التوحيد ::: 436 ـ 450
(436)
مدرك وفاصلا لكل مشكل ، وتلك الحروف تفريق كل شيء (1) من اسم حق وباطل أو فعل أو مفعول أو معنى أو غير معنى ، وعليها اجتمعت الأمور كلها ، ولم يجعل للحروف في إبداعه لها معنى غير أنفسها يتناهى ولا جود (2) لأنها مبدعة بالإبداع ، و النور في هذا الموضع أول فعل الله الذي هو نور السماوات والأرض ، والحروف هي المفعول بذلك الفعل ، وهي الحروف التي عليها الكلام والعبارات كلها من الله عزوجل ، علمها خلقه ، وهي ثلاثة وثلاثون حرفا ، فمنها ثمانية وعشرون حرفا تدل على اللغات العربية ، ومن الثمانية والعشرين اثنان وعشرون حرفا (3) تدل على اللغات السريانية والعبرانية. ومنها خمسة أحرف متحرفة في سائر اللغات من العجم لأقاليم اللغات كلها ، وهي خمسة أحرف تحرفت من الثمانية والعشرين الحرف من اللغات (4) فصارت الحروف ثلاثة وثلاثين حرفا ، فأما الخمسة المختلفة فبحجج (5) لا يجوز ذكرها أكثر مما ذكرناه ، ثم جعل الحروف بعد إحصائها (6) وإحكام عدتها فعلا منه كقوله عزوجل : ( كن فيكون ) وكن منه صنع ، وما يكون به المصنوع ، فالخلق الأول من الله عزوجل الابداع لا وزن له ولا حركة ولا سمع ولا لون ولا حس ، والخلق الثاني الحروف لا وزن لها ولا لون ، وهي مسموعة
1 ـ في البحار وفي نسخة ( و ) ( وبتلك الحروف تفريق كل شيء ) وفي نسخة ( ج ) ( وتلك الحروف تفرق كل معنى ) وفي نسخة ( ط ) ( وتلك الحروف تفريق كل معين ) و في نسخة ( ه‍ ) ( وتلك الحروف تعريف كل شيء ) وفي هامشه : ( تعرف كل شيء ).
2 ـ قوله : ( يتناهى ) صفه لمعنى ، وقوله : ( ولا وجود ) عطف على معنى ، وفي البحار : ( ولا وجود لها لأنها ـ الخ ).
3 ـ حروف الهجاء قد تعد ثمانية وعشرين بعد الألف والهمزة واحدة كما هنا ، و قد تعد تسعه وعشرين بعدهما اثنتين كما في الباب الثاني والثلاثين.
4 ـ في نسخة ( ج ) ( من الثمانية والعشرين حرفا )
5 ـ في البحار وفي نسخة ( و ) ( فحجج ).
6 ـ في نسخة ( د ) وحاشية نسخه ( ب ) ( بعد اختصاصها ).


(437)
موصوفة غير منظور إليها ، والخلق الثالث ما كان من الأنواع كلها محسوسا ملموسا ذا ذوق منظورا إليه ، والله تبارك وتعالى سابق للإبداع لأنه ليس قبله عزوجل شيء ولا كان معه شيء ، والإبداع سابق للحروف ، والحروف لا تدل على غير أنفسها قال المأمون : وكيف لا تدل على غير أنفسها ؟ قال الرضا عليه السلام : لأن الله تبارك و تعالى لا يجمع منها شيئا لغير معنى أبدا ، فإذا ألف منها أحرفا أربعة أو خمسه أو ستة أو أكثر من ذلك أو أقل لم يؤلفها لغير معنى ولم يك إلا لمعنى محدث لم يكن قبل ذلك شيئا. قال عمران : فكيف لنا بمعرفة ذلك ؟ قال الرضا عليه السلام : أما المعرفة فوجه ذلك وبابه أنك تذكر الحروف (1) إذا لم ترد بها غير أنفسها ذكرتها فردا فقلت : ا ب ت ث ج ح خ حتى تأتي على آخرها فلم تجد لها معنى غير أنفسها ، فإذا ألفتها وجمعت منها أحرفا وجعلتها اسما وصفة لمعنى ما طلبت ووجه ما عنيت كانت دليلة على معانيها داعية إلى الموصوف بها ، أفهمته ؟ قال : نعم.
    قال الرضا عليه السلام : واعلم أنه لا يكون صفة لغير موصوف ولا اسم لغير معنى ولا حد لغير محدود ، والصفات والأسماء كلها تدل على الكمال والوجود ، ولا تدل على الإحاطة كما تدل على الحدود التي هي التربيع والتثليث والتسديس لأن الله عزوجل وتقدس تدرك معرفته بالصفات والأسماء ، ولا تدرك بالتحديد بالطول و العرض والقلة والكثرة واللون والوزن وما أشبه ذلك ، وليس يحل بالله جل و تقدس شيء من ذلك حتى يعرفه خلقه بمعرفتهم أنفسهم بالضرورة التي ذكرنا (2) ولكن يدل على الله عزوجل بصفاته ويدرك بأسمائه ويستدل عليه بخلقه حتى لا يحتاج في ذلك الطالب المرتاد إلى رؤية عين ولا استماع أذن ولا لمس كف ولا إحاطة بقلب ، فلو كانت صفاته جل ثناؤه لا تدل عليه وأسماؤه لا تدعو إليه والمعلمة من الخلق لا تدركه لمعناه (3) كانت العبادة من الخلق لأسمائه وصفاته دون معناه ، فلولا
1 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) و ( ه‍ ) ( وبيانه أنك تذكر الحروف ).
2 ـ في نسخة ( ج ) ( بالصورة التي ذكرنا ).
3 ـ في نسخه ( و ) ( لا تذكر بمعناه ).


(438)
أن ذلك كذلك لكان المعبود الموحد غير الله تعالى لأن صفاته وأسماءه غيره ، أفهمت ؟
    قال : نعم يا سيدي زدني.
    قال الرضا عليه السلام : إياك وقول الجهال أهل العمى والضلال الذين يزعمون أن الله عزوجل وتقدس موجود في الآخرة للحساب والثواب والعقاب ، وليس بموجود في الدنيا للطاعة والرجاء ، ولو كان في الوجود لله عزوجل نقص و اهتضام لم يوجد في الآخرة أبدا ، ولكن القوم تاهوا وعموا وصموا عن الحق من حيث لا يعلمون ، وذلك قوله عزوجل : ( ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا ) (1) يعني أعمى عن الحقائق الموجودة ، وقد علم ذووا الألباب أن الاستدلال على ما هناك لا يكون إلا بما ههنا ، ومن أخذ علم ذلك برأيه وطلب وجوده وإدراكه عن نفسه دون غيرها لم يزدد من علم ذلك إلا بعدا لأن الله عزوجل جعل علم ذلك خاصة عند قوم يعقلون ويعلمون ويفهمون.
    قال عمران : يا سيدي ألا تخبرني عن الابداع خلق هو أم غير خلق ؟ قال الرضا عليه السلام : بل خلق ساكن لا يدرك بالسكون وإنما صار خلقا لأنه شيء محدث ، والله الذي أحدثه فصار خلقا له ، وإنما هو الله عزوجل وخلقه لا ثالث بينهما ولا ثالث غيرهما ، فما خلق الله عزوجل لم يعد أن يكون خلقه ، وقد يكون الخلق ساكنا ومتحركا ومختلفا ومؤتلفا ومعلوما ومتشابها ، وكل ما وقع عليه حد فهو خلق الله عزوجل.
    واعلم أن كل ما أوجدتك الحواس فهو معنى مدرك للحواس (2) وكل حاسة تدل على ما جعل الله عزوجل لها في إدراكها ، والفهم من القلب بجميع ذلك كله (3).
    واعلم أن الواحد الذي هو قائم بغير تقدير ولا تحديد خلق خلقا مقدرا بتحديد وتقدير ، وكان الذي خلق خلقين اثنين التقدير والمقدر ، فليس في كل
1 ـ الإسراء : 72.
2 ـ قوله : ( أوجدتك ) أي أفادتك.
3 ـ في نسخة ( ط ) ( يجمع ذلك كله ).


(439)
واحد منهما لون ولا ذوق ولا وزن (1) فجعل أحدهما يدرك بالآخر ، وجعلهما مدركين بأنفسهما ، ولم يخلق شيئا فردا قائما بنفسه دون غيره للذي أراد من الدلالة على نفسه وإثبات وجوده (2) والله تبارك وتعالى (3) فرد واحد لا ثاني معه يقيمه ولا يعضده ولا يمسكه (4) والخلق يمسك بعضه بعضا بإذن الله ومشيته ، وإنما اختلف الناس في هذا الباب حتى تاهوا وتحيروا وطلبوا الخلاص من الظلمة بالظلمة في وصفهم الله بصفة أنفسهم فازدادوا من الحق بعدا ، ولو وصفوا الله عزوجل بصفاته ووصفوا المخلوقين بصفاتهم لقالوا بالفهم واليقين ولما اختلفوا ، فلما طلبوا من ذلك ما تحيروا فيه ارتبكوا (5) والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
    قال عمران : يا سيدي أشهد أنه كما وصفت ، ولكن بقيت لي مسألة ، قال :
    سل عما أردت ، قال : أسألك عن الحكيم في أي شيء هو ، وهل يحيط به شيء ، وهل يتحول من شيء إلى شيء ، أوبه حاجة إلى شيء ؟ قال الرضا عليه السلام : أخبرك يا عمران فاعقل ما سألت عنه فإنه من أغمض ما يرد على المخلوقين في مسائلهم ، وليس يفهمه المتفاوت عقله ، العازب علمه (6) ولا يعجز عن فهمه أولوا العقل المنصفون ، أما أول ذلك فلو كان خلق ما خلق لحاجة منه لجاز لقائل أن يقول : يتحول إلى ما خلق لحاجته إلى ذلك ولكنه عزوجل لم يخلق شيئا لحاجته (7) ولم يزل
1 ـ في نسخة ( ه‍ ) ( فليس في أحد منهما ـ الخ ) وفي نسخة ( ن ) ( وليس في كل واحد منهما ـ الخ ) وفي البحار : ( وليس في واحد منهما ـ الخ ).
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( الذي أراد ـ الخ ).
3 ـ في نسخة ( ن ) ( فالله تبارك وتعالى ).
4 ـ في البحار وفي نسخة ( ه‍ ) و ( د ) و ( ب ) و ( و ) ( ولا يعضده ولا يكنه ).
5 ـ ارتبك في الكلام : تتعتع ، والصيد في الحبالة : اضطرب فيها ، وفي الأمر : وقع فيه ولم يكد يتخلص منه ، وفي نسخة ( ن ) و ( د ) و ( ط ) و ( و ) ( ارتكبوا ) أي ارتكبوا ما ليس بحق.
6 ـ في البحار وفي نسخة ( د ) و ( ب ) و ( و ) ( العازب حلمه ) وفي حاشية نسخة ( ط ) ( العازب حكمه ).
7 ـ في البحار وفي نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( لحاجة ).


(440)
ثابتا لا في شيء ولا على شيء إلا أن الخلق يمسك بعضه بعضا ويدخل بعضه في بعض ويخرج منه ، والله عزوجل وتقدس بقدرته يمسك ذلك كله يدخل في شيء ولا يخرج منه ولا يؤوده حفظه ولا يعجز عن إمساكه ، ولا يعرف أحد من الخلق كيف ذلك إلا الله عزوجل ومن أطلعه عليه من رسله وأهل سره والمستحفظين لأمره وخزانه القائمين بشريعته ، وإنما أمره كلمح البصر أو هو أقرب (1) إذا شاء شيئا فإنما يقول له : كن ، فيكون بمشيته وإرادته ، وليس شيء من خلقه أقرب إليه من شيء ، ولا شيء منه هو أبعد منه من شيء (2) أفهمت يا عمران ؟ قال : نعم يا سيدي قد فهمت وأشهد أن الله على ما وصفته ووحدته ، وأن محمدا عبده المبعوث بالهدى ودين الحق ، ثم خر ساجدا نحوا القبلة وأسلم.
    قال الحسن بن محمد النوفلي : فلما نظر المتكلمون إلى كلام عمران الصابئ وكان جدلا لم يقطعه عن حجته أحد قط لم يدن من الرضا عليه السلام أحد منهم ولم يسألوه عن شيء ، وأمسينا فنهض المأمون والرضا عليه السلام فدخلا وانصرف الناس ، و كنت مع جماعة من أصحابنا إذ بعث إلي محمد بن جعفر فأتيته ، فقال لي : يا نوفلي أما رأيت ما جاء به صديقك ، لا والله ما ظننت أن علي بن موسى خاض في شيء من هذا قط ، ولا عرفناه به أنه كان يتكلم بالمدينة أو يجتمع إلى أصحاب الكلام ، قلت ، قد كان الحاج يأتونه فيسألونه عن أشياء من حلالهم وحرامهم فيجيبهم ، و كلمه من يأتيه لحاجة (3) فقال محمد بن جعفر : يا أبا محمد إني أخاف عليه أن يحسده هذا الرجل فيسمه أو يفعل به بلية ، فشر عليه بالإمساك عن هذه الأشياء ، قلت :
1 ـ في البحار وفي نسخة ( و ) و ( ب ) و ( ن ) ( كلمح بالبصر ـ الخ ).
2 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) و ( ب ) و ( د ) ( ولا شيء أبعد منه من شيء ) ، وفي نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( ولا شيء هو أبعد منه من شيء ).
3 ـ في نسخة ( ه‍ ) و ( ج ) ( بحاجة ) وفي نسخة ( و ) ( لحاجته ) وفي البحار : ( و ربما كلم من يأتيه يحاجه ) وفي نسخة ( ب ) و ( د ) ( وربما كلم من يأتيه لحاجة ).


(441)
إذا لا يقبل مني (1) وما أراد الرجل إلا امتحانه ليعلم هل عنده شيء من علوم آبائه عليهم السلام فقال لي : قل له : إن عمك قد كره هذا الباب وأحب أن تمسك عن هذه الأشياء لخصال شتى ، فلما انقلبت إلى منزل الرضا عليه السلام أخبرته بما كان من عمه محمد بن جعفر فتبسم ، ثم قال : حفظ الله عمي ما أعرفني به لم كره ذلك ، يا غلام صر إلى عمران الصابئ فأتني به. فقلت : جعلت فداك أنا أعرف موضعه هو عند بعض إخواننا من الشيعة ، قال عليه السلام : فلا بأس قربوا إليه دابة ، فصرت إلى عمران فأتيته به فرحب به ودعا بكسوة فخلعها عليه وحمله (2) ودعا بعشرة آلاف درهم فوصله بها ، فقلت : جعلت فداك حكيت فعل جدك أمير المؤمنين عليه السلام ، فقال :
    هكذا نحب (3) ثم دعا عليه السلام بالعشاء فأجلسني عن يمينه وأجلس عمران عن يساره حتى إذا فرغنا قال لعمران : انصرف مصاحبا وبكر علينا نطعمك طعام المدينة ، فكان عمران بعد ذلك يجتمع عليه المتكلمون من أصحاب المقالات فيبطل أمرهم حتى اجتنبوه ، ووصله المأمون بعشرة آلاف درهم ، وأعطاه الفضل مالا وحمله ، و ولاه الرضا عليه السلام صدقات بلخ فأصاب الرغائب.

    1 ـ حدثنا أبو محمد جعفر بن علي بن أحمد الفقيه رضي الله عنه ، قال : أخبرنا أبو محمد الحسن بن محمد بن علي بن صدقة القمي ، قال : حدثني أبو عمرو محمد بن عمر بن عبد العزيز الأنصاري الكجي ، قال : حدثني من سمع الحسن بن محمد النوفلي يقول : قدم سليمان المروزي متكلم خراسان على المأمون فأكرمه ووصله
1 ـ في نسخة ( د ) و ( ه‍ ) ( إذ لا يقبل مني ) أي إذ لا يقبل مني فما أصنع ؟ أو المعنى :
    لا أشير عليه بذلك إذ لا يقبل مني ، وعدم التصريح بالمعلول للتأدب.
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ج ) و ( ن ) ( فجعلها عليه ـ الخ ).
3 ـ في البحار وفي نسخة ( و ) و ( ج ) ( هكذا يجب ).


(442)
ثم قال له : إن ابن عمي علي بن موسى قدم علي من الحجاز (1) وهو يحب الكلام وأصحابه ، فلا عليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته ، فقال سليمان :
    يا أمير المؤمنين إني أكره أن أسأل مثله في مجلسك في جماعة من بني هاشم فينتقص عند القوم إذا كلمني (2) ولا يجوز الاستقصاء عليه ، قال المأمون : إنما وجهت إليك لمعرفتي بقوتك وليس مرادي إلا أن تقطعه عن حجة واحدة فقط : فقال سليمان :
    حسبك يا أمير المؤمنين. اجمع بيني وبينه وخلني وإياه وألزم (3) فوجه المأمون إلى الرضا عليه السلام فقال : إنه قدم علينا رجل من أهل مرو وهو واحد خراسان من أصحاب الكلام ، فإن خف عليك أن تتجشم المصير إلينا فعلت ، فنهض عليه السلام للوضوء وقال لنا : تقدموني وعمران الصابئ معنا فصرنا إلى الباب فأخذ ياسر وخالد بيدي فأدخلاني على المأمون ، فلما سلمت قال : أين أخي أبو الحسن أبقاه الله ، قلت :
    خلفته يلبس ثيابه وأمرنا أن نتقدم ، ثم قلت : يا أمير المؤمنين إن عمران مولاك.
    معي وهو بالباب ، فقال : من عمران ؟ قلت : الصابئ الذي أسلم على يديك (4) قال :
    فليدخل فدخل فرحب به المأمون ، ثم قال له : يا عمران لم تمت حتى صرت من بني هاشم ، قال : الحمد لله الذي شرفني بكم يا أمير المؤمنين ، فقال له المأمون : يا عمران هذا سليمان المروزي متكلم خراسان ، قال عمران : يا أمير المؤمنين إنه يزعم أنه واحد خراسان في النظر وينكر البداء ، قال : فلم لا تناظره ؟ قال عمران :
    ذلك إليه ، فدخل الرضا عليه السلام فقال : في أي شيء كنتم ؟ قال عمران : يا ابن رسول الله هذا سليمان المروزي ، فقال سليمان : أترضى بأبي الحسن وبقوله فيه ؟ قال عمران : قد رضيت بقول أبي الحسن في البداء على أن يأتيني فيه بحجة أحتج بها
1 ـ في نسخة ( ه‍ ) و ( ج ) ( قدم من الحجاز ).
2 ـ في نسخة ( ج ) ( فينقص ) ـ الخ ) وفي نسخة ( د ) ( فينتقض ) بالمعجمة.
3 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) ( وخلني والذم ) ، وفي نسخه ( د ) و ( ب ) ( وخلني وإياه ).
4 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) ( الذي كان أسلم ـ الخ ).


(443)
على نظرائي من أهل النظر.
    قال المأمون : يا أبا الحسن ما تقول فيما تشاجرا فيه ؟ قال : وما أنكرت من البداء يا سليمان ، والله عزوجل يقول : ( أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا ) (1) ويقول عزوجل : ( وهو الذي يبدؤا الخلق ثم يعيده ) (2) و يقول : ( بديع السماوات والأرض ) (3) ويقول عزوجل : ( يزيد في الخلق ما يشاء ) (4) ويقول : ( وبدأ خلق الإنسان من طين ) (5) ويقول عزوجل : ( و آخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ) (6) ويقول عزوجل :
    ( وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب ) (7) قال سليمان : هل رويت فيه شيئا عن آبائك ؟ قال : نعم ، رويت عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال : ( إن الله عزوجل علمين : علما مخزونا مكنونا لا يعلمه إلا هو ، من ذلك يكون البداء ، و علما علمه ملائكته ورسله ، فالعلماء من أهل بيت نبيه يعلمونه ) (8) قال سليمان :
    أحب أن تنزعه لي من كناب الله عزوجل ، قال عليه السلام : قول الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم : ( فتول عنهم فما أنت بملوم ) (9) أراد هلاكهم ثم بدا لله فقال : ( وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين ) (10) قال سليمان : زدني جعلت فداك ، قال الرضا عليه السلام :
    لقد أخبرني أبي عن آبائه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله عزوجل أوحى إلى نبي من أنبيائه : أن أخبر فلان الملك أني متوفيه إلى كذا وكذا ، فأتاه ذلك النبي فأخبره ، فدعا الله الملك وهو على سريره حتى سقط من السرير ، فقال : يا
1 ـ مريم : 67.
2 ـ الروم : 27.
3 ـ البقرة : 117 ، والأنعام : 101.
4 ـ فاطر : 1.
5 ـ السجدة : 7.
6 ـ التوبة : 106.
7 ـ فاطر : 11.
8 ـ في البحار وفي نسخه ( ب ) و ( د ) و ( و ) ( فالعلماء من أهل بيت نبيك يعلمونه ).
    وفي حاشية نسخه ( ب ) ( والعلماء من أهل ـ الخ ).
9 ـ الذاريات : 54.
10 ـ الذاريات : 55.


(444)
رب أجلني حتى يشب طفلي وأقضي أمري ، فأوحى الله عزوجل إلى ذلك النبي أن ائت فلان الملك (1) فأعلمه أني قد أنسيت في أجله وزدت في عمره خمس عشرة سنة ، فقال ذلك النبي : يا رب إنك لتعلم أني لم أكذب قط ، فأوحى الله عزوجل إليه : إنما أنت عبد مأمور فأبلغه ذلك ، والله لا يسأل عما يفعل (2).
    ثم التفت إلى سليمان فقال : أحسبك ضاهيت اليهود في هذا الباب ، قال :
    أعوذ بالله من ذلك ، وما قالت اليهود ؟ قال : قالت : ( يد الله مغلولة ) يعنون أن الله قد فرغ من الأمر فليس يحدث شيئا ، فقال الله عزوجل : ( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا ) (3) ولقد سمعت قوما سألوا أبي موسى بن جعفر عليهما السلام ، عن البداء فقال : و ما ينكر الناس من البداء وأن يقف الله قوما يرجيهم لأمره (4) ؟ قال سليمان : ألا تخبرني عن ( إنا أنزلناه في ليلة القدر ) في أي شيء أنزلت ؟ قال الرضا : يا سليمان ليلة القدر يقدر الله عزوجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق ، فما قدره من تلك الليلة فهو من المحتوم ، قال سليمان :
    ألآن قد فهمت جعلت فداك فزدني ، قال عليه السلام : يا سليمان إن من الأمور أمورا موقوفة عند الله تبارك وتعالى يقدم منها ما يشاء ويؤخر ما يشاء ، يا سليمان إن عليا عليه السلام كان يقول : العلم علمان : فعلم علمه الله وملائكته ورسله ، فما علمه ملائكته ورسله فإنه يكون ولا يكذب نفسه ولا ملائكته ولا رسله ، وعلم عنده مخزون لم يطلع عليه أحدا من خلقه (5) يقدم منه ما يشاء ويؤخر منه ما يشاء ، ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء ، قال سليمان للمأمون : يا أمير المؤمنين لا أنكر بعد يومي هذا
1 ـ هكذا في النسخ في الموضعين ، ولا يبعد أن يكون بإضافة فلان إلى الملك.
2 ـ في نسخة ( ب ) و ( د ) ( وأنه لا يسأل عما يفعل ).
3 ـ المائدة : 64.
4 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( ج ) ( وأن الله ليقف قوما ـ الخ ) وفي نسخة ( و ) ( و أن الله يصف ـ الخ ).
5 ـ في نسخة ( ط ) و ( ن ) و ( ج ) و ( و ) ( لم يطلع عليه أحد من خلقه ).


(445)
البداء ولا كذب به إن شاء الله (1).
    فقال المأمون : يا سليمان سل أبا الحسن عما بدا لك وعليك بحسن الاستماع والإنصاف ، قال سليمان : يا سيدي أسألك ؟ قال الرضا عليه السلام : سل عما بدا لك قال : ما تقول فيمن جعل الإرادة اسما وصفة مثل حي وسميع وبصير وقدير ؟
    قال الرضا عليه السلام : إنما قلتم حدثت الأشياء واختلفت لأنه شاء وأراد ، ولم تقولوا حدثت واختلفت لأنه سميع بصير ، فهذا دليل على أنها ليست بمثل سميع بصير ولا قدير ، قال سليمان : فإنه لم يزل مريدا ، قال : يا سليمان فإرادته غيره ؟ قال :
    نعم ، قال : فقد أثبت معه شيئا غيره لم يزل ، قال سليمان : ما أثبت ، قال الرضا عليه السلام : أهي محدثة ؟ قال سليمان : لا ما هي محدثة ، فصاح به المأمون وقال : يا سليمان مثله يعايا أو يكابر ، عليك بالإنصاف أما ترى من حولك من أهل النظر ، ثم قال : كلمه يا أبا الحسن فإنه متكلم خراسان ، فأعاد عليه المسألة فقال : هي محدثة يا سليمان فإن الشيء إذا لم يكن أزليا كان محدثا وإذا لم يكن محدثا كان أزليا ، قال سليمان : إرادته منه كما أن سمعه منه وبصره منه وعلمه منه ، قال الرضا عليه السلام : فإرادته نفسه ؟! قال : لا ، قال عليه السلام : فليس المريد مثل السميع و البصير ، قال سليمان : إنما أراد نفسه كما سمع نفسه وأبصر نفسه وعلم نفسه ، قال الرضا عليه السلام : ما معنى أراد نفسه أراد أن يكون شيئا أو أراد أن يكون حيا أو سميعا أو بصيرا أو قديرا ؟! قال : نعم ، قال الرضا عليه السلام : أفبإرادته كان ذلك ؟!
    قال سليمان : لا ، قال الرضا عليه السلام : فليس لقولك : أراد أن يكون حيا سميعا بصيرا معنى إذا لم يكن ذلك بإرادته ، قال سليمان : بلى قد كان ذلك بإرادته ، فضحك المأمون ومن حوله وضحك الرضا عليه السلام ، ثم قال لهم : ارفقوا بمتكلم خراسان يا سليمان فقد حال عندكم عن حالة وتغير عنها (2) وهذا مما لا يوصف الله عزوجل
1 ـ قد مر بعض الكلام في البداء في الباب الرابع والخمسين.
2 ـ أي لو كان ذلك أي كونه سميعا بصيرا قديرا بإرادته لتحول وتغير في هذه الصفات لأن إرادته يمكن أن تتعلق بها كسائر الأمور ، وفي البحار وفي نسخة ( و ) و ( ن ) و ( د ) ( عن حاله وتغير عنها ).


(446)
به ، فانقطع.
    ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان أسألك مسألة ، قال : سل جعلت فداك قال : أخبرني عنك وعن أصحابك تكلمون الناس بما يفقهون ويعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون ؟! قال : بل بما يفقهون ويعرفون (1) قال الرضا عليه السلام : فالذي يعلم الناس أن المريد غير الإرادة وأن المريد قبل الإرادة وأن الفاعل قبل المفعول وهذا يبطل قولكم : إن الإرادة والمريد شيء واحد ، قال : جعلت فداك ليس ذاك منه على ما يعرف الناس ولا على ما يفقهون ، قال عليه السلام : فأراكم ادعيتم علم ذلك بلا معرفة ، وقلتم : الإرادة كالسمع والبصر (2) إذا كان ذلك عندكم على ما لا يعرف ولا يعقل ، فلم يحر جوابا.
    ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان هل يعلم الله عزوجل جميع ما في الجنة والنار ؟! قال سليمان : نعم ، قال : أفيكون ما علم الله عزوجل أنه يكون من ذلك ؟! (3) قال : نعم ، قال : فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم ؟! قال سليمان : بل يزيدهم ، قال : فأراه في قولك : قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون (4) قال : جعلت فداك والمزيد لا غاية
1 ـ في البحار وفي نسخة ( ج ) ( تكلمون الناس بما تفقهون وتعرفون أو بما لا تفقهون ولا تعرفون ، قال : بل بما نفقه ونعلم ). وفي نسخة ( ه ) ( تكلمون الناس بما يفقهون و يعرفون أو بما لا يفقهون ولا يعرفون ، قال : بل يفقهون ونفقه وما يعلمون ونعلم ).
    وفي نسخة ( ب ) و ( د ) و ( ط ) و ( ن ) وحاشية نسخة ( ه‍ ) بصيغة الغائب في السؤال وبصيغة المتكلم مع الغير فقط في الجواب.
2 ـ في نسخة ( و ) و ( ه‍ ) ( وقلتم : الإرادة كالسميع والبصير ، أكان ذلك عندكم ـ الخ ) وفي نسخه ( ج ) ( وقلتم : الإرادة كالسمع والبصر ، كان ذلك عندكم ـ الخ ).
3 ـ في البحار وفي نسخه ( ج ) ( قال : فيكون ما علم الله عزوجل ـ الخ ).
4 ـ قوله عليه السلام : ( أنه يكون ) مبتدء مؤخر ، والضمير يرجع إلى ما لم يكن ، و ( في علمه ) خبر له مقدم ، والجملة مفعول ثان لقوله : ( فأراه ) أي فأراه أن ما لم يكن يكون في علمه على قولك : أنه يزيدهم ما لم يكن ، فعلمه المتعلق الآن بما لم يكن غير الإرادة لأنها لم تتعلق به بعد.


(447)
له (1) قال عليه السلام : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك ، و إذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، قال سليمان : إنما قلت : لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عزوجل وصفهما بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا ، قال الرضا عليه السلام : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم ، و كذلك قال الله عزوجل في كتابه : ( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ) (2) وقال عزوجل لأهل الجنة : ( عطاء غير مجذوذ ) (3) وقال عزوجل : ( وفاكهة كثيرة * لا مقطوعة ولا ممنوعة ) (4) فهو عزوجل يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة ، أرأيت ما أكل أهل الجنة وما شربوا أليس يخلف مكانه ؟!
    قال بلى ، قال : أفيكون يقطع ذلك عنهم وقد أخلف مكانه ؟! قال سليمان : لا ، قال : فكذلك كل ما يكون فيها (5) إذا أخلف مكانه فليس بمقطوع عنهم ، قال سليمان بل يقطعه عنهم فلا يزيدهم (6) قال الرضا عليه السلام : إذا يبيد ما فيهما ، و هذا يا سليمان إبطال الخلود وخلاف الكتاب لأن الله عزوجل يقول : ( لهم ما
1 ـ في البحار وفي نسخة ( د ) و ( ب ) ( فالمزيد لا غاية له ) وهذا أنسب لإفادة التفريغ والتعليل ، كأنه على زعمه قال : كما أن إرادته لا تتعلق الآن بالمزيد في الدار الآخرة لا يتعلق علمه به لأن المزيد لا غاية له وغير المتناهي لا يكون معلوما ، فرد عليه بتنزيهه تعالى عن عدم العلم به وإن كان غير متناه.
2 ـ النساء : 56.
3 ـ هود : 108.
4 ـ الواقعة. 33.
5 ـ أي فكالجنة كل ما في النار.
6 ـ في البحار وفي نسخة ( ب ) و ( ج ) ( ولا يزيدهم ) وفي نسخة ( و ) ( بلى يقطعه عنهم فلا يزيدهم ).


(448)
يشاؤون فيها ولدينا مزيد ) (1) ويقول عزوجل : ( عطاء غير مجذوذ ) ويقول عزوجل : ( وما هم منها بمخرجين ) (2) ويقول عزوجل : ( خالدين فيها ح أبدا ) (3) ويقول عزوجل : ( وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ) فلم يحر جوابا.
    ثم قال الرضا عليه السلام : يا سليمان ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل ؟
    قال : بل هي فعل ، قال : فهي محدثة لأن الفعل كله محدث ، قال : ليست بفعل ، قال : فمعه غيره لم يزل ، قال سليمان : الإرادة هي الانشاء ، قال : يا سليمان هذا الذي ادعيتموه (4) على ضرار وأصحابه (5) من قولهم : إن كل ما خلق الله عزوجل في سماء أو أرض أو بحر أو بر من كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابة إرادة الله عزوجل وإن إرادة الله عزوجل تحيي وتموت وتذهب وتأكل وتشرب وتنكح وتلد (6) وتظلم وتفعل الفواحش وتكفر ، وتشرك ، فتبراء منها وتعاديها و هذا حدها (7).
    قال سليمان : إنها كالسمع والبصر والعلم ، قال الرضا عليه السلام : قد رجعت إلى هذا ثانية ، فأخبرني عن السمع والبصر والعلم أمصنوع ؟ قال سليمان : لا ، قال الرضا عليه السلام : فكيف نفيتموه (8) فمرة قلتم لم يرد ومرة قلتم أراد ، وليست
1 ـ ق : 35.
2 ـ الحجر : 48.
3 ـ في أحد عشر موضعا من القرآن.
4 ـ في نسخة ( ه‍ ) ( عيبتموه ) وفي البحار : ( عبتموه ).
5 ـ هو ضرار بن عمرو ، وهم من الجبرية ، لكن وافقوا المعتزلة في أشياء ، واختصموا بأشياء منكرة.
6 ـ في نسخة ( و ) و ( ط ) و ( ن ) ( تلذ ) بالذال المعجمة المشددة.
7 ـ أي فتبرء من الإرادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار وتعاديها مع أن هذا الذي ذهبت إليه من أن الإرادة هي الانشاء حد الإرادة بالمعنى الذي ذهب إليه ضرار ، وفي البحار بصيغة المتكلم مع الغير في الفعلين ، وفي نسخة ( و ) و ( ط ) و ( ج ) ( تفارقها ) مكان ( تعاديها ).
8 ـ في هامش نسخة ( و ) ( فكيف نعتموه ) والضمير المنصوب يرجع حينئذ إليه تعالى ، وهذا أصح ، وعلى سائر النسخ فالضمير يرجع إلى الإرادة وتذكيره باعتبار المعنى.


(449)
بمفعول له ؟! قال سليمان : إنما ذلك كقولنا مرة علم ومرة لم يعلم (1) قال الرضا عليه السلام : ليس ذلك سواء لأن نفي المعلوم ليس بنفي العلم ، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون ، لأن الشيء إذا لم يكن إرادة (2) وقد يكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم ، بمنزلة البصر فقد يكون الإنسان بصيرا وإن لم يكن المبصر ، ويكون العلم ثابتا وإن لم يكن المعلوم (3). قال سليمان : إنها مصنوعة ، قال عليه السلام : فهي محدثة ليست كالسمع والبصر لأن السمع والبصر ليسا بمصنوعين وهذه مصنوعة ، قال سليمان : إنها صفة من صفاته لم تزل ، قال : فينبغي أن يكون الإنسان لم يزل لأن صفته لم تزل ، قال سليمان : لا لأنه لم يفعلها ، قال الرضا عليه السلام : يا خراساني ما أكثر غلطك ، أفليس بإرادته وقوله تكون الأشياء ؟! (4)
    قال سليمان : لا ، قال : فإذا لم يكن بإرادته ولا مشيته ولا أمره ولا المباشرة فكيف يكون ذلك ؟! تعالى الله عن ذلك ، فلم يحر جوابا (5).
    ثم قال الرضا عليه السلام : ألا تخبرني عن قول الله عزوجل : ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ) (6) يعني بذلك أنه يحدث إرادة ؟! قال له :
1 ـ أي مرة وقع علمه على المعلوم الموجود ، ومرة لم يقع علمه على المعلوم لكونه غير موجود ، ومر نظير هذا في الحديث الأول من الباب الحادي عشر.
2 ـ في نسخة ( و ) و ( ب ) و ( د ) ( لم تكن الإرادة ).
3 ـ ( لم يكن ) في المواضع الأربعة تامة ، وقوله : ( بمنزلة البصر ) خبر لمبتدأ محذوف ، أي العلم بمنزلة البصر.
4 ـ في نسخة ( ه‍ ) ( أليس بإرادته وقوله تكوين الأشياء ).
5 ـ إيضاح الكلام أنه عليه السلام ألزمه على كونه الإرادة أزلية كون الإنسان مثلا أزليا لأن صفته أي إرادته التي بها خلق الإنسان أزلية ، فأجاب سليمان بأنه لا يلزم ذلك لأنه فعل الإنسان فهو حادث ولم يفعل الإرادة فهي أزلية ، فرده عليه السلام بأن هذا غلط كسائر أغلاطك لأن تكون الأشياء إنما هو بإرادته ولا تتخلف عن المراد بشهادة العقل والآية ، فكابر سليمان فقال : لا يكون بإرادته ، فأفحمه بما قال عليه السلام. فلم يحر جوابا.
6 ـ الإسراء : 16.


(450)
نعم ، قال : فإذا أحدث إرادة كان قولك إن الإرادة هي هو أم شيء منه باطلا لأنه لا يكون أن يحدث نفسه ولا يتغير عن حاله ، تعالى الله عن ذلك ، قال سليمان :
    إنه لم يكن عني بذلك أنه يحدث إرادة ، قال : فما عني به ؟ قال : عني فعل الشيء قال الرضا عليه السلام : ويلك كم تردد هذه المسألة ، وقد أخبرتك أن الإرادة محدثة لأن فعل الشيء محدث ، قال : فليس لها معنى ، قال : الرضا عليه السلام : قد وصف نفسه عندكم حتى وصفها بالإرادة بما لا معنى له ، فإذا لم يكن لها معنى قديم ولا حديث بطل قولكم : إن الله لم يزل مريدا. قال سليمان : إنما عنيت أنها فعل من الله لم يزل ، قال : ألا تعلم أن ما لم يزل لا يكون مفعولا وحديثا وقديما في حالة واحدة ؟
    فلم يحر جوابا.
    قال الرضا عليه السلام : لا بأس ، أتمم مسألتك ، قال سليمان : قلت : إن الإرادة صفة من صفاته ، قال الرضا عليه السلام : كم تردد علي أنها صفه من صفاته ، وصفته محدثة أو لم تزل ؟! قال سليمان : محدثة ، قال الرضا عليه السلام : الله أكبر فالإرادة محدثة وأن كانت صفة من صفاته لم تزل ، فلم يرد شيئا. (2) قال الرضا عليه السلام : إن ما لم يزل لا يكون مفعولا ، قال سليمان : ليس الأشياء إرادة ولم يرد شيئا. (3) قال الرضا عليه السلام : وسوست يا سليمان فقد فعل وخلق ما لم يرد خلقه ولا فعله ، وهذه صفة من لا يدري ما فعل ، تعالى الله عن ذلك.
    قال سليمان : يا سيدي قد أخبرتك أنها كالسمع والبصر والعلم ، قال المأمون : ويلك يا سليمان كم هذا الغلط والتردد اقطع هذا وخذ في غيره إذ ليست تقوى على هذا الرد ، قال الرضا عليه السلام : دعه يا أمير المؤمنين ، لا تقطع عليه مسألته
1 ـ في البحار وفي نسخة ( ه‍ ) ( فصفته ـ الخ ).
2 ـ لأن العالم حادث والإرادة أزلية والتخلف ممتنع ، وقوله : ( إن ما لم يزل ـ الخ ) تعليل له باللازم.
3 ـ أي لا أقول بقول ضرار ولا بقولكم ، بل إرادة غير متعلقة بشيء أو ليست له إرادة رأسا.
التوحيد ::: فهرس