بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: 51 ـ 60
(51)
والصفات والسنة ، والردود على أهل النظر ، يشكر اللّه سبحانه على النور الّذي افاضه على عقله ، حتّى نبذ مثل تلك الطامات بأول نظرة.
    وقد استمرّت فتن المخدوعين من الرواة على طول القرون مجلبة لسخط اللّه تعالى ، ولاستسخاف العقلاء ، من غير أن يخطر ببال عاقل أن يناضل عن سخافات هؤلاء ، إلى أن نبغ في أواخر القرن السابع بدمشق ، حرّاني تجرّد للدعوة إلى مذهب هؤلاء الحشوية السخفاء ، متظاهراً بالجمع بين العقل والنقل على حسب فهمه من الكتب ، بدون أُستاذ يرشده في مواطن الزلل ، وحاشا العقل الناهض والنقل الصحيح أن يتضافرا في الدفاع عن تحريف السخفاء إلاّ إذا كان العقل عقل صابئي والنقل نقل صبي ، وكم انخدع بخزعبلاته أُناس ليسوا من التأهّل للجمع بين الرواية والدارية في شيء ، وله مع خلطائه هؤلاء ، موقف في يوم القيامة لا يغبط عليه.
    ومن درس حياته يجدها كلها فتناً لا يثيرها حافظ بعقله ، غير مصاب في دينه ، وأنّى يوجد نصّ صريح منقول أو برهان صحيح معقول يثبت الجهة والحركة والثقل والمكان ونحوها للّه سبحانه؟.
    وكل ما في الرجل أنّه كان له لسان طلق ، وقلم سيال ، وحافطة جيدة ، قلّب ـ بنفسه بدون أُستاذ رشيد ـ صفحات كتب كثيرة جداً من كتب النحل الّتي كانت دمشق امتلأت بها بواسطة الجوافل من استيلاء المغول على بلاد الشرق ، فاغترّبما فهمه من تلك الكتب من الوساوس والهواجس ، حتى طمحت نفسه إلى أن تكون قدوة في المعتقد والأحكام العملية ، ففاه في القبيلين بما لم يفه به أحد من العالمين ، مما هو وصمة عار وأمارة مروق في نظر الناظرين ، فانفضّ من حوله أُناس كانوا تعجّلوا في إطرائه ـ بادىء بدء ـ قبل تجريبه ، وتخلّوا عنه واحداً إثر واحد على تعاب فتنة المدونة في كتب التاريخ ، ولم يبقَ (1) معه إلاّ أهل مذهبه في الحشو من جهلة المقلدة ، ومن ظن أن علماء
1 ـ وقال في التعليق : وثناء بعض المتأخرين عليه لم يكن إلا عن جهل بمضلات الفتن في كلامه ، ووجوه الزيغ في مؤلفاته ، ومنهم من ظن أنه دام على توبته بعد ما استتيب فدام على الثناء ، ولا حجة في مثل تلك الأثنية ، وأقواله الماثلة أمامنا في كتبه لا يؤيدها إلاّ غاو غوى ، نسأل اللّه السلامة.

(52)
عصره صاروا كلهم إلباً واحداً ضدّه حسداً من عند أنفسهم ، فَلْيَتّهم عقله وإدراكه قبل اتّهام الآخرين ، بعد أن درس مبلغ بشاعة شواذه في الاعتقاد والعمل ، وهو لم يزل يستتاب استتابة إثر استتابة ، وينقل من سجن إلى سجن إلى أن افضى إلى ما عمل وهو مسجون فقير ، هو وأهواؤه في البابين ، بموته وبردود العلماء عليه ، وماهي ببعيدة عن متناول رواد الحقائق.

