القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: 166 ـ 180
(166)
عدتهن ، وفى نقل الخبر بطوله فائدة أخرى وهي أن يعلم أن القول بتحريف القرآن للذين لا يزالون يشنعون به على الشيعة ممّا يدل عليه رواياتهم المتفق الموجودة في جميع صحاحهم.
    ثم ذكر السيوطي روايات عديدة أُخر أنه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : فطلّقوهن قبل عدّتهن ، مع أن الموجود في القرآن الذي بأيدينا اليوم : ( فطلّقوهن لعدتهن ) (1).
    وهذا الأمر أعني عدم قدرته على طلاق زوجته هو الذي منع أباه عمر أن يوصي إليه ويستخلفه ، فانه لما قيل لعمر استخلف عبدالله ابنك ، قال : لايصلح لها لأنه لا يحسن أن يطلّق امرأته كما في كثير من كتب القوم.

    عبدالله بن عمر لم يبايع علي بن أبي طالب
    ثم ان ابن عمر ممّن لم يبايع أمير المؤمنين ، ولم يعتقد حقية خلافته وانكار خلافة أحد الخلفاء الراشدين كفر وضلالة عند العلماء السنة.
    وبايع يزيد بن معاوية ، وهو أيضاً كفر عندهم على ما نصّ به محمد بن شعيب الكشي من أكابر الحنفية في كتاب التمهيد.
    قال من رضي بامام باطل فانه يكفر.
    أما الفقرة الأولى : وهي امتناعه عن بيعة أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) فيدل عليها ما أورده أبو عبدالله الحاكم في المستدرك ، وهو ممن اتّفقوا على أنه من أعظم الائمة.
    قال ثم بعث ، إي علي ( عليه السَّلام ) إلى سعد بن وقاص ، وعبدالله بن عمر ، ومحمد بن مسلم ، فقال : قد بلغني عنكم هنّات ، فقال سعد : صدقوا لا أبايعك ، ولا اخرج معك حيث تخرج حتى تعطني سيفاً يعرف المؤمن من الكافر.
    وقال له ابن عمر انشدك الله والرحم أن لاتحملني على ما لا أعرف ، والله لا أبايع حتى يجتمع المسلمون على ما جمعهم الله عليه.
    ويدل عليها أيضاً ، ما ذكره سبط ابن الجوزي في التذكرة ، قال : وقال ابن
1. الطلاق : 1.

(167)
جرير : وممن امتنع من بيعته أي علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) حسان بن ثابت ، وأبو سعيد الخدري ، والنعمان بن بشير ، ورافع بن خديج ، في آخرين ، وفي زيد بن ثابت ، ومحمد بن سلمة خلاف ، وقال غير ابن جرير : لم يباعه قدامة بن مظعون وعبدالله بن سلام ، والمغيرة بن شعبة ، وعبدالله بن عمر ، وسعد ، وصهيب ، وزيد بن ثابت وأسامة بن زيد ، وكعب بن مالك ، وهرب قوم إلى الشام وهؤلاء يسمّون العثمانية (1).
    وفي بعض الروايات ما يدل على أنه بايع ثم استقال البيعة ، فاقاله أميرالمؤمنين ( عليه السَّلام ).

    عبدالله بن عمر وبيعته ليزيد والحجاج
    وذكر ابن مسكويه في كتاب نديم الفريد ، أن عبدالله بن حارث قال لعبدالله بن عمر : أتيت علي بن أبي طالب وله قرابة وسابقة وفضائل عديدة فبايعته طائعاً غير مكره ، ثم جئته فقلت اقلني اقالك الله ثم تدق الباب على أصحاب الحجاج تقول : خذوا بيعتي فَإني سمعت النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « من مات ليلة وليس في عنقه بيعة امام مات ميتة جاهلية » ثم اضطرب الحبل بالناس فزعمت انك لاتعرف حقاً فتنصره ولا باطلاً فتقاتل أهله. الخبر.
    ويدل على الثانية ما رواه البخاري في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد القرآن بزعمهم في كتاب الفتن في باب : « اذا قال عند قوم شيئاً ثم خرج فقال بخلافه » : عن نافع قال : لما خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية جمع ابن عمر حشمه وولده فقال : اني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « ينصب لكل غادر لواء
1. تذكرة الخواص : 58.

(168)
يوم القيامة ، » وأنا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله وأني لا أعلم عذراً أعظم من أن يبايع رجل على بيع الله ورسوله ، ثم ينصب له القتال ، واني لا أعلم أحداً منكم خلعه ، ولا بايع في هذا الأمر إلاّ كانت الفيصل بيني وبينه (1).
    قال العسقلاني في شرحه : وكان ابن عمر لما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته.
    وقال ابن الملقن في شواهد التوضيح معنى الترجمة ، انما هو في خلع أهل المدينة ليزيد بن معاوية ورجوعهم عن بيعته ، وما قالوا له ، وقالوا بغير حضرته خلاف ما قالوا بحضرته ، وذلك ان ابن عمر بايعه ، فقال عنده بالطاعة بخلافته ، ثم خشى على بنيه وحشمه النكث مع أهل المدينة حتى نكثوا بيعة يزيد ، فوعظهم وجمعهم وأخبرهم أن النكث أعظم القدر.
    والغرض من نقل هذه العبارة الرد على بعض متأخريهم حيث قال لم ينسب أحد من العلماء ابن عمر إلى بيعة يزيد ، وليس في الباب الاّ كلمة بايعنا وهو محمول على التغليب ، ولذا لم ينسب شراح البخاري البيعة إليه صريحاً.
    وقال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ووقع عند الاسماعيلي من طريق سهل بن اسماعيل ، عن حمّاد بن زيد ، في أوله من الزيادة عن نافع ، ان معاوية أراد على ابن عمر ان يبايع ليزيد فابى وقال : لا أبايع لأميرين فأرسل إليه معاوية بمأة ألف درهم ، فأخذها فدّس إليه رجلاً فقال له ما يمنعك أن تبايع فقال : إن ذاك لذاك ؛ يعني عطاء ذلك المال لأجل وقوع المبايعة ، ان ديني عندي اذاً الرخيص ، فلما مات معاوية كتب إلى يزيد ببيعته ، فلما خلع أهل المدينة ، الحديث.
1. صحيح البخاري كتاب الفتن رقم 7111 باب المذكور ح 1.

(169)
    ويدل على الفقرتين معاً ماذكره سبط ابن الجوزي قال : قال الزهري : والعجب ان عبدالله بن عمر وسعد بن أبي وقاص لم يبايعا علياً وبايعا يزيد بن معاوية ويرشد إليهما.
    وأيضاً ما ذكره القسطلاني في باب ما كان أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يواسي بعضهم بعضاً في الزراعة والتمرة من كتاب المزارعة في شرح حديث نافع ان ابن عمر كان يكري مزارعة على عهد النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأبي بكر وعمر وعثمان وصدراً من امارة معاوية ، قال : قوله : وصدراً من امارة معاوية اي خلافته.
    وانّما لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الاخبار.
    وكان رأى ابن عمر أنه لا يبايع لمن لا يجتمع عليه الناس ، ولهذا لم يبايع أيضاً لابن الزبير ولا لعبدالملك في حال اختلافهما ، وبايع ليزيد بن معاوية ، ثم لعبدالملك بن مروان ، بعد قتل ابن الزبير (1).
    وفي كثير من الكتب أن ابن عمر طرق الحجاج ليلاً وقال هات يدك أبايعك لامير المؤمنين عبدالملك فاني سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : من مات وليس عليه بيعة امام فموته جاهلية ، فأنكر عليه الحجاج مع كفره وعتوّه وقال له : بالامس تقعد عن بيعة علي بن أبي طالب وأنت اليوم تسألني البيعة من عبدالملك بن مروان ؟ يدي عنك مشغولة لكن هذا رجلي (2).
1. الطبقات الكبرى 4 : 183 ـ 184 ، سير أعلام النبلاء 3 : 231.
2. نثر الدر للآبي 2 : 90 ، مجمع الزوائد 7 : 117.


(170)
    عبدالله بن عمر يخالف علي بن أبي طالب
    ويدل عليها أيضاً ، بل وزيادة أن ابن عمر كان يعدّ الخلفاء الصالحين ، ويعدّ منهم معاوية ويزيد ، ولا يعدّ أمير المؤمنين عليّاً ( عليه السَّلام ).
    وكفاه بهذا نصباً وشقاوة وكفراً وضلالة ولعمري أن هذا هو غاية الانهماك في معاداة الله ورسوله وأوليائه ، وموالاة أعدائه واربى في ذلك على الخوارج والنواصب ، وكيف يتفوّه من له شرذمة من الحياء في حق يزيد بأنه صالح لا يوجد مثله ، ويعتقد أنه خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع ما وقع منه من وقعة الطفوف ووقعة المدينة ووقعة الحرة ، وما تواتر منه من الولع على شرب الخمر وأنواع الكبائر.
    ولا يعتقد في حق أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) مع ما صلح وثبت عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من طرقهم في حقه من الفضائل والمناقب ، والنصوص الدالة على خلافته ، التي يحملها علماء السنة على ما بعد الخلفاء الثلاث ، ويقولون : ليس فيها التقييد بأنه خليفتي بلافصل ، والآيات الكريمة التي نزلت في شأنه ، وما دلّ على وجوب مودته ، وفرض طاعته ، مما لا تحصيها مجلدات ضخام ، أنه خليفة رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    وقد بلغ شناعة معاوية ويزيد حداً لم يقدر علماء العامة على انكارها ، واستنكفوا من القول الجميل في حقهما.
    قال ابن روزبهان المتعصب وغيره : أن معاوية لم يكن من الخلفاء حتى نذب عنه المطاعن ، بل هو من الملوك ، بل يستدلون بما يرونه من النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أنه قال : « الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم يكون ملكاً » ، خصوصاً على نفي الخلافة عنه.


(171)
    وبالجملة ، قال السيوطي في تاريخ الخلفاء : أخرج ابن عساكر عن عبدالله بن عمر قال أبوبكر الصديق : اصبتم اسم عمر الفاروق قرن من حديد ، اصبتم اسم ابن عفان ذو النورين قتل مظلوماً يؤتي كفلين من الرحمة ، ومعاوية وابنه ملكاً لارض المقدسة ، والسفاح وسلام ، والمنصور ، وجابر ، ومهدي ، والأمين ، وأمير الغضب ، كلّهم من بني كعب بن لؤي كلّهم صالح ، لايوجد مثله ، قال الذهبي : له طرق عن ابن عمر لم يرفعه أحد (1).
    والرواية ثابتة عن ابن عمر وله طرق عديد بنص الذهبي ، وفي كنز العمال عن عبدالله بن عمر ، يكون على هذه الأُمة اثنا عشر خليفة ، أبو بكر الصديق أصبتم اسمه ، عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه ، عثمان ذو النورين قتل مظلوماً او بي كفلين من الرحمة ملك الارض المقدسة ، ومعاوية وابنه ، ثم يكون السفاح ، والمنصور ، وجابر ، والأمين ، وسلام ، وأمير الغضب ، لايرى مثل كلهم من بني كعب بن لؤي فيهم رجل من قحطان ، منهم من لا يومين منهم من يقال له لتبايعنا أو ليقتلنك ، فان لم يبايعهم قتلوه (2).
    وكفاه هذا الكلام خزياً وخسارة وعداوة لأهل بيت العصمة والطهارة.
    وقد ناقض نفسه فبايع لعبدالملك ولم يكن من هؤلاء المعدودين ثم ان أم المؤمنين عائشة علامة عصرها ومجتهدة دهرها التي حفظت أربعين ألف حديث بزعمهم كذبت ابن عمر وغلّطه في روايات عديدة وحكمت بافترائه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ).
    منها : ما في صحيح البخاري عن مجاهد قال دخلت أنا وعروة بن الزبير
1. تاريخ الخلفاء : 167 ـ 168.
2. كنز العمال 11 : 252 رقم 31421 وفيه : « أمير العصب ».


(172)
المسجد فاذا عبدالله بن عمر جالس إلى حجرة عائشة ، واذا أناس يصلون في المسجد صلاة الضحى قال : فسئلناه عن صلاتهم ؟.
    فقال : بدعة ، ثم قال له : كم اعتمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ؟.
    قال : أربع ، أحداهن في رجب ، فكرهنا أن نرد عليه ، قال : وسمعنا استنان عائشة أم المؤمنين في الحجرة ، فقال عروة يا أمّاه ، يا أم المؤمنين ، ألاتسمعين ما يقول أبو عبدالرحمن ؟
    قالت : ما يقول ؟ قال : يقول : ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اعتمر أربع عمرات ، إحداهن في رجب ، قالت : يرحم الله أبا عبدالرحمن ، ما اعتمر عمرة الاّ وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط (1).
    وفي صحيح مسلم : أنها قالت : يغفرالله لابي عبدالرحمن لعمري ما اعتمر في رجب وما اعتمر في عمرة الاّ وأنا معه ، قال : وابن عمر يسمع ، فما قال لا ، ولا نعم سكت.
    ومنها : ما رواه البخاري ومسلم عن عبدالله بن عبيدالله بن أبي مُليكة قال : توفيت ابنة لعثمان ، فجئنا لنشهدها ، وحضرها ابن عمر وابن عباس ، فقال عبدالله بن عمر : لعمرو بن عثمان ألا تنهى عن البكاء ؟ فان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إنّ الميت ليعذب ببكاء أهله عليه ، فقال ابن عباس : قد كان عمر ، يقول بعض ذلك ، .... فذكر ذلك لعائشة فقالت : رحم الله عمر والله ما حدّث رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه ، ولكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إنّ الله ليزيد الكافر عذاباً ببكاء أهله عليه.
1. صحيح البخاري كتاب العمرة باب ، كم اعتمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رقم 1774 و 1775.

(173)
    قال : وقالت عائشة : حسبكم قران : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) (1) ... قال ابن أبي مليكة : والله ما قال ابن عمر شيئاً (2).
    ومنها : ما رواه البخاري عن ابن عمر ان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : إن بلالاً يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم (3).
    وروى البيهقي عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ابن اُم مكتوم رجل أعمى فاذا أذّن فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال ، وكان بلال يبصر الفجر وكانت عائشة تقول غلط ابن عمر وذكر هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري أيضاً (4).
    ومنها : ما رواه الطبراني في « الأوسط » : عن موسى بن طلحة ، قال بلغ عائشة أن ابن عمر يقول : ان موت الفجأة سخطة على المؤمنين ، فقالت : يغفرالله لابن عمر إنّما قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « موت الفجأة تخفيف على المؤمنين وسخطة على الكافرين » (5).
    ومنها : ما رواه الدارقطني في سننه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها بلغها قول ابن عمر في القُبلة الوضوء ، فقالت : كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يُقَبّل وهو صائم ثم لا يتوضأ (6) ، وكذا ردّ عليه ابن عباس ترجمان القرآن.
1. الأنعام 164 وفاطر : 18.
2. صحيح البخاري كتاب الجنائز باب 32 رقم 1286 و 1287 و 1288.
3. صحيح البخاري كتاب الأذان باب الأذان قبل الفجر رقم 622 و 623 وأطرافه 617 و 1919.
4. السنن الكبرى للبيهقي 1 : 382 ، فتح الباري 2 : 80 ـ 81.
5. المعجم الأوسط 4 : 104 رقم 3153.
6. سنن الدارقطني كتاب الطهارة 1 : 142.


(174)
    قال السيوطي في الاتقان : وان عبر واحد بقوله : نزلت في كذا ، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد ، وذاك استنباط مثاله ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال : انزلت : نساءكم حرث لكم في اتيان النساء في أدبارهن (1).
    وتقدّم عن جابر التصريح بذكر سبب خلافه فالمعتمد حديث جابر كما أخرجه أبو داود والحاكم (2).
    وبعض ما ذكرنا كاف في سقوط أخباره عن درجة الاعتبار ، وكيف يثق العاقل الحازم على أخبار هذا المنهمك في الضلالة ، المفارق عن طاعة الله ورسوله ، الذي وقع وعلم منه امتناعه عن البيعة لعلي بن أبي طالب ، واقدامه على بيعة يزيد ، وعده للخلفاء الصالحين ، وما وقع وعلم منه تحريف الحديث ووهمه فيه ، سيما فيما خالف كتاب الله بنص عائشة.
    ومما يقضي منه العجب أن ابن عمر هذا ، ممن روى حديث باب حطّة.
    فقد أخرج الديلمي عنه أنه قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : علي باب حطّة من دخل منه كان مؤمناً ومن خرج منه كان كافراً (3).
1. صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن باب « نسائكم حرث لكم ... » رقم 4527 ، والجدير بالذكر ان في نسخة الأخيرة من صحيح البخاري جعلوا النقطة بدل « أدبارهن » ، أنظر طبعة دار الفكر للطباعة مع اشراف ، صدقي جميل العطار.
وفي الجمع بين الصحيحين للحميدي : قال : وأخرجه عبد الله بن عون عن نافع قال : كان ابن عمراذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه ، فأخذت عليه يوماً ، فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان ، قال : أتدري فيم نزلت ؟ فقلت : لا ، قال : نزلت في كذا وكذا ثم مضى. الجمع بين الصحيحين 2 : 279 ـ 280 رقم 1440.
2. صحيح البخاري كتاب تفسير القرآن رقم 4528.
3. فردوس الأخبار 3 : 90 رقم 3998 ، كنز العمال 6 : 153 رقم 2528.


(175)
    فالحمدلله على ثبوت ما اعترف به نفسه.

    عبدالله بن عمرو بن العاص
    هو زاهد القوم!! روى البخاري في مواضع عديدة من صحيحه ما محصله :
    انه سمع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان عبدالله بن عمرو بن العاص يصوم ولايفطر ويصلي ولا ينام.
    فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) له : ان لجسدك عليك حقاً ، وان لعينك عليك حقاً ، وان لزوجك عليك حقّاً ، وان لزورك عليك حقّاً ، فصم وأفطر وقم ونم وصم من الشهر ثلاثة أيام ، فان الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ، فقال عبدالله : اني اطيق أفضل من ذلك ، قال فصم يوماً وأفطر يومين ، قال : اني اطيق أفضل من ذلك ، فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فصم يوماً وأفطر يوماً فذلك صيام داود ، وهو أفضل الصيام فقلت : اطيق أفضل من ذلك ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : لا أفضل من ذلك (1).
    ومجمل أحواله انه أيضاً ممن تخلّف عن أمير المؤمنين ( عليه السَّلام ) وفارقه وخرج عن طاعته وعصاه وآذاه وقاتله وحاربه وأعان اعداءه وأخذل أولياءه.
    وكان على ميمنة عسكر معاوية ، وتقلّد سيفين من غاية حرصه على القتال.
1. صحيح البخاري كتاب الصوم باب صوم الدهر رقم 1976 وأطرافه رقم 1131 ، 1152 ، 1153 ، 1974 ، 1975 ، 1976 ، 1977 ، 1978 ، 1979 ، 1980 ، 3418 ، 3419 ، 3420 ، 5052 ، 5053 ، 5054 ، 5199 ، 6134 ، 6277.

