القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: 151 ـ 165
(151)
    وأما أبو هريرة فروى قصة خطبة بنت أبي جهل ، وان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) خطب على المنبر وذكر ما ذكر.
    أقول : ثم ان جماعة من العامة ذكروا ، أن رعاية الأدب يقتضي ترك رواية هذا الحديث.
    وذكروا : ان نقله تنقيص لأميرالمؤمنين ( عليه السَّلام ) ، وفي كثير من كتبهم أن ابا حنيفة عاتب الأعمش ولامه على رواية هذا الحديث ، وقال : أنه وان كان صحيحاً لكن لا يسوغ لك نقله ، مع عدم ابتناء مسألة دينيّة عليه.
    وذكروا أن ابا حنيفة وشريك بن عبدالله وابن ابي شبرمة ، وابن ابي ليلى ، اتّفقوا وذهبوا إلى دار الأعمش ولاموه على روايته هذا الحديث.


(152)
    وبعد هذا كله ، فكيف يمكن التزام أن السيد السجاد زين العابدين ( عليه السَّلام ) روى هذا الحديث واشاعه ، فروى عنه الزهري أليس هو أولى برعاية أدب جدّه ؟ أم لم يكن أعرف من أبي حنيفة وعسره بمقام جدّه ؟
    وان نقل هذا الحديث تنقيص له بل استغرب ابن حجر من المسور انه كيف روى هذا الحديث لزين العابدين ( عليه السَّلام ) ؟ قال في فتح الباري :
    ولا أزال أتعجب من المسور كيف بالغ في تعصّبه لعلي بن الحسين حتى قال : انه لو أودع عنده السيف لايُمَكِّن أحداً منه حتى تزهق روحه رعاية لكونه ابن ابن فاطمة محتجاً بحديث الباب ، ولم يراع خاطره في أن ظاهر سياق الحديث المذكور غضاضة على علي بن الحسين لما فيه من إيهام غض جدّه علي بن أبي طالب حيث أقدم على خطبة بنت أبي جهل على فاطمة حتى اقتضي أن يقع من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في ذلك من الإنكار ما وقع (1).

    حديث : الاستسقاء للكفار
    ومنها : رواية ابن مسعود في استسقاء الكفار ، وحكاه عن أسباط وهو غلط واختلاط ، كما نبّه عليه جماعة منهم ، وقالوا : ان ما رواه اسباط ، وهم وتفصيله :
    انه قال : عن مسروق ، قال : أتيت ابن مسعود فقال : إنَّ قريشاً أَبطؤوا عن الإسلام فدعا عليهم النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فأخذتهم سنة حتى هلكوا فيها ، وأكلوا الميتة والعظام ، فجاءَه أبو سفيان فقال : يا محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! جئت تأمر بصلة الرحم ؛ وإن قومك قد هلكوا فادع الله تعالى فقرأ : ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان
1. فتح الباري كتاب النكاح باب ، ذب الرجل عن ابنته ... 9 : 268.

(153)
مبين ) (1) ، ثم عادوا إلى كفرهم فذلك قوله تعالى : ( يوم نبطش البطشة الكبرى ) (2) يوم بدر ، قال : وزاد أسباط عن منصور فدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسُقُوا الغيث فاطبقت عليهم سبعاً وشكى الناس كثرة المطر ، فقال : « اللهم حوالينا لا علينا » ، فانحدرت السحابة عن رأسه فسقوا الناس حولهم (3).
    وقد اعترض العيني في عمدة القاري على البخاري : بزيادته اسباط هذا !.
    فقال الداودي : أدْخَل قصة المدينة في قصة قريش وهو غلط ، وقال أبو عبدالملك : الذي زاده أسباط ، وهم أخلاط ، لانه ركّب سند عبدالله بن مسعود على متن حديث أنس بن مالك وهو قوله : فدعى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فسقوا الغيث إلى آخره.
    وكذا قال الحافظ شرف الدين الدمياطي وقال : حديث عبدالله بن مسعود كان بمكة وليس فيه هذا ، والعجب من البخاري كيف أورد هذا ، وكان مخالفاً لما رواه الثقات ، وقد ساعد بعضهم البخاري بقوله : لامانع أن يقع ذلك مرّتين.
    وفيه نظر لا يخفى ، وقال الكرماني : فان قلت : قصة قريش والتماس أبي سفيان كانت في مكة لا في المدينة قلت : القصة مكية الاّ القدر الذي زاد أسباط فانه وقع في المدينة (4).
1. الدخان : 10.
2. الدخان : 16.
3. صحيح البخاري كتاب الإستسقاء باب اذا استشفع المشركون ، رقم 1020 وأطرافه : رقم 1007 ، 4693 ، 4767 ، 4774 ، 4809 ، 4820 ، 4821 ، 4822 ، 4823 ، 4824 ، 4825.
4. عمدة القاري 7 : 46.


(154)
    حديث : أخذ الأجرة على القرآن
    ومنها : ما رواه عن ابن عباس في كتاب الطب :
    أن نفراً من أصحاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرّوا بماء فيهم لديغ ـ أو : سليم ـ فعرض لهم رجل من أهل الماء ، فقال : هل فيكم من راق ؟ ان في الماء رجلاً لديغاً ـ او : سليماً ـ فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فبرأ فجاء بالشاء إلى أصحابه ، فكرهوا ذلك ، وقالوا : أخذت على كتاب الله أجراً ؟ حتى قدموا المدينة ، فقال : يا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ! أخذ على كتاب الله أجراً ، فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله (1).
    وهذا الخبر مروي عن عائشة أيضاً عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عدّه ابن الجوزي في « الموضوعات » ، وأدرجها في الاحاديث الموضوعة والروايات المكذوبة قال : روى عمرو بن المُخَرِّم البصري عن ثابت الحفار عن ابن مليكة عن عائشة قالت : سألت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عن كسب المعلمين ؟ فقال : ان أحق ما أخذ عليه الأجر كتاب الله (2).
    قال ابن عدي : لعمرو أحاديث مناكير ، وثابت لايعرف والحديث منكر (3).
    وفي الميزان : ثابت الحفار عن أبي مليكة بخبر منكر ، قال ابن عدي لا يعرف (4).
1. صحيح البخاري كتاب الطب باب ، شروط في الرقية بفاتحة الكتاب رقم 5737.
2. الموضوعات 1 : 166.
3. الكامل في ضعفاء الرجال 5 : 1801 ، الموضوعات 1 : 166 ، ميزان الإعتدال 3 : 287 رقم 6444 ، المغني في الضعفاء 2 : 152 رقم 4708 ، ديوان الضعفاء رقم 3213 ، لسان الميزان 4 : 376.
4. المغني في الضعفاء 1 : 190 رقم 1050 ، ميزان الاعتدال 1 : 369 ، اللآلي المصنوعة 1 : 206 ، الموضوعات 1 : 229 ، لسان الميزان 2 : 80.


(155)
    حديث : فيه تكذيب ( وإن طائفتان ... )
    ومنها :
ما رواه في كتاب الصلح : ان أنساً قال قيل للنبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لو أتيت عبدالله بن أبي ، فانطلق إليه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وركب حماراً ، فانطلق المسلمون يمشون معه وهي أرض سبخة فلمّا أتاه النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال إليك عني ! والله لقد آذاني نتنُ حمارك ، فقال رجل من الانصار منهم : والله لحمار رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أطيب ريحاً منك ، فغضب لعبدالله رجل من قومه فشتمه فغضب لكل منهما أصحابه ، فكان بينهما ضرب بالجريد والأيدي والنعال ، فبلغنا أنها نزلت : ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) (1) (2).
    قال الزركشي في التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح : فبلغنا أنها نزلت : وان طائفتان ، قال ابن بطال : يستحيل نزولها في قصة عبدالله بن أبي وأصحابه ، لأن أصحاب عبدالله ليسوا بمؤمنين وقد تعصبوا له في الإسلام في قصة الإفك.
    وقد رواه البخاري في كتاب الاستيذان عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مرّ في مجلس فيه أخلاط من المشركين والمسلمين وعبدة الاوثان واليهود وفيهم عبدالله بن أبي فذكر الحديث ، فدلّ على أن الآية لم تنزل فيه وانّما نزلت في قوم من الاوس والخزرج اختلفوا فاقتتلوا بالعصى والنعال.
    وقال ابن حجر : وقد استشكل ابن بطال نزول الآية المذكورة ، وهي قوله تعالى : ( وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ) (3) في هذه القصة لأن المخاصمة
1. الحجرات : 9.
2. صحيح البخاري كتاب الصلح باب ما جاء في الإصلاح بين الناس رقم.269 وأطراف الحديث كتاب الجهاد والسير رقم 2987 ، كتاب تفسير القرآن رقم 4566 ، كتاب اللباس رقم 5964 ، كتاب الأدب ، رقم 6207 ، كتاب الإستيذان ، رقم 6254.
3. الحجرات : 9.


(156)
وقعت بين من كان مع النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الصحابة وبين الصحابة وبين عبدالله بن أبي وكانوا اذ ذاك كفّاراً فكيف ينزل فيهم طائفتان من المؤمنين ؟
    ولا سيما ان كانت قصة أنس وأسامة متحدة ، فان في رواية أسامة فاستبّ المسلمون والمشركون ، قلت : يمكن ان يحمل على التغليب ، مع ان فيها اشكالاً من جهة اخرى ، وهي أن حديث أسامة صريح في ان ذلك كان قبل وقعة بدر وقبل أن يسلم عبدالله بن أبي وأصحابه ، والآية المذكورة في الحجرات ونزولها متأخر جدّاً وقت مجيء الوفود لكنه يحتمل ان يكون آية الاصلاح نزلت قديماً فيندفع الاشكال (1).
    أقول : أما احتمال التغليب فممّا لايرضى به اللبيب الأديب ، اذ لم يقع توصيف الكفار العابدين للاصنام بالايمان ولو على سبيل التغليب في نظم ولا أثر ولا حديث ولا آية تحققت هذه الكلمة فيها ، ولم يجوزه أحد من العلماء ، ولا شاهد على جوازه ، ولو رفعنا اليد عن ظواهر الآيات والاخبار بمجرد الاحتمالات البعيدة التي لا شاهد عليها ولا داعي إليها ، لاندفع الامان من جميع النصوص وانقلبت الشريعة ظهراً لبطن.
    وتصديق البخاري ليس بداع عقلي ولا ديني مع ما علم من حاله وسائر رواياته.
    وأما احتمال تعدد النزول فهو مما لا يرضى به أكابرهم ولا يزالون يشنعون على علماء الامامية في قولهم في بعض الآيات أنها وردت في كذا بأنها
1. فتح الباري كتاب الصلح 5 : 228.

(157)
وردت في قصة اخرى ولا يحتملون تعدد النزول كما أورده في شأن نزول آية : ( وآت ذا القربى حقّه ) (1).
    وكما أورده ابن تيمية في قوله تعالى : ( سئل سائل بعذاب واقع ) (2) ، من ابطال نزولها في قصة الحارث ابن النعمان الفهري بان السورة مكية وقد نزلت قبل ذلك بسنين.

    أبوحنيفة يكذّب حديث أبي هريرة
    ومنها : ما أورده في كتاب الاشربة عن أبي هريرة : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : لا يزني حين يزني وهو مؤمن (3) الحديث.
    وبالغ امامهم الأعظم أبو حنيفة في ردّ هذا الخبر وتكذيبه والطعن عليه ، قال في كتاب العالم والمتعلم من تصانيفه على ما نصّ عليه الكفوي في كتاب الاعلام الاخبار ، ما لفظه : قال المتعلم أي أبومطيع البلخي : ما قولك في أناس رووا أن المؤمن اذا زنى خلع الايمان من رأسه كما يخلع القميص ، ثم اذا تاب أعاد إليه إيمانه ؟ أتشك في قولهم أو تصدّقهم ؟ فان صدّقت قولهم دخلت في قول الخوارج ، وان شككت في قول الخوارج ورجعت عن العدل الذي وضعت ، وان كذّبت قولهم الذي قالوا كذّبت قول النبي عليه السلام فانهم رووا عن رجال شتى حتى ينتهى به رسول الله عليه السلام.
    قال العالم اي أبو حنيفة : أكذب هؤلاء ولا يكون تكذيبي لهؤلاء وردّي
1. الاسراء : 26.
2. المعارج : 1.
3. صحيح البخاري كتاب الأشربة رقم 5578 ، وأطرافه : كتاب المظالم رقم 2475 ، كتاب الحدود رقم 6772 ، كتاب الحدود أيضاًرقم 6810.


(158)
عليهم تكذيباً للنبي عليه السلام ، إنّما يكون التكذيب لقول النبي عليه السلام أن يقول الرجل أنا مكذب للنبي عليه السلام.
    وأما إذا قال : أنا مؤمن بكل شيء تكلّم به النبي عليه السلام غير أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لم يتكلّم بالجور ولم يخالف القرآن فهذا من التصديق بالنبي والقرآن وتنزيه له من الخلاف على القرآن ولو خالف النبي عليه السلام القرآن وتقول على الله لم يدعه تبارك وتعالى حتى يأخذه باليمين ويقطع منه الوتين كما قال الله تعالى في القرآن (1).
    والنبي عليه السلام لا يخالف كتاب الله ، ومخالف كتاب الله لا يكون نبي الله وهذا الذي رووه خلاف القرآن ، ألا ترى إلى قوله : الزانية والزاني ؟ ثم قال : واللذان يأتيانها منكم ولم يعن به من اليهود والنصارى ولكن عنى به المسلمين فردّ على كل رجل يحدّث عن النبي عليه السلام بخلاف القرآن وليس ردّاً على النبي ولا تكذيباً له ولكن ردّاً على من يحدّث عن النبي عليه السلام بالباطل والتهمة دخلت عليه لا على نبي الله.
    كلّ شيء تكلّم به النبي عليه السلام سمعنا به أو لم نسمعه فعلى الرأس والعين ، وقد آمنا به ونشهد أنه كما قال النبي عليه السلام ، ونشهد أيضاً على النبي عليه السلام ، أنه لم يأمر بشيء نهى عنه يخالف أمر الله تعالى ولم يقطع شيئاً وصله الله تعالى ، ولا وصف أمراً وصف الله تعالى ، ذلك الأمر بخلاف ما وصفه النبي عليه السلام ، ونشهد أنه كان موافقاً لله عزّوجلّ في جميع الأمور فلم يبتدع
1. ( ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين ) الحاقة : 44 ـ 46.

(159)
ولم يتقوّل غير ما قال الله ولا كان من المتكلّفين ولذلك قال الله تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) (1).
    ونحن أوردنا هذا الكلام الزاماً على العامة لا تصديقاً لهذا الاحتجاج واعترافاً بمتانة هذا الاستدلال من مخالفة هذا الخبر لكتاب الله اذ فيه من وجوه النظر ما لا يخفى على من له أدنى تأمل.
    ومن عجيب الامر أن العلامة التفتازاني حكم بان بعض روايات البخاري من موضوعات الزنادقة حاكياً ذلك عن يحيى بن معين وهو المعوّل عليه في معرفة الصحيح من السقيم ، قال في « التلويح شرح التوضيح » قوله : وانما هذا خبر الواحد في معارضة الكتاب لانه مقدّم لكونه قطعياً متواتر النظم لا شبهة في متنه ولا في سنده لكن الخلاف انما هو في عمومات الكتاب وظواهره ، فمن يجعلها ظنية يعتبر بخبر الواحد اذا كان على شرائطه عملاً بالدليلين
    ومن يجعل العام قطعياً فلا يعمل بخبر الواحد في معارضته ، ضرورة أن الظني يضمحل بالقطعي فلا ينسخ الكتاب به ، ولا يزاد عليه أيضاً لانه بمنزلة النسخ واستدل على ذلك بقوله عليه السلام : تكثر لكم الأحاديث من بعدي فاذا أروى لكم حديث فاعرضوه على كتاب الله تعالى فما وافق كتاب الله فاقبلوه وما خالفه فردّوه (2).
    وأجيب بانه خبر واحد قد خصّ منه البعض اعني المتواتر والمشهور فلا يكون قطعياً فكيف يثبت به مسألة الأصول على أنه مما يخالف عموم قوله
1. النساء : 80.
2. التلويح في شرح التوضيح 2 : 397.


(160)
تعالى : ( ما آتاكم الرسول فخذوه ) (1) وقد طعن فيه المحدّثون ، بان في رواته يزيد بن ربيعة ، وهو مجهول وترك في اسناده واسطة بين الأشعث وثوبان ، فيكون منقطعاً.
    وذكر يحيى بن معين أنه حديث وضعه الزنادقة ، وايراد البخاري إياه في صحيحه (2) لا ينافي الانقطاع وكون أحد رواته غير معروف بالرواية.

    ابن حزم وتكذيب حديث المعازف
    وكذا ابن حزم الاندلسي وهو من أعيان علماء العامة ويحتج بافاداته صاحب الامتاع ، وذكر محي الدين ابن العربي في « الباب الثالث والعشرين و المائتين » من الفتوحات : « رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد عانق أبا محمد بن حزم المحدّث فغاب الواحد في الاخر فلم يزالا واحداً وهو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فهذه غاية الوصلة وهو المعبر عنه بالاتحاد » (3).
    وابن حزم هذا حكم بموضوعية بعض روايات البخاري أيضاً.
    قال في كتاب المحلى : ومن طريق البخاري « قال هشام بن عمّار : أنا صدقة بن خالد أنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، أنا عطية بن قيس الكلابي ، أنا عبد الرحمن غنم الأشعري ، حدّثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري ، والله ما كذبني أنه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ليكوننّ من أمّتي أقوام يستحلّون الحرير
1. الحشر : 7.
2. والظاهر أن البخاري ذكره في تاريخه.
3. الفتوحات المكية 2 : 519 ط ، دار صادر ، بيروت.


