السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: 16 ـ 30
(16)
لهم خاصة وحينئذ فيتفق هذا مع قوله تعالى : « لا أسألكم عليه أجراً ان هو إلا ذكرى للعالمين » لأن مودة آله وذريته ذكرى للعالمين ورحمة لهم لما فيها من احترام شخص النبوة وتقدير اعماله الجبارة.
    وما جاء في هذه الآية من طلب مودة القربى لا يتنافى مع ما في الفرقان/57 « قل ما أسألكم عليه من اجر الا من شاء ان يتخذ الى ربه سبيلا » (1) فان الهداية الى الله تعالى التي هي المطلوب السامي لنبي الاسلام عوضاً عن التبليغ والارشاد يتفق مع مودة القربى المراد لرسول الله صلى الله عليه وآله في آية الشورى فان مودة آله من مصاديق الهداية الى المهيمن سبحانه بامتثال اوامره واجتناب معاصيه والقيام بما يقرب منه عز شأنه زلفى فلا ندحة له من مودة قربى النبي لان الله تعالى حث على حبهم واقتفاء آثارهم.
    ولو أعرضنا عن جميع ذلك لا تكون الآيتان المنفي فيهما الأجر معارضتين لآية المودة لأنهما مكيتان وآية المودة مدنية نازلة بعدهما والمدني لا يعارضه المكي بوجه.
    ودعوى ابن تيمية عدم الريب في كون آية المودة مكية لأنها من سورة الشورى التي هي كباقي الحواميم مكية وحينئذ فأين تزويج علي من فاطمة وأين أولادهما (2) تدلنا على عدم اطلاعه على كلمات المفسرين أو أنه غض النظر عنها فانه لم يصرح أحد بأن الآية مكية وكأنه تخيل من اطلاق قولهم الشورى مكية انها بتمام آياتها وهذا غير لازم فان جملة من الآيات المكية في السور المدنية
1 ـ سورة الفرقان : آية / 57.
2 ـ منهاج السنة « ج 2 ـ ص 118 وص 250 ».


(17)
وبالعكس لأن تأليف القرآن لم يكن على حسب النزول (1) ويحكي الزرقاني عن تفسير ابن عطية ان الآية مدنية وحديث ابن عباس ينص على ان المراد من القرابة فيها علي وفاطمة وابنائهما (2).
    ثم لو فرضنا عدم نزول ( آية المودة ) في اهل البيت لأفادنا ما ورد من محبوبية الاحسان اليهم والعطف عليهم وإيتاء المعروف لهم وقضاء حوائجهم والسعي في امورهم : تأكده في ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله لكونه مشرفهم ومودع الفضل فيهم وهو أصل هذه الدوحة الميمونة ووصاياه في حقهم متواترة لا تبقي ريباً وتشكيكاً لمن يتطلب النص بالخصوص وقد جاء عنه صلى الله عليه وآله : لا يؤمن عبد حتى أكون أحب إليه من عترته وأهلي أحب إليه من أهله وذاتي أحب اليه من ذاته.
    وان لله حرمات ثلاث من حفظهن حفظ الله دينه ودنياه : حرمة الاسلام ، وحرمتي ، وحرمة رحمي (3).
    فمقارنة حرمة أهل بيته بحرمة شخص النبوة الواجب على الأمة مراعاتها وان التقصير فيها يستوجب سخط الرب جل شأنه دليل واضح على امتياز الذرية على سائر المسلمين لحصولهم على هذا العنوان أعني كونهم ذرية الرسول مطلقاً سواء كانوا سائرين على منهاج مشرفهم الأعظم أو متأخرين عنه ، نعم الحب لمن هو متبع لقوانين جدهم الاكرم يكون أأكد وحيث يكون التقصير بأداء حق الذرية والحط من كرامتهم مستوجباً للوهن بمقام النبي صلى الله عليه وآله
1 ـ ذكر حجة الاسلام المحقق ميرزا عبدالحسين الأميني في كتاب الغدير « ج 1 ص 233 » تفصيل السور الملكية وفيها آيات مدنية وبالعكس.
2 ـ شرح المواهب اللدينة ج 7 ص 3.
3 ـ الصواعق المحرقة ص 137 و 139.


(18)
استحق البعد من الله تعالى كل من أعرض عن إكرام الذرية.
    ومن هنا جاء تحذيره صلى الله عليه وآله : من احتقرهم فهو ملعون أذهب الله عنه السمع والبصر (1).
    وليس المراد منه فقد هاتين الحاستين لما يشاهد بالوجدان خلافه بل المراد منه عدم التوفيق لاستماع أو إبصار ما يقرب إلى الخير ويبعد عن درك العقاب على حد قوله تعالى : « لهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها » وهذا هو المراد من قوله صلى الله عليه وآله ( ملعون ) فان اللعن ليس إلا الطرد والبعد عن الرحمات الآلهية والفيوضات الربوبية فلا تهطل سحائب الرحمة على من احتقر الذرية وأشار إلى هذا قوله صلى الله عليه وآله : « عليكم بحب أولادي فانه يدخل الجنة لا محالة وبغضهم يدخل النار » (2).
    وهذه الكلمات الذهبية من نبي الرحمة تلقي على الامة ضوءاً تبصر منه المكانة السامية لذريته الصالحة واما من كان بظاهره حائداً عن قانون الشرع فيكون الاحسان اليه من باب تكريم صاحب الدعوة الآلهية لكون الاهانة اليه تستلزم التوهين بمقام الرسول.
    واليه يشير النبي صلى الله عليه وآله : أكرموا أولادي الصالحين لله تعالى والطالحين لي (3) ولما لمح النبي العجب ممن سمع خطابه في إكرام الطالح منهم قال مرشداً له : أليس الولد العاق يلحق بالنسب (4).
1 ـ فضائل السادات ص 389.
2 ـ جامع الأخبار.
3 ـ جامع السعادات ص 314 أيوان اول.
4 ـ فضائل السادات ص 373.


(19)
    على ان الرسول الاعظم سأل الله سبحانه أن يثبت القائم بالحق من أهل بيته ويهدي ضالهم ويعلم جاهلهم ويجعلهم رحماء نجباء ويهب مسيئتهم نحسنهم ويهبهم له فأجاب الله تعالى سؤاله (1) وأكرمه بتوفيق ذريته للفوز الاكبر وهو الممات على ولاية الأئمة المعصومين والتوبة عما اقترفوه من الآثام ولو في آخر ساعة من أيامهم كما يفصح عنه قول الامام الصادق عليه السلام لا يخرج أحدنا من الدنيا حتى يقر لكل ذي فضل فضله (2) وفي آخر عنه صلى الله عليه وآله عنه : ليس لكم ان تدخلو فيما بيننا إلا بسبيل خير انه لم تمت نفس منا إلا وتدركها السعادة قبل أن تخرج نفسه ولو بفواق ناقة (3)
    ومما يفيدنا وضوحاً في هذا الحكم الذي لا يرتاب فيه من يبصر الحقايق بعين صحيحة ما احتفظ به من وصايا المعصومين باكرام ذريتهم ومن ينتسب اليهم نذكر بعضا منها كمثل يتعرف منه مكانة الذرية.
    1 ـ حدث عبيدالله بن عبدالله بن طاهر بن الحسين الخزاعي (4)
1 ـ ذخائر العقبى ص 15.
2 ـ الخرايج في الباب6.
3 ـ مرآة العقول ج 1 ـ ص 262 عن الصدوق.
4 ـ قال ابن خلكان بترجمة عبيدالله : كان عبيدالله شاعراً كاتباً تولى شرطة بغداد عن أخيه محمد وبعد وفاته استقل بها واليه انتهت رياسة آل طاهر وهو آخر من مات منهم رئيساً توفي سنة 300 وله 77 سنة ودفن بمقابر قريش ولقب جده طاهر بذي اليمينين لأنه ضرب بيساره شخصاً في واقعته مع علي بن ماهان فقده نصفين فقال بعض الشعراء ( كلتا يديه يمين حين يضربه ) فلقبه المأمون بذلك تولى على خراسان من قبل المأمون وكان معه غلام وهبه المأمون له فأمر الغلام ان يسمه ففعل الغلام وأصبح ميتاً لخمس بقين من جماد الثاني سنة 207 بمرو ومات والده الحسين بخراسان سنة 199 وكان جده مصعب بليغاً أديباً كتب لسليمان بن كثير بن الخزاعي صاحب دعوة بني العباس وتولى هراة وبوشنج بلدة تبعد عن هراة سبع فراسخ.


(20)
انه دخل على أخيه محمد سحراً بعد مدة من قتله ليحي بن عمر العلوي فرآه مطرقاً برأسه مهموماً حزيناً كأنه عرض على السيف وجواريه لا يتجاسرون على مسألته واخته واقفة فسألها قالت رؤيا أهالته فقلت لها أيها الأمير روي عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال إذا رأى أحدكم ما يكره في منامه فليتحول من جانبه إلى الآخر وليقل ثلاثاً استغفر الله ويلعن ابليساً ويستعيذ بالله ثم ينام.
    فرفع إلي راسه وقال : يا أخي كيف اذا كانت الطامة من جهة رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال لي ألست ذاكراً رؤيا طاهر وهو صغير للنبي في منامه وهو يقول له : يا طاهر إنك ستبلغ من الدنيا أمراً عظيماً فاتق الله واحفظني في ولدي فانك لا تزال محفوظاً ما حفظتني في ولدي.
    فما تعرض طاهر لقتال علوي قط وندب إلى ذلك غير دفعه ثم قال محمد يا أخي إني رأيت البارحة رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي وهو يقول : يا محمد نكثتم ؟ فانتبهت فزعاً وتحولت واستغفرت الله وتعوذت من ابليس ولعنته ونمت فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله الثانية وهو يقول : يا محمد نكثتم ؟
    ففعلت كما فعلت في الاولى ونمت فرأيته صلى الله عليه وآله الثالثة وهو يقول : نكثتم وقتلتم أولادي والله لا تفلحون بعدها أبداً.
    فانتبهت وأنا على هذا الحال منذ نصف الليل ما نمت واندفع يبكي وبكيت معه فما مضت على ذلك إلا مدة يسيرة حتى مات


(21)
محمد ونكبنا بأسرنا أقبح نكبة وصرفنا عن ولايتنا ولم يزل أمرنا يخمل حتى لم يبق لنا اسم على منبر ولا علم في جيش ولا إمارة وصرنا إلى الآن تحت المحن. (1)
    وبعد قتل يحي جلس محمد بن عبدالله يهنأ بقتله وجماعة الهاشميين والطالبيين وحضور وسمعهم أبو هاشم الجعفري يهنؤنه فقال : أيها الأمير إنك لتهنأ بقتل رجل لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله حياً لكان هو المعزى به فما رد عليه محمد شيئاً ثم خرج أبو هاشم يقول (2) :
يا بني طاهر كلوه وبيا (3) ان وتراً يكون طالبه الله ان لحم النبي غير مري لـوتر نجاحه بالحـري (4)
    ويحي هو ابن عمر بن يحي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وامه ام الحسين فاطمة بنت الحسين ابن عبدالله ابن اسماعيل بن عبدالله بن جعفر الطيار (5).
    كان يحي ورعاً ديناً كثير البر والمعروف واصلا لأهل بيته مؤثراً لهم على نفسه عطوفاً على الطالبيات لم تظهر منه زلة ولذا جزعت
1 ـ نشوان المحاضرة للقاضي التنوخي ج 1 ـ ص 223.
2 ـ الطبري ج 11 ـ ص 90 وابن الاثير ج 7 ـ ص 41 والبداية ج 11 ـ ص 5 وفي عمدة الطالب انها من أبيات.
3 ـ في عمدة الطالب ص 264 نجف « مريئاً ».
4 ـ في عمدة الطالب ومروج الذهب ج 2 ـ ص 410. « بالفوت غير حري »
5 ـ الطبري وابن الاثير والبداية ومقاتل أبي الفرج ووهم المسعودي حيث نسبه إلى اسماعيل بن عبدالله بن جعفر لان هذا نسب امه.


(22)
عليه النفوس ورثاه القريب والبعيد (1) خرج بالكوفة ليلة الاثنين لثلاث عشر خلت من رجب سنة 250 أيام المستعين وكانت الوقعة في ظهر خندق الكوفة حمل رأسه إلى محمد بن عبدالله بن طاهر فطلب من يقوره فلم يقدم عليه أحد حتى من كان في السجن من الذباحين إلا رجل من عمال ( السجن الجديد ) فانه صنع فيه كما أراد محمد وأرسه إلى سامراء فنصبه ابراهيم بن اسحاق الديزج على باب العامة لحظة وأنزله لكثرة انكار العامة وأرجعه إلى محمد فلم يقدر أن ينصبه على الجسر لتجمع الناس وإنكارهم فخبأه في بيت سلاح في داره.
    2 ـ حدث أحمد بن اسحاق القمي وكان وكيلاً بقم عن أبي الحسن علي الهادي وأبي محمد الحسن العسكري عليه السلام : ان الحسين بن الحسن ابن جعفر بن محمد بن اسماعيل بن جعفر الصادق عليه السلام كان « بقم » يشرب الخمر علانية فاعترته نائبه فقصد بها أحمد بن اسحاق فلم يأذن له فرجع إلى أهله مهموماً منكسراً ولما توجه أحمد ابن اسحاق إلى الحج وبلغ سر من رأى استأذن على أبي محمد العسكري عليه السلام فلم يأذن له فكبر عليه وداخله هم شديد ولم يعلم السبب في ذلك حتى تضرع اليه طويلاً فأذن له وسأله عما أوجب إعراضه ؟ فعرفه الامام عليه السلام ان السبب منعه العلوي من الدخول عليه وقد قصده لأمر أهمه فقال ابن اسحاق لم يكن المنع إلا لأجل أن يتوب عما عليه من المآثم فقال الامام عليه السلام صدقت ولكن لا بد من إكرامهم لانتسابهم الينا فلا تكن يا ابن اسحاق من الخاسرين بالاعراض عمن انتسب الينا.
1 ـ مروج الذهب ج 3 ـ ص 410.

(23)
    ولم يتباعد ابن اسحاق عن نصح الامام الواقف على الاسرار العارف بمقتضيات الاحوال علماً منه بأن ( إمام الحق ) لا يدعوا إلا إلى حكمة بالغة أو حقيقة راهنة فاحتفظ بهذه الوصية الثمينة حتى إذا رجع من الحج إلى مدينة قم زاره ذلك العلوي فيمن أتاه من الناس فأظهر له ابن اسحاق أمام الحاضرين من التبجيل والاحترام ما أبهره وعجبت منه الحاضرين.
    فسأله العلوي عن هذا الحال الغريب مع ما شاهده منه من ذي قبل فذكر له ما جرى من الامام العسكري عليه السلام معه. فبكى العلوي وتاب عما كان عليه وصار من المتورعين المتخذين أقوال آبائه الهداة طريقاً مهيعاً في كل أعماله حتى فاجأه الموت ودفن بقم قريباً من مشهد السيدة الطاهرة فاطمة بنت الامام الكاظم. (1)
    3 ـ حدث الوزير علي بن عيسى (2) ان علوياً من أولاد موسى بن جعفر عليه السلام كان يأتيه في شهر رمضان فيعطيه خمسة آلاف درهماً مؤنة له ولعياله وهذه حالة مع العلويين في هذا الشهر المبارك فاتفق انه رأى ذلك العلوي في الشتاء سكراناً فندم على ما كان منه معه وعزم على حرمانه ولما دخل شهر رمضان أتاه العلوي على عادته
1 ـ فضائل السادات ص 362 عن تاريخ قم.
2 ـ علي بن عيسى بن داود الجرح في شذرات الذهب ج 2 ص 332 وزر مرات للمقتدر والقاهر وكان محدثا ديناً خيراً كبير الشأن عاش تسعين سنة توفي ببغداد سنة 391 ودفن في داره ترجمته في معجم الادباء ج 14 ص 68 والمنتظم لابن الجوزي ج 7 ص 218 سنة 391 والبداية لابن كثير ج 11 ص 330.


(24)
فزبره ومنعه وفي تلك الليلة رأى الوزير النبي صلى الله عليه وآله مقبلاً على الناس وقد أعرض عنه فقال للنبي صلى الله عليه وآله أتعرض عني مع إحساني لأولادك وبري بهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله إنك قطعت جائزتك عن ولدي فلان فأخبره بأنه لم يقطع عنه الجائزة إلا لأجل أن يقلع عن الآثام فأجابه النبي إنك أكرمته لأجله أو لأجلي قال : لأجلك يا رسول الله فقال النبي هلا سترت عليه لأجلي قال الوزير حباً وكرامة.
    ولما أصبح حمل إلى العلوي عشرة آلاف درهماً وطيب خاطره وقال إن أعوزك شيء عرفني.
    فأبى العلوي أن يأخذ المال حتى يعرف السبب الذي دعاه إلى هذا مع ما صنعه بالأمس فقص عليه رؤيا النبي صلى الله عليه فعندها بكى العلوي وتاب إلى الله تعالى مما كان عليه وقال إني لا أعود إلى شيء من ذلك ولا أحوج جدي رسول الله أن يحاجك من جهتي (1).
    فرسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة الهداة عليهم السلام مقيضون لتنبيه الامة من رقدة الجهل وإنارة سبيل الهدى لهم أحياء وأمواتاً وهذا لطف من المولى سبحانه على هذه الامة ومنة عليهم بانقاذهم من مخالب الضلال فشرع الطرق الموصلة الى القرب منه جل شأنه ولم يخصها بأقوال المعصومين وأفعالهم الصادرة منهم حال الحياة بل أفاض عليهم عطفه وحنانه بارائه تلك الامثال القدسية في حال النوم مع شواهد تصدق ذلك ( الحلم ) ليفوزوا بالرضوان الاكبر.
1 ـ دار السلام للنوري ج 1 ـ ص 159.

(25)
    4 ـ وكان لابن عنين الشاعر (1) أمر عجيب مع العلويين فانه لما توجه إلى مكة ومعه مال وأقمشة خرج عليه بعض بني داود بن الحسن فأخذوا ما كان معه وسلبوه وجرحوه فكتب إلى الملك العزيز ابن أيوب صاحب اليمن وكان أخوه الملك الناصر أرسل اليه يطلب منه أن يقيم بالساحل المفتتح من ايدي الافرنج فزهده ابن عنين في الساحل وحرضه على الاشراف الذين فعلوا به ما فعلوا واول القصيدة :
أعيت صفات نداك المصقع اللسنا وما تـريد بجسـم لا حيـاة لـه ولا تقل ساحل الافرنـج أفتحـه وإن اردت جهاداً فارو سيفك من طـهر بسيفك بيت الله من دنس ولا تـقل أنـهم أولاد فـاطمة وجدت في الجود حد الحسن والحسنا من خلص الزبد ما أبقى لك اللبنـا فـما يساوي إذا قايستـه ( عدنـا ) قوم أضاعوا فروض الله والسـننا ومـن خساسـة أقـوام به وخـنا لو أدركوا آل حرب حاربوا الحسنا
    فلما قال هذه القصيدة رأى في النوم فاطمة الزهراء عليه السلام تطوف
1 ـ قال ابن كثير في البداية ج 13 ـ ص 137 : هو أبو المحاسن محمد بن نصر الدين بن نصر بن الحسين بن علي بن محمد بن غالب الانصاري المعروف بابن الشاعر وفي الحوادث الجامعة ص 51 كوفي الاصل دمشقي المولد والمنشأ شاعر مشهور سافر إلى الآفاق في التجارة ومدح الاكابر في كل البلاد وكان ظريفاً حسن الاخلاق ذا ثروة توفي بدمشق ووافقه على الوفاة بها ابن كثير وعينها في سنة 630 و سنة 633 هـ ج وفي النجوم الزاهرة ج 6 ص 113 له مع الطبيب الموفق اسعد الذي اسلم على يد السلطان مهاجاة وذكر ابن خلكان ترجمته وذكره ابن الدبيثي في المختصر المحتاج اليه ج 1 ص 151 وفي نفح الطيب مطبعة الحلبي ج 8 ص 330 الى ص 343.

(26)
بالبيت وهي معرضة عنه فتضرع اليها وسألها عن ذنبه فأنشئت عليه السلام :
حـاشا بني فاطمـة كلهـم وانمـا الايـام في غدرهـا لئن اسا مـن ولـدي واحـد فتـب الى الله فمن يقتـرف واكرم بعين المصطفى جدهم فكـل ما نالك منهـم عنـا من خسة تعرض او من خنـا وفعلهـا السوء اسـاءت بنـا وجهت كل السب عـمداً لـنا ذنباً لـه يـغفر ما قد جنـى ولا تهـن مـن آلـه أعيـنا تـلقى به في الحشر منا هـنا
    وانتبه أبو المحاسن يحفظ هذه الابيات وقد عافاه الله تعالى من المرض فخرق تلك القصيدة وقال :
عذراً إلى بنت نبي الهـدى وتوبة تقبلهـا مـن أخـي والله لـو قطعنـي واحـد لـم أر مـا يفعلـه سيـئاً تصفح عن ذنب مسيء جنى مـقالة توقـعه فـي العـنا منهم بسيف البغي أو بالقـنا بل أره في الفعل قد أحسنا (1)
    هذا حال المعصومين مع من خرج من ذريتهم عن سنن الشريعة واتبع الشهوات ، ولا تفوت النكتة في هذه الوصايا فان الغرض إنقاذ الذرية من تلك الهلكات بالتوبة من المعاصي والاقلاع
1 ـ قال في عمدة الطالب ص 119 ط نجف اختصرت الفاظ هذه القصيدة وهي مشهورة مذكورة في ديوان ابن عنين ورواها الشيخ تاج الدين أبوعبدالله محمد بن معية الحسني وجدي لامي الشيخ فخر الدين محمد بن الفاضل السعيد زين الدين حسين بن حديد الاسدي كلاهما عن السيد السعيد بهاء الدين داود بن أبي الفتوح عن أبي المحاسن نصر الله بن عنين صاحب الواقعة وقد ذكرها البادراوي في كتاب ( الدر النظيم ) وغيره من المصنفين وذكرها الزبيدي في تاج العروس ج 9 ص 285 مادة ( عون ).

(27)
عن الذنوب مع حفظ الكرامة لهم واما من كان منهم عارفاً بالامر متبعاً لقانون الاسلام فلا يقاس بسائر الناس بشهادة الامام الرضا عليه السلام على ما يحدث عنه سليمان بن جعفر قال قال علي ابن عبيد الله بن الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام اشتهي أن أدخل على أبي الحسن الرضا عليه السلام قلت وما يمنعك من ذلك ؟ قال الاجلال والهيبة واتقي عليه.
    ثم ان الرضا عليه السلام اعتل علة خفيفة عادة فيها الناس فلقيت ابن عبيد الله وقلت قد جائك ما تريد قد اعتل أبو الحسن وعادة الناس فان رأيت الدخول عليه فاليوم ، فمضى الى منزل أبي الحسن فلاقاه أبو الحسن الرضا عليه السلام بكل ما يجب من الاجلال والتعظيم ففرح بذلك علي بن عبيد الله فرحاً شديداً.
    ثم ان علي بن عبيد الله مرض وعادة أبو الحسن الرضا عليه السلام وأنا معه فجلس حتى خرج من كان في البيت ولما خرجنا أخبرتني مولاه لنا ان ام سلمه امرأة علي بن عبيدالله كانت من وراء الستر تنظر الى أبي الحسن عليه السلام فلما خرج جاءت وانكبت على الموضع الذي كان جالساً فيه أبوالحسن تقبله وتمسح به فقصدت أبا الحسن عليه السلام وأعلمته بما صنعته ام سلمة فقال عليه السلام : يا سليمان ان علي ابن عبيدالله وامرأته وولده من أهل الجنة ، يا سليمان ان ولد علي وفاطمة عليه السلام إذا عرفهم الله هذا الأمر لم يكونوا كالناس (1).
1 ـ رجال الكشي ص 365.

(28)

(29)
    لقد وضح مما ذكرناه ان نبي الاسلام أراد بالامة خيراً حيث أرشدها إلى ما هو الصالح لها وفيه الزلفى إلى المهيمن جل شأنه ألا وهو المودة لذريته المستتبعة لعونهم ومساعدتهم على نوائب الدهر وما يحتاجون اليه في هذه الحياة وعرفهم بأن هذا المعروف مع آله وقرباه لا يذهب سدى فانه يوم الجزاء يكون صلى الله عليه وآله هو المكافي لكل من أسدي إلى ذريته يداً بيضاء وحينئذ فما ظنك بتلك المجازات الصادرة من أكرم الخليفة وهل يستطيع أحد ان يحدها أو يقف على مداها.
مـلك يحتوي ممـالك فضل لو اعيرت مـن سلسبيل نداه ذاك أسخى يـداً واشجع قلبا كـم علـى هذه له مـن أياد وله فـي عـد مضيف جنان اين من مكرمـاته معصرات غيـر مجدودة جهات علاها كرة النـار لاستحالت مياها وكذا أشجـع الورى أسخاها ليست الشمس غير نار قرانا لم يحـل حسنها ولا حسناها دون أدنـى نوالـه أنداها (1)
    فالتحدث عما يشين موقف الذرية من الشرع الحنيف يوجب
1 ـ من قصيدة ملا كاظم الازري ( رحمه الله )

(30)
وهنا في مقام ذلك الجلال القدسي الطافح بالعظمة وقد أمر صلى الله عليه وآله باكرام أولاده ، الصالح لله والطالح له.
    على أن الأحاديث المسطورة في كتب التاريخ مما يشين مقام الذرية لم يثبت صحة إسنادها ، وإنما جاء بها اناس يحملون أحقاداً محتدمة على المصطفى صلى الله عليه وآله طلباً لثارات أشياخهم المودى بهم في بدر وحنين وغيرهما من مغازية مشفوعة بأضغان معتلجة في الصدور على أمير المؤمنين عليه السلام بما أنه المباشر لازهاق اولئلك الطغام.
    لكن الظروف لما لم تسع لهم أن يشينوا سمعة الرسالة عمدوا إلى الوقيعة في آله الأقربين باختلاق نسب مفتعلة ولقنوها الرواة وتلقنتها البسطاء وخفت على الفطاحل وذوي الفضيلة غير أن الاستضائة بنور البحث والتنقيب أماطت الستار عن الحقيقة و عرفتنا حال اولئك الرواة وما جاؤا به من قدح وذم.
    ويسجل ابن أبي الحديد في شرح النهج (1) رجالاً كانوا يستميلون دنيا الخلفاء بافتعال احاديث تبعد العامة عن المعصومين وذويهم ويقول الخطيب : ضرب المتوكل نصر بن علي الف سوط لكونه حدث في فضل الحسن والحسين عليه السلام ولم يكف عنه حتى شهدوا انه من أهل السنة (2).
    وقول مقاتل للمنصور الدوانيقي : إن شئت وضعت لك أحاديث في فضل العباس بن عبدالمطلب (3) يؤكد ما عليه الرواة من افتراء الأحاديث ارضاء للخلفاء.
1 ـ ج 1 ـ ص 358 إلى ص 365.
2 ـ تاريخ بغداد ج 13 ـ ص 167.
3 ـ تاريخ بغداد ج 13 ـ 287.
السيدة سكينة ابنة الامام الشهيد ابي عبدالله الحسين عليه السلام ::: فهرس