التوحيد ::: 76 ـ 90
(76)
ولا لسان ، ولكن كما شاء أن يقول له كن فكان خبرا كما أراد في اللوح (1).
    31 ـ حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله ابن جعفر بن جامع الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن غير واحد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، ومن أنكر قدرته فهو كافر.
    32 ـ حدثنا أبي ، وعبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رحمهما الله ، قالا :
    حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن الفضل بن شاذان ، عن محمد بن أبي عمير ، قال :
    دخلت على سيدي موسى بن جعفر عليهما السلام ، فقلت له : يا ابن رسول الله علمني التوحيد فقال : يا أبا أحمد لا تتجاوز في التوحيد ما ذكره الله تعالى ذكره في كتابه فتهلك ، واعلم أن الله تعالى واحد ، أحد ، صمد ، لم يلد فيورث ، ولم يولد فيشارك ، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولا شريكا ، وإنه الحي الذي لا يموت ، والقادر الذي لا يعجز ، والقاهر الذي لا يغلب ، والحليم الذي لا يعجل ، والدائم الذي لا يبيد ، والباقي الذي لا يفنى ، والثابت الذي لا يزول ، والغني الذي لا يفتقر ، والعزيز الذي لا يذل ، والعالم الذي لا يجهل ، والعدل الذي لا يجور ، والجواد الذي لا يبخل ، و إنه لا تقدره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، ولا تحيط به الأقطار ، ولا يحويه مكان ، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ) وهو الأول الذي لا شيء قبله ، والآخر الذي لا شيء بعده ، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث ، تعالى
1 ـ قوله : ( خبرا ) بضم الخاء المعجمة وسكون الباء بمعنى العلم وهو بمعنى الفاعل حال من فاعل ( شاء ) ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) و ( ب ) بالجيم والباء الموحدة ، أي شاء من دون خيرة للمخلوق فيما كان بمشيئته ، وفي البحار باب نفي الجسم والصورة وفي نسخة ( ج ) بالخاء المعجمة والياء المثناة من تحت ، وقوله : ( كما أراد ـ الخ ) أي ما حدث في الوجود بقوله كن كان كما أراد وأثبت في لوح التقدير أو لوح من الألواح السابقة عليه إلى أن ينتهي إلى عمله.

(77)
عن صفات المخلوقين علوا كبيرا.
    33 ـ حدثنا أبو سعيد محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق المذكر المعروف بأبي سعيد المعلم بنيسابور ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، قال : حدثنا علي ابن سلمة الليفي ، قال : حدثنا إسماعيل بن يحيى بن عبد الله ، عن عبد الله بن طلحة بن هجيم ، قال : حدثنا أبو سنان الشيباني سعيد بن سنان ، عن الضحاك ، عن النزال ابن سبرة (1) ، قال : جاء يهودي إلى علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : يا أمير المؤمنين متى كان ربنا ؟ قال : فقال له علي عليه السلام : إنما يقال : متى كان لشيء لم يكن فكان وربنا تبارك وتعالى هو كائن بلا كينونة (2) كائن ، كان بلا كيف يكون ، كائن لم يزل بلا لم يزل ، وبلا كيف يكون ، كان لم يزل ليس له قبل ، هو قبل القبل بلا قبل وبلا غاية ولا منتهى ، غاية ولا غاية إليها (3) غاية انقطعت الغايات عنه ، فهو غاية كل غاية.
    34 ـ أخبرني أبو العباس الفضل بن الفضل بن العباس الكندي فيما أجازه لي بهمدان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ، قال : حدثنا محمد بن سهل يعني العطار البغدادي لفظا من كتابه سنة خمس وثلاثمائة ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد البلوي قال : حدثني عمارة بن زيد ، قال : حدثني عبد الله بن العلاء (4) قال : حدثني
1 ـ النسخ في ضبط أسماء رجال هذا الحديث وألقابهم وكناهم مختلفة كثيرا ، وتركنا ذكر الاختلاف لقلة الجدوى فإنهم أو أكثرهم من العامة ، والحديث مذكور بسند آخر في الباب الثامن والعشرين في موضعين.
2 ـ أي ربنا تبارك وتعالى كائن بحقيقة الكينونة بلا أن يكون له كينونة زائدة على ذاته
3 ـ أي هو غاية كل شيء ولا غاية له ينتهي إليها ، وحاصل كلامه عليه السلام أنه تعالى لا يتصف بمتى ولا بلوازمه من كونه ذا مبدء ومنتهى لأن ذلك ينافي الربوبية الكبرى بل الأشياء كلها حتى الزمان تبتدء منه وتنتهي إليه ، هو الأول والآخر.
4 ـ في البحار باب جوامع التوحيد وفي نسخة ( ب ) و ( و ) و ( ج ) ( عبيد الله بن العلاء ).


(78)
صالح بن سبيع ، عن عمرو بن محمد بن صعصعة بن صوحان (1) قال : حدثني أبي عن أبي المعتمر مسلم بن أوس ، قال : حضرت مجلس علي عليه السلام في جامع الكوفة فقام إليه رجل مصفر اللون ـ كأنه من متهودة اليمن ـ فقال : يا أمير المؤمنين صف لنا خالقك وانعته لنا كأنا نراه وننظر إليه ، فسبح علي عليه السلام ربه وعظمه عزوجل وقال :
    الحمد لله الذي هو أول بلا بدئ مما (2) ولا باطن فيما ، ولا يزال مهما (3) ولا ممازج مع ما ، ولا خيال وهما (4) ليس بشبح فيرى ، ولا بجسم فيتجزأ ، ولا بذي غاية فيتناهى ، ولا بمحدث فيبصر ، ولا بمستتر فيكشف ، ولا بذي حجب فيحوى (5) كان ولا أماكن تحمله أكنافها ، ولا حملة ترفعه بقوتها ، ولا كان بعد أن لم يكن ، بل حارث الأوهام أن تكيف المكيف للأشياء ومن لم يزل بلا مكان ، ولا يزول باختلاف الأزمان ، ولا ينقلب شأنا بعد شأن (6) ، البعيد من حدس
1 ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) ( عن عمر بن محمد ـ الخ ) ، وفي نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ط ) ( حدثني صالح بن سبيع بن عمرو بن محمد ـ الخ ) ورجال هذا السند كلهم مجاهيل إلا البلوى وهو رجل ضعيف مطعون عليه ، لكن لا ضير فيه لأن الاعتبار في أمثال هذه الأحاديث بالمتن ، ولو كان سندها معتبرا ولم تكن متونها موافقة لما تواتر من مذهب أهل البيت ( ع ) أو مضمونها مخالف لما دل عليه العقل لم تكن حجة إلا عند الحشوية من أهل الحديث.
2 ـ أي بلا بدئ من شيء ، وهو فعيل بمعنى المفعول أو الفاعل ، وعلى الأول فهو مضمون ما في خطبه الأخرى : ( لا من شيء كان ) وعلى الثاني فهو مضمون قوله : ( لا من شيء كون ما قد كان ) والأول أظهر بل الظاهر.
3 ـ أي ولا يزول أبدا فإن يزال يأتي بمعنى يزول قليلا ، ومهما لعموم الأزمان.
4 ـ الخيال بفتح الأول ما يتمثل في النوم واليقظة من صورة الشيء ، أي ولا هو كالخيال يتصور ويتمثل في قوة الوهم.
5 ـ أي لا يستره حجب فيكون محويا في مكان وراء الحجب.
6 ـ لا ينافي هذا ما في الآية الشريفة من أنه كل يوم هو في شأن لأن هنا بمعنى الحال في نفسه وهناك بمعنى الأمر في خلقه ، كما قال عليه السلام في صدر الحديث الأول : ( إنه كل يوم في شأن من إحداث بديع لم يكن ).


(79)
القلوب (1) المتعالي عن الأشياء والضروب ، والوتر ، علام الغيوب ، فمعاني الخلق عنه منفية ، وسرائرهم عليه غير خفية ، المعروف بغير كيفية ، لا يدرك بالحواس ، ولا يقاس بالناس ، ولا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به الأفكار ، ولا تقدره العقول ، ولا تقع عليه الأوهام ، فكل ما قدره عقل أو عرف له مثل فهو محدود ، وكيف يوصف بالأشباح ، و ينعت بالألسن الفصاح ؟ من لم يحلل في الأشياء فيقال هو فيها كائن ، ولم ينأ عنها فيقال هو عنها بائن ، ولم يخل منها فيقال أين ، ولم يقرب منها بالالتزاق ، ولم يبعد عنها بالافتراق ، بل هو في الأشياء بلا كيفية ، وهو أقرب إلينا من حبل الوريد ، وأبعد من الشبه من كل بعيد (2) لم يخلق الأشياء من أصول أزلية ، ولا من أوائل كانت قبله بدية (3) بل خلق ما خلق ، وأتقن خلقه ، وصور ما صور ، فأحسن صورته ، فسبحان من توحد في علوه ، فليس لشيء منه امتناع ، ولا له بطاعة أحد من خلقه انتفاع ، إجابته للداعين سريعة ، والملائكة له في السماوات والأرض مطيعة ، كلم موسى تكليما بلا جوارح وأدوات ولا شفة ولا لهوات (4) سبحانه و تعالى عن الصفات ، فمن زعم أن إله الخلق محدود فقد جهل الخالق المعبود ـ و الخطبة طويلة أخذنا منها موضع الحاجة ـ.
    35 ـ حدثنا أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه.
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) ( البعيد من حدث القلوب ).
2 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) و ( و ) و ( ب ) ( وأبعد من الشبهة ـ الخ ).
3 ـ بدية أي مبتدئة ، والمعنى لم يخلق الأشياء على مثال أشياء مبتدئة قبل خلق هذه الأشياء ، بل فعله إبداع واختراع ، والجملتان نظير قول الرضا عليه السلام في الحديث الخامس من الباب السادس : الحمد لله فاطر الأشياء ـ الخ ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( أبدية ) مكان بدية.
4 ـ جمع لهاة وهي اللحمة الصغيرة المشرفة على الحلق في أقصى الفم تسمى باللسان الصغير عندها مخرج الكاف والقاف.


(80)
    قال : حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي البصري بالبصرة ، قال :
    أخبرنا محمد بن زكريا الجوهري الغلابي البصري ، قال : حدثنا العباس بن بكار الضبي ، قال : حدثنا أبو بكر الهذلي عن عكرمة ، قال : بينما ابن عباس يحدث الناس إذ قام إليه نافع بن الأزرق ، فقال : يا ابن عباس تفتي في النملة والقملة ، صف لنا إلهك الذي تعبده ، فأطرق ابن عباس إعظاما لله عزوجل ، وكان الحسين ابن علي عليهما السلام جالسا ناحية ، فقال : إلي يا ابن الأزرق ، فقال : لست إياك أسأل : فقال ابن العباس : يا ابن الأزرق إنه من أهل بيت النبوة ، وهم ورثة العلم فأقبل نافع بن الأزرق نحو الحسين ، فقال له الحسين : يا نافع إن من وضع دينه على القياس لم يزل الدهر في الارتماس ، مائلا عن المنهاج ، ظاعنا في الاعوجاج ضالا عن السبيل ، قائلا غير الجميل ، يا ابن الأزرق أصف إلهي بما وصف به نفسه وأعرفه بما عرف به نفسه ، لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس ، فهو قريب غير ملتصق ، وبعيد غير متقص ، يوحد ، ولا يبعض ، معروف بالآيات ، موصوف بالعلامات ، لا إله إلا هو الكبير المتعال.
    36 ـ حدثنا أحمد بن هارون الفامي رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن خالد البرقي ، عن محمد بن أبي عمير ، عن المفضل بن عمر ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال :
    من شبه الله بخلقه فهو مشرك ، إن الله تبارك وتعالى لا يشبه شيئا ولا يشبهه شيء وكل ما وقع في الوهم فهو بخلافه (1).
    قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : الدليل على أن الله سبحانه لا يشبه شيئا من خلقه من جهة من الجهات أنه لا جهة لشيء من أفعاله إلا محدثة ، ولا جهة محدثة إلا وهي تدل على حدوث من هي له ، فلو كان الله جل ثناؤه يشبه شيئا منها لدلت على حدوثه من حيث دلت على حدوث من هي له (2) إذ المتماثلان في العقول
1 ـ في نسخة ( ب ) ( فهو يخالفه ).
2 ـ أي لو كان يشبه شيئا من أفعاله لكان له جهة محدثة ولدلت تلك الجهة على حدوثه كما دلت على حدوث من هي له.


(81)
يقتضيان حكما واحدا من حيث تماثلا منها (1) وقد قام الدليل على أن الله عزوجل قديم ، ومحال أن يكون قديما من جهة وحادثا من أخرى. ومن الدليل على أن الله تبارك وتعالى قديم أنه لو كان حادثا لوجب أن يكون له محدث ، لأن الفعل لا يكون إلا بفاعل ، ولكان القول في محدثه كالقول فيه ، وفي هذا وجود حادث قبل حادث لا إلى أول ، وهذا محال ، فصح أنه لا بد من صانع قديم ، وإذا كان ذلك كذلك فالذي يوجب قدم ذلك الصانع ويدل عليه يوجب قدم صانعنا ويدل عليه (2). 37 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله وعلي بن عبد الله الوراق ، قالا : حدثنا محمد بن هارون الصوفي ، قال : حدثنا أبو تراب عبيد الله ابن موسى الروياني ، عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني ، قال : دخلت على سيدي علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فلما بصر بي قال لي : مرحبا بك يا أبا القاسم أنت ولينا حقا ، قال :
    فقلت له : يا ابن رسول الله إني أريد أن أعرض عليك ديني ، فإن كان مرضيا أثبت عليه حتى ألقى الله عزوجل : فقال : هات يا أبا القاسم ، فقلت : إني أقول :
    إن الله تبارك وتعالى واحد ، ليس كمثله شيء ، خارج عن الحدين حد الإبطال و حد التشبيه ، وإنه ليس بجسم ولا صورة ولا عرض ولا جوهر ، بل هو مجسم الأجسام ، ومصور الصور ، وخالق الأعراض والجواهر ، ورب كل شيء ومالكه وجاعله ومحدثه ، وإن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين فلا نبي بعده إلى يوم القيامة وأقول : إن الإمام والخليفة وولي الأمر من بعده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ثم الحسن ، ثم الحسين ، ثم علي بن الحسين ، ثم محمد بن علي ، ثم جعفر بن محمد ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ثم أنت يا مولاي ، فقال
1 ـ أي من جهة من الجهات.
2 ـ أي يوجب أن يكون صانعنا القديم الذي كلامنا فيه ذلك الصانع القديم الذي اضطر العقل إلى إثباته.


(82)
عليه السلام : ومن بعدي الحسن ابني ، فكيف للناس بالخلف من بعده ، قال : فقلت :
    وكيف ذاك يا مولاي ؟ قال : لأنه لا يرى شخصه ولا يحل ذكره باسمه حتى يخرج فيملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما ، قال : فقلت : أقررت ، وأقول إن وليهم ولي الله ، وعدوهم عدو الله ، وطاعتهم طاعة الله ، ومعصيتهم معصية الله ، و أقول : إن المعراج حق ، والمسألة في القبر حق ، وإن الجنة حق ، وإن النار حق ، والصراط حق ، والميزان حق ، وإن الساعة آتية لا ريب فيها ، وإن الله يبعث من في القبور ، وأقول : إن الفرائض الواجبة بعد الولاية الصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج ، والجهاد ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فقال علي بن محمد عليهما السلام : يا أبا القاسم هذا والله دين الله الذي ارتضاه لعباده ، فاثبت عليه ، ثبتك الله بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

    1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام ، ما معنى الواحد ؟ فقال : المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية (1).
1 ـ هذا الحديث رواه الكليني رحمه الله في باب معاني الأسماء من الكافي ، ورواه المجلسي رحمه الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ ( الأحد ) كلهم عن أبي هاشم الجعفري ، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف ، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى ، فأجاب عليه السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه ، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى ( ولئن سئلتهم ـ الآية ) كما في الخبر الآتي ، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله : ( بعد ذلك له شريك وصاحبه ) ؟! استفهاما إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج ، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن والاحتجاج واحد إلا أن الرواة غيروه بالتقطيع والنقل بالمعنى ، أو أبو هاشم نفسه فعل ذلك عند نقله للرواة المتعددين ، فلذلك ترى لفظ الحديث فيها مختلفا.

(83)
    2 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنهما ، قالا : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، عن علي بن محمد ، ومحمد بن الحسن جميعا ، عن سهل بن زياد ، عن أبي هاشم الجعفري ، قال : سألت أبا جعفر الثاني عليه السلام ما معنى الواحد ؟ قال : الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد ، كما قال الله عزوجل : ( ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله ) (1).
    3 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن سعيد بن يحيى البزوري ، قال : حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي ، قال :
    حدثنا أبي ، عن المعافي بن عمران ، عن إسرائيل ، عن المقدام بن شريح بن هانئ ، عن أبيه ، قال : إن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال : يا أمير ـ المؤمنين أتقول : إن الله واحد ؟ قال : فحمل الناس عليه ، قالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب ، فقال أمير المؤمنين عليه السلام : دعوه ، فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم ، ثم قال : يا أعرابي إن القول في أن الله واحد على أربعة أقسام : فوجهان منها لا يجوزان على الله عزوجل ، و وجهان يثبتان فيه ، فأما اللذان لا يجوزان عليه ، فقول القائل : واحد يقصد به باب الأعداد ، فهذا ما لا يجوز ، لأن ما لا ثاني له لا يدخل في باب الأعداد ، أما ترى أنه كفر من قال : ثالث ثلاثة. وقول القائل : هو واحد من الناس ، يريد به النوع من الجنس ، فبهذا ما لا يجوز عليه لأنه تشبيه ، وجل ربنا عن ذلك و تعالى (2). وأما الوجهان اللذان يثبتان فيه فقول القائل : هو واحد ليس له في الأشياء
1 ـ العنكبوت : 61 ، ولقمان : 25 ، والزمر : 38 ، والزخرف : 9.
2 ـ الجنس في اللغة يأتي بمعنى التشابه والتماثل ، وقوله عليه السلام : ( يريد به النوع من الجنس ) أي يريد القائل بالواحد هكذا الوحدة النوعية التي تنتزع من الأفراد المتجانسة المتماثلة كأفراد الإنسان مثلا ، والفرق بين القسمين اللذين لا يجوز أن عليه تعالى أن الأول يثبت له وقوعا أو إمكانا فردا آخر مثله في الألوهية أو صفة غيرها وإن لم يكن مجانسا له في حقيقته والثاني يثبت له فردا آخر من حقيقته ، فالمنفي أولا الوحدة العددية وثانيا النوعية.


(84)
شبه ، كذلك ربنا ، وقول القائل : إنه عزوجل أحدي المعنى ، يعني به أنه لا ينقسم في وجود ولا عقل ولا وهم (1) كذلك ربنا عزوجل.
    قال مصنف هذا الكتاب : سمعت من أثق بدينه ومعرفته باللغة والكلام يقول :
    إن قول القائل : واحدا واثنين وثلاثة إلى آخره إنما وضع في أصل اللغة للإبانة عن كمية ما يقال عليه ، لا لأن له مسمى يتسمى به بعينه ، أو لأن له معنى سوى ما يتعلمه الانسان بمعرفة الحساب ويدور عليه عقد الأصابع عند ضبط الآحاد و العشرات والمئات الألوف ، وكذلك متى أراد مريد أن يخبر غيره عن كمية شيء بعينه سماه باسمه الأخص ثم قرن لفظ الواحد به وعلقه عليه يدل به على كميته لا على ما عدا ذلك من أوصافه ، ومن أجله يقول القائل : درهم واحد ، وإنما يعني به أنه درهم فقط ، وقد يكون الدرهم درهما بالوزن ، ودرهما بالضرب ، فإذا أراد المخبر أن يخبر عن وزنه قال : درهم واحد بالوزن ، وإذا أراد أن يخبر عن عدده وضربه قال : درهم واحد بالعدد ودرهم واحد بالضرب ، وعلى هذا الأصل يقول القائل : هو رجل واحد ، وقد يكون الرجل واحدا بمعنى أنه إنسان وليس بإنسانين ، ورجل وليس برجلين ، وشخص وليس بشخصين ، ويكون واحد في الفضل واحدا في العلم واحدا في السخاء واحدا في الشجاعة ، فإذا أراد القائل أن يخبر عن كميته قال : هو رجل واحد ، فدل ذلك من قوله على أنه رجل وليس هو برجلين ، وإذا أراد أن يخبر عن فضله قال : هذا واحد عصره ، فدل ذلك على أنه لا ثاني له
1 ـ أي لا في الخارج كانقسام الإنسان إلى بدن وروح ، ولا في عقل كانقسام الماهية إلى أجزائها الحدية ، ولا في وهم كانقسام قطعة خشب إلى النصفين في التصور.

(85)
في الفضل ، وإذا أراد أن يدل على علمه قال : إنه واحد في علمه ، فلو دل قوله :
    واحد بمجرده على الفضل والعلم كما دل بمجرده على الكمية لكان كل من أطلق عليه لفظ واحد أراد فاضلا لا ثاني له في فضله وعالما لا ثاني له في علمه وجوادا لا ثاني له في جوده ، فلما لم يكن كذلك صح أنه بمجرده لا يدل إلا على كمية الشيء دون غيره وإلا لم يكن لما أضيف إليه من قول القائل : واحد عصره ودهره معنى ، ولا كان لتقييده بالعلم والشجاعة معنى ، لأنه كان يدل بغير تلك الزيادة وبغير ذلك التقييد على غاية الفضل وغاية العلم والشجاعة ، فلما احتيج معه إلى زيادة لفظ و احتيج إلى التقييد بشيء صح ما قلناه ، فقد تقرر أن لفظة القائل : واحد إذا قيل على الشيء دل بمجرده على كميته في اسمه الأخص ، ويدل بما يقترن به على فضل المقول عليه وعلى كماله وعلى توحده بفضله وعلمه وجوده ، وتبين أن الدرهم الواحد قد يكون درهما واحدا بالوزن ، ودرهما واحدا بالعدد ودرهما وحدا بالضرب ، وقد يكون بالوزن درهمين وبالضرب درهما واحدا ، وقد يكون بالدوانيق ستة دوانيق وبالفلوس ستين فلسا ويكون بالأجزاء كثيرا ، وكذلك يكون العبد عبدا واحدا ولا يكون عبدين بوجه ، ويكون شخصا واحدا ولا يكون شخصين بوجه ، ويكون أجزاء كثيرة وأبعاضا كثيرة ، وكل بعض من أبعاضه يكون جواهر كثيرة متحدة اتحد بعضها ببعض ، وتركب بعضها مع بعض ، ولا يكون العبد واحدا وإن كان كل واحد منا في نفسه إنما هو عبد واحد ، وإنما لم يكن العبد واحدا لأنه ما من عبد إلا وله مثل في الوجود أو في المقدور ، وإنما صح أن يكون للعبد مثل لأنه لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها صار عبدا مملوكا ، ووجب لذلك أن يكون الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى وأسمائه الحسنى ، ليكون إلها واحدا ولا يكون له مثل ، ويكون واحدا لا شريك له ولا إله غيره ، فالله تبارك وتعالى واحد لا إله إلا هو ، وقديم واحد لا قديم إلا هو ، وموجود واحد ليس بحال ولا محل ولا موجود كذلك إلا هو ، وشيء واحد لا يجانسه شيء ، ولا يشاكله شيء ، ولا يشبهه شيء ، ولا شيء كذلك إلا هو ، فهو كذلك موجود غير منقسم في الوجود ولا في الوهم ،


(86)
وشيء لا يشبهه شيء بوجه ، وإله لا إله غيره بوجه ، وصار قولنا : يا واحد يا أحد في الشريعة اسما خاصا له دون غيره لا يسمى به إلا هو عزوجل ، كما أن قولنا : الله اسم لا يسمى به غيره.
    وفصل آخر في ذلك وهو أن الشيء قد يعد مع ما جانسه وشاكله وماثله ، يقال : هذا رجل ، وهذان رجلان ، وثلاثة رجال ، وهذا عبد ، وهذا سواد ، وهذان عبدان ، وهذان سوادان ، ولا يجوز على هذا الأصل أن يقال : هذان إلهان إذ لا إله إلا إله واحد ، فالله لا يعد على هذا الوجه ، ولا يدخل في العدد من هذا الوجه بوجه ، وقد يعد الشيء مع ما لا يجانسه ولا يشاكله ، يقال : هذا بياض ، وهذان بياض وسواد ، وهذا محدث ، وهذان محدثان ، وهذان ليسا بمحدثين ولا بمخلوقين ، بل أحدهما قديم والآخر محدث وأحدهما رب والآخر مربوب ، فعلى هذا الوجه يصح دخوله في العدد ، وعلى هذا النحو قال الله تبارك وتعالى : ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ـ الآية ) (1) وكما أن قولنا : إنما هو رجل واحد لا يدل على فضله بمجرده فكذلك قولنا : فلان ثاني فلان. لا يدل بمجرده إلا على كونه ، وإنما يدل على فضله متى قيل : إنه ثانيه في الفضل أو في الكمال أو العلم.
    فأما توحيد الله تعالى ذكره فهو توحيده بصفاته العلى ، وأسمائه الحسنى كان كذلك إلها واحدا لا شريك له ولا شبيه ، والموحد هو من أقر به على ما هو عليه عزوجل من أوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى على بصيرة منه ومعرفة وإيقان و إخلاص ، وإذا كان ذلك كذلك فمن لم يعرف الله عزوجل متوحدا بأوصافه العلى ، وأسمائه الحسنى ولم يقر بتوحيده بأوصافه العلى ، فهو غير موحد ، وربما قال جاهل من الناس : إن من وحد الله وأقر أنه واحد فهو موحد وإن لم يصفه بصفاته التي توحد بها لأن من وحد الشيء فهو موحد في أصل اللغة ، فيقال له : أنكرنا ذلك لأن من زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد ، ثم أثبت معه موصوفا آخر بصفاته التي توحد بها
1 ـ المجادلة : 7.

(87)
فهو عند جميع الأمة وسائر أهل الملل ثنوي غير موحد ومشرك مشبه غير مسلم ، و إن زعم أن ربه إله واحد وشيء واحد وموجود واحد ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون الله تبارك وتعالى متوحدا بصفاته التي تفرد بالإلهية من أجلها وتوحد بالوحدانية لتوحده بها ليستحيل أن يكون إله آخر ، ويكون الله واحدا والإله واحدا لا شريك له ولا شبيه لأنه إن لم يتوحد بها كان له شريك وشبيه كما أن العبد لما لم يتوحد بأوصافه التي من أجلها كان عبدا كان له شبيه ، ولم يكن العبد واحدا وإن كان كل واحد منا عبدا واحدا ، وإذا كان كذلك فمن عرفه متوحدا بصفاته وأقر بما عرفه واعتقد ذلك كان موحدا وبتوحيد ربه عارفا. والأوصاف التي توحد الله عزوجل بها وتوحد بربوبيته لتفرده بها هي الأوصاف التي يقتضي كل واحد منها أن لا يكون الموصوف به إلا واحدا لا يشاركه فيه غيره ولا يوصف به إلا هو ، وتلك الأوصاف هي كوصفنا له بأنه موجود واحد لا يصح أن يكون حالا في شيء ، ولا يجوز أن يحله شيء ، ولا يجوز عليه العدم والفناء والزوال ، مستحق للوصف بذلك بأنه أول الأولين ، وآخر الآخرين ، قادر يفعل ما يشاء ولا يجوز عليه ضعف ولا عجز ، مستحق للوصف بذلك بأنه أقدر القادرين وأقهر القاهرين ، عالم لا يخفى عليه شيء ، ولا يعزب عنه شيء ، ولا يجوز عليه جهل ولا سهو ولا شك ولا نسيان ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعلم العالمين ، حي لا يجوز عليه موت ولا نوم ، ولا ترجع إليه منفعة ولا تناله مضرة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أبقى الباقين وأكمل الكاملين ، فاعل لا يشغله شيء عن شيء ولا يعجزه شيء ولا يفوته شيء ، مستحق للوصف بذلك بأنه إله الأولين والآخرين وأحسن الخالقين وأسرع الحاسبين ، غني لا يكون له قلة ، مستغن لا يكون له حاجة ، عدل لا يلحقه مذمة ولا يرجع إليه منقصة ، حكيم لا تقع منه سفاهة ، رحيم لا يكون له رقة فيكون في رحمته سعة ، حليم لا يلحقه موجدة ، ولا يقع منه عجلة ، مستحق للوصف بذلك بأنه أعدل العادلين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين ، وذلك لأن أول الأولين لا يكون إلا واحدا وكذلك أقدر القادرين وأعلم العالمين وأحكم الحاكمين وأحسن


(88)
الخالقين ، وكلما جاء على هذا الوزن ، فصح بذلك ما قلناه ، وبالله التوفيق ومنه العصمة والتسديد.

    1 ـ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ، ثم الإيلاقي رضي الله عنه ، قال : حدثني أبو سعيد عبدان بن الفضل ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن يعقوب بن محمد بن يوسف بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب بمدينة خجندة ، قال : حدثني أبو بكر محمد بن أحمد بن شجاع الفرغاني ، قال : حدثني أبو الحسن محمد بن حماد العنبري بمصر ، قال : حدثني إسماعيل بن عبد الجليل البرقي ، عن أبي البختري وهب بن وهب القرشي ، عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي الباقر عليهم السلام في قول الله تبارك وتعالى : ( قل هو الله أحد ) قال : ( قل ) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك ( هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس (1) وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك (2) فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد ، فالهاء تثبيت للثابت (3) والواو إشارة
1 ـ في نسخة ( ج ) ( المشاهد ) بصيغة المفعول من باب المفاعلة ، وهو الأصح ، و كذا فيما يأتي على الاحتمال الأول فيه.
2 ـ يحتمل أن يكون إشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الأول بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل.
3 ـ نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي.


(89)
إلى الغائب عن درك الأبصار ولمس الحواس وأنه تعالى عن ذلك ، بل هو مدرك الأبصار ومبدع الحواس.
    2 ـ حدثني أبي (1) ، عن أبيه ، عن أمير المؤمنين عليهم السلام ، قال : رأيت الخضر عليه السلام في المنام قبل بدر بليلة ، فقلت له : علمني شيئا أنصر به على الأعداء ، فقال :
    قل : يا هو يا من لا هو إلا هو ، فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال لي : يا علي علمت الاسم الأعظم ، فكان على لساني يوم بدر. وإن أمير المؤمنين عليه السلام قرأ قل هو الله أحد فلما فرغ قال : يا هو ، يا من لا هو إلا هو ، اغفر لي و انصرني على القوم الكافرين ، وكان علي عليه السلام يقول ذلك يوم صفين وهو يطارد ، فقال له عمار بن ياسر : يا أمير المؤمنين ما هذه الكنايات ؟ قال : اسم الله الأعظم وعماد التوحيد لله لا إله إلا هو (2) ثم قرأ شهد الله أنه لا إله إلا هو (3) وآخر الحشر ثم نزل فصلى أربع ركعات قبل الزوال.
    قال : وقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله معناه المعبود الذي يأله فيه الخلق و يؤله إليه ، والله هو المستور عن درك الأبصار ، المحجوب عن الأوهام والخطرات.
    قال الباقر عليه السلام : الله معناه المعبود الذي أله الخلق عن درك ماهيته والإحاطة بكيفيته (4) ويقول العرب : أله الرجل إذا تحير في الشيء فلم يحط به علما ، ووله إذا فزع إلى شيء مما يحذره ويخافه فالإله هو المستور عن حواس الخلق (5).
1 ـ من تتمة كلام الباقر عليه السلام.
2 ـ عماديته باعتبار اشتماله على هو الذي هو إشارة إلى الثابت الموجود الذي لا يستطيع أحد أن ينكره ولا أن يثبت له ثانيا.
3 ـ آل عمران : 18.
4 ـ أي تحير الخلق بتضمين معنى عجز وإلا فهو يتعدى بفي لا بعن.
5 ـ تفريع على المعنى الأول ، وذكر العلامة المجلسي رحمه الله تعالى في البحار باب التوحيد ونفي الشريك في ذيل هذا الخبر اشتقاق لفظ الجلالة أو عدمه ومن أي شيء اشتق واختلاف الأقوال فيه وأنه عربي أم لا ، وللصدوق رحمه الله تعالى كلام في اشتقاقه ذيل الحديث التاسع من الباب التاسع والعشرين ، وفي هذا الباب في الحديث الثالث عشر صرح الإمام عليه السلام باشتقاقه.


(90)
    قال الباقر عليه السلام : الأحد الفرد المتفرد ، والأحد والواحد بمعنى واحد ، وهو المتفرد الذي لا نظير له ، والتوحيد الاقرار بالوحدة وهو الانفراد ، والواحد المتبائن الذي لا ينبعث من شيء ولا يتحد بشيء ، ومن ثم قالوا : إن بناء العدد من الواحد وليس الواحد من العدد لأن العدد لا يقع على الواحد بل يقع على الاثنين فمعنى قوله : الله أحد : المعبود الذي يأله الخلق عن إدراكه والإحاطة بكيفيته فرد بإلهيته ، متعال عن صفات خلقه.
    3 ـ قال الباقر عليه السلام : حدثني أبي زين العابدين ، عن أبيه الحسين بن علي عليهم السلام أنه قال : الصمد الذي لا جوف له (1) والصمد الذي قد انتهى سؤدده ، والصمد الذي لا يأكل ولا يشرب ، والصمد الذي لا ينام ، والصمد الدائم الذي لم يزل ولا يزال.
    قال الباقر عليه السلام : كان محمد بن الحنفية رضي الله عنه يقول : الصمد القائم بنفسه ، الغني عن غيره ، وقال غيره : الصمد المتعالي عن الكون والفساد ، والصمد الذي لا يوصف بالتغاير.
    قال الباقر عليه السلام : الصمد السيد المطاع الذي ليس فوقه آمر وناه.
    قال : وسئل علي بن الحسين زين العابدين عليهما السلام ، عن الصمد ، فقال : الصمد الذي لا شريك له ولا يؤوده حفظ شيء ولا يعزب عنه شيء.
    4 ـ قال وهب بن وهب القرشي : قال زيد بن علي زين العابدين عليه السلام : الصمد هو الذي إذا أراد شيئا قال له : كن فيكون ، والصمد الذي أبدع الأشياء فخلقها أضدادا وأشكالا وأزواجا ، وتفرد بالوحدة بلا ضد ولا شكل ولا مثل ولا ند.
    5 ـ قال وهب بن وهب القرشي : وحدثني الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه الباقر عن أبيه عليهم السلام أن أهل البصرة كتبوا إلى الحسين بن علي عليهما السلام ، يسألونه عن الصمد
1 ـ هذا المعنى يرجع فيه تعالى إلى أنه كامل ليس فيه جهة إمكان ونقصان.
التوحيد ::: فهرس