الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد ::: 16 ـ 30
(16)
الفوطي الحنبلي البغدادي المتوفى سنة 723 هـ :
    ترجم له الذهبي قائلاً : ابن الفوطي العالم البارع المتفنّن المحدّث المفيد ، مؤرخ الافاق ، مفخر أهل العراق ، كمال الدين أبوالفضائل عبدالرزاق بن أحمد بن محمّد بن أبي المعالي الشيباني ابن الفوطي ، مولده في المحرّم سنة 642 ببغداد ، وأُسر في الوقعة وهو حَدَث ـ أُسر في الوقعة : وقعة بغداد ـ ثمّ صار إلى أُستاذه ومعلّمه خواجة نصير الدين الطوسي في سنة 660 ، فأخذ منه علوم الاوائل ، ومهر على غيره في الادب ، ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس ، وله النظم والنثر ، والباع الاطول في ترصيع تراجم الناس ، وله ذكاء مفرط ، وخط منسوب رشيق ، وفضائل كثيرة ، سمع الكثير ، وعني بهذا الشأن (1).
    ويعبّر عنه صاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي ، عندما يعنونه يعبّر عنه بـ : الشيخ الامام المحدّث المؤرّخ الاخباري الفيلسوف (2).
    وأمّا ابن كثير ، فيذكر ابن الفوطي في تاريخه قائلاً : الامام المؤرّخ كمال الدين ابن الفوطي أبوالفضل عبدالرزاق ، ولد سنة
1 ـ تذكرة الحفاظ 4/1493.
2 ـ فوات الوفيات 2/319.


(17)
642 ببغداد ، وأُسر في واقعة التتار ، ثمّ تخلّص من الاسر ، فكان مشرفاً على الكتب بالمستنصريّة ، وقد صنّف تأريخاً في خمس وخمسين مجلّداً ، وآخر ـ أي كتاباً آخر ـ في نحو عشرين ، وله مصنّفات كثيرة ، وشعر حسن ، وقد سمع الحديث من محي الدين ابن الجوزي ، وتوفي في ثالث المحرّم في السنة التي ذكرناها (1).
    فهذا العالم المؤرّخ ، الذي شاهد القضيّة ، وحضرها ، وأُسر فيها ، وهو إمام مؤرّخ معتمد ، يذكره علماء أهل السنّة بالثناء الجميل ، ويذكرون كتبه في التاريخ ، هذا الرجل له كتاب الحوادث الجامعة ، في هذا الكتاب يتعرّض لقضيّة سقوط بغداد على يد هولاكو ، وليس لخواجة نصيرالدين اسم في هذه القضيّة ولا ذكر أبداً ، يذكرون أنّه قد ألّف كتابه هذا بعد الواقعة بسنة واحدة ، أي أنّ سنة 657 تاريخ تأليف كتاب الحوادث الجامعة.

    ثمّ بعد ابن الفوطي ، نرى ابن الطقطقي المولود سنة 660 والمتوفّى سنة 709 ، هذا صاحب كتاب الفخري في الاداب
1 ـ البداية والنهاية 14 / 106.

(18)
السلطانيّة والدول الاسلاميّة ، يروي الحوادث ، حوادث بغداد ، بواسطة واحدة فقط ، ولا ذكر في هذا الكتاب حيث يذكر الحوادث لخواجة نصيرالدين في القضيّة أصلاً ، لا من قريب ولا من بعيد.
    نعم يذكر اسم الخواجة مرّةً واحدةً ، حيث يبيّن دخول ابن العلقمي على هولاكو.
    ابن العلقمي كان وزير المستعصم العباسي ، أصبح بعد المستعصم العباسي من الشخصيّات المرموقة في بغداد ، وينسب إليه أيضاً من قبل بعض كتّاب السنّة ـ السابقين واللاّحقين ـ أنّ له يداً في سقوط بغداد ، لكن بحثنا الان في خواجة نصيرالدين وليس في ابن العلقمي ، وبإمكانكم أن ترجعوا إلى كتاب أعيان الشيعة للسيّد الامين العاملي رحمه الله يذكر هناك ما يقال عن ابن العلقمي وبراءة ساحة هذا الرجل أيضاً.
    ففي كتاب الفخري في الاداب السلطانيّة يذكر الشيخ نصيرالدين الطوسي مرّةً واحدةً بمناسبة أنّ الشيخ نصيرالدين كان واسطة في دخول هذا الوزير ، أي ابن العلقمي على هولاكو ، يقول : وكان الذي تولّى ترتيبه في الحضرة السلطانيّة الوزير السعيد


(19)
نصيرالدين محمّد الطوسي قدّس الله روحه (1).

    ثمّ ننتقل إلى تاريخ أبي الفداء ، المولود سنة 672 والمتوفى سنة 732 ، وهذا قريب العهد بالواقعة ، لانّ الواقعة كانت سنة 656 ، وهذا مولود في سنة 672 ، أي بعد سنوات قليلة ، ومتوفى في سنة 732.
    فنراه يذكر قضيّة فتح بغداد ، واستيلاء المشركين والتتر على بغداد ، وانقراض الحكومة العبّاسيّة ، يقول : في أوّل هذه السنة ـ سنة 656 ـ قصد هولاكو ملك التتر بغداد ، وملكها في العشرين من المحرّم ، وقتل الخليفة المستعصم بالله ، وسبب ذلك أنّ وزير الخليفة مؤيّد الدين ابن العلقمي كان رافضيّاً ، وكان أهل الكرخ أيضاً روافض ، فجرت فتنة بين السنّيّة والشيعة ببغداد على جاري عادتهم.
    [ دائماً هذه الفتن كانت موجودة في بغداد بين الشيعة والسنّة ، منذ زمن الشيخ المفيد والشيخ الطوسي ، وفي بعض هذه الفتن
1 ـ الفخري في الاداب السلطانية : 338.

(20)
هاجر الشيخ الطوسي من بغداد إلى النجف الاشرف وأسّس الحوزة العلميّة ، لذلك يقول : على جاري عادتهم ، أي هذا شيء معتاد بينهم ، محلّة الكرخ والمحلّة التي تقابلها ، هؤلاء شيعة وأُولئك أهل سنّة ، جرت فتنة ].
    فأمر أبوبكر ابن الخليفة وركن الدين الدوادار [ هذا رئيس العسكر ] العسكر ، فنهبوا الكرخ ، وهتكوا النساء ، وركبوا منهنّ الفواحش.
    فعظم ذلك على الوزير ابن العلقمي ، وكاتب التتر وأطمعهم في ملك بغداد ، وكان عسكر بغداد يبلغ مائة ألف فارس ، فقطّعهم المستعصم ليحمل إلى التتر متحصل اقطاعاتهم ، وصار عسكر بغداد دون عشرين ألف فارس ، وأرسل ابن العلقمي إلى التتر أخاه يستدعيهم ، فساروا قاصدين بغداد في جحفل عظيم ، وخرج عسكر الخليفة لقتالهم ومقدّمهم ركن الدين الدوادار ، والتقوا على مرحلتين من بغداد ، واقتتلوا قتالاً شديداً ، فانهزم عسكر الخليفة ، ودخل بعضهم بغداد وسار بعضهم إلى جهة الشام.
    ونزل هولاكو على بغداد من الجانب الشرقي ، ونزل باجو ـ وهو مقدّم كبير ـ في الجانب الغربي ، على قرية قبالة دار الخلافة ، وخرج مؤيد الدين الوزير ابن العلقمي إلى هولاكو ، فتوثّق منه


(21)
لنفسه ، وعاد إلى الخليفة المستعصم وقال : إنّ هولاكو يبقيك في الخلافة كما فعل بسلطان الروم ، فخرج إليه المستعصم في جمع من أكابر أصحابه ، وأنزل في خيمته ، ثمّ استدعى الوزير الفقهاء والاماثل ، فاجتمع هناك جميع سادات بغداد والمدرّسون ، وكان منهم محي الدين ابن الجوزي وأولاده ، وكذلك بقي يخرج إلى التتر طائفة بعد طائفة ، فلمّا تكاملوا قتلهم التتر عن آخرهم ، ثمّ مدّوا الجسر وعدا باجو ومن معه ، وبذلوا السيف في بغداد ، وهجموا على دار الخلافة وقتلوا كلّ من كان فيها من الاشراف ، ولم يسلم إلاّ من كان صغيراً ، فأُخذ أسيراً ، ودام القتل والنهب في بغداد نحو أربعين يوماً ، ثمّ نودي بالامان.
    أمّا الخليفة فإنّهم قتلوه ، ولم يقع الاطّلاع على كيفيّة قتله ، فقيل خنق ، وقيل وضع في عدل ورفسوه حتّى مات ، وقيل غرق في دجلة ، والله أعلم بحقيقة ذلك ، وكان المستعصم ضعيف الرأي ، قد غلب عليه أُمراء دولته لسوء تدبيره ، وهو آخر الخلفاء العبّاسيّين (1).
    ولا ذكر لخواجه نصير الدين الطوسي أبداً ، وأمّا ما ذكر عن ابن
1 ـ المختصر في أحوال البشر 3/193 ـ 194.

(22)
العلقمي ففيه نظر ، فلابدّ وأنْ يحقّق عنه.

    وأمّا الذهبي ، الذهبي هو تلميذ ابن تيميّة وإنْ كان يخالفه في بعض الاراء ، إلاّأنّه تلميذه ، وقد لخّص كتاب منهاج السنّة أيضاً ، فمن مؤلفات الذهبي منهاج الاعتدال وهو تلخيص منهاج السنّة.
    يقول الذهبي في حوادث سنة 656 : كان المؤيد ابن العلقمي قد كاتب التتر ، وحرّضهم على قصد بغداد ، لاجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي.
    فذكر الواقعة كما تقدّم عن أبي الفداء ، وليس فيها ذكر لنصيرالدين الطوسي أصلاً (1).

    وصاحب فوات الوفيات ابن شاكر الكتبي المولود سنة 686 ، أي بعد الواقعة بثلاثين سنة ، والمتوفى سنة 764 ، يترجم الخليفة العبّاسي ويترجم نصيرالدين الطوسي كليهما في كتابه ، ولا يذكر
1 ـ العبر في خبر من غبر 3/277.

(23)
شيئاً من دخل الخواجة في حوادث بغداد أبداً ، وبترجمة الخليفة يقول :
    كان متيناً متمسّكاً بمذهب أهل السنّة والجماعة على ما كان عليه والده وجدّه ، ولم يكن على ما كانوا عليه من التيقّظ والهمّة ، بل كان قليل المعرفة والتدبير والتيقّظ ، نازل الهمّة ، محبّاً للمال ، مهملاً للاُمور ، يتّكل فيها على غيره ، ولو لم يكن فيه إلاّ ما فعله مع الملك الناصر داود في الوديعة لكفاه ذلك عاراً وشناراً ، والله لو كان الناصر من الشعراء ، وقد قصده وتردّد عليه على بعد المسافة ومدحه بعدّة قصائد ، كان يتعيّن عليه أن ينعم عليه بقريب من قيمة وديعته من ماله ، فقد كان في أجداد المستعصم بالله من استفاد منه آحاد الشعراء أكثر من ذلك.
    [ كأنّما كانت عنده وديعة لشخص ، وهذه الوديعة تصرّف فيها ولم يرجعها إلى صاحبها ، يذكر هذه القضيّة ، إلى غير ذلك من الاُمور التي كانت تصدر عنه ، ممّا لا يناسب منصب الخلافة ، ولم يتخلّق بها الخلفاء قبله ].
    فكانت هذه الاسباب كلّها مقدّمات لما أراد الله تعالى بالخليفة والعراق وأهله ، وإذا أراد الله تعالى أمراً هيّأ أسبابه.
    [ ولم يذكر سائر أعمال هذا الخليفة وأسلاف هذا الخليفة ، من


(24)
الخلاعة والمجون والاستهتار بالدين والسكر وشرب الخمر ومجالس اللهو واللعب ، وإلى آخره ، كلّ ذلك أسباب لانقراض الحكومة أيّ حكومة تكون ].
    قال : واختلفوا كيف كان قتله ، قيل : إنّ هولاكو لمّا ملك بغداد أمر بخنقه ، وقيل رفس إلى أن مات ، وقيل كذا إلى آخره والله أعلم بحقيقة الحال. وكانت واقعة بغداد وقتل الخليفة من أعظم الوقائع (1).
    ولم يذكر شيئاً يتعلّق بالخواجة نصيرالدين الطوسي أبداً.

    وإذا راجعتم كتاب الوافي بالوفيات للصفدي ، هذا الرجل مولود في سنة 696 أي بعد أربعين سنة من الواقعة ، ومتوفى في سنة 764.
    يقول بترجمة الخليفة : كان حليماً كريماً ، سليم الباطن ، حسن الديانة ، متمسّكاً بالسنّة ، ولكنّه لم يكن كما كان عليه أبوه وجدّه ، وكان الدوادار والشرابي لهم الارض ، جاء هولاكو البلاد في نحو
1 ـ فوات الوفيات 2/230.

(25)
مائتين ألف فارس ، وطلب الخليفة وحده فطلع ومع القضاة والمدرّسون والاعيان نحو سبعمائة نفس ، فلمّا وصلوا إلى الحريبة جاء الامر بحضور الخليفة وحده ، ومعه سبعة عشر نفساً ، فساقوا مع الخليفة وأنزلوا من بقي من خيلهم وضربوا رقابهم ، ووقع السيف في بغداد ، وعمل القتل أربعين يوماً ، وأنزلوا الخليفة في خيمة وحده والسبعة عشر في خيمة أخرى ، ثمّ إنّ هولاكو أحضر الخليفة وجرت له معه ومع ابنه أبي بكر محاورات وأخرجا ورفسوهما إلى أنْ ماتا ، وعفّي أثرهما (1).

    ننتقل إلى ابن خلدون ، ابن خلدون متولّد في سنة 732 ، ووفاته سنة 808 ، يذكر في تاريخه خبر المستعصم آخر ملوك بني العبّاس ببغداد ، فلم يصف الخليفة بما وصفه به غيره من الصفات الدنيئة الموجبة للعار والشنار ، والمسببة لما وقع به وبأهل بغداد ، بل وصفه بقوله : كان فقيهاً محدّثاً ... ثمّ ذكر ما كان من السنّة ضدّ الشيعة في الكرخ بأمر من الخليفة وابنه أبي بكر وركن الدين
1 ـ الوافي بالوفيات 17/641.

(26)
الدوادار ، ثمّ ذكر زحف هولاكو إلى العراق ودخول بغداد وقتل الخليفة وغيره.
    وليس في شيء ممّا ذكر ذكراً لنصيرالدين الطوسي أبداً ، فلاحظوا تاريخه (1).

    وذكر جلال الدين السيوطي في تاريخه تاريخ الخلفاء ، السيوطي وفاته سنة 911 ، ذكر أخبار التتر ، وورودهم إلى بغداد ، وقتل الخليفة وغير ذلك ، في صفحات كثيرة ، وليس فيها ذكراً لنصيرالدين الطوسي أبداً (2).
    فأين ما ذكره ابن تيميّة حول نصيرالدين الطوسي رحمه الله فيما يتعلّق بقضيّة بغداد.

    حينئذ ننتقل إلى أصحاب ابن تيميّة والمقرّبين منه ، وهم ثلاثة : الذهبي ، وابن كثير ، وابن القيّم.
1 ـ تاريخ ابن خلدون 6/1104.
2 ـ تاريخ الخلفاء : 467 ـ 477.


(27)
    الذهبي ذكرنا عبارته ، ووجدناه لا يشير لا من قريب ولا من بعيد إلى ما ذكره ابن تيميّة ، وكذا بترجمة المستعصم إذا راجعتم سير أعلام النبلاء حيث ذكر الواقعة ناقلاً شرحها عن جمال الدين سليمان بن رطنين الحنبلي ، والظهير الكازروني ، وغيرهما ، وليس في ذلك ذكراً لنصيرالدين الطوسي أبداً (1).
    أمّا ابن كثير ، ابن كثير ولادته سنة 700 أي بعد الواقعة حدود الخمسين سنة ووفاته سنة 774 ، ترجم لنصيرالدين الطوسي ، ولم ينسبه إلى شيء أو لم ينسب شيئاً ممّا ذكر ابن تيميّة إلى الخواجة نصيرالدين ، من الاخلال بالصلوات وشرب الخمر وارتكاب الفواحش ، لم يذكر شيئاً من هذه أبداً ، وإنّما ذكر ما نسب إليه من الاشارة على هولاكو بقتل الخليفة ، بعبارة ظاهرة جدّاً في التشكيك في ذلك ، وإليكم نصّ ما قاله ابن كثير في تاريخه في هذه القضية :
    يقول : ومن الناس من يزعم أنّه ـ الخواجه نصيرالدين ـ أشار على هولاكو خان بقتل الخليفة ، فالله أعلم.
    لا يقول أكثر من هذا ، ومن الناس من يزعم ، والله أعلم.
    ولابدّ وأنّه يقصد من الناس ابن تيميّة.
1 ـ سير أعلام النبلاء 23/181.

(28)
    ثمّ يقول بعد أن يذكر ذلك عن بعض الناس : وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ، وقد ذكره بعض البغاددة [ أي أهالي بغداد ] فأثنى عليه وقال : كان عاقلاً فاضلاً كريم الاخلاق ، ودفن في مشهد موسى بن جعفر ، في سرداب كان قد أُعدّ للخليفة الناصر لدين الله (1).
    وهذا من جملة المواضع التي لا يوافق فيها ابن كثير شيخه ابن تيميّة.
    يبقى ابن قيّم الجوزيّة ، ابن قيّم الجوزيّة لم يتبع ابن تيميّة فقط ، بل زاد على ما قال شيخه أشياء أُخرى أيضاً ، لاحظوا عبارته بالنص عندما يذكر نصيرالدين الطوسي يقول :
    نصير الشرك والكفر والالحاد ، وزير الملاحدة النصير الطوسي ، وزير هولاكو ، شفى نفسه من أتباع الرسول وأهل دينه ، فعرضهم على السيف حتّى شفى إخوانه من الملاحدة واشتفى هو ، فقتل الخليفة المستعصم والقضاة والفقهاء والمحدّثين.
    [ كلمة « المحدثين » مادام هي بالنصب ، لابد أنْ تقرأ الكلمة : قَتَلَ ، أي قتل نصيرالدين المستعصمَ والقضاةَ والفقهاء والمحدّثين.
1 ـ البداية والنهاية 13/267.

(29)
    اللّهمّ إلاّ أنْ نرجع الضمير إلى هولاكو ، لكن بأمر الخواجة نصير الدين ].
    واستبقى الفلاسفة والمنجّمين والطبايعيين والسحرة ، ونقل أوقاف المدارس والمساجد والربط إليهم ، وجعلهم خاصته وأولياءه ، ونصَرَ في كتبه قدم العالم وبطلان المعاد وإنكار صفات الربّ جلّ جلاله من علمه وقدرته وحياته وسمعه وبصره ، واتّخذ للملاحدة مدارس ، ورام جعل إشارات إمام الملحدين ابن سينا مكان القرآن ، فلم يقدر على ذلك فقال : هي قرآن الخواص وذلك قرآن العوام ، ورام تغيير الصلاة وجعلها صلاتين ، فلم يتم له الامر ، وتعلّم السحر في آخر الامر فكان ساحراً يعبد الاصنام ، انتهى.
    ابن تيميّة قال : في آخر الامر تاب نصيرالدين الطوسي ، قرأنا عبارته في أنّه في آخر الامر تاب نصيرالدين الطوسي وكان يصلّي وتعلّم الفقه وقرأ تفسير البغوي في آخر عمره.
    وهذا يقول : تعلّم السحر في آخر الامر ، فكان ساحراً يعبد الاصنام !!
    وإلى هنا تبيّن أنّ ما ينسب سابقاً ولاحقاً إلى الخواجة نصيرالدين الطوسي ليس له سبب ، سوى أنّ هذا الرجل العظيم استفاد من تلك الظروف لِصالح هذا المذهب المظلوم ، وتمكّن من


(30)
تأليف كتابه تجريد الاعتقاد ، وأصبح هذا الكتاب هو الكتاب الذي يدرّس في الاوساط العلميّة ، وطرحت أفكار الاماميّة في الاوساط العلميّة ، بعد أن لم تكن لافكار هذه الطائفة أيّة فرصة ، ولم يكن لاراء هذه الطائفة أيّ مجال لان يذكر شيء منها في المدارس العلميّة والاوساط العلميّة ، حينئذ أصبح الاخرون عيالاً على الخواجة نصيرالدين الطوسي في علم الكلام والعقائد ، وبتبع كتاب التجريد أُلّفت كتبهم في العقائد ، وهذا ممّا يغتاظ منه القوم ، فهذا كان هو السبب العمدة لانْ ينسب ما سمعتم إلى هذا الرجل العظيم.
    وقد ثبت أنّ كلّ ما ينسب إليه باطل ، ولا أساس له من الصحّة ، إستناداً إلى كلمات المؤرّخين من أهل السنّة أنفسهم ، من ابن الفوطي الذي عاصر القضيّة وكان من الاسرى في الواقعة ، ثمّ ابن الطقطقي ، ثمّ ابن كثير ، ثمّ الذهبي ، والصفدي ، وابن شاكر الكتبي ، وغيرهم ، وهؤلاء كلّهم من أهل السنّة ، وهكذا أبوالفداء ، ولم ننقل شيئاً لتبرئة ساحة هذا الشيخ العظيم عن أحد من علماء الشيعة.
الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد ::: فهرس