إلى جواره ، فقبضك إليه باختياره ، لك كريم ثوابه ، وألزم أعداءك الحجّة في ظلمهم ايّاك مع ما لك من الحجج البالغة.
    ووقف الإمام الصادق عليه السلام على قبر جدّه الإمام الحسين عليه السلام فقال :
    أشهد أنّك قد أقمت الصلاة ، وآتيت الزكاة ، وأمرت بالمعروف ، ونهيت عن المنكر ، وأطعت الله ورسوله ، وعبدته مخلصاً ، وجاهدت في سبيله صابراً محتسباً حتى أتاك اليقين ، فلعن الله امّة قتلتك ، ولعن الله امّة ظلمتك ، ولعن الله امّة سمعت بذلك فرضيت به. (1)
1 ـ العقد الفريد 2 : 147.
المجالس الفاخرة في مآتم العترة الطاهرة ::: فهرس