بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 41 ـ 50
(41)
5 ـ الشيخ الإمام صدر الدين المرحل ( ت حوالي 750 هـ )
    عرّفه السبكي بقوله : « كان إماماً كبيراً ، بارعاً في المذهب والأصلين ، يضرب المثل باسمه ، فارساً في البحث ، نظاراً مفرط الذكاء ، عجيب الحافظة ـ إلى أن قال ـ : وله مع ابن تيمية ، المناظرات الحسنة ، وبها حصل عليه التعصّب من أتباع ابن تيمية ، قيل فيه ما هو بعيد عنه ، وكثر القائل فارتاب العاقل ، وكان الوالد يعظّم الشيخ صدر الدين ويحبّه ، ويثني عليه بالعلم وحسن العقيدة ومعرفة الكلام على مذهب الأشعري (1).

6 ـ الحافظ علي بن عبدالكافي السبكي ( ت 756 هـ )
    ترجمهُ ولده في طبقات الشافعية ، وهو أحد من ردّ على ابن تيمية ، وألّف فيه كتاباً أسماه « شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه الصلاة والسلام » وربما سمي « شنّ الغارة على من أنكر السفر للزيارة » (2) وهو يعرّف والده ويقول : « إمام ناضح عن رسول اللّه بنضاله ، وجاهد بجداله ، حمى جناب النبوة الشريف ، بقيامه في نصره ، وتسديد سهامه للذب عنه من كنانة مصره ... إلى أن قال : قام حين خلط على ابن تيمية الأمر ، وسول له قرينه الخوض في ضحضاح ذلك الجمر ، حين سد باب الوسيلة وأنكر شدّ الرجال لمجرّد الزيارة ، وما برح يدلج ويسير حتى نصر صاحب ذلك الحمى الّذي لا ينتهك ، وقد كادت تذود عنه قسراً صدور الركائب. وتجر قهراً أعنة القلوب بتلك الشبهة الّتي كادت شرارتها تعلق بحداد الأوهام ... كيف يزار المسجد ويخفى صاحبه ، أو يخفيه الإبهام؟ ولولاه ـ عليه السلام ـ لما عرف تفضيل ذلك المسجد ، ولولاه لما قدّس الوالي ، ولا أسس على التقوى مسجد في ذلك النادي
1 ـ طبقات الشافعية الكبرى ج 9 ص 253.
2 ـ طبقات الشافعية ج 10 ص 308.


(42)
شكر اللّه له ، قام في لزوم ما انعقد عليه الإجماع » (1).
    وكان لهذا الكتاب دوي في ذاك العصر ، حيث جابه السبكي ضوضاء الباطل بكتابه الهادي ، وصار مدار الدراسة والقراءة ، وهذا هو الشيخ صلاح الدين الصفدي قرأ الكتاب على المؤلف ، يقول السبكي ( ولد المؤلف ) : قرأ علي الشيخ الإمام ( المراد تقي الدين السبكي ) ـ رحمه الله ـ جميع كتاب « شفاء السقام في زيارة خير الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام » (2).
    وقال أيضاً في خطبة كتابه « الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية » ما هذا لفظه : « أمّا بعد فإنّه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد ، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد ، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة ، مظهراً أنّه داع إلى الحق ، هاد إلى الجنة ، فخرج عن الإتباع إلى الإبتداع ، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع ، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدسة ، وإنّ الإفتقار إلى الجزء ليس بمحال ، وقال بحلول الحوادث بذات اللّه تعالى ، وإنّ القرآن محدث تكلم اللّه به بعد أن لم يكن ، وإنّه يتكلم ويسكت ، ويحدث في ذاته الإرادات بحسب المخلوقات ، وتعدّى في ذلك إلى استلزام قدم العالم ، والتزم بالقول بأنّه لا أوّل للمخلوقات فقال بحوادث لا أوّل لها ، فأثبت الصفة القديمة حادثة ، والمخلوق الحادث قديماً ، ولم يجمع أحد هذين القولين في ملة من الملل ، ولا نحلة من النحل ، فلم يدخل في فرقة من الفرق الثلاث والسبعين الّتي افترقت عليها الأُمّة ، ولا وقفت به مع أُمّة من الأُمم همة. وكل ذلك و إن كان كفراً شنيعاً ، لكنّه تقل حملته بالنسبة إلى ما أحدث في الفروع.
    ثم إنّ السبكي لما وقف على كتاب « منهاج السنة » في الرد على « منهاج الكرامة » للعلامة الحلي ، أنشأ قصيدة ، ومما جاء فيها ناقداً لابن تيمية قوله :
1 ـ طبقات الشافعية ج 10 ص 149 ـ 150 وللكلام صلة.
2 ـ المصدر نفسه ، ص 5.


