بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: 381 ـ 390
(381)
قال : اتّضحت معالم المسألة واضحة ، و بدا لكل ذي عينين أنّ التحكيم لم يكن سوى خديعة لم يبغ من طلبها سوى العدول عن الطريق السوي ، وصحّ كل ما توقّعه علي بن أبي طالب حتى حقّ له أن يقول وقد وقع ما وقع : « أما أنّي قد أخبرتكم أنّ هذا يكون بالأمس ، و جهدت أن تبعثوا غير أبي موسى فأبيتم عَلَيّ » (1) .
    أفيصحّ بعد هذا ، قوله إنّ الأنصار أتوني بأبي موسى فقالوا : ابعث هذا فقد رضيناه ولا نريد سواه؟! مع أنّه لم يرده أبداً وإنّما فرض عليه من فرض.
    ب ـ إنّ الكّتاب الجدد لمّا واجهوا أنّ التحكيم سيّئة من سيّئات المحكّمة واّنّهم هم المسؤولون عن عواقبه الوبيلة ، عمدوا إلى الروايات الشاذّة ومخالقات أعداء الإمام. قالوا : إنّ عليّاً ظلّ يكاتب معاوية سرّاً من دون المسلمين ، فكتب إلى معاوية : من عليّ أمير المؤمنين إلى معاوية ، فكتب إليه معاوية : لو أعلم أنّك أمير المؤمنين لم اُقاتلك ، فامح اسم أمير المؤمنين ، ففعل علي ذلك فبلغ ذلك المسلمين ، فقالوا له : يا علي ما حملك أن تخلع نفسك من اسم سمّاك به المسلمون؟ ألست أمير المؤمنين ومعاوية أمير المخالفين؟ فتب عمّا صنعت ... ، ثمّ إنّهم يذكرون أنّه بعد أن تاب عدل عن توبته و أمضى الحكومة أي التحكيم (2) .
    إنّ ما ذكره من المكاتبة السرّية ليس له مسحة من الحقّ ولا لمسة من الصدق ولا يوجد في كتب القصاصين فضلاً عن التواريخ والسير ، وما ذكره ليس إلاّ قصة التحكيم الّذي شهد عليه الطرفان على وجه التفصيل ، والإمام امتنع عن
    1 ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : 102 نقلاً عن الإمامة و السياسة لابن قتيبة 119.
    2 ـ صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : 112 نقلاً عن القلهاتي : الكشف والبيان : 2 / 237.


(382)
محو إمرة المؤمنين عن نفسه ، وقد أمضى مليّاً من النهار ، وهو يدفع ذلك الاقتراح غير أنّ المحكّمة والطابور الخامس الذين فرضوا على عليّ نفس التحكيم ، فرضوا عليه صيغته أيضاً ، ولم يكن شيئاً خفيّاً من الناس بل كان على مشهد منهم ، وقد ذكر الإمام ما جرى على النبي الاكرم في صلح الحديبية وأنّه سيبتلى بما اُبتلي به رسول الله ، وأمّا قصة التوبة فقد مضى الكلام فيها.
    ج ـ رووا عن علي ـ عليه السلام ـ أنّه بعد ما قتل الخوارج جعل يمرّ عليهم وهو يستغفر لهم و يقول : بئس ما صنعنا قتلنا خيارنا وفقهاءنا ... فقال له بعض أصحابه : يا أمير المؤمنين قتلنا المشركين. قال : من الشرك فرّوا. قال : أمن المنافقين؟ قال إنّ المنافقين لايذكرون الله إلاّ قليلاً و هؤلاء يذكرون الله كثيراً (1) .
    إنّ ما ذكره اّنما هو من مخاريق الخوارج ، حاولوا أن يبرّروا أعمال أسلافهم فالقوم كانوا بغاة على الإمام المفترض طاعته ، ومَنْ حبّه إيمان وبغضه كفر (2) والقوم لم يكونوا مشركين ولا منافقين ، ولكن كانوا بغاة ، ولم يكونوا خيار القوم ولا فقهاءهم بل كانوا من أهل البادية الذين تسيطر عليهم السذاجة ويغترّون بالظواهر من دون التعمّق في البواطن. وأسوأ من ذلك ما نقله في ذيل كلامه ونحن نطهر قلمنا عن ذكره والردّ عليه ، فلم يكن الإمام نادماً من عمله لأنّه حقّق ما تنبّأ به النبي الأكرم في حقّه وأنّه سيقاتل الناكثين والقاسطين و المارقين (3) وآية ذلك انّه كانت للخوارج انتفاضات بعد وقعة النهروان ، فلم يزل علي ـ عليه السلام ـ يبعث السرايا لإطفاء فتنتهم ، و اخماد ثائرتهم إلى أن اُغتيل
    1 ـ الدكتور صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد : 125 ، نقلاً عن القلهاتي في الكشف والبيان : 2 / 252 ـ 254.
    2 ـ مرَ مصدره.
    3 ـ مرّ مصدره.


(383)
بيد أشقاهم شقيق عاقر ناقة ثمود (1) .
    10 ـ لا إمرة إلاّ لله :
    هذا هو الوجه الثاني لتفسير شعارهم « لاحكم إلاّ لله » ولكن الخوارج رفضوه عملاً واختاروا عبد الله بن وهب خليفة لهم إلاّ أنّه كانت توجد بين المتطرّفين منهم تلك النظرية. يقول الكاتب المعاصر علي يحيى معمر :
    « انعزل معارضوا التحكيم إلى جانب ، واستمسكوا بموفقهم الّذي كانت تعبرّ عنه هذه الكلمة أصدق تعبير ، ونشأ عن هذا الموقف موقف آخر متطرّف كل التطرّف ، فإنّ الكلمة حينما اطلقت وقصد منها أنّه لا يجوز للناس أن يحكِّموا فيما نزل فيه حكم الله ، وذلك ما فهمه الإمام علي ورضى به ، وفهمه المعارضون وعملوا به ».
    ولكن اُناساً من المتطرّفين فيما بعد زعموا أنّه لا حاجة إلى الإمارة وأنّه لا داعي لأن يكون للمسلمين حكومة وحملوا كلمة « لاحكم إلاّ لله » هذا المقصد الهدّام ، وهذا التطرّف هو ما سخطته الاُمّة وردّته عنهم ، وتولى الإمام علي شرحه باسهاب وايضاح لايبقى بعده اشكال.
    قال الإمام علي وهو يردّ على اُولئك المتطرّفين الذين خرجوا بكلمة « لاحكم إلاّ لله » عن معناها الّذي وضعت له : « كلمة حق يراد بها الباطل ، نعم لاحكم إلاّ لله ، ولكن هؤلاء يقولون لا إمرة إلاّ لله ، و انّه لابد للناس من أمير برّ أو فاجر ، يعمل في امرته المؤمن ، و يستمتع فيها الكافر ، يبلّغ الله فيها الأجل ، ويجمع بها الفيء ، ويقاتل العدو ، وتؤمن به السبل ، و يؤخذ به للضعيف من
    1 ـ مرّ مصدره.

(384)
القويّ حتى يستريح برّ و يستراح من فاجر » (1) .

الخوارج أنصار عليّ وشيعته؟!
    إنّ الخوارج يعدّون أنفسهم شيعة الإمام علي ـ عليه السلام ـ وأنصاره وانّهم كانوا سواعده القويّة في قتال الناكثين والقاسطين ، و انّهم هم الذين أعاروا جَماجمَهم لعليّ في القتالين ثم يشكون عليّاً بأنّه ما أنصف في حقّ أنصاره وأعوانه ، حيث قتلهم وهم براء من الذنب.
    وممّن صبّ الشكوى في قالب الشعر ، هو أبو مسلم ناصر بن سالم بن عديم الرواحي يقول في قصيدة له :
ارقتَ دماء المؤمنين بريئة عليّاً أمير المؤمنين بقيّة! سمعناك تنفي شركهم و نفاقهم وما الناس إلاّ مؤمن أو منافق وقد قلت ما فيهم نفاق ولا بهم فهل أوجب الإيمان سفك دمائهم ؟ تركتَهم جزر السباع ، عليهم مصاحفهم مصبوغة بدمائهم وكنتَ حفياً يا بن عمّ محمّد لهن بزيزاء (2) الحراء (3) خرير (4) كأنّ دماء المؤمنين خمور فأنت على أيّ الذنوب نكير ؟! ومنهم جحود بالإله كفور جحود و هذا الحكم منك شهير وأنت بأحكام الدماء بصير! لفايف من إيمانهم و ستور عليهن من كتب السهام سطور بحفظ دماء مالهن خطير

    1 ـ علي يحيى معمّر : الاباضية في موكب التاريخ ، الحلقة الثالثة : 284.
    2 ـ الزيزاء : الاكمة الصغيرة.
    3 ـ الحراء : الحرّة : أرض ذات حجارة سود كأنها اُحرقت بالنار.
    4 ـ صوت الماء.


(385)
وكنتَ حفياً أن يكونوا بقيّة أما و الّذي لاحكم من فوق حكمه تنادي : أعيروني الجماجم كرّة لَقِدْماً أعاروك الجماجم خشّعاً فقصعتها إذ حَكَّمت حكم ربّها لنصرك حيث الدائرات تدور على خلقه ورد به و صدور فقد قدموها و الوطيس سعير عليهنّ من قرع الصفاح فتور فما بقَّيْتَ عارية و معير (1)
    والحقّ إنّ هذه الأبيات تثير العواطف العمياء ضدّ الإمام ، ويتخيّل صاحبها أنّ الإمام قد جحد حقّهم و تساهل ، و لكنّه إذا رجع إلى غضون التاريخ ، سرعان ما يرجع عن قضائه و يلوم نفسه على التسرّع ، وإن كنت في شكّ من ذلك فارجع إلى ما ذكرناه من تاريخهم و أعمالهم الإجرامية حين التحكّيم وبعده ، وهنا نشير إلى نكات :
    1 ـ إنّ قوله : سمعناك تنفي شركهم ونفاقهم يشير إلى ما رواه عن علي أنّه قال له بعض أصحابه : يا أمير المؤمنين قتلنا المشركين. قال : من الشرك فرّوا. قال : أمن المنافقين؟ قال إنّ المنافقين لايذكرون الله إلاّ قليلاً وهؤلاء يذكرون الله كثيراً (2) .
    يلاحظ عليه أوّلاً : انّ المروي عن علي ـ عليه السلام ـ في حقّ هؤلاء هو ما ذكره الطبري بقوله : بؤساً لكم لقد ضرّكم من غرّكم ، فقالوا : يا أمير المؤمنين من غرّهم؟ قال : الشيطان ، وأنفس بالسوء أمّارة ، غرّتهم بالأماني ، وزيّنت لهم المعاصي ونّبأتهم أنّهم ظاهرون (3) .
    1 ـ صالح بن اُحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : 127 ـ 128.
    2 ـ الدكتور صالح بن أحمد الصوافي : الإمام جابر بن زيد العماني : 125 ، نقلاً عن القلهاتي في الكشف والبيان : 2 / 251 ـ 254.
    3 ـ الطبري 4 / 66.


(386)
    ثانياً : نفترض صحّة الحديث ولكن القوم كانوا عصاة وبغاة ، خارجين على الإمام المفترض عليهم طاعته ، والعصاة عندكم كفّار ، وعندنا فسّاق ولا حرمة للكافر ، والفاسق يقتل في ظروف خاصّة ، خصوصاً إذا بغى على الإمام الّذي أصفقت الاُمّة على إمامته وخلافته ، قال سبحانه : ( وَ إِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلحُوا بَيْنَهُما فَإنْ بَغَتْ إحْدَاهُما عَلَى الاُخْرى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِى حَتَّى تَفِىءَ إِلَى أَمْرِ الله فَإِنْ فَاءَتْ فَاَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إنَّ الله يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) (1) .
    فقد برّر سفك دمائهم بغيهم و خروجهم على الإمام المفترض طاعته ، و على ضوء ذلك فلا معنى لقوله : « فهل أوجب الإيمان سفك دمائهم؟ ... ».
    2 ـ إنّ الشاعر في قوله : تركتهم جزر السباع ... » يشير إلى أنّ الإمام قتلهم ثمّ تركهم مثل من تفتكه السباع وتتركه ، ولكن التاريخ يشهد على خلافه. يقول الطبري :
    « طلب عديّ بن حاتم ابنه طرفة فوجده فدفنه ، ثمّ قال : الحمد لله الّذي ابتلاني بيومك على حاجتي إليك ، و دفن رجال من الناس قتلاهم ... »
    بل الإمام قام بعطف إنساني قدير. يقول الطبري :
    « و طلب من به رمق منهم فوجدوهم أربعمائة رجل ، فأمر بهم عليّ فدفعوا إلى عشائرهم ، وقالوا : احملوهم معكم ، فداووهم ، فإذا برأوا فوافوا بهم الكوفة ، وخذوا ما في عسكرهم من شيء ، قال : وأمّا السلاح والدواب وما شهدوا عليه الحرب فقسّمه بين المسلمين ، وأمّا المتاع و العبيد و الإماء فإنّه حين قدم ردّه على أهله » (2) .
    1 ـ الحجرات : 9.
    2 ـ الطبري : التاريخ 4 / 66.


(387)
    3 ـ يشير الشاعر بقوله : « تنادي اعيروني الجماجم كرّة ـ فقد قدّموها والوطيس سعير » إلى ما خدموا عليّاً ـ عليه السلام ـ في الجمل وفي صفّين قبل رفع المصاحف وهو صادق في هذا العزو و النسبة ، ولكنّهم يا للأسف بخلوا بها في الموقف الحاسم الّذي كان بينه وبين النصر خطوة ، وذلك عندما رفع أهل الشام المصاحف. قال الإمام : « عباد الله ، إنّي أحق من اجاب إلى كتاب الله ، ولكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و حبيب بن مسلمة ، وابن أبي سرح ، ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن ، إنّي أعرف بهم منكم ، صحبتهم أطفالاً ، و صحبتهم رجالاً ، فكانوا شرّ أطفال و شرّ رجال. إنّها كلمة حق يرادبها باطل. انّهم و الله ما رفعوها انّهم يعرفونها و يعملون بها ، و لكنّها الخديعة والوهن و المكيدة. أعيروني سواعدكم وجماجمكم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحق مقطعة ، ولم يبق إلآ أن يقطع دابر الذين ظلموا » فجاء زهاء عشرين ألفاً مقنّعين في الحديد شاكي السلاح ، سيوفهم على عواتقهم ، وقد اسودّت جباههم من السجود ، يتقدمهم مسعر بن فدكي ، وزيد بن حصين ، وعصابة من القرّاء الذين صاروا خوارج من بعد ، فنادوه باسمه لابإمرة المؤمنين : يا علي ، أجب القوم إلى كتاب الله إذا دعيت إليه ، و إلاّ قتلناك كما قتلنا ابن عفّان ، فوالله لنفعلنها إن لم تجبهم فقال لهم : ويحكم ، أنا أوّل من دعا إلى كتاب الله و أوّل من أجاب إليه ، وليس يحلّ لي ولا يسعني في ديني أن اُدعى إلى كتاب الله فلا أقبله ، إنّي انّما اُقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ، فإنّهم قد عصوا الله فيما أمرهم ، ونقضوا عهده ، ونبذوا كتابه ، ولكنّي قد أعلمتكم أنّهم قد كادوكم ، وأنّهم ليسوا العمل بالقرآن يريدون. قالوا : فابعث إلى الأشترليأتيك وقد كان الأشتر صبيحة ليل الهرير قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله ...
    وقد بلغ بخلهم وضنتهم باعارة جماجمهم إلى حد طلب منهم الأشتر أن


(388)
يمهلوه فواقَ ناقة أو عدوة الفرس فما أمهلوه. قال لهم : امهلوني فواقاً فإنّي قد أحسست بالفتح. قالوا : لا. قال : فامهلوني عدوة الفرس ، فإنّي قد طمعت في النصر ، قالوا : اذن ندخل معك في خطيئتك. قال : وحدثوني عنكم ـ وقد قتل أماثلكم وبقي أرذالكم (1) .
    فالحقّ إنّ الخوارج كانوا أنصار عليّ في البداية وإلى أثناء حرب صفّين ثمّ انقلبوا.
    وممّا يندي الجبين انّ زيد بن حصين الطائي قد قدم إلى عليّ و معه عصابة من القرّاء فنادوه كما عرفت (2) لا بإمرة المؤمنين بل باسمه وفرضوا عليه قبول التحكيم ، وهو بعد أيّام قلائل كان المرشّح الأوّل في أخذ البيعة لواحد من المحكّمة في الحروراء ، يقول الطبري :
    قال حمزة بن سنان الأسدي : إنّ الرأي ما رأيتم ، فولّوا أمركم رجلاً منكم فإنّه لابدّ لكم من عماد وسنان ، وراية تحفّون بها وترجعون إليها ، فعرضوها على زيد بن حصين الطائي فأبى ، و عرضوها على حرقوص بن الزهير فأبى ، وعلى حمزة بن سنان وشريح بن أوفى العبسي فأبيا ، وعرضوها على عبد الله بن وهب ، فقال : هاتوها ... (3)
    فالرجل ذو طبيعة متسرّعة في القضاء ، فيوماً يفرض التحكيم على علي ويوماً آخر يستنكر التحكيم و يُرشَّح لقيادة الثورة على علي لأجل قبول التحكيم!!
    4 ـ قد جادت قريحة العلاّمة الفقيه الشيخ محمود البغدادي ـ دامت معاليه ـ بقصيدة ضافية فنّد فيها ما جاء في الأبيات السابقة نقتطف منها مايلي :
    1 ـ ابن مزاحم : وقعة صفّين 499.
    2 ـ ابن مزاحم : وقعة صفّين 499.
    3 ـ تاريخ الطبري : 4 / 55.


(389)
تراءت (1) فقلتُ الشمسُ حيثُ تنيرُ ولستَ ترى في الخلق مثلَ عقيدة ادافع عنها من أراد مساءةً وليس محبّاً من يُخلّي عداتَه أَمثْل ُ عليّ في عدالةِ حكمه عليٌّ عليٌّ بابُ علمِ محمّد أ إنْ زار بالجيش العرمرم ثُلَّة وقد فارقوه بعد نصر مؤَزَّر وقِدماً أعاروه الجماجم خُشّعاً وهل ينفع النصر القديم إذا امّحى همُ قد أثاروا الحرب حين تنكّبوا و هم مرقوا كالسهم من دين أحمد لَعَمري لَنعمَ الصحْبُ كانوا لصاحب إذا هُمُ بعد الحبّ لُدّاً تأَلّبوا أ إِنْ رفع القرآنُ خدعةَ خادع فقال علي لا تجيبوه للتي أ إن قد حملتم حملة حيدريّة يُرِدْكُمُ للإذلال بعد تعزّز أعيروني لله الجماجم ساعة ألا تمهلوني ـ يا رفاقَ مسيرة ـ إذا كنتُ بالأحكام أبصرَ باصر ففي القلب منها لوعةٌ و سعيرُ جمالاً يرد الطرفَ و هو حسيرُ واقمع من قد صدَّ و هو جَسورُ تشنُّ على أحبابه وتُغير يُردُّ ... و عشّاقُ الجمالِ حضور و ذاك حديث كالبدور شهير يُعَبْ زائر أوْ يُمدَحنَّ مَزورُ ولم يُلفَ منهم بعد ذاك ظهير و ماكلُّ من وافى الحروب يعير بحقد ، و فارت بالعداء قدور سلاحاً كثيفاً والسلاحُ يثير و ذلك أمرٌ ما عليه ستورُ ولكنّما الدنيا الفتون غرور و دارت رحاهم و الزمانُ يدور أُجيب صغيرٌ واسْتُضِلَّ كبيرُ أراد فدعوى من دعاكمُ زور و رفرف لي نصر و قام بشير؟! وهل عزّة كالنصر حين يمور فإنّ عدوّي حين ذاك فَرور فُواقَ انتصار و الفواقُ يسير؟ دعوني و ما قد أرتاي و أُشير

    1 ـ ضمير التأنيث يرجع إلى العقيدة المعلومة من سياق القصيدة.

(390)
ولا خيرَ في نسك بغير بصيرة فقالوا أجبهم للّتي قد دعوا لها وإلاّ تجبهم يا عليُّ فإنّنا و ساروا إلى أرض الحروراء واَغْتَدوا فقال لهم هيّا أنيبوا إلى الهدى أطيعوني ما كنت التبيع لأحمد فقالوا له أنت الكَفورُ فتُبْ وثُبْ وحجّوني بالقرآن إنْ كنُتُم على ولمّا تنادوا للقتال تقدّموا فأَرداهُم صُنْو النبي محمّد فياعجبا كيف ابن وهب (1) يثيرها وكان قؤولاً : خمّروا الرأي تُفلحوا فإن له في عتبة بن ربيعة الاّ أنّها الأَقدارُ إنْ حانَ حينها ويا ربَّ علم مثل جهل مركب ويا ربَّ علم يُحمَدُ الجهلُ عندَهُ وأجدر من خاض الحروب بصير فَثمَّ كتابٌ حاكم و أمير عداةٌ اشداءٌ عليك نسور لحرب عليّ والزمان غَدور وهيّا معي نحو العداة فسيروا فإن أنا لم اتبع خُطاه فثوروا فما قادنا نحو الجهاد كفور مقاطع حقّ فالحقيقةُ نور كآساد خفان لهنّ زئير بلا ندم والعزمُ منه مريم ولم تختصر و الرأي منه أسير فأكرم آراء الرجال خمير (2) مشابه حال تلتقي و تجور (3) يُغلَّب فِكِّيرٌ (4) بها و خطيرُ قليلٌ به الإنسان و هو كثير و تُعزى له تمجِيدَةٌ وشُكورُ

    1 ـ المراد : عبد الله بن وهب الراسبي رأس المحكّمة.
    2 ـ اشارة إلى ما اثر عنه : دعوا الرأي حتى يختمر فلا خير في الرأي الفطير.
    3 ـ تميل.
    4 ـ فكّير : كثر التفكير. خطير : عظيم الشأن.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الخامس ::: فهرس