المقنع ::: 1 ـ 16

المقنع
تأليف
الشيخ الاقدم
ابي جعفر الصدوق
محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي
المتوفّى سنة 381 هـ
نشر مؤسسة الإمام الهادي ( عليه السلام )


(2)

(3)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد :
    الحمد للّه ربِّ العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمّد وعلى أهل بيته الطاهرين.
    شكراً لك يا ربّ أن هديتنا إلى الدّين المبين ، وجعلتنا من المتمسكين بالثقلين ، ومن المساهمين في إحياء تراث الأئمّة الهداة المهديين.
    أمّا بعد : فكتاب المقنع يعدّ من الكتب الفقهيّة الأصيلة ، ومن أهم المصادر للفقهاء منذ جميع العصور ، وذلك لأنّ عباراته كلّها ألفاظٌ للأحاديث المسندة ، بَيد أنّ المصنّف حذف أسنادها رَوماً للإختصار ، وثقةً بوجودها في أُمّهات الأُصول وكتب الأحاديث.
    وهو في الواقع رسالة فتوائية للشيخ الصدوق ، دوّن ألفاظه من متون الأحاديث.
    ومن هنا قـ ال ( رحمه الله ) : إنّي صنّفت كتابي هذا وسميّتـه كتاب المقنع ، لقنوع من يقرأه بما فيه ، وحذفت الأسانيد منه لئلاّ يثقل حمله ولا يصعب حفظه ولا يملّ قارئه ، إذ كان ما أُبيّنه فيه في الكتب الأُصولية موجوداً مبيّناً على المشائخ العلماء الفقهاء الثقات رحمهم اللّه.


(4)
    وذكر المحدّث النوري بعد بيان كلام الصّدوق ( قدّس سرّه ) : بأنّ هذه العبارة كما ترى متضمّنة لمطالب :
    الأوّل : أنّ ما في الكتاب خبر كلّه إلاّ ما يشير إليه.
    الثاني : أنّ ما فيه من الأخبار مسند كلّه ، وعدم ذكر السّند فيه للإختصار ، لا لكونها من المراسيل.
    الثالث : أنّ ما فيه من الأخبار مأخوذ من أُصول الأصحاب ، التي هي مرجعهم ، وعليها معوّلهم ، وإليها مستندهم ، وفيها مباني فتاويهم.
    الرابع : أنّ أرباب تلك الأُصول ورجال طرقه إليها من ثقات العلماء ، وبذلك فاق قدره عن كتاب الفقيه.
    وأضاف ( قدّس سرّه ) : والحـق أنّ ما فيـه عين متـون الأخبار الصحيحـة بالمعنى الأخص ، الذي عليه المتأخرون (1).
    وقال المجلسي في بحاره : ينزّل أكثر أصحابنا كلامه ـ الصدوق ـ وكلام أبيه منزلة النّص المنقول والخبر المأثور (2).
    فلأهميّة هذا الكتاب رأينا من الأفضل إخراج كتاب المقنع بحلّة جديدة ، بالتحقيق المشتمل على تصحيح متنه ، وتخريج مصادره ، والتعليق عليه في موارده الغامضة ، لكي يرجع إليه العلماء بكل ثقة ، ويطمئنّوا بصحّة متنه.
    ولإنجاز هذا المشروع قامت مؤسسّة الإمام الهادي ( عليه السلام ) في مبتدء نشاطها العلمي بتحقيق وإخراج هذا الكتاب الشريف بشكل رائق ، رجاء أن تكون خطوة لإحياء تراث السلف الصالح ، وخدمةً للحوازات العلميّة ، تحرّياً لمرضاة الرّب ، وتقرّباً إلى الرسول ( صلَّى الله على وآله وسلَّم ) والأئمّة ( عليهم السلام ).
1 ـ مستدرك الوسائل ، طبع حجري : 3 / 327.
2 ـ بحار الأنوار : 10 / 405.


(5)
حياة المؤلّف
    1 ـ اسمه ونسبه :
    هو الشيخ الأجل والأقدم ، أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن موسى ابن بابويه المشتهر بالصدوق.
    والده : هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ، أبو الحسن شيخ القميين في عصره ، ومتقدّمهم وفقيههم وثقتهم.
    وأُمّه جارية ديلميّة ، كما سنذكر.
    2 ـ ولادته ونشأته :
    ولـد المصنّـف ( رحمه الله ) بدعـ اء القـ ائـم ( عليه السلام ) بقم ، بعـد سنة 305 هـ ، وترعرع ونشأ بين يدي أبيه ـ العالم الكامل الفقيه الثّقة ـ نحو عشرين سنة ، فقرأ عليه وأخذ عنه.
    روى الشيخ بإسناده ، عن علي بن الحسن بن يوسف الصائغ القمّي ، ومحمّد بن أحمد بن محمّد الصيرفي ـ المعروف بابن الدلاّل ـ وغيرهما من مشايخ أهل قم : أنّ علي بن الحسين بن موسى بن بابويه كانت تحته بنت عمّه ، محمد بن موسى بن بابويه فلم يرزق منها ولداً ، فكتب إلى الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح ( رضي اللّه عنه ) أن يسأل الحضرة أن يدعو اللّه ، أن يرزقه أولاداً فقهاءً ، فجاء الجواب : « إنّك لا ترزق من هذه ، وستملك جارية ديلميّة ، وترزق منها ولدين فقيهين » (1).
1 ـ كتاب الغيبة للشيخ الطوسي : 188 و 195 ، وانظر رجال النجاشي : 261 ، وكمال الدين وتمام النعمة : 2 / 502 ح 31.

(6)
    3 ـ الثناء عليه :
    قال النجاشي : شيخنا وفقيهنا ، ووجه الطائفة بخراسان. وكان ورد بغداد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة ، وسمع منه شيوخ الطائفة وهو حدث السن (1).
    وفي رجال الطوسي : جليل القدر ، حفظة ، بصير بالفقه والأخبار والرجال ، له مصنّفات كثيرة (2).
    وجاء في فهرسته : جليل القدر ، يكنّى أبا جعفر ، كان جليلاً حافظاً للأحاديث ، بصيراً بالرجال ، ناقداً للأخبار ، لم يُرَ في القميّين مثله في حفظه وكثرة علمه ، له نحو من ثلاثمائة مصنّف (3).
    وقال ابن ادريس : كان ثقةً جليل القدر ، بصيراً بالأخبار ، ناقداً للآثار ، عالماً بالرجال ، حفظة (4).
    وذكر العلاّمة في خلاصته : شيخنا وفقيهنا ، ووجه الطائفة بخراسان (5).
    وجاء في رجال ابن داود الحلّي : جليل القدر ، حفظة ، بصيرٌ بالفقه والأخبار ، شيخ الطائفة وفقيهها ، ووجهها بخراسان ، له مصنّفات كثيرة لم يُرَ في القميّين مثله في الحفظ وفي كثرة علمه (6).
    وفي روضة المتقين للمولى محمّد تقي المجلسي : وثّقه جميع الأصحاب ، لمّا حكموا بصحّة أخبار كتابه ، بل هو ركن من أركان الدين ، جزاه اللّه عن الإسلام والمسلمين أفضل الجزاء (7).
    وقال المجلسي في بحاره : ( بأنّه ( قدّس سرّه ) ) من عظماء القدماء ، التابعين لآثار
1 ـ رجال النجاشي : 389.
2 ـ رجال الطوسي : 495.
3 ـ الفهرست : 157 رقم 695.
4 ـ السرائر : ج 2 / 529.
5 ـ خلاصة الأقوال : 147.
6 ـ رجال ابن داود : 179.
7 ـ روضة المتقين : 14 / 16.


(7)
الأئمّة النجباء ، الذين لا يتّبعون الآراء والأهواء ، ولذا ينزّل أكثر أصحابنا كلامه وكلام أبيه منزلة النص المنقول ، والخبر المأثور (1).
    وذكر المامقاني : التأمل في وثاقة الرجل وعدالته وجلالته ، كالتأمّل في نور الشمس الضاحية (2).
    4 ـ أساتذته ومشايخه :
    تتلمذ شيخنا المترجم له ، عند أساطين العلم ، وكبار العلماء ، ولا سيّما والده المعظّم ـ كما مرّ آنفاً ـ ويبلـغ عـدد أساتذته وشيوخه أكثر من مأتين ، وجاء في مستدرك الوسائل سرد أسمائهم ، فراجع (3).
    5 ـ تلامذته والرّاوون عنه :
    تتلمذ عليه الكثير من علماء الطائفة وجهابذتهم ، و روى عنه جماعة من فطاحل العلماء ، إلاّ أنّه لا يسعنا إستقصاءهم على التحقيق ، وسرد أسماء جميعهم ، بل نذكر نبذة يسيرة من الأعلام المشهورين :
    1 ـ أخو المترجَم له : الشيخ الفقيه ، الحسين بن علي بن موسى بن بابويه القمّي ( رحمه الله ).
    2 ـ ابن أخ المترجَم له : الشيخ ثقة الدين ، الحسن بن الحسين بن علي بن موسى القمّي ( رحمه الله ).
    3 ـ والد الشيخ النجاشي : الشيخ الثقة ، علي بن أحمد بن العباس ( رحمه الله ).
1 ـ بحار الأنوار : 10 / 405.
2 ـ تنقيح المقال : 3 / 154.
3 ـ مستدرك الوسائل ، طبع حجري : 3 / 713.