كلامه في حق تلميذه ابن القيم
    وكان ابن زفيل الزرعي المعروف بابن القيم يسايره في شواذه حياً وميتاً ، ويقلده فيها تقليداً أعمى في الحق والباطل ، وإن كان يتظاهر بمظهر الاستدلال ، لكن لم يكن استدلاله المصطنع سوى ترديد منه لتشغيب قدوته ، دائباً على إذاعة شواذ شيخه ، متوخياً ـ في غالب مؤلفاته ـ تلطيف لهجة أُستاذه في تلك الشواذ لتنطلي وتنفق على الضعفاء ، وعمله كله التلبيس والمخادعة والنضال عن تلك الأهواء المخزية ، حتى أفنى عمره بالدندنة حول مفردات الشيخ الحراني.
    تراه يثرثرفي كل واد ويخطب بكل ناد ، بكلام لا محصل له عند أهل التحصيل ، ولم يكن له حظ من المعقول ، وإن كان كثير السرد لآراء أهل النظر ، ويظهر مبلغ تهافته لمن طالع شفاء العليل له بتبصّر ، ونونيته (1) و عَزَوْه من الدلائل على أنّه لم يكن ممن له علم بالرجال ولا بنقد الحديث ، حيث أثنى فيهما على أُناس هلكى ، واستدل فيهما باخبار غير صحيحة على صفات اللّه سبحانه.
    وقد ذكره الذهبي في المعجم المختص بما فيه عبرة ، ولم يترجم له الحسيني
1 ـ وهي قصيدته البالغة خمسة آلاف بيت في العقائد ، وهي الّتي رد عليها السبكي بتاليف كتاب السيف الصقيل ، وأكمله محمد الكوثري وأسماه تكملة السيف الصقيل ، وها نحن ننقل هاتيك العبارات منها.

(53)
ولا ابن فهد ولا السيوطي في عداد الحفاظ في ذيولهم على طبقات الحفاظ ، وما يقع من القارىء بموقع الأعجاب من أبحاثه الحديثية في زاد المعاد وغيره ، فمختزل مأخوذ مما عنده عن كتب قيّمة لأهل العلم بالحديث ، كـ « المورد الهني في شرح سير عبدالغني » للقطب الحلبي ونحوه.
    ولو لا محلى ابن حزم « وأحكامه » و « مصنف » ابن أبي شيبه « وتمهيد » ابن عبدالبر لما تمكن من مغالطاته وتهويلاته في « أعلام الموقعين ».
    وكم استتيب وعذر مع شيخه وبعده على مخاز في الاعتقاد والعمل ، تستبين منها ما ينطوي عليه من المضي على صنوف الزيغ تقليداً لشيخه الزائغ ، وسيلقى جزاء عمله هذا في الآخرة ـ إن لم يكن ختم له بالتوبة والأمانة ـ كما لقي بعض ذلك في الدنيا.

كلام الحافظ الذهبي وغيره في حق ابن القيم
    قال الذهبي في المعجم المختص عن ابن القيم هذا : « عني بالحديث بمتونه وبعض رجاله وكان يشتغل في الفقه ويجيد تقريره ، وفي النحو ويدريه ، وفي الأصلين. وقد حبس مدة لإنكاره على شد الرحل لزيارة قبر الخليل ( إبراهيم ( عليه السَّلام ) ) ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم ، لكنّه معجب برأيه جريء على الأُمور.
    قال ابن حجر في الدرر الكامنة : « غلب عليه حب ابن تيمية حتّى كان لا يخرج عن شيء من أقواله ، بل ينتصر له في جميع ذلك ، وهو الّذي هذب كتبه ونشر علمه ... واعتقل مع ابن تيمية بالقلة ، بعد أن أُهين وطيف به على جمل مضروباً بالدرة ، فلما مات أُفرج عنه ، وامتحن مرة أُخرى بسبب فتاوى ابن تيمية ، وكان ينال من علماء عصره وينالون منه ».
    قال ابن كثير : « كان يقصد للإفتاء بمسألة الطلاق ، حتى جرت له بسببها أُمور يطول بسطها مع ابن السبكي وغيره ... وكان جماعاً للكتب فحصّل منها ما لا يحصر ، حتى كان أولاده يبيعون منها بعد موته دهراً طويلا سوى ما اصطفوه منها لأنفسهم.. وهو طويل النفس في مصنفاته ، يتعانى


(54)
الإيضاح جهده ، فيسهب جداً ، ومعظمها من كلام شيخه بتصرف في ذلك ، وله في ذلك ملكة قوية ، ولا يزال يدندن حول مفرداته وينصرها ويحتج لها.. وجرت له محن مع القضاة ، منها في ربيع الأول طلبه السبكي بسبب فتواه بجواز المسابقة بغير محلل فأنكر عليه ، وآل الأمر إلى أنّه رجع عما كان يفتي به من ذلك ».

كلام ابن الحصني في حقه
    وقال التقي الحصني : كان ابن تيمية ممن يعتقد ويفتي بأنّ شدّ الرحال إلى قبور الأنبياء حرام لا تقصر فيه الصلاة ، ويصرّح بقبر الخليل وقبر النبي ( صلى اللّه عليهما وسلم ) ، وكان على هذا الاعتقاد تلميذه ابن قيم الجوزية الزرعي ، وإسماعيل بن كثير الشركويني ، فاتّفق أنّ ابن قيم الجوزية سافر إلى القدس الشريف ، ورقي على منبر في الحرم ووعظ وقال في أثناء وعظه بعد أن ذكر المسألة : وها أنا راجع ولا أزور الخليل.
    ثم جاء إلى نابلس ، وعمل له مجلس وعظ ، وذكر المسألة بعينها حتى قال : فلا يزور قبر النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) ، فقام إليه الناس وأرادوا قتله ، فحماه منهم والي نابلس ، وكتب أهل القدس وأهل نابلس إلى دمشق يعرّفون صورة ما وقع منه ، فطلبه القاضي المالكي فتردد وصعد إلى الصالحية إلى القاضي شمس الدين بن مسلم الحنبلي وأسلم على يديه ، فقبل توبته وحكم بإسلامه وحقن دمه ، ولم يعزّره لأجل ابن تيمية ... ثم أحضر ابن قيم الجوزية وادُّعي عليه بما قاله في القدس الشريف وفي نابلس فأنكر ، فقامت عليه البينة بما قاله ، فأُدّب وحُمل على جمل ، ثم أُعيد إلى السجن ، ثم أُحضر إلى مجلس شمس الدين المالكي وأرادوا ضرب عنقه ، فما كان جوابه إلاّ أن قال : إنّ القاضي الحنبلي حكم بحقن دمي وبإسلامي وقبول توبتي ، فأُعيد إلى الحبس إلى أن أُحضر الحنبلي فأخبر بما قاله ، فأُحضر وعزّر وضرب بالدرة ، وأُركب حماراً وطيف به في البلد والصالحية ، وردّوه إلى الحبس ـ وجرسوا ابن القيم وابن كثير ، وطيف بهما في البلد وعلى باب الجوزية لفتواهم في مسالة الطلاق.


(55)
    قال ابن رجب : قد امتحن و أوذي مرات ، وحبس مع الشيخ تقي الدين في المدة الأخيرة بالقلعة منفرداً ، لم يفرج عنه إلاّ بعد موت الشيخ.
    وقد سقت هنا نماذج من كلمات أصحابه و أضداده والمتحايدين في حقه ، ليعتبربها المغرورون به. على أنّ الخبر اليقين فيما يجده القارىء الكريم في حقه في هذا الكتاب ، وأرجو أن الحق لا يتعدى ما دللت عليه في حقه فيما كتبناه.
    وأحق الناس بالرثاء وأجدرهم بالترحّم من أفنى عمره في سبيل العلم منصاعاً لمبتدع يرديه من غير أن يتخيّر أُستاذاً رشيداً يهديه ، ومثله إذا دوّن أسفاراً لا يزداد بها إلاّ بسمعه ولا يبصر بعداً عن اللّه وأوزاراً ، وهو الّذي يصبح متفانياً في شيخه الزائغ بحيث لا يسمع إلاّ ببصره في جميع شؤونه ، ويبقى في أحط دركات الجهل من التقليد الأعمى ، ولو فكر قليلا لكان أدرك أنّ من السخف بمكان ، وضعه لشيخه في إحدى كفّتي الميزان ليوازن به جميع العلماء والفقهاء من هذه الأُمة في كفته الأُخرى فيزنهم ويغالبهم به فيغلبهم في علومهم!! وهذا ما لا يصدر من حافظ بعقله ، ولا سيما بعد التفكير في تلك المخازي من شواذه.
    نعم ، يمكن أن يكون عنده أو عند شيخه بعض تفوق في بعض العلوم على بعض مشايخ حارته ، أو أهل خطته أو قريته أو مضرب خيام عشيرته ، لكن لا يوجب هذا أن يصدق ظنه في حق نفسه أن جوّ هذه الأرض يضيق عن واسع فهومه ، وعرض هذه البحار لا يتّسع لزاخر علومه » (1).

17 ـ الشيخ سلامة القضا العزامي ( ت 1379 هـ )
    قال : « بدأ ابن تيمية حياته بطلب العلم على ذكاء وتصالح ، ورفق به أكابر العلماء لأنّ اباه كان رجلا هادئاً وكان من بيت علم ، فساندوه وشجعوه وأثنوا عليه خيراً ، حتّى إذا أقبل عليه الناس بدأ يظهر بالبدع ، وأبطرته الغرة ، فتمادى في التعصب لآرائه ، وما زال يتلاعب به الهوى حتّى كان مجموعة بدع
1 ـ تكملة السيف الصقيل ص 4 ـ 9.

(56)
شنعاء ، ودائرة جهالات وأباطيل شوهاء ، فتجده في مسائل من علم التوحيد حشوياً كرامياً ، يقول في اللّه بالأجزاء والجهة والمكان ، والنزول والصعود الحسيين ، وحلول الحوادث بذاته تعالى ، ومن ناحية أُخرى تجد فيه حضيضة الخوارج ، يكفّر أكابر الأُمة ويخطىء أعاظم الأئمة وقال : من نذر شيئاً للنبي أو غيره من النبيين والأولياء من أهل القبور ، أوذبح له ذبيحة كان كالمشركين الذين يذبحون لأوثانهم وينذرون لها ، فهو عابد لغير اللّه فيكون بذلك كافراً ، ويطيل في ذلك الكلام ، واغترّ بكلامه بعض من تأخّر عنه من العلماء ممن ابتلي بصحبته أو صحبة تلاميذه ، وهو منه تلبيس في الدين ، وصرف إلى معنى لا يريده مسلم من المسلمين ، ومن خبر حال من فعل ذلك من المسلمين وجدهم لا يقصدون بذبائحهم ونذورهم للمتقين من الأنبياء والأولياء إلاّ الصدقة عنهم ، وجعل ثوابها إليهم ، وقد علموا أنّ إجماع أهل السنة منعقدة على أنّ صدقة الأحياء نافعة للأموات واصلة إليهم.
    ولقد تعدّى هذا الرجل حتّى على الجناب المحمدي فقال : إنّ شد الرحال إلى زيارته معصية ، وإنّ من ناداه مستغيثاً به بعد وفاته فقد أشرك ، فتارة يجعله شركاً أصغر ، وأُخرى يجعله شركاً أكبر ، وإن كان المستغيث ممتلىء القلب بأنّه لا خالق ولا مؤثر إلاّ اللّه ، وأنّ النبي إنّما ترفع إليه الحوائج ويستغاث به ، على أنّ اللّه جعله منبع كل خير ، مقبول الشفاعة ، مستجاب الدعاء كما هي عقيدة جميع المسلمين مهما كانوا من العامة.
    وقد أوضح ذلك كل الإيضاح قبلنا أكابر جهابذة العلم لا سيما علَمُ أعلام هذا العصر ، حامل لواء الحكمة الإسلامية ، وأحد جماعة كبار العلماء بحق ، الشيخ يوسف الدجوي ، فيما كتبه في مجلة الأزهر ـ أدم اللّه تأييده بروح منه ، وجلله بالعافية من لدنه ـ.
    وهذه البدعة من مبتكراته قد اغتر بها ناس ، فقالوا بكفر من عداهم من جماهير المسلمين ، وسفكت في ذلك دماء لا تحصى ، وقد أُلفت الكتب الكثيرة في رد هذه البدعة وفروعها ، بين مطوّل قد جوّده صاحبه ، ومختصر أفاده مؤلفه وأجاد.


(57)
    ومن عجيب أمر هذا الرجل أنّه إذا ابتدع شيئاً حكى عليه إجماع الأولين والآخرين كذباً وزوراً ، وربما تجد تناقضه في الصفحة الواحدة ، فتجده في منهاجه مثلا يدّعي أنّه ما من حاديث إلاّ وقبله حادث إلى ما لا نهاية له في جانب الماضي ، ثم يقول : وعلى ذلك أجمع الصحابة والتابعون. وبعد قليل يحكي اختلافاً لحق الصحابة في أول مخلوق ما هو؟ أهو القلم أم الماء؟ وبينما تراه يتكلّم بلسان أهل الحق المنزهين ، إذا بك تراه قد انقلب جهوياً (1) وسمّى كل من لا يقول بذلك معطّلا ، وزنديقاً ، وكافراً ، وقد جمع تلميذه « ابن زفيل » سفاهاته ووساوسه في علم أصول الدين ، في قصيدته النونية ، وبينما تراه يسب جهماً والجهمية ، إذا بك تراه يأخذ بقوله في أنّ النار تفنى ، وأن أهلها ليسوا خالدين فيها أبداً ـ إلى أن قال ـ : وليس من غرضنا بسط الكلام في بدع هذا الرجل ، فقد كفانا العلماء ـ شكر اللّه سعيهم ـ من عصره إلى هذا العهد ، المؤنة بالتصانيف الممتعة في الرد عليها ، ولكن رفع الجهل رأسه في عصرنا هذا ، وانتدب ناس من شيعته لطبع الكثير من كتبه وكتب تلميذه ابن زفيل ، ففضحوا الرجل وشهّروا به عند المحققين من أهل الفقه في الدين ، وتبينت صحة نسبة ما كان يتورع العلماء عن نسبته إليه ، وإنّ نصيحتي الّتي أسديها لكن مسلم نصيحة للّه ولرسوله ولكتابه وأئمة المسلمين وعامتهم ، هي لزوم جماعة المسلمين في أُصول الدين وفروعه ، ولولا أنّي اشفق على القارىء أن يملّ لتحدّثت إليه طويلا فيما أصاب الإسلام والمسلمين من عظائم هذا الرجل ، ولبسطت له ما قال أكابر العلماء فيه وفي شيعته ، ولكنّي أرجو أن يكون ما قدّمته كافياً لذوي النهى » (2).

18 ـ الشيخ محمد أبو زهرة ( 1316 ـ 1396 هـ )
    ألّف الشيخ محمد أبو زهرة ، كتاباً في حياة ابن تيمية وشخصيته ، ومع
1 ـ كذا في النسخة ولعل المراد : « جهمياً ».
    [أو لعل المراد : نسبته إلى من يقول في اللّه بالجهة] الناشر.
2 ـ فرقان القرآن ص 132 ـ 137 وقد فرغ المؤلف منه سنة 1358 هـ.


(58)
أنّه أغمض عن كثير من الجوانب السلبية في حياته ، وأخرج كتابه على وجه يلائم روح المحايدة في الكتابة ، ومع ذلك انتقد عليه في موارد ، ومنها : منعه التبرك بآثار النبي. يقول : « دفن النبي في حجرة عائشة لأنّ يكون قبره قريباً من المسجد ، وأن يكون قبره معروفاً غير مجهول ، فإنّه لو دفن بالبقيع في الصحراء ، فقد يجهل موضعه ، ويكون بعيداً عن مسجده ، وأمّا إذا دفن في حجرة عائشة فإنّه يكون قريباً من مهبط الوحي ومبعث الدعوة ومكان التنزيل ، وبعد فإنّا نخالف ابن تيمية منعه التبرك بزيارة قبر الرسول و المناجاة عنده ، وعدم الندب إليه ، وإنّ التبرك الّذي نريده ليس هو العبادة أو التقرب إلى اللّه بالمكان. إنّما التبرك هو التذكّر والاعتبار والاستبصار. وأىّ امرىء مسلم علم حياة النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلم ) وسيرته ، وهدايته ، وغزواته وجهاده ، ثم يذهب إلى المدينة ولا يحس بأنّه في هذا المكان كان يسير الرسول ويدعو ويعمل ، ويدبّر ويجاهد ، أو لا يعتبر ـ ولا يستبصر ، أو لا يحس بروحانية الإسلام و عبقرية النبي الأمين ، أو لا تهزّ أعطافه محبة للّه ورسوله والأخذ بما أمر اللّه به ، والانتهاء عما نهى عنه إلاّ من أعرض عن ذكر اللّه ولم يكن من أولي الأبصار؟ إنّ الزيارة إلى قبر الرسول هي الذكرى والاعتبار ، والهدي والاستبصار والدعاء عند القبر دعاءً ، القلب خاشع ، العقل خاضع ، والنفس مخلصة ، والوجدان مستيقظ ، وإنّ ذلك أبرك الدعاء » (1).
    وهذه النصوص الرائعة من أئمة الحديث والتفسير والكلام في حق الرجل تغنينا عن إفاضة القول فيه ، وقد اكتفينا بهذا المقدار عن الكثير ، فإنّ الناقدين له أكثر مما ذكرنا. وقد نشر كتيب باسم « الوهابية في نظر المسلمين » (2) وذكر بعض من لم نذكره ، كما أنّه لم يذكر بعض ما ذكرنا من النصوص.
    والّذي يعرب عن أنّ الرأي العام يوم ذاك كان على ضدّه هو أنّ لفيفاً من العلماء من معاصريه والمتأخرين عنه ردّوا عليه بكتب ورسائل فندوا فيها.
1 ـ ابن تيمية حياته وشخصيته ص 228.
2 ـ تأليف : إحسان عبداللطيف البكري.



