الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد ::: 31 ـ 37
(31)
    والان ، لا بأس أن أذكر لكم بعض النصوص في الثناء الجميل على هذا الشيخ العظيم من كتب القوم.
    لاحظوا عبارة ابن كثير يقول : النصير الطوسي محمّد بن عبدالله [ لكن والده محمّد فهو محمّد بن محمّد ] كان يقال له المولى نصير الدين ، ويقال الخواجة نصير الدين ، اشتغل في شبيبته ، وحصّل علم الاوائل جيّداً ، وصنّف في ذلك في علم الكلام ، وشرح الاشارات لابن سينا ، ووزر لاصحاب قلاع الالموت من الاسماعيليّة ، ثمّ وزر لهولاكو ، وكان معهم في واقعة بغداد ، ومن الناس من يزعم أنّه أشار على هولاكو بقتل الخليفة ، فالله أعلم ، وعندي أنّ هذا لا يصدر من عاقل ولا فاضل ... إلى آخر ما قرأناه سابقاً.
    قال : وهو الذي كان قد بنى الرصد في مراغة ، ورتّب فيه الحكماء من الفلاسفة والمتكلّمين والفقهاء والمحدّثين والاطبّاء ،


(32)
وغيرهم من الفضلاء ، وبنى له فيه قبّة عظيمة ، وجعل فيه كتباً كثيرةً جدّاً ، توفي في بغداد في الثاني عشر من ذي الحجة من هذه السنة ، وله خمس وسبعون سنة ، وله شعر جيّد قويّ ، وأصل اشتغاله على المعين سالم بن بدران بن علي المصري المعتزلي المتشيّع ، فنزع فيه حروب كثيرة منه حتّى أفسد اعتقاده.
    هذا كلّه ذكره في ترجمة نصيرالدين الطوسي ، وفيه الثناء الجميل على علمه ، إلاّ أنّه يعرّض به لاجل مذهبه (1).
    وقال الذهبي في وفيات سنة 672 : كبير الفلاسفة خواجة نصير الدين محمّد بن محمّد بن حسن الطوسي صاحب الرصد.
    وقال أيضاً : خواجه نصير الدين الطوسي أبو عبدالله محمّد بن محمّد بن الحسن ، مات في ذي الحجّة ببغداد ، وقد نيّف على الثمانين ، وكان رأساً في علم الاوائل ، ذا منزلة من هولاكو (2).
    وقال أبوالفداء : وفيها ـ أي في السنة المذكورة ـ في يوم الاثنين ( 18 ) ذي الحجة ، توفي الشيخ العلاّمة نصير الدين الطوسي ، واسمه محمّد بن محمّد الامام المشهور ، وكان يخدم صاحب الالموت ، ثمّ خدم هولاكو ، وحظي عنده ، وعمل لهولاكو
1 ـ البداية والنهاية 13 / 276.
2 ـ العبر في خبر من غبر 3 / 326 ، دول الاسلام.


(33)
رصداً بمراغة وزيجاً وله مصنفات عديدة كلّها نفيسة ، منها أقليدس يتضمّن اختلاط الاوضاع ، وكتاب المجسطي ، والتذكرة في الهيئة لم يصنّف في فنّها مثلها ، وشرح الاشارات ، وأجاب عن غالب إيرادات فخرالدين الرازي ، وكانت ولادته في الحادي عشر جمادى الاُولى سنة سبع وتسعين وخمسمائة ، وكانت وفاته ببغداد ، ودفن في مشهد موسى الجواد (1).
    [ يعني موسى والجواد « الواو » هذه لابدّ منها ].
    وقال الصفدي : نصيرالدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين الطوسي ، الفيلسوف ، صاحب علم الرياضي ، كان رأساً في علم الاوائل ، لاسيّما في الارصاد والمجسطي ، فإنّه فاق الكبار ، قرأ على المعين سالم بن بدران المعتزلي الرافضي وغيره ، وكان ذا حرمة وافرة ومنزلة عالية عند هولاكو ، وكان يطيع على ما يشير عليه ، والاموال في تصريفه ، وابتنى بمراغة قبّة ورصداً عظيماً ، واتخذ في ذلك خزانة عظيمة ، فسيحة الارجاء وملاها من الكتب التي نهبت من بغداد والشام والجزيرة ، حتّى تجمّع فيها زيادة على أربعمائة ألف مجلّد [ فأين تلك الكتب ] وأقرّ
1 ـ المختصر في أخبار البشر 4 / 8.

(34)
بالرصد المنجّمين والفلاسفة ، وجعل لهم الاوقاف ، وكان حسن الصورة ، سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضل.
    حكي أنّه لمّا أراد العمل بالرصد رأى هولاكو ما يقدم عليه ، فقال له : هذا العلم المتعلق بالنجوم ما فائدته ، أيدفع ما قدّر أن يكون ؟ فقال : أنا أضرب لك مثلاً ، يأمر القان من يطلع إلى هذا المكان ، ويرمي من أعلاه طشتاً نحاساً كبيراً من غير أن يعلم به أحد ، ففعل ذلك ، ولمّا وقع كان له وقعة عظيمة هائلة روّعت كلّ من هناك ، وكاد بعضهم يصعق ، فأمّا هو وهولاكو فإنّهما ما حصل لهما شيء لعلمهما بأنّ ذلك يقع ، فقال له : هذا العلم النجومي له هذه الفائدة ، يعلم المتحدّث فيه ما يحدث ، فلا يحصل له من الروعة ما يحصل للذاهل الغافل عنه ، فقال له : لا بأس بهذا ، وأمره بالشروع فيه ، إلى آخره.
    ومن دهائه ما حكي : أنّه حصل لهولاكو غضب على علاء الدين الجويني صاحب الديوان ، فأمر بقتله ، فجاء أخوه إلى النصير وذكر له ، فقال النصير ... إلى آخره فسعى في خلاص هذا الشخص.
    وممّا وقف له عليه أن ورقة حضرت إليه عن شخص من جملة ما فيها : يا كلب يابن الكلب ، فكان الجواب منه أمّا قوله : يا كلب ،


(35)
فليس بصحيح ، لانّ الكلب من ذوات الاربع وهو نابح طويل الاظفار ، وأمّا أنا فمنتصب القائمة بادي البشرة عريض الاظْفار ناطق ضاحك ، فهذه الفصول والخواص غير تلك الفصول والخواص ، وأطال في نقض كل ما قاله ذلك القائل.
    هكذا ردّ عليه بحسن طوية وتأن غير منزعج ، ولم يقل في الجواب كلمة قبيحة.
    ثمّ ذكر تصانيفه ، ثمّ ذكر بعض القضايا الاُخرى (1).
    ولا أُريد أن أُطيل عليكم بقراءة كلّ ما في كتاب الوافي بالوفيات.
    ولاحظوا هذه العبارة من كلامه ، أقرؤها عليكم ، يقول : وكان للمسلمين به نفع خصوصاً الشيعة والعلويين والحكماء وغيرهم ، وكان يبرّهم ويقضي أشغالهم ويحمي أوقاتهم ، وكان مع هذا كلّه فيه تواضع وحسن ملتقى ، وكان نصير قدم من مراغة إلى بغداد ، ومعه كثير من تلامذته وأصحابه ، فأقام بها مدّة أشهر ومات ، ومولد النصير بطوس سنة كذا ووفاته سنة كذا ، وشيّعه صاحب الديوان والكبار ، وكانت جنازته حفلة ، ودفن في مشهد الكاظم.
1 ـ الوافي بالوفيات 1 / 179.

(36)
    وهل في هذا النص على طوله من نقص ، من طعن ؟! والوافي بالوفيات كتاب معتبر ، ومؤلّفه من أهل السنّة المعروفين المشهورين المعتمدين.
    وأقرأ لكم ما جاء في فوات الوفيات يقول : الخواجة نصير الدين الطوسي محمّد بن محمّد بن الحسن نصير الدين ، كان رأساً في علم الاوائل ، لاسيّما في الارصاد والمجسطي ، وكان يطيعه هولاكو فيما يشير عليه ، والاموال في تصريفه.
    [ هذه تقريباً عبارات الوافي بالوفيات وإلى أنْ يقول ] : وكان حسن الصورة سمحاً كريماً جواداً حليماً حسن العشرة غزير الفضائل جليل القدر داهية.
    إلى أنْ ذكر تصانيفه وهي كثيرة جدّاً ، وذكر كلمات بعض العلماء في حقّه قال : ودفن في مشهد الكاظم رحمه الله.
    وكذا تجدون الثناء عليه في النجوم الزاهرة (1).
    وكذا غير هؤلاء من المؤلفين والمؤرخين.
    فأين ما ذكره ابن تيميّة أو ما زاد عليه تلميذه ابن قيّم الجوزيّة ؟
    والعمدة ما ذكرته لكم.
1 ـ النجوم الزاهرة في ملوك نصر والقاهرة 7 / 245.

(37)
    والعجيب أنّكم لو قرأتم كتب علمائنا في التراجم وسير العلماء وفي التواريخ ، لن تجدوا لفظة واحدة من هذه الالفاظ التي تصدر من بعض هؤلاء في حقّ علماء الشيعة ، لن تجدوا لفظةً منها فى حقّ علماء السنة ، فإن ذكروا شيئاً عن بعض علماء أهل السنّة ، فإنّما يذكرونه بأدب ومتانة ، فكيف وأن ينسبوا إلى أحد منهم ما ليس فيه ، وما لا يجوز نسبته إليه ، لاحظوا الكتب ، قارنوا بين كتبنا وكتبهم ، قارنوا بين أساليب علمائنا وأساليب شيخ إسلامهم ، لتعرفوا الحقّ وتكونوا من أتباع الحق.
    إذا عرفتم الحقّ تعرفون أهله ، وإذا عرفتم الحق تتّبعونه بلا تردّد.
    إذن ، عرفنا في هذا البحث أموراً ، وكان لهذا البحث فوائد عديدة ، ولا حاجة إلى الاطالة بأكثر ممّا ذكرته لكم.
    وصلّى الله على محمّد وآله الطاهرين.
الشيخ نصير الدين الطوسي وسقوط بغداد ::: فهرس