التحريفات والتصرفات في كتب السنّة ::: 1 ـ 15

التحريفات والتصرفات
في كتب السنّة
تأليف
السيّد علي الحسيني الميلاني
سلسلة الكتب العقائدية ( 92 )
إعداد
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحيم
    مقدّمة المركز
    لا يخفى أنّنا لازلنا بحاجة إلى تكريس الجهود ومضاعفتها نحو الفهم الصحيح والافهام المناسب لعقائدنا الحقّة ومفاهيمنا الرفيعة ، ممّا يستدعي الالتزام الجادّ بالبرامج والمناهج العلمية التي توجد حالة من المفاعلة الدائمة بين الاُمّة وقيمها الحقّة ، بشكل يتناسب مع لغة العصر والتطوّر التقني الحديث.
    وانطلاقاً من ذلك ، فقد بادر مركز الابحاث العقائدية التابع لمكتب سماحة آية الله العظمى السيد السيستاني ـ مدّ ظلّه ـ إلى اتّخاذ منهج ينتظم على عدّة محاور بهدف طرح الفكر الاسلامي الشيعي على أوسع نطاق ممكن.
    ومن هذه المحاور : عقد الندوات العقائديّة المختصّة ، باستضافة نخبة من أساتذة الحوزة العلمية ومفكّريها المرموقين ، التي تقوم نوعاً على الموضوعات الهامّة ، حيث يجري تناولها بالعرض والنقد


(6)
والتحليل وطرح الرأي الشيعي المختار فيها ، ثم يخضع ذلك الموضوع ـ بطبيعة الحال ـ للحوار المفتوح والمناقشات الحرّة لغرض الحصول على أفضل النتائج.
    ولاجل تعميم الفائدة فقد أخذت هذه الندوات طريقها إلى شبكة الانترنت العالمية صوتاً وكتابةً.
    كما يجري تكثيرها عبر التسجيل الصوتي والمرئي وتوزيعها على المراكز والمؤسسات العلمية والشخصيات الثقافية في شتى أرجاء العالم.
    وأخيراً ، فإنّ الخطوة الثالثة تكمن في طبعها ونشرها على شكل كراريس تحت عنوان « سلسلة الندوات العقائدية » بعد إجراء مجموعة من الخطوات التحقيقية والفنيّة اللازمة عليها.
    وهذا الكرّاس الماثل بين يدي القارئ الكريم واحدٌ من السلسلة المشار إليها.
    سائلينه سبحانه وتعالى أن يناله بأحسن قبوله.
    
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسّون


(7)
بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد
    الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطيّبين الطاهرين ، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الاوّلين والاخرين.
    وبعد ، فإنّي أحمد الله سبحانه وتعالى على أنْ وفّقني لهذه البحوث في هذه الليالي المباركة ، بطلب من « مركز الابحاث العقائديّة » ، وكانوا قد طلبوا منّي أن أبحث عن الموضوعات التي عيّنوها هم ، وبطلب منهم ، وعلى أن تكون البحوث على أساس الكتاب والسنّة المعتبرة المتّفق عليها بين المسلمين ، ولذا فقد لاحظتم أنّي أثبتُّ حتّى مسألة تفضيل الائمّة على الانبياء على أساس أحاديث الفريقين ، وأثبتُ العصمة كما يقول بها أصحابنا على أساس أحاديث الفريقين.


(8)
    وحاولت أن تكون الادلّة التي أستند إليها من أقدم كتب أهل السنّة وأتقنها ، حتّى في مسائل مظلوميّة الزهراء ( عليها السلام ) ، لم أعتمد إلاّ على كتبهم وعلى أقدم المصادر الواصلة إلينا من مؤلّفاتهم ومصنّفاتهم ، ونقلنا عنها ما جاء فيها من تلك القضايا ، وما كنّا نتوقّع منهم أن ينقلوا أكثر من هذا فيما يتعلّق بالزهراء ( عليها السلام ).
    وأمّا ما في كتبنا ، وما في رواياتنا ، وعن أهل البيت فيما يتعلّق بالعصمة ، وما يتعلّق بمظلوميّة الزهراء ، وما يتعلّق بمسائل تفضيل الائمّة على الانبياء ، وكذا ما يتعلّق بمسائل الامامة وغير ذلك من المسائل ، فلابدّ وأن نعقد مجالس وبحوثاً أُخرى ، لانْ تكون تلك الروايات محور بحوثنا في تلك الجلسات الاُخرى ، إلاّ أنّ الاخوة في هذا المركز طلبوا منّي أن تكون المصادر سنّيّة فقط ولا أنقل شيئاً عن كتب أصحابنا ، وقد لاحظتم أنّي وبحمد الله على التوفيق وفّقت لما كنّا نرمي إليه في هذه المجالس ، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه المباحث معينة لمن يريد أن يبحث عن هذه القضايا بإنصاف ، وأن تكون مفيدة له في هذا المجال.


(9)
    كما لاحظتم في خلال البحوث أنّي تعرّضت ونبّهت على بعض التحريفات الواقعة منهم في نقل الاحاديث ، وفي رواية الاخبار والقضايا والحوادث ، ونبّهت أيضاً على أنّهم ـ أي أهل السنّة ـ حاولوا قدر الامكان أن يتكتّموا على حقائق القضايا ولا ينقلوا لنا الحوادث كما وقعت ، ومع ذلك فقد عثرنا على ما كنّا نريده من خلال رواياتهم والنظر في أخبارهم وكتبهم ، ثمّ طلبتم أن أذكر موارد أُخرى من التحريفات في هذه اللّيلة ، فأقول :
    إنّ للقوم أساليب عديدة في ردّ ما يتعلّق بأهل البيت وبمسائل الامامة ، وكلّ ما يستدل به الاماميّة في بحوثهم.
    فأوّل شيء نراه في كتبهم أنّهم يغفلون الخبر ، ويحاولون التعتيم عليه وعدم نقله وعدم نشره ، ولذا نرى أنّ كثيراً من الاخبار الصحيحة بأسانيدهم غير مخرّجة في الصحيحين ، أو الصحاح


(10)
الستّة من كتبهم ، فأوّل محاولة منهم هي إغفال الاخبار الصحيحة التي يستند إليها الشيعة فلا ينقلونها.
    ثمّ إذا نقلوا حديثاً يحاولون أن يحرّفوه ، والتحريف يكون على أشكال في كتبهم.
    تارة ينقلون الحديث مبتوراً وينقصون منه محلّ الاستدلال ومورد الحاجة ، وتارة يبهمون في ألفاظه ، فيرفعون الاسماء الصريحة ويضعون في مكانها كلمة فلان إبهاماً للامر.
    وتارة يحذفون من الخبر ويضعون في مكان المقدار المحذوف كلمة كذا وكذا.
    وتارة نراهم يصحفون الالفاظ.
    فإن لم يمكنهم التلاعب بمتنه ، انبروا للطعن في سنده ، وحاولوا تضعيف الحديث أو تكذيبه.
    فإن لم يمكنهم ذلك أيضاً ، وضعوا في مقابله حديثاً آخر وادّعوا المعارضة بين الحديثين.
    وهذه أساليبهم.
    أمّا المستنسخون ، والناشرون للكتب ، والرواة لتلك الروايات والمؤلفات ، فحدّث عنهم ولا حرج.


(11)
    أتذكر أنّي رأيت في أحد المصادر ، عندما يروي خبر مبيت أمير المؤمنين ( عليه السلام ) على فراش رسول الله في ليلة الهجرة ، الرواية تقول : بات علي على فراش رسول الله ، أتذكّر أنّه في أحد المصادر كلمة التاء بدّلها الناسخ باللام ، التاء من بات بدّلها باللام.
    ينقلون عن بعض الصحابة ، وكما قرأنا في الجلسات الماضية ، أنّهم كانوا يعرضون أولادهم على أمير المؤمنين ، يأتون بأبنائهم ويوقفونهم على الطريق ، فإذا مرّ أمير المؤمنين قالوا للولد : أتحبّ هذا ؟ فإنْ قال : نعم ، علم أنّه منه وإلاّ ...
    فينقلون عن بعض الصحابة أنّهم كانوا يقولون ـ وهذا موجود في المصادر ـ : كنّا نبور أبناءنا بحبّ علي بن أبي طالب ، نبور أي نختبر ، نختبرهم نمتحنهم ، لنعرف أنّهم من صلبنا أو لا ، كنّا نبور أبناءنا بحبّ علي بن أبي طالب.
    لاحظوا التصحيف : كنّا بنور إيماننا نحبّ علي بن أبي طالب.
    الباء أصبحت نوناً ، نبور أصبحت بنور ، أبناءنا أصبحت إيماننا ، كنّا بنور إيماننا نحبّ علي بن أبي طالب.
    وهكذا يصحّفون الاخبار.
    وإمّا أنْ يرفعوا الحديث أو قسماً من الحديث ويتركوا مكانه


(12)
بياضاً ، ويكتبون هاهنا بياض في النسخة ، وهذا أيضاً كثير في كتبهم ، هنا بياض في النسخة ، لاحظوا المصادر ، حتّى الكتب الكلاميّة أيضاً.
    أتذكّر أنّ موضعاً من شرح المقاصد حذف منه مقدار ، وقد كتب محقّقه أنّ هنا بياضاً في النسخة ، وكذا في تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، وفي تاريخ دمشق لابن عساكر ، وغير هذه الكتب.
    فهكذا يفعلون ، وكلّ ذلك لئلاّ يظهر الحق ، وما أكثر هذا.
    ويا حبّذا لو انبرى أحد لجمع هذه القضايا وتأليف كتاب في ذلك.
    وأمّا أنّكم لو قارنتم الطبعات الجديدة للكتب ، وقابلتموها مع الطبعات السابقة ، حتّى تفسير الكشّاف للزمخشري ، له أبيات ، أربع خمس أبيات في تفسيره ، هي في بعض الطبعات غير موجودة ، لانّ تلك الابيات فيها طعن على المذاهب الاربعة.
    وهكذا في قضايا أُخرى.
    وكثيراً ما ترى أنّ المؤلِّف اللاّحق يلخّص كتاب أحد السابقين ، وليس الغرض من تلخيصه لذلك الكتاب إلاّ طرح ما في


(13)
ذلك الكتاب ممّا يضرّ بأفكاره ومبادئه ، والكتاب الاصلي ربّما يكون مخطوطاً ، أو لربّما لا تعثر على نسخة منه أبداً ، وقد حكموا عليه بالاعدام.
    حتّى أنّ كتب أبي الفرج ابن الجوزي في القضايا التافهة طبعوها ونشروها ، له كتاب في أخبار المغفّلين ، له كتاب في أخبار الحمقى ، وأخبار الطفيليين ، وكتبه من هذا القبيل طبعت.
    لكنّ لابن الجوزي رسالة كتبها في تكذيب ما رووه من أنّ النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد صلّى خلف أبي بكر في تلك الصلاة التي جاء إلى المسجد بأمر من عائشة لا من الرسول ، حتّى إذا ، إطّلع على ذلك خرج معتمداً على رجلين ، ونحّى أبابكر عن المحراب وصلّى تلك الصلاة بنفسه الشريفة ، فيروون أنّ رسول الله اقتدى بأبي بكر في تلك الصلاة وصلّى خلفه.
    فلابن الجوزي كتاب في تكذيب ما ورد في هذا الباب ، أي في صلاة النبي خلف أبي بكر ، يكذّب هذه الروايات ابن الجوزي ، هذه الرسالة لم ينشروها ، وحتّى لم يكثّروا نسخها ولم يستنسخوها.
    أتذكّر أنّي راجعت كتاباً أُلّف في مؤلّفات ابن الجوزي


(14)
المخطوط منها والمطبوع ، فلم يذكر لهذا الكتاب إلاّ نسخة واحدة ، والحال أنّه يذكر لمؤلّفاته الاُخرى في مكتبات العالم نسخاً كثيرة.
    ولماذا ؟
    لانّهم يعلمون بأنّ تكذيب مثل هذا الخبر يضرّ باستدلالهم بصلاة أبي بكر المزعومة على إمامة أبي بكر بعد رسول الله.
    وكم لهذه الاُمور من نظائر ، ويا حبّذا لو تجمع في مكان واحد.


(15)
    وأمّا أنّكم إذا طلبتم أن أذكر لكم بعض الاشياء ، إضافةً إلى ما اطّلعتم عليه في خلال البحوث ، أذكر لكم موارد معدودة فقط ، ولا أُطيل عليكم :
    1 ـ هناك حديث يروونه عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : « النجوم أمان لاهل السماء فإذا ذهبت ذهبوا ، وأهل بيتي أمان لاهل الارض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الارض ».
    هذا الحديث موجود في المصادر ، ومن المصادر التي يروى عنها هذا الحديث : مسند أحمد ، وهذا الحديث ليس الان موجوداً فيه.
    2 ـ قوله : « أنا مدينة العلم وعلي بابها » ، مصادره كثيرة ، ومن مصادره صحيح الترمذي ، ينقل عن صحيح الترمذي هذا الحديث في جامع الاُصول لابن الاثير ، وأيضاً في تاريخ الخلفاء للسيوطي ،
التحريفات والتصرفات في كتب السنّة ::: فهرس