بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 41 ـ 50
(41)
    وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ظبّة ، منهم : كعب بن سور القاضي ، كلّما قطعت يد واحد منهم فصرع ، قام آخر فأخذ الخطام ، ورمي الهودج بالنبل ، حتى صار كأنّه قنفذ ، وعُرْقبَ الجمل ولمّا سقط ووقع الهودج ، جاء محمّد بن أبي بكر فأدخل يده ، فقالت : « من أنت؟ » فقال : أخوك ، يقول أمير المؤمنين هل أصابك شيء ، قالت : « ما أصابني إلاّ سهم لم يضرَّني » فجاء علي حتى وقف عليها و ضرب الهودج بقضيب وقال : « يا حميراءُ أرسول الله ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) أمركِ بهذا ، ألم يأمركِ أن تقرّي في بيتكِ ، والله ما أنصفكِ الذين أخرجوك إذ صانوا حلائلهم ، وأبرزوك » وأمر أخاها محمداً ، فأنزلها دار صفيّة بنت الحارث بن طلحة.
    ولمّا وضعت الحرب أوزارها جهّز علي ( عليه السَّلام ) عائشة للخروج إلى المدينة فقالت له : « إنّي اُحبّ أن اُقيم معك فأسير إلى قتال عدوّك عند مسيرك » فقال : « ارجعي إلى البيت الذي تركك فيه رسول الله » فسألته أن يؤمّن ابن اختها عبدالله بن الزبير ، فأمَّنه ، وتكلّم الحسن و الحسين في مروان ، فأمَّنه ، وأمّن الوليد بن عقبة ، وولد عثمان و غيرهم من بني اُميّة و أمّن الناس جميعاً ، وقد كان نادى يوم الوقعة « مَنْ ألقى سلاحه فهو آمن ، و من دخل داره فهو آمن ».
    وكانت الوقعة في الموضع المعروف بالخريبة و ذلك يوم الخميس لعشر خلون من جُمادى الآخرة سنة 36 وخطب على الناس بالبصرة بخطبة ، وقد قتل فيها ، من أصحاب علي ( عليه السَّلام ) خمسة آلاف و من أصحاب الجمل ثلاثة عشر ألف رجل ، وكان بين خلافة علي ووقعة الجمل خمسة أشهر وواحد وعشرون يوماً.
    وولّى على البصرة ، عبدالله بن عباس ، وسار إلى الكوفة فدخل إليها في


(42)
الثاني عشر من رجب شهور سنه 36 (1) .
    ولكن الإمام عبده ، نقل انّه قتل سبعة عشر ألفاً من أصحاب الجمل و قتل من أصحاب علي ألف و سبعون (2) .
    وعلى كل تقدير فهذه الضحايا كانت خسارة عظيمة في الإسلام ، وقد عرقلت خطاه ، وشلّت الزحوف الإسلامية في أوّل عهدها في الفتوح ، ولولا هذه الحروب الداخلية ، لكان للعالم حديث غير هذا ، ولو كان الإمام هو القابض لزمام القيادة في جو هادىء ، لكان الوضع السائد على الإسلام ، غيرما هو المشاهد ـ وياللأسف ـ.
    « ما كلّ ما يتمنّى المرء يدركه ».
    وقد حفظ التاريخ من الامام يوم ذاك عواطف سامية وسماحة ورحب صدر على حدّ لم يسبق إليه أحد ، غير النبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) عندما فتح مكّة ، فلم يأخذ من أهل البصرة شيئاً سوى ما حواه العسكر. و كان هناك جماعة يصرّون على أن يأخذ الامام منهم ، عبيداً وإماءً فاسكتهم الإمام بقول : أيّكم يأخذ اُمّ المؤمنّين في سهمه (3) . وقد علّم الامام بسيرته كيفيّة القتال مع البغاة من أهل القبلة.
    1 ـ المسعودي : مروج الذهب 3/107 ـ 117. بتلخيص : لاحظ الطبري : التاريخ 3/543.
    2 ـ الإمام عبده : شرح نهج البلاغة 40.
    3 ـ وسائل الشيعة 11/59 ـ 60.


