دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 106 ـ 120
(106)
    الأوّل : ما يدلّ على أنّ مطلق التصرّف وإن لم يكن مغيّراً للعين مسقط للعين ، صحيحة علي بن رئاب ، قال : سألت أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ؟ فقال : « الخيار لمن اشترى » ـ إلى أن قال : قلت له : أرأيت إن قبّلها المشتري أو لامس ؟ قال : فقال : « إذا قبّل أو لامس أو نظر منها إلى ما يحرم على غيره فقد انقضى الشرط ولزمته ». (1)
    الثاني : ما يدلّ على أنّ التصرّف المغيِّر للعين هو المسقط ، ونقتصر على روايتين :
    1. روى الصفّار ، قال : كتبت إلى أبي محمد ( عليه السَّلام ) في الرجل اشترى من رجل دابّة فأحدث فيها حدثاً من أخذ الحافر ، أو أنعلها أو ركب ظهرها فراسخ ، أله أن يردّها في الثلاثة الأيّام التي له فيها الخيار بعد الحدث الذي يحدث فيها أو الركوب الذي يركبها فراسخ ؟ فوقع ( عليه السَّلام ) : « إذا أحدث
1. الوسائل : 12 ، الباب 4 من أبواب الخيار ، الحديث 3 و2.

(107)
فيها حدثاً فقد وجب الشراء إن شاء اللّه ». (1)
    وجه الدلالة : إنّ السائل طرح تصرّفين في ذيل سؤاله :
    أ : الحدث الذي يحدث فيها.
    ب : الركوب الذي يركبها فراسخ.
    و الأوّل : هو التصرّف المغيّر كما مثّل الراوي في صدر كلامه من أخذ الحافر وإنعالها.
    و الثاني : هو التصرّف غير المغيّر ، وقد جعله الراوي موضوعاً مستقلاً بشهادة أنّه عطفه على الحدث الذي يحدث فيها.
    و لكنّ الإمام خصّ الإسقاط بالقسم الأوّل دون الثاني وقال : « إذا أحدث فيها حدثاً » ولم يقل : « أو ركب ظهرها » وهذا يدل على أنّ التصرّف المغيّر هو المسقط لا مطلق التصرّف وإلا لما ترك ذكر الركوب.
    2. ما رواه الحلبي ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) في رجل اشترى شاة فأمسكها ثلاثة أيّام ثمّ ردّها ؟ فقال : « إن كان في تلك الثلاثة الأيّام يشرب لبنها ردّ معها ثلاثة أمداد ، وإن لم يكن لها لبن فليس عليه شيء ». (2)
    وجه الاستدلال : أنّه لو كان مطلق التصرّف مسقطاً لسقط الخيار ، لأنّ المفروض انّ المشتري حلبها وشرب لبنها ، فإذا لم يكن مثل ذلك مسقطاً بشهادة تجويز الردّ فسقي الدابة وتعليفها أو استخدام الأمة لبعض الأُمور لا يكون مسقطاً بطريق أولى.
    وبذلك يقيّد ما دلّ على أنّ مطلق التصرّف مسقط بما دلّ على أنّ المسقط هو التصرّف المغيّر.
    بقي هنا سؤال ، وهو انّ الإمام عدّ لمس الأمة وتقبيلها أو النظر إليها بما يحرم عليه قبل الشراء في رواية علي بن رئاب من المسقطات ، ومن المعلوم أنّ هذه الأُمور ليست تصرّفاً مغيّراً ؟
    والجواب : أنّ ما جاء فيها يختصّ بالأمة دون غيرها وفي الأمة أيضاً يختص بباب خيار الحيوان. وعلى ذلك فلا يتعدّى إلى غير الأمة في خيار الحيوان ، ولا فيها إلى غير خيار الحيوان كخيار العيب ، فلأجل ذلك جعلوا المسقط في خيار العيب في الأمة الوطء ، وتضافرت الروايات في كونه مسقطاً ، ولو كان النظر واللمس مسقطاً ، يلزم عدم استناد السقوط في مورد إلى الوطء لكونه مسبوقاً بهما دائماً.
1. الوسائل : 12 ، الباب 4 من أبواب الخيار ، الحديث 3 و2.
2. الوسائل : 12 ، الباب 13 من أبواب الخيار ، الحديث 1.


(108)
    عمومية الحكم للجاهل والعالم
    ثمّ إنّه إذا كان التصرّف المغيّر مسقطاً ، فهل هو مسقط مطلقاً ، سواء كان المتصرّف عالماً بالموضوع ( أنّ هذا الفرس مثلاً هو المبيع الذي اشتراه أمس ) أو جاهلاً به وتصوّر أنّه هو ماله الذي تملَّكه قبل شهور ، وسواء أكان عالماً بالحكم وأنّه ذو خيار أو أنّ خياره يسقط بالتصرّف أم لا ؟ أو أنّ المسقط هو التصرّف الصادر من الملتفت إلى الموضوع والحكم ، فلا يسقط إذا كان جاهلاً بالموضوع أو الحكم ؟ ظاهر الروايات هو الأوّل ، وإنّ التصرّف وإحداث الحدث كاف في سقوط الخيار مطلقاً ، ولو خصّصناه بالملتفت ، يلزم حمل المطلقات على المواضع القليلة أو النادرة ، فإنّ الجهل بالأحكام سائد على الناس خصوصاً الجهل بخصوصيات المسقط.
التحقيق
    1. لا شكّ في دخول الليلتين المتوسطتين في الثلاثة الأيّام ، فهل دخولهما تبعيٌّ لحفظ الاستمرار ، أو دخولهما حقيقي إذا أُريد من الأيّام ـ ولو مجازاً ـ الأيّام ولياليها ؟
    2. اذكر الاستعمالات المختلفة للفظة « الأيّام » في القرآن.
    لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 225 ؛ والمختار في أحكام الخيار ، ص 119.


(109)
    الفصل الثالث
خيار التأخير
    خيار التأخير ممّا أطبق فقهاء أهل السنّة على عدمه ، كما أطبق أصحابنا على ثبوته ، وأخبارهم به متضافرة ، ومورده عبارة : عمّن ابتاع شيئاً معيّناً بثمن معيّن ولم يَقبضه ولا قبّض ثمنه وفارقه البائع ، فالمبتاع أحقّ به ما بينه وبين ثلاثة أيّام ، فإن مضت ولم يُحضر الثمن ، كان البائع بالخيار بين فسخ البيع وبين مطالبته بالثمن. (1)
    و عرّفه المحقّق بقوله : من باع ولم يَقبض الثمن ، ولا سلّم المبيع ، ولا اشترط تأخير الثمن ، فالبيع لازم ثلاثة أيّام ; فإن جاء المشتري بالثمن ، وإلا كان البائع أولى بالمبيع. (2)
    و وفقاً لما ذكر فهو مشروط بثلاثة شروط :
    الأوّل : عدم قبض الثمن.
    الثاني : عدم تسليم المبيع.
    الثالث : عدم اشتراط التأجيل في الثمن والمثمن.
1. الخلاف : 3/20 ، المسألة 24.
2. الشرائع : 2/23.


(110)
    و سيوافيك أنّ هنا شرطاً رابعاً وهو كون المبيع شخصيّاً لا كليّاً.
    ويدلّ عليه أُمور : أوضحها الروايات المتضافرة المغنية عن دراسة رجالها ، وهي بين صحيحة وغير صحيحة.
    1. صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) قال : قلت له : الرجل يشتري من الرجل المتاعَ ، ثمّ يدعه عنده ، فيقول : حتى آتيك بثمنه ؟ قال : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام ، وإلا فلا بيع له ». (1)
    2. خبر عبد الرحمن بن الحجاج قال : اشتريت محملاً فأعطيت بعض ثمنه وتركته عند صاحبه ، ثمّ احْتُبِسْتُ أيّاماً ، ثمّ جئت إلى بائع المحمل لأخذه ، فقال : قد بعته ، فضحكت ثمّ قلت : لا واللّه لا أدعك أو أقاضيك ، فقال لي : ترضى بأبي بكر بن عياش ؟ قلت : نعم ، فأتيته فقصصنا عليه قصّتنا ، فقال أبو بكر : بقول من تريد أن أقضي بينكما ، بقول صاحبك أو غيره ؟ قال : قلت : بقول صاحبي ، قال : سمعته يقول : « من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام وإلا فلا بيع له ». (2)
    3. صحيحة علي بن يقطين : أنّه سأل أبا الحسن ( عليه السَّلام ) عن الرجل يبيع البيع ولا يُقبضه صاحبَه ولا يَقبض الثمن ؟ قال : « فإنّ الأجل بينهما ثلاثة أيّام ، فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما ». (3)
    4. خبر إسحاق بن عمّار ، عن العبد الصالح ( عليه السَّلام ) قال : « من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجئ فلا بيع له ». (4)
    ثمّ إنّ الأصحاب بعد ما اتفقوا على عدم اللزوم اختلفوا في صحّة المعاملة وبطلانها على قولين :
1. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ، 2 ، 3 و4.
2. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ، 2 ، 3 و4.
3. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ، 2 ، 3 و4.
4. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ، 2 ، 3 و4.


(111)
    أ. ذهب الشيخ في « المبسوط » (1) والقاضي في « المهذّب » (2) إلى القول ببطلان البيع بعد الثلاثة ، وحكاه العلاّمة عن ابن الجنيد في « المختلف » (3) ؛ وقد قال به من المتأخرين المحدّث البحراني في « الحدائق » (4) ومال إليه السيد الطباطبائي في تعليقته (5) على المتاجر.
    والذي نصّ به المفيد في « المقنعة » (6) والشيخ في « النهاية » (7) أنّ العقد صحيح ، ويكون للبائع الخيار إن شاء فسخ البيع وإن شاء طالب بالثمن.
    و مدرك القولين هو الروايات السابقة ، أعني قوله : « فلا بيع له » فهل هو محمول على نفي الصحة أو على نفي اللزوم.
    ويرجَّح القولُ الأوّل بأنّه إذا تعذّرت الحقيقة ـ لوجود البيع ـ فأقرب المجازات ـ وهو نفي الصحّة ـ أولى.
    ويرجّح القول الثاني بأنّ الهيئة ( لا بيع له ) وإن كانت ظاهرة في نفي الحقيقة عند الإمكان ثمّ نفي الصحّة عند عدم إمكان نفي الحقيقة ، إلا أنّ هناك قرائن تدلّ على أنّ المراد نفي اللزوم ، وإليك بعض هذه القرائن :
    1. انّ الروايات الماضية تشتمل على قضية شرطية :
    ففي صحيحة زرارة : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام ».
    و في رواية عبد الرحمان بن الحجاج : « من اشترى شيئاً فجاء بالثمن ما بينه وبين ثلاثة أيّام ».
1. المبسوط : 2/87.
2. المهذّب : 1/361.
3. المختلف : 5/70.
4. الحدائق الناضرة : 19/48.
5. تعليقة السيد الطباطبائي : 2/52.
6. المقنعة : 591.
7. النهاية : 385 ، باب الشروط في العقود.


(112)
    و في صحيحة علي بن يقطين : « فإن قبض بيعه ».
    هذه قضايا شرطية حذف جزاؤها ، وأقيم مكانه قوله : « وإلا فلا بيع له » ، وله في الكتاب والسنّة نظائر كثيرة حيث يحذف الجزاء ويقوم مقامه شيء آخر ، نظير قوله سبحانه : ( إِنْ يَسْرِق فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْل ) (1) والجزاء محذوف وهو « فلا عجب » أي فإن سرق فلا عجب ولا غرو ، فقد سرق أخوه أيضاً من قبل.
    و عندئذ يجب علينا تعيين الجزاء المحذوف فهل هو قوله : « لا يجب الوفاء » أو قوله : « يبطل البيع » ؟
    مقتضى التقابل بين الجزاءين هو الأوّل ، لأنّ الجزاء المقدّر في الشرطية الأُولى ، أعني : قوله : « إن جاء فيما بينه وبين ثلاثة أيّام » هو قوله : « يجب الوفاء » ، فيناسب أن يكون الجزاء في الشرطية الثانية أي قوله : « وإلا » هو نفس ذلك الجزاء بصورة السالبة ، أي لا يجب الوفاء لا انّه « يبطل العقد » ، لعدم التقابل بين وجوب الوفاء وبطلان العقد.
    و بعبارة أُخرى : أنّ الهدف من السؤال ، هو تعيين تكليف البائع حيث إنّه كان في السابق ملزماً ـ بالوفاء ـ بالعقد وإقباض ، المبيع فأراد أن يقف على أنّه هل هو ملزم به مثل السابق أو لا ؟ فوافاه الجواب بأنّه لا بيع ، فيكون المراد ، هو نفي اللزوم ، فأشبه بالبناء المتزلزل الذي يصحّ أن يوصف بأنّه لا بناء ، كما يصحّ أن يوصف المنهدم أيضاً بأنّه لا بناء.
    2. إنّ الحكم في المقام امتناني ، ومقتضاه صحّته بلا لزوم لا بطلانه ، إذ ربّما يتعلّق الغرض ببقاء العقد واستمراره بحيث يكون في بطلانه ضرر عليه.
    3. ما ورد في « دعائم الإسلام » : انّه من اشترى صفقة وذهب ليجيء
1. يوسف : 77.

(113)
بالثمن فمضت ثلاثة أيّام ولم يأت به ، فلا بيع إذا جـاء يطلب إلا أن يشـاء البائع. (1)
    4. يؤيّده أيضاً ما في رواية علي بن يقطين قال : سألت أبا الحسن ( عليه السَّلام ) عن رجل اشترى جارية وقال : أجيئك بالثمن ؟ فقال : « إن جاء فيما بينه وبين شهر وإلا فلا بيع له » (2) حيث تدلّ على صحّة المعاملة وبقائها إلى مضي شهر ، بناء على أنّ الرواية غير مختصّة بموردها وأنّ الإجابة مستحبّة إلى شهر ـ وذلك جمعاً بين الروايات ـ والقول ببقائها إلى شهر لا يجتمع مع البطلان بعد ثلاثة أيّام.
    و لو شكّ في المفاد ، فالمحكَّم عند الشيخ هو استصحاب الآثار المترتّبة على البيع.

    شروط الخيار
    يعتبر في شروط الخيار الأُمور الأربعة التالية :
    1. عدم قبض المبيع.
    2. عدم قبض مجموع الثمن.
    3. عدم اشتراط تأخير تسليم أحد العوضين.
    4. أن يكون المبيع عيناً أو شبهها كصاع من صبرة.
    وإليك دراسة هذه الشروط :

    الأوّل : عدم قبض المبيع
    يعتبر في ثبوت خيار التأخير عدم قبض المبيع ، وادّعي في « الحدائق »
1. المستدرك : 13 ، الباب 8 من أبواب الخيار ، الحديث 1.
2. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 6.


(114)
و « الجواهر » (1) اتّفاق الأصحاب عليه. ويدلّ عليه ما في صحيحة علي بن يقطين (2) : « فإن قبض بيعه وإلا فلا بيع بينهما » والمراد من « البيع » هو المبيع بقرينة صدر الرواية : « عن الرجل يبيع البيع ولا يُقبضه صاحبه ولا يَقبض الثمن ».
    ثمّ إنّ الفعل في قوله : « فإن قبض بيعه » إمّا بالتخفيف أو بالتشديد ، فعلى الأوّل يتعدّى إلى مفعول واحد ، ويكون المراد : فإن قبض صاحبُ البائع ( المشتري ) المبيع ، وعلى الثاني يتعدّى إلى مفعولين ويكون المراد : فإن قبّض البائعُ صاحبَه المبيعَ ، وعلى كلا التقديرين يدلّ على المقصود.
    وأمّا خبر إسحاق بن عمّـار : « من اشترى بيعاً فمضت ثلاثة أيّام ولم يجئ فلا بيع له » فهو أيضاً دالّ على شرطية عدم قبض المبيع ، لأنّ المقصود قوله : « لم يجئ » هو أنّه « لم يجئ ليقبض المبيع » بقرينة قوله : « من اشترى بيعاً » فيدلّ على شرطية عدم القبض كالرواية السابقة.

    الثاني : عدم قبض الثمن
    اتّفقت كلمتهم على هذا الشرط ، وهو ظاهر الأخبار وقد تكرّرت هذه الجملة : « إن جاء بينه وبين ثلاثة أيّام وإلاّ فلا بيع له » الظاهر في عدم دفع الثمن. حتّى أنّ بعضهم جعل الموضوع عدم المجيء بالثمن ، سواء أ قبض المثمن أم لا ، فهو شرط متّفق عليه ، وقبض بعض الثمن ، كـ « لا قبض » ، لعدم كونه ثمناً.
    و لو قبضه بلا إذن فهو كـ « لا قبض » ، لأنّ تعيين ما في الذمّة في فرد ، من صلاحيات المشتري لا البائع ، اللّهمّ إلا إذا كان ممتنعاً ، فيتعيّن بتعيين الفقيه.
1. الحدائق : 19/45 ؛ الجواهر : 23/53.
2. الوسائل : 12 ، الباب 9 من أبواب الخيار ، الحديث 3.


(115)
    وبالجملة إنّ ولاية المشتري في تعيين الثمن الكلّي في فرد بعدُ باقية ، فلا يتعيّن بدون إذنه.

    الثالث : تأخير الثمن ثلاثة أيّام
    المتبادر من الروايات أنّ التحديد بثلاثة ، تحديد شرعي وإمهال مولوي من جانب الشارع للمشتري ، ومن المعلوم أنّ الإمهال إنّما هو في مورد لم يكن هناك مجوّز للتأخير كاشتراطه في متن العقد.

    الرابع : أن يكون المبيع عيناً أو شبهها كصاع من صبرة
    ويمكن استظهاره مضافاً إلى وروده في عبارة « الخلاف » و « المهذّب » وغيرهما من كتب الأصحاب ، أنّه ورد في النصوص الجمل التالية : 1. « يشتري من الرجل المتاع ثمّ يدعه عنده » ؛ 2. « اشتريت محملاً » و3. « عن الرجل يشتري المتاع أو الثوب » وكلّها ظاهرة في الشخصي ، ولا يعمّ الكلّي.
    نعم هنا طائفة ثانية يستظهر منها العموم ، أعني :
    1. ما رواه ابن عيّاش عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) : « من اشترى شيئاً ».
    2. ما رواه علي بن يقطين عن أبي الحسن ( عليه السَّلام ) : « يبيع البيع ».
    3. ما رواه إسحاق بن عمّـار عن العبد الصالح : « من اشترى بيعاً ».
    ويمكن أن يقال إنّه لا يستفاد من الطائفة الأُولى الاختصاص بالشخص ، كما لا يستفاد من الثانية العموم لعدم كونها في مقام البيان من هذه الجهة.
    غير أنّ هذا الخيار لما كان على خلاف القاعدة ، فإنّ الجواز بعد اللزوم ثبت تعبّداً فيقتصر على المتيقّن من الموارد ، وهو المبيع الشخصي ، مضافاً إلى المناسبة


(116)
المغروسة في الأذهان من أنّ هذا الخيار لأجل ذبّ الضرر عن جانب البائع ، وهو موجود في الشخصي دون الكلّي ، لا أقول إنّ الحكم دائر مدار الضرر ، ولكن يمكن أن يكون قرينة على الانصراف.

    يسقط هذا الخيار بأُمور :
    1. إسقاطه بعد الثلاثة قولاً وفعلاً.
    2. إسقاطه في الثلاثة قولاً وفعلاً ، وليس الإسقاط في هذا القسم من قبيل إسقاط ما لم يجب ، لما عرفت من كفاية وجود المقتضي وهو العقد فيصح إسقاطه كسائر الخيارات كالمجلس والحيوان.
    3. اشتراط سقوطه في متن العقد ، ووجه الصحّة ما ذكرناه.
    و أمّا سقوطه ببذل المشتري الثمن بعد الثلاثة ، فالأقوى عدم سقوطه لظهور الروايات في أنّ التأخير تمام الثلاثة علّة تامّة للخيار ، والبذل بعده لا تأثير له في إزالة الخيار ؛ ولو شكّ في بقاء الخيار وعدمه ، فإطلاق الروايات الدال على بقاء الخيار مطلقاً ، سواء أبذل بعد الثلاثة أم لا ، كاف في رفع الشكّ من دون حاجة إلى استصحاب بقاء الخيار.
    و لو أخذ البائع الثمن بعد الثلاثة من المشتري ، فلو نوى عند الأخذ الالتزامَ بالبيع فالخيار يسقط ، وإلاّ فلا ، هذا حسب الثبوت; وأمّا الإثبات ، فالظاهر انّه يحكم عليه بالإسقاط إذا كان عالماً بالموضوع والحكم ، فلا يقبل منه تفسير الأخذ بغير هذا الوجه.


(117)
    و مثله مطالبة الثمن بعد الثلاثة فالظاهر أنّه لا يدلّ على الإسقاط ، إذ من المحتمل أن يكون لأجل استكشاف حال المشتري وانّه هل هو مستعد لدفع الثمن فيمضى العقد ، أو لا ، فيفسخ ، فلو ادّعى ذلك يقبل منه.
    ثمّ إنّ خيار التأخير غير فوري لإطلاق الروايات.

    لو اشترى ما يفسد من يومه
    لو اشترى ما يفسد من يومه ولم يجئ بالثمن. ففي مرسلة محمّد بن أبي حمزة : في الرجل يشتري الشيء الذي يفسد من يومه ويتركه حتّى يأتيه بالثمن ؟ قال : « إن جاء فيما بينه وبين الليل بالثمن وإلاّ فلا بيع له ». (1)
    وفي خبر (2) زرارة ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) في حديث قال : « العهدة فيما يفسد من يومه مثل البقول والبطيخ والفواكه يوم إلى الليل ». (3)
    إنّما الكلام في تبيين ما هو المقصود من « ما يفسد من يومه » فهنا احتمالان :
    1. المراد منه ما يفسد قرب دخول الليل ، فيكون الخيار في أوّل أزمنة الفساد.
    يلاحظ عليه : بأنّ الخيار لا يجدي في هذا الحال.
    2. أنّ المراد منه هو اليوم مع ليله ، ، فالمفسد هو مبيته ، فيكون للبائع مجال لبيعه من غيره قبل المبيت.
1. الوسائل : الجزء 12 ، الباب 11 من أبواب الخيار ، الحديث 1.
2. في سنده حسن بن رباط ، ولم يوثّق ، لكن الروايتين عمل بهما المشهور.
3. الوسائل : الجزء 12 ، الباب 11 من أبواب الخيار ، الحديث 2.


(118)

(119)
    المقصد الثالث
أقسام الشرط
    إنّ للشرط أقساماً :
    1. شرط الفعل
    2. شرط الوصف
    3. شرط النتيجة


(120)
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس