التوحيد ::: 151 ـ 165
(151)
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : معنى قوله : نحن المثاني أي نحن الذين قرننا النبي صلى الله عليه وآله إلى القرآن وأوصى بالتمسك بالقرآن وبنا ، فأخبر أمته بأن لا نفترق حتى نرد عليه حوضه (1).
    7 ـ أبي رحمه الله قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى عن علي بن سيف ، عن أخيه الحسين بن سيف (2) ، عن أبيه سيف بن عميرة النخعي عن خيثمة ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل ( كل شيء هالك إلا وجهه ) قال : دينه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام دين الله ، ووجهه وعينه في عباده ، ولسانه الذي ينطق به ، ويده على خلقه ، ونحن وجه الله الذي يؤتى منه ، لن نزال في عباده ما دامت لله فيهم روية ، قلت : وما الروية ؟ قال : الحاجة فإذا لم يكن لله فيهم حاجة رفعنا إليه وصنع ما أحب (3).
    8 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال :
    حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن الحسن بن سعيد ، عن الهيثم بن عبد الله ، عن مروان بن صباح ، قال : أبو عبد الله عليه السلام : إن الله عزوجل خلقنا فأحسن خلقنا ، وصورنا فأحسن صورنا (4) وجعلنا عينه في عباده ، ولسانه الناطق في خلقه ، ويده المبسوطة على عباده بالرأفة والرحمة ، و وجهه الذي يؤتي منه ، وبابه الذي يدل عليه ، وخزائنه في سمائه وأرضه (5) بنا
1 ـ ( حوضه ) منصوب على الظرفية ، وفي نسخة ( ب ) و ( ط ) ( حتى نرد على حوضه ).
2 ـ هكذا في النسخ ، والظاهر على العكس برواية الحسين عن أخيه على كما في الحديث الثامن والتاسع والعاشر والثاني عشر والثالث عشر من الباب الأول وغيرها.
3 ـ المراد بها ما يتعلق به إرادته تعالى كحاجة الإنسان التي يتعلق بها إرادته من دون احتياج له تعالى.
4 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( فأحسن صورتنا ).
5 ـ في نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( و ) ( وخزانه في سمائه وأرضه ).


(152)
أثمرت الأشجار ، وأينعت الثمار وجرت الأنهار ، وبنا نزل غيث السماء ونبت عشب الأرض ، بعبادتنا عبد الله ، ولولا نحن ما عبد الله.
    9 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن عبد العزيز ، عن ابن أبي يعفور ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله واحد ، أحد ، متوحد بالوحدانية ، متفرد بأمره ، خلق خلقا ففوض إليهم أمر دينه ، فنحن هم يا ابن أبي يعفور نحن حجة الله (1) في عباده ، وشهداؤه على خلقه ، وأمناؤه على وحيه ، و خزانه على علمه ، ووجهه الذي يؤتي منه وعينه في بريته ، ولسانه الناطق ، و قلبه الواعي ، وبابه الذي يدل عليه ، ونحن العاملون بأمره ، والداعون إلى سبيله ، بنا عرف الله ، وبنا عبد الله ، نحن الأدلاء على الله ، ولولانا ما عبد الله ، (2).
    10 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي بن الحسين السكري ، قال : حدثنا الحكم بن أسلم ، قال : حدثنا ابن علية (3) عن الجريري ، عن أبي الورد بن ثمامة ، عن علي عليه السلام ، قال : سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يقول لرجل : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم :
    مه ، لا تقل هذا ، فإن الله خلق آدم على صورته.
    قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله تركت المشبهة من هذا الحديث أوله و قالوا : إن الله خلق آدم على صورته ، فضلوا في معناه وأضلوا.
    11 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي ـ
1 ـ كذا.
2 ـ جعلهم الله تعالى منه منزلة الأعضاء من الإنسان لأن أمره تعالى جار في خلقه بهم ومن طريقهم كما يدل عليه الآيات والأخبار ، فلا يلزم من ذلك أن يكون لله تعالى أعضاء ولا أن يكونوا هم الله الواحد الأحد المتوحد بالوحدانية المتفرد بالأمر ، تعالى عما يقول الجاهلون ، وفي نسخة ( و ) نحن القائمون بأمره ، وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) و ( د ) ( نحن القائلون بأمره ).
3 ـ هو إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية. والجريري هو أبو مسعود سعيد بن أياس.


(153)
ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن علي بن معبد ، عن الحسين بن خالد ، قال :
    قلت للرضا عليه السلام : يا ابن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :
    إن الله خلق آدم على صورته ، فقال : قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك ، فإن الله عزوجل خلق آدم على صورته (1).

    1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، قال : حدثنا بكر ، عن أبي عبد الله البرقي ، عن عبد الله بن بحر ، عن أبي أيوب الخزاز ، عن محمد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام فقلت : قوله عزوجل : ( يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) (2) ؟ فقال : اليد في كلام العرب القوة والنعمة ، قال : ( واذكر عبدنا داود ذا الأيد ) (3) وقال : ( والسماء بنيناها بائيد ) (4) أي بقوة وقال : ( وأيدهم بروح منه ) (5) أي قواهم ويقال : لفلان عندي أيادي كثيرة أي فواضل وإحسان ، وله عندي يد بيضاء أي نعمة (6).
    2 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن ـ
1 ـ قد مر ذكر وجوه لهذه الرواية في ذيل الحديث الثامن عشر من الباب السادس.
2 ـ ص : 75.
3 ـ ص : 17.
4 ـ الذاريات : 47.
5 ـ المجادلة : 22.
6 ـ المشهور أن لفظ اليد ناقص يائي حذفت ياؤه ، ومن هذا الحديث يظهر أنه مهموز الفاء حذفت فاؤه.


(154)
سيف ، عن محمد بن عبيدة ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل لإبليس : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ) ؟ قال : يعني بقدرتي وقوتي.
    قال مصنف هذا الكتاب : سمعت بعض مشايخ الشيعة بنيسابور يذكر في هذه الآية أن الأئمة عليهم السلام كانوا يقفون على قوله : ( ما منعك أن تسجد لما خلقت ) ثم يبتدؤون بقوله عزوجل : ( بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ) وقال : هذا مثل قول القائل : بسيفي تقاتلني وبرمحي تطاعنني ، كأنه يقول عزوجل : بنعمتي قويت على الاستكبار والعصيان.

    1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن ، عن بكر ، عن الحسين بن سعد ، عن أبي الحسن عليه السلام في قوله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : حجاب من نور يكشف ، فيقع المؤمنون سجدا ، وتدمج أصلاب المنافقين فلا يستطيعون السجود (2).
    2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن ابن فضال ، عن أبي جميلة ، عن محمد بن علي الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : تبارك الجبار ، ثم أشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، قال : ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون ، قال : أفحم القوم (3)
1 ـ القلم : 42.
2 ـ تدمج على صيغة المجهول ، والدمج دخول شيء في شيء مستحكما ، كأنه يدخل في أصلابهم شيء يمنعهم عن الانحناء فلا يستطيعون السجود.
3 ـ الافحام الاسكات بالحجة ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( د ) بالقاف وهو الادخال في مكان بالعنف.


(155)
ودخلتهم الهيبة ، وشخصت الأبصار ، وبلغت القلوب الحناجر ، خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون.
    قال محمد بن علي مؤلف هذا الكتاب : قوله عليه السلام : تبارك الجبار وأشار إلى ساقه فكشف عنها الإزار ، يعني به : تبارك الجبار أن يوصف بالساق الذي هذا صفته.
    3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر ، عن الحسين بن موسى ، عن عبيد بن زرارة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( يوم يكشف عن ساق ) قال : كشف إزاره عن ساقه ، ويده الأخرى على رأسه فقال : سبحان ربي الأعلى.
    قال مؤلف هذا الكتاب : معنى قوله : ( سبحان ربي الأعلى ) تنزيه لله عز وجل أن يكون له ساق.

    1 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن يعقوب بن يزيد ، عن العباس بن هلال ، قال : سألت الرضا عليه السلام عن قول الله عزوجل :
    ( الله نور السماوات والأرض ) فقال : هاد لأهل السماء وهاد لأهل الأرض. وفي رواية البرقي : هدى من في السماوات وهدى من في الأرض.
    قال مصنف هذا الكتاب : إن المشبهة تفسر هذه الآية على أنه ضياء السماوات والأرض ، ولو كان كذلك لما جاز أن توجد الأرض مظلمة في وقت من الأوقات لا بالليل ولا بالنهار (2) لأن الله هو نورها وضياؤها على تأويلهم وهو موجود غير
1 ـ النور : 35.
2 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( لما جاز أن توجد في الأرض ظلمة ـ الخ ).


(156)
معدوم ، فوجودنا الأرض مظلمة بالليل (1) ووجودنا داخلها أيضا مظلما بالنهار يدل على أن تأويل قوله : ( الله نور السماوات والأرض ) هو ما قاله الرضا عليه السلام دون تأويله المشبهة ، فإنه عزوجل هاد لأهل السماوات والأرض ، المبين لأهل السماوات والأرض أمور دينهم ومصالحهم ، فلما كان بالله وبهداه يهتدي أهل السماوات والأرض إلى صلاحهم وأمور دينهم كما يهتدون بالنور الذي خلق الله لهم في السماوات والأرض إلى صلاح دنياهم قال : إنه نور السماوات والأرض على هذا المعنى ، وأجرى على نفسه هذا الاسم توسعا ومجازا ، لأن العقول دالة على أن الله عزوجل لا يجوز أن يكون نورا ولا ضياء ولا من جنس الأنوار والضياء ، لأنه خالق الأنوار وخالق جميع أجناس الأشياء ، وقد دل على ذلك أيضا قوله : ( مثل نوره ) وإنما أراد به صفة نوره ، وهذا النور هو غيره ، لأنه شبهه بالمصباح وضوئه الذي ذكره ووصفه في هذه الآية ، ولا يجوز أن يشبه نفسه بالمصباح ، لأن الله لا شبه له ولا نظير ، فصح أن نوره الذي شبهه بالمصباح إنما هو دلالته أهل السماوات و الأرض على مصالح دينهم وعلى توحيد ربهم وحكمته وعدله ، ثم بين وضوح دلالته هذه وسماها نورا من حيث يهتدي بها عبادة إلى دينهم وصلاحهم ، فقال : مثله كمثل كوة وهي المشكاة فيها المصباح والمصباح هو السراج في زجاجة صافية شبيهة بالكوكب الدري في صفائه ، والكوكب الدري ، هو الكوكب المشبه بالدر في لونه ، وهذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية يتوقد من زيت زيتونة مباركة ، وأراد به زيتون الشام لأنه يقال : إنه بورك فيه لأهله وعنى عزوجل بقوله : ( لا شرقية ولا غربية ) أن هذه الزيتونة ليست بشرقية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الغروب ، ولا غربية فلا تسقط الشمس عليها في وقت الطلوع ، بل هي في أعلى شجرها والشمس تسقط عليها في طول نهارها فهو أجود لها وأضوء لزيتها ، ثم أكد وصفه لصفاء زيتها فقال : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) لما فيها من الصفاء فبين أن دلالات الله التي بها دل عباده في السماوات والأرض على
1 ـ في البحار نقلا عن التوحيد ( فوجود الأرض مظلمة بالليل ).

(157)
مصالحهم وعلى أمور دينهم هي في الوضوح والبيان بمنزلة هذا المصباح الذي في هذه الزجاجة الصافية ويتوقد بها الزيت الصافي الذي وصفه ، فيجتمع فيه ضوء النار مع ضوء الزجاجة وضوء الزيت وهو معنى قوله : ( نور على نور ) وعنى بقوله عزوجل : ( يهدي الله لنوره من يشاء ) يعني من عباده وهم المكلفون ليعرفوا بذلك ويهتدوا به ويستدلوا به على توحيد ربهم وسائر أمور دينهم ، وقد دل الله عزوجل بهذه الآية وبما ذكره من وضوح دلالاته وآياته التي دل بها عباده على دينهم أن أحد منهم لم يؤت فيما صار إليه من الجهل ومن تضييع الدين لشبهة ولبس دخلا عليه في ذلك من قبل الله عزوجل ، إذ كان الله عزوجل قد بين لهم دلالاته وآياته على سبيل ما وصف ، وإنهم إنما أتوا في ذلك من قبل أنفسهم بتركهم النظر في دلالات الله واستدلال بها على الله عزوجل وعلى صلاحهم في دينهم ، وبين أنه بكل شيء من مصالح عباده ومن غير ذلك عليم.
    2 ـ وقد روي عن الصادق عليه السلام أنه سئل عن قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ) فقال : هو مثل ضربه الله لنا ، فالنبي صلى الله عليه وآله والأئمة صلوات الله عليهم أجمعين من دلالات الله وآياته التي يهتدى بها إلى التوحيد ومصالح الدين وشرائع الإسلام والفرائض والسنن ، ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    3 ـ وتصديق ذلك ما حدثنا به إبراهيم بن هارون الهيتي بمدينة السلام ، قال :
    حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الثلج ، قال : حدثنا الحسين بن أيوب ، عن محمد بن غالب عن علي بن الحسين ، عن الحسن بن أيوب ، عن الحسين بن سليمان ، عن محمد بن مروان الذهلي عن الفضيل بن يسار ، قال : قلت لأبي عبد الله الصادق عليه السلام : ( الله نور السماوات والأرض ) ؟ قال : كذلك الله عزوجل ، قال : قلت : ( مثل نوره ) ؟
    قال : محمد صلى الله عليه وآله ، قلت ( كمشكاة ) ؟ قال : صدر محمد صلى الله عليه وآله ، قال : قلت : ( فيها مصباح ) ؟ قال : فيه نور العلم يعني النبوة ، قلت : ( المصباح في زجاجة ) ؟ قال :
    علم رسول الله صلى الله عليه وآله صدر إلى قلب علي عليه السلام ، قلت : ( كأنها ) ؟ قال : لأي شيء


(158)
تقرأ كأنها ، فقلت : فكيف جعلت فداك ؟ قال : كأنها كوكب دري (1) قلت :
    ( يوقد من شجرة زيتونة مباركة لا شرقية ولا غربية ) ؟ قال : ذلك أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام لا يهودي ولا نصراني ، قلت : ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) ؟ قال : يكاد العلم يخرج من فم العالم من آل محمد من قبل أن ينطق به (2) ، قلت : ( نور على نور ) ؟ قال : الإمام في إثر الإمام عليه السلام.
    4 ـ حدثنا إبراهيم بن هارون الهيتي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي ـ الثلج ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن الحسين الزهري ، قال : حدثنا أحمد بن صبيح قال : حدثنا ظريف بن ناصح ، عن عيسى بن راشد ، عن محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام في قوله عزوجل : ( كمشكاة فيها مصباح ) ، قال : المشكاة نور العلم في صدر النبي صلى الله عليه وآله ( المصباح في زجاجة ) الزجاجة صدر علي عليه السلام ، صار علم النبي صلى الله عليه وآله إلى صدر علي عليه السلام ( الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة ) قال : نور ، ( لا شرقية ولا غربية ) قال : لا يهودية ولا نصرانية ( يكاد زيتها يضئ ولو لم تمسسه نار ) قال : يكاد العالم من آل محمد عليهم السلام يتكلم بالعلم قبل أن يسأل ، ( نور على نور ) يعني : إماما مؤيدا بنور العلم والحكمة في إثر إمام من آل محمد عليهم السلام ، وذلك من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة.
    فهؤلاء الأوصياء الذين جعلهم الله عزوجل خلفاءه في أرضه وحججه على خلقه لا تخلو ا الأرض في كل عصر من واحد منهم عليهم السلام ، يدل على صحة ذلك قول أبي طالب في رسول الله صلى الله عليه وآله :
أنت الأمين محمد قرم أغر مسود أنت السعيد من السعود تكنفتك الأسعد فلقد عرفتك صادقا بالقول لا تتفند لمسودين أطائب كرموا وطاب المولد من لدن آدم لم يزل فينا وصي مرشد ما زلت تنطق بالصواب وأنت طفل أمرد
    يقول : ما زلت تتكلم بالعلم قبل أن يوحى إليك وأنت طفل كما قال
1 ـ تذكير الضمير باعتبار تأويل الزجاجة بقلب أمير المؤمنين عليه السلام.
2 ـ أي من قبل أن يسأل عنه ، كما في الحديث التالي.


(159)
إبراهيم عليه السلام وهو صغير لقومه : ( إني برئ مما تشركون ) (1) وكما تكلم عيسى عليه السلام في المهد فقال : ( إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت ـ الآية ) (2).
    ولأبي طالب في رسول الله صلى الله على وآله وسلم مثل ذلك في قصيدته اللامية حين يقول :
وما مثله في الناس سيد معشر فأيده رب العباد بنوره إذا قايسوه عند وقت التحاصل وأظهر دينا حقه غير زائل
    ويقول فيها :
وأبيض يستسقي الغمام بوجهه تطيف به الهلاك من آل هاشم وميزان صدق لا يخيس شعيرة ربيع اليتامى عصمة للأرامل فهم عنده في نعمة وفواضل وميزان عدل وزنه غير عائل
    5 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن محمد بن أسلم الجبلي ، عن الخطاب بن عمر (3) ومصعب بن عبد الله الكوفيين ، عن جابر بن يزيد ، عن أبي جعفر عليه السلام في قول الله عزوجل : ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة ) فالمشكاة صدر نبي الله صلى الله عليه وآله فيه المصباح ، والمصباح هو العلم في الزجاجة والزجاجة أمير المؤمنين عليه السلام وعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنده.

    1 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان ، قال : حدثنا أبو حامد عمران
1 ـ الأنعام : 78.
2 ـ مريم : 31.
3 ـ في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( عن الخطاب أبي عمر ) ولم أجده.
4 ـ التوبة : 67.


(160)
ابن موسى بن إبراهيم ، عن الحسن بن القاسم الرقام ، عن القاسم بن مسلم ، عن أخيه عبد العزيز بن مسلم ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام عن قول الله عزوجل : ( نسوا الله فنسيهم ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا ينسى ولا يسهو ، وإنما ينسى ويسهو المخلوق المحدث ، ألا تسمعه عزوجل يقول : ( وما كان ربك نسيا ) (1) وإنما يجازي من نسيه ونسي لقاء يومه بأن ينسيهم أنفسهم ، كما قال عزوجل :
    ( ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسيهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) (2) وقوله عزوجل ( فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) (3) أي نتركهم كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم هذا.
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : قوله : نتركهم أي لا نجعل لهم ثواب من كان يرجوا لقاء يومه ، لأن الترك لا يجوز على الله عزوجل ، وأما قول الله عزوجل : ( وتركهم في ظلمات لا يبصرون ) (4) أي لم يعاجلهم بالعقوبة وأمهلهم ليتوبوا (5).

    1 ـ حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يعقوب الكليني ، قال : حدثنا علي بن محمد المعروف بعلان الكليني ، قال : حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد ، قال : سألت أبا الحسن علي بن محمد العسكري عليهما السلام ، عن
1 ـ مريم : 64.
2 ـ الحشر : 19.
3 ـ الأعراف : 51.
4 ـ البقرة : 17.
5 ـ حاصل كلام الإمام عليه السلام أن الله تعالى لا ينسى ولا يسهو بل ينسى غيره مجازاة ، و أما نسيانه فهو بمعنى الترك ، ومراد الصدوق رحمه الله أن تركه تعالى ليس ترك إهمال و سدى بل على وجوه أخرى كترك الأخذ بالعجلة.
6 ـ الزمر : 67.


(161)
قول الله عزوجل : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ) فقال : ذلك تعيير الله تبارك وتعالى لمن شبهه بخلقه ، ألا ترى أنه ، قال : ( وما قدروا الله حق قدره ) ومعناه إذ قالوا : إن الأرض جميعا قبضته يوم القيمة والسماوات مطويات بيمينه ، كما قال عزوجل : ( وما قدروا الله حق قدره ) إذ قالوا : ( ما أنزل الله على بشر من شيء ) (1) ثم نزه عزوجل نفسه عن القبضة واليمين فقال :
    ( سبحانه وتعالى عما يشركون ) (2).
    2 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي رحمه الله قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم ابن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عزوجل : ( والأرض جميعا قبضته يوم القيمة ) فقال :
    يعني ملكه لا يملكها معه أحد ، والقبض من الله تبارك وتعالى في موضع آخر المنع والبسط ، منه الاعطاء والتوسيع ، كما قال عزوجل : ( والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون ) (3) يعني يعطي ويوسع ويمنع ويضيق ، والقبض منه عزوجل في وجه
1 ـ الأنعام : 91.
2 ـ مراده عليه السلام أن قوله تعالى : ( والأرض جميعا ـ الخ ) حكاية قول من شبه الله بخلقه بتقدير إذ قالوا كما في الآية الأخرى ، فيكون قوله تعالى : ( وما قدروا الله حق قدره ) تعييرا من الله عليهم لقولهم ذلك ، فلذا نزه نفسه في آخر الآية غن ذلك لأنه تشبيه له بخلقه كما أنه تعالى عيرهم في الآية الأخرى لقولهم : ما أنزل الله ، ثم إن ( إذ ) في الموضعين للتعليل قال العلامة المجلسي في البحار في الصفحة الثانية من الجزء الرابع من الطبعة الحديثة :
    هذا وجه حسن لم يتعرض له المفسرون ، ويؤيده أن العامة رووا ( أن يهوديا أتى النبي صلى الله عليه وآله وذكر نحوا من ذلك فيضحك صلى الله عليه وآله ، وهذا التفسير لا ينافي ما في الحديث التالي وغيره لأن المتشابهات تحمل على بعض الوجوه الحقة المحكمة أو على جميعها بدلالة من الراسخين في العلم.
3 ـ البقرة : 245.


(162)
آخر الأخذ (1) في وجه القبول منه كما قال : ( ويأخذ الصدقات ) (2) أي يقبلها من أهلها ويثيب عليها ، قلت : فقوله عزوجل : ( والسماوات مطويات بيمينه ) ؟ قال : اليمين اليد ، واليد القدرة والقوة ، يقول عزوجل : السماوات مطويات بقدرته وقوته ، سبحانه وتعالى عما يشركون.

    1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل : ( كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان يحل فيه فيحجب عنه فيه عباده ، ولكنه يعني ، إنهم عن ثواب ربهم لمحجوبون.

    1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، قال : سألت الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل ( وجاء ربك والملك صفا صفا ) فقال : إن الله عزوجل لا يوصف بالمجيء والذهاب تعالى عن الانتقال ، إنما يعني بذلك وجاء أمر ربك والملك صفا صفا.
1 ـ في نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ب ) ( في موضع آخر الأخذ ).
2 ـ التوبة : 104.
3 ـ المطففين : 15.
4 ـ الفجر : 22.


(163)
    1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي ، قال : حدثنا أحمد ابن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني ، قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل :
    ( هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة ) قال : يقول : هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله بالملائكة في ظلل من الغمام ، وهكذا نزلت.

    1 ـ حدثنا محمد بن إبراهيم بن أحمد بن يونس المعاذي قال حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي الهمداني قال : حدثنا علي بن الحسن بن علي بن فضال ، عن أبيه ، عن الرضا علي بن موسى عليهما السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل ( سخر الله منهم ) وعن قول الله عزوجل : ( الله يستهزئ بهم ) وعن قوله : ( ومكروا ومكر الله ) وعن قوله ( يخادعون الله وهو خادعهم ) فقال : إن الله تبارك وتعالى لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عزوجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء ، وجزاء المكر والخديعة ، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا. (6).
1 ـ البقرة : 210.
2 ـ التوبة : 79.
3 ـ البقرة : 15.
4 ـ آل عمران : 54.
5 ـ النساء : 142.
6 ـ إن الله تبارك وتعالى ذاته الأحدية منزهة عن كل حدوث وتركيب وتغير وزوال وإمكان ونقصان بالبراهين العقلية والنقلية ، وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما فكل ما أسند إليه تعالى في الكتاب والسنة باعتبار مما تنزه تعالى عنه بالبراهين فهو راجع إلى خلقه الممكن فيه ذلك ، أو يؤول إلى ما يليق بقدسه. وهذان الوجهان مذكوران في كثير من أحاديث هذا الكتاب فاستبصر.


(164)
    1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله : قال :
    حدثنا محمد بن جعفر الكوفي (1) ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي الكوفي ، عن عمه الحسين بن يزيد ، عن علي بن الحسين ، عمن حدثه ، عن عبد الرحمن بن كثير ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن أمير المؤمنين عليه السلام قال : أنا علم الله ، وأنا قلب الله الواعي ، ولسان الله الناطق ، وعين الله ، وجنب الله ، وأنا يد الله.
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : معنى قوله عليه السلام : وأنا قلب الله الواعي أي أنا القلب الذي جعله الله وعاء لعلمه ، وقلبه إلى طاعته ، وهو قلب مخلوق الله عزوجل كما هو عبد الله عزوجل ، ويقال : قلب الله كما يقال : عبد الله وبيت الله وجنة الله ونار الله. وأما قوله : عين الله ، فإنه يعني به : الحافظ لدين الله ، وقد قال الله عزوجل : ( تجري بأعيننا ) (2) أي بحفظنا ، وكذلك قوله عزوجل : ( و لتصنع على عيني ) (3) معناه على حفظي.
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن ابن سنان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته : أنا الهادي ، وأنا المهتدي ، وأنا أبو اليتامى والمساكين وزوج الأرامل ، وأنا ملجأ كل
1 ـ هو أبو الحسين محمد بن جعفر بن عون الأسدي الكوفي المذكور في كثير من أسانيد الكتاب بعنوان محمد بن أبي عبد الله.
2 ـ القمر : 14.
3 ـ طه : 39.


(165)
ضعيف ومأمن كل خائف ، وأنا قائد المؤمنين إلى الجنة ، وأنا حبل الله المتين ، و أنا عروة الله الوثقى وكلمة التقوى ، وأنا عين الله ولسانه الصادق ويده ، وأنا جنب الله الذي يقول : ( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) (1) وأنا يد الله المبسوطة على عباده بالرحمة والمغفرة ، وأنا باب حطة ، من عرفني وعرف حقي فقد عرف ربه لأني وصي نبيه في أرضه ، وحجته على خلقه ، لا ينكر هذا إلا راد على الله ورسوله.
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : الجنب الطاعة في لغة العرب ، يقال :
    هذا صغير في جنب الله أي في طاعة الله عزوجل ، فمعنى قول أمير المؤمنين عليه السلام : أنا جنب الله أي أنا الذي ولايتي طاعة الله ، قال الله عزوجل : ( أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله ) أي في طاعة الله عزوجل (2).

    1 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن سنان ، عن أبي الجارود ، عن محمد بن بشر الهمداني (3) قال : سمعت محمد بن الحنفية يقول : حدثني أمير المؤمنين عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة آخذ بحجزة الله ، ونحن آخذون بحجزة نبينا ، و شيعتنا آخذون بحجزتنا ، قلت : يا أمير المؤمنين وما الحجزة ؟ قال : الله أعظم من أن يوصف بالحجزة أو غير ذلك ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بأمر الله ، ونحن آل محمد آخذون بأمر نبينا وشيعتنا آخذون بأمرنا.
    2 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى
1 ـ الزمر : 56.
2 ـ قد مر الكلام جملة في أمثال هذه الأحاديث المروية عنهم عليهم السلام في ذيل الحديث التاسع من الباب الثاني عشر ، والشاهد لما قلنا ما في الباب الرابع والعشرين.
3 ـ في نسخة ( و ) وحاشية نسخة ( ب ) محمد بن بشير الهمداني.
التوحيد ::: فهرس