بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 1 ـ 10

في الملل والنحل
دراسة موضوعيةٌ مقارنةٌ للمذاهب الاسلامية
الجزء الخامس
يتناول تاريخ الخوارج نشأتهم ، عقائدهم ، فرقهم وشخصيّاتهم
تأليف
جعفر السبحاني


(4)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبيه وآله و
على رواة سنته وحملة أحاديثه وحفظة كلمه.


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمدللّه رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيّد المرسلين ، وآله الطاهرين ، وصحبه المنتجبين.
    أمّا بعد : فهذا هو الجزء الخامس من موسوعتنا في الملل و النحل ، والمقارنة بين المذاهب الاسلامية ، نقدّمه إلى القرّاء الكرام ، راجين منهم التنبيه والارشاد إلى مواضع الزلّة والخطأ ، فإنّ المؤمن مرآة المؤمن ، وأحبّ الاخوان من أهدى إلى أخيه عيوبه (1) .
    ويتناول هذا الجزء دراسة إحدى الفرق الإسلامية القديمة أعني فرقة الخوارج من خلال المواضيع التالية :
    الف ـ نشأتهم.
    ب ـ تاريخهم السياسي الذي يتضمّن المواجهات التي خاضوها مع
    1 ـ اقتباس عن الكلمة المروية عن الامام الصادق (عليه السَّلام) حيث قال : أحبّ اخواني إليّ من أهدى إليّ عيوبي (لاحظ : تحف العقول 366).

(6)
مخالفيهم أوّلا ، ومحاولاتهم للاستيلاء على البلاد الإسلامية ثانياً ، وزوالهم والقضاء عليهم ثالثاً.
    ج ـ طوائفهم وفرقهم.
    د ـ عقائدهم و أفكارهم.
    هـ ـ شخصيّاتهم البارزة والآثار الأدبيّة التي خلّفوها.
    والخوارج ـ كما قلنا ـ من أقدم الفرق الإسلامية بل أوّل فرقة ظهرت في المجتمع الإسلامي ، وهو أوّل اختلاف حدث بين المسلمين ، بعد اختلاف الاُمّة في مسألة الإمامة ، وقد تكوَّنت في العقد الرابع من القرن الأوّل بعدما نشبت الحرب بين الإمام عليّ (عليه السَّلام) ومعاوية بن أبي سفيان ، وقد تحدّث عنهم و عن نشأتهم وتاريخهم طائفتان :
    1 ـ أصحاب التواريخ : فقد ذكروا عنهم شيئاً كثيراً حسب التسلسل الزمني كالطبري في تاريخه ، والمبرّد في كامله ، واليعقوبي في تاريخه ، والمسعودي في مروجه ، والجزري في كامله ، وابن كثير في كتابه ، ولكن اكتفوا بنقل الحوادث من دون تحليل عللها ونتائجها وغاياتها ومن دون استنتاج شيء يُعدّ درساً أو عبرة ، ومن دون قضاء بشيء في حقّهم ، كأنّهم قصّاصون ليس لهم شأن سوى سرد القصّة.
    وبما أنّهم ذكروا حوادث تلك الفرقة في فصول مختلفة ـ كما هو مقتضى سرد الحوادث حسب السنين والقرون ـ لا يمكن للإنسان أن يقف على تاريخ تلك الفرقة دفعة واحدة في موضع واحد ، بل عليه السبر وتتّبع الحوادث وضمّ حلقة إلى حلقات اُخرى ، حتى يكون على اطّلاع على تاريخهم عن كثب.
    2 ـ مؤرّخو العقائد : أعني أصحاب علم الملل والنحل فقد اهتمّوا بذكر فرقهم ، وبيان لفيف من عقائدهم ، من دون تركيز على كيفيّة نشأتهم ، والحروب


(7)
الّتي مارسوها طيلة سنين ، قرناً بعد قرن.
    نعم هناك جماعة من المتأخرّين أفردوا تاريخهم بالتأليف ، وهم بين كاتب مسلم ، ومؤلّف مستشرق ، ولكل غايته المتوخّاة ، وإليك الاشارة إلى بعض ما اُلّف في ذلك المضمار :
    1 ـ ملخّص تاريخ الخوارج : تأليف محمّد شريف سليم ، المطبوع في القاهرة عام 1349 هـ ـ ق.
    2 ـ الخوارج في الاسلام : تأليف عمر أبي النصر ، المطبوع في بيروت عام 1369 هــ ق الموافق لعام 1949 م.
    3 ـ أدب الخوارج : تأليف الكاتبة سهير القلماوي ، والكتاب رسالتها الاُولى لنيل درجة الماجستير وقد نشرتها عام 1365 هـ ـ ق وتناولت الرسالة البحث عن شعراء الخوارج وقد ذكرت منهم عمران بن حطان و قطري بن الفجاءة ، والطرماح بن حكيم وهو غير طرماح بن عدي الذي كان موالياً لعلي ( عليه السَّلام ).
    4 ـ وقعة النهروان : تأليف الخطيب الهاشمي الحائري ، المطبوع في طهران عام 1372 هـ ـ ق.
    5 ـ الخوارج في العصر الأموي : تأليف الدكتور نايف معروف ، وقد طبع في بيروت مرّتين أخيرتها في عام 1401 هـ.
    6 ـ الخوارج و الشيعة : تأليف يوليوس فلهوزن ، وقد نقله إلى العربية عبدالرحمن بدوي ، طبع في الكويت للمرّة الثالثة عام 1978 م. ومن جنايات المؤلّف على تاريخ الشيعة في الكتاب قوله : « انّ الشيعة و الخوارج تكوّنا في وقت واحد » (1) والمسكين جاهل بتاريخ الشيعة ـ فانّها تكوّنت في العصر الذي تكوّن فيه الاسلام ، و الشيعة عبارة عن لفيف من المسلمين الاُول من المهاجرين
    1 ـ يوليوس فلهوزن : الخوارج و الشيعة 112 ، ترجمة عبدالرحمن بدوي ، من الألمانية الى العربية.

(8)
والأنصار ، الذين بقوا على ما كانوا عليه في عصر الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) فاتّبعوا سنّته ولم يعدلوا عنها قيد شعرة ، فأخذوا في مسألة الخلافة بالنص ، وتركوا الاجتهاد في مقابله.
    وأمّا الخوارج فقد نشأت في أعقاب حرب « صفّين » كما سيوافيك بيانه ، فعدّهما عدلين وفي صفّ واحد جهل بتاريخ الشيعة وتاريخ الاسلام ، أو تجاهل ، وليس ذلك ببعيد عن المستشرقين المجتمعين على موائد الاستعمار.
    هذا بعض ما اُلّف حول تاريخ الخوارج والكل كماترى ألّف بيد خصمائهم ولا يمكن الاحتجاج بهذه الكتب عليهم إلاّ إذا تضافر النقل وحصل الاطمئنان بصدقها ، ولأجل رفع تلك النقيصة والتزاماً منّا بالموضوعية التي يجب أن يتّصف بها البحث والباحث ، بذلنا الجهد للحصول على آثار تلك الفرقة في التاريخ والعقائد والفقه والتفسير وتقف على أسمائها في « قائمة المصادر » للكتاب. فإنّ الخوارج انقرضت بعامّة فرقها ولم يبق منهم مايعبأ به إلاّ فرقة الاباضية وهي الفرقة المعتدلة منهم ، وهي المذهب الرسمي في عمّان ، وقد قامت وزارة التراث القومي والثقافة لسلطنة عمان ، بنشر آثار الاباضية في مجالات مختلفة ، فلابّد للباحث من الرجوع إليها.
    نسأل اللّه سبحانه أن يوفّقنا في تبيين نشأة تلك الفرقة وتاريخها وعقائدها لما هو الحق والصدق ، مجانبين عن كل فكرة ونظرية مسبقة في حقّهم.
قم ـ مؤسسة الامام الصادق ( عليه السَّلام )
جعفرالسبحاني
20/12/1411 هـ






(9)
الفصل الأوّل
بداية الاختلاف بعد رحلة الرسول ( صلّى الله عليه وآله وسلم )
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس