التوحيد ::: 46 ـ 60
(46)
لا الألباب وأذهانها صفته فتقول : متى ؟ (1) ولا بدئ مما ، ولا ظاهر على ما ، ولا باطن فيما ، ولا تارك فهلا (2) خلق الخلق فكان بديئا بديعا ، ابتدأ ما ابتدع ، و ابتدع ما ابتدأ ، وفعل ما أراد وأراد ما استزاد ، ذلكم الله رب العالمين.
    6 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، عن عباد بن سليمان ، عن سعد بن سعد ، قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن التوحيد ، فقال : هو الذي أنتم عليه (3).
    7 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، و يعقوب بن يزيد جميعا ، عن ابن فضال ، عن ابن بكير ، عن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : سمعته يقول في قوله عزوجل : ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) (4) قال : هو توحيدهم لله عزوجل.
    8 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين عن محمد بن سنان ، عن إسحاق بن الحارث ، عن أبي بصير ، قال : أخرج أبو عبد الله عليه السلام حقا ، فأخرج منه ورقة ، فإذا فيها : سبحان الواحد الذي لا إله غيره ، القديم المبدئ الذي لا بدئ له (5) الدائم الذي لا نفاد له ، الحي الذي لا يموت ، الخالق ما يرى ، وما لا يرى ، العالم كل شيء بغير تعليم ، ذلك الله الذي
1 ـ أي فتقول أنت أو فتقول العقول : متى وجد ، والفقرات الثلاث بعدها عطف عليها والتقدير ولا تدرك العقول الخ صفته فتقول مما بدئ وعلى ما ظهر وفيما بطن ، ويحتمل أن تكون جملات مستقلة بتقدير المبتدأ و ( ما ) بمعنى الشيء لا الاستفهامية أي ولا هو بدئ من شيء ولا ظاهر على شيء ولا باطن في شيء.
2 ـ أي ولا هو تارك ما ينبغي خلقه فيقال : هلا تركه.
3 ـ لأن ولاية أهل البيت عليهم السلام من شروط التوحيد كما مر في حديث الرضا عليه السلام في الباب الأول فإذا انتفى الشرط انتفى المشروط.
4 ـ آل عمران : 83.
5 ـ على وزان المصدر أو على بناء الصفة المشبهة.


(47)
لا شريك له.
    9 ـ حدثنا محمد بن القاسم المفسر رحمه الله ، قال : حدثنا يوسف بن محمد بن زياد ، وعلي بن محمد بن سيار ، عن أبويهما ، عن الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، قال : قام رجل إلى الرضا عليه السلام فقال له :
    يا ابن رسول الله صف لنا ربك فإن من قبلنا قد اختلفوا علينا ، فقال الرضا عليه السلام :
    إنه من يصف ربه بالقياس لا يزال الدهر في الالتباس ، مائلا عن المنهاج (1) ظاعنا في الاعوجاج ، ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، أعرفه بما عرف به نفسه من غير رؤية ، وأصفه بما وصف به نفسه من غير صورة ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، معروف بغير تشبيه ، ومتدان في بعده لا بنظير ، لا يمثل بخليقته ، ولا يجور في قضيته ، الخلق إلى ما علم منقادون ، وعلى ما سطر في المكنون من كتابه ماضون ، ولا يعملون خلاف ما علم منهم ، ولا غيره يريدون ، فهو قريب غير ملتزق وبعيد غير متقص ، يحقق ولا يمثل ، ويوحد ولا يبعض ، يعرف بالآيات ، ويثبت بالعلامات ، فلا إله غيره ، الكبير المتعال.
    10 ـ ثم قال عليه السلام : بعد كلام آخر تكلم به : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن أبيه عليهم السلام ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أنه قال : ما عرف الله من شبهه بخلقه ، ولا وصفه بالعدل من نسب إليه ذنوب عباده. (2) والحديث طويل ، أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في تفسير القرآن.
    11 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد ، عن عبد الله بن محمد ، عن علي بن مهزيار ، قال : كتب أبو جعفر عليه السلام إلى رجل بخطه وقرأته في دعاء كتب به أن يقول : ( يا ذا الذي كان قبل كل
1 ـ في حاشية نسخة ( ب ) ( نائما عن المنهاج ).
2 ـ أتى بهذا الحديث دفعا لما يتوهم من معنى الجبر في كلامه عليه السلام ، وهذا توهم باطل إذ قد تبين في محله أن كل ما يقع في الوجود يقع طبقا لعلمه السابق ولا يلزم من ذلك الجبر في شيء.


(48)
شئ ، ثم خلق كل شيء ، ثم يبقى ويفنى كل شيء ، ويا ذا الذي ليس في السماوات العلى ولا في الأرضين السفلى ولا فوقهن ولا بينهن ولا تحتهن إله يعبد غيره ) (1).
    12 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن محمد بن عيسى اليقطيني ، عن سليمان بن راشد.
    عن أبيه ، عن المفضل بن عمر ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : الحمد لله الذي لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك.
    13 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي (2) قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني إسماعيل بن مهران الكوفي ، عن إسماعيل بن إسحاق الجهني ، عن فرج بن فروة ، عن مسعدة بن صدقة ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : بينما أمير المؤمنين عليه السلام يخطب على المنبر بالكوفة إذ قام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا ربك تبارك وتعالى لنزداد له حبا وبه معرفة ، فغضب أمير المؤمنين عليه السلام ، ونادى الصلاة جامعة (3) فاجتمع الناس حتى غص المسجد بأهله ، ثم قام متغير اللون فقال :
1 ـ لأن ما يعبد غيره ليس باله ، فإن المراد بالإله ههنا ليس المعبود بل الذي له الخلق والأمر المستحق بذلك للعبادة ، ولهذا الدعاء تمام : ( لك الحمد حمدا لا يقوى على إحصائه إلا أنت فصل على محمد وآل محمد صلاة لا يقوى على إحصائها إلا أنت ) والدعاء بتمامه مذكور في أعمال أيام شهر رمضان.
2 ـ محمد بن أبي عبد الله الكوفي هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي كما يشهد به إسناد الكليني ـ رحمه الله ـ كالحديث الثالث من باب حدوث العالم وغيره في الكافي.
3 ـ الصلاة منصوب بفعل مقدار أي احضروها ، وجامعة منصوب على الحال من الصلاة ، وهذه الكلمة كانت تستعمل لدعوة الناس إلى التجمع وإن لم يكن لإقامة الصلاة ، وهذه الخطبة مسماة في نهج البلاغة بخطبة الأشباح مذكورة فيه مع اختلافات وزيادات.


(49)
    الحمد لله الذي لا يفره المنع ، ولا يكديه الاعطاء (1) إذ كل معط منتقص سواه ، الملئ بفوائد النعم وعوائد المزيد ، وبجوده ضمن عيالة الخلق ، فأنهج سبيل الطلب للراغبين إليه ، فليس بما سئل أجود منه بما لم يسأل ، وما اختلف عليه دهر فيختلف منه الحال ، ولو وهب ما تنفست عنه معادن الجبال وضحكت عنه أصداف البحار من فلذ اللجين (2) وسبائك العقيان ونضائد المرجان لبعض عبيده ، لما أثر ذلك في وجوده ولا أنفد سعة ما عنده ، ولكان عنده من ذخائر الافضال ما لا ينفذه مطالب السؤال (3) ولا يخطر لكثرته على بال ، لأنه الجواد الذي لا تنقصه المواهب ، ولا ينحله إلحاح الملحين (4) ( وإنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) (5)
1 ـ وفريفر كوعد يعد من الوفور بمعنى الكثرة أي لا يوجب المنع كثرة في خزائنه ، وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) و ( ج ) ( لا يغيره المنع ). والإكداء بمعنى الإفقار والتقليل أي لا يوجب الاعطاء فقرا وقلة فيها.
2 ـ الفلذ بكسر الفاء وسكون اللام آخره الذال كبد البعير جمعه الأفلاذ ، وأفلاذ الأرض كنوزها ، أو بكسر الأول وفتح الثاني جمع الفلذة بمعنى الذهب والفضة ، وفي نسخة ( د ) و ( ب ) وفي البحار بالزاي المشددة في آخر الكلمة وهو اسم جامع لجواهر الأرض كلها ، واللجين مصغرا بمعنى الفضة.
3 ـ السؤال كالتجار جمع السائل.
4 ـ ينحله من الانحال أو التنحيل بمعنى الاعطاء أي لا يعطيه إلحاح الملحين شيئا يؤثر فيه ، بل يعطي مسألة السائلين أو يمنعها حسب المصلحة ، وهذا نظير ما في آخر دعاء الجوشن الكبير : ( يا من لا يبرمه إلحاح الملحين ) وإن كان الالحاح في السؤال لله تعالى ممدوح كما ورد في الحديث ، وفي البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) بالباء الموحدة والخاء المعجمة من البخل على بناء التفعيل أي لا يصيره بخيلا أو على بناء الأفعال أي لا يجده بخيلا.
5 ـ في حديث رواه في آخر الباب التاسع ( أن موسى على نبينا وآله وعليه السلام سأل ربه فقال : يا رب أرني خزائنك ، فقال تعالى : يا موسى إنما خزائني إذا أردت شيئا أن أقول له كن فيكون ).


(50)
الذي عجزت الملائكة على قربهم من كرسي كرامته ، وطول ولههم إليه وتعظيم جلال عزه ، وقربهم من غيب ملكوته أن يعلموا من أمره إلا ما أعلمهم ، وهم من ملكوت القدس بحيث هم من معرفته على ما فطرهم عليه أن قالوا : ( سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ) (1).
    فما ظنك أيها السائل بمن هو هكذا ، سبحانه وبحمده ، لم يحدث فيمكن فيه التغير والانتقال ، ولم يتصرف في ذاته بكرور الأحوال (2) ولم يختلف عليه حقب الليالي والأيام (3) الذي ابتدع الخلق على غير مثال امتثله ولا مقدار احتذى عليه من معبود كان قبله (4) ولم تحط به الصفات فيكون بإدراكها إياه بالحدود متناهيا ، وما زال ـ ليس كمثله شيء ـ عن صفة المخلوقين متعاليا (5) وانحسرت الأبصار عن أن تناله فيكون بالعيان موصوفا (6) وبالذات التي لا يعلمها إلا هو عند خلقه معروفا ، وفات لعلوه على أعلى الأشياء مواقع رجم المتوهمين (7) وارتفع عن أن تحوي كنه عظمته فهاهة (8) رويات المتفكرين ، فليس له مثل فيكون ما يخلق مشبها
1 ـ قوله : ( إن قالوا ) بتقدير المضاف خبر لضمير الجمع بعد حيث ، وتقدير الكلام :
    وهم من ملكوت القدس بحيث أنهم من جهة معرفتهم به على ما فطرهم عليه من الروحانية المحضة في منزلة أن قالوا ـ الخ ، وهي منزلة إظهار العجز والجهل بحضرة الربوبية.
2 ـ أي لم يقع التغير والتحول في ذاته تعالى بسبب تكرر الأحوال المختلفة الحادثة في الأشياء.
3 ـ أي ولم يتردد عليه الزمان الذي يتجزأ بالليالي والأيام ، والحقب كالقفل بمعنى الدهر والزمان ويأتي بمعان أخر ، ومر نظير هذا الكلام في صدر الخطبة.
4 ـ أي لم يمتثل في صنعه على مثال ولم يحتذ على مقدار مأخوذين مستفادين من معبود كان قبله تعالى.
5 ـ ليس كمثله شيء معترضة بين زال وخبره.
6 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( وانحصرت الأبصار ـ الخ ).
7 ـ لا يبعد أن يكون ( فات تصحيف فاق ) وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( مواقع وهم المتوهمين ).
8 ـ الفهاهة : العى.


(51)
به (1) وما زال عند أهل المعرفة به عن الأشباه والأضداد منزها ، كذب العادلون بالله إذ شبهوه بمثل أصنافهم (2) وحلوه حلية المخلوقين بأوهامهم ، وجزوه بتقدير منتج خواطرهم (3) وقدروه على الخلق المختلفة القوى بقرائح عقولهم (4) وكيف يكون من لا يقدر قدره مقدرا في رويات الأوهام ، وقد ضلت في إدراك كنهه هواجس الأحلام لأنه أجل من أن يحده ألباب البشر بالتفكير ، أو يحيط به الملائكة على قربهم من ملكوت عزته بتقدير ، تعالى عن أن يكون له كفو فيشبه به لأنه اللطيف الذي إذا أرادت الأوهام أن تقع عليه في عميقات غيوب ملكه ، وحاولت الفكر المبرأة من خطر الوسواس إدراك علم ذاته (5) وتولهت القلوب إليه لتحوي منه مكيفا في صفاته (6) وغمضت مداخل العقول من حيث لا تبلغه الصفات لتنال علم إلهيته (7) ردعت خاسئة وهي تجوب مهاوي سدف الغيوب متخلصة إليه سبحانه ، رجعت إذ جبهت
1 ـ لأن ما عداه كائنا ما كان مخلوق له ويمتنع أن يكون المخلوق مشبها بالخالق.
2 ـ في نسخة ( ج ) ( بمثل أصنامهم ).
3 ـ جزوه من الجز بمعنى القطع ، ومنتج على بناء المفعول من باب الأفعال بمعنى النتيجة ، وفي البحار وفي نسخة ( و ) و ( ب ) ( وجزوه بتقدير منتج من خواطر هممهم ) وفي نسخة ( د ) ( وحدوه بتقدير منتج من خواطر هممهم ).
4 ـ الخلق بكسر الأول وفتح الثاني جمع الخلقة ، ولا يبعد أن يكون بفتح الأول وسكون الثاني والمختلفة فارغ الضمير ، والقوى بالرفع فاعله واللام في قوى بدلا عن الضمير الراجع إلى الخلق ، وفي النهج ( على الخلقة المختلفة القوى ).
5 ـ الفكر جمع الفكرة ، وفي النهج ( وحاول الفكر المبرأ ) وفي نسخة ( ج ) ( وحاولت الفكرة المبرأة ). والخطر بالفتح فالسكون مصدر بمعنى الخطور.
6 ـ مكيفا مصدر ميمي بمعنى التكييف والكيفية ، مفعول لتحوي ، أو على بناء المفعول صفة لمحذوف أي لتحوي منه تعالى شيئا مكيفا في صفاته ، أو حال من الضمير ، و في النهج ( وتولهت القلوب إليه لتجري في كيفية صفاته ).
7 ـ أي لطفت ودقت طرق تفكير العقول بحيث يمتنع وصفه أي وصف لطف الطرق وغموضها ، أو الضمير المنصوب يرجع إليه تعالى فالحيثية تعليل ، وفي النهج وفي نسخة ( ج ) ( في حيث ـ الخ ) ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( لتناول علم إلهيته ) وفي النهج ( لتناول علم ذاته ).


(52)
معترفة بأنه لا ينال بجوب الاعتساف كنه معرفته (1) ولا يخطر ببال أولي الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لأنه خلاف خلقه ، فلا شبه له من المخلوقين (2) وإنما يشبه الشيء بعديله ، فأما ما لا عديل له فكيف يشبه بغير مثاله ، وهو البدئ الذي لم يكن شيء قبله ، والآخر الذي ليس شيء بعده ، لا تناله الأبصار من مجد جبروته إذ حجبها بحجب لا تنفذ في ثخن كثافته (3) ولا تخرق إلى ذي العرش متانة خصائص ستراته (4) الذي صدرت الأمور عن مشيته ، وتصاغرت عزة المتجبرين دون جلال عظمته ، وخضعت له الرقاب ، وعنت الوجوه من مخافته (5) وظهرت في بدائع الذي أحدثها آثار حكمته (6) وصار
1 ـ ردعت جواب إذا ، ورجعت عطف بيان له أو بدل ، وفي النهج ونسخة ( و ) معطوفة عليه بالفاء ، والجواب قطع البلاد والسير فيها ، وسدف جمع سدفة بضم الأول بمعنى الباب أو بفتحة بمعنى الظلمة ، وفي نسخة ( ط ) و ( ج ) و ( ب ) ( محاوى سدف الغيوب ) بالحاء أي مجامعها ، وفي نسخة ( ن ) ( بجور الاعتساف ).
2 ـ في نسخة ( و ) و ( ج ) و ( ب ) و ( د ) ( في المخلوقين ).
3 ـ أي لا تنفذ الأبصار في ثخن كثافة الحجب ، هكذا في النسخ ، ومقتضى القاعدة كثافتها ، وفي حاشية نسخة ( ب ) ( إذ حجبها بحجاب ـ الخ ).
4 ـ أي ولا تخرق الأبصار متوجهة إلى الله ذي العرش ستراته المتينة الخصيصة به حتى تراه.
5 ـ في البحار وفي نسخة ( د ) وحاشية نسخة ( ب ) ( وعنت له الوجوه من مخافته ).
6 ـ أي في بدائع الله الذي أحدث الأمور ، والضمير المنصوب بأحدث لا يرجع إلى بدائع لأن الصلة لا تعمل في ما أضيف إلى الموصول لأن المضاف حينئذ يصير تعريفه بالموصول دوريا. وفي حاشية نسخة ( ب ) ( وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار حكمته ) فيستقيم الكلام ويرجع الضمير إلى البدائع ، وفي النهج ( وظهرت في البدائع التي أحدثها آثار صنعته وأعلام حكمته ).


(53)
كل شيء خلق حجة له ومنتسبا إليه (1) فإن كان خلقا صامتها فحجته بالتدبير ناطقة فيه ، فقدر ما خلق ، فأحكم تقديره ، ووضع كل شيء بلطف تدبيره موضعه ، ووجهه بجهة (2) فلم يبلغ منه شيء حدود منزلته (3) ولم يقصر دون الانتهاء إلى مشيته ، ولم يستعصب إذ أمره بالمضي إلى أرادته ، بلا معاناة للغوب مسه (4) ولا مكائدة لمخالف له على أمره (5) فتم خلقه ، وأذعن لطاعته ، ووافى الوقت الذي أخرجه إليه إجابة لم يعترض دونها ريث المبطئ ولا أناة المتلكئ (6) فأقام من
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) فصار كل شيء ـ الخ ).
2 ـ في النهج ( ووجهه لوجهته ).
