دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 91 ـ 105
(91)
شيخنا الأنصاري ؟ (1)
    وهناك تفصيل رابع قوّيناه في محاضراتنا ، وهو أنّ ثبوت الخيار للوكيل لا يتوقّف على كونه وكيلاً في التصرّف فيما انتقل إليه من العوض ـ كما عليه شيخنا الأنصاري ـ بل يكفي أدون من ذلك وهو ثبوت السلطنة له على نفس العقد إيجاداً وحلاًّ بعد الانعقاد ، في مقابل ما يكون وكيلاً في إيجاد العقد فقط ، وعندئذ يكون له الخيار ، لأنّ كونه وكيلاً بهذا المعنى أنّ زمام العقد بيده ، فسخاً وإبقاءً.
    و على ضوء ذلك ففي كلّ مورد تجوز له الإقالة يثبت له الخيار. (2)

    ثبوته للموكل
    وهل يثبت خيار المجلس للموكّل نظراً إلى أنّ ثبوته للنائب يستلزم ثبوته للمنوب عنه بوجه أولى ، أو لا يثبت له مطلقاً لأنّ الموضوع هو البيّع وهو موضوع لمن صدر منه البيع وليس هو إلا الوكيل ، أو يفصّل بين ما ثبت للوكيل ، فلا يثبت للموكل ، وما إذا لم يثبت له ، فيثبت للموكّل ، نظراً إلى أنّ خيار المجلس من لـوازم البيع غير المنفكة عنه ، فإذا كان الوكيل فاقداً للخيار كان الخيار للموكّل قهراً.
    و الأظهر هو الوجه الأوّل ، وذلك لأنّ البيّع وإن كان موضوعاً لمن صدر منه البيع لكن الصدور أعمّ من المباشرة والتسبيب وليس المراد من « البيع » في قوله : « من صدر عنه البيع » ، العقدُ اللفظي حتى يكون قائماً بالوكيل فقط ، بل
1. المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 217.
2. المختار في أحكام الخيار : 40.


(92)
المراد البيع الاعتباري الذي يصلح لأن يُنتسب إلى كلّ من الوكيل والموكّل.
    وإن شئت قلت : إنّ مَثَلُ البيع في المقام نظير التوفّـي في الذكر الحكيم فإنّه فعل الملائكة لقوله سبحانه : ( الَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) (1) وفي الوقت نفسه هو فعل اللّه سبحانه لقوله : ( اللّهُ يَتَوفّى الأنفُسَ حِينَ مَوْتِها ) (2) ، وعلى ذلك فلا مانع من أن يكون كلّ من الملك وخالقه متوفياً بنسبتين مختلفتين بالمباشرة والتسبيب ، ومثله « البيّع » حرفاً بحرف.

    لو كان العاقد واحداً
    ربّما يتّحد العاقد ويعقد عن الطرفين ولاية أو وكالة ، أو أصالة من جانب نفسه ، وولاية أو وكالة من غيره ، فهل يثبت الخيار للعاقد الواحد أو لا ؟
    ربما يرجّح الثاني بأنّ الموضوع في لسان الدليل هو « البيّعان » وهو لا يصدق على العاقد الواحد.
    يلاحظ عليه بأنّ الغرض من التثنية هو التنبيه على ثبوت الحكم لكلّ من البائع والمشتري ، وأنّه لا يختصّ بالبائع مثلاً ، لا إخراج العاقد الواحد ، ولأجل ذلك يقول المحقّق : « لو كان العاقد واحداً عن اثنين كالأب والجدّ كان الخيار ثابتاً ، وأمّا ما هو المسقط عندئذ ـ بعد عدم تصوّر الافتراق الذي هو غاية الخيار ، فالظاهر بقاء العقد خيارياً ما لم يشترط العاقد سقوطه في متن العقد ، فيبقى العقد خيارياً حتى يسقط بسائر الأُمور المسقطة.
1. النحل : 32.
2. الزمر : 42.


(93)
    خيار المجلس وسائر العقود اللازمة
    الظاهر اختصاص خيار المجلس بالبيع ، لأنّ موضوعه في لسان الدليل هو البيَّع وهو غير صادق على الموجر والمتصالح ، ومنه تظهر حال العقود الجائزة كالعارية والوكالة والقراض والجعالة ، لعدم صدق الموضوع ( البيع أوّلاً ) ولغوية دخوله فيها ، لأنّها في عامة الأوقات جائزة ولا حاجة للتوقيت.

    خيار المجلس وبيع الصرف والسلم
    هل مبدأ الخيار في بيع الصرف والسلم من حين العقد مثل غيرهما أو المبدأ هو بعد التقابض في الصرف ، والإقباض في السلم ؟ ، الظاهر هو الثاني ، ويعلم وجهه بعد الإحاطة بالفرق بين القبض في الصرف والسلم ، والقبض في غيرهما وهو انّ القبض في الأوّلين مكمّل للعقد وجزء منه ولولاه لكان العقد ناقصاً ، فلو تفرّقا قبله بطل العقد ، بخلافه في غيرهما فإنّ العقد أو البيع عندئذ كامل والقبض عمل بالتعهد وخروج من عهدة الواجب الذي فرضه عليهما العقد ولذلك لو تفرّقا يصير العقد لازماً.
    ثمّ إنّ في كون مبدأ الخيار هو العقد ، أو التقابض في الصرف والإقباض في السلم ، وجهين : من ظهور النصّ في أنّ الخيار يتعلّق بالعقد الصحيح التام ، والعقد قبلهما غير تام أو غير صحيح فلا موضوع للخيار فيه ، ومن كون الموضوع هو البيّعان وهو صادق عليهما قبل القبض أو التقابض.


(94)
    يسقط خيار المجلس بأُمور أَربعة :

    الأوّل : اشتراط سقوطه في نفس العقد
    يسقط خيار المجلس باشتراطه في متن العقد لقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « المؤمنون عند شروطهم إلا ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً » (1) والمفروض انّ الشرط أمر جائز في نفسه فلا يشمله قوله : « إلا ما حرّم حلالاً ، أو أحلّ حراماً ».
    وبعبارة أُخرى : انّ معنى قوله : « البيّعان بالخيار » انّ البيع بما هو هو مع قطع النظر عن الطوارئ والعوارض مقتض للخيار ، وهذا لا يمنع من عروض عنوان ، يمنع عن تأثير المقتضي كما هو الحال في أكثر العناوين الثانوية بالنسبة إلى العناوين الأوّلية ، فالوضوء بما هو هو واجب ولكنّه غير مانع من عدم وجوبه لأجل الضرر والحرج.

    الثاني : الإسقاط بعد العقد
    وهذا هو المسقط الثاني الذي وصفه الشيخ بالمسقط الحقيقي ، لأنّ إسقاطه في أثناء العقد من قبيل الدفع وهذا من قبيل الرفع ، والفرق بينهما واضح ، وغنيّ عن البيان.
    والدليل على صحته هو انّ المشرّع لخيار المجلس وإن كان هو الشرع ولم يكن بين العقلاء فيه عين ولا أثر ، لكنّه لا يكون سبباً لأن تختلف ماهيته مع سائر
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 1 و2 ، 5.

(95)
الخيارات ، فخيار المجلس كسائر الخيارات التي شُرِّع لصالح صاحبه ويعدّ حقّاً له فله أن يتقلّب فيه كيفما شاء ما لم يدلّ دليل على أنّه من الحقوق غير القابلة للإسقاط كحقّ الحضانة والولاية ، والمفروض عدم دليل على أنّ خيار المجلس من الحقوق غير القابلة للإسقاط.
    نعم لو قيل بأنّ خيار المجلس من قبيل الأحكام فلا مجال للاسقاط بعد العقد ، لعدم تعلّقه بالحكم الشرعي.

    الثالث : الافتراق
    قد تضافرت الروايات على سقوط خيار المجلس بالافتراق ، لكونه كاشفاً عن الرضا بالبيع غالباً (1) ، نعم لا يشترط إحراز كون الافتراق عن رضا ، بل يكفي كونه كاشفاً عنه غالباً ، لإطلاق الدليل.
    وأمّا ما هو المحقّق للافتراق فالظاهر انّه يرجع فيه إلى العرف والعادة ، لأنّه من المفاهيم العرفية فيرجع فيه إليه ومن المعلوم انّه لايصدق على الخطوة والخطوتين (2) فضلاً عن انفصال السفينتين بأقلّ من خطوة ، خصوصاً إذا كان الافتراق لغرض عقلائي من دون أن ينوي المفارقة عن مكان التعامل ، كما إذا كان المكان ضيّقا أو حاراً أو بارداً فيمشي خطوة أو خطوتين لتلك الغاية من دون قصد المفارقة وترك مجلس البيع.
    نعم يشترط أن يكون الافتراق عن اختيار ، فلو أكره المتعاقدان بالافتراق لم يسقط خيارهما ، سواء تمكّنا من الفسخ والإمضاء أو مُنعا حتى من التخاير. أمّا الصورة الثانية فواضحة ، وأمّا الصورة الأُولى ، أعني : إذا أكرها على الافتراق مع
1. وفي حديث فضل إشارة إليه ، لاحظ الوسائل : 12 ، ، الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 3.
2. وقد مرّ حديث محمد بن مسلم عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) انّه مشى خُطاً ولعلّها كانت خُطاً كثيرة.


(96)
تمكّنهما من الفسخ والإمضاء ، فلأجل انّ المتعاقدين وإن كانا متمكّنين من الإمضاء والفسخ ، ولكن ربما لا يكونان جازمين بأحد الطرفين ويتوقف الجزم على التروّي في مجلس البيع ، وقد أكرها على التفرّق.

    الرابع : التصرّف في المثمن أو الثمن
    إنّ كون التصرّف مسقطاً لخيار المجلس على وجه يأتي في خيار الحيوان مما لم يظهر بين الفقهاء خلاف فيه ، وقد ورد في الروايات انّ التصرّف في الحيوان آية رضاه بالبيع قال ( عليه السَّلام ) : « ... فإن أحدث المشتري فيما اشترى حدثاً قبل الثلاثة الأيّام فذلك رضا منه فلا شرط ». (1) فكأنّ التصرّف المعبّر عنه بإحداث الحدث دليل عرفي على رضاه بالبيع ، وسقوط خياره مطلقاً ، سواء كان الخيار خيار حيوان ، أو خيار مجلس أو غيرهما.
التحقيق
    ربّما استثني من ثبوت خيار المجلس موارد أربعة ذكرها الشيخ الأنصاري وهي :
    1. من ينعتق على أحد المتبايعين ، 2. العبد المسلم المشترى من الكافر ، 3. شراء العبد نفسه ، 4. المبيع غير القابل للبقاء كالجمد في الجو الحار.
    اذكر ما هو الدليل على استثناء هذه الموارد عن إطلاق الدليل ، أعني : البيّعان بالخيار ؟ وما هو المحذور الشرعي للقول بثبوته فيها ؟
    لاحظ : المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 218.
1. الوسائل : 12 ، الباب 4 من أبواب الخيار ، الحديث 1.

(97)
    الفصل الثاني
خيار الحيوان
    خيار الحيوان ممّا انفردت به الإمامية ولم يقل به غيرهم ، ويظهر من الشيخ في خلافه (1) أنّ خيار الحيوان هو نفس خيار المجلس ، غاية الأمر أنّه ينقضي في غير الحيوان بالافتراق ، وفيه بانقضاء ثلاثة أيّام ، وفي بعض الروايات إلماع إلى ذلك وسيوافيك تفصيله.
    وبما أنّ الموضوع هو الحيوان فيشمل بيع كلّ ذي حياة له قيمة حتّى النحل ودود القز ، والعلق.
    نعم هو منصرف عمّـا يباع لا بما أنّه حيوان بل بما انّه لحم ، كالسمك المخرج من الماء ، والجراد المحرز ، والصيد المشرف على الموت.
    كما أنّـه منصرف عن الحيـوان الكلّي إذا بـاع سلفـاً ، فانّه ليس حيواناً إلا بالحمل الأوّلي لا بالحمل الشائع ، ولـولا النصّ على شمول خيار الحيوان لبيع الرقّ لقلنا بنفس هـذا الانصراف فيـه ، لأنّه ليس بحيـوان عرفاً وإن كان كـذلك عقلاً.
1. الخلاف : 3 ، كتاب البيوع ، المسألة8.

(98)
    وكيف كان فيقع الكلام في المواضع الثلاثة :
    1. اختصاص خيار الحيوان بالمشتري وعدمه.
    2. مبدأ الخيار ومنتهاه.
    3. مسقطاته.

    الموضع الأوّل : في اختصاصه بالمشتري وعدمه
    هنا أقوال ثلاثة :
    1. اختصاص الخيار بالمشتري ; قال العلاّمة في « المختلف » (1) : « خيار الحيوان ثلاثة أيّام يثبت في العقد سواء شرطاه أو لا للمشتري خاصّة ، ذهب إليه الشيخان وابن الجنيد وسلاّر والصدوق وابن البراج وابن إدريس ».
    2. عمومية الخيار للبائع والمشتري ; وهو خيرة السيد المرتضى (2) ، وحكي عن ابن طاووس ، وقوّاه الشهيد الثاني في « المسالك ». (3)
    3. ثبوته لصاحب الحيوان بائعاً كان أو مشترياً ، مثمناً كان أو ثمناً ; ذكره العلاّمة في « المختلف » (4) بصورة الاحتمال ، فتكون الأقوال أو الاحتمالات ثلاثة.

    دليل القول باختصاصه بالمشتري
    استفاضت الروايات على ثبوت الخيار للمشتري ، نذكر منها ما يلي :
1. المختلف : 5/65.
2. الانتصار : 207.
3. المسالك : 3/200.
4. المختلف : 5/65.


(99)
    1. صحيحة فضيل ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : قلت له : ما الشرط في الحيوان ؟ قال : « ثلاثة أيّام للمشتري ».
    قلت : ما الشرط في غير الحيوان ؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ، فإذا افترقا فلا خيار بعد الرضا منهما ». (1) ودلالة الحديث على اختصاصه بالمشتري واضحة.
    و ذلك لأنّه عبّر في خيار الحيوان بلفظ « للمشتري » وفي خيار المجلس بقوله : « البيّعان » ، مضافاً إلى أنّ القيد ( للمشتري ) في مقام التحديد يدلّ على المفهوم بمعنى عدم ثبوته لغيره.
    2. صحيحة علي بن رئاب : « الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري ، اشترط أم لم يشترط ». (2)
    و دلالة الحديث على الاختصاص ، لأجل كون القيد في مقام التحديد دالاًّ على المفهوم.
    و هناك روايات أُخرى جاء فيها الجمل التالية ، الظاهرة في الاختصاص :
    أ : الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة. (3)
    ب : الخيار لمن اشترى. (4)
    ج : في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري. (5)
    د : الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري. (6)
1. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 5 ؛ والباب 1 منه ، الحديث 3 وقد جزّأ صاحب الوسائل الحديث على البابين كعادته في الكتاب.
2. الوسائل : 12 ، الباب 4 من أبواب الخيار ، الحديث 1.
3. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 9 و1 ؛ والباب 4 ، الحديث 3.
4. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 9 و1 ؛ والباب 4 ، الحديث 3.
5. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 9 و1 ؛ والباب 4 ، الحديث 3.
6. الوسائل : 12 ، الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 5.


(100)
    والإمعان في هذه العبارات يشرف الفقيه باختصاصه للمشتري أخذاً بالمفهوم ، لكون القيد ( للمشتري ) وارداً في مقام التحديد.
    وهو أيضاً مقتضى الحكمة ، لأنّ الحكمة في الخيار للمشتري منتفية في حقّ البائع ، فلا يكون الخيار مطلوباً في حقّه ; لانتفاء حكمته.
    وبيانه : أنّ عيب الحيوان قد يخفى ولا يظهر كظهوره في غير الحيوان ، والمالك أعرف به من المشتري ، فضرب الشارع للمشتري مدّة ثلاثة أيّام ; لإمكان ظهور عيب فيه خفي عنه ، بخلاف البائع المطّلع على عيوبه.

    حجّة القول الثاني
    احتجّ للقول الثاني ـ أعني : ثبوته للمتبايعين ، من غير فرق بين كون الثمن نقداً أو متاعاً غير الحيوان ، أو حيواناً ـ بوجهين :
    1. انّه أحد المتبايعين فكان له الخيار كالآخر ، كخيار المجلس ، بناءً على أنّ خيار الحيوان ، امتداد لخيار المجلس فيعمّ المتبايعين.
    2. ما رواه محمد بن مسلم في الصحيح ، عن الصادق ( عليه السَّلام ) قال : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا ». (1)
    يلاحظ عليه أوّلاً : بأنّ الدليلين يرجعان إلى دليل واحد ، وهو كون الموضوع في صحيح ابن مسلم هو المتبايعان وهو يعمّ البائع والمشتري ، إنّما الكلام في ثبوت رواية ابن مسلم بهذا اللفظ ، لأنّها رويت بصورة أُخرى ، فجاء فيهـا مكان : « المتبايعان » لفظ « صاحب الحيوان ».
    فقد روى أيضاً محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) أنّه قال : قال رسول اللّه
1. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 3.

(101)
« البيّعان بالخيار حتّى يفترقا ، وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام » (1) ، وهي نفس الرواية السابقة غير أنّ فيها تقديماً وتأخيراً ، فقد قدّم في الثانية خيار المجلس. وأُخّر خيار الحيوان ، بخلاف الأُولى ، ومع الاختلاف في التعبير عن الموضوع ، لا يمكن الاحتجاج بالأعم ( المتبايعان ) بل يقتصر على القدر المتيقّن وهو صاحب الحيوان ، أي المشتري.
    فإن قلت : إذا أخذنا باللفظ الثاني ، أي صاحب الحيوان ، الذي هو أخصّ من المتبايعين ويعدّ قدراً متيقّناً من الروايتين ، يجب الأخذ بإطلاقه ، وهو ثبوت الخيار لصاحب الحيوان وإن كان بائعاً ، كما إذا باع الحنطة بحيوان ، بحيث عدّ الحيوان في العرف ثمناً فعندئذ يثبت للبائع دون المشتري ، لأنّه أخذ الحنطة ، أو ثبوته للمتبايعين كما إذا بادل حيواناً بحيوان ، وهذا يكون قولاً ثالثاً أشار إليه العلاّمة في « المختلف ». (2) ويؤيّده ما رواه زرارة عن الباقر ( عليه السَّلام ) ، أنّه قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « البيّعان بالخيار حتّى يتفرقا ، وصاحب الحيوان ثلاث ». (3)
    قلت : ما ذكر صحيح ، لولا تقييد « صاحب الحيوان » في بعض الروايات بالمشتري ، كموثقة الحسن بن علي بن فضّال قال : سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا ( عليه السَّلام ) يقول : « صاحب الحيوان المشتري بالخيار بثلاثة أيّام » (4) وظاهر الرواية تحديد الموضوع بقيدين. فالأمر يدور بين أحد أمرين :
    1. الأخذ بالاطلاق ( صاحب الحيوان ) ، وحمل القيد الوارد في رواية ابن فضّال على وروده موضع الغالب.
1. الوسائل : 12 ، الباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 1.
2. المختلف : 5/65.
3. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 6.
4. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 2.


(102)
    2. الأخذ بالقيد ( المشتري ) ، وحمل المطلق على المقيّد ، ولا ترجيح لأحد الأمرين.
    و مع هذين الاحتمالين المتساويين لا يتعيّن الأخذ بإطلاق « صاحب الحيوان » وإن ورد في روايتين.

    حصيلة البحث
    1. تضافرت الروايات على أنّ الخيار للمشتري وبما أنّها في مقام التحديد ، يؤخذ بالقيد.
    2. روى محمد بن مسلم : « المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان » لكن لا يمكن الأخذ بإطلاقه ، لأنّها مروية عنه بصورة أُخرى : « صاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام » وهو أخص من الأُولى ، فيؤخذ منه بالقدر المتيقّن ، أي صاحب الحيوان المنطبق على المشتري.
    3. إنّ صاحب الحيوان وإن كان ينطبق على البائع فيما إذا باع الحنطة بفرس ، أو على المتبايعين ، لكنّه ورد في موثّقة ابن فضّال مقيّداً بالمشتري ، وقد عرفت أنّ الأمر يدور بين حمل القيد على الغالب ، أو تقييد المطلق بالقيد ولا مرجّح.
    وبذلك يعلم أنّ ما ذهب إليه المشهور هو الأقوى حسب صناعة الفقه.
    نعم بالنظر إلى حكمة الخيار يمكن القول بثبوته فيما لو باع حيواناً بحيوان ، أو جعل الثمن حيواناً كما عليه الشهيد الثاني في « المسالك ». (1)
1. المسالك : 3/200.

(103)
    الموضع الثاني : في مبدأ خيار الحيوان
    المشهور أنّ مبدأ خيار الحيوان هو زمان العقد ، صرّح به جماعة وهو ظاهر الباقين.
    نعم ذهب صاحب الغنية إلى أنّ مبدأه هو حين التفرّق ، قال :
    « واعلم أنّ ابتداء المدّة للخيار من حين التفرّق بالأبدان ، لا من حين حصول العقد ، لأنّ الخيار إنّما يثبت بعد ثبوت العقد ، وهو لا يثبت إلا بعد التفرّق ». (1)
    و قد تبع في ذلك كلام الشيخ في « المبسوط » حيث قال : « خيار الشرط يثبت من حين التفرّق ، لأنّ الخيار يدخل إذا ثبت العقد والعقد لم يثبت قبل التفرّق ». (2)
    و لو صحّ ما ذكراه لجرى في خيار الحيوان أيضاً ، ولكن التحقيق هو أنّ مبدأه هو العقد لما عرفت من أنّ الظاهر من الشيخ في الخلاف أنّ خيار الحيوان هو نفس خيار المجلس ، غاية الأمر أنّ خيار المجلس ينقطع بالتفرّق دون خيار الحيوان فيمتد إلى ثلاثة أيّام ، فكما أنّ مبدأه هو زمان العقد فهكذا الآخر.
    ويمكن استظهار ذلك من الروايات وأنّه ليس هنا إلا خيار واحد لجميع المبيعات وإنّما الاختلاف بين الحيوان وغيره في منتهى الخيار ، وإليك نقل ما يدلّ على ذلك :
    1. صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : « المتبايعان بالخيار
1. الغنية : 2/220.
2. المبسوط : 2/85.


(104)
ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفي ما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا » (1) ، وظاهره أنّ الخيار المتحقّق في الحيوان ، نفس الخيار المتحقّق في غيره ، وإنّما الاختلاف في الغاية.
    2. رواية علي بن أسباط ، عن أبي الحسن الرضا ( عليه السَّلام ) قال : سمعته يقول : « الخيار في الحيوان ثلاثة للمشتري ، وفي غير الحيوان أن يفترقا ». (2)
    3. صحيحة فضيل ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : قلت له : ما الشرط في الحيوان ، قال : « ثلاثة أيّام للمشتري ». قال : قلت له : ما الشرط في غير الحيوان ؟ قال : « البيّعان بالخيار ما لم يفترقا ». (3)
    فإنّ الظاهر من رواية علي بن أسباط وغيرها أنّ هنا خياراً واحداً في المبيع غير أنّه تختلف غايته حسب اختلاف المبيع ، كما أنّ الظاهر من صحيحة فضيل أنّ الشرط في الحيوان ثلاثة أيّام وهو في غيره ما لم يفترقا ، فالمجعول خيار واحد ، غير انّه رعاية للحكمة جعل غايته في غير الحيوان الافتراق لسرعة تبيّن حاله ، وفي الحيوان ـ لحاجته إلى التروّي والإمعان ـ انقضاء ثلاثة أيّام ، هذا هو الظاهر من الروايات.

    الموضع الثالث : في مسقطاته
    يسقط خيار الحيوان كخيار المجلس بأُمور :
    1. اشتراط سقوطه في ضمن العقد كما إذا قال : بعت هذا بهذا مع إسقاط خيار الحيوان ، وبما أنّ الخيار من الحقوق القابلة للإسقاط يصحّ الشرط ويجب
1. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 3.
2. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 8 ، والباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 5.
3. الوسائل : 12 ، الباب 3 من أبواب الخيار ، الحديث 5 ، والباب 1 من أبواب الخيار ، الحديث 3.


(105)
الوفاء به ، وما ربّما يقال من أنّه إسقاط لما لم يجب فقد عرفت جوابه في غير مورد ، وانّه يكفي في جواز الإسقاط وجود المقتضي للخيار وهو العقد.
    كما يجوز إسقاط خيار الحيوان بعامّته يجوز إسقاط بعضه دون البعض الآخر حسب الأيّام والساعات.
    ومعنى الإسقاط هو تقليل مدّة الخيار من أوّل الأمر وتخصيصه باليوم الأوّل أو باليوم الثاني فقط.
    2. إسقاطه بعد العقد ، كما إذا قال : التزمت بالعقد.
    3. سقوطه بكلّ فعل دالّ على التزامه بالعقد وكراهته للفسخ وان لم يستلزم تصرّفاً في المبيع ، كما لو اشترى للفرص في أيام الخيار ، سرجاً وزماماً ، أو اشترى للجارية فيها ما يناسبها من الألبسة والأحذية وأدوات الزينة ، أو عرضها للبيع من دون أن يتصرّف فيها ولكن عُدّ العمل عرفاً ، إنشاءً فعليّاً للالتزام بالبيع وإسقاطاً للحقّ ، إذ لا فرق فيه بين القول والفعل ، فالإنشاء الفعلي كالإنشاء القولي وقد ورد في خيار الشرط ما يشهد لذلك. (1)
    4. التصرّف وكونه مسقطاً في الجملة ممّا لا كلام فيه ، إنّما الكلام في خصوصياته ، فقد اضطربت كلماتهم كاضطراب النصوص في نظرهم ، وقد أنهى السيد الطباطبائي الأقوال في المسألة إلى سبعة (2) ، والمهمّ هو القولان التاليان :
    أ : مطلق التصرّف ـ وإن لم يكن مغيّراً للعين ـ مسقط.
    ب : التصرّف المغيّر للعين مسقط.
    و لا يتعيّن أحد القولين إلاّبدراسة الروايات ، وهي على صنفين :
1. الوسائل : 12 ، الباب 12 من أبواب الخيار ، الحديث 1.
2. تعليقة السيد الطباطبائي : 2/21.
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس