التوحيد ::: 31 ـ 45
(31)
    1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن أبي عبد الله ، عن أبيه محمد بن خالد البرقي ، عن أحمد بن النضر ، وغيره ، عن عمرو بن ثابت ، عن رجل ـ سماه ـ عن أبي إسحاق السبيعي ، عن الحارث الأعور قال : خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يوما خطبة بعد العصر ، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكر من تعظيم الله جل جلاله ، قال : أبو إسحاق : فقلت للحارث : أوما حفظتها ؟ قال : قد كتبتها ، فأملاها علينا من كتابه :
    الحمد لله الذي لا يموت ، ولا تنقضي عجائبه ، لأنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن (1) الذي لم يولد فيكون في العز مشاركا ، ولم يلد فيكون موروثا هالكا ، ولم يقع عليه الأوهام فتقدره شبحا ماثلا (2) ولم تدركه الأبصار فيكون بعد انتقالها ، حائلا (3) الذي ليست له في أوليته نهاية ، ولا في آخريته حد ولا غاية ، الذي لم يسبقه وقت ، ولم يتقدمه زمان ، ولم يتعاوره (4) زيادة ولا نقصان ، ولم يوصف بأين ولا بمكان (5) الذي بطن من خفيات الأمور ، وظهر في العقول بما يرى في
1 ـ أي هو تعالى في كل وقت يوجد فيه بديعا من خلقه يكون في شأن إيجاد ذلك البديع فاليوم يوم ذلك الموجود البديع ووقته.
2 ـ في نسخة ( ج ) ( مماثلا ).
3 ـ أي فيكون تعالى بعد انتقال الأبصار متحولا متغيرا عن الحالة التي كان عليها من المقابلة والوضع الخاص والمحاذاة للأبصار ، وبعض الأفاضل قرأ بضم الأول على أن يكون مصدرا لبعد يبعد وفسر الحائل بالحاجز أي فيكون بعد انتقال الأبصار حاجزا من رؤيته تعالى ، وبعضهم قرأ خائلا بالخاء المعجمة أي متمثلا في القوة المتخيلة.
4 ـ تعاور القوم الشيء : تعاطوه وتداولوه. والتعاور : الورود على التناوب.
5 ـ في الكافي في باب جوامع التوحيد وفي البحار في الصفحة 265 من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ولم يوصف بأين ولا بما ولا بمكان ) أي ليست له ماهية وراء حقيقة الوجود حتى يسأل بما هو ويجاب بما هو ، والمراد بها الماهية بالمعنى الأخص المقابل للوجود ، وأما الماهية بالمعنى الأعم فلا شيء بدونها كما أثبتها له الإمام الصادق عليه السلام في جواب السائل بقوله : ( لا يثبت الشيء الابانية ومائية ) في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.


(32)
خلقه من علامات التدبير ، الذي سئلت الأنبياء عنه فلم تصفه بحد ولا بنقص (1) بل وصفته بأفعاله ، ودلت عليه بآياته (2) ولا تستطيع عقول المتفكرين جحده ، لأن من كانت السماوات والأرض فطرته وما فيهن وما بينهن وهو الصانع لهن ، فلا مدفع لقدرته (3) الذي بان من الخلق فلا شيء كمثله ، الذي خلق الخلق لعبادته (4) وأقدرهم على طاعته بما جعل فيهم ، وقطع عذرهم بالحجج ، فعن بينة هلك من هلك وعن بينة نجا من نجا ، ولله الفضل مبدئا ومعيدا.
    ثم إن الله وله الحمد افتتح الكتاب بالحمد لنفسه ، وختم أمر الدنيا ومجيء
1 ـ الظاهر أن المراد بالحد والنقص ما هو اصطلح عليه أهل الميزان في باب الحد والرسم ، ويحتمل أن يكون المراد بالحد التحدد بالحدود الجسمانية وغيرها وبالنقص الأوصاف الموجبة للنقص ، وفي نسخة ( ج ) ( ولا ببعض ) أي التركب والتبعض ، وكل ذلك منفى عنه تعالى لا يوصف به.
2 ـ كما قال الخليل : ( ربي الذي يحيي ويميت ). وقال الكليم في جواب فرعون حيث قال : ( وما رب العالمين : رب السماوات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين ) وقال المسيح : ( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم ) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وآله بلسان الوحي في القرآن من آيات كثيرة في ذلك ، وأبلغ ما أجيب في هذا المقام ما قاله الإمام الصادق عليه السلام في جواب الزنديق الذي سأله عنه : ( هو شيء بخلاف الأشياء ارجع بقولي شيء إلى إثبات معنى وأنه شيء بحقيقة الشيئية ) ويأتي هذا في الحديث الأول من الباب السادس والثلاثين.
3 ـ المراد به الاعتقادي الذي يرجع إلى معنى الجحد والانكار ، أي فلا منكر لقدرته مع ظهور آثارها في السماوات والأرض ، أو الدفع الفعلي ، أي لا يمانعه ولا يدافعه أحد في قدرته لأن كل ما سواه مفطور مخلوق له ، والأول أنسب بما قبله ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فلا مدافع لقدرته ).
