بلون الغار .. بلون الغدير ::: 31 ـ 45
(31)
طغى الحزن سيلاً فغطّى الحمى ودمع المحبين أمسى دَمَا يعود المحرّم في كل عام فنبكي عليك لحدّ العمى فأنت المجدّل فوق الرمالِ وأنت القتيل ، قتيل الظما وماء الفرات صداق اللتي تفوق بمن أنجبت مريما نعبّ الدموع فلا نرتوي وقد أغلقوا دوننا زمزما فديتك يا أعظم الاعظمِينَ ومن أصعد المرتقى هَاشما تفضلْتَ فخراً على العالمين بأصل وجذع وفرع سَمَا فأنت الحسين وسبط الرسولِ به حُزْتَ مَحتدك الاكر ما


(32)
أبوك عليٌّ وصيُّ النبيّ وأمّك من سُمّيَت فاطما هما الاعليان ، هما الفاطمانِ وخيرُ البريّة طرّاً .. هُما مدحتك شعرا ، فتاه القريضُ بمدحك ، ثم ارتقى سُلَّمَا إلى المجد يا أمجد الامجدينَ وبزّ الكواكبَ والانجما وأزهرتِ المفردات اللواتي صحون ، وكنّ مدًى نُوَّما فواحدة قد غدت وردةً وأخرى غدت جنبها برعما ولكنّ دمعي بذكر المصابِ تحدَّر كالغيث لمّا هَمَى فناح قصيدي كمثل الثكالي وقافيتي أصبحت مأتما ..!

طلبتَ النصيرَ ، فأعدمتَهُ سوى قلة باركتها السما وما كنتَ فظاً ولا مستبداً ولا كنتَ وغداً ولا واغما


(33)
وكم من مُوَال دعاك لتأتي أتيتَ ، ولكنه احجَمَا فهذا أراد بها منصباً وذاك أراد بها درهما وذلك جعجع حتى تؤوبَ وآخرُ من خلفه همهما فما هنتَ نفسا ولا لنت عزماً وظَلْتَ أمامهمُ قائما تذود عن الدين رغم الحتوفِ وتقصم ظهراً أتى قاصما تغلغلت في صفهم مفرداً فمن لم تنله أتى مُرغما وضنّوا عليك بماء الفرات فجرّعتهم مثله علقما ومن بايعوك بدون وفاء أضاعوا السواعد والمعصما وجُلْت كليث تخوض المنونَ تصدّ المكابر والغاشما ومن ؟! إنّها فئة قد بغت تضم المنافق والاثما وتحوي الطليق سليل الطليقِ ربيبَ الثعابين ، والارقما


(34)
وتطوي الجناح على حاقد وطالب ثأر أتى ناقما يروم الاريكة والصولجانَ ويبغي الخلافة ، لكنّما ..! إذا نالها فاسق حقبةً فلن تستقيم له دائما تؤول الامور لاصحابها ويسقط غاصبها نادما

حججتُ إليكَ بكرب البلاءِ وكنتُ بحزن الدُّنى مفعمَا حثثت اليك الخطى من بعيد وزرتك أبغي بها مغنما وجثتُ خلال الرواق الشريفِ وقد ثار روعي ، وخوفي نما ونبضي تعالى ، يدق ارتهابا وخطوي يحاول أن يُقدما فلما انتهيتُ لباب الضريحِ وقفتُ بأعتابه واجما أُسائل نفسي : أهذا الحسينُ ومن في البلايا به يُحتمى ؟!


(35)
وحين تأكدتُ مما أراهُ وأني لست به حالما طلبتُ الدخولَ ، فآذنتني وأنتَ تراقبني باسما رميتُ وجودي بحضن الضريحِ ورحت أعانقه لاثما ومرّغت خدي بخزّ الجنان أباشر ملمسه الناعما ورحت أنوح ، وأشكو طويلاً لمابي ، ومابي ، ومابي ، وما ..!! ويمناك تمسح قلباً عصيّا وتُلقي على كربتي بلسما وثغرك يلثم بالشهد عيني فيطفىء جمراً بها ضارما ونورك يغشى كياناً اضاءَ وقد كان من قبلها مظلما وحبك يزهر بين الضلوعِ ويهدي الربيع لها موسما وساد المكانَ سكون عميقٌ وناطق حالي غداً اعجَما ..! دهشتُ وقد حُزتُ هذا المقامَ ونلتُ الشفاعة والمنسمَا


(36)
فحسبي هذا العطاء العظيمُ أعود به سالماً غانمَا ..!

ذكرتكَ ، والطفَّ ، والعادياتِ وسبعين حُرّاً بقوا مَعْلَمَا وعشرَ ليال تبيت خميصاً وغيرُك بات بها مُتخما ورأسَك يثوي أمام الزنيم يباهي ، وينكت منه الفَمَا ووازنتُ عصري ، فألفيتُه لئيماً كعصرك ، بل ألاما ..! فهذا « يزيد » ، وحزب الرعاعِ أقرّوه مولى لهم حاكما و « شمرٌ » يناوشنا بالسهامِ ويسبي الحليلة والمحْرَما ويمنعنا عن أداء الصلاةِ ويقتل في الكعبة المُحرما وفي كل يوم حسين شهيد تهز ظليمتُه العالَمَا فتأتي السياسة في زيفها وتُخفي الجريمةَ والمُجرما


(37)
هو المُلك مُلك عضوض عقيم فما أعضضَ المُلك ، ماأعقَما ..!!

مللنا السجون وشَدَّ الوثاقِ وضربَ الرقاب وسفكَ الدما وتُقنا لبارقة من ضياء تنير لنا ليلنا المظلما ومعجزة من يد لا تكلّ تفك السلاسلَ والادهَمَا وتُسقط شتّى عروش الطغاةِ وهمّا على صدرنا جاثما تسرّ الاعزّ ، وتُشقي الاذلَّ وتترك في خَطمهِ مَيْسَما تلفتُّ حولي فلم ألقَ إلا حسيناً ومنهجه الاقوما ليهدم لذّاتِ أهل القصور ويبني من الدين ما هُدِّما
1992


(38)

(39)
    يزمع ألمي ان يورق أسيافاً
    تنغرز برأسي المحمول على الرمحْ
    يا للموت المئويّ الرابع بعد الالفِ
    وبعد العطش المتسرب من نهر الملحْ
    يا للرأس الدائر في الافاق المدهوشة
    بعد القتل
    وبعد الذبحْ ..!
    تتفرّد بي في هذي الليلة رؤيا
    لم يرها غير نبيّ
    ووصيّ نبيّ
    لم يرها غير أبيّ
    أو شاعر مرثية لحشاشة فاطمة
    وفؤاد عليّ
    رؤيا خابطة في رأسي
    كشعاع هرب من الشمس
    وممزقة لستائر روحي كَصراخ المأتمْ


(40)
    فابيضّت عيناي من الحزنِ
    ولم أكظمْ ..!
    رؤيا هبطت من تلك البقعةِ
    حيث أناخ الاحباب ركابَا
    ليواري الاحباب الاحبابا
    حيث العقر ، وحيث العطشُ
    وحيث الموت تخطَّفَ أشبالاً
    وشبابا ..
    أفّ للناصر لو صار قليلاَ
    والعز إذا ولّى
    والدّهر إذا بات خليلاَ
    [ يا دهر أف لك من خليلِ
    كم لك بالاشراق والاصيلِ
    من صاحب أو طالب قتيلِ
    والدهر لا يقنع بالبديلِ ]
    وحيث الفارس في الخيمةِ
    يستذكر أبياتا ويعالج سيفَا
    ويقلّب صفحات الماضي
    ويناجي للموت القادم طيفَا
    ويغالب عطشاً في صدر
    تتفجّر منه ينابيع الابديّهْ
    بالقرب من النهر الحافِل


(41)
    بالحيّات المسمومةِ
    وخنازير الوالي
    وكلاب البرّيّهْ
    أفّ للسلطان
    إذا قام يهرّج في ذاكرة البشريّهْ ..!
    أفّ للراعي
    لو قام يجرجر شعباً في الاسواقِ
    كما الاغنام
    ويلجم ألسنة الصدقِ
    ويقطعها
    ويحزّ الاعناق على الظنّةِ
    والتهمة
    ويطبق قانون الهمجيّهْ
    ويسوق النسوة للسبيِ
    ويرهب أطفالاً
    ويحارب شيخاً وصبيّ
    ويؤلّف شعراً
    ويجاهر بعداء نبيّ
    أفّ للشعر إذا قام يجاهرُ
    بعداء نبيّ ..!
    فلتُكتَبْ بطلا يا ابنَ الطلقاءِ
    لتُصبحْ ملكاً


(42)
    فلقد تُوّجتَ أخيراً
    وقتلت حسيناً
    وغنمت البرنسَ
    والدرع البتراءَ
    ونعلاً ..!
    وسلبت رقيةَ قرطا ذهبيّ
    وذبحت حسيناً
    وقطعت الاصبع من أجل الخاتمِ
    وكأنك لص صربيّ ..!
    ونزعتَ الاثواب عن النسوةِ
    وكسوتَ قبائلنا شرفاً عربيّ ..!!
    فلتلبسْ هندٌ في حفرتها
    حلل الايتام الاسرى
    ولتتجمَّلْ يا ابنَ سليمِ الكلبيّ ..!

    وجهه .. والمدَى
    صوته .. والصدى
    دمعه .. والندى
    رحله .. والذئاب .. والردى
    صدره .. والسهام .. والقدَرْ ..!
    وجهه كان باسمَا
    صوته ظل قادما


(43)
    دمعه الربابُ في السّما
    قلبه كان عائما
    كقارب علي أشعة القمرْ ..!
    فأغرقته موجة من الرماحِ
    والسيوفِ
    والحجَرْ ..!

    آه ، وألفٌ ، واَمَدْ ..!
    من الحسرة المتشعبة في
    ذرات النفس كسيقان العنكبوتْ
    كربلاءُ .. كربلاءْ
    يا عَبرةَ الارض وشهقةَ السماءْ
    ومئذنة العرش ومبكى الانبياءْ
    ومحطّ المعجزات الخارقهْ
    حيث يعبق أريج الورود المدمّاةِ
    المدلاةِ
    من عُرى قلوب الوالهين
    أيّة ذكرى تلك موجعة وساحقَهْ
    ومشعلة وحارقهْ ..!
    وأيُّ ماض لن يعود
    وما كان ليعود
    وأيّ خاطر كان ومرَّ


(44)
    كنشيد غجريْ
    في حفل بربريٍّ وحشيّ
    ثقل به دفتر الزمانْ
    آه لكَ ، ومنك ..!!
    آه لك أيها الجسد الملقَى مُجَدّلاً
    على مسرح الفنون الجاهليَّهْ
    بلا رأس ، ولا خشبة
    ولا نُظَّارة ، ولا نَصّ ..!
    وآه منك أيها الرأس الدائرُ
    في مدن اليبابْ
    وضمائر الخرابْ
    أربعين يوماً
    أربعين جيلاً
    أربعين آدماً
    وأنت الذي لم تكن أبداً « بروتوسْ »
    ولا طاعنَ الامبراطور القيصرْ
    ولا حارق الخليل الحنيفْ
    ولا مبلبل اللغة اللسانْ
    في برج بابلْ
    أو الصرح الذي لم يبنه « هامانْ » ..!
    ولم تكن « الاسخر يوطّي » على
    مائدة العشاء الاخيرْ ..!


(45)
    أيها النبأ الساطع في
    صفحات السِّفر الاولِ
    قبل الصفْرِ ..
    وقبل التكوينْ
    تمنح الظلام قمراً ونجوما
    والسماء فردوسا
    والارض حُججا وأوصياءْ
    والكونَ أوفياءْ
    والسُدَّةَ حكماءْ
    في زمن يحكمه البغاءُ
    والرجال التي تحيضْ
    والنعاج والدجاجْ
    وأبراج المراقَبَةْ
    وأحبار الاسفار المخضَّبهْ
    الذين يشترون بآيات رأسك الرّيَّ
    والشامَ ، والعراقَ
    وبيتَ الله
    والشموس الغاربَهْ ..!!

    أجول وتبحر ذاكرتي
    نحو « حوارين » الاراميَّهْ
    لارى اللاعب بالطنبور يصلّي
بلون الغار .. بلون الغدير ::: فهرس