المتعة ::: 1 ـ 15

مركز الأبحاث العقائدية ـ سلسلة الندوات العقائدية ( 26 )
المتعة
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب العقائدية ( 87 )
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدّمة المركز
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد


(6)
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
    
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد
    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاوّلين والاخرين.
    هناك مسائل في علوم مختلفة ، هذه المسائل تدخل إلى علم الكلام وتكون من المسائل الاعتقاديّة.
    فمثلاً : لو بحث تأريخياً عن أنّه من كان أوّل من أسلم ، هذه ربّما تعتبر قضيّة تاريخيّة ، لكنّ هذه القضيّة يبحث عنها في علم الكلام أيضاً ، وتدخل ضمن المسائل الاعتقاديّة ، بلحاظ أنّ لها دخلاً في مسألة الامامة والخلافة بعد رسول الله.
    وفي علم الاُصول مسألة هل خبر الواحد حجّة أو لا ؟ هذه


(8)
المسألة مسألة أصوليّة ، إلاّ أنّها تأتي إلى علم الكلام ومسائل الاعتقادات ، بلحاظ أنّ بعض الروايات التي يستدلّ بها في علم الكلام ، تلك الروايات أخبار آحاد ، فلابدّ وأن يبحث عن حجيّتها من حيث أنّ خبر الواحد حجّة أو لا ؟
    وفي علم الفقه مسائل خلافيّة ، كمسألة المسح على الرجلين مثلاً كما يقول الامامية أو غسل الرجلين كما يقول غيرهم ، هذه مسألة فقهيّة وتطرح في علم الكلام وتأتي في المسائل العقائديّة ، من حيث أنّ في هذه المسألة لبعض الصحابة دوراً ، أو لبعض الخلفاء دوراً ، فتأخذ المسألة صبغة كلاميّة عقائديّة.
    ومن ذلك مسألة المتعة.
    بحث المتعة بحث فقهيّ ، إلاّ أنّه أصبح بحثاً فقهيّاً كلاميّاً تاريخيّاً مهمّاً ، له دور في مسألة تعيين الامام بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    هذه المسألة لها دخل في صلاحيّة بعض الاصحاب للخلافة ، وعدم صلاحيتهم للخلافة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    ولذلك نرى أنّ العلماء من الجانبين وفقهاء الفريقين والمتكلمين من الطرفين اعتنوا بهذه المسألة اعتناء كثيراً منذ القديم ، وأُلّفت في هذه المسألة كتب ورسائل ، وكتبت مقالات


(9)
وبحوث ، وما زال هذا البحث مطروحاً في الاوساط العلميّة ، لا لانّا نريد أن نتمتّع ، وليس من يبحث عن هذه المسألة يريد إثبات حليّتها أي حليّة المتعة ليذهب ويتمتّع ، وإنّما المسألة ـ كما أشرت ـ مسألة ترجع إلى أصل الامامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، لانّها أصبحت مسألة خلافيّة بين الصحابة وكبار الاصحاب ، وأصبحوا على قسمين ، منهم من يقول بحليّة المتعة بعد رسول الله ، ومنهم من قال بعدم جوازها ، فنريد أن نبحث عن هذه المسألة لنعرف أنّ الحق مع من ؟ وأنّ القائل بالحرمة بأيّ دليل يقول.
    لسنا في مقام استعمال المتعة حتّى يقال بأنّكم تصرّون على حليّة المتعة ، فلماذا لا تفعلون أو لماذا تكرهون ؟ ليس الكلام في هذا ، وإلاّ فكلّ من يبحث عن هذه المسألة إمّا مجتهد فيعمل طبق فتواه ، وإمّا هو مقلّد فيعمل بحسب فتوى مقلَّده في هذه المسألة ولا نزاع حينئذ.
    لكنّ الكلام يرجع إلى مسألة عقيديّة لها دخل في الاعتقادات ، ولذا لا يقال أنّ المسألة الكذائيّة تاريخيّة ، فلماذا تطرح في علم الكلام ، هذا خطأ من قائله ، لانّه لا يدري أو يتجاهل.
    فمسألة أوّل من أسلم المشهور أو الثابت حتّى عند غيرنا ، أي


(10)
المحققين المنصفين منهم ، أنّ أوّل من أسلم هو أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وفي المقابل قول بأنّها خديجة ، وقول بأنّه أبو بكر ، لكنْ عندما نحقّق نرى روايةً بسند صحيح أنّ أبابكر إنّما أسلم بعد خمسين نفر ، وهذه مسألة لها دخل في الاعتقادات ، فلا يقال بأنّها مسألة تاريخيّة فحسب.


(11)
    متعة النساء هي : أن تزوّج المرأة العاقلة الكاملة الحرّة نفسها من رجل ، بمهر مسمّى ، وبأجل معيّن ، ويشترط في هذا النكاح كلّ ما يشترط في النكاح الدائم ، أي لابدّ أن يكون العقد صحيحاً ، جامعاً لجميع شرائط الصحّة ، لابدّ وأن يكون هناك مهر ، لابدّ وأن لا يكون هناك مانع من نسب ، أن لا يكون هناك مانع من محرميّة ورضاع مثلاً ، وهكذا بقيّة الاُمور المعتبرة في العقد الدائم ، إلاّ أنّ هذا العقد المنقطع فرقه مع الدائم :
    أنّ الدائم يكون الافتراق فيه بالطلاق ، والافتراق في هذا العقد المنقطع يكون بانقضاء المدّة أو أن يهب الزوج المدّة المعيّنة.
    وأيضاً : لا توارث في العقد المنقطع مع وجوده في الدائم.
    وهذا لا يقتضي أن يكون العقد المنقطع شيئاً في مقابل العقد الدائم ، وإنّما يكون نكاحاً كذاك النكاح ، إلاّ أنّ له أحكامه الخاصّة.