(8)
    4 ـ صاحب كفاية الأثر : الشيخ الثقة ، أبو القاسم علي بن محمد بن علي الخزاز ( رحمه الله ).
    5 ـ الشيخ الجليل : محمد بن محمد بن النعمان ، المفيد ( رحمه الله ).
    6 ـ الشيخ الجليل : أبو عبد اللّه الحسين بن عبيد اللّه الغضائري ( رحمه الله ).
    7 ـ الشيخ الثقة : أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري ( رحمه الله ).
    6 ـ رحلاتـه :
    رحـل المترجَـم لـه ( رحمه الله ) من قم إلى الرّي ، ثم سـ افر إلى مـدن متعدّدة ، كنيسابور ، ومشهد الرضا ( عليه السلام ) ، وسمرقند ، وبلخ ، وأسترآباد ، وهمدان ، وجرجان ، وبغداد ، والكوفة ، ومكّة ، والمدينة ، وحينما كان يصل إلى بعض البلدان يجتمع عليه العلماء والفضلاء ، للنّيل من عذب علومه ، وسجيّة أخلاقه ، وسماع أحاديثه.
    7 ـ آثاره العلمية :
    وللمترجَم له ( رحمه الله ) مؤلفات كثيرة ، تقرّب من ثلاثمائة كتاب ، ذكر عدّة منها النجاشي في رجاله ، والشيخ في فهرسته.
    ومن مؤلّفاته القيّمة الموجودة : « كتاب من لا يحضره الفقيه » ، ـ وهو أحد الكتب الأربعة المعتمدة عنـد الشيعـة ـ ، و « علل الشرائـع » ، و « الخصـ ال » ، و « الأمالي » ، و « عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) » ، و « ثواب الأعمال » ، و « التوحيد » ، و « المقنع » الذي بين يديك.
    وذكر العلاّمة المجلسي ( قدّس سرّه ) في بحاره : ضمن أسماء كتب الصدوق ( رحمه اللّه ) : المقنع (1) ، وأضاف القول في مكان آخر : بأنّ هذه الكتب لاتقصر في الإشتهار
1 ـ بحار الأنوار : 1 / 6 ـ 7.

(9)
عن الكتب الأربعة (1).
    وله كتاب آخر إسمه : مدينة العلم ، وهو يعدّ خامساً للكتب الأربعة ، وكان موجوداً ظاهراً إلى عصر الشيخ حسين بن عبد الصمد ، والد شيخنا البهائي ( قدّس سرّهما ) بَيد أنّه فُقِد ، ولم يَبق له أثر ، ما عدا المنقولات عنه في أبواب متعدّدة من كتب الفقه والحديث (2).
    8 ـ وفاته ومدفنه :
    توفّي ( رحمه الله ) بالـرّي سنـة 381 هـ ، وقبره مـزار معـروف يقصـده أربـ اب الحوائج ، بقرب مرقد السيّد عبد العظيم الحسني ( رحمه الله ).
    نسخ الكتاب :
    1 ـ النسخة المحفوظة في المكتبة العامّة للمرحوم آية اللّه العظمى المرعشي النجـفي ( قدّس سرّه ) مـع غنيـة ابن زهـرة ( رحمه الله ) المرقّمـة 4511 ، وتأريخ كتابته ـ ا 1257 هـ بخط محمد بن الحسين بـن علي أكبر الخونساري ، ورمزنا لها بالحرف « أ ».
    2 ـ النسخة المحفوظة في المكتبة السابقة ضمن كتاب « الجوامع الفقهية » المرقّمة 4332 ، وتأريخ كتابتها 1231 هـ بخط محمّد تقي ، ورمزنا لها بالحرف « ب ».
1 ـ بحار الأنوار : 1 / 26.
2 ـ الذريعة : 20 / 251 رقم 2830.


