الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة ::: 46 ـ 60
(46)
أعظم من مقام المرجعية في زماننا ، فلا يبعد أن يتنافس عليه الكثير وأن يدّعيه الكثير ، فلابد من مثبتات في قضية السفارة حتى نستطيع أن نعرف الصادق من الكاذب.
    وهذه المسألة في غاية الاهمية نواجهها في مقام بحث هذا الموضوع.

    من السفراء الذين ادعوا السفارة كذباً وزوراً :
    1 ـ الهلالي أحمد بن هلال العبرتائي ، ( منطقة من بغداد والكوت ).
    2 ـ البلالي محمد بن علي بن بلال.
    3 ـ النميري محمد بن نصير النميري.
    4 ـ الحسين بن منصور الحلاج الصوفي المعروف ، الذي قتله الملك العباسي.
    5 ـ أبو محمد الحسن السريعي أو الشريعي.
    6 ـ محمد بن علي بن أبي العزاقر الشلمغاني المعروف ، الذي كان من أعلام الشيعة وألّف كتباً في التشيع ، ولكنه لمنافسة جرت بينه وبين الحسين بن روح النوبختي أعلى الله مقامه الشريف النائب الثالث للامام المهدي سلام الله عليه ، خرج عن طوره وأخذ يدّعي دعاوى غير صحيحة ، وحكم الامام سلام الله عليه في توقيع من توقيعاته المقدسة بضلاله وانحرافه ، وأعلن عن ذلك أيضاً سفيره الحسين بن روح النوبختي.
    ويروي بعض العلماء رواية ، هذه الرواية تقول : سأل رجل الحسين


(47)
بن روح أعلى الله مقامه الشريف فقال له : ما تقول في كتب محمد بن علي الشلمغاني ؟
    ومحمد بن علي الشلمغاني لم يكن رجلاً من السوقة أو رجلاً من العاديين ، إنما كان عالماً من علماء الطائفة ، كان وجهاً من وجوه المذهب ، وكان قد صدرت عنه تصريحات ضالّة وانحرافات ، فوقف منه الامام سلام الله عليه ونوابه موقفاً صارماً ، وكان كثير التأليف ، كانت كتبه تملا المكتبات الاسلامية ، فكانت مشكلة للشيعة في ذلك الزمن ، رجل يملك هكذا قدسية وهكذا علمية وهكذا فضيلة ينحرف بهذا الشكل ، يصعب على كثير من الاذهان أن يتقبل هذه الفكرة ، فلهذا سألوا الحسين بن روح النوبختي عن هذا الموضوع أنّه يسأل الامام سلام الله عليه.
    فخرج التوقيع بتحريم قراءة كتبه وأنّها كتب ضلال ، حينئذ سألوه : ما نصنع وبيوتنا مليئة من كتبه ؟
    يعني ما من بيت إلاّ وفيه كتاب من كتب ابن أبي عزاقر.
    قال : أقول لكم كما قال الامام العسكري سلام الله عليه في بني فضال.
    وبنو فضال بيت من البيوت العلميّة الشيعيّة ، ولكن هؤلاء ابتلوا بأنّهم صاروا واقفية من الشيعة المنحرفين.
    « خذوا بما رووا وذروا ما رأوا » (1).
    رواياتنا الموجودة في كتبهم خذوها ، لا سيما وأنّها كانت أيّام
1 ـ الغيبة للطوسي : 389 ح 355.

(48)
استقامتهم ، وأما آراؤهم فلا تأخذوا بها ، خذوا بما رووا وذروا ما رأوا ، فكان في الواقع أزمة واجهتها الطائفة ، أزمة من ادعى السفارة كذباً ، ومنهم محمد بن علي بن أبي عزاقر الشلمغاني.

    وبالمناسبة وفي الواقع هذه لمحة أخلاقية رغبت أن أمرّ بها :
    كم الفرق عظيم بين محمد بن علي الشلمغاني بن أبي عزاقر ، هذا الرجل العالم الضال ، وبين أبي سهل النوبختي ، وجعفر بن أحمد بن متيل ، أذكر مثالين كدرس أخلاقي لنا :
    الرواية التي يرويها شيخ الطائفة أعلى الله مقامه الشريف في الغيبة عن جعفر بن أحمد بن متيل ـ من وجوه الشيعة ومن أعلامهم ـ يقول :
    كنت عند رأس محمد بن عثمان بن سعيد ـ يعني النائب الثاني للامام المهدي سلام الله عليه في الغيبة الصغرى ـ وكان أبو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه ، وكان جعفر بن أحمد أقرب الناس لمحمد بن عثمان ، وكان مستودع سرّه ، وكان الناس إذا جلسوا يرشحون هذا الرجل ـ جعفر بن أحمد ـ أن يكون هو النائب الثالث.
    يعني كان السائد في الاجواء حتى في أجواء الحوزة آنذاك أنّ النائب الثالث هو جعفر بن أحمد بن متيل ، رجل له هكذا مقام علمي وله هكذا مركز في جو الحوزة العلمية ويقول : أنا كنت عند رأس محمد ابن عثمان وكان ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي عند رجليه.
    وإذا به في آخر ساعة من ساعات حياته يلتفت ويقول : يا جعفر أمرت أن أوصي من بعدي للحسين بن روح لابي القاسم.


(49)
    يقول شيخ الطائفة : فقام جعفر بكل أدب وامتثال وأخذ بيدي الحسين بن روح وأجلسه عند رأس محمد بن عثمان وجلس هو عند رجليه (1).
    واقعاً هذا يحتاج الى جهاد نفس أن يكون إنسان يقال له : إنّ الحجة في هذا المورد ، فيتبع الحجة ولا يتبع الهوى ، هذا مثال.
    المثال الثاني : أبو سهل النوبختي رضوان الله تعالى عليه :
    سئل أبو سهل النوبختي لماذا لم تكن السفارة فيك بعد محمد بن عثمان ؟ قال : أنا رجل القى الخصوم فربما ضغطتني الحجة فدللتُ على المكان.
    يعني يقول : ربما أنا أتضايق ولا أتحمل أو أعرّض للتعذيب ، فربما دللت على المكان ، والمكان يعني مكان الامام صلوات الله عليه ، فهي قضية خطيرة ، أنّني رجل ألقى الخصوم أخاصمهم كثيراً ، فربما ضغطتني الحجة فدللت على المكان.
    وأمّا أبو القاسم فانه رجل لو كانت الحجة تحت ذيله وقرّض بالمقاريض ما كشف الذيل عنه (2).
    هذا واقع يحتاج إلى جهاد نفس.
    وهذا يذكرنا بموقف العبد الصالح علي بن جعفر أعلى الله مقامه الذي هو من علماء أهل البيت سلام الله عليهم ابن الامام الصادق وأخو
1 ـ الغيبة للطوسي : 370 ح 339 ، وكمال الدين : 503 ح 33.
2 ـ الغيبة للطوسي : 391 ح358.


(50)
الامام موسى بن جعفر ( عليهما السلام ) ، الذي هو أيضاً كان يسوّي ركاب الامام الجواد سلام الله عليه على شيبته ، فكان يسأل أنّه لماذا تصنع به وأنت عم أبيه ؟ فقال : كيف لا وقد رأى الله هذا الصبي لهذا الامر أهلاً ولم ير هذه الشيبة لهذا الامر أهلاً (1).
    المسألة ليست مسألة مغالبة ومنافسة على مقام ، المسألة مسألة دين وحجة ومن اختاره الله عزوجل.
    أنا أرغب من خلال هذه القضية أن أوضّح أنّ مدرسة هكذا عرفت بالانضباط والدقة في هذه المسألة ، مثل هذه المدرسة ، اعتنت عناية بالغة بقضية السفراء الاربعة.

    كان ثبوت نيابتهم بشهادة الثقات ، وهم بالمئات في مجاميع كثيرة فيما تروي الروايات ، وطبيعي أنّ المقام لا يسع لبسط جميع الروايات الواردة في إكمال الدين للصدوق رحمه الله أو غيبة الطوسي أعلى الله مقامه أو غيبة النعماني أعلى الله مقامه أو ما شاكل ، ولكن نشير بنحو الجدولة أنّ هنالك اتفاقاً من الرواة والعلماء على شهادة الامام العسكري ( عليه السلام ) بوثاقة عثمان بن سعيد العمري رحمه الله ، وأنّ الامام المهدي سلام الله عليه أقرّه في منصبه وفي زمن غيبته الصغرى ، وكان يقول : « اسمعوا له واطيعوا » وهذا المعنى في واقع الامر أخذ يتداول باعتبار النصّ عليه :
1 ـ الكافي 1 : 322 ح 12.

(51)
« اسمعوا له واطيعوا » ، ثم لا يخفى أن مما يطاع فيه نصه على من بعده ، فقد نص على ولده محمد بن عثمان من بعده.
    فعثمان بن سعيد نصّ عليه الامام العسكري والامام المهدي ( عليهما السلام ).
    ومحمد بن عثمان نص عليه الامام العسكري ( عليه السلام ) في الرواية التي أشرت لها في الاثناء (1) ، وفي نفس الوقت نصّ عليه الامام المهدي ( عليه السلام ) (2) ونصّ عليه أبوه عثمان وقال في حقه أيضاً : اسمعوا له وأطيعوا.
    ومحمد بن عثمان هذا أطول نواب الامام فترة ، فكانت نيابته قرابة أربعين سنة ، يعني من سنة مائتين وأربع وستين إلى سنة ثلاثمائة وأربعة.
    ومن بعده تولّى الامر الحسين بن روح النوبختي أبو القاسم رضوان الله عليه ، نصّ عليه ابو جعفر محمد بن عثمان النائب الثاني ، نص عليه في القضية التي سمعتموها قبل قليل وأمثال هذه القضية.
    والحسين بن روح نصّ أيضاً على أبي الحسن علي بن محمد السمري ، وذلك بأدلة ووثائق ذَكَرَتهَا هذه المصادر المشار إليها.
    ويدعم ذلك أو قل أنّه يدل على نيابتهم فضلاً عن هذه النصوص إجماع الطائفة الحقة والفرقة المحقة.
    فالطريق الاول لاثبات نيابتهم اتفاق ثقات الرواة والعلماء على نص الامام المعصوم ( عليه السلام ) على أولهم ، ثم شهادتهم على نصّ السابق على
1 ـ الغيبة للطوسي : 356 ح 317.
2 ـ الغيبة للطوسي : 362.


(52)
اللاحق باعتبار أن مما تجب طاعة النائب واجب الطاعة فيه هو تعيينه لمن يأتي من بعده.
    الطريق الثاني : نقلهم لخط الامام سلام الله عليه المعروف ، وهذا أيضاً أشار إليه الشيخان الصدوق والطوسي رضوان الله عليهما ، قالوا في ضمن كلامهم : ممّا كان يعرف به الناس أنّ هذا سفير الامام سلام الله عليه أنّه كان الوحيد الذي يتصدّى لنقل خط الامام وتوقيعاته المقدسة.
    وخط الامام معروف ، لانّ المسألة متصلة بزمن الحضور ، فخط الامام المهدي ( عليه السلام ) معروف في زمن حياة أبيه الامام ، اطلع شيعته على ولده المهدي وعلى خطه وتوقيعه ، فكان خطه وتوقيعه مألوفاً للناس ، ولهذا عبارة الشيخ الطوسي والشيخ الصدوق أنّه كانت تخرج التوقيعات بالخط الذي كان في عهد الامام العسكري سلام الله عليه ، يعني خط الامام المهدي سلام الله عليه الذي رئي وشوهد في زمن الامام العسكري ( عليه السلام ).
    فإذن قضية خط الامام وتوقيع الامام الذي كان ينفرد به هذا السفير الصادق الامين ، كانت أيضاً طريقة من طرق الاثبات.
    الطريق الثالث : مضافاً إلى ذلك قضية الكرامات الكثيرة التي كانت تجري على أيديهم لاثبات سفارتهم ، وبعض الكرامات تجري على أيديهم مباشرةً بعنوانهم ، وتارةً كانت تجري على أيديهم منسوبةً إلى موكلهم صلوات الله وسلامه عليه ، يعني هو النائب يقول : أخبرني بذلك سيدي ، كما في القضية المعروفة المنقولة عن أبي علي البغدادي ،


(53)
والرواية يرويها الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه في إكمال الدين يقول :
    جاءت أمرأة تسأل عن نائب الامام سلام الله عليه في الغيبة الصغرى ، وكانت أيّام نيابة الحسين بن روح النوبختي ، فقال لها رجل من قم : النائب هو الحسين بن روح ، فدخلت على أبي القاسم ، فكانت معها حقيبة أو محفظة فيها جملة من المجوهرات ـ الذهب وما شاكل ذلك ـ فدخلت عليه وسألته ـ أرادت أن ترى منه كرامة حتى تعرف أنّه هو النائب حقاً ـ قالت له : أخبرني بما تحت عباءتي ؟ قال لها : القيه في دجلة ثم اقبلي إلينا لوجهك ، يقول أبو علي البغدادى : والله أنّي شاهد هذه القضية ما زدت فيها ولا نقصت حرفاً ، فذهبت والقتها في دجلة ثم رجعت بسرعة إلى الحسين بن روح ، وإذا بها تجد محفظتها بين يدي الحسين بن روح وبعدها على قفلها لم تفتح ، قال : أو أخبرك بما فيها ؟ قالت : وما ؟ قال : فيها كذا مجوهرات ، كذا حلقات ذهب ، كذا سوار ، كذا خصوصيات إلى آخره ، يقول : فوالله لقد دهشت أنا والمرأة وعجبنا وسألناه ممّ علمت ذلك ؟ قال : دلّني على ذلك سيدي صاحب الامر صلوات الله عليه (1).
    هذه قضية ، وقضية أخرى ترتبط بمحمد بن شاذان بن نعيم ، وإن كانت كرامته تأتي في قضية كرامات الامام سلام الله عليه ، لكن فيها جانب يرتبط بالنيابة ، وستأتي بعد قليل.
1 ـ كمال الدين : 519 ، الثاقب في المناقب : 602 ح 14.

(54)
    أو قضية الشيخ الصدوق أعلى الله مقامه الشريف مع محمد بن علي الاسود القمي رضوان الله عليه الذي كان من أجلاء الطائفة في قم ، هذا الرجل كلّفه أو طلب منه علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي ـ يعني والد الشيخ الصدوق رحمه الله ـ قال : أطلب منك أن تلتمس لي الحسين بن روح أبا القاسم أن يطلب من سيدي صاحب الامر ( عليه السلام ) أن يرزقني الله ولداً ، بالفعل طلب منه هذا المعنى وأبو القاسم نقله لصاحب الامر سلام الله عليه ، يقول بعد ثلاثة أيام واف الجواب ، قال إنّه ( عليه السلام ) يقول : إنّ الله تعالى سيرزقك ولداً ينفع الله به الناس ، يقول محمد بن علي : أنا شخصيّاً أيضاً كنت أتمنى الولد ، وقلت لابي القاسم : آتيني بالجواب ، يقول : جاءني بالجواب أنّه عن الامام سلام الله عليه أن الله تبارك وتعالى له أمر هو بالغه فيك ، يعني أنا كأنّه ما استجيبت دعوتي في قضية الولد ، لكن علي بن حسين استجيبت دعوته بتوسل الامام وببركة الامام ـ طبعاً الذي يرزق هو الله سبحانه وتعالى ـ بالفعل يقول والد الشيخ الصدوق والشيخ الصدوق نفسه يروي القضية في إكمال الدين وإتمام النعمة : وولد الشيخ الصدوق ببركة دعاء الامام صاحب الامر سلام الله عليه وبواسطة أبي القاسم الحسين بن روح النوبختي ، يقول الشيخ الصدوق : فكنت إذا حضرت مجلس ابن الوليد أستاذي محمد بن الحسن بن الوليد في قم كانت له حلقة دراسيّة كبيرة في قم كنت أحضر وأنا صغير ، فإذا رأى علمي وأجوبتي أعجب بها وقال : لا غرو وأنت دعاء صاحب


(55)
الامر (1) ، يعني لا عجب أن تنبغ وأنت ولدت بفضل دعاء صاحب الامر صلوات الله وسلامه عليه.
    وهناك كرامات كثيرة من هذا القبيل ذكرت ، هذه الكرامات كانت تعزّز صدق نيابة هؤلاء النواب وسفارتهم عن الامام سلام الله عليه.
1 ـ كمال الدين : 502 ح31 ، بتصرف.

(56)

(57)
    أما طرق إثبات الامام سلام الله عليه لوجوده الحسي في زمن الغيبة الصغرى ، فهناك طرق عديدة ، طبيعي هذا غير بحث أصل ولادته ووجوده ( عليه السلام ) ، وإنما هو بحث في طرق إثبات وجوده الحسّي في زمن الغيبة الصغرى في الخصوص.
    الطريق الاوّل :
    تمكين عدد من الخاصة من مشاهدته عياناً ، كما أشرنا له في الرواية الواردة عن الامام الصادق سلام الله عليه ، والتي افتتحنا بها صدر البحث ، وايصاؤهم بتبليغ ما شاهدوه إلى الناس وخاصة القواعد الشعبيّة الموالين للامام سلام الله عليه مع إيصائهم بالكتمان.
    الطريق الثاني :
    إقامة المعجز والكرامة ، حيث كان الامام سلام الله عليه تجري المعجزة والكرامة على يديه تارة عن طريق السفراء وتارة عن طريق بعض الخواص الابدال من الناس ، من قبيل محمد بن شاذان بن نعيم رضوان الله عليه ، يقول :
    اجتمع عندي من الحقوق الشرعيّة خمسمائة درهم إلاّ عشرين


(58)
درهماً ، فاستحييت أن أبعث بها للامام ( عليه السلام ) دون أن أتمّها ، فأتممتها بخمسمائة وأوصلتها إلى الامام سلام الله عليه ـ الظاهر عن طريق نائبه ، لانّ القضية في زمن الغيبة ، والمفروض اللقاء المباشر في مثل هذه القضايا عن طريق النواب ، وإن كان يمكن أن يكون التقى به سلام الله عليه مباشرة ـ فجاء الجواب عن الامام : وصلت خمسمائة درهم لك منها عشرون درهماً » (1).
    مثل هذه الكرامات كانت تظهر للامام سلام الله عليه ، فكانت تعزز وجوده الحسي.
    الطريق الثالث :
    هو عبارة عن الاجوبة على مختلف المسائل ، فكان الامام سلام الله عليه يجيب عليها ، وأنا بيّنت أنّ البحث مبني على الجدولة ، وإلاّ لو أردنا أن نبسط الكلام في تعداد المسائل التي وردت فيها توقيعات الامام سلام الله عليه لكانت كثيرة جداً.
    ونفس هذه المسائل والاجوبة عليها ومتانتها وانسجامها مع أجوبة آبائه الائمة الطاهرين ممّا يعني أنّ العين نفس العين الصافية التي كانت تصدر منها المسائل عن الائمة الاطهار سابقاً ، أنّها صادرة من إمام ، لا من شخص عادي.
    الطريق الرابع :
    هو الخط الخاص للامام سلام الله عليه ، فهنالك للامام كما أشرنا في ثنايا حديثنا خط خاص ، هذا الخط الخاص مألوف ومأنوس في زمن أبيه الامام العسكري ( عليه السلام ) ، وقد نص الصدوق رحمه الله
1 ـ كمال الدين : 486 ح 5 ، الغيبة للطوسي : 416 ح 394.

(59)
بأنّه من جملة الطرق التي كان يعرف الناس بها وجود الامام سلام الله عليه وصدق دعوى سفارة مَن ادّعى السفارة ، كان ذلك من خلال معرفة خطه ( عليه السلام ) ، لانّ الرسائل كانت تصدر بخطّه وتوقيعه مؤرّخة بتأريخها أيضاً ، ممّا كانت تؤكّد لكلّ مَن كان له تماس بالامام سلام الله عليه وبواسطتهم لبقية الطبقات كانت تؤكّد وجوده ( عليه السلام ).
    وهنالك مباحث أيضاً طويلة الذيل كما يقال أخرى ، وتفاصيل عديدة أيضاً في هذا المجال ، ولكن لضيق الوقت نكتفي بهذا المقدار من البحث ، وأترك الباقي من خلال أجوبة الاسئلة.
    ولكن بالمناسبة ، في قضية السفراء الاربعة كان بودّي أن أفيض فيها أطول من ذلك ، ولكن لضيق المقام اكتفيت بما ذكرته.
    وهنالك توقيع من توقيعات الناحية المقدسة أرغب للتبرك أن أختم به ، لا سيما وأنه خاتمة الغيبة الصغرى أيضاً ، حيث جاء في هذا التوقيع من الناحية المقدسة لاخر نائب وهو النائب الرابع وهو السمري ، وهو نص رسالة الامام سلام الله عليه للنائب الرابع ، يوصيه فيها بأن لا يوصي من بعده لشخص آخر فقد انتهت الغيبة الصغرى ، وهذه الرسالة تشهد عباراتها على صدورها من تلك الناحية المقدسة ، يقول :
    « بسم الله الرحمن الرحيم ، يا علي بن محمد السمري ، أعظم الله أجر إخوانك فيك ».
    يعني هذا في حياته ، فالامام سلام الله عليه نعى إليه نفسه في حياته ، وهذه القضية رواها كل من مرّ بها من علماء الطائفة ، كالصدوق والطوسي وأمثال هؤلاء قدس الله اسرارهم.


(60)
« فانّك ميّت ما بينك وبين ستّة أيام ».
    هذا يرتبط بموضوع علم الغيب ، ونحن بيّنا في محاضرات سابقة أن موضوع علم الغيب يختص بالله عزوجل ، ولكن الله يطلع على بعض المعلومات الغيبيّة مَن ارتضى من خلقه.
    « فاجمع أمرك ولا توصي إلى أحد فيقوم مقامك بعد وفاتك ، فقد وقعت الغيبة التامّة ، فلا ظهور إلاّ باذن الله تعالى ذكره ، وذلك بعد طول المدّة وقسوة القلوب وامتلاء الارض جوراً » (1) ، إلى آخر توقيعه المقدس صلوات الله وسلامه عليه.
    والحمد لله ربّ العالمين ، ونسأل الله سبحانه وتعالى بحقّ صاحب الامر أن يوفقنا جميعاً أن نكون جنوداً أوفياء له ( عليه السلام ) وأن نكون مقبولين عنده ، فانّه من أهل بيت رضاهم رضا الله وغضبهم غضب الله.
    اللهم ارزقنا رضاه ورأفته ، اللهم قرّ عيوننا بطلعته المباركة ، اللهم عجّل فرجه وسهّل مخرجه واجعلنا من أنصاره والشهداء بين يديه.
    وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
1 ـ كمال الدين : 516 ح 44 ، الغيبة للطوسي : 395 ح 365.
الغيبة الصغرى والسفراء الأربعة ::: فهرس