(12)
    هذا هو المراد من المتعة والنكاح المنقطع ، وحينئذ هل أنّه موجود في الشريعة الاسلاميّة أو لا ؟ هل هذا النكاح سائغ وجائز في الشريعة ؟
    نقول : نعم ، عليه الكتاب ، وعليه السنّة ، وعليه سيرة الصحابة والمسلمين جميعاً ، عليه الاجماع. وحينئذ إذا ثبت الجواز بالكتاب ، وبالسنّة المقبولة عند المسلمين ، وبه أفتى الصحابة وفقهاء الاُمة بل كانت عليه سيرتهم العمليّة ، فيكون على القائلين بالقول الثاني ، أي يجب على من يقول بالحرمة أن يقيم الدليل.
    حينئذ ، نقرأ أوّلاً أدلّة الجواز قراءةً عابرة حتّى ندخل في معرفة من حرّم ، ولماذا حرّم ، وما يمكن أن يكون وجهاً مبرّراً لتحريمه ، حتّى نبحث عن ذلك بالتفصيل ، وبالله التوفيق.


(13)
    الاستدلال بالقرآن
    هناك آية في القرآن الكريم يُستدل بها على حلّيّة المتعة وإباحتها في الشريعة الاسلاميّة ، قوله تعالى : ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (1).
    هذه الاية نصّ في حليّة المتعة والنكاح المنقطع ، النكاح الموقّت بالمعنى الذي ذكرناه.
    القائلون بدلالة هذه الاية المباركة على المتعة هم كبار الصحابة وكبار علماء القرآن من الصحابة ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وعبدالله بن عباس ، وعبدالله بن مسعود ، وأُبيّ بن كعب ، وهذه الطبقة الذين هم المرجع في فهم القرآن ، في قراءة
1 ـ سورة النساء : 24.

(14)
القرآن ، في تفسير القرآن عند الفريقين.
    ومن التابعين : سعيد بن جبير ، ومجاهد ، وقتادة ، والسدّي.
    فهؤلاء كلّهم يقولون بأنّ الاية تدلّ على المتعة وحلّيّة النكاح الموقّت بالمعنى المذكور.
    وحتّى أنّ بعضهم كتب في مصحفه المختصّ به ، كتب الاية المباركة بهذا الشكل : « فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل فآتوهنّ أجورهنّ » ، أضاف « إلى أجل » إلى الاية المباركة ، وهكذا كتب الاية في القرآن أو المصحف الموجود عنده.
    وهذا فيه بحث ليس هنا موضعه ، من حيث أنّ هذا هل يدلّ على تحريف القرآن أو لا يدل ؟ أو أنّ هذا تفسير أو تأويل ؟
    بل رووا عن ابن عبّاس أنّه قال : والله لانزلها الله كذلك ، يحلف ثلاث مرّات : والله والله والله لانزلها الله كذلك ، أي الاية نزلت من الله سبحانه وتعالى وفيها كلمة « إلى أجل » ، والعهدة على الراوي وعلى ابن عبّاس الذي يقول بهذا وهو يحلف.
    وعن ابن عبّاس وأُبيّ بن كعب التصريح بأنّ هذه الاية غير منسوخة ، هذا أيضاً موجود.
    فلاحظوا هذه الاُمور التي ذكرت في : تفاسير الطبري


(15)
والقرطبي وابن كثير والكشّاف والدر المنثور في تفسير هذه الاية ، وفي أحكام القرآن للجصّاص (1) ، وسنن البيهقي (2) ، وشرح النووي على صحيح مسلم (3) ، والمغني لابن قدامة (4).
    وهذا البحث الذي أطرحه الليلة عليكم ، إنّما هو خلاصة لما كتبته أنا في مسألة المتعة وليس بشيء جديد ، وكلّما أنقله لكم فإنّما هو نصوص روايات ، ونصوص كلمات ، ليس لي دخل في تلك النصوص لا زيادة ولا نقيصة ، وربّما تكون هناك بعض التعاليق والملاحظات ، ربّما يكون هناك بعض التوضيح ، وإلاّ فهي نصوص روايات عندهم وكلمات من علمائهم فقط.
    فهذا هو الاستدلال بالكتاب ، بل ذكر القرطبي في ذيل هذه الاية أنّ القول بدلالتها على نكاح المتعة هو قول الجمهور ، قال : قال الجمهور : المراد نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام (5).
1 ـ أحكام القرآن للجصّاص 2/147.
2 ـ السنن الكبرى 7/205.
3 ـ المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 7/126 هامش القسطلاني على البخاري.
4 ـ المغني في الفقه الحنفي 7/571.
5 ـ الجامع لاحكام القرآن 5/130.
المتعة ::: فهرس