(59)
الرجل حول الصفات الخبرية أولا ، والزيارة والتوسل ثانياً ، إلى غير ذلك مما أثار عجاباً في السحاة الإسلامية ، وإليك الإيعاز بالردود الّتي كتبت على آرائه.

الناقضون والرادّون على ابن تيمية
    وإليك قائمة ممن ألف كتاباً أو رسالة حول آرائه :
    1 ـ شفاء السقام في زيارة خيرالأنام ، لتقي الدين السبكي.
    2 ـ الدرة المضيئة في الرد على ابن تيمية ، له أيضاً.
    3 ـ المقالة المرضية ، لقاضي قضاة المالكية تقي الدين أبي عبداللّه الأخنائي.
    4 ـ نجم المهتدي ورجم المقتدي ، للخفر ابن المعلم القرشي.
    5 ـ دفع شبه من شبه وتمرد ونسب ذلك إلى الإمام أحمد ، لتقي الدين الإمام أبي بكر الحصني الدمشقي ( ت 729 هـ ) .
    6 ـ التحفة المختارة في الرد على منكري الزيارة ، لتاج الدين عمر بن علي اللخمي المالكي الفاكهاني ( ت 734 هـ ) .
    ومما جاء فيه قوله : أخبر جمال الدين عبداللّه بن محمد الأنصاري المحدث قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني إلى دمشق ، فقصد زيارة نعل رسول اللّه الّتي بدار الحديث الأشرفية بدمشق ، وكنت معه ، فلما رأى النعل المكرمة ، حسر عن رأسه ، وجعل يقبله ويمرغ وجه عليه ودموعة تسيل وأنشد :
فلو قيل للمجنون : ليلى ووصلها لقال غبار من تراب نعالها تريد أم الدنيا وما في طواياها أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها (1)
    7 ـ اعتراضات على ابن تيمية ، لأحمد بن إبراهيم السروطي
1 ـ الغدير : ج 5 ص 155 نقلا عن الديباج المذهب.

(60)
الحنفي (1).
    8 ـ إكمال السنة في نقض منهاج السنة ، للسيد مهدي بن صالح الموسوي القزويني الكاظمي ( ت 1358 هـ ) (2).
    9 ـ الإنصاف والإنتصاف لأهل الحق من الإسراف ، في الرد على ابن تيمية الحنبلي الحراني ، فرغ منه مؤلفه سنة ( 757 هـ ) ، توجد نسخة منه في المكتبة الرضوية ـ مشهد ـ رقم 5643.
    10 ـ البراهين الجلية في ضلال ابن تيمية ، للسيد حسن الصدر الكاظمي ( ت 1354 هـ ) (3).
    11 ـ البراهين الساطعة ، للشيخ سلامة العزامي ( 1379 هـ ) (4).
    12 ـ جلاء العينين في محاكمة الأحمدين ( أحمد بن تيمية وأحمد بن حجر ) ، للشيخ نعمان بن محمود الألوسي (5) .
    13 ـ الدرة المضيّة في الرد على ابن تيمية ، لمحمد بن حميد الدين الحنفي الدمشقي كمال الدين المعروف بابن الزملكاني (6).
    14 ـ الرد على ابن تيمية في الاعتقاد ، لمحمد بن حميد الدين الحنفي الدمشقي (7).

الفتيا الّتي اصدرها الشاميّون في حق ابن تيمية
    وفي الختام نثبت في المقام صورة الفتيا الّتي أصدرها الشاميون ونقلها
1 ـ معجم المؤلفين : ج 1 ص 140.
2 ـ الذريعة ج 10 ص 176.
3 ـ الذريعة ج 3 ص 79 .
4 ـ ابن مرزوق : كتاب التوسل بالنبي ، ص 253.
5 ـ إيضاح المكنون : ج 1 ص 263 ، معجم المؤلفين ج 13 ص 107.
6 ـ كشف الظنون ج 1 ص 744 ، معجم المؤلفين ج 11 ص 22.
7 ـ معجم المؤلفين ج 8 ص 316.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء الرابع ::: فهرس