(43)
ولابن تيمية رد عليه وفي لكنّه خلط الحق المبين بما يرى حوادث لا مبدا لأولها لو كان حياً يرى قولي ويفهمه كما رددت عليه بالطلاق وفي بمقصد الرد واستيفاء أضربه يشوبه كدراً في صفو مشربه في اللّه سبحانه عما يظن به رددت ما قال أقفو اثر سبسبه ترك الزيارة ردّاً غير مشتبه (1)
    إنّ الشيخ الذهبي من الحنابلة الذين يتعصّبون للمذهب الحنبلي ، ومع ذلك نرى أنّه يصف تقي الدين السبكي الّذي ولي مشيخة دار الحديث وخطابة الجامع الأموي بدمشق بقوله :
لِيَهْنَ المنبرُ الأموىُّ لما شيوخ العصر أحفظهم جميعاً علاه الحاكمُ البحر التقىُّ وأخطبهم « وأقضاهم علىُّ »
    فإذا كان هذا مقام السبكي عند الذهبي ، فليكن حجة على الحنابلة ممن يبغض السبكي لنقده نظرية ابن تيمية في الزيارة وغيرها (2).

7 ـ محمد بن شاكر الكتبي ( ت 764 هـ )
    قال في « فوات الوفيات » في ترجمته : « إنّه ألّف رسالة في فضل معاوية ، وفي أنّ ابنه يزيد لا يسب » (3).
    هذه الرسالة تعرب عن نزعته الأموية ، ويكفي القول في الوالد والوالد : « ووالد وما ولد » أنّه بدّل الحكومة الإسلامية إلى الملكية الوراثية ، ودعا عباد اللّه إلى ابنه يزيد ، المتكبّر ، الخميّر ، صاحب الديوك والفهود والقرود ، وأخذ البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهديد والرهبة ، وهو يطلع على خبثه ورهقه ، ويعاين سكره وفجوره ، ولما استتبٌ الأمر ليزيد ، أوقع بأهل الحرة الوقيعة الّتي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش ، وظن أنّه قد انتقم من أولياء اللّه فقال مجاهراً بكفره :
1 ـ المصدر نفسه ج 10 ص 186 وتوفي السبكي تقي الدين والد تاج الدين عام ( 756 هـ ) وتوفي الولد عام ( 771 هـ ) .
2 ـ فرقان القرآن ص 129.
3 ـ فوات الوفيات ج 1 ص 77.


(44)
لعبت هاشم بالملك فلا خبر جاء ولا وحي نزل
    وهذا هو المروق من الدين ، وقول من لا يرجع إلى اللّه ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله ، ثم من أغلظ ما انتهك وأعظم مااخترم سفكه دم الحسين بن علىّ ، بن فاطمة بنت رسول اللّه ، مع موقعه من رسول اللّه ومكانه منه ، ومنزلته من الدين والفضل ، وشهادة رسول اللّه له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنة ، اجتراءً على اللّه ، وكفراً بدينه ، وعداوة لرسوله ، ومجاهدة لعترته ، واستهانة بحرمته ، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته ، قوماً من الكفار (1).

8 ـ أبو محمد المعروف باليافعي ( ت 768 هـ )
    قال في كتابه « مرآة الجنان » في ترجمة ابن تيمية : « مات بقلعة دمشق الشيخ الحافظ الكبير تقي الدين أحمد بن تيمية معتقلا ، ومنع قبل وفاته بخمسة أشهر عن الدواة والورق ، وسمع من جماعة وله مسائل غريبة ـ أنكر عليها وحبس بسببها ـ مباينة لمذهب أهل السنة ، ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ وطعنه مشايخ الصوفية ، وكذلك ما قد عرف من مذهبه كمسألة الطلاق وغيرها ، وكذلك عقيدته في الجهة ، وما نقل فيها من الأقوال الباطلة ، وغير ذلك ما هو معروف من مذهبه ، ولقد رأيت مناماً في وقت مبارك يتعلّق بعضه بعقيدته ، ويدل على خطئه فيها ، وقد قدمت ذكره في حوادث سنة 558 هـ في ترجمة صاحب « البيان ».
    وقال : كان ابن تيمية يقول : قوله : « إنّ اللّه على العرش استوى » ، استواء حقيقة ، وإنّه يتكلّم بحرف وصوت ، وقد نودي في دمشق وغيرها : من كان على عقيدة ابن تيمية حل ماله ودمه! (2) وقال في حوادث سنة 728 هـ : وله
1 ـ مأخوذ من كتاب ( المعتضد ) الّذي تلي على رؤوس الأشهاد في أيامه. نقله الطبري في تاريخه ج 11 ص 77.
2 ـ مرآة الجنان ج 4 ص 277 ، في حوادث سنة 728 هـ وص 240.


(45)
مسائل غريبة أنكر عليها وحبس بسببها مباينة لمذهب ( أهل السنة ) ثم ( عدّ له ) قبائح ، قال : ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) .

9 ـ أبوبكر الحصني الدمشقي ( ت 829 هـ )
    يقول : « فاعلم أنّي نظرت في كلام هذا الخبيث الّذي في قلبه مرض الزيغ ، المتتبّع ما تشابه من الكتاب والسنّة ابتغاء الفتنة ، وتبعه على ذلك خلق من العوام وغيرهم ممن أراد اللّه عزّوجلّ إهلاكه ، فوجدت فيه ما لا أقدر على النطق به ، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره ، لما فيه من تكذيب ربّ العالمين ، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين ، وكذا الازدراء بأصفيائه ، المنتخبين وخلفائهم الراشدين ، واتباعهم الموفقين ، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الأئمّة المتّقون ، وما اتّفقوا عليه من تبعيده وإخراجه ببغضه من الدين (1).

10 ـ شيخ الإسلام ، شهاب الدين ، أحمد بن حجر ، العسقلاني ( ت 852 هـ )
    ترجمه ابن حجر في كتابه « الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة » وذكر حياته على وجه التفصيل وقال : « وأول ما أنكروا عليه من مقالاته في شهر ربيع الأول سنة 698 هـ قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية ، وبحثوا معه ، ومنع من الكلام » ثم ذكر معتقلاته وسجونه إلى أن أدركته المنيّة بما لا حاجة إلى ذكره ، ونقتبس مما ذكره الجمل التالية :
    أ ـ يقول : « حكم المالكي بحبسه فأُقيم من المجلس وحبس في برج ، ثم بلغ المالكي أنّ الناس يترددون عليه ، فقال : يجب التضييق عليه إن لم يقتل ، وإلاّ فقد ثبت كفره ، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجب ، وعاد القاضي الشافعي إلى ولايته ، ونودي بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حل دمه وماله ، خصوصاً الحنابلة ، وقرأ المرسوم وقرأها ابن الشهاب محمود في الجامع ، ثم جمعوا الحنابلة من
1 ـ دفع شبهة من شبّه وتمرّد ، ص 216 ، طبع بمصر عام 1350 هـ.

(46)
الصالحية وغيرها وأشهدوا على أنفسهم أنّهم على معتقد الإمام الشافعي ».
    ب ـ نقل عن جمال الدين السرمري أنّه قال : وكان ابن تيمية يتكلم على المنبر على طريقة المفسرين مع الفقه والحديث ، فيورد في ساعة من الكتاب والسنة واللغة والنظر ما لا يقدر أحد على أن يورده في عدة مجالس : « ... ومن ثم نصب أصحابه إلى الغلوّ فيه ، واقتضى ذلك العجب بنفسه حتّى زها على أبناء جنسه ، واستشعر أنّه مجتهد يرد على صغير العلماء وكبيرهم ، قديمهم وحديثهم ، حتى انتهى إلى عمر فخطأه في شيء ، وقال في حق علي : أخطأ في سبعة عشر شيئاً ، ثم خالف فيها ، وكان لتعصبه لمذهب الحنابلة يقع في الأشاعرة ، حتّى أنّه سب الغزالي ، .. فعظم ذلك على الشيخ نصر المنبجي ، وأعانه عليه قوم آخرون ضبطوا عليه كلمات في العقائد المثيرة وقعت منه في مواعيده وفتاواه ، فذكروا أنّه ذكر حديث النزول ، فنزل عن المنبر درجتين فقال : كنزولي هذا (1) ، فنسب إلى التجسيم ، وردّه على من توسّل بالنبي ، فأشخص من دمشق في رمضان سنة ( 705 هـ ) .
    ثم يقول : إنّه اختلف الناس بعد إخراجه عن بعض معتقلاته ، فمنهم من نسبه إلى التجسيم ، لما ذكر في العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك ، كقوله إنّ اليد والقدم والساق والوجه صفات حقيقية للّه ، وإنّه مستو على العرش بذاته ، فقيل له يلزم من ذلك التحيّز والإنقسام ، ومنهم من أنكر كون التحيّز والانقسام من خواص الأجسام (2).
    ومنهم من ينسبه إلى الزندقة ، لقوله : إنّ النبي لا يستغاث به ، وإنّ في ذلك تنقيصاً ومنعاً من تعظيم النبي ، ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله في علىّ
1 ـ سيوافيك نص ابن بطوطة السياح المعروف في ذلك ، وأنه سمعه بأذنه ورآه بعينه ، فانتظر.
2 ـ اقرأ واضحك على عقلية القائل.


(47)
ماتقدم ، ولقوله إنّه كان مخذولا حيثما توجّه ، وإنّه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها ، إنّما قاتل للرئاسة لا للديانة ، ولقوله إنّه كان يحب الرئاسة ، وإنّ عثمان كان يحبّ المال ، ولقوله أبوبكر أسلم شيخاً يدري ما يقول ، وعلىّ أسلم صبياً والصبي لا يصحّ إسلامه على قول (1).

11 ـ جمال الدين يوسف بن تغري الأتابكي ( 812 ـ 874 هـ )
    وقد ترجمه جمال الدين في كتابه : « المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي » ومما جاء فيه : قال القاضي كمال الدين الزملكاني : « ثم جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث ، وشدّ الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين ، وحبّب للناس القيام عليه ، وحبس مرات في القاهرة والإسكندرية ودمشق ، وعقد له مجالس بالقاهرة ودمشق ، إلى أن ورد مرسوم شريف من السلطان في شعبان سنة ( 726 هـ ) بأن يجعل في قلعة دمشق ، فاقام فيها مدة مشغولا بالتصنيف ، ثم بعد مدة منع من الكتابة والمطالعة ، وأخرجوا ما كان عنده من الكتب ، ولم يتركوا عنده دواتاً [دواةً] ولا قلماً ولا ورقة.
    ومما وقع له قبل حبسه أنّه ناظر بعض الفقهاء ، وكتب محضراً ، فإنّه قال. أنا أشعري ثم أخذ خطه بما نصه :
    أنا أعتقد أنّ القرآن معنى قائم بذات اللّه ، وهو صفة من صفات ذاته القديمة ، وهو غير مخلوق ، وليس بحرف ولا صوت ، وأنّ قوله تعالى ( الرحمن على العرش استوى ) ليس على ظاهره ، ولا أعلم كنه المراد به ، بل لا يعلمه إلاّ اللّه ، والقول في النزول كالقول في الاستواء ، وكتبه أحمد بن تيمية ، ثم أشهدوا عليه جماعة أنّه تاب مما ينافي ذلك مختاراً ، وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم » (2).
1 ـ الدرر الكامنة ج 1 ص 154 ـ 165.
2 ـ « المنهل الصافي والمستوفي بعد الوافي » ج 1 ص 336 ـ 340 ، والزملكاني هو كمال الدين محمد بن علي بن عبد الواحد الشافعي ، ولد سنة ( 667 هـ ) وتوفي سنة ( 733 هـ ) .


