الصحيفة الصادقية ::: 181 ـ 195
(181)
    اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاكْفنِي ما أَهَمَّني ، وَغَمَّني ، وَلا تَكِلْني إلى نَفْسِي ، وَأَعذْني مِنْ شَرِّ ما خَلَقْتَ ، وَذرأْتَ وَبَرَأْتَ ، وَأَلْبِسْني دِرْعَكَ الحَصينَةَ ، مِنْ شَرِّ جَمِيعِ خَلْقك ، وَاقْض عنّي دَيْني ، وَوَفَّقْني لِما يُرْضِيكَ عَنِّي ، وَاحْرُسْني وَذُريَّتي وَأهْلي ، وقرَابتي وَجَمِيعَ إخْواني وَأَهْلَ حُزَانَتي مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ، وَمِنْ شرِّ فَسَقَةِ العَرَب وَالعَجَمِ ، وَشَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالجِنِّ ، وَانْصُرْني على مَنْ ظَلَمني ، وَتَوَفَّني مُسْلِماً وَأَلْحِقْني بِالصَّالِحِينَ.
    اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ مَا سَأَلَكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ ، مِنْ كَرِيمِ أَسْمَائِكَ ، وَجَمِيلِ ثَنَائِكَ ، وَخَاصَّةِ دُعَائِكَ ، أَنْ تُصَلِّي على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَأَنْ تَجْعَلَ عَشِيَّتي هَذِهِ ، أَعْظَمَ عَشِيَّةِ مَرَّتْ عَلَيَّ ، مُنْذُ أَنْ أَخْرَجْتَني ، إلى الدُّنْيَا بَرَكَةً في عِصْمَةٍ مِنْ دِيني ، وَخَلَاصَ نَفْسِي ، وََقَضَاءِ حَاجَتي ، وَتَشْفِيعِي في مَسْأَلَتي ، وَتَمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي ، وَلِبَاسِ العَافِيَةِ ، وَأَنْ تَجْعَلَني مِمَّنْ نَظَرْتَ إلَيْهِ في هَذِهِ العَشْيَّةِ بِرَحْمَتِكَ ، إنَّكَ جَوَادٌ كَرِيمٌ.
    اللّهُمَّ ، إنْ كُنْتَ لَمْ تَكْتُبْني في حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، أَوْ حَرَمْتَني الحُضُورَ مَعَهُمْ ، في هذِهِ العَشِيَّةِ فَلَا تَحْرِمْني شِرْكَتَهُمْ في دُعَائِهِمْ ، وَانْظُر إليَّ بِنَظَراتِكَ الرَّحِيمَةِ لَهُمْ ، وَأعْطِني مِنْ خَيْرِ ما تُعْطِي أَوْلِيَاءَكَ ، وَأَهْلَ طَاعَتِكَ ، اللّهُمَّ ، صَلَّى على مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ ، وَلا تَجْعَلَ هَذِهِ العَشِيَّةَ ، آَخِرَ العَهْدِ مِنِّي حَتَّى تُبَلِّغَنِيها ، مِنْ قَابِلِ مَعَ حُجَّاجِ بَيْتِكَ الحَرَامِ ، وَزُوَارِ قَبْرِ نَبِيَّكَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، في أَعْفَى عَافِيتِكَ ، وَأَعَمِّ نِعْمَتِكَ ، وَأَوْسَعِ رَحْمَتِكَ ، وَأَجْزَلِ قِسَمِكَ ، وَأَسْبَغِ رِزْقِكَ ، وَأَفْضَلِ رَجَائِكَ ، وَأَتَمِّ رَأْفَتِكَ إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء.


(182)
    اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَاسْمَعْ دُعَائِي ، وَارْحَمْ تَضَرُّعِي ، وَتَذَلُّلِي وَأَسْتِكَانَتي ، وَتَوَكُّلِي عَلَيْكَ ، فَأَنَا مُسلِّمٌ لَأمْرِكَ ، لا أَرْجُو نَجَاحاً ولا مُعافاةَ ، وَلا تَشْرِيفاً إلاَّ بِكَ وَمِنْكَ ، فَامْنُنْ عَلَيَّ بِتَبْلِيغي هَذِهِ العَشِيَّةَ مِنْ قَابِلٍ ، وَأَنا مُعَافىً مِنْ كُلِّ مَكرُوهٍ وَمَحْذُورٍ ، وَمِنْ جَمِيعِ البَوَائِقِ ، وَمَحْذُورَاتِ الطَوَارِقِ ، اللّهُمَّ ، أَعِنِّي على طَاعَتِكَ ، وَطَاعَةِ أَوْلِيَائِكَ ، الذِينَ إصْطَفَيْتَهُمْ ، مِنْ خَلْقِكَ لِخَلْقِكَ ، وَالقِيَامِ فِيهِمْ بِدِينِكَ.
    اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَسَلِّمْ لي دِيني ، وَزِدْ في أَجَلِي ، وَأَصِحَّ لي جِسْمي ، وَأَقِرَّ بِشُكْرِ نِعْمَتِكَ عَيْني ، وَآمِنْ رَوْعَتي ، وَأَعْطِني سُؤْلي ، إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأتْمِمْ وَلَاءَكَ عَلَيَّ فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي ، وَتَوَفَّني إذَا تَوَفَيْتَني ، وَأَنْتَ عَنِّي رَاضٍ ، اللّهُمَّ ، صَلَّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَثَبِّتْني على مِلَّةِ الإِسْلَامِ ، فَإنِّي بِحَبْلِكَ اعْتَصَمْتُ فَلَا تَكِلْني في جَمِيعِ الُأمُورِ إلاَّ إلَيْكَ ، اللّهُمَّ ، صَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَامْلْأ قَلْبِي رَهْبَةً مِنْكَ ، وَرَغْبَةً إلَيْكَ ، وَخِشْيَةً مِنْكَ ، وَغِنَىً بِكَ وعَلَمِّنْي ما يَنْفَعُني ، وَاسْتَعْمِلْني ما عَلَّمْتَني.
    اللّهُمَّ ، إنِّي أَسْأَلُكَ مَسْأَلَةَ المُضْطَرِّ إلَيْكَ ، المُشْفِقِ مِنْ عَذَابِكَ ، الخَائِفِ مِنْ عُقُوبَتِكَ ، أَنْ تُغْنِيَني بِعَفْوِكَ ، وَتُجِيرَني بِعِزَّتِكَ ، وَتَتَحَنَّنَ عَلَيَّ بِرَحْمَتِكَ وَتُؤَدِّيَ عَنِّي فَرَائِضَكَ ، وَتَسْتَجِيبَ لي فِيمَا سَأَلْتُكَ ، وَتُغْنِيَنِي عَنْ شِرَارِ خَلْقِكَ .. وَتَقِيَني مِنَ النَّارِ ، وَمَا قَرُبْتُ إلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ ، وَتَغْفِرَ لِيَ وَلِوَالِدَّيَ وَلِلْمُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ يا ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ إنَّكَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ... » (1)
1 ـ الاقبال ( ص 385 ـ 392 ).

(183)
    وهذا الدعاء الجليل ، وحيد في مضامينه ، فريد في معطياته ، فقد حوى جميع الوان التضرع ، والتذلل ، والعبودية المطلقة لله ، الواحد القهار ، مدبر الاكوان ومبدع الاشياء.
    لقد كشف هذا الدعاء ، عن انقطاع الامام عليه السلام ، لله تعالى ، واعتصامه به ، وهذا مما يدلل على مدى معرفته به تعالى ، وهذا ليس غريبا ولا بعيدا عن الامام عليه السلام ، فهو من معادن التوحيد ، ومن مراكز الدعوة إلى الله.

    16 ـ دعاؤه الثالث في يوم عرفة
    ومن أدعية الامام الصادق عليه السلام ، في يوم عرفة ، هذا الدعاء الجليل ، وهو ينم عن أهمية هذا اليوم ، وعظيم مكانته ، عند الامام عليه السلام وهذا نصه :
    اللّهُمَّ ، أَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ رَبُّ العَالَمِينَ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَزِيِزُ الحَكِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ العَلِيُ العَظِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ ، وَأَنْتَ اللهُ لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ ، بَدْءُ كُلَّ شَيْءٍ ، وَإلَيْكَ يَعُودُ كُلِّ شَيْءٍ لَمْ تَزَلْ وَلا تَزَالُ. المَلِكُ القُدُّوسُ ، السَّلَامُ المُؤْمِنُ ، المُهَيْمِنُ ، العَزِيزُ الجَبَّارُ ، المُتَكَبِّرُ ، الكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُكَ ، سَابِغُ النَّعْمَاءِ ، جَزِيلُ العَطَاءِ ، بِاسِطُ اليَدَيْنِ بِالرَّحْمَةِ ، نَفَّاحُ الخَيْرَاتِ ، كَاشِفُ الكُربَاتِ ، مُنْزِلُ الآيَاتِ ، مُبَدِّلُ السَيئَاتِ ، جَاعِلُ الحَسَنَاتِ دَرَجَاتٍ ، دَنَوْتَ في عُلُوِّكَ ، وَعَلَوْتَ في دُنُوِّكَ ، دَنَوْتَ فَلَا شَيْءٍ دُونَكَ ، وَعَلَوْتَ فَلَا شَيْءٍ فَوْقَكَ ، تَرَى ، وَلَا تُرىَ ، وَأَنْتَ بِالمَنْظَرِ الَأعْلَى ، خَالِقُ الحَبِّ وَالنَوَى ، لَكَ مَا في السَّموَاتِ العُلَى ، وَلَكَ الكِبْرِيَاءُ في الآخِرَةِ وَالُأولَى ، غَاِفُر الذَّنْبِ ، وَقَابِلُ


(184)
التَّوْب ، شَدِيدُ العِقابِ ، ذو الطُّولِ ، لا إلهَ إلاَّ أَنْتَ إلَيْكَ المَأْوَى وَإلَيْكَ المَصِيرُ ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ ، وَبلَغَتْ حُجَتُكَ ، وَلَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِكَ ، وَلا يَخِيبُ سَائِلُكَ ، كُلَّ شَيْءٍ بِعِلْمِكَ ، وَأَحْصَيْتَ كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ شَيْءٍ أَمَداً ، وَقَدَّرْتَ كُلَّ شَيْءٍ تَقْدِيراً ، بَلَوْتَ فَقَهَرْتَ وَنَظَرْتَ فَخَبَرْتَ ، وَبَطنْتَ وَعَلِمْتَ فَسَتَرْتَ ، وَعَلى كُلِّ شَيْءٍ ظَهَرْتَ ، تَعْلَمُ خَائِنَةَ الَأعْيُنِ ، وَمَا تُخفي الصُّدورُ ، وَلَا تَنْسَى مَنْ ذَكَرَكَ ، وَلا تُخِيبُ مَنْ سَأَلَكَ ، وَلَا تُضِيعُ مِنْ تَوَكْلَ عَلَيْكَ ، أَنْتَ الذي لا يُشْغِلُكَ ما في جَوِّ سَموَاتِكَ عَمَّا في جَوِّ أَرْضِكَ ، تَعَزَّزْتَ في مُلْكِكَ ، وَتَقَوَّيْتَ في سُلْطَانِكَ ، وَغَلَبَ على كُلِّ شَيْءٍ قَضَاؤُكَ ، وَمَلَكَ كُلَّ شَيْءٍ أَمْرُكَ ، وَقَهَرَتْ كُلِّ شَيْءٍ قُدْرَتُكَ ، لا يُسْتَطَاعُ وَصْفُكَ ، وَلَا يُحَاطُ بِعلْمك ، وَلا ينتْهِي ما عنْدَكَ ، وَلا تَصِفُ العُقُولُ صِفَةَ ذَاتِكَ ، عَجِزَتِ الَأوْهَامُ عَنْ كيْفيَّتك ، وَلَا تُدْرِكُ الَأبْصَارُ مَوْضِعَ أيْنِيَّتِك ، وَلَا تُحَدُّ فَتَكُونَ مَحْدُوداً ، ولا تُمَثَّلْ فَتَكُوُنَ مَوْجُوداً ، وَلا تَلِدُ فَتَكُونَ مُوْلوُداً ، أَنْتَ الذي لا ضِدَّ معك ، فيُعانِدُكَ ، وَلَا عَدِيلَ لَكَ فَيُكَاثِرُكَ ، وَلَا نِدَّ لَكَ فَيُعَارِضُكَ ، أَنْتَ ابْتَدعْت واخْترَعْتَ ، وَاسْتَحْدَثْتَ ، فَمَا أَحْسَنَ ما صَنَعْتَ ، سُبْحَانَكَ ما أَجَلَّ ثناءك ، وَأسْنى في الَأمَاكِنِ مَكَانَكَ ، وَأَصْدَعَ بِالحَقِّ فُرْقَانَكَ ، سُبْحَانَكَ منْ لطيف ما أَلْطَفَكَ ، وَحَكِيمٍ مَا أَعْرَفَكَ ، وَمَلِيكٍ ما أَسْمَحَكَ ، بسطت بالخَيْرَاتِ يَدَاكَ ، وَعُرِفَتِ الهِدَايَةُ مِنْ عِنْدِكَ ، وَخَضَعَ لَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، وَانْقَاد للْتَّسْلِيمِ لَكَ كُلُّ شَيْءٍ ، سَبِيلُكَ جَدَدٌ ، وَأَمْرُكَ رَشدٌ ، وَأَنْتَ حي صمدٌ ، وأَنْتَ المَاجدُ الجَوَادُ ، الوَاحِدُ الَأحَدُ ، العَليمُ الكرِيمُ ، القَدِيمُ ، القرِيبُ ، المُجِيبُ ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ عَمَّا يَقُولُ الظَالِمُونَ ، عُلُوا كَبيراً ، تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُكَ وَجَلَّ ثنَاؤُكَ ، فَصَلَّ على مُحَمَّدٍ عَبْدِك ، ورَسُولك الذي صَدَعَ


(185)
بِأَمْرِكَ ، وَبَالَغَ في إظْهَارِ دِينكَ وَأَكَّدَ مِيثَاقَكَ ، وَنَصَحَ لِعِبَادِكَ ، وَبَذَلَ جُهْدَهُ في مَرْضَاتِكَ. اللّهُمَّ شَرِّفْ بُنْيَانَهُ ، وَعَظِّمْ بُرْهَانَهُ. اللّهُمَّ ، وَصَلّ على وُلَاةِ الَأمْرِ بَعْدَ نَبِيِّكَ تَرَاجِمَةِ وَحْيِكَ ، وَخُزَّانِ عِلْمِكَ ، وَأُمَنائِكَ في بِلَادِكَ ، الذِينَ أَمَرْتَ بِمَوَدَّتِهِمْ ، وَفَرَضْتَ طَاعَتَهُمْ ، على بَرِيَّتِكَ. اللّهُمَّ ، صَلِّ عَلَيْهِمَ صَلَاةً دَائِمَةً بَاقِيَةً ، اللّهُمَّ ، وَصَلِّ على السُيَّاحِ وَالعُبَّادُ ، وَأَهْلِ الجِدِّ وَالإِجْتِهَادِ ، وَاجْعَلْني في هذِهِ العَشِيَّةِ ، مِمَّنْ نَظَرْتَ إلَيْهِ فَرَحِمْتَهُ ، وَسَمِعْتَ دُعَاءَهُ فَأَجَبْتَهُ ، وَآمَنَ بِكَ فَهَدَيْتَهُ ، وَسَأَلَكَ فَأَعْطَيْتَهُ ، وَرَغِبَ إلَيْكَ فَأَرْضَيْتَهُ ، وَهَبْ لي ، في يَوْمي هَذَا ، صَلَاحاً لِقَلْبِي وَدِيني وَدُنْيَايَ ، وَمَغْفِرَة ًلِذُنُوبي يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، أَسْأَلُكَ الرَّحْمَةَ يا سَيِّدي وَمَوْلَايَ ، وَثِقَتي ، يا رَجَائِي ، وَمُعْتَمَدِي ، وَمَلْجَأِي ، وَذُخْرِي ، وَظَهْرِي ، وَعُدَّتِي ، وَأَمَلَي ، وَغَايَتي ، وَأَسْأَلُكَ ، بِنُورِ وَجْهِكَ الذي أَشْرَقَتْ لَهُ السَّموَاتِ وََالأرْضُ ، أَنْ تَغْفِرَ لي ذُنُوبي وَعُيُوبي ، وَإسَاءَتي وَظُلْمِي وَجُرْمي ، وَإسْرَافِي على نَفْسِي ، فَهذَا مَقَامُ الهَارِبِ إلَيْكَ مِنَ النَّارِ.
    اللّهُمَّ ، وَهَذَا يَوْمِ عَرَفَةَ ، كَرَّمْتَهُ وَشَرَّفْتَهُ ، وَعَظَّمْتَهُ ، نَشَرْتَ فِيهِ رَحْمَتَكَ ، وَمَنَنْتَ فِيهِ بِعَفْوِكَ ، وَأَجْزَلْتَ فِيهِ عَطِيَّتَكَ ، وَتَفَضَّلْتَ فِيهِ على عِبَادِكَ ، اللّهُمَّ ، وَهذِهِ العَشِيَّةُ مِنْ عَشَايَا رَحْمَتِكَ وَمِنَحِكَ ، وَإحْدَى أَيَّامِ زُلْفَتِكَ ، وَلَيْلَةُ عِيدٍ مِنْ أَعْيَادِكَ ، فِيهَا يُفْضي إلَيْكَ ، بِالحَوَائِج مَنْ قَصَدَك مِنْ قَصْدِكَ ، مُؤْمِلاً رَاجِياً فَضْلَكَ ، طَالِباً مَعْرُوفَكَ الذي تَمُنُّ بِهِ على مَنْ تَشَاءُ مِنْ خَلْقِكَ ، وَأَنْتَ فِيهَا بِكُلَِّ لِسَانٍ تَدْعى ، وَلِكُلِّ خَيْرٍ تُبْتَغَي وَتُرْجَى ، وَلَكَ فِيهَا جَوَائِزُ وَمَوَاهِبُ ، وَعَطَايا تَمُنُّ بِهَا على مَنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ ، وَتَشْمَلُ بِها أَهْلَ العِنَايَةِ فِيْكَ ، وَقَدْ قَصَدْنَاكَ مُؤْمِلينَ رَاجِينَ ،


(186)
وَأَتَيْنَاكَ طَالِبِينَ ، نَرْجُو ما لا خُلْفَ لَهُ مِنْ وَعْدِكَ ، وَلا مُتْرك لَهُ مِنْ عَظِيمِ أَجْرِكَ ، قَدْ أَبْرَزْتَ ذَوُو الآمَالِ إلَيْكَ وَجوهَهَا المَصُونَةَ ، وَمَدُّوا إلَيْكَ أَكُفَّهُمْ طَلَباً لِمَا عِنْدَكَ ، لِيُدْرِكُوا بِذلِكَ رِضْوَانَكَ ، يا غَفَّارُ ، يا مُسْتَغَاثُ مِنْ فَضْلِهِ ، يا مَلِكُ في عظَمتِهِ ، يا جَبَّارُ في قُوَّتِهِ ، يالَطِيفُ في قُدْرَتِهِ ، يا مُتَكَفِّلُ يا رَزَّاقَ النَعَّابِ في عُشِّهِ (1) يا أَكْرَمَ مَسْؤولٍ ، ويا خَيْرَ مَأْمُولٍ ، ويا أَجْوَدَ مَنْ نَزَلَتْ بِفَنَائِهِ الرَكَائِبُ ، وَيُطْلَبُ عِنْدَهُ نَيْلُ الرَغَائِبِ ، وَأَنَاخَتْ بِهِ الوُفُودُ يا ذَا الجُودِ ، يا أَعْظَمَ مِنْ كُلِّ مَقْصُودٍ ، أَنَا عَبْدُكَ الذي أَمَرْتَني ، فَلَمْ أأتَمِرْ ، وَنَهَيْتَني عَنْ مَعْصِيَتِكَ فَلَمْ أَنْزَجِرْ ، فَخَالَفْتُ أَمْرَكَ وَنَهْيَكَ ، لا مُعَانَدَةً لَكَ ، وَلا اسْتِكْبَاراً عَلَيْكَ ، بَلْ دَعَانِي هَوَايَ ، وَاسْتَزَلَّني عَدُوُّكَ وَعَدُوي ، فَأَقْدَمْتُ على مَا فَعَلْتُ ، عَارِفَاً بِوَعِيدِكَ ، رَاجِيَاً لِعَفْوِكَ ، وَاثِقاً بِتَجَاوُزِكَ وَصَفْحِكَ ، فَيَا أكْرَمَ مَنْ أُقِرَّ لَهُ بِالذَّنًوبِ ، هَا أَنَا ذَا بَيْنَ يَدَيْكَ صَاغِراً ذَلِيلاً خَاِضعاً ، خَاشِعاً ، خَائِفاً مُعْتَرِفاً ، بِعَظِيمِ ذُنُوبي وَخَطَايَايَ ، فَمَا أَعْظَمَ ذُنُوبي التي تَحَمَّلْتُهَا وَأَوْزَارِي التي إجْتَرَمْتُها ، مُسْتَجِيراً فِيها بِصَفحِكَ ، لائِذاً بِرَحْمَتِك ، مُوقِناً أَنَّهُ لا يُجيرُني مِنْكَ مُجِيرٌ ، وَلا يَمْنَعُني مِنكَ مَانِعٌ ، فَعُدْ عَلَيّ بِمَا تَعُودُ بِهِ على مَنْ اقْتَرَفَ عَنْ تَعَمُّدٍ ، وجُدْ عَلَيَّ بِمَا تَجُودُ ِبِه على مَنْ ألْقَى بِيَدِهِ إلَيْكَ مَنْ عِبَادِكَ ، وَامْنُنْ عَلَيَّ بِمَا لا يَتَعَاظَمُكَ أنْ تمُنَّ بِهِ على مَنْ أَمَلَكَ مِنْ غفْرَانِكَ لَهُ ، يا كَرِيمُ ، إرْحَمْ صَوْتَ حَزِينٍ يُخفي ما ستَرْتَ عَنْ خَلْقِكَ مِنْ مَسَاوِئِهِ ، يَسْأَلُكَ في هذِهِ العَشِيَّةِ رَحْمَةً تُنْجيه مِنْ كَرَب مَوْقِفِ المَسْأَلَةِ ، وَمَكْروُهِ يَوْمِ المُعَايَنَةِ ، حِينَ يُفْرِدُهُ عَمَلُهُ ، وَيُشْغلُهُ عَنْ أَهْلِهِ وَوَلَدِهِ ، فَارْحَمْ عَبْدَكَ الضَعيفَ عَمَلاً ، الجسيم أَمَلاً ، خَرَجَتْ مِنْ يَدَيَّ أَسْبَابُ الوَصَلَاتِ إلاَّ مَا وَصَلَتْهُ
1 ـ النعاب : الغراب.

(187)
رَحَمَتُكَ ، وَتَقَطَّعَتْ عَنِّي عِصَمُ الآمَالِ إلاَّ مَا مُعْتَصِمٌ بِهِ مِنْ عَفْوِكَ ، قَلَّ عِنْدِي مَا أَعْتَدُّ بِهِ مِنْ طَاعَتِكَ ، وَكَبُرَ عَلَيَّ ما أَبُوءُ بِهِ مِنْ مَعْصِيَتِكَ ، وَلَنْ يَضِيقَ عَفْوُكَ عَنْ عَبْدِكَ ، وَإنْ أَسَاءَ فَاعْفُ عَنِّي ، فَقَدْ أشَرَفَ على خَفَايَا الَأعْمَارِ عِلْمُكَ ، وَانْكَشَفَ كُلُّ مَسْتُورٍ عِنْدَ خُبْرِكَ ، وَلا تَنْطوي عَلَيْكَ دِقَاقَ الُأمُورِ ، وَلا يَعْرُبُ عَنْكَ غَيْبَاتُ السَّرَائِرٍ ، وَقَدِ اسْتَحْوَذَ عَلَيَّ عَدُوُّكَ ، الذِي اسْتَنْظَرَ فَأَنْظَرْتَهُ ، وَاسْتَمْهَلَكَ إلى يَوْمِ الدِّين ، لإِضْلالي فَأَمْهَلْتَهُ وَأَوْقَعَني بِصَغَائِرِ ذُنُوبٍ مُوبِقَةٍ ، وَكِبَارِ أَعْمَالٍ مُرْدِيَةٍ ، حَتَّى إذَا فَارْقْتُ مَعْصِيَتِكَ ، وَأسْتَوْحَشْتُ بِسُوءِ سَعْيي سُخْطَكَ تَوَلَّى عَنْ عُذْرِ غَدْرِهِ ، وَتَلَقَّاني بِكَلِمَةٍ كُفْرهِ ، وَتَوَلَّى البَرَاءَةَ مِنِّي ، وَأَدْبَرَ مُوَلِياٍ عَنِّي ، فَأَصْحَرَنِي لِغَضَبِكَ فَرِيداً ، وَأَخْرَجَني إلى فِنَاءِ نِعْمَتِكَ طَريداً ، لا شَفِيعَ يَشْفَعُ لي إلَيْكَ ، وَلا خَفِيرَ يَقِيني مِنْكَ ، وَلا حِصْنَ يَحْجُبُني عَنْكَ ، وَلا مَلَاذَ ألْجَأُ إلَيْهِ مِنْكَ ، فَهَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ النَّارِ ، وَمَحَلُّ المُعْتَرِفِ لَكَ ، فلا يَضِيقَنَّ عَنِّي فَضَلُكَ ، وَلا يَقْصُرَنَّ دُونِي عَفْوُكَ ، ولا أَكُونَنَّ أَخْيَبَ عِبَادِكَ التَّائِبِينَ ، وَلا أَقْنَطَ وُفُودِكَ الآمِلِينَ.
    اللّهُمَّ ، إغْفِرْ لي ، إنَّكَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ، فَطَالَمَا أغْفَلْتَ مِنْ وَظَائِفِ فُرُوضِكَ ، وَتَعَدَّيْتُ عَنْ مَقَامِ حُدُودِكَ ، فَهَذَا مَقَامُ مَنِ اسْتَحيْا لِنَفْسِهِ مِنْكَ وَسَخِطَ عَلَيْهَا ، وَرَضِيَ عَنْكَ ، فَتَلَقَّاكَ بِنَفْسٍ خَاشِعَةٍ ، وَرَقَبَةٍ خَاضِعَةٍ ، وَظَهْرٍ مُثْقَلٍ مِنَ الذُّنُوبِ ، وَاقِفاً بَيْنَ الرَّغْبَةِ إلَيْكَ ، وَالرَّهْبَةِ مِنْكَ ، فَأَنْتَ أَوْلَى مَنْ وَثِقَ بِهِ مِمَّنْ رَجَاهُ ، وَأَمِنَ مِنْ خِشْيَتِهِ وَاتَّقَاهُ ، اللّهُمَّ ، فَصَلِّ على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَعْطِنِي مَا رَجَوْتُ وَآمِنِّي مِمَّا حَذِرْتَ ، وَعُدْ عَلَيَّ بِعَائِدَةٍ مِنْ رَحْمَتِكَ. اللّهُمَّ ، وَإذْ سَتَرْتَنِي بِفَضْلِكَ ، وَتَغَمَّدتَنِي بِعَفْوِكَ ، في دَارِ الحَيَاةِ ، وَالفَنَاءِ ، بِحَضْرَةِ الأكْفَاءِ ، فَأَجِرْني مِنْ فَضِيحَاتِ


(188)
دَارِ البَقَاءِ ، عِنْدَ مَوَاقِفِ الإشْهِاَد ِ، مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ ، وَالرُسُلِ المُكْرَمِينَ ، وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، فَحَقَّقْ رَجَائِي يا أَصْدقَ القَائِلِينَ : « يا عِبَادِي الذِينَ أَسْرَفُوا على أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ ».
    اللّهُمَّ ، إنِّي سَائِلُكَ القَاصِدُ وَمِسْكينُكَ المُسْتَجِيرُ الوَافِدٌ ، وَضَعِيفُكَ الفَقِيرُ ، نَاصِيَتي بِيَدِكَ ، وَأَجَلي بِعِلْمِكَ ، أَسْأَلُكَ أَنْ تُوَفِقَني ، لِمَا يُرْضيكَ عَنِّي ، وَأَنْ تُبَارِكَ لي في يَوْمي هذا ، الذي فَزِعَتْ فِيهِ إلَيْكَ الَأصْوَاتُ ، وَتَقَرَّبَ إلَيْكَ عِبَادُكَ بِالقُرُبَاتِ ، أَسْأَلُكَ بِعَظِيمِ مَا سَأَلَكَ بِهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِكَ مِنْ كَرِيمِ أَسْمائِكَ ، وَجَمِيلِ ثَنَائِكَ ، وَخَاصَةِ دُعَائِكَ بِآلآئِكَ ، أَنْ تُصَلِّي على مُحَمَّدٍ وَآلِهِ ، وَأَنْ تَجْعَلَ يَوْمي هَذَا ، أَعْظَمَ يَوْمَ مَرَّ عَلَيَّ مُنْذُ أَنْزَلْتَنِي إلى الدُّنْيَا ، بَرَكَةً في عِصْمَة دِيِني ، وَخَاصَّةِ نَفْسِي ، وَقَضَاءِ حَاجَتي ، وَتَشْفِيِعي في مَسْأَلَتِي ، وَإتمَامِ النِّعْمَةِ عَلَيَّ ، وَصَرْفِ السُّوءِ عَنِّي. يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، إفْتَحْ عَلَيَّ أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ ، وَأَرْضِنِي بِعَادِلِ قَسْمِكَ ، وَاسْتَعْمِلْني بِخَالِصِ طَاعَتِكَ ، يا أَمَلي وَيَارَجَائِي ، حَاجَتي التي إنْ أَعْطَيْتَنِيهَا لَمْ يَضُرَّني ما مَنَعْتَني ، وَإنْ مَنَعْتَهَا لَمْ يَنْفَعْني ما أَعْطَيْتَني فِكَاكُ رَقْبَتي مِنَ النَّارِ.
    إلهي لا تَقْطَعْ رَجَائِي ، وَلا تُخَيِّبْ دَعَائِي ، يا مَنَّانُ ، مُنَّ عَلَيَّ بِالجَنَّةِ ، يا عَفُوُّ ، أَعْفُ عَنِّي ، يا تَوَّابُ ، تُبْ عَلَيَّ ، وَتَجَاوَزْ عَنِّي ، وَاصْفَحْ عَنْ ذُنُوبي ، يا مَنْ رَضِيَ لِنَفْسِهِ العَفْوِ ، يا مَنْ أمَرَ َبِالعَفْوِ ، يا مِنْ يَجْزِي على العَفْوِ ، يا مَنْ اسْتَحْسَنَ العَفْوُ ، أَسْأَلُكَ اليَوْمَ « العَفْوَ العَفْوَ » وَكَانَ يَقُوُلُ ذلِكَ : عَشَرَ مَرَّاتٍ.
    أَنْتَ ، أَنْتَ ، لا ينقطعُ الرَّجَاءُ إلاَّ مِنْكَ ، وَلا تَخيبُ الآمَالُ إلاَّ


(189)
فِيْكَ ، فلا تَقْطَعْ رَجائِي يا مَوْلايَ ، إنَّ لَكَ في هذِهِ اللًّيْلَةِ أضْيَافاً فَاجْعلني مِنْ أَضْيَافِكَ ، فَقَدْ نَزَلْتُ بِفنائك ، راجياً معْروفك ، يا ذَا المَعْرُفِ الدَّائِمِ الذي لا يَنْقَضي دَائِماً ، يا ذَا النَّعماء التي لا تُحْصَى عَدَداً.
    اللّهُمَّ ، إنَّ لَكَ حُقُوقاً فَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَيَّ ، وَلِلْنَّاسِ قِبَلِي تَبِعاتٍ ، فَتَحَمَّلْهَا عَنِي ، وَقَدْ أَوْجَبْت ، يا ربُّ ، لِكُلِّ ضَيْفٍ قِرىً ، وَأَنَا ضَيْفُكَ فَاجْعَلْ قِرَايَ الجَنَّةَ ، يا وَهَّابَ الجَنَّةِ ، يا وَهَّابَ المَغْفِرَةِ إقْبَلْني مُفْلِحاً ، مُنْجحاً ، مُسْتَجَابَاً لي ، مَرْحُوماً صَوتِي ، مَغْفُوراً ذَنْبِي ، بِأَفْضَلِ ما يَنْقَلِبُ بِهِ اليَوْمَ أَحَدٌ مِنْ وَفْدك ، وَزُوَّارِكَ .. » (1).
    وانتهى هذا الدعاء الشريف ، وهو يمثل روعة الايمان ، وحقيقة التمسك بالله تعالى ، وكان ذلك هو السمت البارز ، في سيرة الامام عليه السلام ، الذي آمن بالله بعواطفه ومشاعره. وبهذا الدعاء ينتهي بنا الحديث عن أدعية الامام عليه السلام في حجه لبيت الله الحرام.
1 ـ الاقبال ( ص 392 ـ 397 ).

(190)

(191)
القسم السادس
من أدعيته قي وضوئه وصلاته


(192)

(193)
    الصلاة من أهم العبادات ، ومن أعظمها شأنا في الاسلام ، وهي من أوثق الروابط ، التي تربط الانسان بخالقه العظيم ، وفي نفس الوقت ، تعود على الانسان بأجل الفوائد فهي تنفي من أعماق نفسه ، ودخائل ذاته ، الاكتئاب ، والهلع ، واليأس ، وتمده بقوة نفسية ، يواجه بها الازمات ، فهي تعرفه بالخالق العظيم ، الذي بيده جميع مجريات الاحداث ، وإن مشاكل الانسان الخاصة ، لا مفر لها ، ولا كاشف لها إلا الله ، وبذلك فهي تدفعه إلى الامل ، وعدم التشاؤم ، الذي هو من أقسى الامراض النفسية.
    لقد أهتم الاسلام ، بالصلاة اهتماما بالغا ، فهي إن قبلت قبل ما سواها ، وإن ردت رد ما سواها ـ كما في الحديث ـ ومعنى ذلك ، ان الانسان أول ما يحاسب عليه ، عند الله تعالى ، الصلاة ، فإن كانت مقبولة وصحيحة نظر في أعماله الاخرى ، وإن لم تقبل ، لم ينظر في شيء من أعماله ، صحيحا كان أو باطلا ، ومن الطبيعي ، أن اهتمام الشارع بها ، ليس لمصلحة تعود إليه ، وإنما المصالح ، والفوائد ، والثمرات كلها ، تعود على المكلف ، فهي من أهم الاسباب في تهذيب النفوس ، وإقامة الاخلاق ، وهي الصلة الوثيقة لعروج النفس واتصالها وتشرفها ، بالصانع الحكيم المبدع لهذه الاكوان.
    وعلى أي حال ، فإن في الصلاة ، من المعاني الروحية ما لا يحصى ،


(194)
وقد ركز الامام الصادق عليه السلام ، عنايته واهتمامه بها ، وقد أثرت عنه كوكبة من الادعية ، في حال وضوئه وصلاته ، وفي ما يلي بعضها :

    وأول مقدمات الصلاة ، وأكثرها أهمية الوضوء ، وفي الحديث الشريف « لا صلاة إلا بطهور » وبالاضافة إلى روحانيته ، فإنه تترتب عليه فوائد صحية هائلة ، يقول الامام الشيخ محمد الحسين آل كاشف الغطاء نضر الله مثواه : « أنظر أولا ، إلى أول مقدمة من مقدمات الصلاة ، وهي النظافة ، والطهارة ، ولما كان الصانع الحكيم قد جعل لهذا البدن غشاء ، يستر لحمه ، وعورته وأعصابه ، وجميع مقوماته وهو الجلد ، الذي هو لهذا الهيكل الجسماني كالدرع الحصين ، يقيه من العوارض الكونية من حر أو برد ، أو غبار ، أو هوام ، ونحو ذلك ، وجعله ذا مسام لتكميل به منفعة الجسد ، فيخرج منه البخار والعرق وسائر الفضلات ، التي يستريح الجسم بخروجها منه ، ويستطيع كل عضو منه ، بل كل ذرة وطاقة على أداء وظيفتها التي كونت من أجلها كانت تلك المسام التي لا يزال يخرج العرق منها والبخار المتكون من الحرارة الغريزية الداخلية ، أو العوامل الخارجية ، معرضة للانسداد ، والالحتام ، بما يتراكم عليها ، من تلك الفضلات فانسدادها ، مما يوجب تخلف القسم الكبير منها داخل البدن ، وكلما تزايدت عليه الاقذار من تراكم الغبار ، والهواء ، والبهاء ، من الخارج ، والعرق والبخار من الداخل ، من الخلايا القرنية ، والمواد الدهنية ، بعد تبخر مائها وزواله ، إنسدت تلك المسام الجلدية ، التي ربما تعد بالملايين ، ولم تقدر على أداء وظيفتها من إفراز الضار ، وجذب النافع فيخل ذلك وبسائر الاعضاء ، وتعوقها أجمع عن القيام بوظائفها ، حتى الرئيسيين : القلب والرئة ، وحتى الرئيس الاعظم ، وهو الدماغ ، وتحدث الامراض العصبية في شتى الجهات من البدن ، وتحدث في طليعتها الحكة ، والالتهاب ، وإنتشار الروائح الكريهة ، والانفاس المتعفنة


(195)
المخمرة بجراثيم الجلد ، وجذوره الفاسدة ، تلك الروائح التي قد يشمها الجليس ، فيشمئز منها ويتقزز ...
    وأضاف يقول : أفليس من الحكمة البالغة حينئذ ومن الدليل على سعة علم الشارع الحكيم ، وإحاطة تشريع النظافة والطهارة مقدمة للصلاة ؟ (1).
    إن تشريع الوضوء ، مقدمة للصلاة له أهميته البالغة ، وقد كان الامام الصادق عليه السلام ، يدعو في جميع بنود الوضوء وهذه بعض أدعيته :

    1 ـ دعاؤه عند الوضوء
    وكان الامام الصادق عليه السلام يدعو عند الوضوء ، بهذا الدعاء :
    « بِسْمِ اللهِ ، وَعلى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ (ص) أَشْهَدُ أَنْ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .. »

    2 ـ دعاؤه عند غسل يديه
    وكان عليه السلام ، يدعو بهذا الدعاء ، عند غسل يديه مقدمة للوضوء :
    « بِسْمِ اللهِ ، وَالحَمْدُ للهِ الذي جَعَلَ المَاءَ طَهُوراً ، وَلَمْ يَجْعَلْهُ نَجِساً .. »

    3 ـ دعاؤه عند المضمضة
    من مقدمات الوضوء ، المضمضة ، وهي عبارة عن تنظيف الفم ، والاسنان ، وكان عليه السلام يقول :
    « اللّهُمَّ ، لَقنِّي حُجَّتي يَوْمَ أَلْقَاكَ ، وَأَطْلِقْ لِسَاني بِذِكْرِكَ »
1 ـ سفينة النجاة 1 / 443 ـ 244.
الصحيفة الصادقية ::: فهرس