السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: 1 ـ 15

    السيد عبد الرزاق المقرم
السيدة سكينة
ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام
دار الاضواء
بيروت ـ لبنان


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    دأبت دار الأضواء منذ تأسيسها عام 1980 على نشر التراث الإسلامي فكراً وعقيدةً وتاريخاً ، فقدمت سلسلة من الكتب والموسوعات القيّمة في هذا المجال ، ويأتي كتاب « السيدة سكينة » ضمن هذه السلسلة التزاماً من الدار بنهجها السامي لخدمة هذا التراث وشخوصه ، آملين توفيقه سبحانه وتعالى لما يحب ويرضى.
غرة ذي الحجة 1419
آذار 1999
جعفر الدجيلي        


(6)

(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم * ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة * وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن * ذلك مبلغهم من العلم * فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.
( القرآن الكريم )

(8)

(9)
    عترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم هم عنصر الشرف عنصر الشرف وآصرة كل فضيلة رابية وقد ثبتت لهم الرفعة والجلالة بانتمائهم الى المنبت الزاكي والشجرة الطيبة التي اصلها ثابت وفرعها في السماء ولا تنكر جهود أبيهم الاقدس ومساعيه الجبارة في انتشال الامة الى ساحل النجاة والسعادة على حين كانت تترامى بهم أمواج الضلال وتلتطم بهم الفتن وهم لا ينقذون من هوة الهوان إلا ويسفون على أعمق منها ، وكانوا يرسفون في أسر مهانة مخزية بين أصنام منحوتة ونواميس مهتوكة ودماء مهدورة وغارت متواصلة وعادت خرافية وبنات موؤدة الى أمثالها مما يقهقر سير الانسانية ويعرقل مسعى البشر عما فيه الخير والصلاح.
    فباغتهم ( نبي الاسلام ) بتعاليمه الناصعة وطقوسه الراقية فأسس لهم بها كياناً خالداً وعزاً باقياً ودولة مرعية الجانب خضعت لها الدول ودانت لها الامم وبطل مسعى الالحاد وأعلن في أنحاء المعمورة دين التوحيد والسلام والوئام.
لم يزالوا في مركز الجهل حتى فـأتى كـامل الطبيعة شمسـاً طربت لاسمه الثرى فاستطالت بـعث الله لـلورى أزكاهـا تستمد الشمـوس منه سناهـا فـوق علوية السما سفلاهـا


(10)
ثـم أثنت عليـه إنس وجـن وإلـى طبـه الآلهـي باتـت كـيف لا تشتكي الليالي اليـه وعـلى مثلـه يـحق ثناهـا عـلل الدهر تـشتكي بلواهـا ضرها وهو منتهى شكواهـا (1)
    إذا فمن واجب شكره تعظيم ذريته الطاهرة ( فان المرء يحفظ في ولده ) على ان اولئك النفر البيض دعاة إلى مبدء الحق سبحانه المهيمن على البشر بوجودهم ، دعاة اليه بألسنتهم ، دعاة بأقلامهم ، دعاة بنظمهم ونثرهم دعاة بخطبهم ، دعاة بفواضلهم وفضائلهم ، دعاة بأخلاقهم وأعمالهم ، وإذا فات البعض منهم بعض الفواضل والدعوات فلا يفقد الآخر مجموعها فأي أحد من الامة يلتفت إلى أن المشرف لهم هوني الرحمة المنتشل للبشر عن مهاوي السقوط والضعة فلا يذعن بان الواجب في شريعة الحفاظ الخضوع لذريته كرامة لذلك الجذم الاقدس والشجرة الطيبة التي أظلت العالم بفيئها الوارف.
    ومن ذا الذي يجد في آحاد منهم ما يتناسب مع منبتهم الكريم من الخلق الطيب فلا يعتقد ان هذا مما عرقه فيه ذلك المنقذ الاكبر صلى الله عليه وآله ولا يروقه إلا التحلي بما استحسنه منهم واما الذين حصلوا على أصلهم الطاهر بشيء من دعوة اللسان والسنان فغناؤهم أوفر واستفادة الامة بهم اكثر.
    فهم على كل حال أدلاء على الخير ومسالك النجاة يحملون فضيلة
1 ـ من قصيدة ملا محمد كاظم الازري البغدادي التميمي المولود في بغداد سنة 1143 والمتوفي ببغداد غرة جماد الاول سنة 1211 هـ تبلغ الف بيت من غرر الشعر تضمنت كرامات النبي صلى الله عليه وآله ومغازيه ومواقف الوصي علي عليه السلام فيها طبعت مع تخميسها للشيخ جابر الكاظمي في النجف المطبعة الحيدرية.

(11)
الشرف والسؤدد فضيلة الدعوة إلى السلام والوئام فضيلة الاصلاح والرشاد وليس لسائر الامة إلا الاحسان إلى ذرية الرسول المودة لهم التي هي أجر الرسالة بنص الكتاب العزيز.
    « قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » (1).
    والقربى هنا بمعنى الأقارب قطعاً وليس المراد منه قرب النبي من قريش ولا تقــرب الامة إلى الله تعالى بالطاعة لأن الاول يصح استعماله (2) أولا وهو المتبادر إلى الفهم من الاطلاق ثانياً ، وأم المعنيين الآخرين فيحتاج ارادتهما من الاطلاق الى قرينة وهي مفقودة.
    على أن الاخبار المتواترة دلت على أن قرابته المعنيين بالآية هم علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام (3) وذريتهم وقد استشهد عليه الأئمة المعصومون فيقول سيد الوصيين عليه السلام فينا آية في حم لا يحفظ مودتنا إلا كل مؤمن ، ثم قرأ آية المودة. ويوم خطب الحسن عليه السلام بعد وفاة ابيه قال : أنا من أهل البيت الذين افترض الله مودتهم ، ثم قرأ آية المودة (4). ولما وقف الامام السجاد عليه السلام مع حرم النبوة على درج مسجد الشام قال له شامي : الحمد لله الذي استأصلكم ، فقال عليه السلام : أما قرأت قل « لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى » قال الشامي :
1 ـ الشورى : 23 : مدينة.
2 ـ أساس البلاغة للزمخشري.
3 ـ نص على بعض هذه الاخبار الزمخشري في الكشاف « ج 3 ص 402 » في تفسير الآية والرازي في تفسيره ج 7 ص 390 ، ومجمع الزوائد ج 7 ص 103.
4 ـ الصواعق المحرقة ص 101 الآية الرابعة عشر.


(12)
نعم وانتم هم ؟ فقال الامام عليه السلام : نعم ، فبكى واستغفر (1).
    فدل هذا على معروفية المعنى المتبادر من لفظ القربى بين الناس في ذلك الزمن القريب من عهد النزول ولو كان لغير هذا المعنى نصيب من الواقع لما صدر من المعصومين الاستشهاد بالآية على كونها فيهم ولما سكت من سمع الخطاب عن النقاش.
    وفي هذا يقول محي الدين العربي :
رأيت ولائـي آل طـه فريضـة فما طلب المبعوث اجراً على الهدى على رغم اهل البعد يورثني القربى بتبليغـه الا المـودة في الـقربى (2)
    وحينئذ فلا موقع للاشكال على الآية بأن طلب النبي الأجر على تبليغ الوحي لا يليق بمقام الانبياء مع أنهم صارحوا بنفي الاجرة على التبليغ ففي الحكاية عن نوح عليه السلام « فما سألتكم عليه من اجر ان أجري إلا على الله » (3) وعن هود وصالح ولوط وشعيب (4) عليه السلام « ما أسألكم عليه من أجر ان أجري الا على رب العالمين » وفي الحكاية عن نبينا الاعظم صلى الله عليه وآله قل : « ما سألتكم من أجر فهو لكم إن اجري إلا على الله » (6) وقوله : « قل لا اسألكم عليه أجراً إن هو إلا ذكرى للعالمين » (5)
1 ـ تفسير روح المعاني للالوسي ج 25 ص 31 والصواعق المحرقة ص 101 ومقتل الخوارزمي ج 2 ص 61 وتفسير ابن كثير ج 4 ص 112.
2 ـ شرح الزرقاني على المواهب اللدينة ج 7 ص 9 والصواعق المحرقة ص 101.
3 ـ يونس : 72.
4 ـ الشعراء : 109 و 127 و 145 و 164 و 180.
5 ـ سبأ : 47.
6 ـ الانعام : 90.


(13)
فان التدبر في هذه الآيات الشريفة يفيدنا عدم المنافات بينها وبين آية المودة لان الاجر المنفي في هذه الآيات هو المال والانبياء أرقى من أن يأخذوا المال على تبليغ الدعوة الآلهية مع ما فيه من المشقة على البأس التي أشار الكتاب العزيز إلى ثقلها على الطباع فقال تعالى : « أم تسألهم أجراً فهم من مغرم مثقلون » (1) وقال : « أم تسألهم خرجاً فخراج ربك خير وهو خير الرازقين » (2).
    والأجر المطلوب في آية المودة لم يكن من سنخ المال حتى يثقل على الطباع البشرية تحمله لان المقصود منه موالاة آل الرسول وهذا من سنخ الدعوة الآلهية فيليق بمقام النبوة الدعوة اليه والتعريف يه ومن المناسب جداً لرسول المشرع الاقدس أعلام الامة بما تستفيد منه السعادة الخالدة والزلفى إلى المهيمن سبحانه.
    فاذاً يكون طلب النبي صلى الله عليه وآله من امته مودة آله الاقربين لطفاً منه وحناناً عليهم لانارته لهم سبيل الخير وتعريفهم بالطريق اللاحب وهكذا المصلحون يتحرون بمن يريدون إصلاحهم كل وسيلة تأخذ بهم إلى أسمى الغايات.
    على أن المحبة لآل الرسول تستوجب مودة النبي صلى الله عليه وآله المسلتزمة لمحبة الله تعالى وطاعته كما جاء في المأثور عنه صلى الله عليه وآله « احبوا الله لما يغدوكم به من نعمه وأحبوني لحب الله وأحبوا أهل بيتي لحبي » (3) وإني
1 ـ الطور : 40.
2 ـ المؤمنون : 72.
3 ـ مستدرك الحاكم على صحيح البخاري ومسلم ولم يتعقبه الذهبي « ج 3 ص 150 ».


(14)
أخاصمكم عنهم غداً ومن أكن خصيمه خصمه الله ومن خصمه الله ادخله النار (1).
    وبهذه العناية يكون المعنى الثالث للفظ القربى في آية المودة وهو تقرب الامة إلى الله تعالى بالطاعة لازماً لمودة أهل البيت لكونها محبوبة للرسول ومحبوبة لله سبحانه وهذا عين الطاعة اليه جل شأنه.
    فالرسول الاعظم لم يسال الامة ما لا عوض تحمله المشاق في سبيل هدايتهم وإنقاذهم من مخالب الضلال والعمى والارشاد إلى ما فيه حياتهم وجمع شملهم حتى يشكل عليه بعدم المناسبة لمقام النبوة والرسالة وانما طلب منهم ما يعود نفعه اليهم وبه يستوجبون شمول العطف الآلهي ألا وهو مودة أهل بيته وقرباه وهم : ( علي وفاطمة والحسن والحسين وذريتهم ) وتفسير القربى بأهل البيت رواه الالوسي عن زاذان عن علي عليه السلام قال واليه يشير الكميت الاسدي.
وجدنا لكم في آل حم آية تأولها منا تقي ومعرب
    ولله در السيد عمر الهيتي احد الاقارب المعاصرين حيث يقول :
بـأيـة آيـة يأتـي يزيـد وقام رسول رب العرش يتلو غداة صحائف الاعمال تـتلا وقد صمت جميع الخلق قل لا (2)
    واي احد يتخيل طلب النبي صلى الله عليه وآله من الامة التعويض بالمال عن تلك المتاعب التي لم يلاقها نبي غيره ولم يؤذ في سبيل نشر
1 ـ اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار ص 114 عن ابن سعد.
2 ـ تفسير روح المعاني ج 25 ص 31 آية المودة.


(15)
دعوته أحد من الانبياء كما اوذي نبي الاسلام (1).
    وهل يقابل ذلك الخطر الآلهي بهذا العرض الزائل المتخلي عنه ( صفي الله وحبيبه صلى الله عليه وآله ) وقد عرضت عليه كنوز الارض بأجمعها فآثر الاخرى الباقية على ما فيه الفناء حتى كان يبيت الايام طاوياً ويشد الحجر على بطنه من الجوع ويسميه المشبع (2) فالرسول الاقدس في سيره وأعماله لا يدعو إلا إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة.
    فآية المودة لا تنافي سيرة الانبياء ولا سيرة نبينا الاعظم صلى الله عليه وآله ولا يعارضها ما في سورة سبأ / 47 « قل ما سألتكم » الخ ولا ما في الأنعام / 90 « قل لا اسألكم » الآية لان الاجر المنفي في هاتين الآيتين المال الذي يشق على الناس بذله ويتنزه عنه مقام من كان من ربه كقاب قوسين أو أدنى والمطلوب في آية المودة لم يكن مالا وانما هو محبة آله وهذا من سنخ العبادة والطاعة ومثل المنقذ الاكبر يعرف الامة ما فيه صلاحها ويرشدها إلى ما يقربها من المولى سبحانه زلفى.
    ولعل الآية في سورة سبأ « قل ما سألتكم من أجر فهو لكم » تصاعد عليه فان ظاهرها كالتمهيد للجواب عن مثل هذا الاشكال فان معنى الآية ان ما يطلبه الرسول من الاجر انما يعود نفعه الى الامة فالاجر الذي أراده من آية المودة وهو مودة أهل بيته معه
1 ـ غرر الخصائص للوطواط ص 258 في باب من قدر فعفا ، وشرح الزرقاني على المواهب ج 4 ص 321 وكنز العمال ج 2 ص 29 باب الحلم.
2 ـ شرح الصحيفة الكاملة للسيد علي خان.
السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: فهرس