التحريفات والتصرفات في كتب السنّة ::: 16 ـ 25
(16)
وأيضاً في الصواعق لابن حجر ، والفضل ابن روزبهان يعترف بوجود هذا الحديث في صحيح الترمذي ويحكم بصحّته.
    وأنتم لا تجدونه الان في صحيح الترمذي ، وكم لهذا من نظير !
    وأمّا في الصحيحين ، فكنت أتذكّر موردين أحببت أن أذكرهما لكم في هذه الليلة بطلب منكم طبعاً واكتفي بهذا المقدار.
    3 ـ لاحظوا هذا الحديث في صحيح مسلم ، يروي هذا الحديث مسلم بن الحجّاج بسنده عن شقيق ، عن أُسامة بن زيد ، قال شقيق : قيل له ـ أي لاُسامة ـ : ألا تدخل على عثمان فتكلّمه ؟ فقال : أترون أنّي لا أُكلّمه إلاّ أُسمعكم ، والله لقد كلّمته فيما بيني وبينه ، مادون أنْ أفتتح أمراً لا أُحبّ أن أكون أوّل من فتحه ، ولا أقول لاحد يكون عليّ أميراً إنّه خير الناس بعدما سمعت رسول الله يقول : يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندرق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى ، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون : يا فلان مالك ؟ ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : بلى قد كنت آمراً بالمعروف ولا آتيه ، وأنهى عن المنكر وآتيه.
    قيل له : ألا تدخل على عثمان فتكلّمه ؟ قال : قد كلّمته مراراً ، وناصحته ، وأمرته بالمعروف ونهيته عن المنكر ، لكن لا أُريد أنْ


(17)
تطّلعوا على ما قلته له ، كلّمته بيني وبينه ... ثمّ ذكر هذا الحديث عن رسول الله.
    هذا في الصفحة 224 من صحيح مسلم في الجزء الثامن في هذه الطبعة.
    ولا بأس أن أقرأ لكم ما في صحيح البخاري ، لتعرفوا كيف يحرّفون الكلم : قال : قيل لاُسامة : ألا تكلّم هذا ؟ قال : قد كلّمته مادون أن أفتح باباً أكون أوّل من يفتحه ، وما أنا بالذي أقول لرجل بعد أن يكون أميراً على رجلين : أنت خير ، بعدما سمعت من رسول الله يقول : يجاء برجل فيطرح في النار فيطحن فيها كطحن الحمار برحاه ، فيطيف به أهل النار ، فيقولون : أيْ فلان ، ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ؟ فيقول : إنّي كنت آمر بالمعروف ولا أفعله.
    لاحظوا كم اختصر من الحديث من الاشياء التي قالها أُسامة بالنسبة لعثمان ، وليس في نقل البخاري هنا اسم عثمان ، قيل لاُسامة : ألا تكلّم هذا ، فمن هذا ؟ غير معلوم في هذا الموضع ، ألا تكلّم هذا ؟
    أمّا في موضع آخر ، أتذكّر أنّي رأيته يذكره على العادة : فلان ، ألا تكلّم فلان ، مع الاختصار للحديث.


(18)
    قال : قيل لاُسامة : لو أتيت فلاناً فكلّمته ؟ قال : إنّكم لترون أنّي لا أُكلّمه إلاّ أسمعكم ، إنّي أُكلّمه في السرّ دون أن أفتح باباً ، لا أكون أوّل من فتحه ، ولا أقول لرجل إن كان عليّ أميراً إنّه خير الناس ، بعد شيء سمعته من رسول الله ، قالوا : وما سمعته يقول ؟ قال : سمعته يقول ... إلى آخره.
    أيضاً مع اختصار في اللفظ ، وقد رفع اسم عثمان ووضع كلمة فلان.
    وهذا في صحيح البخاري ص 566 من المجلد الثاني.
    وذلك المورد الذي لم أعطكم عنوانه ، هو في ص 687 من المجلد الرابع.
    هذا بالنسبة إلى عثمان.
    4 ـ وأمّا بالنسبة إلى الشيخين ، فأقرأ لكم حديثاً آخر في صحيح مسلم ، ثمّ أقرأ ما جاء في صحيح البخاري :
    في حديث طويل يقول : ثمّ نشد عبّاساً وعليّاً ـ نشد أي عمر بن الخطّاب ـ بمثل ما نشد به القوم أتعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، قال : فلمّا توفي رسول الله قال أبوبكر : أنا وليّ رسول الله ، فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ، ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها ـ يعني علي والعباس ـ فقال أبوبكر : قال رسول الله : ما نورّث ما تركنا


