بلون الغار .. بلون الغدير ::: 1 ـ 15

سلسلة الرحلة الى الثقلين
بلون الغار ..
بلون الغدير
شعر
معروف عبد المجيد
مركز الأبحاث العقائدية


(5)
بسم الله الرحمن الرحميم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على خاتم
المرسلين محمد وآله الغرّ الميامين
    من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلى قيمها السليمة ومبادئها الاصلية ، الامر الذي يمنحها الارادة الصلبة والعزم الاكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التى تروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الافكار المنحرفة والاثار الضالة باستخدام أرقى وسائل التقنية الحديثة.
    وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الاصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف ؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارة ( عليهم السلام ) بأبهى صورها وأجلى مصاديقها.
    هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمى السيّد علي السيستاني ـ مد ظله ـ هي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمى العقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالى.
    ومركز الابحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي


(6)
اُسس لاجل نصرة مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) وتعاليمه الرفيعة.
    ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيت ( عليهم السلام ) على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثار ـ حيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالى بها عليهم ـ إلى مطبوعات توزع في شتى أرجاء العالم.
    وهذا المؤلَّف « بلون الغار ... بلون الغدير » الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلى الثقلين » مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعى.
    على انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتى الطرق والاساليب ، مضافاً إلى استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنى جمعها في كتاب تحت عنوان « التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت ».
سائلينه تبارك وتعالى أن يتقبل هذا القليل
بوافر لطفه وعنايته
مركز الابحاث العقائدية
فارس الحسون


(7)
    استيقظ أهل مكة ذات صباح مشرق محمّل بعطر البنفسج ، فسمعوا كلاماً لم يسمعوا مثله من قبل ، كلاماً لم يصادفوه في ( سوق عكاظ ) ولا في أندية البيان في مكة !
    فأُسقط في أيديهم !
    وغرقوا في بحر الدهشة !
    ثم ذهبوا إلى كبير لهم في البلاغة والفصاحة والحكمة والمال والبنين ، فعرضوا عليه أن يرى رأياً ( نقديّاً ) في هذه ( الحداثة ) الوافدة إليهم من ( غار حراء ) دون أن يستطيعوا مجاراتها مع أنها مكونة من ( ا ب ج د ) و ( ن ) و ( القلم ) و ( ما يسطرون ) !
    إنه التحدي الصارخ بنفس الاداة وبنفس السلاح ، فما بالهم عجزوا عن المواجهة ؟!
    فاستمع كبيرهم.
    فدخله العجب !
    واقشعر بدنه !
    ووقف شعره !!
    ولكنه جحد ، واستكبر ، وتعملقت فيه صنميته التقليدية ، وتحركت بين أضلاعه وثنية الاباء الاولين ، ففكر وقدَّر ، ثمّ نظر ، ثم عبس وبسر ، ثم


(8)
أدبر واستكبر ، فقال إن هذا إلا سحر يؤثر !
    بَيْد أن القرآن لم يكن سحراً ، وكانوا يعلمون أنه ليس بسحر ، وأن هذا ( الناقد ) العتيد ربما أصابه مس من الشيطان ، ولربما أسره سحر البيان ، فاعتمدوا صيغة ( النقد الجماعي ) ووقفوا معاً وقالوا بصوت واحد : بل هو شاعر !!
    وكانوا يظنون بذلك أنهم ربما اقتربوا من ( الموضوعية النقدية ) إذْ أن الشعر عندهم هو الكلام ، والشعراء عندهم سادة الكلام ، والشعر هو الصيغة المثلى للبيان اللغوي والفصاحة اللفظية ، وليس سوى الشعر بمقدوره أن يرسّخ قناعة ما في عقل ما ..!!
    وهذه هي خطورة الشعر عند العرب ، فلا عجب إذاً أن يعتبرونه ديوانهم وصندوق عهدهم الذي تخرج منه المعجزات فيتحول اليابس إلى أخضر ، ويتحول الاخضر إلى أشجار تمشي ، ثم تتدلى أغصانها ، فتسبّح !!
    فهل المعجزة إلا هذا ؟!
    ومنذ تلك اللحظة يحتل الشعر خندقاً في المواجهة ، وينتقي له دوراً رسالياً ، ويغدو سلاحاً أحدّ من السيف ، وأسنّ من الرمح ، وأبرى من السهم .. !
    ثم ما تلبث أن تنزل سورة باسم ( الشعراء ) ليصوغ القرآن الكريم للشاعر أسلوبه ويحدد له هدفه ، بل ويوضح للمتلقي طريقه ، فتنطلق الاشعار لتستقر في صدر الخصوم ، وتُرتجل الارجاز في خضمّ المعركة لتزيدها حماسة وبأساً وضراماً ، وتجعلها أشد شراسة وضراوة ، ثم تتولد


(9)
أغراض جديدة لتضاف إلى أغراض الشعر التقليدية.
    وليس الشعر هكذا عند العرب وحدهم ، فهو كذلك أيضاً عند الاغريق والرومان والفرس ، وهو كذلك في الهند والصين واليابان ، وهو الاطار الاوسع الذي بمقدوره أن يحتوي الملاحم التي أبدعتها شعوب المعمورة في الشرق والغرب ، قديماً وحديثاً.
    ويستمر الشعر سلاحاً فتاكاً في سوح الصراع ، فيكون أولُ حِجَاج جاء لنصرة آل البيت النبوي ( عليهم السلام ) منطلقاً من لسان شاعر مؤيد بروح القدس يحمل خشبته على ظهره ضارباً في طول البلاد وعرضها منتظراً لمن يصلبه عليها .. ! فيسجل الشعر بذلك دوره الريادي في الولاء ويكون هو الصوت الوحيد الذي علا عندما خفتت كل الاصوات خشية التكميم والتعقيب والحبس والفتك والقتل ، ويكون الشاعر هو أول من قال : كلا ـ للسلطات الغاشمة وحكام الباطل والطواغيت والمتحكمين في رقاب عباد الله الاحرار .. !
    إنها لخطوة فريدة ومحمودة أن يتبنى ( مركز الابحاث العقائدية ) ديواناً شعرياً في ( الرحلة إلى الثقلين ) وذلك في زمن تنكر فيه المعنيون للشعر ، وأحجموا عن الشعراء ، وبات همهم إصدار المجلدات الضخمة التي من شأنها أن تملا عين ( الملا ) ، غافلين عن أن ( كتاب الجيب ) أصبح اليوم وسيلة الاعلام والدعوة ، وليس ذلك المجلد الذي عادة ما يحتل مستقره الابديّ على رف من رفوف المكتبات المغلفة بالاتربة.
    لقد تبدل كل شيء في عصرنا هذا أيها السادة ! فنحن في عصر


(10)
( الديسك ) و ( الاينترنت ) و ( الانتقال الجزيئي ) و ( الواقعية المجازية ) ، وإن الدعوة إلى دين عالمي ـ هو الاسلام ـ لا ينبغي لها إلا أن تواجه السحر بالسحر والشعر بالشعر !
    على أن هذا لا ينفي كليةً جدوى ( المجلدات ) ، ولا يصادر أبداً وظيفة ( النثر ) ، ولا يلغي البتة أدوات التعبير الاخرى ، سوى أن الشعر يرفض رفضاً باتاً أن يصادره الاخرون ، وأن الشاعر سيظل أمير من يتكلم حتى لو أجمعوا في ( السقيفة ) على خلافة غيره !!
    فالمجد للشعراء في الارض والسماء !
    والخلود لمن قال بيتاً من الشعر ! أو أذاع بيتاً من الشعر !!
القاهرة ـ مصر
معروف عبدالمجيد
26 ذي الحجة 1419

(11)
ذكراكَ باقية مدى الاعوامِ الارض حين وُلدْتَ حجّت للسما والكعبة العصماء شعت بالسّنا يا مصطفى والمصطفوْن جميعهم يا خيرَ مولود لخير أنامِ والكون منذ وُلِدْت في إحرامِ من فيض نور الوحي والالهامِ خُتموا بأفضل مصطفى وختامِ

بشرى بمولدك الكريم وفرحة الفارق التقوى ، فكل من اتقى يا والدَ الزهراء انقذتَ الدنَى صلّى الاله عليك في عليائه عمّت ربوع العُرْب والاعجامِ عند الاله يُخص بالاكرامِ من نعرة وجهالة وظلامِ وصلاته قد أُتبعت بسلامِ


(12)
الدين قد أكملته ، ورضيته فمن ابتغى ديناً ، فدينك وحده ديناً ، وتمّت نعمة بإمامِ لا يُبتغى دين سوى الاسلامِ

ناجيت وجهك والضريح لثمته لما أتيتك زائراً ، وملبياً مابين بيتك قد أقمتُ ومنبر ودعوتُ أنْ لبيك ، فرّج كربتي واشفع لمرء غارق في ذنبه فمنحتُ سؤلي ، والدعاء قبلته فارتاح قلبي حين نلتُ مرامي بين الحجيج ، تلفني آثامي في روضة مفتوحة الاكمامِ باسم اللطيف مطبب الاسقامِ يوم المعاد ودهشة الاقوامِ وغمرتني بالعفو والانعامِ

وهناك في أمّ القرى رافقتني حين التزمتُ الركن واستلمت يدي عند الطواف وكنت ثَمّ أمامي حجراً حفا بالسعد والاعظامِ


(13)
طهرتني ، ورويتني من زمزم ومن الصفا حتى الوصول لمروة وعلى الحجون وقفت استجلي مدًى عانقتُ ذاك ، وذاك أعطاني يداً ومتىوصلت إلى الجمار وجدتُني فرميت إبليس اللعين مجسَّداً فاخضرّ قلبي بعد عمر ظامي باركتَ سعيي ، مثلما إحرامي تلك العهود وسالف الايامِ فالتَامَ جرحي إذ وَجدت أُوامي أسترجع التاريخ مذ إبرامِ وفديتُ إسماعيل بالانعامِ

أهلاً بمولدك الشريف ، ومرحباً يا جامع القوم الذين بحولِه ألّفتَ بينهمُ ، ولولا ربنا هم صدقوك وآمنوا ، فعصمتهم بالذكريات وعاطر الانسامِ ألّفت بين قلوبهم بوئامِ ما كان ، لو انفقت كل أدامِ بالحبل ، حبل الله ، خير عصامِ


(14)
هم ناصروك ، فاصبحوا بك أمةً ونسُوا بفضلك « داحسا » ونوازلا واليومَ ، ها نحن الذين جمعتَهم لولا المذاهب والطوائف والهوى لولا الدناءة والتصاغر والخنا لولا قبائلنا التي في نومها لتوحد الشمل الذي من أعصر من بعد « غبراء » وطعن حسامِ شاب الرضيع بهنّ دون فطامِ متفرقون مقطعو الارحامِ وتعددُ الاحزابِ والاحزامِ وسفاهة الاراء والاحلامِ قنعت ، ومر الوقت دون قيامِ قد شتتته دسائس الحكامِ ..!

يا داعياً للهِ ربّاً واحداً يا من أقمت حكومة شرعيّة العرشُ منبعها ورافدُهها الذي ومحطّمَ الاوثانِ والاصنامِ أنْعم بها من سلطة ونظامِ ..! مما يضم يجود بالاحكامِ


(15)
وكتابها القرآن نور ساطع أنشأْتَها والعدلُ كان عمادَها ومن الحقيقة صغتها ، وعلى النُّهى ومن التساوي والاخاء صنعتها ومشيت فيها بالرشاد وبالتقى يا ليت أمتك التي كادوا لها تدع التعصب والتشرذم جانباً وتفرُّقَ الرايات والاعلامِ رغم الجراح وشدّةِ الالامِ لا ريبَ فيه هدًى لكلّ مرامِ أكرم به من قائم ودعامِ أسستها ، فخلت من الاوهامِ فالكل راع ، دونما أغنامِ ..!! لا بالحديد ورهبة الصَّمصامِ فَغَدَت مقسمة إلى أقسامِ فالمسلمون ـ وان تناسوا ـ أمة والمسلمون ـ وان تناءوا ـ أخوة لا فرق بين « الفارسي » و « الشامي » ..!
24 ـ 10 ـ 1988
بلون الغار .. بلون الغدير ::: فهرس