(10)
    3 ـ النسخة المحفوظة في المكتبة الرضوية في مشهد المقدسة المرقمة 2620 ، وهي من وقف نادر شاه سنة 1145 هـ ، ورمزنا لها بالحرف « ج ».
    4 ـ النسخة المحفوظة في مكتبة جامع گوهر شاد في مشهد المقدّسة المرقمة 721 وتأريخ كتابتها 1244 هـ ، ولم يذكر اسم كاتبهـ ا ، وهي من وقف الحاج السيد سعيد الطباطبائي ( قدّس سرّه ) سنة 1332 هـ ورمزنا لها بالحرف « د ».
    5 ـ النسخـة المحفوظـة في مكتبـة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، المفهرسة بالرقم 1272 ، ورقم الثبت 13192 وتأريخ كتابتها سنة 1241 هـ ، والظاهر أنّها بخط محمد بن خضر ، ورمزنا لها بالحرف « م ».
    6 ـ النسخة المحفوظة في المكتبة السابقة ، المفهرسة بالرقم 5852 ، ورقم الثبت 41599 ، وتأريخ كتابتها 1234 هـ بخط ابن محمـد مهدي علي آبـ ادي اليزدي ـ عبد المجيد ـ ورمزنا لها بالحرف « ش ».
    7 ـ النسخة المحفوظة في مكتبة المرحوم آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ( قدّس سرّه ) المرقّمة 2219 ضمن كتاب الجوامع الفقهية ، وتأريخ كتابتها 1247 هـ بخط محمّد علي ، وقد كتب في الصفحة الأُولى بالفارسية ما معناه : أنّ الكتاب قد قوبل من قبل المرحوم صاحب الرياض.
    وقد اعتمدنا في تحقيق الكتاب على النسخ الأربع الأُولى وعند الحاجة راجعنا النسخ الثلاث الأخيرة.
    منهج التحقيق :
    إنّ هدفنا الرئيسي في تحقيق الكتاب منصبّ على أمرين :
    الأوّل : إثبات متن صحيح للكتاب.
    الثاني : تخريج الكتاب من المصادر الأُخرى المعتبرة.


(11)
    وفي نهجنا التحقيقي اتّبعنا الخطوات التالية :
    1 ـ مقابلة النسخ الخطّيـة ـ أ ، ب ، ج ، د ـ والكتب التي نقلت عن المقنع وهي : المختلف ، والذكرى ، ومسالك الافهام (1) ، والبحار ، والوسائل ، ومستدرك الوسائل.
    2 ـ اتّباع اسلوب التلفيق في تحقيقه.
    3 ـ إثبات ما سق ـ ط من النسخ الخطّيّـة من الكتب الستّـة المذكورة في الرقم « 1 » ، وحصره ما بين المعقوفين [ ] والاشارة إليه في الهامش ، ولم نثبت في المتن إلاّ ما نُقل عن المقنع بصورة مباشرة وكاملة.
    وما ورد ما بين [ ] دون الاشارة إليه في الهامش فهو من عندنا لتنظيم أبواب الكتاب.
    4 ـ التعليـق على بعض العبارات المبهمة ، بالاستفادة من أقوال فطاحل علمائنا كالشيخ الطوسي ، والعلاّمة الحلّـي ، والمجلسي ـ رحمهم اللّه ـ.
    5 ـ الاشارة إلى موارد الاختلاف في أقوال المصنّف ، في الكتاب وسائر كتبه.
    6 ـ الاشارة إلى ما خالف المشهور من الأحكام.
    7 ـ الاشارة إلى الاختلافات اللفظية.
    8 ـ شرح الألفاظ الصعبة نسبيّاً.
    9 ـ ترجمة بعض الأعلام ، وتوضيح الأماكن والبقاع.
    10 ـ تخريج الآيات الكريمة.
    11 ـ الاشارة إلى ما تقدم ويأتي في الكتاب.
    وإتماماً للفائدة أعددنا فهارس فنية للكتاب في آخره.
1 ـ قد ذكر الشهيد الثاني فيه بعد نقل رواية عن المقنع : هكذا عبّر الصدوق وهو عندي بخطه الشريف. مسالك الافهام : 2 / 87 ، كتاب الظهار ، الكفّارات.

(12)
    كلمة شكر وتقدير :
    وختاماً نتقدم بجزيل الشكر الى السادة العلماء والمحققين الذين آزَرونا في انجاز هذا المشروع ، كما نشكر مسؤولي مكتبة آية اللّه العظمى المرعشي النجفي ( قدّس سرّه ) والمكتبة الرضوية ومكتبة جامع گوهرشاد ومكتبة مجلس الشورى الإسلامي في طهران ، ومديرية مدرسة عترة آل محمد ( صلَّى الله على وآله وسلَّم ) ومدرسة الشهيدين ( بهشتي وقدوسي ) راجين من اللّه العلي القدير التوفيق والسداد والاخلاص في العمل.
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين
لجنة التحقيق            


(13)


(14)


(15)


(16)
المقنع ::: فهرس