(48)
    وترجمه أيضاً في كتابه الآخر : « النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة » بنفس النص الوارد في « المنهل الصافي » (1).

12 ـ شهاب الدين ، ابن حجر ، الهيثمي ( ت 973 هـ )
    قال في ترجمة ابن تيمية : « ابن تيمية عبد خذله اللّه ، وأضلّه وأعماه وأصمّه وأذلّه ، بذلك صرّح الأئمة الذين بيّنوا فساد أحواله وكذب أقواله ، ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الإمام المجتهد المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد ، أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الإمام العزّ بن جماعة ، وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفيةولم يقصر اعتراضه على متأخّري السلف الصوفية ، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلىّ بن ابي طالب رضي الله عنهما.
    والحاصل أنّه لا يقام لكلامه وزن ، بل يرمى في كل وعر وحزن ويعتقد فيه أنّه مبتدع ، ضالّ ، مضلّ ، غال ، عامله اللّه بعدله ، وأجارنا من مثل طريقته وعقيدته وفعله. آمين! إلى أن قال : إنّه قائل بالجهة ، وله في إثباتها جزء ، ويلزم أهل هذا المذهب الجسمية والمحاذاة والاستقرار. أي فلعلّه بعض الأحيان كان يصرّح بتلك اللوازم فنسبت إليه ، وممن نسب إليه ذلك من أئمة الإسلام المتفق على جلالته وإمامته وديانته ، وإنّه الثقة العدل المرتضى المحقق المدقق ، فلا يقول شيئاً إلاّ عن تثبت ، وتحقق ، ومزيد احتياط ، و تحر ، لا سيما إن نسب إلى مسلم ما يقتضي كفره ، وردّته ، وضلاله ، وإهدار دمه » (2).
    وقال أيضاً في كتابه : « الجوهر المنظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم » : « فإن قلت : كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعية الزيارة والسفر إليها وطلبها ، وابن تيمية من متأخري الحنابلة منكر لمشروعية ذلك كله ، كما
1 ـ « النجوم الزاهرة ... » ج 2 ص 279.
2 ـ الفتاوى الحديثية ، ص 86. ونقله العلامة الشيخ محمد بخيت ( م 1354 هـ ) في كتابه « تطهير الفؤاد » ص 9 ط مصر.


(49)
رآه السبكي في خطه ، واطال ابن تيمية في الاستدلال بذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر منه الطباع ، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً ، وأنّه لا تقصر فيه الصلاة ، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة ، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه!.
    قلت : من هو ابن تيمية حتّى ينظر إليه؟ أو يعوّل في شيء من أُمور الدين عليه؟ وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمة الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة ، و حججه الكاسدة ، حتّى أظهروا عوار سقطاته ، وقبائح أوهامه وغلطاته ، كالعز بن جماعة : عبد أذلّه اللّه وأغواه ، وألبسه رداء الخزي وبوّأَهُ من قوة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان ، وأوجب له الحرمان ... » (1).

13 ـ ملاّ علي القارىء الحنفي ( ت 1016 هـ )
    وقال ملاّ علي القارىء الحنفي في شرحه على الشفاء (2) : « وقد أفرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) كما أفرط غيره حيث قال : كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة. وجاحده محكومع ليه بالكفر ، ولعلّ الثاني أقرب إلى الصواب ، لأنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه على الاستحباب يكون كفراً ، لأنّه فوق تحريم المباح المتفق عليه في هذا الباب ».

14 ـ أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي ، الشهير بابن القاضي ( 960 ـ 1025 هـ )
    وقد ترجمه ابن القاضي في ذيل وفيات الأعيان المسمى بـ « درة الحجال في أسماء الرجال » قال : « أحمد بن عبد الحليم مفتي الشام ومحدّثه وحافظه ، وكان يرتكب شواذ الفتاوى ، ويزعم أنّه مجتهد » (3).
1 ـ فرقان القرآن ، ص 132 ـ طبع في مقدمة كتاب الأسماء والصفات للبيهقي.
2 ـ « درة الحجال في أسماء الرجال » ج 1 ص 30.
3 ـ تأليف الحافظ أبي الفضل عياض بن موسى القاضي ( ت 544 هـ ) وأسماه : « الشفا في تعريف حقوق المصطفى » وله شروح كثيرة ذكره الكاتب الحلبي في كتابه.


(50)
15 ـ النبهاني ( ت 1350 هـ )
    قال النبهاني في تأليفه « شواهد الحق » بعد نقل أسماء عدة من الطاعنين به : « فقد ثبت وتحقّق وظهر ظهور الشمس في رابعة النهار أنّ علماء المذاهب الأربعة قد اتّفقوا على ردّ بدع ابن تيمية ، ومنهم من طعنوا بصحة نقله ، كما طعنوا بكمال عقله ، فضلا عن شدة تشنيعهم عليه في خطئه الفاحش في تلك المسائل الّتي شذّ بها في الدين ، وخالف بها إجماع المسلمين ، ولا سيما فيما يتعلّق بسيّد المرسلين ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) ».

16 ـ المحقق الشيخ محمد الكوثري المصري ( ت 1371 هـ )
    إنّ الشيخ الكوثري هو أكثر الناس تتبّعاً لمكامن حياة ابن تيمية ، وقد شهره وفضحه ، بنشر كتاب « السيف الصقيل » للسبكي وجعل له تكملة ، نشرهما ، معاً فمن وقف على هذا الكتاب وما ذيّل به ، لعرف مواقع الرجل ، وإليك كلمة من الكوثري في حق الحشوية ، يقول في تقديمه لكتاب « الأسماء والصفات » للحافظ البيهقي ـ بعد ما يسرد أسماء عدة من كتب الحشوية كالاستقامة لخشيش بن أصرم ، والسنة لعبد اللّه بن أحمد « والنقض » لعثمان بن سعيد الدارمي السجزي المجسم ـ : « إنّ السجزي أول من اجترأ بالقول « إنّ اللّه لو شاء لا ستقرّ على ظهر بعوضة فاستقلت به بقدرته ، فكيف على عرش عظيم » وتابعه الشيخ ابن تيمية الحراني في ذلك ، كما تجد نص كلامه في « غوث العباد » المطبوع سنة 1351 بمطبعة الحلبي » (1).
    وقال ايضاً في مقدمته على السيف الصقيل :
    جزى اللّه علماء أُصول الدين عن الإسلام خيراً ، فإنّ لهم فضلا جسيماً في صيانة عقائد المسلمين بادلّة ناهضة مدى القرون ، أمام كل فرقة زائفة ـ إلى أن قال ـ :
    ومن طالع من ألّفه بعض الرواة على طول القرون من كتب في التوحيد
1 ـ مقدمة الأسماء والصفات للبيهقي ، ص « ب ».
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس