كتاب العقائد الاسلامية الجزء الرابع ، ص 309 ـ ص 333
الفصل الثالث
التوسل الى الله في مصادرنا

1 ـ التوسل الى الله بالأعمال الصالحة
تقدم في المسألة السابعة : التوسل العملي الى الله تعالى بالأعمال الصالحة وقول أمير المؤمنين عليه السلام : أفضل ما توسل به المتوسلون الايمان بالله ، ورسوله ، والجهاد في سبيل الله ، وكلمة الاخلاص فإنها الفطرة ، وأقام الصلاة فإنها الملة ، وايتاء الزكاة فإنها من فرائض الله ، وصيام شهر رمضان فانه جنة من عذاب الله ، وحج البيت فإنه ميقات للدين ومدحضة للذنب ، وصلة الرحم فانها مثراة للمال ، ومنسأة للأجل ، والصدقة في السر فانها تذهب الخطيئة وتطفيَ غضب الرب ، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء ، وتقي مصارع الهوان. انتهى.
وذكرنا هناك أن التوسل بالأعمال الصالحة لا ينافي التوسل اليه بدعائه بأسمائه وصفاته ، وبمن أمر بالتوسل بهم من أنبيائه وأوصيائه.. لأن ذلك من الأعمال الصالحة أيضاً.


(310)

2 ـ التوسل الى الله بذاته وصفاته عز وجل

في الكافي : 4 | 74 :
علي ، عن أبيه ، عن اسماعيل بن مرار ، عن يونس ، عن ابراهيم ، عن محمد بن مسلم والحسين بن محمد ، عن أحمد بن اسحاق ، عن سعدان ، عن أبي بصير قال : كان أبو عبد الله عليه السلام يدعو بهذا الدعاء في شهر رمضان :
اللهم إني بك أتوسل ومنك أطلب حاجتي. من طلب حاجته الى الناس ، فإني لا أطلب حاجتي إلا منك ، وحدك لا شريك لك.
وأسألك بفضلك ورضوانك أن تصلي على محمد وأهل بيته وأن تجعل لي في عامي هذا الى بيتك الحرام سبيلا ، حجة مبرورة متقبلة زاكية خالصة لك ، تقر بها عيني وترفع بها درجتي ، وترزقني أن أغض بصري ، وأن أحفظ فرجي ، وأن أكف بها عن جميع محارمك ، حتى لا يكون شيء آثر عندي من طاعتك وخشيتك ، والعمل بما أحببت والترك لما كرهت ونهيت عنه.
واجعل ذلك في يسر ويسار وعافية ، وأوزعني شكر ما أنعمت به علي.
وأسألك أن تجعل وفاتي قتلاً في سبيلك تحت راية نبيك مع أوليائك.
وأسألك أن تقتل بي أعدائك وأعداء رسولك. وأسألك أن تكرمني بهوان من شئت من خلقك ، ولا تهني بكرامة أحد من أوليائك.
اللهم اجعل لي مع الرسول سبيلا. حسبي الله ، ما شاء الله.
وفي الصحيفة السجادية : 1| 408 :
إلَهي استشفعت بك اليك ، واستجرت بك منك ، أتيتك طامعاً في إحسانك ، راغباً في امتنانك ، مستسقياً وابل طولك ، مستمطراً غمام فضلك ، طالباً مرضاتك ، قاصداً جنابك ، وارداً شريعة رفدك ، ملتمساً سني الخيرات من عندك.
وفي الصحيفة السجادية : 1| 151 :
دعاؤه عليه السلام في ذكر التوبة وطلبها :


(311)

اللهم صل على محمد وآله ، وشفع في خطاياي كرمك ، وعد على سيئاتي بعفوك ، ولا تجزني جزائي من عقوبتك ، وابسط علي طولك ، وجللني بسترك ، وافعل بي فعل عزيز تضرع اليه عبد ذليل فرحمه ، أو غني تعرض له عبد فقير فنعشه.
اللهم لا خفير لي منك فليخفرني عزك ، ولا شفيع لي فليشفع لي فضلك ، وقد أوجلتني خطاياي فليؤمني عفوك..
وفي الصحيفة السجادية : 1| 402 :
يا مجيب المضطر ، يا كاشف الضر ، يا عظيم البر ، يا عليماً بما في السر ، يا جميل الستر استشفعت بجودك وكرمك اليك ، وتوسلت بحنانك وترحمك لديك فاستجب دعائي ، ولا تخيب فيك رجائي ، وتقبل توبتي ، وكفر خطيئتي بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
وفي الصحيفة السجادية : 1 | 441 :
يا من لا ينقص ملكوته عصيان المتمردين ، ولا يزيد جبروته إيمان الموحدين ، اليك أستشفع بقديم كرمك ، أن لا تسلبني مامنحتني من جسيم نعمك.

3 ـ الاستشفاع الى الله تعالى بحبه ومعرفته

وفي الصحيفة السجادية : 1| 216 :
فيا من رباني في الدنيا بإحسانه وتفضله ونعمه ، وأشار لي في الآخرة الى عفوه وكرمه. معرفتي يا مولاي دلتني عليك ، وحبي لك شفيعي اليك ، وأنا واثقٌ من دليلي بدلالتك ، وساكنٌ من شفيعي الى شفاعتك.
وفي الصحيفة السجادية : 1 | 249 :
ياذا المن ولا يمن عليك ، يا ذا الطول ، ويا ذا الجلال والاكرام ، لاالَه الا أنت ، ظهر اللاجئين ، وجار المستجيرين ، وأمان الخائفين ، اليك فررت بنفسي يا ملجأ الخائفين ، لا أجد شافعا اليك إلا معرفتي بأنك أفضل من قصد اليه المقصرون ، وآمل من لجأ اليه الخائفون.


(312)

4 ـ افتتاح الصلاة بالتوجه الى الله بالنبي وآله صلى الله عليه وآله

في الكافي : 2 | 544 :
ـ محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن علي بن النعمان ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : كان أمير المؤمنين عليه السلام يقول : من قال هذا القول كان مع محمد وآل محمد إذا قام قبل أن يستفتح الصلاة :
اللهم إني أتوجه اليك بمحمد وآل محمد ، وأقدمهم بين يدي صلاتي ، وأتقرب بهم اليك ، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين.
مننت عليّ بمعرفتهم فاختم لي بطاعتهم ومعرفتهم وولايتهم فإنها السعادة ، واختم لي بها ، فإنك على كل شيء قدير.
ثم تصلي فإذا انصرفت قلت :
اللهم اجعلني مع محمد وآل محمد في كل عافية وبلاء ، واجعلني مع محمد وآل محمد في كل مثوى ومنقلب ، اللهم اجعل محياي محياهم ، ومماتي مماتهم ، واجعلني معهم في المواطن كلها ، ولا تفرق بيني وبينهم ، إنك على كل شيء قدير.
عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن بعض أصحابنا رفعه قال : تقول قبل دخولك في الصلاة :
اللهم إني أقدم محمداً نبيك صلى الله عليه وآله بين يدي حاجتي ، وأتوجه به اليك في طلبتي ، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين. اللهم اجعل صلاتي بهم متقبلة ، وذنبي بهم مغفوراً ، ودعائي بهم مستجاباً ، يا أرحم الراحمين.
وفي الكافي : 3 | 309 :
وعنه ، عن أبيه ، عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، ومعاوية بن وهب قالا : قال أبو عبد الله عليه السلام : إذا قمت الى الصلاة فقل :
اللهم إني أقدم اليك محمداً صلى الله عليه وآله بين يدي حاجتي وأتوجه به اليك ، فاجعلني به وجيها عندك في الدنيا والآخرة ومن المقربين. إجعل صلاتي به مقبولة ، وذنبي به


(313)

مغفوراً ، ودعائي به مستجاباً. إنك أنت الغفور الرحيم...
ورواه في تهذيب الاحكام : 2 |287 ، وفي الفقيه : 1 | 302
وفي الفقيه : 1 |483 :
القول عند القيام الى صلاة الليل :
قال الصادق عليه السلام : إذا أردت أن تقوم الى صلاة الليل فقل : اللهم إني أتوجه اليك بنبيك نبي الرحمة وآله ، وأقدمهم بين يدي حوائجي ، فاجعلني بهم وجيهاً في الدنيا والآخرة ومن المقربين ، اللهم ارحمني بهم ولا تعذبني بهم ، واهدني بهم ولا تضلني بهم ، وارزقني بهم ولا تحرمني بهم ، واقض لي حوائجي للدنيا والآخرة ، إنك على كل شيء قدير ، وبكل شيء عليم.
باب الصلوات التي جرت السنة بالتوجه فيهن :
من السنة التوجه في ست صلوات وهي : أول ركعة من صلاة الليل ، والمفردة من الوتر ، وأول ركعة من ركعتي الزوال ، وأول ركعة من ركعتي الاحرام ، وأول ركعة من نوافل المغرب ، وأول ركعة من الفريضة. كذلك ذكره أبي رضي الله عنه في رسالته الي.
وفي الصحيفة السجادية : 2 | 258 :
أسألك يا سيدي ، وليس مثلك شيء بكل دعوة دعاك بها نبي مرسل ، أو ملك مقرب ، أومؤمن امتحنت قلبه بالايمان ، واستجبت دعوته ، وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، وأقدمه بين يدي حوائجي.
يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين ، إني أتوجه بك الى ربك ، وأقدمك بين يدي حوائجي.
وفي الصحيفة السجادية : 2 | 344 :
أسألك بحق نبيك محمد صلى الله عليه وآله ، وأتوسل اليك بالأئمة عليهم السلام الذين اخترتهم لسرك ، وأطلعتهم على خفيك ، واخترتهم بعلمك ، وطهرتهم وأخلصتهم واصطفيتهم وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين ، وائتمنتهم على وحيك ، وعصمتهم عن معاصيك ، ورضيتهم لخلقك ، وخصصتهم بعلمك ، واجتبيتهم وحبوتهم ، وجعلتهم


(314)

حججا على خلقك ، وأمرت بطاعتهم على من برأت.
وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.

دلالة استحباب التوسل عند الأذان وافتتاح الصلاة

من الأمور التي تهز الانسان وهو يبحث في آيات التوسل وأحاديثه :
أن الله تعالى أنزل آية الأمر بالتوسل في آخر سورة من قرآنه ( المائدة ) بعبارة موجزة مقتضبة ( ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة... ) ولكن بصيغة قوية تأمر المسلمين بالارتفاع الى نوع راق من السلوك الايماني يتميز بالتعامل اليومي مع النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله على أنهم وسيلةُ المسلم الى ربه تعالى !!
ثم بين الرسول للمسلمين كيفية تنفيذ الطلب الالَهي ، بأن يصلوا عليه عندما يذكر اسمه.. وعندما يسمعون الأذان.. وعندما يقفون للصلاة بين يدي ربهم.. وفي ختام صلاتهم.. وعندما تمسهم شدة أو حاجة !!
وهذا يعني أن يعيش المسلم يومياً وفي أقدس لحظات حياته ، التوجه الى الله تعالى بنبيه وآله والتوسل بهم اليه ، لأنهم الواسطة التي اختارها الله وأمر أن يتوسط العباد اليه بها !! وهي حقيقةٌ كبيرةٌ.. تدل على أبعاد النبوة وأعماق الولاية ، لمحمد وآله الطيبين الطاهرين.
ومما تدل عليه أن الله تعالى جذَّر مقامهم في الكون والحياة ، حتى قرنهم بألوهيته فلم يقبل مدخلاً اليه إلا بهم.. وهو مقامٌ عظيمٌ ، وشرفٌ رفيعٌ ، ما عليه من مزيد !!

5 ـ التوجه بالنبي وآله لدفع شر السلطان

في الكافي : 2 | 558 :
وقال أبو عبد الله عليه السلام : من دخل على سلطان يهابه فليقل : بالله أستفتح ، وبالله أستنجح ، وبمحمد صلى الله عليه وآله أتوجه ، اللهم ذلل لي صعوبته ، وسهل لي حزونته ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب.
ونحوه في الصحيفة السجادية : 2 |65


(315)

6 ـ التوجه إلى الله بالنبي وآله عند الحاجة والشدة

في الكافي : 2 | 552 :
محمد بن يحيى ، عن أحمد بن محمد بن عيسى ، عن أحمد بن محمد بن أبي داود عن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء رجل الى النبي صلى الله عليه وآله فقال : يا رسول الله إني ذو عيال وعلي دين ، وقد اشتدت حالي ، فعلمني دعاء أدعو الله عز وجل به ليرزقني ما أقضي به ديني ، وأستعين به على عيالي.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : يا عبدالله توضأ وأسبغ وضوءك ، ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود ، ثم قل : يا ماجد يا واحد يا كريم يا دائم ، أتوجه اليك بمحمد نبيك نبي الرحمة.
يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربك وربي ورب كل شيء أن يصلي على محمد وأهل بيته.
وأسألك نفحة كريمة من نفحاتك وفتحا يسيراً ورزقاً واسعاً ألمُّ به شعثي ، وأقضي به ديني ، وأستعين به على عيالي. ورواه في الكافي : 3|473
وروى نحوه في التهذيب : 3 |311 :
أحمد بن محمد ، عن أحمد بن أبي داود ، عن ابن أبي حمزة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : جاء رجل الى الرضا عليه السلام فقال له : يابن رسول الله إني ذو عيال وعليَّ دينٌ ، وقد اشتدت حالي ، فعلمني دعاءً إذا دعوت الله عز وجل به رزقني الله ، فقال : يا عبد الله توضأ واسبغ وضوءك ثم صل ركعتين تتم الركوع والسجود فيهما ، ثم قل... وذكره .
وفي الكافي : 2 | 582 :
علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمار قال : قال أبو عبد الله عليه السلام ابتداءً منه : يا معاوية أما علمت أن رجلاً أتى أمير المؤمنين صلوات الله عليه فشكى الابطاء عليه في الجواب في دعائه فقال له :
أين أنت عن الدعاء السريع الاجابة ؟
فقال له الرجل : ما هو ؟


(316)

قال قل : اللهم إني أسألك باسمك العظيم الأعظم الأجل الاكرم ، المخزون المكن ون ، النور الحق البرهان المبين ، الذي هو نورٌ مع نور ، ونورٌ من نور ، ونورٌ في نور ، ونورٌ على نور ، ونورٌ فوق كل نور ، ونورٌ يضيىَ به كل ظلمة ، ويكسر به كل شدة وكل شيطان مريد ، وكل جبار عنيد.
لا تقرُّ به أرض ، ولا تقوم به سماء ، ويأمن به كل خائف ، ويبطل به سحر كل ساحر ، وبغي كل باغ ، وحسد كل حاسد ، ويتصدع لعظمته البر والبحر ، ويستقل به الفلك حين يتكلم به الملك ، فلا يكون للموج عليه سبيل.
وهو اسمك الأعظم الأعظم الأجل الأجل ، النور الأكبر ، الذي سميت به نفسك ، واستويت به على عرشك.
وأتوجه اليك بمحمد وأهل بيته ، أسألك بك وبهم ، أن تصلي على محمد وآل محمد ، وأن تفعل بي.. كذا وكذا.
وفي الكافي : 3 | 476 :
علي بن ابراهيم ، عن أحمد بن محمد بن أبي عبد الله ، عن زياد القندي ، عن عبد الرحيم القصير قال : دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقلت جعلت فداك إني اخترعت دعاء ، قال : دعني من اختراعك ! إذا نزل بك أمر فافزع الى رسول الله ، وصل ركعتين تهديهما الى رسول الله صلى الله عليه وآله.
قلت : كيف أصنع ؟
قال : تغتسل وتصلي ركعتين تستفتح بهما افتتاح الفريضة ، وتشهد تشهد الفريضة فإذا فرغت من التشهد وسلمت قلت :
اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ، واليك يرجع السلام ، اللهم صل على محمد وآل محمد ، وبلغ روح محمد مني السلام ، وأرواح الأئمة الصادقين سلامي ، واردد عليَّ منهم السلام ، والسلام عليهم ورحمة الله وبركاته.
اللهم إن هاتين الركعتين هدية مني الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأثبني عليهما ما أملت ورجوت ، فيك وفي رسولك ، يا ولي المؤمنين.


(317)

ثم تخر ساجداً وتقول :
يا حي يا قيوم ، ياحي لا يموت ، ياحي لا الَه إلا أنت ، ياذا الجلال والاكرام ، ياأرحم الراحمين. أربعين مرة.
ثم ضع خدك الأيمن ، فتقولها أربعين مرة.
ثم ضع خدك الأيسر ، فتقولها أربعين مرة.
ثم ترفع رأسك وتمد يدك ، وتقول أربعين مرة.
ثم ترد يدك الى رقبتك وتلوذ بسبابتك ، وتقول ذلك أربعين مرة.
ثم خذ لحيتك بيدك اليسرى وابك أو تباك ، وقل :
يا محمد يا رسول الله أشكو الى الله واليك حاجتي ، والى أهل بيتك الراشدين حاجتي ، وبكم أتوجه الى الله في حاجتي.
ثم تسجد وتقول : يا ألله يا ألله ، حتى ينقطع نفسك.. صل على محمد وآل محمد وافعل بي.. كذا وكذا.
قال أبو عبد الله عليه السلام : فأنا الضامن على الله عزوجل أن لا يبرح حتى تقضى حاجته. ورواه في الفقيه : 1 | 556
وفي الكافي : 3 | 478 :
وبهذا الاسناد ، عن أبي اسماعيل السراج ، عن ابن مسكان ، عن شرحبيل الكندي ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : إذا أردت أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين ، وعظم الله وصل على النبي صلى الله عليه وآله ، وقل بعد التسليم :
اللهم إني أسألك بأنك ملك ، وأنك على كل شيء قدير مقتدر ، وبأنك ما تشاء من أمر يكون. اللهم إني أتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة.
يا محمد يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربك وربي ، لينجح لي طلبتي.
اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد.. ثم سل حاجتك.
ورواه في تهذيب الأحكام : 3 | 313


(318)

وفي الفقيه : 1 | 556 :
روى موسى بن القاسم البجلي ، عن صفوان بن يحيى ، ومحمد بن سهل عن أشياخهما عن أبي عبدالله عليه السلام قال :
إذا حضرت لك حاجة مهمة الى الله عز وجل فصم ثلاثة أيام متوالية : الأربعاء والخميس والجمعة ، فإذا كان يوم الجمعة إن شاء الله تعالى فاغتسل والبس ثوباً جديداً ، ثم اصعد الى أعلى بيت في دارك وصل فيه ركعتين ، وارفع يديك الى السماء ثم قل :
اللهم إني حللت بساحتك لمعرفتي بوحدانيتك وصمدانيتك ، وإنه لا قادر على حاجتي غيرك ، وقد علمت يارب أنه كلما تظاهرت نعمتك علي اشتدت فاقتي اليك ، وقد طرقني هم كذا وكذا وأنت بكشفه ، عالمٌ غير معلم ، واسعٌ غير متكلف ، فأسألك باسمك الذي وضعته على الجبال فنسفت ، ووضعته على السماء فانشقت ، وعلى النجوم فانتثرت ، وعلى الأرض فسطحت ، وأسألك بالحق الذي جعلته عند محمد والأئمة عليهم السلام ... وتسمهم الى آخرهم ، أن تصلي على محمد وأهل بيته ، وأن تقضي حاجتي ، وأن تيسر لي عسيرها ، وتكفيني مهمها ، فإن فعلت فلك الحمد ، وإن لم تفعل فلك الحمد ، غير جائر في حكمك ، ولا متهم في قضائك ، ولا حائف في عدلك.
وتلصق خدك بالأرض وتقول :
اللهم أن يونس بن متي عبدك دعاك في بطن الحوت وهو عبدك فاستجبت له ، وأنا عبدك أدعوك فاستجب لي.
ثم قال أبو عبدالله عليه السلام : لربما كانت الحاجة لي فأدعو بهذا الدعاء فأرجع وقد قضيت.
صلاة أخرى للحاجة :
روى سماعة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال :
إن أحدكم إذا مرض دعا الطبيب وأعطاه ، وإذا كانت له حاجة الى سلطان ، رشا البواب وأعطاه !


(319)

ولو أن أحدكم إذا فدحه أمر فزع الى الله تعالى ، فتطهر وتصدق بصدقة قلَّت أو كثرت ثم دخل المسجد فصلى ركعتين فحمد الله وأثنى عليه ، وصلى على النبي وأهل بيته ثم قال : اللهم إن عافيتني من مرضي ، أو ردتني من سفري ، أو عافيتني مما أخاف من كذا وكذا.. إلا آتاه الله ذلك.
وفي الصحيفة السجادية : 1 | 293 :
اللهم فإني أتقرب اليك بالمحمدية الرفيعة ، والعلوية البيضاء ، وأتوجه اليك بهما أن تعيذني من شر كذا وكذا ، فإن ذلك لا يضيق عليك في وجدك ، ولا يتكأدك في قدرتك وأنت على كل شيء قدير...
وفي الصحيفة السجادية : 2| 258 :
أسألك يا سيدي وليس مثلك شيء بكل دعوة دعاه بها نبي مرسل ، أو ملكٌ مقرب أو مؤمنٌ امتحنت قلبه بالايمان ، واستجبت دعوته.
وأتوجه اليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، وأقدمه بين يدي حوائجي.
يا رسول الله بأبي أنت وأمي وأهل بيتك الطيبين ، إني أتوجه بك الى ربك ، وأقدمك بين يدي حوائجي.
يا رباه يا الله ، يا رباه يا الله ، إني أسألك بك فليس كمثلك شيء ، وأتوجه اليك بمحمد نبي الرحمة وبعترته الطيبين ، وأقدمهم بين يدي حوائجي ، أن تعتقني من النار ، وتكفيني وجميع المؤمنين والمؤمنات كل ما أهمنا من أمر الدنيا والآخرة.. انتهى.
والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وفيها صحاحٌ متواترة ، تجدها في أبواب افتتاح الصلاة من الفقه ، وأبواب صلاة الحاجة ، وفي كتب المزار والأدعية.

7 ـ الاستشفاع بالنبي والأئمة عند زيارة قبورهم الشريفة

ستأتي أحاديث الاستشفاع والتوسل بالنبي صلى الله عليه وآله في تفسير قوله تعالى ( ولو أنهم أذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله... ).


(320)

وفي المقنعة | 463 :
وتحول الى عند الرأس فقف عليه ، وقل :
السلام عليك يا وصي الأوصياء ، ووارث علم الأنبياء ، أشهد لك يا ولي الله بالبلاغ والأداء. أتيتك بأبي أنت وأمي زائراً عارفاً بحقك ، مستبصراً بشأنك ، موالياً لأوليائك ، معادياً لأعدائك ، متقرباً الى الله بزيارتك ، في خلاص نفسي ، وفكاك رقبتي من النار ، وقضاء حوائجي للآخرة والدنيا ، فاشفع لي عند ربك ، صلوات الله عليك ورحمة الله وبركاته.
وفي الكافي : 4 | 569 :
عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن محمد بن أورمة ، عمن حدثه ، عن الصادق وأبي الحسن الثالث عليهما السلام ، قال يقول :
السلام عليك ياولي الله أنت أول مظلوم ، وأول من غصب حقه ، صبرت واحتسبت ، حتى أتاك اليقين ، فأشهد أنك لقيت الله وأنت شهيد ، عذب الله قاتلك بأنواع العذاب ، وجدد عليه العذاب.
جئتك عارفاً بحقك مستبصراً بشأنك ، معادياً لأعدائك ومن ظلمك ، ألقى على ذلك ربي إن شاء الله.
يا ولي الله : إن لي ذنوباً كثيرة ، فاشفع لي الى ربك ، فإن لك عند الله مقاماً محمودا معلوماً ، وإن لك عند الله جاهاً وشفاعة وقد قال تعالى : ولا يشفعون إلا لمن ارتضى.
ورواه في تهذيب الأحكام : 6| 28
وفي مصباح المتهجد | 694 :
اللهم لا قوة لي على سخطك ولا صبر لي على عذابك ولا غنى لي عن رحمتك تجد من تعذب غيري ولا أجد من يرحمني غيرك ولا قوة لي على البلاء ولا طاقة لي على الجهد ، أسألك بحق محمد نبيك صلى الله عليه وآله ، وأتوسل اليك بالأئمة الذين اخترتهم لسرك وأطلعتهم على خفيك وأخبرتهم بعلمك وطهرتهم وخلصتهم واصطفيتهم


(321)

وأصفيتهم وجعلتهم هداة مهديين وائتمنتهم على وحيك وعصمتهم عن معاصيك ورضيتهم لخلقك وخصصتهم بعلمك واجتبيتهم وحبوتهم وجعلتهم حججا على خلقك وأمرت بطاعتهم ولم ترخص لاحد في معصيتهم وفرضت طاعتهم على من برأت ، وأتوسل اليك في موقفي اليوم أن تجعلني من خيار وفدك.
وفي بحار الأنوار : 99 | 169 :
ثم قال السيد رحمه الله ، دعاء يدعى به عقيب الزيارة لسائر الأئمة عليهم السلام : اللهم إني زرت هذا الإمام مقراً بإمامته ، معتقداً لفرض طاعته ، فقصدت مشهده بذنوبي وعيوبي ، وموبقات آثامي ، وكثرة سيئاتي وخطاياي ، وما تعرفه مني ، مستجيراً بعفوك ، مستعيذاً بحلمك ، راجياً رحمتك ، لاجياً الى ركنك ، عائذاً برأفتك ، مستشفعاً بوليك وابن أوليائك ، وصفيك وابن أصفيائك ، وأمينك وابن أمنائك ، وخليفتك وابن خلفائك ، الذين جعلتهم الوسيلة الى رحمتك ورضوانك ، والذريعة الى رأفتك وغفرانك.
وفي بحار الأنوار : 24 | 2 :
كنز : روى شيخ الطائفة رحمه الله بإسناده الى الفضل بن شاذان ، رفعه الى أبي جعفر عليه السلام قال : إن الله عز وجل يقول : ماتوجه الى أحدٌ من خلقي أحب الى من داع دعاني يسأل بحق محمد وأهل بيته. وإن الكلمات التي تلقاها آدم من ربه قال : ( اللهم أنت وليي في نعمتي ، والقادر على طلبتي ، وقد تعلم حاجتي ، فأسألك بحق محمد وآل محمد إلا ما رحمتني وغفرت زلتي ) فأوحى الله اليه : يا آدم أنا ولي نعمتك ، والقادر على طلبتك ، وقد علمت حاجتك ، فكيف سألتني بحق هؤلاء ؟
فقال : يا رب انك لما نفخت فيَّ الروح رفعت رأسي الى عرشك ، فإذا حوله مكتوبٌ : لا الَه إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك ، ثم عرضت علي الأسماء ، فكان ممن مرّ بي من أصحاب اليمين آل محمد وأشياعهم ، فعلمت أنهم أقرب خلقك اليك.
قال : صدقت يا آدم.

**


(322)




(323)

الفصل الرابع
تفسير الآيات الثلاث في التوسل

الآية الأولى

قال الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون. المائدة ـ 35
فقد أمرت هذه الآية الكريمة باتخاذ ( وسيلة ) الى الله تعالى ، ولكنها لم تبين ما هي ، وهذا يعني أن الله تعالى ترك بيانها للرسول صلى الله عليه وآله.

عمل المفسرين السنيين لابعاد الوسيلة عن النبي !

يلاحظ الباحث أن الرواة والمفسرين السنيين سعوا حثيثاً لابعاد ( الوسيلة المأمور بها في القرآن ) عن النبي صلى الله عليه وآله !!
فمن ناحية ، لم يرووا شيئاً في تفسيرها عن النبي وآله ، بل تبرعوا بالبيان من عندهم وفسروها بالقربة ، وغاية ما رووا فيها رواية مقطوعة عن حذيفة تقول إن الوسيلة هي القربة ! كما في مستدرك الحاكم : 2 | 312 !


(324)

مع أنه لا يعقل أن يكون الأمر الإلَهي نزل الى الأمة بأن يبتغوا الى ربهم الوسيلة ، ولم يبينها لهم الرسول الذي أرسله الله ليبين للناس ؟!
أما تفسيرهم لها بالقربة فهو تفسير الماء بالماء ! لإن القربة كلمة مجملة تحتاج الى تفسير كالوسيلة !!
فهل تختص الوسيلة بالأعمال الصالحة ، أم تشمل ابتغاء التوسل بالأنبياء والأوصياء والأولياء.. الخ.
قال السيوطي في الدر المنثور : 2 | 280 :
أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله :
وابتغوا اليه الوسيلة ، قال : القربة.
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة في قوله وابتغوا اليه الوسيلة قال : القربة.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله : وابتغوا اليه الوسيلة قال : تقربوا الى الله بطاعته والعمل بما يرضيه.
وأخرج عبد بن حميد عن أبي وائل قال : الوسيلة في الايمان.
وأخرج الطستي وابن الأنباري في الوقف والابتداء عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له : أخبرني عن قوله عز وجل : وابتغوا اليه الوسيلة ، قال : الحاجة.
قال : وهل تعرف العرب ذلك ؟
قال : نعم ، أما سمعت عنترة وهو يقول :
إن الـرجـال لــهم اليـك وسيلــة * أن يأخذوك ، تكحلي وتخضبي. انتهى.
وتفسير ابن عباس للوسيلة بالحاجة إن صح عنه فلا يصح ، لأن مقصود عنترة أن يقول لتلك المرأة : إن الرجال سيجدون وسيلة لأخذك ولو بالخطيفة فاستعدي ! على أنه لا يبعد أن يكون معنى الحاجة في زمن ابن عباس هو المعنى الذي يستعمله أهل مصر اليوم ، وهو عام يشمل الوسيلة.


(325)

وفي حلية الأولياء : 4 | 105 :
عن منصور عن أبي وائل في قوله تعالى : وابتغوا اليه الوسيلة ، قال : القربة في الأعمال. انتهى.
وهكذا ساروا على ما أسسه المفسرون الأمويون من تفسير الآية بالقربة وإبعادها عن النبي وآله صلى الله عليه وآله ، الذين هم الوسيلة التي أمر الله بها في كتابه !
ولم يكتفوا بتفسير الوسيلة المطلقة بالقربة المطلقة ، حتى ضيقوا مفهوم القربة وأبعدوه عن كثير من التقربات المرتبطة بشخص النبي وآله صلى الله عليه وآله وقبورهم الشريفة !!
وسوف ترى أن الاتجاه الأموي أخذ شكلاً حاداً على يد ابن تيمية وأتباعه !
وبذلك اتجه السؤال بالتهمة اليهم بأنهم راعوا سياسة الخلافة القرشية في تقليلها من حاجة المسلمين الى النبي صلى الله عليه وآله حتى في إيمانهم ، وخاصة في الأمور التي لابد أن تكون ممتدةً بعده بأهل بيته الطاهرين.
وفي اعتقادي أن ذلك يرجع الى يوم أعلنت الخلافة القرشية الأحكام العرفية في كل مايتعلق بالقبر النبوي ، لأنها خشيت أن يستجير به أهل بيته ويطالبوا بالخلافة ! فمنعت التجمع عنده والصلاة والتوسل والتبرك.. وأكثر مظاهر الاحترام الطبيعية التي تقوم بها الأمم تجاه قبر نبيها !!
فصار ذلك فقهاً وعقيدة ، وقامت الخلافة الأموية بتركيزه وتبريره.. ولم يخرج عنه إلا المتصوفة ، ولكنهم حاولوا أن يفسروا الوسيلة الى الله تعالى بمشايخ طرقهم !!
وقد حاول الفخر الرازي أن يستدل على إبعاد الوسيلة عن الواسطة في تلقي الدين والسلوك الديني ، فقال في تفسيره : 6 جزء 11 | 220 :
المسألة الثالثة ، الوسيلة : فعيلة ، من وسل أي تقرب اليه ، قال لبيد الشاعر :
أرى الناس لا يدرون ماقدر أمرهم * ألا كـل ذي لـب الـى الله واسل
أي متوسل ، فالوسيلة هي التي يتوسل بها الى المقصود.
قالت التعليمية : دلت الآية على أنه لا سبيل الى الله تعالى إلا بمعلم معرفته ،


(326)

ومرشد يرشدنا الى العلم به ، وذلك لأنه طلب الوسيلة اليه مطلقاً ، والايمان به من أعظم المطالب وأشرف المقاصد ، فلا بد فيه من الوسيلة.
وجوابنا : أنه تعالى أمر بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به ، والايمان به عبارة عن المعرفة به ، فكان هذا أمراً بابتغاء الوسيلة اليه بعد الايمان به ومعرفته ، فيمتنع أن أن يكون هذا أمراً بطلب الوسيلة اليه في معرفته ! فكان المراد طلب الوسيلة اليه في تحصيل مرضاته ، وذلك بالعبادات والطاعات. انتهى كلام الرازي.
وغرضه أن يقول إن الآية تخاطب المؤمنين بعد إيمانهم بأن يتوسلوا بالطاعات ، ولا تطلب من الناس أن يتوسلوا بشخص الى الايمان.
ولكنه نسي قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله ) النساء ـ 136
فقد طلب الله من المؤمنين أن يؤمنوا بالله ورسوله ! ونسي قوله تعالى ( قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ) الحجرات ـ 14 ، فلا مانع أن يخاطب تعالى المؤمنين بعد إيمانهم أن يبتغوا اليه الوسيلة عن طريق رسوله ؟!
بل حتى لو سلمنا أن الآية ناظرةٌ الى ما بعد الايمان ، فأي مانع في أن يطلب الله تعالى من المؤمنين أن يرتقوا بإيمانهم الى درجة أعلى ، فيجعلوا الرسول قدوتهم ووسيلتهم الى ربهم ؟!!
ولكن غرض الرازي أن يحصر الوسيلة المأمور بها بالأعمال ، ويبعدها عن شخص النبي وآله صلى الله عليه وآله !
كما أن غرض التعليمية الذين ذكرهم الرازي أن يبعدوها عن الرسول وآله صلوات الله عليهم ، ويثبتوا حاجة المسلم في إمانه الى شيخ طريقة يكون وسيلته الى ربه !!

**

أما المفسرون الشيعة فقد تأثر بعضهم بالجو العام للتفسير السني ، ففسروا الوسيلة مثلهم بالقربة بلا تعيين ، بينما فسرها بعضهم بما ورد عن أهل البيت عليهم السلام ، من أن الوسيلة هي النبي أو وصيه من بعده..


(327)

قال الطوسي في تفسير التبيان : 3 | 509 :
خاطب الله في هذه الآية المؤمنين وأمرهم أن يتقوه ، ومعناه أن يتقوا معاصيه ويجتنبوها ، ويبتغوا اليه معناه يطلبون اليه ، الوسيلة وهي القربة في قول الحسن ومجاهد وقتادة وعطاء والسدي وابن زيد وعبد الله بن كثير وأبي وابل.
وهي على وزن فعيلة ، من قولهم : توسلت اليك ، أي تقربت. قال عنترة بن شداد :
إن الـرجال لهم اليك وسيلةٌ * أن يأخذوك تكحلي وتخضبي
وقال الآخر :
إذا غفل الواشون عدنا لوصلنا * وعـاد التصافي بيننا والوسائل
يقال : منه سلت أسال ، أي طلبت ، وهما يتساولان ، أي يطلب كل واحد منهما من صاحبه. والأصل الطلب والوسيلة التي ينبغي أن يطلب مثلها. انتهى.
والظاهر أن منهج الشيخ الطوسي رحمه الله في تفسير التبيان أن يكتب ما يتحمله القارىَ السني. وكذا فعل المقداد السيوري في فقه القرآن : 1 | 369 ، والبلاغي في إملاء مأمن به الرحمن : 1 | 214
أما التفاسير الروائية عن أهل البيت عليهم السلام ، فقد فسرت الوسيلة التي أمر الله بها بالنبي والأئمة من بعده صلى الله عليه وعليهم.
ففي تفسير القمي : 1 | 168 :
وقوله ( اتقوا الله وابتغوا اليه الوسيلة ) فقال : تقربوا اليه بالامام. انتهى.
والمتأمل في الآية يلاحظ أنها : أمر إلَهي نزل في آخر سورة من القرآن ، بعنصر جديد كلف الله به المسلمين هو ( البحث.. عن.. الوسيلة ) ! وهو تكليف مجملٌ ، والمصدر الوحيد لبيانه هو الرسول صلى الله عليه وآله.
أما نحن فنروي أنه صلى الله عليه وآله بين أن الوسيلة هو وأهل بيته ، فالأمة مكلفةٌ أن تتعبد لله تعالى بمعرفتهم في كل عصر وإطاعتهم..


(328)

بينما لم يرو السنييون بيانها ، ورووا عن غير النبي تفسيرها بالقربة ، وهو لا يصح لأنه تفسيرٌ مجملٌ مثلها ! ولأنه يلغي العنصر الجديد الذي نزلت به الآية ، ويجعل معناها تكراراً تأكيدياً لمثل قوله تعالى ( أطيعوا الله ورسوله ) ، وبذلك لا يبقى معنى لاستعمال مصطلح الوسيلة وابتغائها ، ولا لنزول الآية !!

الآية الثانية

قال الله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. النساء ـ 64
ورد تفسير المجيء الى الرسول فيها عن أهل البيت عليهم السلام ، أنه يشمل المجيَ اليه صلى الله عليه وآله في حياته ، والمجيء الى قبره الشريف بعد وفاته. وقد وافقتهم على ذلك روايات في مصادر السنيين.
ففي الكافي : 4 |550 :
عن معاوية بن عمار ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : إذا دخلت المدينة فاغتسل قبل أن تدخلها أو حين تدخلها ثم تأتي قبر النبي صلى الله عليه وآله ثم تقوم فتسلم على رسول الله صلى الله عليه وآله ثم تقوم عند الأسطوانة المقدمة من جانب القبر الأيمن عند رأس القبر عند زاوية القبر ، وأنت مستقبل القبلة ومنكبك الأيسر الى جانب القبر ، ومنكبك الأيمن مما يلي المنبر ، فإنه موضع رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وتقول :
أشهد أن لا الَه إلا الله وحده لاشريك له و، أشهد أن محمداً عبده ورسوله ، وأشهد أنك رسول الله ، وأشهد أنك محمد بن عبدالله ، وأشهد أنك قد بلغت رسالات ربك ونصحت لأمتك ، وجاهدت في سبيل الله ، وعبدت الله مخلصاً حتى أتاك اليقين ، وأديت الذي عليك من الحق ، وأنك قد رؤفت بالمؤمنين ، وغلظت على الكافرين ، فبلغ الله بك أفضل شرف محل المكرمين.
الحمد الله الذي استنقذنا بك من الشرك والضلالة.


(329)

اللهم فاجعل صلواتك وصلوات ملائكتك المقربين وعبادك الصالحين وأنبيائك المرسلين وأهل السماوات والأرضين ، ومن سبح لك يارب العالمين من الأولين والآخرين على محمد عبدك ورسولك ونبيك وأمينك ونجيك وحبيبك وصفيك وخاصتك وصفوتك وخيرتك من خلقك.
اللهم أعطه الدرجة والوسيلة من الجنة وابعثه مقاماً محموداً يغبطه به الأولون والآخرون.
اللهم إنك قلت : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي وإني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفرلي ذنوبي.
وإن كانت لك حاجة فاجعل قبر النبي صلى الله عليه وآله خلف كتفيك واستقبل القبلة وارفع يديك واسأل حاجتك ، فإنك أحرى أن تقضى إن شاء الله.
ورواه في تهذيب الأحكام : 6 |5
ونحوه في من لا يحضره الفقيه : 2 | 567 ، وفيه :
اللهم وأعطه الدرجة والوسيلة من الجنة ، وابعثه مقاماً محموداً يغبطه بن الأولون والآخرون ، اللهم إنك قلت وقولك الحق : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وإني أتيت نبيك مستغفراً تائباً من ذنوبي.
يا رسول الله إني أتوجه بك الى الله ربي وربك ليغفر لي ذنوبي. انتهى.
وفي الدر المنثور : 1 | 238 :
وأخرج البيهقي عن أبي حرب الهلالي قال حج أعرابي فلما جاء الى باب مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ راحلته فعقلها ثم دخل المسجد حتى أتى القبر ووقف بحذاء وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، جئتك مثقلاً بالذنوب والخطايا ، مستشفعاً بك


(330)

على ربك ، لأنه قال في محكم كتابه : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.
وقد جئتك بأبي أنت وأمي مثقلاً بالذنوب والخطايا ، أستشفع بك على ربك أن يغفر لي ذنوبي ، وأن يشفع في.
ثم أقبل في عرض الناس وهو يقول :
يا خير من دفنت في الترب أعظمه
*
فطـاب مـن طيبهن القاع والأكم
نفسي الفـداء لقبـر أنـت ساكنه
*
فيـه العفاف وفيـه الجود والكرم
ورواه في كنز العمال : 4 | 258 ، وقال في هامشه : وذكر ابن كثير في تفسيره : 2 | 329
وقصة هذا الأعرابي تدل على أن العربي الصافي الفطرة يفهم بفطرته أن قوله تعالى ( جاؤوك ) يشمل المجيء الى الرسول في حياته ، والى قبره بعد وفاته.
وقال الشرنبلاني في نور الإيضاح | 156 :
ثم يعود ويقف عند رأس سيدنا النبي صلى الله عليه وآله الشريف مستقبله كالأول ويقول : اللهم إنك قلت وقولك الحق : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. وقد جئناك سامعين قولك طائعين أمرك مستشفعين بنبيك اليك. اللهم ربنا اغفر لنا ولآباءنا وأمهاتنا وإخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلاّ للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤوف رحيم.
وفي الدر المنثور : 2 | 219 :
وأخرج عبد بن حميد عن ابن مسعود قال : من قرأ هاتين الآيتين من سورة النساء ثم استغفر غفر له : ومن يعمل سوءً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيما. ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستفغرواالله واستغفر لهم الرسول..الآية.
وفي الدر المنثور : 2 |170 :
وأخرج هناد عن ابن مسعود قال : أربع آيات في كتاب الله عز وجل أحب الى من حمر النعم وسودها :


(331)

في سورة النساء قوله : إن الله لا يظلم مثقال ذرة.. الآية.
وقوله : إن الله لا يغفر أن يشرك به.. الآية.
وقوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك.. الآية.
وقوله : من يعمل سوءً أو يظلم نفسه.. الآية.
وفي الدر المنثور : 2 |180 :
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال :
الاستغفار على نحوين ، أحدهما في القول والآخر في العمل.
فأما استغفار القول فإن الله يقول : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول.
وأما استغفار العمل فإن الله يقول وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون ، فعنى بذلك أن يعملوا عمل الغفران. انتهى.

جاؤوك ، تشمل المجيء الى قبر النبي والمجيء الى وصيه

في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة خطاباتٌ وأحكامٌ خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله ، فما حكمها بعد وفاته ؟
قالت مذاهب الخلافة القرشية : من هذه الأحكام ما هو من شأن النبوة ، فينتهي بوفاة النبي ، والباقي يصير المخاطب به الخليفة الذي حل محل النبي صلى الله عليه وآله !
وبدأت الخلافة بتنفيذ ذلك في الخمس والأمور المالية ، فقالت صار أمرها الى الخليفة... الخ.
ولكن هذه الخطابات والأحكام أوسع وأعمق من أن ينهض بها أمثال الخلفاء الذين حكموا بعد النبي صلى الله عليه وآله.. وللبحث في هذا الموضوع مكانٌ آخر ، ويدخل منه في بحثنا فتح باب الغفران الالَهي بالمجيء الى النبي صلى الله عليه وآله ، فهل هو حكم مستمرٌ بعده في وصيه أم لا ؟


(332)

دلت أحاديثنا الصحيحة على أن هذا المقام الرباني ثابتٌ للوصي عليه السلام ، وهو الذي يساعد عليه استمرار الإسلام ، ووراثة الكتاب الالَهي ، ونصوص وصية النبي لعترته الطاهرين ، صلى الله عليه وعليهم.
ففي الكافي : 1 | 391 :
علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة أو بريد ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال : لقد خاطب الله أمير المؤمنين عليه السلام في كتابه قال : قلت : في أي موضع ؟ قال : في قوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ، فيما تعاقدوا عليه لئن أمات الله محمداً ألا يردوا هذا الأمر في بني هاشم ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ، عليهم من القتل أو العفو ، ويسلموا تسليما.
وفي الكافي : 8 | 334 :
علي بن ابراهيم ، عن أبيه ومحمد بن اسماعيل ، وغيره ، عن منصور بن يونس عن ابن أذينة ، عن عبد الله بن النجاشي قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول في قول الله عز وجل : أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغا. يعني والله فلاناً وفلاناً.
وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.
يعني والله النبي صلى الله عليه وآله وعلياً مما صنعوا ، أي لو جاؤوك بها يا علي فاستغفروا الله مما صنعوا ، واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما.
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم. فقال أبو عبد الله : هو والله عليٌّ بعينه ، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ، على لسانك يا رسول الله يعني به من ولاية علي ، ويسلموا تسليما ، لعلي.


(333)

وفي تفسير القمي : 1| 142 :
وقوله : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله ، فإنه حدثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن أذينة ، عن زرارة ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك يا علي فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيما. هكذا نزلت. ثم قال : فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك ، يا علي ، فيما شجر بينهم ، يعني فيما تعاهدوا وتعاقدوا عليه من خلافك بينهم وغصبك. ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت عليهم يا محمد على لسانك من ولايته ، ويسلموا تسليماً لعلي عليه السلام. انتهى.
ومعنى قول الإمام الباقر عليه السلام ( هكذا نزلت ) أي هذا هو المعنى المقصود فيها الذي أنزله الله تعالى.
وقد يكون القول بتعميم الخطاب للوصي ثقيلاً على بعضهم ، ولكنه لا بد منه إذا أردنا أن لا نعطل معنى الآيات والأحاديث والأحكام المتعلقة بالنبي صلى الله عليه وآله !
مع ما يستلزمه تعطيلها من نقصان الدين بعد كماله وتمامه !!

**

الآية الثالثة

قال الله تعالى : وربك أعلم بمن في السماوات والأرض ، ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض وآتينا داود زبورا. قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا. أولئك الذين يدعون يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا. الاسراء 55 ـ 57
وهذه الآية تدل على مشروعية التوسل الى الله تعالى بالأشخاص الأقرب اليه ، فمن المتفق عليه بين المفسرين أن قوله تعالى : يبتغون الى ربهم الوسيلة أيهم أقرب مدحٌ لهؤلاء المؤمنين بأنهم يطلبون التوسل الى الله تعالى.. وإن اختلفوا في تعيين هؤلاء المتوسلين ، والمتوسل بهم. كما سيأتي.