(19)
صدقة ، فرأيتماه ـ عمر يقول لعلي والعباس ـ فرأيتماه ، أي فرأيتما أبابكر كاذباً آثماً غادراً خائناً ، ثمّ يقول عمر : والله يعلم إنّه لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ، فليكنْ على بالكم ، فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ، ثمّ توفّي أبوبكر وأنا ولي رسول الله وولي أبي بكر ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً ، والله يعلم إنّي لصادق بارّ راشد تابع للحقّ ... فولّيتها ثمّ جئتني أنت وهذا ، وأنتما جميع ، وأمركما واحد ، فقلتما إدفعها إلينا ... إلى آخر الحديث.
    ومحلّ الشاهد هذه الجملة : فرأيتماه كاذباً آثماً غادراً خائناً ، فرأيتماني كاذباً آثماً غادراً خائناً.
    هذا في صحيح مسلم ( 5/152 ) في باب حكم الفيء من كتاب الجهاد.
    وللننظر في صحيح البخاري : ثمّ قال لعلي وعباس : أُنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قال عمر : ثمّ توفّى الله نبيّه ، فقال أبوبكر : أنا ولي رسول الله فقبضها أبوبكر ، فعمل فيها بما عمل رسول الله ، والله يعلم إنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ.
    فأين صارت الجملة : فرأيتماه ... والله يعلم إنّه فيها لصادق بارّ راشد تابع للحقّ.
    ثمّ توفّى الله أبابكر ، فكنت أنا ولي أبي بكر ، فقبضتها سنتين


(20)
من إمارتي ، أعمل فيها بما عمل رسول الله ، وما عمل فيها أبوبكر ، والله يعلم إنّي فيها لصادق بارّ راشد تابع للحق. فرأيتماه إلى آخره ... فرأيتماني إلى آخره.
    هذه في الصفحة 506 من المجلد الثاني.
    أمّا في ص552 من المجلّد الرابع يقول : فتوفّى الله نبيّه فقال أبوبكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها فعمل بما عمل به رسول الله ، ثمّ توفّى الله أبابكر فقلت : أنا وليّه وولي رسول الله ، فقبضتها سنتين أعمل فيها ما عمل رسول الله وأبوبكر ، ثمّ جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع ... إلى آخره.
    فلا يوجد : فرأيتماه كذا وكذا ... والله يعلم إنّه بارّ راشد تابع للحق ، فرأيتماني كذا وكذا والله يعلم أنّي بارّ راشد تابع للحق ، فلا هذا موجود ولا ذاك موجود.
    أمّا في ص 121 من المجلّد الرابع يقول : أُنشدكما بالله ، هل تعلمان ذلك ؟ قالا : نعم ، ثمّ توفّى الله نبيّه فقال أبوبكر : أنا ولي رسول الله ، فقبضها أبوبكر يعمل فيها بما عمل به فيها رسول الله ، وأنتما حينئذ ، وأقبل على علي وعباس تزعمان أنّ أبابكر كذا وكذا ، والله يعلم إنّه فيها صادق بارّ راشد تابع للحق.
    كذا وكذا بدل تلك الفقرة.


(21)
    ثمّ توفّى الله أبابكر فقلت : أنا ولي رسول الله وأبي بكر ، فقبضتها سنتين أعمل فيها بما عمل رسول الله وأبو بكر ، ثمّ جئتماني وكلمتكما واحدة ، وأمركما جميع ...
    في بقيّة الحديث لا يوجد ما قالاه بالنسبة إلى عمر نفسه : فرأيتماني ... وأنّه حلف بأنّه أي هو بارّ راشد صادق تابع للحق.
    وهذا حديث واحد ، والقضيّة واحدة ، والراوي واحد.
    في صحيح مسلم على ما جاء عليه مشتمل على الفقرتين : فرأيتماه ... فرأيتماني.
    أمّا في صحيح البخاري ، في أكثر من ثلاث موارد على أشكال مختلفة.
    وهذا فيما يتعلّق بالشيخين.
    ولماذا هذا التحريف ؟ لانّ عمر بن الخطّاب ينسب إلى علي والعباس أنّهما كانا يعتقدان في أبي بكر وفي عمر أنّ كلاًّ منهما كاذب غادر خائن إلى آخره ، وهما يسمعان من عمر هذا الكلام ، ولم نجد في الحديث أنّهما كذّبا عمر في نسبة هذا الشيء إليهما ، وسكوتهما على هذه النسبة تصديق ، وحينئذ يكون الشيخان بنظر علي والعباس كاذبين خائنين غادرين ، وإلى آخره.
    نحن لا نقول هذا الحديث صدق أو كذب ، نحن لا ندري