(176)
    وافتخر بارتكاب هذه العظائم الكبائر والانحراف عن امام الأبرار ، وموالاة قدوة الأشرار والفجار ، وانشدّ في ذلك الاشعار.
    وكلّ من اتصف ببعض هذه الصفات فضلاً عن كلّها فهو هالك كافر خارج عن طاعة الله عاص لله ورسوله مؤذ لله مندرج في زمرة من أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمقاتلته من القاسطين مفارق لله ورسوله تارك لما أمر الله به في كتابه متهورٌ في ضلالة ، منهمك في الشقاوة ، موصوف بكلّ رذيلة ، ويجب الاجتناب عنه والتحرز منه وعدم الاعتماد عليه ، لما رواه الحاكم في المستدرك ـ وهو على ما نصّ عليه علمائهم من أعظم الائمة الذين حفظ الله بهم الدين وانتفع بتصانيفه أهل المشرق والمغرب ـ.
    قال : قال له : ـ اي لعبدالله بن عمروبن العاص ـ أبوه يوم صفّين أخرج فقاتل ، قال : يا أبتاه أتأمرني أن أخرج فأقاتل وقد كان من عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ما قد سمعت ؟!
    قال : انشدك بالله أتعلم ان ما كان من عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) إليك; أنه أخذ بيدك فوضعها في يدي فقال : اطع أباك عمرو بن العاص قال : نعم ، قال : فإني آمرك أن تقاتل ، قال فخرج يقاتل فلمّا وضعت الحرب قال عبدالله :
لو شهدت جمل مقامي ومشهدي عشية جاء أهل العراق كأنهم وجئناؤهم ندوي كأن صفوفنا بصفّين يوماً شاب منها الذوائب سحاب ربيع زعزعته الجنائب من البحر موج موجه متراكب


(177)
اذا قلت قدولوا سراعاً بدت فدارت رحانا واستدارت رحاهم فقالوا لناإنا نرى أن تبايعوا لناكتائب منهم وارجحنت كتائب سراة النار ما تولي المناكب علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب (1)
    وفي أسد الغابة لابن الاثير الجزري ، قال في ترجمة ابن عمرو بن العاص :
    وكانت معه راية أبيه يوم اليرموك ، وشهد معه أيضاً صفّين ، وكان على الميمنة (2) ، قال له أبوه : يا عبدالله اخرج فقاتل ، فقال : يا ابتاه أتامرني ان أخرج فاقاتل؟ وقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بعهد إلي ما عهد ، قال : اني انشدك الله يا عبدالله الم يكن آخر عهد اليك رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن أخذ بيدك ووضعها في يدي ؟ وقال : اللهم بلى ، قال : فاني اغرم عليك ان تخرج فتقاتل فخرج وتقلّد سيفين (3).
    وما ذكر من انه ندم بعد ذلك لا يفيد في اصلاح حاله فان التوبة عن حقوق الناس لايكفي فيها مجرد الندم ، سيّما انه ندم على القتال ، لاعلى التخلّف عن أمير المؤمنين ومفارقته ، و هل يرجع بعد ذلك إلى متابعته والتفرد بحاشيته.
    وحسبك في هذا المقام شهادة عمرو بن العاص على ان الخروج على أمير المؤمنين خلع رقية الاسلام وتهوّر في الضلالة واعانة على الباطل.
1. المستدرك 3 : 527 ، تاريخ مدينة دمشق 31 : 278 ، وفيه زيادات مثل قوله :
وجئنائهم ندوي كأن صفوفنا فدارت رحانا واستدارت رحاهم فقالوا لنا إنا نرى أن تبايعوا من البحر موج موجه متراكب سراة النار ما تولي المناكب علياً فقلنا : بل نرى ان نضارب
2. تاريخ مدينة دمشق 31 : 271 ـ 272.
3. المصدر السابق


(178)
    قال سبط ابن الجوزي ، وهو من أئمة الحنفية ومن شراح الجامع الصغير وصحيح مسلم ، ومحامده موجودة في كتب القوم ، قال في كتاب تذكرة خواص الامة :
    وفي هذا السنة وهي سنة ستّ ثلاثين ، اتفق معاوية وعمرو بن العاص على قتال علي واصطلحا على ذلك قبل نزول علي على النخيلة في أيام وقعة الجمل بعد ان كان معاوية قد يئس منه ، وعزم عمرو على المسير إلى نصرة علي ، فاعطاه معاوية مصراً طعمة فمال إليه.
    وقال أهل السير لما حصر عثمان خرج عمرو بن العاص إلى الشام فنزل فلسطين ، وكان يؤلب على عثمان لانحرافه عنه فاقام بفلسطين حتى قتل عثمان.

    عمرو بن العاص ومعاوية
    فقيل لمعاوية انه لا يتم ذلك الأمر الاّ بعمرو ، فانه دويهة العرب ، فكتب إليه يستدعيه ويستعطفه ، ويعده المواعيد ان هو وافقه على قتال أمير المؤمنين ، ويذكر ما جرى على عثمان ، فكتب اليه عمرو :
    « أما بعد فاني قرئت كتابك وفهمته ، فأما ما دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي والتهون معك في الضلالة واعانتي إياك على الباطل واختراط السيف في وجه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو أخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ووليه ووصيه ، ووارثه ، وقاضي دينه ومنجز وعده ، وصهره على ابنته سيدة نساء العالمين ، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة.
    وأما قولك : انك خليفة عثمان فقد عزلت بموته ، وزالت خلافتك.


(179)
    وأما قولك : أن أمير المؤمنين أشلى الصحابة على قتل عثمان فهو كذب ، وزور ، وغواية ، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه لله تعالى ، وبات على فراش رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقال فيه : من كنت مولاه فعلي مولاه ، فكتابك لايخدع ذا عقل وذا دين والسلام ».
    فلما قرء كتابه قال له عتبة بن أبي سفيان : لاتيأس منه ، فكتب إليه وارغبه في الولاية واشركه معه في سلطانه وكان في أسفل كتابه :
جهلت ما تعلم محلك عندنا فثق بالذي عندي لك اليوم آنفاً واكتب عهداً ترتضيه مؤكداً فارسلت شيئاً من عتاب وما تدري من العز والاكرام والجاه والقدر واشعفه بالبذل مني وبالبر
    فكتب اليه عمرو يقول :
أبى القلب مني أن يخادع بالمكر واني لعمرى ذو دهاء وفطنة أليس صغيراً ملك مصر ببيعة بقتل بن عفان أجر إلى الكفر ولست أبيع الدين بالرشح والدفر هي العار في الدنيا على الال من عمرو
    وذكر سيف عن هشام بن محمد أنه كتب عمرو إلى معاوية :
معاوي لا اعطيك ديني ولم أنل به منك دنيا فانظرن كيف تصنع


(180)
فان تعطني مصراً فاربح بصفقة أخذت بها شيخاً يضر وينفع
    فكتب إليه معاوية : قد أقطعتك مصراً طعمة ، واشهد عليه شهوداً ، وبات عمرو طول ليلته متفكراً فدعى غلاماً يقال له وردان ، ( وهو الذي ينسب إليه مكان بمصر يقال له سوق وردان ) فقال له : ماترى يا وردان ؟
    فقال : ان مع علي آخرة ولا دنيا ، وان مع معاوية دنيا ولا آخرة ، فالتي مع علي تبقى ، والتي مع معاوية تفنى ، فلما أصبح ركب فرسه ومعه عبدالله ابنه ، وهو يقول له : لا تذهب إلى معاوية ولا تبع آخرتك بدنيا فانية ، وهو متحير فلم يزل حتى وصل إلى طريقين ، أحدهما : تأخذ إلى المدينة ، والأخرى : إلى دمشق ، فوقف عندهما ، ثم ضرب رأس فرسه ، نحو دمشق ، وقال معاوية ارفق من علي وأتى معاوية (1).
    ثم ان عبدالله بن عمرو كان يحدث عن كتب اليهود والنصارى ، التي حملها معه من الشام في وقعة اليرموك ، حتى أتقاه الناس ، وقلّ حديثه مع أنه كان أكثر حديثاً من أبي هريرة ، وكانوا قد يقولون له : حدّثنا عن النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ولا تحدثنا عن الصحيفة.
    وتفصيل الواقعة مذكور في كثير من الكتب ، منها « شرح نخبة الفكر » لعلي القاري ، ومنها : « حاشية القالي المسمات بقضاء الوطر ».
1. تذكرة الخواص : 86 ـ 87.
القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع ::: فهرس