التوحيد ::: 241 ـ 255
(241)
أنكره فإن الله غني عن العالمين ، وهو أسرع الحاسبين ، ومعنى ( قد قامت الصلاة ) في الإقامة أي حان وقت الزيارة والمناجاة وقضاء الحوائج ودرك المنى ، والوصول إلى الله عزوجل ، وإلى كرامته وغفرانه وعفوه ورضوانه.
    قال مصنف هذا الكتاب : إنما ترك الراوي لهذا الحديث ذكر ( حي على خير العمل ) للتقية.
    2 ـ وقد روي في خبر آخر أن الصادق عليه السلام سئل عن معنى ( حي على خير العمل ) فقال : خير العمل الولاية. وفي خبر آخر خير العمل بر فاطمة وولدها عليهم السلام (1).

    1 ـ حدثنا علي بن عبد الله الوراق ، ومحمد بن أحمد السناني ، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمهم الله ، قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد بن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال : حدثنا تميم بن بهلول ، عن أبيه ، عن جعفر بن سليمان البصري ، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام ، عن قول الله عزوجل : ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) (2) فقال : إن الله تبارك وتعالى يضل الظالمين يوم القيامة عن دار كرامته ، ويهدي أهل الإيمان والعمل الصالح إلى جنته كما قال عزوجل : ( ويضل الله الضالمين ويفعل الله ما يشاء ) (3) وقال عزوجل ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار
1 ـ أقول : ويحتمل أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يفسرها لأنه عليه السلام فسر ما قال المؤذن و المؤذن من العامة لم يكن يقولها ، وأما الشهادة بالولاية فشاعت بين الشيعة بإذن وترغيب من الصادق عليه السلام على ما في حديث مذكور في محله.
2 ـ الكهف : 17.
3 ـ إبراهيم عليه السلام : 27.


(242)
في جنات النعيم ) (1) قال : فقلت : قوله عزوجل : ( وما توفيقي إلا بالله ) (2) وقوله عزوجل : ( إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده ) (3) فقال : إذا فعل العبد ما أمره الله عزوجل به من الطاعة كان فعله وفقا لأمر الله عزوجل وسمي العبد به موفقا ، وإذا أراد العبد أن يدخل في شيء من معاصي الله فحال الله تبارك وتعالى بينه وبين تلك المعصية فتركها كان تركه لها بتوفيق الله تعالى ذكره ، ومتى خلى بينه وبين تلك المعصية فلم يحل بينه وبينها حتى يرتكبها فقد خذله ولم ينصره ولم يوفقه (4).
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن أبي عبد الله الفراء ، عن محمد بن مسلم ومحمد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : ما علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن جبرئيل من قبل الله عزوجل إلا بالتوفيق.
    3 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان ، قال : حدثنا الحسن بن علي السكري قال حدثنا أبو عبد الله محمد بن زكريا البصري ، قال : حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة عن أبيه ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال سألته عن معنى ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فقال : معناه لا حول لنا عن معصية الله إلا بعون الله ، ولا قوة لنا على طاعة الله إلا بتوفيق الله عزوجل.
    4 ـ حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس العطار رضي الله عنه بنيسابور سنة
1 ـ يونس : 9.
2 ـ هود : 88.
3 ـ آل عمران : 160.
4 ـ التوفيق هو تهيئة الأسباب نحو الفعل ، والأسباب بعضها بيد العبد وبعضها ليس كذلك.
    وما بيد العبد ينتهي أيضا إليه تعالى منعا وإعطاء ، فلذلك : ( ما توفيقي إلا بالله ) والتوفيق للطاعة هو اجتماع أسباب الفعل كلها ، والتوفيق لترك المعصية هو فقدان بعض الأسباب ، فإن كان بيد العبد فهو الانقياد فيهما وإلا فهو اللطف من الله تعالى ، وعدم التوفيق والخذلان في الطاعة وترك المعصية على عكس ذلك.


(243)
اثنتين وخمسين وثلاثمائة ، قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة ، عن حمدان بن سليمان النيسابوري ، قال : سألت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، ( بنيسابور ) (1) عن قول الله عزوجل : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ) (2) قال : من يرد الله أن يهديه بإيمانه في الدنيا إلى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون إلى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن إليه ، ومن يرد أن يضله عن جنته ودار كرامته في الآخرة لكفره به وعصيانه في الدنيا يجعل صدره ضيقا حرجا حتى يشك في كفره ، ويضطرب من اعتقاده قلبه حتى يصير كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون (3).

    1 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا أبو القاسم العلوي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال : حدثنا الحسين ابن الحسن ، قال : حدثني إبراهيم بن هاشم القمي ، قال : حدثنا العباس بن عمرو الفقيمي ، عن هشام بن الحكم في حديث الزنديق الذي أتى أبا عبد الله عليه السلام فكان من قول أبي عبد الله عليه السلام له : لا يخلو قولك : إنهما اثنان ، من أن يكونا قديمين قويين أو يكونا ضعيفين أو يكون أحدهما قويا والآخر ضعيفا ، فإن كانا قويين فلم لا يدفع كل واحد منهما صاحبة ويتفرد بالتدبير ، وإن زعمت أن أحدهما قوي و الآخر ضعيف ثبت أنه واحد كما نقول ، للعجز الظاهر في الثاني ، وإن قلت :
    إنهما اثنان لم يخل من أن يكونا متفقين من كل جهة أو مفترقين من كل جهة
1 ـ ليس في البحار ولا في النسخ الخطية عندي لفظة بنيسابور.
2 ـ الأنعام : 125.
3 ـ الهداية على ست مراحل : هداية التكوين ، هداية العقل ، هدايه الدعوة ، هداية التشريع ، هداية اللطف ، هداية الجزاء ، ولكل من هذه آيات في الكتاب ، وتحقق كل منها مشروط بما قبلها ، وللتفصيل محل آخر.


(244)
فلما رأينا الخلق منتظما والفلك جاريا واختلاف الليل والنهار ، والشمس والقمر دل صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر على أن المدبر واحد (1) ثم يلزمك إن ادعيت اثنين فلا بد من فرجة بينهما حتى يكونا اثنين فصارت الفرجة ثالثا بينهما ، قديما معهما ، فيلزمك ثلاثة ، فإن ادعيت ثلاثة لزمك ما قلنا في الاثنين حتى يكون بينهم فرجتان فيكون خمسا ، ثم يتناهى في العدد إلى ما لا نهاية في الكثرة (2).
    قال هشام : فكان من سؤال الزنديق أن قال : فما الدليل عليه ؟ قال أبو ـ عبد الله عليه السلام : وجود الأفاعيل التي دلت على أن صانعا صنعها ، ألا ترى أنك إذا نظرت إلى بناء مشيد مبني علمت أن له بانيا وإن كنت لم تر الباني ولم تشاهده ، قال : فما هو ؟ قال : هو شيء بخلاف الأشياء ، ارجع بقولي : شيء إلى إثبات
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( دل على صحة الأمر والتدبير وائتلاف الأمر وأن المدبر واحد ).
2 ـ إلى هنا أشار عليه السلام إلى أدلة لتوحيد الصانع : الأول إن الشقوق في الصانعين من حيث القوة التامة ثلاثة : اثنان منها ظاهرا البطلان لم يتعرض إلا لأحدهما لشدة وضوح بطلان الآخر ، والشق الثالث أن يكون لكل منهما قوة تامة فيلزم أن يقوى كل منهما على دفع الآخر وإلا لم تكن قوته تامة فحينئذ يكون لكل منهما دافعا ومدفوعا وهو محال. الثاني أن الشقوق من حيث الافتراق والاتفاق أيضا ثلاثة : الأول الاتفاق من كل جهة وهذا يرفع الاثنينية لأنها لا تتصور من دون الامتياز والامتياز. لا يتصور إلا بالافتراق من جهة أو جهات. الثاني الافتراق من كل جهة فلو كان الأمر كذلك لزم الفساد في التدبير وانتفاء النظام في الخلق ولكن الخلق منتظم والتدبير صحيح ، وإلى بطلان هذا التالي أشار عليه السلام بقوله : فلما رأينا الخلق منتظما الخ ، الثالث الافتراق من بعض الجهات ، ولم يذكره عليه السلام لأن حكمه حكم الشق الثاني.
    الثالث كون الصانع اثنين يستلزم أن يكون لأحدهما لا أقل من شيء يحصل لهما الامتياز به إذ عدم الامتياز يرفع الاثنينية ، والامتياز بتمام الذات معقول إلا أنه لا يتصور إلا بالاشتراك في أصل الوجود فيعود في المفروض ، وحكم الثلاثة في الامتياز حكم الاثنين فيكون الثلاثة خمسة ، وهكذا إلى ما لا نهاية له ، فكان صانع العالم أشياء غير متناهية.


(245)
معنى ، وأنه شيء بحقيقة الشيئية (1) غير أنه لا جسم ولا صورة ولا يحس ولا يجس ولا يدرك بالحواس الخمس ، لا تدركه الأوهام ، ولا تنقصه الدهور ، ولا يغيره الزمان.
    قال السائل : فتقول : إنه سميع بصير ؟! قال : هو سميع بصير ، سميع بغير جارحة وبصير بغير آله ، بل يسمع بنفسه ، ويبصر بنفسه ، ليس قولي ، إنه يسمع بنفسه وبصير بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ، ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسؤولا وإفهاما لك إذ كنت سائلا ، وأقول : يسمع بكله لا أن الكل منه له بعض ، ولكني أردت إفهاما لك والتعبير عن نفسي ، وليس مرجعي في ذلك إلا إلى أنه السميع البصير العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى (2).
    قال السائل : فما هو ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : هو الرب وهو المعبود وهو الله وليس قولي : ( الله ) إثبات هذه الحروف ألف ، لام ، هاء ، ولكني أرجع إلى معنى (3) هو شيء خالق الأشياء وصانعها وقعت عليه هذه الحروف ، وهو المعنى الذي يسمى به الله والرحمن والرحيم والعزيز وأشباه ذلك من أسمائه (4) وهو المعبود عزوجل.
    قال السائل : فإنا لم نجد موهوما إلا مخلوقا ، قال أبو عبد الله عليه السلام : لو كان ذلك كما تقول لكان التوحيد عنا مرتفعا لأنا لم نكلف أن نعتقد غير موهوم
1 ـ مضت هذه الفقرة مع ذيل في الحديث الثاني من الباب السابع.
2 ـ مضت هذه الفقرة في الحديث العاشر من الباب الحادي عشر.
3 ـ في الكافي وفي نسخة ( ج ) ( ولكن ارجع إلى معنى ـ الخ ).
4 ـ قوله : ( وهو المعنى الذي ـ الخ ) من باب القلب ، والأصل وهو المعنى الذي يسمى بالله ـ الخ ) ، وفي نسخة ( ج ) ( وهو المعنى الذي سمي به الله ـ الخ ) وفي نسخة ( ب ) ( وهو المعنى الذي يسمى الله والرحمن ـ الخ ) أي يجعل هذه الأسماء أسماء له ، وفي نسخة ( و ) ( وهو المعنى الذي يسمى به ، هو الله والرحمن والرحيم ـ الخ ) وفي الكافي باب إطلاق القول بأنه شيء : ( وهو المعنى سمي به الله والرحمن والرحيم ـ الخ ) وهذا أيضا من باب القلب.


(246)
ولكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك ، فما تجده الحواس وتمثله فهو مخلوق (1) ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارج من الجهتين المذمومتين (2) إحديهما النفي إذ كان النفي هو الإبطال والعدم ، والجهة الثانية التشبيه إذ كان التشبيه من صفة المخلوق الظاهر التركيب والتأليف ، فلم يكن بد من إثبات الصانع لوجود المصنوعين ، والاضطرار منهم إليه أثبت أنهم مصنوعون ، وأن صانعهم غيرهم وليس مثلهم إذ كان مثلهم شبيها بهم في ظاهر التركيب والتأليف وفيما يجري عليهم من حدوثهم بعد أن لم يكونوا ، وتنقلهم من صغر إلى كبر ، وسواد إلى بياض ، وقوة إلى ضعف ، وأحوال موجودة لا حاجة لنا إلى تفسيرها لثباتها ووجودها.
    قال السائل : فقد حددته إذ أثبت وجوده ، قال أبو عبد الله عليه السلام : لم أحده ولكن أثبته إذ لم يكن بين الاثبات والنفي منزلة.
    قال السائل : فله إنية ومائية ؟ قال : نعم ، لا يثبت الشيء إلا بإنية و مائية (3).
1 ـ أي لو لم نتوهمه تعالى بعنوان من العناوين الصادقة على ذاته لما كلفنا بتوحيده ومعرفته لأن الذات غير معقولة لنا لأن ما يعقل بذاته محدود ومخلوق فبقي تعلقنا له بالعناوين كالشيء والموجود والصانع والرب والرحمن والرحيم وأشباه ذلك كما صرح به الإمام عليه السلام في الحديث السادس من الباب السابع فنتوجه إليه بها وهي غيره ، وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة ( ج ) و ( و ) ولكنا نقول : ( كل موهوم بالحواس مدرك ، فما تحده الحواس وتمثله فهو مخلوق ) وفي البحار باب إثبات الصانع : ( ولكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس ممثلا ، فهو مخلوق ) وفي نسخة ( ن ) ( ولكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك بها تحده الحواس وتمثله ، فهو مخلوق ) وفي نسخة ( ط ) ( ولكنا نقول : كل موهوم بالحواس مدرك ، فما تجده بالحواس وتمثله فهو مخلوق ).
2 ـ في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام وفي نسخة ( ن ) ( ولا بد من إثبات صانع للأشياء خارج ـ الخ ) وفي البحار باب إثبات الصانع : ( ولا بد من إثبات صانع الأشياء خارجا ـ الخ ).
3 ـ الماهية بالمعنى الأعم ، وهي فيه تعالى عين آنيته على ما ذكر في محله.


(247)
    قال السائل : فله كيفية ؟ قال : لا لأن الكيفية جهة الصفة والإحاطة (1) ولكن لا بد من الخروج من جهة التعطيل والتشبيه لأن من نفاه أنكره ورفع ربوبيته وأبطله ومن شبهه بغيره فقد أثبته بصفة المخلوقين المصنوعين الذين لا يستحقون الربوبية ، ولكن لا بد من إثبات ذات بلا كيفية لا يستحقها غيره ولا يشارك فيها ولا يحاط بها ولا يعلمها غيره (2).
    قال السائل : فيعاني الأشياء بنفسه ؟ (3) قال أبو عبد الله عليه السلام : هو أجل من أن يعاني الأشياء بمباشرة ومعالجة لأن ذلك صفة المخلوق الذي لا يجئ الأشياء له إلا بالمباشرة والمعالجة ، وهو تعالى نافذ الإرادة المشية فعال لما يشاء.
    قال السائل : فله رضى وسخط ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : نعم ، وليس ذلك على
1 ـ أي جهة توجب إمكان توصيف المكيف والإحاطة به إدراكا.
2 ـ الضمائر المؤنثة راجعة إلى الذات ، وفي الكافي باب أنه شيء ( ولكن لا بد من إثبات أن له كيفية لا يستحقها غيره ـ الخ ) فالضمائر راجعة إلى كيفية ، وقد أثبت له تعالى كيفية في روايات ونفيت عنه في أخرى ، فالمثبتة هي الوجوب الذاتي الذي هو عين وجوده وذاته وصفاته ، والمنفية ما به إمكان إدراكه وتوصيفه كما في غيره.
3 ـ هو من المعاناة ، والثلاثي منه العنى بمعنى التعب والنصب واللغوب وتحمل المشقة وهي مباشرة العمل بالآلات بحيث يتحمل الفاعل المشقة والتعب من جهة الفعل فكرا أو فعلا وهذا منفى عنه تعالى ، بل إرادته نافذة ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) من دون مس لغوب ونصب ومن دون مباشرة ومعالجة بالآلات وحاجة إلى شيء من الأسباب هكذا في الكافي والبحار باب الاحتجاج ، وكثير من النسخ ، وفي بعض النسخ الخطية ( يعاين ) في الموضعين ، وهو من المعاينة وهي شهود شيء لشيء ، وهذا من خطأ الناسخ لأنه غير منفي عنه تعالى لأنه شاهد كل شيء بنفسه لا ببصر غيرها بدلائل العقل والنقل كما مر في كلامه عليه السلام هنا ، مع تنافر الجواب والتعليل له جدا ، وعجبا من فاضل شرح هذا الحديث في آخر الجزء الأول من الكافي المطبوع حديثا فأخذ هذه اللفظة من المعاينة وأتى بما لا ارتباط له بكلام الإمام عليه السلام مع أن ما في الكافي يعاني الأشياء.


(248)
ما يوجد في المخلوقين ، وذلك أن الرضا والسخط دخال يدخل عليه فينقله من حال إلى حال ، وذلك صفة المخلوقين العاجزين المحتاجين ، وهو تبارك وتعالى العزيز الرحيم لا حاجة به إلى شيء مما خلق ، وخلقه جميعا محتاجون إليه ، وإنما خلق الأشياء من غير حاجة ولا سبب اختراعا وابتداعا (1).
    قال السائل : فقوله : ( الرحمن على العرش استوى ) (2) قال أبو عبد الله عليه السلام :
    بذلك وصف نفسه وكذلك هو مستول على العرش بائن من خلقه من غير أن يكون العرش حاملا له ولا أن يكون العرش حاويا له ولا أن العرش محتاز له ، ولكنا نقول : هو حامل العرش وممسك العرش ، ونقول من ذلك ما قال : ( وسع كرسيه السماوات والأرض ) (3) فثبتنا من العرش والكرسي ما ثبته ، ونفينا أن يكون العرش والكرسي حاويا له أو يكون عزوجل محتاجا إلى مكان أو إلى شيء مما خلق ، بل خلقه محتاجون إليه.
    قال السائل : فما الفرق بين أن ترفعوا أيديكم إلى السماء وبين أن تخفضوها نحو الأرض ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : ذلك في علمه وإحاطته وقدرته سواء ، ولكنه عزوجل أمر أولياءه وعباده برفع أيديهم إلى السماء نحو العرش لأنه جعله معدن الرزق ، فثبتنا ما ثبته القرآن والأخبار عن الرسول صلى الله عليه وآله حين قال : ارفعوا أيديكم إلى الله عزوجل ، وهذا يجمع عليه فرق الأمة كلها (4).
1 ـ مضت هذه الفقرة في الحديث الثالث من الباب السادس والعشرون مع زيادة.
2 ـ طه : 5.
3 ـ البقرة : 255.
4 ـ في نسخة ( ج ) و ( ط ) وهذا مجمع عليه ـ الخ ) وبعد هذه الفقرة زيادة مذكورة.
    في نسخة ( ن ) وفي البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام عن بعض النسخ بعد تمام الحديث ، و هي ( قال السائل : فتقول : أنه ينزل إلى السماء الدنيا ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : نقول :
    ذلك لأن الروايات قد صحت به والأخبار ، قال السائل : فإذا نزل أليس قد حال عن العرش ؟
    وحؤوله عن العرش صفة حدثت ، قال أبو عبد الله عليه السلام : ليس ذلك منه على ما يوجد من المخلوق الذي ينتقل باختلاف الحال عليه والملالة والسأمة وناقل ينقله ويحوله من حال إلى حال ، بل هو تبارك وتعالى لا يحدث عليه الحال ولا يجري عليه الحدوث فلا يكون نزلوه كنزول المخلوق الذي متى تنحى عن مكان إلى مكان خلا منه المكان الأول ، ولكنه ينزل إلى السماء الدنيا بغير معاناة وحركة فيكون كما هو في السماء السابعة على العرش كذلك هو في السماء الدنيا ، إنما يكشف عن عظمته ويرى أولياءه نفسه حيث شاء ويكشف ما شاء من قدرته ، و منظره في القرب والبعد سواء ).
    أقول : حديث نزوله تعالى مروي مأول ككثير من آيات الكتاب ، وقد مر في الحديث السابع من الباب الثامن والعشرين أن النازل ملك.


(249)
    قال السائل : فمن أين أثبت أنبياء ورسلا ؟ قال أبو عبد الله عليه السلام : إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسهم ولا يلامسوه ولا يباشرهم ولا يباشروه ولا يحاجهم ولا يحاجوه (1) فثبت أن له سفراء في خلقه وعباده (2) يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه حكماء مؤدبين بالحكمة مبعوثين بها غير مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيدين من عند الله الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين و
1 ـ قوله : ( لم يجز أن يشاهده ـ الخ ) جواب ( لما ) إلا أنه جواب باعتبار الجملة الأولى ، وقوله : ( وكان ذلك الصانع حكيما ) جملة حالية ، فما يثبت به وجوب إرسال الرسل كونه تعالى متعاليا عن الخلق لا يجوز لهم مشاهدته ومكالمته ومباشرته ، وكونه حكيما لا يجوز أن يتركهم سدى ، فثبت أن له سفراء ـ الخ ) وفي الكافي باب الاضطرار إلى الحجة ( إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق وكان ذلك الصانع حكيما متعاليا لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه فيباشرهم ويباشروه ويحاجهم ويحاجوه ثبت أن له سفراء في خلقه يعبرون عنه إلى خلقه وعباده ) وكذا في البحار باب احتجاج الصادق عليه السلام في خبر آخر عن كتاب الاحتجاج.
2 ـ في نسخة ( ط ) وحاشية نسخة ( ب ) ( أن له سفراء في خلقه وعبادا يدلونهم ـ الخ ).


(250)
الشواهد من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فلا تخلو أرض الله من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقال الرسول ووجوب عدالته. (1)
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن الحكم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : ما الدليل على أن الله واحد ؟ قال : اتصال التدبير وتمام الصنع كما قال عزوجل : ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) (2).
    3 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رضي الله عنه ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، قال : حدثني أبو سمينة محمد بن علي الصيرفي ، عن محمد بن عبد الله الخراساني خادم الرضا عليه السلام ، قال : دخل رجل من الزنادقة على الرضا عليه السلام وعنده جماعة ، فقال
1 ـ المراد بالحجة وصي الرسول القائم مقامه بعده ليكون بعلمه دالا على صدق مقال الرسول وأنه عادل بالدعوة الحقة لا ظالم بالدعوة الباطلة ، وهذا الحجة بعلمه معجزة باقية من الرسول كالكتاب ، فلذلك قال صلى الله عليه وآله : ( إني تارك فيكم ـ الخ ) ، ويمكن أن يقرأ بفتحتين أي يكون معه علامة هي خصوصيات الإمام عليه السلام من العلم وسائر أوصافه وأفعاله و المواريث ، وللمصنف رحمه الله بعد تمام الخبر كلام مذكور في نسخة ( ن ) وفي البحار باب الاحتجاج نقلا عن بعض النسخ ، وهو :
    ( قال مصنف هذا الكتاب : قوله عليه السلام : إنه على العرش ليس بمعنى التمكن فيه لكنه بمعنى التعالى عليه بالقدرة ، يقال : فلان على خير واستقامة وعلى عمل كذا وكذا ، وليس ذلك بمعنى التمكن فيه والاستواء عليه ، ولكن ذلك بمعنى التمكن منه والقدرة عليه ، وقوله عليه السلام في النزول ليس بمعنى الانتقال وقطع المسافات ، ولكنه على معنى إنزال الأمر منه إلى السماء الدنيا لأن العرش هو المكان الذي ينتهي بأعمال العباد من سدرة المنتهى إليه ، وقد جعل الله عزوجل السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل وفي ليالي الجمعة مسافة الأعمال في ارتفاعها أقرب منها في سائر الأوقات إلى العرش ، وقوله عليه السلام : يرى أولياءه نفسه ، فإنه يعنى بإظهار بدائع فطرته ، فقد جرت العادة بأن يقال للسلطان إذا أظهر قوة وقدرة و خيلا ورجلا : قد أظهر نفسه ، وذلك على مستعار الكلام ومجاز اللفظ ).
2 ـ الأنبياء : 22 ، وبيانه عليه السلام في الحديث إشارة إلى بطلان التالي في الآية.


(251)
له أبو الحسن عليه السلام : أيها الرجل أرأيت إن كان القول قولكم ـ وليس هو كما تقولون ـ ألسنا وإياكم شرعا سواء (1) ولا يضرنا ما صلينا وصمنا وزكينا وأقررنا ؟
    فسكت ، فقال أبو الحسن عليه السلام : وإن يكن القول قولنا ـ وهو كما نقول ـ ألستم قد هلكتم ونجونا ؟.
    فقال ، رحمك الله فأوجدني كيف هو وأين هو (2) قال : ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط ، هو أين الأين وكان ولا أين ، وهو كيف الكيف وكان ولا كيف ، ولا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية ولا يدرك بحاسة ولا يقاس بشيء.
    قال الرجل فإذا إنه لا شيء إذ لم يدرك بحاسة من الحواس فقال أبو الحسن عليه السلام : ويلك لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته ، ونحن إذا عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا خلاف الأشياء (3).
    قال الرجل : فأخبرني متى كان ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان.
    قال الرجل : فما الدليل عليه ؟ قال أبو الحسن عليه السلام : إني لما نظرت إلى جسدي فلم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه علمت أن لهذا البنيان بانيا فأقررت به ، مع ما أرى من دوران الفلك بقدرته وإنشاء السحاب وتصريف الرياح ومجرى الشمس والقمر والنجوم وغير ذلك من الآيات العجيبات المتقنات علمت أن لهذا مقدرا ومنشئا.
1 ـ في الكافي باب حدوث العالم وفي البحار باب إثبات الصانع وفي نسخة ( و ) كما هنا بنصب شرعا ، وفي سائر النسخ : ( ألسنا وإياكم شرع سواء ) بالرفع وفي كليهما شيء بحسب القواعد إلا أن كثيرا منها على الأغلب ، ويمكن التوجيه هنا بأن تكون الواو للمعية لا للعطف ، وشرع بفتحتين يؤتي للواحد وغيره وللمذكر وغيره بمعنى سواء فذكره بعده تأكيد.
2 ـ قوله : ( أوجدني ) من الايجاد بمعنى الإفادة ، كما في خبر أبي الأسود الدئلي أن الحرف ما أوجد معنى في غيره أي أفاد.
3 ـ في نسخة ( ب ) ( أيقنا أنه ربنا خلاق الأشياء ).


(252)
    قال الرجل : فلم احتجب ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام : إن الاحتجاب عن الخلق لكثرة ذنوبهم (1) ، فأما هو فلا يخفى عليه خافية في آناء الليل والنهار.
    قال : فلم لا تدركه حاسة البصر ؟ قال : للفرق بينه وبين خلقه الذين تدركهم حاسة الأبصار منهم ومن غيرهم ، ثم هو أجل من أن يدركه بصر أو يحيط به وهم أو يضبطه عقل.
    قال : فحده لي ، قال : لا حد له.
    قال : ولم ؟ قال : لأن كل محدود متناه إلى حد ، وإذا احتمل التحديد احتمل الزيادة وإذا احتمل الزيادة احتمل النقصان ، فهو غير محدود ، ولا متزايد ولا متناقص ، ولا متجزء ، ولا متوهم.
    قال الرجل : فأخبرني عن قولكم : إنه لطيف سميع بصير عليم حكيم أيكون السميع إلا بالأذن ، والبصير إلا بالعين واللطيف إلا بعمل اليدين والحكيم إلا بالصنعة ؟
    فقال أبو الحسن عليه السلام : إن اللطيف منا على حد اتخاذ الصنعة ، أو ما رأيت الرجل منا يتخذ شيئا يلطف في اتخاذه فيقال : ما ألطف فلانا ، فكيف لا يقال للخالق الجليل :
    لطيف إذ خلق خلقا لطيفا وجليلا وركب في الحيوان أرواحا وخلق كل جنس متبائنا عن جنسه في الصورة لا يشبه بعضه بعضا ، فكل له لطف من الخالق اللطيف الخبير في تركيب صورته ، ثم نظرنا إلى الأشجار وحملها أطائبها المأكولة منها وغير المأكولة فقلنا عند ذلك : إن خالقنا لطيف لا كلطف خلقه في صنعتهم ، وقلنا : إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش إلى الثرى من الذرة إلى أكبر مناه في برها وبحرها ولا تشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك : إنه سميع لا بإذن وقلنا : إنه بصير لا ببصر لأنه يرى أثر الذرة السحماء في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ، ويرى دبيب النمل في الليلة الدجية ويرى مضارها ومنافعها وأثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك إنه بصير لا كبصر خلقه ، قال : ، فما برح حتى أسلم وفيه كلام غير هذا.
1 ـ في البحار باب إثبات الصانع وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( إن الحجاب على الخلق ـ الخ ) وفي نسخة ( و ) و ( ج ) ( إن الحجاب عن الخلق ـ الخ ).

(253)
    4 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رحمه الله ، قال : حدثنا أبو القاسم حمزة بن القاسم العلوي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا أبو سليمان داود بن عبد الله ، قال : حدثني عمرو بن محمد ، قال : حدثني عيسى بن يونس ، قال :
    كان ابن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري فانحرف عن التوحيد ، فقيل له :
    تركت مذهب صاحبك ودخلت فيما لا أصل له ولا حقيقة (1) ، فقال : إن صاحبي كان مخلطا ، كان يقول طورا بالقدر وطورا بالجبر وما أعلمه اعتقد مذهبا دام عليه ، فقدم مكة تمردا وإنكارا على من يحج ، وكان يكره العلماء مسألته إياهم ومجالسته لهم لخبث لسانه وفساد ضميره ، فأتى أبا عبد الله عليه السلام ليسأله ، فجلس إليه في جماعة من نظرائه.
    فقال : يا أبا عبد الله إن المجالس بالأمانات ولا بد لمن كان به سعال أن يسعل (2) أفتأذن لي في الكلام ؟ فقال عليه السلام : تكلم بما شئت ، فقال : إلى كم تدوسون هذا البيدر ، وتلوذون بهذا الحجر ، وتعبدون هذا البيت المرفوع بالطوب والمدر ، وتهرولون حوله هرولة البعير إذا نفر ؟! إن من فكر في هذا وقدر علم أن هذا فعل أسسه غير حكيم ولا ذي نصر (3) فقل فإنك رأس هذا الأمر وسنامه وأبوك أسه ونظامه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : إن من أضله الله وأعمى قلبه استوخم الحق فلم يستعذبه ، وصار الشيطان وليه يورده مناهل الهلكة ، ثم لا يصدره ، وهذا بيت استعبد الله له خلقه ليختبر طاعتهم في إتيانه ، فحثهم على تعظيمه وزيارته ، وجعله محل أنبيائه وقبلة للمصلين له ، فهو شعبة من رضوانه وطريق يؤدي إلى غفرانه ، منصوب على استواء الكمال ومجتمع العظمة والجلال ، خلقه الله قبل دحو الأرض بألفي عام ، وأحق من أطيع فيما أمر
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( لم تركت مذهب صاحبك ـ الخ ).
2 ـ السعال حركة للهواء تحدث في قصبة الرية تدفع الاخلاط المؤذية عنها ، و الخبيث تجوز به عن الضيق الحادث في الصدر من الشبه الاعتقادية ، وفي نسخة ( ط ) ( ولا بد لمن كان به سؤال أن يسأل ).
3 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( استنه غير حكيم ـ الخ ).


(254)
وانتهي عما نهى عنه وزجر ، الله المنشئ للأرواح والصور.
    فقال ابن أبي العوجاء : ذكرت يا أبا عبد الله فأحلت على غائب ، فقال أبو عبد الله عليه السلام :
    ويلك كيف يكون غائبا من هو مع خلقه شاهد وإليهم أقرب من حبل الوريد ، يسمع كلامهم ، ويرى أشخاصهم ، ويعلم أسرارهم.
    فقال ابن أبي العوجاء : فهو في كل مكان ؟ أليس إذا كان في السماء كيف يكون في الأرض ، وإذا كان في الأرض كيف يكون في السماء ؟! فقال أبو عبد الله عليه السلام : إنما وصفت المخلوق الذي إذا انتقل عن مكان واشتغل به مكان وخلا منه مكان فلا يدري في المكان الذي صار إليه ما حدث في المكان الذي كان فيه ، فأما الله العظيم الشأن الملك الديان فلا يخلو منه مكان ، ولا يشتغل به مكان ، ولا يكون إلى مكان أقرب منه إلى مكان ، والذي بعثه بالآيات المحكمة ، والبراهين الواضحة ، وأيده بنصره ، واختاره لتبليغ رسالته صدقنا قوله بأن ربه بعثه وكلمه ، فقام عنه ابن أبي العوجاء وقال لأصحابه :
    من ألقاني في بحر هذا ؟!.
    وفي رواية محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله : من ألقاني في بحر هذا ، سألتكم أن تلتمسوا لي خمرة فألقيتموني على جمرة (1) قالوا : ما كنت في مجلسه إلا حقيرا ، قال : إنه ابن من حلق رؤوس من ترون (2) 5 ـ حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال : حدثنا أحمد بن يحيى ، عن بكر بن
1 ـ الخمرة بالفتح بمعنى الخمر ، وبالضم ألمها وصداعها ويأتي بمعان أخرى ، و مراد اللعين أني سألتكم أن تأتوني إلى من أجادله وألعب به وأستهزئ به وأضحك عليه لا إلى من يحرقني ببلاغة بيانه وبرهانه.
2 ـ أي أمرهم بحلق الرؤوس في الحج فأطاعوه خضوعا لله فإنه كان من عادة السلطان إذا أراد تخضيع أحد أن يأمر بحلق رأسه ، واليوم معمول في بعض البلاد ، وهذا الحديث مذكور في الاحتجاج وأمالي الصدوق وعلل الشرائع ، وليس فيها قوله : ( والذي بعثه بالآيات إلى آخر الحديث ) وكأنه جواب عن سؤال لم يذكر.


(255)
عبد الله بن حبيب ، قال : حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر (1) قال : حدثنا محمد بن الحسن ابن عبد العزيز الأحدب الجند بنيسابور ، قال : وجدت في كتاب أبي بخطه : حدثنا طلحة بن يزيد ، عن عبيد الله بن عبيد (2) عن أبي معمر السعداني أن رجلا أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فقال : يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل ، قال له عليه السلام : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل ؟! قال : لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضا فكيف لا أشك فيه.
    فقال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضا ولا يكذب بعضه بعضا ، ولكنك لم ترزق عقلا تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عزوجل ، قال له الرجل : إني وجدت الله يقول : ( فاليوم ننسيهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ) (3) وقال أيضا : ( نسوا الله فنسيهم ) (4) وقال : ( وما كان ربك نسيا ) (5) فمرة يخبر أنه ينسى ، ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأني ذلك يا أمير المؤمنين.
    قال : هات ما شككت فيه أيضا ، قال : وأجد الله يقول : ( يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ) (6) وقال واستنطقوا فقالوا والله ربنا ما كنا مشركين. (7) وقال : ( يوم القيمة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ) (8) وقال : ( إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ) (9) وقال : ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) (10) وقال : ( نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم
1 ـ في نسخة ( ط ) و ( ج ) ( أحمد بن يعقوب عن مطر ).
2 ـ في نسخة ( و ) و ( ج ) ( عن عبد الله بن عبيد ).
3 ـ الأعراف : 51.
4 ـ التوبة : 67.
5 ـ مريم : 64.
6 ـ النبأ : 38.
7 ـ الأنعام : 23 ، قوله : واستنطقوا أي بقوله تعالى في الآية : ( ثم نقول للذين أشركوا ـ الخ ).
8 ـ العنكبوت : 25.
9 ـ ص : 65.
10 ـ ق : 28.
التوحيد ::: فهرس