(22)
بأصل القضيّة ، إنّما ننظر في الصحيحين والفرق بين الروايتين ، أمّا لو أردتم أن تستفيدوا من هذا الخبر أشياء فالامر إليكم ، ولسنا الان بصدد التحقيق عن مفاهيم هذا الحديث ومداليله ، وإنّما أردنا أن نذكر لكم الفرق بين الشيخين البخاري ومسلم في نقلهما للخبر الواحد ، أي لقضيّة واحدة.
    فهذه من جملة الموارد ، وقضيّة عثمان مورد آخر ، وهكذا موارد أُخرى.


(23)
    وأرى من المناسب أن أقطع الكلام بهذا المقدار ، وأكتفي بهذا الحد ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّق كلّ من يريد معرفة الحق ، والاخذ بالحقّ ، أن يوفّقه في هذا السبيل ، وأن يهديه إلى الصراط المستقيم.
    نسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيدنا علماً وبصيرةً وفهماً ودقّة وتأمّلاً في القضايا العلميّة والتحقيقيّة وخاصّة العقائديّة منها ، فإنّ الانسان إن فارق هذه الدنيا وهو على شكّ من دينه ، إن فارق هذه الدنيا ولم يكن على ثقة بما يعتقد به ، فإنّه سيحشر مع من لا اعتقاد له.
    إنّ الاُمور الاعتقاديّة يعتبر فيها الجزم ، ولابدّ فيها من اليقين ، وكلّ أمر اعتقادي لم يصل إلى حدّ اليقين فليس باعتقاد.
    فعلى من عنده شكّ ، على من لم يصل إلى حدّ اليقين أن


(24)
يبحث ، أن يحقّق ، وإلاّ فإنْ مات على هذه الحال كانت ميتته ميتة جاهليّة ، فكيف بمن كان على شكٍّ أو حتّى إذا لم يكن عنده شكّ يحاول أن يشكّك في الاُمور الاعتقاديّة ، ويوقع الناس في الشكّ.
    إنّ الاُمور الاعتقاديّة لابدّ فيها من اليقين والقطع والجزم ، ولربّما يكون هناك رجل قد بلغ من العمر ما بلغ ويكون في أوّل مرحلة من مراحل فهم عقائده الدينيّة ، وقد تقرّر عند علمائنا أنْ لا تقليد في الاُصول العقائديّة ، فحينئذ لا يجوز الاخذ بقول هذا وذاك لانّه قول هذا وذاك ، ولا يجوز اتّباع أحد لانّه كذا وكذا ، والاعتبارات والعناوين الموجودة في هذه الدنيا لا تجوّز لاحد ولا تسوّغ لاحد أن يتّبع أحداً من أصحاب هذه العناوين ، لانّ له ذلك العنوان ، وهذا لا يكون له عذراً عند الله سبحانه وتعالى ، إنّ الاُمور الاعتقاديّة لابدّ فيها من القطع واليقين.
    وقد عرفنا أنّ القطع واليقين إنّما يتحقّقان ويحصلان عن طريق القرآن العظيم ، وعن طريق السنّة المعتبرة ، ولاسيّما السنّة المتّفق عليها بين المسلمين ، فإنّ تلك السنّة ستكون يقينيّة ، والله سبحانه وتعالى هو الموفّق.
    وفي الختام أُذكّركم بأنّ بحوثنا هذه لم تكن نقداً لاحد أو ردّاً لاخر ، وإنّما كانت بحوثاً علميّة ، ودروساً عقائديّة ، ومن أراد أن


(25)
يقف على هذه البحوث ويطّلع عليها فليتّصل بـ « مركز الابحاث العقائديّة » ، فإنّ المسؤولين في هذا المركز سيحاولون أن يوفّروا لمن يراجع هذا المركز ما يحتاج من هذه البحوث أو غيرها.
    وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين.
التحريفات والتصرفات في كتب السنّة ::: فهرس