(161)
والخمر والمعازف » (1) ، وهذا منقطع لم يتصل ، ما بين البخاري وصدقة بن خالد ، ولايصح في هذا الباب شيء أبداً ، وكل ما فيه فموضوع (2).
    ولنقتصر في ذكر رواياته الموضوعة التي تدل مضامينها على كذبها على القدر ، فان الكلام في ذلك يطول جداً.
    وهذا شطر من موضوعاته التي لاتوافق أصول العامة وقواعدهم أيضاً ، وأما الروايات المخالفة لما ورد عن أهل بيت العصمة والطهارة ، وصح عن معادن العلم والحكمة فممّا لاتحصى ، ولسنا نتعرض لها في هذه الرسالة فانها تحتاج الى كتاب مفرد في ذلك.
    فلنرجع إلى بيان أحوال يسير من رواة أحاديثه وممن احتج بهم واستدل لهم : فنقول في توضيح شنايع بعض من روى عنه البخاري وغيره من ارباب الصحاح الست ولا نأتي في هذا الفصل أيضاً إلاّ بما كتب اعيان العامة وعلمائهم مما يتّضح منه قدح رواتهم وكونهم ضالين مبدعين أو خارجين عن الاسلام والدين أو كذابين وضّاعين ولانروي عن علماء الامامية في اثبات هذا الامر شيئاً.
    وليعلم ان التعرض لحال جميع رواته الموصوفين بما ذكر يحتاج إلى
1. صحيح البخاري كتاب الأشربة باب ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميها بغير اسمها 7 : 193 رقم 5590.
2. المحلّى كتاب البيوع 7 : 565 رقم 1566 ، وقد ردّ على ابن حزم في قوله هذا ، جماعة من مدافعي البخاري في كتبهم ، فمنهم ابن الصلاح ، في صيانة صحيح مسلم : 82 ، 83 ، والعراقي ، في التقييد والايضاح : 91 ، وابن حجر ، في فتح الباري 10 : 52 ، 53 ، والأثري ، في الكاشف في تصحيح رواية البخاري لحديث تحريم المعازف.


(162)
مجلدات ضخام ويأبى عند المقام ، فالاولى التعرض لحال مشاهير رواتهم واعيان قادتهم وثقاتهم ومن أكثروا عنه النقل والرواية في جميع كتبهم ، فيعلم منه حال باقيهم ومن لم نسمّهم.
    ثم ان من كان من هؤلاء المشاهير صحابياً أو من التابعين فهو عند العامة معدّل بنصّ الفرقان الكريم وأحاديث الرسول الكريم وخير الامة بمقتضي ما يرونه عن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : خير القرون الذي من بعدي ، فاذا أوضحنا شنائع امثال هؤلاء ومن كلمات علمائهم فالسكوت عن حال الباقين أولى وأحرى.


(163)


(164)

(165)
    عبدالله بن عمر بن الخطاب
    عقد له البخاري باباً مفرداً في مناقبه ، وروى فيه عن ابن عمر عن أخته حفصة : أن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : عبدالله رجل صالح (1).
    ويكفي في الجزم بوصفه ، كون راويه نفس عبدالله عن أخته !
    وأما مطاعنه فكثيرة ، فقد تغيظ عليه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لما وقع منه في طلاق امرأته ، ففي الدر المنثور للسيوطي أخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق في المصنّف وأحمد وعبد بن حميد ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو يعلى ، وابن مردويه ، والبيهقي في سننه عن ابن عمر : أنه طلّق امرأته وهي حائض ، فذكر ذلك عمر لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فغيّظ فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم قال : ليرجعها ثم يمسكها حتى تطهر ، فان بدا له أن يطلّقها فليطلّقها طاهراً قبل أن يمسها.
    فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلّق بها النساء ، وقرأ : يا أيها النبي اذا طلقتم النساء فطلّقوهن في قبل
1. صحيح البخاري كتاب فضائل الصحابة باب 19 مناقب عبدالله بن عمر رقم 3738.
القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: فهرس