(43)
قتال القاسطين (2)
حرب صفّين
    قد تعرفت على أنّ النبي الأكرم أخبر عليّاً بأنّه سيقاتل القاسطين بعد الناكثين ، وقد وقفت على مأساة حرب الناكثين وعرفت نواياهم وجناياتهم عن كثب ، التي ارتكبوها في طريق ألتسنُّم على عرش القيادة ، وأراقوا دماء بريئة حتى يُسمُّوا أمير المؤمنين وما أجرأهم على حرمات الله وماأشقاهم.
    هلم معي نقرأ مأساة قتال القاسطين الذين حادوا عن الحق ، والطريق المهيع ، وحاربوا الإمام المفترض طاعته ، يقودهم معاوية بن أبي سفيان ابن آكلة الأكباد ، ولاغرو فإنّ أباه هو العدوّ الأوّل للنبي الأكرم ( صلّى الله عليه وآله وسلم ) الذي حزّب الأحزاب على الإسلام و المسلمين.


(44)
الخلافة كانت الامنية القصوى لمعاوية :
    إنّ الخلافة كانت اُمنية في نفس معاوية ، ولكن تقلُّدَ الإمام للخلافة ، أفسد عليه الأمر ، ولم يكن باستطاعته منافسة الإمام علي ( عليه السَّلام ) ولأجل ذلك حاول إحداث الصدع في صفِّ الاُمّة ، فأطمع الشيخين في طلب الخلافة ، وقد قُتِلا خائبين فلم يَجد مناصاً إلاّ أن يقوم في وجه الامام تحت ستار أخذ ثأر الخليفة المظلوم.
    كان معاوية ـ يطلب من الإمام ـ طول محاربته ـ اقراره على ولاية الشام كاقرار الخليفتين له حتى يُسلِّم له الأمر و يعترف بخلافته ، ولكن الإمام عليّاً لم يرض ببقائه في الحكم لعلمه بسوء عمله خلال ولايته.
    وقد أشار إلى ابقائه المغيرة بن شعبة ، وقال : واترك معاوية ، فإنّ لمعاوية جرأة فهو في أهل الشام يُسمع منه ولك حجة في اثباته لأنّ عمر بن الخطاب ولاّه الشام كلّها ، ولكن الإمام لم يقبل اقتراحه ، وقال : « لا و الله لا استعمل معاوية يومين أبداً » (1) .
    بعث الإمام جريراً إلى ولاية الشام ليأخذ منه البيعة ، فأتى معاويةُ جريراً في بيته فقال : يا جرير إنّي قد رأيت رُؤياً ، فقال : هات ، قال : اكْتُب إلى صاحبك ليجعل لي الشام و مصر ، جباية ، فإذا أحضرته الوفاة لم يجعل لأحد بعده بيعة في عنقي ، واُسلِّم له هذا الأمر واكْتُبُ إليه بالخلافة ، فقال جرير : اكتب بما أردت ، فكتب معاوية بذلك إلى علي ، فلمّا وصل كتاب جرير مع كتاب معاوية ، فكتب علي إلى جرير : أمّا بعد فإنّما أراد معاوية أن لا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحبَّ (2) ، وأراد أنْ يريّثك حتى يذوق أهل الشام ،
    1 ـ الطبري : التاريخ 3/461.
    2 ـ سيأتي التصريح بذلك في كتاب معاوية إلى الإمام قرب ليلة الهرير ، والامام تفطّن بذلك بنور الله الذي ينظر به المؤمن.