4 ـ ليست العبادة الغاية النهائية بل هي غاية قريبة ، والنهائية هي ما تترتب على العبادة وهي القرار في جوار رحمته تعالى على ما نطق به التنزيل حيث قال تعالى :
    ( إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) على ما فسرت الآية في الحديث العاشر من الباب الثاني والستين.


(33)
الآخرة بالحمد لنفسه ، فقال : ( وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين ) (1).
    الحمد لله اللابس الكبرياء بلا تجسد ، والمرتدي بالجلال بلا تمثل ، والمستوي على العرش بلا زوال ، والمتعالي عن الخلق بلا تباعد منهم ، القريب منهم بلا ملامسة منه لهم ، ليس له حد ينتهي إلى حده ، ولا له مثل فيعرف بمثله ، ذل من تجبر غيره ، وصغر من تكبر دونه ، وتواضعت الأشياء لعظمته ، وانقادت لسلطانه و عزته ، وكلت عن إدراكه طروف العيون ، وقصرت دون بلوغ صفته أوهام الخلائق ، الأول قبل كل شيء والآخر بعد كل شيء ، ولا يعد له شيء ، الظاهر على كل شيء بالقهر له ، والمشاهد لجميع الأماكن بلا انتقال إليها ، ولا تلمسه لامسة ولا تحسه حاسة ، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، وهو الحكيم العليم ، أتقن ما أراد خلقه من الأشياء كلها بلا مثال سبق إليه ، ولا لغوب دخل عليه في خلق ما خلق لديه ، ابتدأ ما أراد ابتداءه ، وأنشأ ما أراد إنشاءه على ما أراده من الثقلين الجن والإنس لتعرف بذلك ربوبيته ، وتمكن فيهم طواعيته.
    نحمده بجميع محامده كلها على جميع نعمائه كلها ، ونستهديه لمراشد أمورنا ونعوذ به من سيئات أعمالنا ، ونستغفره للذنوب التي سلفت منا ، ونشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله ، بعثه بالحق دالا عليه وهاديا إليه ، فهدانا به من الضلالة ، واستنقذنا به من الجهالة ، من يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما ، ونال ثوابا كريما ، ومن يعص الله ورسوله فقد خسر خسرانا مبينا ، واستحق عذابا أليما ، فانجعوا (2) بما يحق عليكم من السمع والطاعة وإخلاص النصحية وحسن المؤازرة وأعينوا أنفسكم بلزوم الطريقة المستقيمة ، وهجر الأمور المكروهة ، وتعاطوا
1 ـ الزمر : 75.
2 ـ الانجاع : الافلاح ، أو هو ثلاثي من النجعة بمعنى طلب الكلاء من موضعه ، أي فاطلبوا بذلك ما ينفعكم لتعيش الآخرة كما ينفع الكلاء لتعيش الدنيا.


(34)
الحق بينكم ، وتعانوا عليه ، وخذوا على يدي الظالم السفيه ، مروا بالمعروف ، وانهو عن المنكر ، واعرفوا لذوي الفضل فضلهم ، عصمنا الله وإياكم بالهدي ، و ثبتنا وإياكم على التقوى ، وأستغفر الله لي ولكم.
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن عمر والكاتب ، عن محمد بن زياد القلزمي (1) ، عن محمد بن أبي زياد الجدي صاحب الصلاة بجدة ، قال : حدثني محمد بن يحيى بن عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه السلام يتكلم بهذا الكلام عند المأمون في التوحيد ، قال ابن أبي زياد : ورواه لي أيضا أحمد بن عبد الله العلوي مولى لهم وخالا (*) لبعضهم عن القاسم بن أيوب العلوي أن المأمون لما أراد أن يستعمل الرضا عليه السلام على هذا الأمر جمع بني هاشم فقال : إني أريد أن أستعمل الرضا على هذا الأمر من بعدي ، فحسده بنو هاشم ، وقالوا : أتولي رجلا جاهلا ليس له بصر (2) بتدبير الخلافة ؟!
    فابعث إليه رجلا يأتنا فترى من جهله ما يستدل به عليه ، فبعث إليه فأتاه ، فقال له بنو هاشم : يا أبا الحسن اصعد المنبر وانصب لنا علما (3) نعبد الله عليه ، فصعد عليه السلام المنبر ، فقعد مليا لا يتكلم مطرقا ، ثم انتفض انتفاضة (4). واستوى قائما ، وحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على نبيه وأهل بيته.
    ثم قال : أول عبادة الله معرفته ، وأصل معرفة الله توحيده ، ونظام توحيد ـ
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) وحاشية ( ط ) ( محمد بن زياد القلمزي ) بتقديم الميم على الزاي ، وفي ( د ) ( العلوي ) وفي ( ج ) ( العامري ) وفي عيون أخبار الرضا عليه السلام ( القلوني ) و في نسخة منه ( العرزمي ) ولم أجده.
* ـ كذا.
2 ـ وهكذا في العيون وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) ( ليس له بصيرة ).
3 ـ بالفتحتين ، ويحتمل كسر الأول وسكون الثاني.
4 ـ نفض الثوب : حركة لينتفض ، ونفض المكان نظر جميع ما فيه حتى يتعرفه. و نفض الطريق تتبعها.


(35)
الله تفي الصفات عنه (1) لشهادة العقول أن كل صفة وموصوف مخلوق (2) وشهادة كل مخلوق أن له خالقا ليس بصفة ولا موصوف ، وشهادة كل صفة وموصوف بالاقتران ، وشهادة الاقتران بالحدث ، وشهادة الحدث بالامتناع من الأزل الممتنع من الحدث ، فليس الله عرف من عرف بالتشبيه ذاته ، ولا إياه وحده من اكتنهه (3) ولا حقيقة أصاب من مثله ، ولا به صدق من نهاه (4) ولا صمد صمده من أشار إليه (5) ولا إياه عنى من شبهه ، ولا له تذلل من بعضه ، ولا إياه أراد من توهمه ، كل معروف بنفسه مصنوع (6) وكل قائم في سواه معلول ، بصنع الله يستدل عليه و بالعقول يعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجته (7). خلق الله حجاب بينه
1 ـ هذا الكلام كثير الدور في الكلمات أئمتنا سلام الله عليهم ، والمراد به أنه تعالى ليس له صفة مغايرة لذاته بالحقيقة بل ذاته المتعالية نفس كل صفة ذاتية كما يأتي التصريح به في بعض الأخبار في باب العلم وباب صفات الذات خلافا للأشاعرة حيث قالوا : ( إن كل مفهوم من مفاهيم الصفات الذاتية كالعلم والقدرة له حقيقة مغايرة لحقيقة الذات ) ، وفي بعض كلماتهم عليهم السلام يمكن تفسير نفي الصفات بنفي الوصف كما نزه نفسه تعالى في الكتاب عن وصف الواصفين.
2 ـ أي كل مركب من الصفة والموصوف.
3 ـ الاكتناه طلب الكنه ، فإن من طلب كنهه تعالى لم يوحده بل جعله مثلا للممكنات التي يمكن اكتناهها.
4 ـ التنهية جعل الشيء ذا نهاية بحسب الاعتقاد أو الخارج.
5 ـ أي لا قصد نحوه ولم يتوجه إليه بل توجه إلى موجود آخر لأنه أينما تولوا فثم وجه الله ، فليس له جهة خاصة حتى يشار إليه في تلك الجهة.
6 ـ أي كل ما عرف بذاته وتصور ماهيته فهو مصنوع ، وهذا لا ينافي قول أمير المؤمنين عليه السلام : ( يا من دل على ذاته بذاته ) ولا قول الصادق عليه السلام : ( اعرفوا الله بالله ) لأن معنى ذلك أنه ليس في الوجود سبب لمعرفة الله تعالى إلا الله لأن الكل ينتهي إليه ، فالباء هنا للالصاق و المصاحبة أي كل معروف بلصوق ذاته ومائيته ومصاحبتها لذات العارف بحيث أحاط به إدراكا فهو مصنوع ، وهنالك للسببية.
7 ـ أي لولا الفطرة التي فطر الناس عليها لم تنفع دلالة الأدلة وحجية الحجج.


(36)
وبينهم (1) ومباينته إياهم مفارقته إنيتهم ، وابتداؤه إياهم دليلهم على أن لا ابتداء له لعجز كل مبتدء عن ابتداء غيره ، وأدوه إياهم دليل على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المتأدين (2) وأسماؤه تعبير ، وأفعاله تفهيم ، وذاته حقيقة ، وكنهه تفريق بينه وبين خلقه ، وغبوره تحديد لما سواه (3) فقد جهل الله من استوصفه ، وقد تعداه من اشتمله (4) وقد أخطأه من اكتنهه ، ومن قال : كيف فقد شبهه ، و من قال : لم فقد علله ، ومن قال : متى فقد وقته ، ومن قال : فيم فقد ضمنه ، ومن قال : إلى م فقد نهاه ، ومن قال. حتى م فقد غياه (5) ومن غياه فقد غاياه ، ومن
1 ـ ( خلق الله ) على صيغة المصدر مبتدء مضاف إلى فاعله والخلق مفعوله ، وحجاب خبر له. وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( د ) ( خلقة الله ـ الخ ) ، والكلام في الحجاب بينه وبين خلقه طويل عريض عميق لا يسعه التعليق وفي كثير من أحاديث هذا الكتاب مذكور ببيانات مختلفة فليراجع.
2 ـ آدوه على وزان فلس مصدر جعلى من الأداة مضاف إليه تعالى ، أي جعله إياهم ذوي أدوات وآلات في إدراكاتهم وأفعالهم ، وكذا أدوته بزيادة التاء في نسخة ( و ) و ( د ) و ( ب ) و ( ج ). والمتأدين أيضا من هذه المادة جمع لاسم الفاعل من باب التفعل أي من يستعمل الأدوات في أموره ، وأما ادواؤه على صيغة المصدر من باب الأفعال كما في نسخة ( ط ) و ( ن ) وكذا ( المادين ) على صيغة اسم الفاعل من مد يمد كما في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) فخطأ من النساخ لعدم توافق المادة في الموضوعين وعدم تناسب المعنى. وفي العيون ( وادواؤه إياهم دليلهم على أن لا أداة فيه لشهادة الأدوات بفاقة المؤدين ) وهكذا في تحف العقول في خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام إلا أن فيه ( وايداؤه إياهم شاهد على أن لا أداة فيه ).
3 ـ بالباء الموحدة مصدر بمعنى البقاء أي بقاؤه الملازم لعدم محدوديته محدد لما سواه ، وفي نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( و ) بالياء المثناة وعلى هذا فهو مصدر بمعنى المغايرة لا جمع الغير ، وفي نسخة ( د ) و ( ب ) ( وغبوره تجديد لما سواه ) بالجيم أي قدمه يوجب حدوث ما سواه.
4 ـ الاشتمال هو الإحاطة ، أي من أحاط بشيء تصور أو توهم إنه الله تعالى فقد تجاوز عن مطلوبه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( أشمله ) من باب الأفعال.
5 ـ أي من توهم إنه تعالى ذو نهايات وسأل عن حدوده ونهاياته فقد جعل له غايات ينتهي إليها ، ومن جعل له غايات فقد جعل المغاياة بينه وبين غيره بجعل الحد المشترك بينهما ، ومن جعله كذلك فقد جعله ذا أجزاء ، ومن توهمه كذلك فقد وصفه بصفة المخلوق ومن وصفه بها فقد ألحد فيه ، والالحاد هو الطعن في أمر من أمور الدين بالقول المخالف للحق المستلزم للكفر.


(37)
غاياه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد وصفه ، ومن وصفه فقد ألحد فيه ، لا يتغير الله بانغيار المخلوق ، كما لا يتحدد بتحديد المحدود ، أحد لا بتأويل عدد ، ظاهر لا بتأويل المباشرة ، متجل لا باستهلال رؤية ، باطن لا بمزايلة ، مبائن لا بمسافة ، قريب لا بمداناة ، لطيف لا بتجسم ، موجود لا بعد عدم ، فاعل لا باضطرار ، مقدر لا بحول فكرة (1) مدبر لا بحركة ، مريد لا بهمامة ، شاء لا بهمة ، مدرك لا بمجسة (2) سميع لا بآلة ، بصير لا بأداة.
    لا تصحبه الأوقات ، ولا تضمنه الأماكن ، ولا تأخذه السنات (3) ولا تحده الصفات ، ولا تقيده الأدوات (4) سبق الأوقات كونه. والعدم وجوده ، والابتداء أزاله ، بتشعيره المشاعر عرف أن لا مشعر له (5) وبتجهيره الجواهر عرف أن لا جوهر له ، وبمضادته بين الأشياء عرف أن لا ضد له ، وبمقارنته بين الأمور عرف أن لا قرين له ضاد النور بالظلمة ، والجلاية بالبهم ، والجسو بالبلل (6) ، والصرد بالحرور ، مؤلف بين متعادياتها ، مفرق بين متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، ذلك قوله عزوجل : ( ومن كل شيء خلقنا زوجين
1 ـ أي بقوة الفكرة ، وفي نسخة ( د ) و ( ن ) بالجيم.
2 ـ المجسة : آلة الجس.
3 ـ جمع السنة وهي النعاس ، وفي حاشية نسخة ( ب ) و ( د ) ( السبات ) بالباء الموحدة :
    على وزان الغراب وهو النوم ، أو أوله أو الراحة من الحركات فيه.
4 ـ في نسخة ( ط ) ( ولا تفيده الأدوات ) من الإفادة.
5 ـ لعلو الصانع عن مرتبة ذات المصنوع وكذا فيما يشابه هذه من الفقرات الآتية.
6 ـ جسا يجسو جسوا : يبس وصلب.


(38)
لعلكم تذكرون ) (1) ففرق بها بين قبل وبعد ليعلم أن لا قبل له ولا بعد ، شاهدة بغرائزها أن لا غريزة لمغرزها ، دالة بتفاوتها أن لا تفاوت لمفاوتها (2) ، مخبرة بتوقيتها أن لا وقت لموقتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم أن لا حجاب بينه وبينها غيرها (3) له معنى الربوبية إذ لا مربوب (4) وحقيقة الإلهية إذ لا مألوه (5) ومعنى العالم ولا معلوم ، ومعنى الخالق ولا مخلوق ، وتأويل السمع ولا مسموع (6) ليس منذ خلق استحق معنى الخالق ، ولا باحداثه البرايا استفاد معنى البارئية (6) كيف (7) ولا تغيبه مذ ، ولا تدنيه قد ، ولا تحجبه لعل ، ولا توقته متى ، ولا تشمله حين ،
1 ـ الذاريات : 49 ، والآية إما استشهاد للمضادة فالمعنى : ومن كل شيء خلقنا ضدين كالأمثلة المذكورة بخلافه تعالى فإنه لا ضد له ، أو استشهاد للمقارنة فالمعنى : ومن كل شيء خلقنا قرينين فإن كل شيء له قرين من سنخه أو مما يناسبه بخلاف الحق تعالى ، والأول أظهر بحسب الكلام هنا ، والثاني أولى بحسب الآيات المذكور فيها لفظ الزوجين.
2 ـ إثبات التفاوت هنا لا ينافي قوله تعالى : ( ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ) لأن ما في الآية بمعنى عدم التناسب.
3 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) وفي البحار : ( من غيرها ).
4 ـ كل كلام نظير هذا على كثرتها في أحاديث أئمتنا سلام الله عليهم يرجع معناه إلى أن كل صفة كمالية في الوجود ثابتة له تعالى بذاته ، لا أنها حاصلة له من غيره ، وهذا مفاد قاعدة ( أن الواجب الوجود لذاته واجب لذاته من جميع الوجوه ).
5 ـ الإلهية إن أخذت بمعنى العبادة فالله مألوه والعبد آله متأله ، وأما بمعنى ملك التأثير والتصرف خلقا وأمرا كما هنا وفي كثير من الأحاديث فهو تعالى إله والعبد مألوه ، وعلى هذا فسر الإمام عليه السلام ( الله ) في الحديث الرابع من الباب الحادي والثلاثين.
6 ـ إنما غير أسلوب الكلام وقال : ( وتأويل السمع ) إذ ليس له السمع الذي لنا بل سمعه يؤول إلى علمه بالمسموعات ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) كلمة إذ في الفقرات الثلاثة الأخيرة مكان الواو أيضا.
6 ـ في أكثر النسخ ( البرائية ) وفي نسخة ( ن ) والبحار ( البارئية ) كما في المتن.
7 ـ أي كيف لا يستحق معنى الخالق والبارئ قبل الخلق والحال أنه لا تغيبه مذ التي هي لابتداء الزمان عن فعله أي لا يكون فعله وخلقه متوقفا على زمان حتى يكون غائبا عن فعله بسبب عدم الوصول بذلك الزمان منتظرا لحضور ابتدائه ، ولا تقربه قد التي هي لتقريب زمان الفعل فلا يقال : قد قرب وقت فعله لأنه لا ينتظر وقتا ليفعل فيه بل كل الأوقات سواء النسبة إليه ، ولا تحجبه عن مراده لعل التي هي للترجي أي لا يترجى شيئا لشيء مراد له له بل ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) ولا توقته في مبادى أفعاله ( متى ) أي لا يقال :
    متى علم ، متى قدر ، متى ملك لأن له صفات كما له ومبادي أفعاله لذاته من ذاته أزلا كأزلية وجوده ، ولا تشمله ولا تحدده ذاتا وصفه وفعلا ( حين ) لأنه فاعل الزمان ، ولا تقارنه بشيء ( مع ) أي ليس معه شيء ولا في مرتبته شيء في شيء ، ومن كان كذلك فهو خالق بارئ قبل الخلق لعدم تقيد خلقه وإيجاده بشيء غيره ، فصح أن يقال : له معنى الخالق إذ لا مخلوق ، وفي نسخة ( ج ) يغيبه وما بعدها من الأفعال بصيغة التذكير.


(39)
ولا تقارنه مع ، إنما تحد الأدوات أنفسها ، وتشير الآلة إلى نظائرها (1) وفي الأشياء يوجد فعالها (2) منعتها منذ القدمة ، وحمتها قد الأزلية ، وجبتها لولا التكملة (3) افترقت فدلت على مفرقها ، وتباينت فأعربت من مباينها لما تجلى صانعها للعقول (4)
1 ـ أي إنما يتقيد في الفعل والتأثير بالأدوات أمثالها في المحدودية والجسمانية ، و لا يبعد أن يكون ( تحد ) على صيغة المجهول فلا يفسر أنفسها بأمثالها ، وإشارة الآلة كناية عن التناسب أي تناسب الآلة نظائرها وأمثالها في المادية والجسمانية والمحدودية.
2 ـ أي في الأشياء الممكنة توجد تأثيرات الآلات والأدوات ، وأما الحق تعالى فمنزه عن ذلك كله.
3 ـ منذ وقد ولولا فواعل للأفعال الثلاثة والضمائر مفاعيل أولى لها والقدمة والأزلية والتكملة مفاعيل ثواني ، والمعنى أن اتصاف الأشياء بمعاني منذ وقد ولولا وتقيدها بها يمنعها عن الاتصاف بالقدم والأزلية والكمال في ذاتها فإن القديم الكامل في ذاته لا يتقيد بها ، والأظهر أن الضمائر المؤنثة من قوله : منعتها إلى قوله : عرفها الاقرار ترجع إلى الأشياء.
4 ـ لما تجلى متعلق بدلت وأعربت ، و ( ما ) مصدرية ، وفي البحار وفي هامش نسخة ( و ) ( بها تجلى صانعها للعقول ) فجملة مستقلة.


(40)
وبها احتجب عن الرؤية ، وإليها تحاكم الأوهام ، وفيها أثبت غيره (1) ومنها أنيط الدليل (2) وبها عرفها الاقرار ، وبالعقول يعتقد التصديق بالله ، وبالاقرار يكمل الإيمان به ، ولا ديانة إلا بعد المعرفة ولا معرفة إلا بالاخلاص ، ولا إخلاص مع التشبيه ، ولا نفي مع إثبات الصفات للتشبيه (3) فكل ما في الخلق لا يوجد في خالقه ، وكل ما يمكن فيه يمتنع من صانعه ، لا تجري عليه الحركة والسكون ، وكيف يجري عليه ما هو أجراه ، أو يعود إليه ما هو ابتدأه (4) إذا لتفاوتت ذاته ، ولتجز أكنهه ، ولامتنع من الأزل معناه ، ولما كان للبارئ معنى غير المبروء ، و لوحد له وراء إذا حد له أمام ، ولو التمس له التمام إذا لزمه النقصان ، كيف يستحق الأزل من لا يمتنع من الحدث ، وكيف ينشئ الأشياء من لا يمتنع من الانشاء ، إذا لقامت فيه آية المصنوع ، ولتحول دليلا بعد ما كان مدلولا عليه ، ليس في محال القول حجة (5) ولا في المسألة عنه جواب ، ولا في معناه له تعظيم ، ولا في إبانته عن الخلق ضيم ، إلا بامتناع الأزلي أن يثنى وما لا بدأ له أن يبدأ (6) ، لا إله إلا الله
1 ـ غيره بفتح الأول وسكون الثاني مصدر بمعنى التغير أي في الأشياء أثبت التغير والاختلاف من عنده تعالى بحسب حدودها الامكانية وباعتبارها ، وأما لولا اعتبار الحدود ففيضه الفائض على الأشياء ورحمته الواسعة كل شيء وتوحيده الساري على هياكل الممكنات واحد ، ويمكن أن يقرأ بكسر الأول وفتح الثاني بمعنى الأحداث المغيرة لأحوال الشيء أي في الأشياء أثبت ذلك ، وفي نسخة ( ج ) ( عزه ) بالعين والزاي المشددة.
2 ـ أنيط بالنون والياء المثناة مجهول أناط بمعنى علق ووصل أي من الأشياء يوصل بالدليل عليه ، وفي نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ط ) بالنون والباء الموحدة أي من الأشياء انبط و أخرج الدليل عليه وعلى صفاته.
3 ـ أي لا نفي لتشبيهه تعالى بالمخلوق مع إثبات الصفات الزائدة له.
4 ـ في نسخة ( ط ) وفي البحار ( أو يعود فيه ـ الخ ).
5 ـ من إضافة الصفة إلى الموصوف ، والقول المحال هو القول المخالف للحق الواقع.
6 ـ أي ليس في القول بأنه تعالى بائن عن خلقه في ذاته وصفاته وأفعاله ظلم وافتراء إلا أن القديم الأزلي يمتنع عن التركب والأثنينية وأن الذي لا أول له يمتنع أن يكون مبدوءا مخلوقا ، وهذا من قبيل تأكيد المدح بما يشبه الذم كما في قول النابغة الذبياني.
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب
    وفي نسخة ( د ) و ( ب ) ( ولا بامتناع الأزلي أن يثنى ) وهو عطف على ما قبله ، أي و ليس في امتناع الأزلي من الاثنينية وامتناع ما لا بدء له من الابتداء ضيم ، وفي نسخة ( ن ) و ( و ) و ( ج ) ( ولا بامتناع الأزلي أن ينشأ ).


(41)
العلي العظيم ، كذب العادلون بالله ، وضلوا ضلالا بعيدا ، وخسروا خسرانا مبينا ، وصلى الله على محمد النبي وآله الطيبين الطاهرين.
    3 ـ حدثنا علي بن أحمد بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ـ رحمه الله ـ قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، وأحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، عن بكر بن عبد الله ابن حبيب ، عن تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي معاوية ، عن الحصين بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، أن أمير المؤمنين عليه السلام استنهض الناس في حرب معاوية في حرب معاوية في المرة الثانية فلما حشد الناس قام خطيبا فقال : الحمد لله الواحد الأحد الصمد المتفرد ، الذي لا من شيء كان ، ولا من شيء خلق ما كان ، قدرته (1) بان بها من الأشياء ، وبانت الأشياء منه ، فليست له
1 ـ في الكافي : ( قدرة ) بلا إضافة إلى ضميره أي له قدرة أو هو بذاته قدرة ، وقرأ المولى صدرا الشيرازي في شرحه للكافي بالفاء الموحدة المكسورة وجعلها اسما لكان وجعل ما الداخلة عليها نافية ، والقدرة في اللغة بمعنى القطعة من الشيء ، ومعنى الكلام على هذا :
    ما كان له تعالى قدرة وجزء بها امتاز عن الأشياء وامتازت الأشياء منه كما هو الشأن في الأشياء المشتركة في تمام الحقيقة أو في بعض الحقيقة إذ ليس له ما به الاشتراك في الحقيقة مع غيره لأنه وجود بحت ونور صرف وغيره ماهيات عرضها الوجود فليست له صفة تنال و لا حد يضرب له الأمثال ، وهذا أقرب من جهة التفريع ومن جهة أن القدرة ليست لها خصوصية بها يحصل الامتياز والبينونة له تعالى عن غيره دون سائر الصفات ، بل هو تعالى ممتاز من غيره بذاته التي كل من صفاتها عينها.


(42)
صفة تنال ، ولا حد يضرب له الأمثال ، كل دون صفاته تعبير اللغات (1) وضل هنالك تصاريف الصفات ، وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير ، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير ، وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب ، وتاهت في أدني أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور (2) فتبارك الله الذي لا يبلغه بعد الهمم ، ولا يناله غوص الفطن ، وتعالى الله الذي ليس له وقت معدود ، ولا أجل ممدود ، ولا نعت محدود ، وسبحان الذي ليس له أول مبتدء ، ولا غاية منتهى ، ولا آخر يفنى ، سبحانه ، هو كما وصف نفسه ، والواصفون لا يبلغون نعته ، حد الأشياء كلها عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها ، فلم يحلل فيها فيقال : هو فيها كائن (3) ولم ينأ عنها فيقال : هو منها بائن ، ولم يخل منها فيقال له : أين ، لكنه سبحانه أحاط بها علمه ، وأتقنها صنعه ، وأحصاها حفظه ، لم يعزب عنه خفيات غيوب الهوى (4) لا غوامض مكنون ظلم الدجى ، ولا ما في السماوات العلى والأرضين السفلى ، لكل شيء منها حافظ ورقيب ، وكل شيء منها بشيء محيط (5) والمحيط بما أحاط منها الله الواحد الأحد الصمد الذي لم تغيره صروف الأزمان ولم يتكاده
1 ـ في نسخة ( ج ) و ( و ) ( تحبير اللغات ).
2 ـ أي تحيرت في أدنى أداني الحجب العقول الطامحة المرتفعة في الأمور اللطيفة و العلوم الدقيقة.
3 ـ فلم يحلل فيها بالحلول المكيف كحلول بعض الأشياء في بعض ، فلا ينافي قوله صلوات الله عليه : ( داخل في الأشياء لا بالكيفية ). وفي موضع آخر : ( داخل في الأشياء لا كدخول شيء في شيء ). في موضع آخر : ( داخل في الأشياء لا بالممازجة.
4 ـ أي لم يعزب عنه خفيات الأهواء الغائبة عن الادراك في صدور العالمين فإنه عليم بذات الصدور ، وفي الكافي ( غيوب الهواء ) بالمد وهو الجو المحيط والذي فيه مما يستنشقه الحيوان.
5 ـ إحاطة التأثير والعلية لا الجسمية كما هو مقتضى وحده السياق لأن إحاطة الحق تعالى بالمحيط بالكل ليست جسمية ، وضمير منها محتمل الرجوع إلى الأشياء وإلى السماوات والأرضين.


(43)
صنع شيء كان ، إنما قال لما شاء أن يكون : كن فكان ، ابتدع ما خلق بلا مثال سبق ، ولا تعب ولا نصب ، وكل صانع شيء فمن شيء صنع ، والله لا من شيء صنع ما خلق ، وكل عالم فمن بعد جهل تعلم ، والله لم يجهل ولم يتعلم ، أحاط بالأشياء علما قبل كونها فلم يزدد بكونها علما ، علمه بها قبل أن يكونها كعلمه بعد تكوينها ، لم يكونها لشدة سلطان ، ولا خوف من زوال ولا نقصان ، ولا استعانة على ضد مثاور (1) ولا ند مكاثر ، ولا شريك مكائد (2) لكن خلائق مربوبون ، وعباد داخرون ، فسبحان الذي لا يؤده خلق ما ابتدأ ، ولا تدبير ما برأ ، ولا من عجز ولا من فترة بما خلق اكتفى ، علم ما خلق وخلق ما علم لا بالتفكر ، ولا بعلم حادث أصاب ما خلق ، ولا شبهة دخلت عليه فيما لم يخلق ، لكن قضاء مبرم ، وعلم محكم ، وأمر متقن ، توحد بالربوبية ، وخص نفسه بالوحدانية ، واستخلص المجد والثناء ، فتمجد بالتمجيد ، وتحمد بالتحميد ، وعلا عن اتخاذ الأبناء ، وتطهر وتقدس عن ملامسة النساء (3) وعزوجل عن مجاورة الشركاء ، فليس له فيما خلق ضد ، ولا فيما ملك ند ، ولم يشرك في ملكه أحد (4) الواحد الأحد الصمد المبيد للأبد ، و الوارث ، للأمد (5) الذي لم يزل ولا يزال وحدانيا أزليا قبل بدء الدهور وبعد
1 ـ المثاورة من الثورة ، وفي البحار بالسين وهو بمعناه ، وفي نسخة ( د ) ( مشارد ) والمشاردة بمعنى المطاردة ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) « مشاور » بالشين المعجمة وهو من خطأ النساخ ، وفي الكافي « ضد مناو » أي معاد.
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( ن ) « شريك مكابد » بالباء الموحدة والدال ، وفي الكافي « مكابر » بالباء الموحدة والراء.
3 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) « عن ملابسة النساء » وهو مأخوذ من الآية الكنائية.
4 ـ في نسخة ( ب ) « ولم يشرك في حكمه أحد ».
5 ـ أي المهلك المفني للأبد والدهر فإن الدهر والزمان ليس في جنب أزليته وسرمديته إلا كان. وهو الوارث الباقي بعد فناء الغايات ووصول النهايات ، وفي نسخة ( ج ) « المؤبد للأبد » وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ليس الأبد والأمد مصدرين بلام التقوية ، وقوله : « الذي ـ إلى قوله : ـ صرف الأمور » تفسير لهذا الذي قبله.


(44)
صرف الأمور ، الذي لا يبيد ولا يفقد (1) بذلك أصف ربي ، فلا إله إلا الله من عظيم ما أعظمه ، وجليل ما أجله ، وعزيز ما أعزه ، وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
    وحدثنا بهذه الخطبة أحمد بن محمد بن الصقر الصائغ ، قال : حدثنا محمد بن العباس بن بسام ، قال : حدثني أبو زيد سعيد بن محمد البصري ، قال : حدثتني عمرة بنت أوس (2) قالت : حدثني جدي الحصين بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي ـ عبد الله جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام ، أن أمير المؤمنين عليه السلام خطب بهذه الخطبة لما استنهض الناس في حرب معاوية في المرة الثانية.
    4 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد ابن الحسن الصفار ، وسعد بن عبد الله جميعا ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، والهيثم بن أبي مسروق النهدي ، ومحمد بن الحسين بن أبي الخطاب كلهم ، عن الحسن بن محبوب ، عن عمرو بن أبي المقدام ، عن إسحاق بن غالب ، عن أبي عبد الله ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله في بعض خطبه :
    الحمد لله الذي كان في أوليته وحدانيا ، وفي أزليته متعظما بالإلهية ، متكبرا بكبريائه وجبروته (3) ابتدأ ما ابتدع ، وأنشأ ما خلق على غير مثال كان سبق بشيء مما خلق ، ربنا القديم بلط ف ربوبيته وبعلم خبره فتق (4) وبإحكام قدرته خلق جميع ما خلق ، وبنور الاصباح فلق ، فلا مبدل لخلقه ، ولا مغير لصنعه ، ولا معقب لحكمه ، ولا راد لأمره ، ولا مستراح عن دعوته (5) ولا زوال لملكه ،
1 ـ في الكافي ( الذي لا يبيد ولا ينفد ).
2 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( بنت أويس ).
3 ـ أي وكان في أزليته متعظما بالإلهية ، متكبرا بكبريائه وجبروته ، ولا يبعد عطف في أزليته على في أوليته وكون متعظما خبرا بعد خبر وكذا متكبرا.
4 ـ في نسخة ( ب ) و ( و ) ( وبعلم جبره فتق ) بالجيم أي بعلمه الجبروتي الفعلي المتقدم على فتق الأمور وتقديرها.
5 ـ مصدر ميمي أو اسم مكان وزمان ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) ( ولا مستزاح من دعوته ) بالزاي المعجمة والاستزاحة استفعال من الرواح بمعنى الذهاب.


(45)
ولا انقطاع لمدته ، وهو الكينون أولا (1) والديموم أبدا ، المحتجب بنوره دون خلقه في الأفق الطامح ، والعز الشامخ والملك الباذخ ، فوق كل شيء علا ، و من كل شيء دنا ، فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى. وهو بالمنظر الأعلى ، فأحب الاختصاص بالتوحيد إذ احتجب بنوره ، وسما في علوه ، واستتر عن خلقه ، و بعث إليهم الرسل لتكون له الحجة البالغة على خلقه ويكون رسله إليهم شهداء عليهم ، وابتعث فيهم النبيين مبشرين ومنذرين ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، وليعقل العباد عن ربهم ما جهلوه فيعرفوه بربوبيته ، بعد ما أنكروا ويوحدوه بالإلهية بعد ما عضدوا (2).
    5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، وأحمد بن إدريس جميعا ، قالا : حدثنا محمد بن أحمد بن يحيى ، عن بعض أصحابنا رفعه ، قال : جاء رجل إلى الحسن بن علي عليهما السلام فقال له : يا ابن رسول الله صف لي ربك حتى كأني أنظر إليه ، فأطرق الحسن بن علي عليهما السلام مليا ، ثم رفع رأسه ، فقال : الحمد لله الذي لم يكن له أول معلوم (3) ولا آخر متناه ، ولا قبل مدرك ، ولا بعد محدود ، ولا أمد بحتى (4) ولا شخص فيتجزأ ، ولا اختلاف صفة فيتناهى (5) فلا تدرك العقول وأوهامها ، ولا الفكر وخطراتها ، و
1 ـ في نسخة ( ن ) ( وهو الكينون أزلا ).
2 ـ هو ثلاثي من العضد بمعنى القطع ، أو مزيد من التعضيد بمعنى الذهاب يمينا و شمالا ، وفي البحار في باب جوامع التوحيد وفي نسخة ( ج ) و ( ن ) وحاشية نسخة ( و ) و ( ب ) ( بعد ما عندوا ).
3 ـ هذه الصفة والثلاثة التي بعدها توضيحية.
4 ـ أي ليس له نهاية بحتى فالتقييد توضيح ، وفي نسخة ( و ) ( فيحتى ) بالفاء والفعل المجهول من التحتية المجعولة المأخوذة من حتى أي ليس له نهاية فيقال له : أنه ينتهي إلى تلك النهاية.
5 ـ المراد بالاختلاف إما اختلاف حقائق الصفات كما يقول به الأشعرية أو توارد الصفات المتضادة ، وكل منهما مستلزم للامكان المستلزم للتناهي.
التوحيد ::: فهرس