3 ـ أي فلم يبلغ مما خلق شيء حدود منزلة الحق تعالى ، وفي البحار وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( ج ) ( فلم يبلغ منه شيء محدود منزلته ) وفي النهج ( فلم يتعد حدود منزلته ) أي فلم يتعد شيء حدود منزلته التي وضعها الله تعالى له ، وما في النهج أنسب بالفقرات السابقة.
4 ـ قوله. ( بلا معاناة ) متعلق بقوله : ( فقدر ما خلق ـ الخ ).
5 ـ في نسخة ( ب ) ( ولا مكابدة ) بالباء الموحدة والدال. وفي نسخة ( ط ) ولا مكابرة بالباء الموحدة والراء.
6 ـ أي ووافى كل شيء الوقت الذي أخرج ذلك الشيء إليه إجابة لأمره التكويني كإجابة السماء والأرض في قوله تعالى : ( ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ) قوله : ( لم يعترض ـ الخ ) صفه لإجابة ، واعترض دون الشيء أي حال دونه ، والمعنى إجابة لم يعترض دونها بطئ المبطئ ولا تأني المتوقف المتعلل ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) وفي حاشية نسخة ( ب ) ( ولا أناة المتكلئ ) وهو بمعنى المتأخر ، وهذا الكلام كناية عن عدم تأخر مراده تعالى عن إرادته فإنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون.


(54)
الأشياء أودها (1) ونهى معالم حدودها ، ولأم بقدرته بين متضادتها (2) ووصل أسباب قرائنها (3) وخالف بين ألوانها ، وفرقها أجناسا مختلفات في الأقدار والغرائز والهيئات ، بدايا خلائق أحكم صنعها ، وفطرها على ما أراد إذ ابتدعها ، انتظم علمه صنوف ذرئها ، وأدرك تدبيره حسن تقديرها.
    أيها السائل إعلم من شبه ربنا الجليل بتباين أعضاء خلقه وبتلاحم أحقاق مفاصلهم المحتجبة بتدبير حكمته أنه لم يعقد غيب ضميره على معرفته (4) ولم يشاهد قلبه اليقين بأنه لا ند له ، وكأنه لم يسمع بتبري التابعين من المتبوعين وهم يقولون :
    ( تالله أن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين ) (5) فمن ساوى ربنا بشيء فقد عدل به ، والعادل به كافر بما نزلت به محكمات آياته ، ونطقت به شواهد حجج بيناته ، لأنه الله الذي لم يتناه في العقول فيكون في مهب فكرها مكيفا ، وفي حواصل رويات همم النفوس محدودا مصرفا (6) المنشئ أصناف الأشياء بلا روية احتاج إليها ، ولا قريحة غريزة أضمر عليها ، ولا تجربة أفادها من مر حوادث
1 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( ب ) ( وأقام ـ الخ ).
2 ـ في النهج والبحار وفي نسخة ( ب ) و ( و ) ( ولاءم بقدرته ـ الخ ) من باب المفاعلة.
3 ـ في نسخة ( و ) ( ووصل أسباب قرابتها ).
4 ـ التلاحم : الالتصاق والالتيام بين الأجسام ، وأحقاق جمع حق بالضم وهو رأس الورك الذي فيه عظم الفخذ ورأس العضد الذي فيه الوابلة ، أي أن من شبه ربنا الجليل بالخلق ذي الأعضاء المتباينة والأحقاق المتلاحمة المحتجبة بالجلد واللحم كائنا ذلك بتدبير حكمته أنه لم يعرفه بقلبه ، وأن هذه خبر لأن الأولى. و ( من ) الموصولة بعدها اسمها.
5 ـ الشعراء : 98.
6 ـ حواصل جمع حوصلة وهي في الطيور بمنزلة المعدة ، وإضافتها إلى الرويات من قبيل إضافة الظرف إلى المظروف وفيها لطف.


(55)
الدهور (1) ولا شريك أعانه على ابتداع عجائب الأمور ، الذي لما شبهه العادلون بالخلق المبعض المحدود في صفاته ، ذي الأقطار والنواحي المختلفة فطبقاته ، و كان عزوجل الموجود بنفسه لا بأداته ، انتفى أن يكون قدروه حق قدره (2) فقال تنزيها لنفسه عن مشاركة الأنداد وارتفاعا عن قياس المقدرين له بالحدود من كفرة العباد : ( وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون ) (3) ما دلك القرآن عليه من صفته فاتبعه ليوصل بينك وبين معرفته (4) وأتم به (5) واستضئ بنور هدايته ، فإنها نعمة وحكمة أوتيتهما فخذ ما أوتيت وكن من الشاكرين ، وما دلك الشيطان عليه مما ليس في القرآن عليك فرضه ولا في سنة الرسول وأئمة الهدى أثره فكل علمه إلى الله عزوجل ، فإن ذلك منتهى حق الله عليك.
    واعلم أن الراسخين في العلم هم الذين أغناهم الله عن الاقتحام في السدد المضروبة دون الغيوب فلزموا الاقرار بجملة ما جهلوا تفسيره من الغيب المحجوب
1 ـ أقادها أي اقتناها واكتسبها ، وفي نسخة ( ج ) و ( و ) و ( ب ) أفادها من موجودات الدهور ، وفي حاشية نسخة ( د ) و ( ب ) ( استفادها من موجودات الدهور ) وفي النهج ( أفادها من حوادث الدهور ).
2 ـ قوله : ( وكان عزوجل الموجود ـ الخ ) عطف على مدخول ( لما ) أي الموجود بذاته الواحدة وحده حقيقية لا بأجزاء هي أداته وآلاته للإدراك والفعل كالإنسان ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) ( لا بآياته ) التي هي مخلوقاته فيكون موجودا بالغير ، فإن الوجود ينقسم إلى ما بالذات وما بالغير ، وقوله : ( انتفى ) جواب لما ، أي امتنع عن أن يكون في تقدير مقدر و تحديد محدد.
3 ـ الزمر : 67.
4 ـ في نسخة ( و ) و ( ج ) ( لتوسل بينك ـ الخ ).
5 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فأتم به ).


(56)
فقالوا : ( آمنا به كل من عند ربنا ) (1) فمدح الله عزوجل اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم يحيطوا به علما ، وسمى تركهم التعمق في ما لم يكلفهم البحث عنه منهم رسوخا ، فاقتصر على ذلك ، ولا تقدر عظمة الله ( سبحانه ) على قدر عقلك فتكون من الهالكين. 14 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثني علي بن العباس ، قال : حدثني جعفر بن محمد الأشعري ، عن فتح بن يزيد الجرجاني ، قال : كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام أسأله عن شيء من التوحيد فكتب إلي بخطه ـ قال جعفر : وإن فتحا أخرج إلى الكتاب فقرأته بخط أبي ـ الحسن عليه السلام :
    بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الملهم عباده الحمد ، وفاطرهم على معرفة ربوبيته ، الدال على وجوده بخلقه ، وبحدوث خلقه على أزله ، وبأشباههم على أن لا شبه له ، المستشهد آياته على قدرته ، الممتنع من الصفات ذاته (2) ومن الأبصار رؤيته ، ومن الأوهام الإحاطة به لا أمد لكونه ولا غاية لبقائه لا يشمله المشاعر و لا يحجبه الحجاب فالحجاب بينه وبين خلقه لامتناعه مما يمكن في ذواتهم ولا مكان ذواتهم مما يمتنع منه ذاته ، ولافتراق الصانع والمصنوع والرب والمربوب ، والحاد والمحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، الخالق لا بمعنى حركة (3) السميع لا بأداة ، البصير لا بتفريق آلة ، الشاهد لا بمماسة ، البائن لا ببراح مسافة (4) الباطن لابا جتنان ،
1 ـ الغيب المحجوب هنا والغيب المكنون الذي ذكر في الحديث الثالث هو مقام ذات الواجب الذي لا يناله أحد حتى الراسخين في العلم. والآية في آل عمران : 7.
2 ـ أي من الوصف إذ لا يدرك ذاته حتى توصف ، أو المعنى ليس مقام أحدية ذاته مقام الصفات والأسماء إذ ليس في ذلك المقام الشامخ اسم ولا صفة ولا إشارة ولا معرفة.
3 ـ أي ليس إيجاده بالحركة كإيجادنا.
4 ـ البراح بمعنى الزوال أي بائن عن خلقه لا ببعده عنهم بالمسافة ، وفي الكافي في باب جوامع التوحيد في حديث عن أبي عبد الله عليه السلام عن أمير المؤمنين عليه السلام وفي نهج البلاغة ( لا بتراخي مسافة ).


(57)
الظاهر لا بمحاذ ، الذي قد حسرت دون كنهه نواقد الأبصار (1) وامتنع وجوده جوائل الأوهام (2). أول الديانة معرفته ، وكمال المعرفة توحيده ، وكمال التوحيد نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة الموصوف أنه غير الصفة ، و شهادتهما جميعا على أنفسهما بالبينة الممتنع منها الأزل (3) فمن وصف الله فقد حده ومن حده فقد عده ، ومن عده فقد أبطل أزله ، ومن قال : كيف فقد استوصفه ، و من قال : على م فقد حمله ، ومن قال : أين فقد أخلى منه ، ومن قال : إلى م فقد وقته ، عالم إذ لا معلوم ، وخالق إذ لا مخلوق ، ورب إذ لا مربوب ، وإله إذ لا مألوه وكذلك يوصف ربنا ، وهو فوق ما يصفه الواصفون.
    15 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال حدثنا علي بن العباس ، قال : حدثنا الحسن بن محبوب ، عن حماد بن عمرو النصيبي ، قال : سألت جعفر بن محمد عليهما السلام عن التوحيد ، فقال : واحد ، صمد ، أزلي ، صمدي (4)
1 ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) ( الظاهر الذي قد حسرت دون كنهه نوافذ الأبصار ) وفي الكافي ( قد حسر كنهه نوافذ الأبصار ).
2 ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) ( واقمع وجوده ـ الخ ) ، وفي الكافي ( وقمع وجوده ـ الخ ) وفي نسخة ( د ) وحاشية نسخة ( ب ) ( واقمع وجوده جوائد الأوهام ).
3 ـ البينة كالجلسة مصدر بمعنى البينونة ، وفي الكافي ( بالتثنية الممتنعة من الأزل ) وفي نسخة ( ط ) ( بالبينة الممتنع فيها الأزل ) وفي حاشية نسخة ( ن ) ( بالبينة الممتنع بها الأزل ).
4 ـ النسبة للمبالغة كالأحدي ، وكذا فرداني وديمومي ، ولعله عليه السلام أراد به معنى و بما قبله معنى آخر فإن للصمد معاني تصح على الله تعالى يأتي ذكرها في الباب الرابع.


(58)
لا ظل له يمسكه ، وهو يمسك الأشياء بأظلتها (1) عارف بالمجهول ، معروف عند كل جاهل (2) فرداني ، لا خلقه فيه ولا هو في خلقه ، غير محسوس ولا مجسوس ولا تدركه الأبصار ، علا فقرب ، ودنا فبعد ، وعصى فغفر ، وأطيع فشكر ، لا تحويه أرضه ، ولا تقله سماواته ، وإنه حامل الأشياء بقدرته ، ديمومي ، أزلي ، لا ينسى ، ولا يلهو (3) ولا يغلط ، ولا يلعب ، ولا لإرادته فصل (4) وفصله جزاء ، و أمره واقع ، لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك ، ولم يكن له كفوا أحد.
    16 ـ وبهذا الإسناد ، عن علي بن العباس ، قال : حدثنا يزيد بن عبد الله عن الحسين بن سعيد الخزاز ، عن رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : الله غاية من غياه ، والمغيى ، غير الغاية ، توحد بالربوبية ، ووصف نفسه بغير محدودية ، فالذاكر الله غير الله ، والله غير أسمائه (5) وكل شيء وقع عليه اسم شيء سواه فهو
1 ـ للظل معان ، والكلام من العلماء والمفسرين في تفسير الظل في الكتاب والأحاديث كثير مختلف ، والأنسب الأقرب هنا أن يقال : الظل من كل شيء كنهه ووقاؤه الذي يصان به عن الفساد والبطلان ، وكل موجد إنما يصان عن الفساد والعدم بعلته ومبدئه فالمعنى أنه تعالى لا مبدأ له يمسكه ويصونه عن العدم. بل هو موجود بنفسه ممتنع عليه العدم وهو تعالى مبدء الأشياء يمسكها ويقيمها ويصونها عن التلاشي والعدم مع أظلتها أي مع مباديها الوسطية التي هي أيضا من جملة الأشياء الممكنة.
2 ـ أي عارف بما يجهله غيره ، ويعرفه كل أحد بفطرته وإن كان من الجهال.
3 ـ وفي نسخة ( ب ) ( ولا يلهم ) على بناء المجهول من الالهام.
4 ـ أي لا فصل بين إرادته ، ومراده ، أو لا مانع لإرادته بل هي نافذة في الأشياء كلها.
5 ـ النغيية جعل الشيء غاية للسلوك والحركة ، والغاية لا بد أن تقع في الذهن ابتداء السلوك حتى تكون باعثة له ، فمعنى الكلام أن الله تعالى يصح أن يجعله الإنسان غاية لسلوكه الانساني ولكن المغيي أي الذي يقع في الذهن قبل السلوك غير الله الذي هو غاية موصول بها بعد السلوك لأن ما هو واقع في الذهب محدود. والله تعالى وصف نفسه بغير محدودية فالذاكر الله الذي هو مفهوم واقع في ذكرك وذهنك ويوجب توجهك وسلوكك إلى الله تعالى غير الله الذي هو مصداق تام حقيقي لهذا المفهوم وموصل وموصول لك في سلوكك إليه ، فإذا كان هذا المفهوم غير الله فأسمائه التي تحكي عن هذه المفاهيم غير الله بطريق أولى ، بل هي مضافة إليه إضافة ما ، فما ذهب إليه قوم من اتحاد الاسم والمعنى باطل.


(59)
مخلوق (1) ألا ترى قوله : ( العزة لله ، العظمة لله ) ، وقال : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ) (2) وقال : ( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) (3) فالأسماء مضافة إليه ، وهو التوحيد الخالص (4).
    17 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي أبو الحسين (5) ، قال : حدثني موسى بن عمران ، عن الحسين ابن يزيد ، عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير ، عن عبد الله بن جرير العبدي ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام أنه كان يقول : الحمد لله الذي لا يحس ، ولا يجس ، ولا يمس
1 ـ قد استعمل الاسم في لسان الشرع الأقدس في اللفظ الدال وفي مفهوم اللفظ ، وبمعنى العلامة وفي صفة الشيء ، والمناسب هنا الأول والثاني ، فمعنى الكلام أن كل شيء وقع عليه لفظ الشيء أو مفهوم الشيء سوى الله تعالى فهو مخلوق وإن كان ذلك الشيء اسما من أسمائه تعالى أو مفهوما ينطبق عليه ، واستدل عليه السلام للثاني بإضافة العزة والعظمة إلى الله تعالى فإن الإضافة تدل على المغايرة لأن الشيء لا يضاف إلى نفسه ، واستدل للأول بالآيتين فإن المدعو غير المدعو به.
2 ـ الأعراف : 180.
3 ـ الإسراء : 110.
4 ـ أي تنزيهه تعالى عن أن يكون متحدا مع الاسم ، أو أن يكون هو تعالى ما يقع في الذهن ، هو التوحيد الخالص فإن كل ما صورتموه بأوهامكم في أدق المعاني فهو مخلوق لكم مردود إليكم فهو تعالى ذات ليست بنفس هذه الأسماء ولا هذه المفاهيم ولا بمصداقها على حد ما نتصوره من المصاديق الممكنة ، بل هو شيء لا كالأشياء ، وعالم لا كالعلماء ، وحي لا كالأحياء ، وقادر لا كالقادرين ، وهكذا.
5 ـ هو محمد بن جعفر بن محمد بن عون الأسدي الكوفي ، ثقة.


(60)
لا يدرك بالحواس الخمس ، ولا يقع عليه الوهم ، ولا تصفه الألسن ، فكل شيء حسته الحواس أو جسته الجواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق ، والله هو العلي حيث ما يبتغى يوجد ، والحمد لله الذي كان قبل أن يكون كان (1) لم يوجد لوصفه كان (2) بل كان أولا كائنا (3) لم يكونه مكون ، جل ثناؤه ، بل كون الأشياء قبل كونها (4) فكانت كما كونها ، علم ما كان وما هو كائن ، كان إذ لم يكن شيء ولم ينطق فيه ناطق (5) فكان إذ لا كان.
    18 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن بردة (6) ، قال : حدثني العباس بن عمرو الفقيمي ، عن
1 ـ هذه والجملة الأخيرة في الحديث والتي قبلها بمثابة واحدة ، أي كان قبل أن يكون شيء ، يقال فيه : كان كذا وكذا ، وكان إذ لا شيء ، يقال فيه : كان كذا وكذا ، كما يقال : صرت إلى كان وكنت أي صرت إلى أن يقال فيك : كان فلان كذا وكذا وكنت أنا فيما كنت من قبل ، وحاصل الكلام كله نفي أن يكون معه تعالى في أزليته شيء.
2 ـ أي لم يوجد لوصفه تغير فيقال : كان كذا ثم صار كذا ، وفي نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( لا يوجد ـ الخ ).
3 ـ في البحار في الجزء الثالث من الطبعة الحديثة ص 298 ( بل كان أزلا كان كائنا ـ الخ ) وفي نسخة ( ط ) ( بل كان أزلا كائنا ـ الخ ).
4 ـ قبلية التأثير على الأثر التي يقال لها التقدم بالعلية ، لا قبلية بالزمان فإن تكوين الشيء يمتنع أن يكون قبل كونه زمانا.
5 ـ أي في الله تعالى ، ويحتمل رجوع الضمير إلى شيء أي كان إذ لم يكن شيء ولم يكن ناطق فينطق في ذلك الشئ.
6 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( الحسين بن بردة ) وفي الكافي باب حدوث العالم روي حديثا عن الرضا عليه السلام مع رجلا من الزنادقة سنده هكذا : حدثني محمد بن جعفر الأسدي عن محمد بن إسماعيل البرمكي الرازي ، عن الحسين بن الحسن بن برد ( بدون التاء في آخر الكلمة ) الدينوري ـ الخ ، وما في الكافي مذكور في الكتاب في الباب السادس والثلاثين وليس في سنده هذا الرجل ، ولم أجد له ذكرا فيما عندي من كتب الرجال.
التوحيد ::: فهرس