(45)
وأنّ المغيرة بن شعبة قد كان أشار عليّ أن استعمل معاوية على الشام وأنا بالمدينة ، فأبيت ذلك عليه ولم يكن الله يراني أتّخذ المضلّين عضداً ، فإن بايعك الرجل ، وإلاّ فاقبل (1) .
    كتب معاوية إلى علي مرة اُخرى قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة يسأله اقراره على الشام ، وذلك انّ عليّاً قال : لاُناجزنَّهم مصبحاً ، و تناقل الناس كلمته ، ففزع أهلُ الشام لذلك ، فقال معاوية : قد رأيت أن اعاوِدَ عليّاً وأسأله اقراري على الشام ، فقد كنت كتبت إليه ذلك ، فلم يجب إليه ولاُكْتُبنّ ثانية ، فألقي في نفسه الشك و الرقّة ، فكتب إليه :
    « أمّا بعد ... وقد كنت سألتك الشام على الاّ تلزمني لك بيعة و طاعة ، فأبيت ذلك عليّ فأعطاني الله مامنعت وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ... ».
    فكتب في جوابه : « ... وأمّا طلبك إليّ الشام فإنّي لم أكن لاُعطيك اليوم مامنعتك أمس » (2) .
    هذه الكتب وغيرهما من القرائن والشواهد ، تعرب عن أنّ الغاية الوحيدة لابن أبي سفيان ، هو الولاية على الشام وبقاؤه في الحكم ، مادام عليّ على قيد الحياة ، ثم السيطرة على جميع البلاد الاسلامية ، وأمّا طلب ثأر عثمان ، والقصاص من قتلته ، فكلّها كانت واجهة لما كان يضمره ويخفيه ، ولأجل ذلك نرى أنّه لمّا تمّ الأمر لصالحه ، تناسى قتلة عثمان وتناسى الأخذ بثأره ، وليس هذا ببعيد من الساسة الذين لا يتحلون بالمبدئية في سلوكهم ، ويرفعون عقيرتهم بشعارات خادعة من أجل تحقيق أطماعهم الشخصية.
    1 ـ نصربن مزاحم : وقعة صفين 52.
    2 ـ ابن قتيبة : الإمامة و السياسة 1/109. ابن مزاحم : وقعة صفين 470.


(46)
    وبذلك تقف على مؤامراته وخططه الشيطانية ، حيث كان شعاره منذ أن خالف : يالثارت عثمان.
    وقد ردّ الإمام عليه في بعض كتبه إليه وفي بعضها مانصّه :
    « قد أكثرت في قتلة عثمان ، فادخل فيما دخل الناس ، ثم حاكم القوم إليّ ، أحْمِلُك وإيّاهم على كتاب الله » (1) .
    إلى هنا خرجنا بهذه النتيجة أنّ الاُمنية الكبرى لمعاوية من تسعير نار الحرب ، هو البقاء على السلطة ، وتقلّد الخلافة العامة بعد علي ، ولم يكن له أيّ إربة في مايدعيه ، وينشره من أخذ الثأر وغيره ، فلزم عندئذ أن نتعرّف على خططه في تلك الحرب الطاحنة التي سعّرها بأنانّية.

مخططات معاوية :
    كانت صحابة النبي الأكرم من أوّل يوم تُقلِّد الإمام علي الخلافة ، وراءه يؤّيدونه بألسنتهم وأيديهم ، إلانفر قليل لم يبايعوه وهم لايتجاوزن عدد الأصابع (2) ولم يكن لمعاوية ما كان لعلي من السبق في الإسلام ، والجهاد في سبيل الله ، والقرابة الوثيقة من النبي الأكرم ، فلم يكن له بدّ من التخطيطات الشيطانية حتى يقف سدّاً في وجه علي ، وإليك تخطيطاته :

1ـ الاتصال بعمرو بن العاص :
    أنّ عمروبن العاص ، كان داهية العرب ، وقد اتّصل به معاوية وكان منحرفاً عن عثمان لأنّه عزله عن ولاية مصر ، وولاّها غيره ، فلمّا بلغ إليه خبر
    1 ـ الرضي : نهج البلاغة ، قسم الكتب برقم 64. المبرّد : الكامل 1/194.
    2 ـ ابن الأثير : الكامل 3/98 وقد ذكر أسماءهم.


(47)
بيعة الناس لعلي ، كتب إلى معاوية يهزِّه ويشير إليه بالمطالبة بدم عثمان ، وكان فيما يكتب به إليه : « ما كت صانعاً إذا قُشِرْتَ من كل شيء تملكه؟ فاصنَع ما أنت صانع » فبعث إليه معاوية فسار إليه ، فقال له معاوية : بايعني ، قال : « لا والله لا اُعطيك من ديني (1) حتى أنال من دنياك ». فقال : « سل » ، قال : « مصر طعمة » ، فأجابه إلى ذلك وكتب له به كتاباً ، فقال عمروبن العاص في ذلك :
معاوي لا اُعطيك ديني ولم أنل فإن تعطني مصراً فأربح بصفقة به منك دنياً فانظرن كيف تصنع أخذت بها شيخاً يضرّ وينفع (2)

2 ـ قميص عثمان المخضَّب بالدم :
    قدم النعمان بن بشير بكتاب زوجة عثمان وقميصه المخضَّب بالدم ، إلى معاوية فلمّا قرأ معاوية الكتاب صعد المنبر وجمع الناس ، ونشر عليهم القميص ، وذكر ماصنعوا بعثمان ، فبكى الناس وشهقوا حتى كادت نفوسهم أن تزهق ، ثم دعاهم إلى الطلب بدمه ، فقام إليه أهل الشام ، فقالوا : هو ابنُ عمِّك وأنت وليّه ، ونحن الطالبون معك بدمه ... فبايعوه أميراً وبعث الرسل إلى كور الشام ، حتى بايعه الشاميون قاطبةً إلاّ من عصمه الله (3) .

3 ـ الاستنصار بالشخصيات المرموقة :
    وجّه عليّ عند مغادرته البصرة إلى الكوفة كتاباً إلى معاوية يدعوه إلى
    1 ـ اظن انّ الرجل باع مالا يملك ولم يكن له أيّ دين في ذاك اليوم ، وقد نهى رسول الله عن بيع مالا يملكه الرجل. و قال : لاتبع ماليس عندك.
    2 ـ المسعودي : مروج الذهب 3/98. الطبري : التاريخ 3/560.
    3 ـ ابن الاثير : الكامل 3/141 ـ ذكر ابتداء وقعة صفّين.


(48)
بيعته ويذكر فيه اجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته ، ونكث طلحة والزبير ، وماكان من حربه إيّاهما ويدعوه إلى الدخول فيما دخل فيه المهاجرون والأنصار من طاعته (1) .
    ولمّا قرأ معاوية كتاب علي استشار عمروبن العاص ، فأشار إليه بقوله : « إنّ رأس أهل الشام شرحبيل بن السمط الكنديّ ، وهو عدو لجرير المرسَل إليك ، فارسل إليه و وطّن له ثقاتك فليفشوا في الناس أنّ علياً قتل عثمان وليكونوا أهل الرضا عند شرحبيل فإنّها كلمة جامعة لك أهل الشام على ما تحب ، وإن تعلّقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه بشيء أبداً ».
    فكتب معاوية إلى شرحبيل انّ جرير بن عبدالله قدِم علينا من عند عليّ بن أبي طالب بأمر فظيع ، فاقبل.
    فلمّا قدم كتابُ معاوية على شرحبيل وهو بحمص ، استشار أهلَ اليمن (المتواجدين في حمص) فاختلفوا فيه ولكن عبدالرحمن بن غنم الأزدي أشار إليه بقوله : « إنّ الله لم يزل يزيدك خيراً مذ هاجرت إلى اليوم ، وانّه لا ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من النّاس ، ( و لايُغيِّر الله ما بِقَوْم حتّى يُغَيّروا ما بِاَنْفُسِهِم ) ، إنّه قد اُلقِىَ إلينا قتل عثمان وانّ عليّاً قتل عثمان ، فإن يك قَتَله فقد بايعه المهاجرون والأنصار وهم الحُكّام على الناس ، وإن لم يكن قتله فعلام تصُدِّق معاوية عليه ، لا تُهْلِك نفسك وقومك ، فان كرهت أن يذهب بحظِّها جرير ، فسر إلى عليّ ، فبايعه على شامك وقومك ، فأبى شرحبيل إلاّ أن يسير إلى معاوية.
    لم يكن عبدالرّحمن بن غنم الأزدي الرجل الوحيد الذي نصحه بل اجتمع هو مع جرير ، فقال له جرير أمّا قولك إنّ عليّاً قتل عثمان ، فوالله ما في
    1 ـ الطبري : التاريخ 3/560 ـ 561.

(49)
يديك من ذلك إلاّ القذف بالغيب من مكان بعيد ولكنّك مِلْتَ إلى الدنيا (1) .
    كان مبعوث الإمام يحاول أن يرد شرحبيل عن دَعْم فكرة معاوية ، فكتب إليه أيضاً كتاباً ضمَّنه قصيدة ، فلمّا قرأه شرحبيل ذعر وفكَّر وقال : هذه نصيحة لي في ديني ودنياي ، والله لاأعجل في هذا الأمر بشيء.
    فلمّا بلغ معاوية تردّد زاهد الشام وناسكه لفَّف له الرجال ، يدخلون إليه ويخرجون ويُعظِّمون عنده قتل عثمان ، ويرمون به عليّاً ويقيمون الشهادة الباطلة ، والكتب المختلقة ، حتى أعادوا رأيه وشحَّذُوا عزمه ، وصار معاوية يملك قلوب الشاميين بواسطة هذا الرجل المتخّبط ، ولمّا استنهضهم للقتال قاموا جملة واحدة.

4 ـ رسائل معاوية إلى الشخصيات :
    قام معاوية بإرسال رسائل إلى شخصيات إسلامية كانوا محايدين ، فكتب إلى عبدالله بن عمر ، وسعد بن أبي وقّاص ، ومحمّد بن مسْلمة ، يدعوهم إلى الثورة على علي ، فكتب إلى ابن عمر بقوله : « لم يكن أحد من قريش أحبَّ إليّ أن يجتمع عليه الأُمّة بعد قتل عثمان منك ، ثم ذكرتُ خَذْلك إياه ، وطعنَك على أنصاره ، فتغيّرتُ لك ، وقد هوَّن ذلك عليَّ خلافُك على عليّ ، ومَحا عنك بعض ما كان مَنك ، فأعِنَّا يرحمك الله ـ على حق هذا الخليفة المظلوم ، فإنّي لست اُريد الإمارة عليك ، ولكنّي اُريدها لك ، فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين.(2)
    وكتب إلى سعد بن أبي وقّاص : أمّا بعد فإنّ أحق الناس بنصرة عثمان ، أهل الشام والذين أثبتوا حقَّه واختاروه على غيره (3) وقد نصره طلحة والزبير ،
    1 ـ نصر بن مزاحم : وقعة صفّين 45 ـ 48.
    2 ـ نفس المصدر : 80.
    3 ـ يريد بذلك سعد بن أبي وقاص حيث نصر عثمان في الشورى المعقوده لتعيين الخليفة بعد قتل عمر ، بأمره.


(50)
وهما شريكاك في الأمر والشورى ، وناظراك في الاسلام ...
    وكتب إلى محمّد بن مسلمة يتّهمه بخذلان عثمان ويقول « .... فهّلا نهيتَ أهلَ الصلاة عن قتل بعضهم بعضاً أوترى أنّ عثمان وأهل الدار ليسوا بمسلمين .... » (1) .
    فهذه الاُمور تعرب عن تخطيطاته الخادعة التي حفظ التاريخ بعضها فكان يُعْمِي الأبصار والقلوب بأكاذيبه ورسائله ، فتارة يبايع الزبير وطلحة ، ولمّا فشل أمرهما ، صار يُقدِّم عبدالله بن عمر في أمر الخلافة لولا أنّه خذل عثمان ولم ينصره ، كل ذلك لعكر الصفو وإحداث الصدع.
    إنّ ابن عمر ـ مع سذاجته ـ وقف على نوايا معاوية ، فكتب إليه بكلمة صادقة ، و قال : ما أنا كعلي في الإسلام ، والهجرة ، ومكانه من رسول الله.
    ويجيب سعد بن أبي وقّاص رسالة معاوية بقوله : إن أهل الشورى ليس منهم أحقُّ بها من صاحبه غير أنّ عليّاً كان من السابقة ، ولم يكن فينا مافيه ، فشاركنا في محاسننا ، ولم نشاركه في محاسنه ، وكان أحقَّنا كلّنا بالخلافة.
    ويجيب محمّد بن مسلمة ، كتاب معاوية ويفشي سرّه ويقول بعد كلام : « ولئن نصرتَ (يا معاوية) عثمان ميّتاً ، لقد خذَلْته حيّاً » (2) .

جهود علي ومساعيه لإخماد الفتنة :
    بلغ عليّاً سعي معاوية لإثارة الفتنة بنشر الأكاذيب بين الشاميين وتعمية القلوب ، فعمد إلى إخمادها قبل اشتعالها وكان الإمام على بيّنة من ربّه ، وكيف لا وهو الإمام المنتخب ببيعة الأنصار والمهاجرين ، والخارج عليه ، خارج على
    1 ـ ابن قتيبة الدينوري : الإمامة والسياسة 1/92 ـ 93.
    2 ـ ابن قتيبة الدينوري : الإمامة والسياسة 1/93 ـ 94.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس