التوحيد ::: 391 ـ 405
(391)
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (1) أنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت : أخبرني أيعذب الله عزوجل خلقا بلا حجة ؟ فقال : معاذ الله ، قلت : فأولاد المشركين في الجنة أم في النار ؟ فقال : الله تبارك وتعالى أولى بهم ، إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله عزوجل الخلائق لفصل القضاء يأتي بأولاد المشركين فيقول لهم : عبيدي وإمائي من ربكم وما دينكم وما أعمالكم ؟! قال : فيقولون : اللهم ربنا أنت خلقتنا ولم نخلق شيئا وأنت أمتنا ولم نمت شيئا ولم تجعل لنا ألسنة ننطق بها ، ولا أسماعا نسمع بها ولا كتابا نقرؤه ، ولا رسولا فنتبعه ، ولا علم لنا إلا ما علمتنا ، قال : فيقول لهم عزوجل : عبيدي وإمائي إن أمرتكم بأمر أتفعلوه ؟! فيقولون : السمع والطاعة لك يا ربنا ، قال : فيأمر الله عزوجل نارا يقال لها : الفلق ، أشد شيء في جهنم عذابا فتخرج من مكانها سوداء مظلمة بالسلاسل والأغلال ، فيأمرها الله عزوجل أن تنفخ في وجوه الخلائق نفخة فتنفخ ، فمن شدة نفختها تنقطع السماء وتنطمس النجوم وتجمد البحار وتزول الجبال وتظلم الأبصار وتضع الحوامل حملها ويشيب الولدان من هولها يوم القيامة ، ثم يأمر الله تبارك وتعالى أطفال المشركين أن يلقوا أنفسهم في تلك النار ، فمن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون سعيدا ألقى نفسه فيها فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على إبراهيم عليه السلام ، ومن سبق له في علم الله عزوجل أن يكون شقيا امتنع فلم يلق نفسه في النار ، فيأمر الله تبارك و تعالى النار فتلقطه لتركه أمر الله وامتناعه من الدخول فيها فيكون تبعا لآبائه في جهنم ، وذلك قوله عزوجل ( فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك أن
1 ـ في البحار في الباب الثالث عشر من الجزء الخامس وفي تفسير البرهان ذيل الآية المذكورة وفي نسخة ( و ) و ( ج ) بعد قوله : ( حدثني أبي يزيد بن سلام ) هكذا : ( عن أبيه سلام بن عبيد الله أخي عبد الله بن سلام عن عبد الله بن سلام مولى رسول الله صلى الله عليه و آله ) وفي نسخة ( ن ) و ( و ) و ( ج ) ( سلام بن عبد الله ) مكبرا ، وكون سلام بن عبيد الله أخا لعبد الله بن سلام مع اختلاف الأب يصححه كونهما أخوين للأم فقط.

(392)
ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ ) (1).
    2 ـ حدثنا أحمد بن زياد جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عبد السلام بن صالح الهروي ، عن الرضا عليه السلام قال : قلت له : لأي علة أغرق الله عزوجل الدنيا كلها في زمن نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ومن لا ذنب له ؟ فقال : ما كان فيهم الأطفال لأن الله عزوجل أعقم أصلاب قوم نوح وأرحام نسائهم أربعين عاما فانقطع نسلهم فغرقوا ولا طفل فيهم ، وما كان الله عزوجل ليهلك بعذابه من لا ذنب له ، وأما الباقون من قوم نوح عليه السلام فأغرقوا لتكذيبهم لنبي الله نوح عليه السلام وسائرهم أغرقوا برضاهم بتكذيب المكذبين ، ومن غاب عن أمر فرضي به كان كمن شهده وأتاه.
    3 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن محمد بن سنان ، عن طلحة بن زيد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام ، قال : إن أولاد المسلمين هم موسومون عند الله عزوجل شافع ومشفع (2) فإذا بلغوا اثنتي عشرة سنة كتبت لهم الحسنات ، وإذا بلغوا الحلم كتبت عليهم السيئات.
    4 ـ حدثنا أبي ومحمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمهما الله ، قالا : حدثنا محمد بن يحيى العطار وأحمد بن إدريس جميعا ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن علي بن إسماعيل ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : إذا كان يوم القيامة احتج الله عزوجل على سبعة :
    على الطفل ، والذي مات بين النبيين ، والشيخ الكبير الذي أدرك النبي وهو لا يعقل ،
1 ـ هود : 108.
2 ـ أي معلومون عنده تعالى ، وفي حاشية نسخة ( ن ) ( مسوفون ) أي مرجون مؤخرون في أمرهم إلى يوم القيامة ، وقوله : ( شافع مشفع ) أي كل منهم ، ولا استبعاد فيه كما ورد في حديث المحبنطئ على باب الجنة.


(393)
والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والأصم ، والأبكم ، فكل واحد منهم يحتج على الله عزوجل (1) قال : فيبعث الله عزوجل إليهم رسولا فيؤجج لهم نارا (2) و يقول : إن ربكم يأمركم أن تثبوا فيها (3) فمن وثب فيها كانت عليه بردا وسلاما ومن عصى سيق إلى النار.
    5 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن فضل بن عامر ، عن موسى بن القاسم البجلي ، عن حماد بن عيسى ، عن حريز ، عن زرارة بن أعين ، قال : رأيت أبا جعفر عليه السلام صلى على ابن لجعفر عليه السلام صغير فكبر عليه ، ثم قال : يا زرارة إن هذا وشبهه لا يصلى عليه ، ولولا أن يقول الناس : إن بني هاشم لا يصلون على الصغار ما صليت عليه ، قال زرارة : فقلت :
    فهل سئل عنهم رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ قال : نعم قد سئل عنهم فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين ، ثم قال : يا زرارة أتدري ما قوله : الله أعلم بما كانوا عاملين ؟ قال : فقلت :
    لا والله ، فقال : لله عزوجل فيهم المشية ، أنه إذا كان يوم القيامة احتج الله تبارك وتعالى على سبعة : على الطفل ، وعلى الذي مات بين النبي والنبي ، وعلى الشيخ الكبير الذي يدرك النبي وهو لا يعقل ، والأبله ، والمجنون الذي لا يعقل ، والأصم ، والأبكم ، فكل هؤلاء يحتج الله عزوجل عليهم يوم القيامة ، فيبعث الله إليهم رسولا ويخرج إليهم نارا فيقول لهم : إن ربكم يأمركم أن تثبوا في هذه النار ، فمن وثب فيها كانت عليه براد وسلاما ، ومن عصاه سيق إلى النار.
    6 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن الحلبي ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، قال : إن الله تبارك وتعالى كفل إبراهيم عليه السلام وسارة أطفال المؤمنين
1 ـ كاحتجاج أولاد المشركين عليه تعالى المذكور في الحديث الأول.
2 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( فيؤجج إليهم نارا ).
3 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( أن تقيموا فيها ).


(394)
يغذونهم (1) من شجرة في الجنة لها أخلاف كأخلاف البقر ، في قصور من در (2) فإذا كان يوم القيامة ألبسوا وطيبوا وأهدوا إلى آبائهم ، فهم مع آبائهم ملوك في الجنة.
    7 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن يحيى العطار ، عن محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن الحكم ، عن سيف بن عميرة ، عن أبي بكر الحضرمي ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزوجل : ( والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم ) (3) قال : قصرت الأبناء عن عمل الآباء فألحق الله عزوجل الأبناء بالآباء ليقر بذلك أعينهم.
    8 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب ، عن موسى بن سعدان ، عن عبد الله بن القاسم ، عن أبي زكريا ، عن أبي بصير ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا مات طفل من أطفال المؤمنين نادى مناد في ملكوت السماوات والأرض : ألا إن فلان بن فلان قد مات ، فإن كان قد مات والداه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين دفع إليه يغذوه ، وإلا دفع إلى فاطمة صلوات الله عليها تغذوه حتى يقدم أبواه أو أحدهما أو بعض أهل بيته من المؤمنين فتدفعه إليه. (4)
    9 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، عن أبيه ، عن محمد بن أحمد بن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن حسان ، عن الحسين بن محمد النوفلي من ولد نوفل بن
1 ـ هكذا في النسخ ، والقاعدة تقتضي يغذوانهم كما في البحار عن الفقيه.
2 ـ في حاشية نسخة ( ط ) كلمة ( زريعة ) بدلا عن ( در ) ، وهي كل شيء ناعم.
3 ـ الطور : 21.
4 ـ لا تنافي بين هذا والحديث السادس ، إذ يمكن الجمع باختصاصها عليها السلام بأطفال المؤمنين من ذريتها ، أو التبعيض على نحو آخر أو يغذوانهم بأمرها ، أو التبعيض في التغذية ، مع أنه لا تزاحم في العمل في تلك الدار.


(395)
عبد المطلب ، قال : أخبرني محمد بن جعفر ، عن محمد بن علي ، عن عيسى بن عبد الله العمري ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليه السلام في المرض يصيب الصبي ؟ قال : كفارة لوالديه.
    10 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن العباس بن معروف ، عن الحسن بن محبوب ، عن علي بن رئاب ، عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن أبي عبد الله عليه السلام. قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :
    تزوجوا الأبكار فإنهم أطيب شيء أفواها وأدر شيء أخلافا وأفتح شيء أرحاما ، أما علمتم أني أباهي بكم الأمم يوم القيامة حتى بالسقط يظل محبنطئا على باب الجنة فيقول الله عزوجل له : أدخل الجنة ، فيقول : لا حتى يدخل أبواي قبلي ، فيقول الله عزوجل لملك من الملائكة : ايتني بأبويه ، فيأمر بهما إلى الجنة ، فيقول :
    هذا بفضل رحمتي لك.
    11 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا أحمد بن إدريس ، عن محمد بن أحمد ابن يحيى ، قال : حدثنا محمد بن الوليد ، عن حماد بن عثمان ، عن جميل بن دراج ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن أطفال الأنبياء عليهم السلام فقال : ليسوا كأطفال سائر الناس ، قال : وسألته عن إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لو بقي كان صديقا ؟ قال : لو بقي كان على منهاج أبيه صلى الله عليه وآله.
    12 ـ وبهذا الإسناد ، عن حماد بن عثمان ، عن عامر بن عبد الله ، قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : كان على قبر إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله عذق يظله عن الشمس ، فلما يبس العذق ذهب أثر القبر فلم يعلم مكانه ، وقال عليه السلام : مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وكان له ثمانية عشر شهرا فأتم الله عزوجل رضاعه في الجنة.
    قال مصنف هذا الكتاب في الأطفال وأحوالهم : إن الوجه في معرفة العدل والجور والطريق إلى تميزهما ليس هو ميل الطباع إلى الشيء ونفورها عنه وأنه استحسان العقل له واستقباحه إياه ، فليس يجوز لذلك أن نقطع بقبح فعل من الأفعال لجهلنا بعلله. ولا أن نعمل في إخراجه عن حد العدل على ظاهر صورته ، بل الوجه


(396)
إذا أردنا أن نعرف حقيقة نوع من أنواع الفعل قد خفي علينا وجه الحكمة فيه أن نرجع إلى الدليل الذي يدل على حكمة فاعله ونفرغ إلى البرهان الذي يعرفنا حال محدثه ، فإذا أوجبنا له في الجملة أنه لا يفعل إلا الحكمة والصواب وما فيه الصنع والرشاد لزمنا أن نعم بهذه القضية أفعاله كلها ، جهلنا عللها أم عرفناها ، إذ ليس في العقول قصرها على نوع من الفعل دون نوع ولا خصوصها في جنس دون جنس ألا ترى أنا لو رأينا أبا قد ثبتت بالدلائل عندنا حكمته وصح بالبرهان لدينا عدله (1) يقطع جارحة من جوارح ولده أو يكوي عضوا من أعضائه ولم نعرف السبب في ذلك ولا العلة التي لها يفعل ما يفعله به لم يجز لجهلنا بوجه المصلحة فيه أن ننقض ما قد أثبته البرهان الصادق في الجملة من حسن نظره له ولإرادته الخير به ، فكذلك أفعال الله العالم بالعواقب والابتداء تبارك وتعالى لما أوجب الدليل في الجملة أنها لا تكون إلا حكمة ولا تقع إلا صوابا لم يجز لجهلنا بعلل كل منها على التفصيل أن نقف فيما عرفناه من جملة أحكامها ، لا سيما وقد عرفنا عجز أنفسنا عن معرفة علل الأشياء وقصورها عن الإحاطة بمعاني الجزئيات ، هذا إذا أردنا أن نعرف الجملة التي لا يسع جهلها من أحكام أفعاله عزوجل ، فأما إذا أردنا أن نستقصي معانيها ونبحث عن عللها فلن نعدم في العقول بحمد الله ما يعرفنا من وجه الحكمة في تفصيلاتها ما يصدق الدلالة على جملتها ، والدليل على أن أفعال الله تبارك وتعالى حكمة بعدها من التناقض وسلامتها من التفاوت وتعلق بعضها ببعض وحاجة الشيء إلى مثله وائتلافه بشكله واتصال كل نوع بشبهه حتى لو توهمت على خلاف ما هي عليه من دوران أفلاكها وحركة شمسها وقمرها ومسير كواكبها لانتقضت وفسدت ، فلما استوفت أفعال الله عزوجل ما ذكرناه من شرائط العدل وسلمت مما قدمناه من علل الجور صح أنها حكمة ، والدليل على أنه لا يقع منه عزوجل الظلم ولا يفعله أنه قد ثبت أنه تبارك وتعالى قديم غني عالم لا يجهل والظلم لا يقع إلا من جاهل بقبحه أو محتاج إلى فعله منتفع به ، فلما كان أنه تبارك وتعالى قديما غنيا لا تجوز عليه المنافع و
1 ـ في نسخة ( ج ) وحاشية نسخة ( ط ) ( ووضح بالبرهان ـ الخ ).

(397)
المضار عالما بما كان ويكون من قبيح وحسن صح أنه لا يفعل إلا الحكمة ولا يحدث إلا الصواب ، ألا ترى أن من صحت حكمته منا لا يتوقع منه مع غنائه عن فعل القبيح وقدرته على تركه وعلمه بقبحه وما يستحق من الذم على فعله ارتكاب العظائم فلا يخاف عليه مواقعة القبائح ، وهذا بين ، والحمد لله.
    13 ـ حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رحمه الله ، قال : حدثنا علي ابن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه ، عن عمرو بن عثمان الخزاز ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، قال : قلت لأبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، : يا ابن رسول الله إنا نرى من الأطفال من يولد ميتا ، ومنهم من يسقط غير تام ، ومنهم من يولد أعمى أو أخرس أو أصم ، ومنهم من يموت من ساعته إذا سقط على الأرض ، ومنهم من يبقى إلى الاحتلام ، ومنهم من يعمر حتى يصير شيخا ، فكيف ذلك وما وجهه ؟ فقال عليه السلام : إن الله تبارك وتعالى أولى بما يدبره من أمر خلقه منهم ، وهو الخالق والمالك لهم ، فمن منعه التعمير فإنما منعه ما ليس له ، ومن عمره فإنما أعطاه ما ليس له ، فهو المتفضل بما أعطاه وعادل فيما منع ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، قال جابر : فقلت له : يا ابن رسول الله وكيف لا يسأل عما يفعل ؟.
    قال : لأنه لا يفعل إلا ما كان حكمه وصوابا ، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار فمن وجد في نفسه حرجا في شيء مما قضى الله فقد كفر ، ومن أنكر شيئا من أفعاله جحد. (1)
1 ـ في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) بعد الحديث الثالث عشر في آخر الباب هذا الحديث :
    ( حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثني محمد بن أبي بشير ، قال : حدثني الحسين بن أبي الهيثم ، قال :
    حدثنا سليمان بن داود ، عن حفص بن غياث ، قال : حدثني خير الجعافر جعفر بن محمد ، قال : حدثني باقر علوم الأولين والآخرين محمد بن علي ، قال : حدثني سيد العابدين علي ابن الحسين ، قال : حدثني سيد الشهداء الحسين بن علي ، قال : حدثني سيد الأوصياء علي ابن أبي طالب عليهم السلام ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم جالسا في مسجده إذ دخل عليه رجل من اليهود فقال : يا محمد إلى ما تدعو ؟ قال : إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، قال : يا محمد أخبرني عن هذا الرب الذي تدعو إلى وحدانيته وتزعم أنك رسوله كيف هو ، قال : يا يهودي إن ربي لا يوصف بالكيف لأن الكيف مخلوق وهو مكيفه ، قال : فأين هو ؟ قال : إن ربي لا يوصف بالأين لأن الأين مخلوق وهو أينه ، قال : فهل رأيته يا محمد ؟ قال : إنه لا يرى بالأبصار ولا يدرك بالأوهام ، قال : فبأي شيء نعلم أنه موجود ؟ قال : بآياته وأعلامه ، قال : فهل يحمل العرش أم العرش يحمله ؟
    فقال : يا يهودي إن ربي ليس بحال ولا محل ، قال : فكيف خروج الأمر منه ؟ قال :
    باحداث الخطاب في المحال ، قال : يا محمد أليس الخلق كله له ؟! قال : بلى ، قال :
    فبأي شيء اصطفى منهم قوما لرسالته ؟ قال : بسبقهم إلى الاقرار بربوبيته ، قال : فلم زعمت إنك أفضلهم ؟ قال : لأني أسبقهم إلى الاقرار بربي عزوجل ، قال : فأخبرني عن ربك هل يفعل الظلم ؟ قال : لا ، قال : ولم ؟ قال : لعلمه بقبحه واستغنائه عنه ، قال : فهل أنزل عليك في ذلك قرآنا يتلى ؟ قال : نعم ، أنه يقول عزوجل : ( وما ربك بظلام للعبيد ) ، ويقول : ( إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون ) ويقول : ( وما الله يريد ظلما للعالمين ) ويقول : ( وما الله يريد ظلما للعباد ) قال اليهودي : يا محمد فإن زعمت أن ربك لا يظلم فكيف أغرق قوم نوح عليه السلام وفيهم الأطفال ؟ فقال : يا يهودي إن الله عزوجل أعقم أرحام نساء قوم نوح أربعين عاما فأغرقهم حين أغرقهم ولا طفل فيهم ، وما كان الله ليهلك الذرية بذنوب آبائهم ، تعالى عن الظلم والجور علوا كبيرا ، قال اليهودي : فإن كان ربك لا يظلم فكيف يخلد في النار أبد الآبدين من لم يعصه إلا أياما معدودة ؟ قال : يخلده على نيته ، فمن علم الله نيته أنه لو بقي في الدنيا إلى انقضائها كان يعصي الله عزوجل خلده في ناره على نيته ، ونيته في ذلك شر من عمله ، وكذلك يخلد من يخلد في الجنة بأنه ينوي أنه لو بقي في الدنيا أيامها لأطاع الله أبدا ، ونيته خير من عمله ، فبالنيات يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ، والله عزوجل يقول : ( قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلا ) قال اليهودي : يا محمد إني أجد في التوراة أنه لم يكن لله عزوجل نبي إلا كان له وصي من أمته فمن وصيك ؟ قال : يا يهودي وصيي علي بن أبي طالب عليه السلام ، واسمه في التوراة أليا وفي الإنجيل حيدار ، وهو أفضل أمتي وأعلمهم بربي ، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وأنه لسيد الأوصياء كما أني سيد الأنبياء ، فقال اليهودي :
    أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله وأن علي بن أبي طالب وصيك حقا ، والله أني لأجد في التوراة كل ما ذكرت في جواب مسائلي ، وإني لأجد فيها صفتك وصفة وصيك ، وأنه المظلوم ومحتوم له بالشهادة ، وأنه أبو سبطيك وولديك شبرا وشبيرا سيدي شباب أهل الجنة ).


(398)
    1 ـ أخبرني أبو الحسين طاهر بن محمد بن يونس بن حياة (1) الفقيه ببلخ ، قال :
1 ـ في نسخة ( و ) خيرة : وفي نسخة ( ه‍ ) خيوة.

(399)
حدثنا محمد بن عثمان الهروي ، قال : حدثنا أبو محمد الحسن بن الحسين بن مهاجر (1) قال : حدثنا هشام بن خالد ، قال : حدثنا الحسن بن يحيى الحنيني (2) قال حدثنا صدقة بن عبد الله ، عن هشام ، عن أنس (3) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، عن جبرئيل ، عن الله عزوجل ، قال : قال الله تبارك وتعالى : من أهان وليا لي فقد بارزني بالمحاربة وما ترددت في شيء أنا فاعله مثل ما ترددت في قبض نفس المؤمن (4) يكره الموت
1 ـ في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( الحسن بن الحسن بن مهاجر ).
2 ـ في نسخة ( ج ) ( الحسين بن يحيى الحنفي ) والظاهر أنه الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي الذي مات بعد التسعين كما في التقريب وهو والراوي والمروي عند كلهم من رجال العامة.
3 ـ في نسخة ( ج ) و ( ط ) و ( ن ) ( حدثنا صدقة بن عبد الله بن هشام عن أنس ـ الخ ).
4 ـ في نسخة ( ج ) و ( ه‍ ) ( كما ترددت في قبض نفس المؤمن ) وفي نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( وما ترددت عن شيء أنا فاعله ما ترددت في قبض نفس المؤمن ) وليس التردد في حقه تعالى كما فينا ، بل إطلاقه عليه تعالى باعتبار مبدئه فقط وهو تعارض المحبوبين أو تبادل المكروهين اللازمين لفعل شيء وتركه كما هنا ، والمكروهان مساءة المؤمن وبقاؤه في الدنيا وإن كان هو يكره الانتقال إلى الدار الآخرة ولكنه تعالى لا يكره ذلك.


(400)
وأكره مساءته ولا بد له منه ، وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه ، ولا يزال عبدي يتنفل لي حتى أحبه ، ومتى أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا ، إن دعاني أجبته ، وإن سألني أعطيته ، وإن من عبادي المؤمنين لمن يريد الباب من العبادة فأكفه عنه لئلا يدخله عجب فيفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالفقر ولو أغنيته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالغناء ولو أفقرته لأفسده ذلك ، وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالسقم ولو صححت جسمه لأفسده ذلك (1) وإن من عبادي المؤمنين لمن لا يصلح إيمانه إلا بالصحة ولو أسقمته لأفسده ذلك ، إني أدبر عبادي لعلمي بقلوبهم ، فإني عليم خبير.
    2 ـ حدثنا أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الكريم ، قال : حدثنا محمد بن عبد الرحمن البرقي ، قال :
    حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : قرأت على أبي عمر الصنعاني (2) عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال وسلم : رب أشعث أغبر ذي طمرين مدفع بالأبواب (3) لو أقسم على الله عزوجل لأبره.
    3 ـ حدثنا أبي رحمه الله ، قال : حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم ، عن أبيه عن الحسن بن محبوب ، عن عبد الله بن سنان ، عن محمد بن المنكدر ، قال : مرض عون ابن عبد الله بن مسعود فأتيته أعوده فقال : ألا أحدثك بحديث عن عبد الله بن مسعود قلت : بلى ، قال : قال عبد الله : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله إذ تبسم ، فقلت له
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( ط ) و ( ن ) ( ولو صححت جسده ـ الخ ).
2 ـ في نسخة ( ب ) ( حدثنا عمر بن أبي سلمة قال : قرأت على عمر الصنعاني ـ الخ ).
3 ـ في نسخة ( و ) ( مرقع بالأثواب ) وفي نسخة ( ط ) ( يدفع بالأبواب ) وفي نسخة ( ج ) ( مدفع بالأبواب مرقع للأثواب ).


(401)
ما لك يا رسول الله ؟ قال : عجبت من المؤمن وجزعه من السقم ، ولو يعلم ما له في السقم من الثواب لأحب أن لا يزال سقيما حتى يلقى ربه عزوجل.
    4 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن يعقوب بن يزيد ، عن محمد بن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : إن قوما أتوا نبيا فقالوا : ادع لنا ربك يرفع عنا الموت ، فدعا لهم ، فرفع الله تبارك وتعالى عنهم الموت ، وكثروا حتى ضاقت بهم المنازل وكثر النسل ، وكان الرجل يصبح فيحتاج أن يطعم أباه وأمه وجده وجد جده ويرضيهم (1) ويتعاهدهم ، فشغلوا عن طلب المعاش ، فأفتوه فقالوا : سل ربك أن يردنا إلى آجالنا التي كنا عليها ، فسأل ربه عزوجل فردهم إلى آجالهم.
    5 ـ حدثنا علي بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ( ره ) قال حدثنا أبي ، عن جده أحمد بن أبي عبد الله ، عن الحسن بن علي بن فضال ، عن علي بن عقبة ، عن أبيه ، عن سليمان بن خالد ، عن أبي عبد الله الصادق ، عن أبيه ، عن جده عليهم السلام قال : ضحك رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم حتى بدت نواجذه ، ثم قال : ألا تسألوني مم ضحكت ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : عجبت للمرء المسلم أنه ليس من قضاء يقضيه الله عزوجل إلا كان خيرا له في عاقبة أمره.
    6 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن أبي قتادة القمي قال : حدثنا عبد الله بن يحيى ، عن أبان الأحمر ، عن الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام قال : والذي بعث جدي صلى الله عليه وآله بالحق نبيا إن الله تبارك وتعالى ليرزق العبد على قدر المروة ، وإن المعونة لتنزل من السماء على قدر المؤونة ، وإن الصبر لينزل على قدر شدة البلاء.
    7 ـ حدثنا الحسين بن أحمد بن إدريس رحمه الله ، قال : حدثنا أبي ، قال :
    حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى ، عن عبد الرحمن بن أبي نجران ، عن المفضل بن
1 ـ في نسخة ( ج ) ( ويربيهم ) ، وفي نسخة ( و ) و ( د ) و ( ه‍ ) ( يوضيهم ).

(402)
صالح ، عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليهما السلام ، قال : إن موسى بن عمران عليه السلام قال : يا رب رضيت بما قضيت تميت الكبير وتبقي الصغير ، فقال الله عزوجل : يا موسى أما ترضاني لهم رازقا وكفيلا ؟ قال : بلى يا رب فنعم الوكيل أنت ونعم الكفيل (1).
    8 ـ حدثنا محمد بن موسى بن المتوكل رضي الله عنه ، قال : حدثنا علي بن الحسين السعدآبادي ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن محمد بن أبي الهزهاز ، عن علي بن الحسين (2) قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :
    إن الله عزوجل جعل أرزاق المؤمنين من حيث لا يحتسبون ، وذلك أن العبد إذا لم يعرف وجه رزقه كثر دعاؤه.
    9 ـ حدثنا علي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق رضي الله عنه ، قال :
    حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البرمكي ، قال :
    حدثنا جعفر بن سليمان بن أيوب الخزاز (3) قال : حدثنا عبد الله بن الفضل الهاشمي ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : لأي علة جعل الله تبارك وتعالى الأرواح في الأبدان بعد كونها في ملكوته الأعلى في أرفع محل ؟ فقال عليه السلام :
    إن الله تبارك وتعالى علم أن الأرواح في شرفها وعلوها متى تركت على حالها نزع أكثرها إلى دعوى الربوبية دونه عزوجل ، فجعلها بقدرته في الأبدان التي قدرها لها في ابتداء التقدير نظرا لها ورحمة بها ، وأحوج بعضها إلى بعض ، وعلق
1 ـ مر هذا الحديث في الباب الستين بعين السند والمتن.
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( عن علي بن الحسين ) وفي حاشية نسخة ( و ) و ( ن ) ( عن علي بن السري ).
3 ـ في نسخة ( ط ) ( جعفر بن سليمان بن أبي أيوب الخزاز ) وفي نسخة ( ب ) ( جعفر ابن سليمان عن أيوب الخزاز ) واحتمل أن يكون جعفر بن سليمان عن أبي أيوب الخزاز ، وهو إما إبراهيم بن زياد أو إبراهيم بن عثمان. وأما رواية البرمكي عن جعفر بن سليمان فبعيدة. ورواية جعفر بن سليمان عن عبد الله بن الفضل من غير واسطة كثيرة.


(403)
بعضها على بعض ، ورفع بعضها فوق بعض درجات ، وكفى بعضها ببعض ، وبعث إليهم رسله واتخذ عليهم حججه مبشرين منذرين يأمرونهم بتعاطي العبودية والتواضع لمعبودهم بالأنواع التي تعبدهم بها ونصب لهم عقوبات في العالج وعقوبات في الآجل ومثوبات في العاجل ومثوبات في الآجل ليرغبهم بذلك في الخير ويزهدهم في الشر وليذلهم (1) بطلب المعاش والمكاسب فيعلموا بذلك أنهم مربوبون وعباد مخلوقون و يقبلوا على عبادته فيستحقوا بذلك نعيم الأبد وجنة الخلد ويأمنوا من النزوع إلى ما ليس لهم بحق ، ثم قال عليه السلام : يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى أحسن نظرا لعباده منهم لأنفسهم ، ألا ترى أنك لا ترى فيهم إلا محبا للعلو (2) على غيره حتى أن منهم لمن قد نزع إلى دعوى الربوبية ، ومنهم من قد نزع إلى دعوى النبوة بغير حقها ، ومنهم من قد نزع إلى دعوى الإمامة بغير حقها ، مع ما يرون في أنفسهم من النقص والعجز والضعف والمهانة والحاجة والفقر والآلام المتناوبة عليهم و الموت الغالب لهم والقاهر لجميعهم ، يا ابن الفضل إن الله تبارك وتعالى لا يفعل لعباده إلا الأصلح لهم ، ولا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون.
    10 ـ حدثنا محمد بن أحمد الشيباني رضي الله عنه ، قال : حدثنا محمد بن أبي ـ عبد الله الكوفي ، قال : حدثنا موسى بن عمران النخعي ، عن عمه الحسين بن يزيد النوفلي ، عن علي بن سالم ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام ، قال : سألته عن قول الله عزوجل : ( ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك و لذلك خلقهم ) (3) قال : خلقهم ليفعلوا ما يستوجبوا به رحمته فيرحمهم.
    11 ـ حدثنا محمد بن القاسم الأسترآبادي ، قال : حدثنا يوسف بن محمد بن زياد وعلي بن محمد بن سيار عن أبويهما ، عن الحسن بن علي ، عن أبيه ، علي بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن موسى الرضا ، عن أبيه موسى بن جعفر
1 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ه‍ ) ( ليدلهم ) بالدال المهملة.
2 ـ في نسخة ( ه‍ ) ( لا ترى منهم إلا محبا ـ الخ ).
3 ـ هود : 118.


(404)
عن أبيه جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام في قول الله عزوجل : ( الذي جعل لكم الأرض فراشا ) (1) قال : جعلها ملائمة لطبائعكم موافقة لأجسادكم ، لم يجعلها شديدة الحمى والحرارة فتحرقكم ، ولا شديدة البرد فتجمدكم ، ولا شديدة طيب الريح فتصدع هاماتكم ، ولا شديدة النتن فتعطبكم ، ولا شديدة اللين كالماء فتغرقكم ، ولا شديدة الصلابة فتمتنع عليكم في دوركم و أبنيتكم وقبور موتاكم ، ولكنه عزوجل جعل فيها من المتانة ما تنتفعون به و تتماسكون وتتماسك عليها أبدانكم وبنيانكم ، وجعل فيها ما تنقاد به لدوركم و قبوركم وكثير من منافعكم (2) فلذلك جعل الأرض فراشا لكم ، ثم قال عزوجل ( والسماء بناء ) أي سقفا من فوقكم محفوظا ، يدير فيها شمسها وقمرها ونجومها لمنافعكم ، ثم قال عزوجل : ( وأنزل من السماء ماء ) يعني المطر نزله من العلي ليبلغ قلل جبالكم وتلالكم وهضابكم وأوهادكم ، ثم فرقة رذاذا ووابلا وهطلا وطلا لتنشفه أرضوكم ، ولم يجعل ذلك المطر نازلا عليكم قطعة واحدة فيفسد أرضيكم وأشجاركم وزروعكم وثماركم ، ثم قال عزوجل : ( فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فلا تجعلوا لله أندادا ) أي أشباها وأمثالا من الأصنام التي لا تعقل ولا تسمع ولا تبصر ولا تقدر على شيء ( وأنتم تعلمون ) أنها لا تقدر على شيء من هذه النعم الجليلة التي أنعمها عليكم ربكم تبارك وتعالى.
    12 ـ حدثنا أبي رضي الله عنه ، قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن الحسن بن محبوب ، عن داود بن كثير الرقي ، عن أبي عبيدة الحذاء ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : قال الله جل جلاله :
    إن من عبادي المؤمنين لمن يجتهد في عبادتي فيقوم من رقاده ولذيذ وساده فيتهجد في الليالي ويتعب نفسه في عبادتي فأضربه بالنعاس الليلة والليلتين نظرا مني له و
1 ـ البقرة : 22.
2 ـ قوله : ( وكثير ) بالجر عطف على دوركم ، وفي نسخة ( ط ) و ( ن ) ( بالنصب فعطف على ما تنقاد ).


(405)
إبقاء عليه فينام حتى يصبح ويقوم وهو ماقت لنفسه زار عليها ، ولو أخلي بينه وبين ما يريد من عبادتي لدخله من ذلك العجب فيصيره العجب إلى الفتنة بأعماله (1) ورضاه عن نفسه حتى يظن أنه قد فاق العابدين ، وجاز في عبادته حد التقصير (2) فيتباعد مني عند ذلك وهو يظن أنه يتقرب إلي.
    13 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن إبراهيم بن هاشم ، عن الحسن بن محبوب ، عن مالك بن عطية ، عن داود بن فرقد ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كان فيما أوحى الله عزوجل إلى موسى عليه السلام : أن يا موسى ما خلقت خلقا أحب إلي من عبدي المؤمن ، وإنما أبتليه لما هو خير له وأعافيه لما هو خير له ، وأنا أعلم بما يصلح عليه أمر عبدي ، فليصبر على بلائي وليشكر نعمائي وليرض بقضائي أكتبه في الصديقين عندي إذا عمل برضائي فأطاع أمري (3).

    1 ـ حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رحمه الله ، قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي ، عن أبيه ، عن صفوان بن يحيى ، عن منصور بن حازم ، قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : الناس مأمورون منهيون ، و
1 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( ليدخله من ذلك العجب إلى الفتنة بأعماله ).
2 ـ في الكافي ج 2 ص 72 عن أبي الحسن موسى عليه السلام أنه قال لبعض ولده : ( يا بني عليك بالجد ، لا تخرجن نفسك من حد التقصير في عبادة الله عزوجل وطاعته فإن الله لا يعبد حق عبادته ) أي يجب على العبد دائما في أي منزلة كان أن يعترف أنه مقصر في ذلك ، وفي الدعاء : ( اللهم لا تجعلني من المعارين ولا تخرجني عن التقصير ) وفي نسخة ( ج ) ( حاز في عبادته حق المتقين ).
3 ـ في نسخة ( و ) ( أطاع أمري ).
التوحيد ::: فهرس