التوحيد ::: 406 ـ 420
(406)
من كان له عذر عذره الله عزوجل. (1)
    2 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن هشام بن سالم ، عن حبيب السجستاني ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : إن في التوراة مكتوبا يا موسى إني خلقتك واصطفيتك وقويتك وأمرتك بطاعتي ونهيتك عن معصيتي ، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي ، يا موسى ولي المنة عليك في طاعتك لي ، ولي الحجة عليك في معصيتك لي.
    3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب وأحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن علي بن محمد القاساني ، عمن ذكره ، عن عبد الله بن القاسم الجعفري ، عن أبي عبد الله ، عن آبائه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من وعده الله على عمل ثوابا فهو منجزه له ، ومن أوعده على عمل عقابا فهو فيه بالخيار.
    4 ـ حدثنا أبو علي الحسين بن أحمد البيهقي بنيسابور سنة اثنتين وخمسين و ثلاثمائة ، قال : أخبرنا محمد بن يحيى الصولي ، قال : حدثنا ابن ذكوان (2) قال :
    سمعت إبراهيم بن العباس يقول : كنا في مجلس الرضا عليه السلام فتذاكروا الكبائر وقول المعتزلة فيها : إنها لا تغفر ، فقال الرضا عليه السلام : قال أبو عبد الله عليه السلام : قد نزل القرآن بخلاف قول المعتزلة ، قال الله عزوجل : ( وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ) (3) والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.
    5 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم العجلي ، وأحمد بن الحسن القطان ، ومحمد بن أحمد السناني ، والحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المكتب ، وعبد الله بن محمد الصائغ ، وعلي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم ، قالوا : حدثنا أبو العباس أحمد
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( من كان له عذر ـ الخ ) وفي نسخة ( ه‍ ) و ( ج ) ( فمن كان له عذر ـ الخ ).
2 ـ هو عبد الله بن أحمد بن ذكوان كما هو الظاهر.
3 ـ الرعد : 6.


(407)
ابن يحيى بن زكريا القطان ، قال : حدثنا بكر بن عبد الله بن حبيب ، قال :
    حدثنا تميم بن بهلول ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن جعفر بن محمد عليهما السلام قال فيما وصف له من شرائع الدين : إن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها ولا يكلفها فوق طاقتها ، وأفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين (1) ، والله خالق كل شيء ، ولا نقول بالجبر ، ولا بالتفويض ، ولا يأخذ الله عزوجل البرئ بالسقيم ولا يعذب الله عزوجل الأطفال بذنوب الآباء ، فإنه قال في محكم كتابه : ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) (2) وقال عزوجل : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) (3) ولله عزوجل أن يعفو ويتفضل ، وليس له عزوجل أن يظلم ، ولا يفرض الله عزوجل على عباده طاعة من يعلم أنه يغويهم ويضلهم ، ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر به ويعبد الشيطان دونه ، ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما. والحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة ، وقد أخرجته بتمامه في كتاب الخصال.
    6 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، قال : سمعت موسى بن جعفر عليهما السلام يقول : لا يخلد الله في النار إلا أهل الكفر والجحود وأهل الضلال و الشرك. ومن اجتنب الكبائر من المؤمنين لم يسأل عن الصغائر ، قال الله تبارك و تعالى : ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ) (4) قال : فقلت له : يا ابن رسول الله فالشفاعة لمن تجب من المذنبين ؟ قال :
    حدثني أبي ، عن آبائه ، عن علي عليهم السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : ( إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي ، فأما المحسنون منهم فما عليهم من سبيل ) قال ابن أبي ـ
1 ـ أي مقدرة بأن تقع بإرادتهم ، لا مكونة كسائر المكونات من دون دخل إرادة العبد فيها.
2 ـ الأنعام : 164 ، والإسراء : 15 وفاطر : 18 ، والزمر : 7.
3 ـ النجم : 39.
4 ـ النساء : 31.


(408)
عمير : فقلت له : يا ابن رسول الله فكيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى ذكره يقول : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون ) (1) ومن يرتكب الكبائر لا يكون مرتضى ، فقال : يا أبا أحمد ما من مؤمن يرتك ذنبا إلا ساءه ذلك وندم عليه ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( كفى بالندم توبة ) وقال عليه السلام :
    ( من سرته حسنته وساءته سيئة فهو مؤمن ) (2) فمن لم يندم على ذنب يرتكبه فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة وكان ظالما ، والله تعالى ذكره يقول : ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) (3) فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يكون مؤمنا من لم يندم على ذنب يرتكبه ؟ فقال : يا أبا أحمد ما من أحد يرتكب كبيرة من المعاصي و هو يعلم أنه سيعاقب عليها إلا ندم على ما ارتكب ومتى ندم كان تائبا مستحقا للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرا والمصر لا يغفر له لأنه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ولو كان مؤمنا بالعقوبة لندم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله : ( لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الاصرار ) وأما قول الله عزوجل : ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) فإنهم لا يشفعون إلا لمن ارتضى الله دينه ، والدين الاقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى الله دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب لمعرفته بعاقبته في القيامة. (4)
    7 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : من هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة ، فإن عملها كتبت له عشر أمثالها ، ويضاعف الله لمن يشاء إلى سبعمائة ، ومن هم بسيئة فلم يعملها لم تكتب عليه حتى يعملها ، فإن لم يعملها كتبت له حسنة
1 ـ الأنبياء : 28.
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( ط ) ( من سرته حسنة وساءته سيئة ـ الخ ).
3 ـ المؤمن : 18.
4 ـ الشفاعة مما اختلفت الأمة في أنواعها بعد اتفاقهم في أصلها ، والتفصيل في محله.


(409)
بتركه لفعلها ، وإن عملها أجل تسع ساعات فإن تاب وندم عليها لم تكتب عليه و إن لم يتب ولم يندم عليها كتبت عليه سيئة.
    8 ـ حدثنا محمد بن محمد بن الغالب الشافعي ، قال : أخبرنا أبو محمد مجاهد بن أعين بن داود ، قال : أخبرنا عيسى بن أحمد العسقلاني ، قال : أخبرنا النضر بن شميل ، قال : أخبرنا إسرافيل (1) قال : أخبرنا ثوير ، عن أبيه أن عليا عليه السلام قال : ما في القرآن آية أحب إلي من قوله عزوجل : ( إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ). (2)
    9 ـ حدثنا أبو نصر محمد بن أحمد بن تميم السرخسي بسرخس ، قال : حدثنا أبو لبيد محمد بن إدريس الشامي ، قال : حدثني إسحاق بن إسرائيل ، قال : حدثنا حريز ، عن عبد العزيز (3) عن زيد بن وهب ، عن أبي ذر رحمه الله ، قال :
    خرجت ليلة من الليالي فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي وحده وليس معه إنسان ، فظننت أنه يكره أن يمشي معه أحد ، قال : فجعلت أمشي في ظل القمر ، فالتفت فرآني فقال : من هذا ؟ فقلت : أبو ذر جعلني الله فداك ، قال : يا أبا ذر تعال ، قال :
    فمشيت معه ساعة ، فقال : إن المكثرين هم الأقلون يوم القيامة إلا من أعطاه الله خيرا فنفح منه بيمينه وشماله وبين يديه ووراءه وعمل فيه خيرا ، قال : فمشيت معه ساعة ، فقال لي : اجلس ههنا ، وأجلسني في قاع حوله حجارة ، فقال لي : اجلس حتى أرجع إليك ، قال : فانطلق في الحرة حتى لم أره وتوارى عني ، فأطال اللبث ، ثم إني سمعته عليه السلام وهو مقبل وهو يقول : وإن زنى وإن سرق ، قال :
1 ـ في نسخة ( و ) و ( ط ) و ( ن ) ( أخبرنا إسرائيل ).
2 ـ النساء : 48 و 116.
3 ـ قد مر هذا الحديث في الباب الأول بعين السند والمتن ، وفي بعض النسخ هنا أو هناك : ( جرير أو حريز عن عبد العزيز ـ الخ ) ، وفي بعضها : ( جرير أو حريز بن عبد العزيز ) وفي صحيح البخاري ( عن حريز عن زيد ـ الخ ) والظاهر تصحيف ( بن ) بعن لكن لم أجد حريز بن عبد العزيز أو جرير بن عبد العزيز في كتب الرجال.


(410)
فلما جاء لم أصبر حتى قلت : يا نبي الله جعلني الله فداك من تكلمه في جانب الحرة ؟ فإني ما سمعت أحدا يرد عليك من الجواب شيئا ، قال : ذاك جبرئيل عرض لي في جانب الحرة فقال : بشر أمتك أنه مات لا يشرك بالله عزوجل شيئا دخل الجنة ، قال : قلت : يا جبرئيل وإن زنى وإن سرق ؟ قال : نعم ، وإن شرب الخمر.
    قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : يعني بذلك أنه يوفق للتوبة حتى يدخل الجنة.
    10 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن محمد بن أبي عمير ، عن معاذ الجوهري ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن آبائه صلوات الله عليهم ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، عن جبرئيل عليه السلام ، قال : قال الله جل جلاله : من أذنب ذنبا صغيرا أو كبيرا وهو لا يعلم أن لي أن أعذبه به أو أعفو عنه لا غفرت له ذلك الذنب أبدا ، ومن أذنب ذنبا صغيرا كان أو كبيرا وهو يعلم أن لي أن أعذبه وأن أعفو عنه عفوت عنه.

    1 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن محمد بن أبي عمير ، عن محمد بن حكيم ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : المعرفة صنع من هي ؟ قال : من صنع الله عزوجل : ليس للعباد فيها صنع.
    2 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا الحسين بن الحسن بن أبان ، عن الحسين بن سعيد ، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن دراج ، عن ابن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عزوجل احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم.
    3 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن


(411)
أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : إن الله عزوجل احتج على الناس بما آتاهم وما عرفهم (1).
    4 ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه رحمه الله ، عن عمه محمد بن أبي القاسم ، عن أحمد بن أبي عبد الله ، عن ابن فضال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن حمزة بن الطيار ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله الله عزوجل : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون ) (2) قال : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه ، وقال :
    ( فألهمها فجورها وتقويها ) (3) قال : بين لها ما تأتي وما تترك ، وقال : ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) (4) قال : عرفناه إما آخذا وإما تاركا وفي قوله عزوجل : ( وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى ) (5) قال :
    عرفناهم فاستحبوا العمى على الهدى وهم يعرفون.
    5 ـ حدثنا أحمد بن علي بن إبراهيم بن هاشم رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن عيسى ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن ابن بكير ، عن حمزة بن محمد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( وهديناه النجدين ) (6) قال : نجد الخير والشر.
    6 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد ابن يحيى ، عن موسى بن جعفر البغدادي ، عن عبيد الله الدهقان ، عن درست ، عمن حدثه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ستة أشياء ليس للعباد فيها صنع : المعرفة
1 ـ هذا الحديث المتحد مع ما قبله في المتن ومع ما بعده في السند ليس إلا في نسخة ( ط ).
2 ـ التوبة : 115.
3 ـ الشمس : 8.
4 ـ الإنسان : 3.
5 ـ فصلت : 17.
6 ـ البلد : 10.


(412)
والجهل والرضا والغضب والنوم واليقظة (1).
    7 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن الحسين ، عن أبي شعيب المحاملي ، عن درست بن أبي منصور عن بريد بن معاوية العجلي ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ليس لله على خلقه أن يعرفوا قبل أن يعرفهم ، وللخلق على الله أن يعرفهم ، ولله على الخلق إذا عرفهم أن يقبلوه (2).
    8 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد ابن محمد بن عيسى ، عن الحجال ، عن ثعلبة بن ميمون ، عن عبد الأعلى بن أعين قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام عمن لم يعرف شيئا هل عليه شيء ؟ قال : لا (3).
1 ـ إن للإنسان أحوالا قلبية كالمعرفة والجهل والشك والظن والإيمان وغيرها ، و صفات نفسية كالسخاء والشجاعة والحسد والاهتداء والضلال وغيرها ، وأمورا ترد عليه كالغضب والدهشة والرضا والنوم واليقظة والمرض والصحة وغيرها ، وحركات فكرية أو جارحية ، و ليس له صنع إلا في الأخيرة ، أي ليست باختياره إلا هي ، نعم قد يتعلق بها حبه ، ويكون بعض هذه الأخيرة جزء سبب لها كالعكس ، والعمدة في السببية للأحوال القلبية التفكر و التعقل وعدمهما.
2 ـ إن على الإنسان في هذا الباب أمرين : التفكر في البينات التي تأتيه من عند الله تعالى حتى يحصل له الاستيقان والقبول القلبي لما هو الحق المتيقن بحيث يحصل له حالة الخضوع والتسليم ، والثاني هو الإيمان حقيقة ، وآفة الأول والمانع منه الإتراف والانهماك في اللذات المادية والتوغل في الأمور الدنيوية ، وآفة الثاني والمانع منه العلو والاستكبار وحب الرئاسة والجاه والحمية والعصبية ، فعلى الله نصب الآيات والبينات ، وعلى العبد رفع المانعين ، فعندئذ يقذف الله النور في قلبه فيزهر كما يزهر المصباح فيكون عارفا مؤمنا حقا ، وبهذا يجمع بين الصنفين من الأخبار الناطق بأن المعرفة من صنع الله والأمر بتحصيل المعرفة.
3 ـ هذا لا يدل على معذورية الجاهل مطلقا ، بل من لم يعرف شيئا لعدم قدرته على الرجوع إلى ما يوجب المعرفة.


(413)
    9 ـ حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى العطار رضي الله عنه ، عن أبيه ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن ابن فضال ، عن داود بن فرقد ، عن أبي الحسن زكريا بن يحيى ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم.
    10 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ( ره ) عن أبيه عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن علي بن الحكم ، عن أبان الأحمر ، عن حمزة بن الطيار عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي : أكتب فأملى علي : أن من قولنا إن الله عزوجل يحتج على العباد بما آتاهم وما عرفهم ، ثم أرسل إليهم رسولا ، وأنزل عليه الكتاب ، فأمر فيه ونهى ، أمر فيه الصلاة والصوم ، فأنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصلاة (1) فقال : أنا أنيمك وأنا أوقظك ، فاذهب فصل ليعلموا إذا أصابهم ذلك كيف يصنعون ، ليس كما يقولون : إذا نام عنها هلك ، وكذلك الصيام ، أنا أمرضك وأنا أصححك فإذا شفيتك فاقضه ، ثم قال أبو عبد الله عليه السلام : وكذلك إذا نظرت إلى جميع الأشياء لم تجد أحدا في ضيق ، ولم تجد أحدا إلا ولله عليه الحجة وله فيه المشية ولا أقول : إنهم ما شاؤوا صنعوا ، ثم قال : إن الله يهدي ويضل ، وقال :
    وما أمروا إلا بدون سعتهم ، وكل شيء أمر الناس به فهم يسعون له ، وكل شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم ، ولكن أكثر الناس لا خير فيهم ، ثم قال : ( ليس على الضعفاء ولا على المرضى ولا على الذين لا يجدون ما ينفقون حرج إذا نصحوا لله ورسوله ( فوضع عنهم ) ما على المحسنين من سبيل والله غفور رحيم * ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم ـ الآية ) (2) فوضع عنهم لأنهم لا يجدون.
    قال مصنف هذا الكتاب رضي الله عنه : قوله عليه السلام : إن الله يهدي ويضل معناه أنه عزوجل يهدي المؤمنين في القيامة إلى الجنة ويضل الظالمين في القيامة عن الجنة (3)
1 ـ كذا في نسخة ( ط ) و ( ن ) وفي غيرهما ( فنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ الخ ).
2 ـ التوبة : 62.
3 ـ إن للهداية ست مراحل ، ولكل مرحة ضلالة بحسبها ، وكل مرحلة من الهداية متوقفة على ما قبلها ، وكلها من الله ، وضلالة العبد في كل مرحلة من عدم هداية الله إياه في تلك المرحلة ، وعدم الهداية لفسوق العبد عما عليه في تلك المرحلة ، وما ذكره المصنف هو المرحلة الأخيرة ، وتفصيل الكلام يقتضي رسالة مفردة.


(414)
إنما قال عزوجل : (1) ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم ) (2) وقال عزوجل : ( ويضل الله الظالمين ) (3).
    11 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرار ، عن يونس ابن عبد الرحمن ، عن حماد ، عن عبد الأعلى (4) قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :
    أصلحك الله هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة ؟ قال : فقال : لا ، قلت : فهل كلفوا المعرفة ؟ قال : لا ، على الله البيان ( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها. ولا يكلف الله نفسا إلا ما آتيها ) قال : وسألته عن قول الله عزوجل : ( وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هديهم حتى يبين لهم ما يتقون ) (5) قال : حتى يعرفهم ما يرضيه وما يسخطه.
    12 ـ وبهذا الإسناد ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سعدان يرفعه إلى أبي ـ عبد الله عليه السلام قال : إن الله عزوجل لم ينعم على عبد بنعمة إلا وقد ألزمه فيها الحجة من الله عزوجل ، فمن من الله عليه فجعله قويا فحجته عليه القيام بما كلفه واحتمال من هو دونه ممن هو أضعف منه ، ومن من الله عليه فجعله موسعا عليه فحجته ماله ، يجب عليه فيه تعاهد الفقراء بنوافله ، ومن من الله عليه فجعله شريفا في نسبه (6) جميلا في صورته ، فحجته عليه أن يحمد الله على ذلك وألا يتطاول على غيره فيمنع حقوق الضعفاء لحال شرفه وجماله.
    13 ـ أبي رحمه الله ، قال : حدثنا عبد الله بن جعفر الحميري ، عن أحمد بن محمد عن ابن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
1 ـ في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( كما قال عزوجل ـ الخ ).
2 ـ يونس : 9.
3 ـ إبراهيم : 27.
4 ـ في أكثر النسخ : ( عن حماد بن عبد الأعلى ). وهو تصحيف.
5 ـ التوبة : 115.
6 ـ في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( شريفا في بيته ).


(415)
اجعلوا أمركم لله ولا تجعلوه للناس فإنه ما كان لله فهو لله ، وما كان للناس فلا يصعد إلى الله ، ولا تخاصموا الناس لدينكم فإن المخاصمة ممرضة للقلب ، إن الله عزوجل قال لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) (1) وقال :
    ( أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) (2) ذروا الناس فإن الناس أخذوا عن الناس وإنكم أخذتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، إني سمعت أبي عليه السلام يقول : إن الله عزوجل إذا كتب على عبد أن يدخل في هذا الأمر كان أسرع إليه من الطير إلى وكره (3).
    14 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه عن ابن أبي عمير ، عن محمد بن حمران ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال : إن الله تبارك وتعالى إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكا يسدده ، وإذا أراد بعبد سوءا نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطانا يضله ، ثم تلا هذه الآية ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء ) (4).
    قال مصنف هذا الكتاب : إن الله عزوجل إنما يريد بعبد سوءا لذنب يرتكبه فيستوجب به أن يطبع على قلبه ويوكل به شيطانا يضله ، ولا يفعل ذلك به إلا باستحقاق وقد يوكل عزوجل بعبده ملكا يسدده باستحقاق أو تفضل ويختص برحمته من
1 ـ القصص : 56.
2 ـ يونس : 99.
3 ـ المراد منع الأصحاب عن المراء والجدال الباطل وضيق الذرع وظهور الغضب عند إنكار الخصم للحق ، لا المنع عن إتيان الحكمة والبرهان والموعظة والبيان والجدال بالتي هي أحسن ، وفي ذيل الرواية إشارة إلى أن من كان قلبه مقبلا إلى الحق خاضعا له وهو الذي كتب الله في قلبه الإيمان وأيده بروح منه يأتي لا محالة إلى الحق ، فاجعلوا اهتمامكم في الارشاد لهؤلاء ، لا للذين قلوبهم منكرة للحق ونفوسهم مستكبرة له. فإن سعيكم في الارشاد ضايع فيهم.
4 ـ الأنعام 125.


(416)
يشاء ، وقال الله عزوجل : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) (1).
    15 ـ حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب ، قال : أخبرنا أحمد بن الفضل بن المغيرة (2) قال : حدثنا منصور بن عبد الله بن إبراهيم الإصبهاني ، قال : حدثنا علي ابن عبد الله (3) ، قال : حدثنا أبو شعيب المحاملي (4) عن عبد الله بن مسكان ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المعرفة أهي مكتسبة ؟ فقال : لا ، فقيل له : فمن صنع الله عزوجل ومن عطائه هي ؟ قال : نعم ، وليس للعباد فيها صنع ، ولهم اكتساب الأعمال ، وقال عليه السلام : إن أفعال العباد مخلوقة خلق تقدير لا خلق تكوين (5). ومعنى ذلك أن الله تبارك وتعالى لم يزل عالما بمقاديرها قبل كونها.
    16 ـ حدثنا عبد الواحد بن محمد بن عبدوس النيسابوري العطار رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن محمد بن قتيبة النيسابوري ، عن حمدان بن سليمان ، قال : كتبت إلى الرضا عليه السلام أسأله عن أفعال العباد أمخلوقة هي أم غير مخلوقة ؟ فكتب عليه السلام :
    أفعال العباد مقدرة في علم الله عزوجل قبل خلق العباد بألفي عام.
    17 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن القاسم بن محمد الإصبهاني ، عن سليمان بن داود المنقري ، عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم.
1 ـ الزخرف : 36.
2 ـ في نسخة ( د ) و ( ب ) و ( ط ) ( أحمد بن المفضل بن المغيرة ).
3 ـ في نسخة ( ج ) و ( ط ) ( علي بن إبراهيم ).
4 ـ في نسخه ( ط ) ( حدثنا شعيب المحاملي ) وهو ابن أبي شعيب المحاملي المعروف ، واسمه صالح بن خالد.
5 ـ قد مر بيان لهذا الكلام ذيل الحديث الخامس من الباب السابق.


(417)
    1 ـ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه القمي ثم الإيلاقي رضي الله عنه ، قال : أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي ، قال : حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي ، قال : حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي ثم الهاشمي ، يقول : لما قدم علي بن موسى الرضا عليهما السلام ، إلى المأمون أمر الفضل بن سهل أن يجمع له أصحاب المقالات مثل الجاثليق و رأس الجالوت ورؤساء الصابئين والهربذ الأكبر وأصحاب زردهشت وقسطاس الرومي (1) والمتكلمين ليسمع كلامه وكلامهم ، فجمعهم الفضل بن سهل ، ثم أعلم
1 ـ قد مضى تفسير الجاثليق في أول الباب السابع والثلاثين ص 270. ورأس الجالوت كأنه اسم لصاحب الرئاسة الدينية اليهودية ، وكونه علما للشخص محتمل. والأقوال في تفسير الصابئين كثيرة ، قال في مجمع البحرين : وفي حديث الصادق عليه السلام : سمى الصابئون لأنهم صبوا إلى تعطيل الأنبياء والرسل والشرائع وقالوا : كل ما جاؤوا به باطل ، فجحدوا توحيد الله ونبوة الأنبياء ورسالة المرسلين ووصية الأوصياء ، فهم بلا شريعة ولا كتاب ولا رسول.
    ويظهر من مقالات عمران الصابي الآتي احتجاجه مع الرضا عليه السلام هذا التفسير. والهربذ كالزبرج صاحب الرئاسة الدينية المجوسية ، قال في أقرب الموارد : الهربذة قومة بيت النار للهند وهم البراهمة ، وقيل : عظماء الهند ، وقيل : علماؤهم ، وقيل : خدم نار المجوس ، الواحد ( هربذ ) فارسية. وأصحاب زردهشت فرقه من المجوس ، وهو زردهشت بن يورشب ظهر في زمان كشتاسب بن لهراسب ، وأبوه كان من آذربيجان ، وأمه من الري ، واسمها دغدويه ، كذا في الملل والنحل للشهرستاني ، وأكثر المجوس اليوم بل كلهم ينتسبون إليه ، وفي بعض النسخ : ( زرهشت ) بحذف الدال ، وفي الملل والنحل وبعض المؤلفات : زردشت بحذف الهاء كما يتلفظ اليوم. وقسطاس بالقاف كما في الكتاب ، وفي البحار وحاشية نسخة ( ب ) ( نسطاس ) بالنون ، ونقل المجلسي ـ رحمه الله ـ عن الفيروزآبادي : نسطاس بكسر النون علم ، وبالرومية : العالم بالطب.


(418)
المأمون باجتماعهم ، فقال : أدخلهم علي ، ففعل ، فرحب بهم المأمون ، ثم قال لهم : إني إنما جمعتكم لخير ، وأحببت أن تناظروا ابن عمي هذا المدني القادم علي ، فإذا كان بكره فاغدوا علي ولا يتخلف منكم أحد ، فقالوا : السمع والطاعة يا أمير المؤمنين نحن مبكرون إن شاء الله.
    قال الحسن بن محمد النوفلي : فبينا نحن في حديث لنا عند أبي الحسن الرضا عليه السلام إذ دخل علينا ياسر الخادم وكان يتولى أمر أبي الحسن عليه السلام فقال : يا سيدي إن أمير المؤمنين يقرئك السلام فيقول : فداك أخوك إنه اجتمع إلي أصحاب المقالات وأهل الأديان والمتكلمون من جميع الملل فرأيك في البكور علينا إن أحببت كلامهم (1) وإن كرهت كلامهم فلا تتجشم (2) وإن أحببت أن نصير إليك خف ذلك علينا ، فقال أبو الحسن عليه السلام : أبلغه السلام وقل له : قد علمت ما أردت ، وأنا صائر إليك بكرة إن شاء الله.
    قال الحسن بن محمد النوفلي : فلما مضى ياسر التفت إلينا ، ثم قال لي : يا نوفلي أنت عراقي ورقة العراقي غير غليظة (3) فما عندك في جمع ابن عمك علينا
1 ـ ( فرأيك ) مبتدء و ( في البكور علينا ) خبره ، أي أفرأيك يكون في البكور علينا ، أو خبره محذوف أي فما رأيك ـ الخ.
2 ـ في نسخة ( ج ) ( وإن كرهت فلا تحتشم ) ، وفي نسخة ( و ) و ( ن ) ( وإن كرهت ذلك فلا تتجشم ).
3 ـ الرقة في كل موضع يراد بها معنى ، فيقال مثلا : رقة القلب ويراد بها الرحمة ، ورقة الوجه ويراد بها الحياء ، ورقة الكلام ويراد عدم الفدفدة فيه ، والظاهر أن مراده عليه السلام حيث أضاف الرقة إلى الإنسان هو رقة الجهة الإنسانية ، وهي سرعة الفهم وجودته و إصابة الحدس وصفاء الذهن وعمق الفكر وحسن التفكر وكمال العقل ، وغير غليظة خبر في اللفظ ، وفي المعنى صفة مفيدة للكمال ، أي للعراقي رقه رقيقه ، كما يقال : ليل لائل أي كامل الاظلام ، ونور نير أي كامل في النورية ، وجمال جميل أي كامل في الجمالية ، ولا يبعد أن يراد بها الروح ، فإن للإنسان لطافة هي روحه وكثافة هي بدنه ، أي روح العراقي غير غليظة لا تقف دون ما يرد عليه من المسائل بل تلج فيه وتخرج منه بسهولة وتكشف حق الأمر وحقيقة الحال.


(419)
أهل الشرك وأصحاب المقالات ؟ فقلت : جعلت فداك يريد الامتحان ويحب أن يعرف ما عندك ، ولقد بنى على أساس غير وثيق البنيان وبئس والله ما بني ، فقال لي : وما بناؤه في هذا الباب ؟ قلت : إن أصحاب البدع والكلام خلاف العلماء ، وذلك أن العالم لا ينكر غير المنكر ، وأصحاب المقالات والمتكلمون وأهل الشرك أصحاب إنكار ومباهتة ، وإن احتججت عليهم أن الله واحد قالوا : صحح وحدانيته ، وإن قلت :
    إن محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله قالوا : أثبت رسالته ، ثم يباهتون الرجل وهو يبطل عليهم بحجته ، ويغالطونه حتى يترك قوله ، فاحذرهم جعلت فداك ، قال : فتبسم عليه السلام ثم قال : يا نوفلي أتخاف أن يقطعوا علي حجتي ؟ (1) قلت : لا والله ما خفت عليك قط وإني لأرجو أن يظفرك الله بهم إن شاء الله ، فقال لي : يا نوفلي أتحب أن تعلم متى يندم المأمون ، قلت : نعم ، قال : إذا سمع احتجاجي على أهل التوراة بتوراتهم وعلى أهل الإنجيل بإنجيلهم وعلى أهل الزبور بزبورهم وعلى الصابئين بعبرانيتهم وعلى الهرابذة بفارسيتهم وعلى أهل الروم بروميتهم وعلى أصحاب المقالات بلغاتهم ، فإذا قطعت كل صنف ودحضت حجته وترك مقالته ورجع إلى قولي علم المأمون أن الموضع الذي هو بسبيله ليس هو بمستحق له ، فعند ذلك تكون الندامة منه ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
    فلما أصبحنا أتانا الفضل بن سهل فقال له : جعلت فداك ابن عمك ينتظرك ، وقد اجتمع القوم فما رأيك في إتيانه ، فقال له الرضا عليه السلام : تقدمني فإني صائر إلى ناحيتكم إن شاء الله ، ثم توضأ عليه السلام وضوء الصلاة وشرب شربة سويق وسقانا منه ، ثم خرج وخرجنا معه حتى دخلنا على المأمون ، فإذا المجلس غاص بأهله
1 ـ في العيون ( أفتخاف أن يقطعوا علي حجتي ).

(420)
ومحمد بن جعفر في جماعة الطالبيين والهاشميين ، والقواد حضور ، فلما دخل الرضا عليه السلام قام المأمون وقام محمد بن جعفر وقام جميع بني هاشم ، فما زالوا وقوفا والرضا عليه السلام جالس مع المأمون حتى أمرهم بالجلوس ، فلم يزل المأمون مقبلا عليه يحدثه ساعة.
    ثم التفت إلى جاثليق ، فقال : يا جاثليق هذا ابن عمي علي بن موسى ـ ابن جعفر وهو من ولد فاطمة بنت نبينا ، وابن علي بن أبي طالب عليهم السلام فأحب أن تكلمه وتحاجه وتنصفه ، فقال الجاثليق ، يا أمير المؤمنين كيف أحاج رجلا يحتج علي بكتاب أنا منكره ونبي لا أو من به. فقال له الرضا عليه السلام : يا نصراني فإن احتججت عليك بإنجيلك أتقر به ؟! قال الجاثليق : وهل أقدر على دفع ما نطق به الإنجيل ؟ نعم والله أقر به على رغم أنفي ، فقال له الرضا عليه السلام : سل عما بدا لك وافهم الجواب ، قال الجاثليق : ما تقول في نبوة عيسى عليه السلام وكتابه هل تنكر منهما شيئا ؟ قال الرضا عليه السلام : أنا مقر بنبوة عيسى وكتابه وما بشر به أمته وأقر به الحواريون ، وكافر بنبوة كل عيسى لم يقر بنبوة محمد صلى الله عليه وآله وسلم و بكتابه ولم يبشر به أمته ، قال الجاثليق : أليس إنما تقطع الأحكام بشاهدي عدل ؟
    قال : بلى ، قال : فأقم شاهدين من غير أهل ملتك على نبوة محمد ممن لا تنكره النصرانية وسلنا مثل ذلك من غير أهل ملتنا ، قال الرضا عليه السلام : الآن جئت بالنصفة يا نصراني ، ألا تقبل مني العدل المقدم عند المسيح عيسى بن مريم ، قال الجاثليق :
    ومن هذا العدل ؟ سمه لي ، قال : ما تقول في يوحنا الديلمي ؟ قال : بخ بخ ذكرت أحب الناس إلى المسيح ، قال : فأقسمت عليك هل نطق الإنجيل أن يوحنا قال : إن المسيح أخبرني بدين محمد العربي وبشرني به أنه يكون من بعده فبشرت به الحواريين فآمنوا به ؟! قال الجاثليق : قد ذكر ذلك يوحنا عن المسيح وبشر بنبوة رجل وبأهل بيته ووصيه ، ولم يلخص متى يكون ذلك ولم يسم لنا القوم فنعرفهم ، قال الرضا عليه السلام : فأن جئناك بمن يقرء الإنجيل فتلا عليك ذكر محمد وأهل بيته وأمته أتؤمن به ؟! قال : سديدا ، قال الرضا عليه السلام لقسطاس الرومي :
التوحيد ::: فهرس