دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: 136 ـ 150
(136)
    الفصل الرابع
عدم كونه مخالفاً للكتاب والسنّة
    من شرائط صحّة الشرط أن لا يكون مخالفاً للكتاب والسنّة ، كما إذا اشترط كون الطلاق بيد الزوجة ، أو رقّيّة حرّ ، أو توريث أجنبي ، فلا يكون نافذاً ، وتحقيق هذا الشرط يتوقّف على سرد روايات المقام وهي على أصناف ، ونحن نذكر هنا من كلّ صنف رواية واحدة ونشير في الهامش إلى ما لم نذكر من روايات ذلك الصنف ، ومن حاول أن يقف على جميع روايات الباب فليرجع إلى محالّها التي أشرنا إليها في الهامش.
    الأوّل : أن لا يكون مخالفاً لكتاب اللّه
    عن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ». (1)
    الثاني : أن يكون موافقاً لكتاب اللّه
    فعن عبد اللّه بن سنان ، عن أبي عبد اللّه ( عليه السَّلام ) قال : سمعته يقول : « من اشترط شرطاً مخالفاً لكتاب اللّه فلا يجوز له ، ولا يجوز على الذي اشترط عليه ،
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ؛ ولاحظ ـ أيضاً ـ : الحديث 2 و3 و4 من ذلك الباب ؛ والجزء 15 ، الباب 41 من أبواب مقدمات الطلاق ، الحديث 6.

(137)
والمسلمون عند شروطهم ممّا وافق كتاب اللّه عزّوجلّ ». (1)
    ومحل الاستشهاد هو ذيل الحديث.
    الثالث : أن لايكون مخالفاً للسنّة
    عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) قال : قضى علي ( عليه السَّلام ) في رجل تزوّج امرأة وأصدقها ، واشترطت عليه أنّ بيدها الجماع والطلاق ؟ قال : « خالفت السنّة ووليت حقّاً ليست بأهله ، قال : فقضى علي ( عليه السَّلام ) أنّ عليه الصداق وبيده الجماع والطلاق وتلك السنّة ». (2)
    الرابع : أن لا يكون مخالفاً لشرط اللّه
    عن محمد بن قيس ، عن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) قال : « قضى علي ( عليه السَّلام ) في رجل تزوّج امرأة وشرط لها إن هو تزوّج عليها امرأة أو هجرها أو اتّخذ عليها سريّة فهي طالق ، فقضى في ذلك : انّ شرط اللّه قبل شرطكم ، فإن شاء وفى لها بالشرط ، وإن شاء أمسكها واتّخذ عليها ونكح عليها ». (3)
    الخامس : أن لا يكون محرّماً لحلال أو محلّلاً لحرام
    روى إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه ( عليه السَّلام ) : « أنّ علي بن أبي طالب كان يقول : « من شرط لامرأته شرطاً فليف لها به ، فانّ المسلمين عند شروطهم ، إلا
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 1 ؛ وج 15 ، الباب 13 من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث 1 ؛ صحيح البخاري : 3/192 ، باب الشروط في الولاء ، الحديث 1 ؛ المستدرك : 15 ، الباب 30 من كتاب العتق ، الحديث 2.
2. الفقيه : 3/269 برقم1276.
3. الوسائل : 15 ، الباب 13 من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث 2 ؛ ولاحظ ـ أيضاً ـ الجزء نفسه ، الباب 38 من أبواب المهور ، الحديث 1 ، والباب 20 من أبواب المهور ، الحديث 6.


(138)
شرطاً حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً ». (1)
    السادس : عدم منع الكتاب والسنّة عنه
    روى أبو المكارم في « الغنية » : « الشرط جائز بين المسلمين ما لم يمنع منه كتاب أو سنّة ». (2)
    و قبل الخوض في تفسير الموافق والمخالف للكتاب والسنّة نشير إلى عدّة أُمور :
    الأوّل : المراد من كتاب اللّه هو القرآن المجيد لا مطلق ما كتب اللّه على عباده من أحكام الدين وبيّنه على لسان رسوله وذلك ، لأنّ المتبادر من الكتاب ما ذكرنا.
    نعم ذهب الشيخ الأنصاري إلى أنّ المراد هو الثاني بشهادة أنّ اشتراط ولاء المملوك لبائعه إنّما جُعل في النبويّ مخالفاً لكتاب اللّه مع كون الكتاب العزيز خالياً منه ، فلابدّ من تفسير الكتاب بما كتب اللّه على عباده. (3)
    أقول : مقصوده من النبوي ما رواه صاحب دعائم الإسلام بقوله : « ما بال أقوام يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه يبيع أحدهم الرقبة ويشترط الولاء ، والولاء لمن اعتق وشرط اللّه له ، كلّ شرط خالف كتاب اللّه فهو ردّ ». (4)
    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره صحيح لو كانت الرواية على نحو ما رواه صاحب
1. الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 5.
2. الغنية : 2/587 في فصل باب الخيار ومسقطاته.
3. المتاجر ، قسم الخيارات ، ص 277.
4. المستدرك : 15 ، الباب 30 من كتاب العتق ، الحديث 2.


(139)
الدعائم ، لكنّها مروية في صحيح البخاري بصورة أُخرى ، قال : « ما بال رجال يشترطون شروطاً ليست في كتاب اللّه ، ما كان من شرط ليس في كتاب اللّه فهو باطل وإن كان مائة شرط ، قضاء اللّه أحق وشرط اللّه أوثق ، وإنّما الولاء لمن أعتق ». (1)
    فالموضوع هو ما « ليس في كتاب اللّه » وهو صادق على كون الولاء لبائعه ، لخلو القرآن المجيد منه ، فلا ضرورة لتفسير الكتاب بمطلق ما كُتب.
    على أنّ صدر النبوي جعل الشرط ما ليس في كتاب اللّه وإن جعله في الذيل ما كان مخالفاً لكتاب اللّه.
    نعم العمل بالنبوي على كلا النقلين لا يخلو من إشكال.
    أمّا الأوّل : فقد جعل الضابطة مخالفة الكتاب وهي ضابطة تامّة لكن عدّ الولاء لغير المعتق من مصاديقها ليس بصحيح وأمّا الثاني فقد جعل الضابطة ما ليس في كتاب اللّه وهو غير تامّ لاستلزامه كون الملاك في صحّة الشرط وجوده في كتاب اللّه مع أنّ أغلب الشروط السائغة غير موجودة فيه.
    الثاني : هل الشرط عدم المخالفة للكتاب كما هو مفاد الصنف الأوّل من الروايات أو الشرط الموافق له ؟
    والظاهر هو الأوّل ، وذلك لأنّ دأب القرآن وديدنه هو بيان المحرّمات ، لا المحلّلات وضعاً وتكليفاً ، فمجرّد كونه غير مخالف للكتاب يكفي في الحلّيّة والنفوذ خصوصاً أنّ الشروط بين المتعاقدين متوفرة نوعاً وصنفاً ، فترقب ورودها بأنواعها وأصنافها فضلاً عن أشخاصها في الكتاب في غير موضعه ، فتكون النتيجة مانعية المخالفة ، لا شرطية الموافقة ، فالناظر في الروايات يقدّم مانعية
1. صحيح البخاري : 3/192 ، باب الشروط في الولاء ، الحديث 1 ؛ ورواه البيهقي في سننه : 10/295.

(140)
المخالفة على شرطية الموافقة.
    هذا كلّه إذا أُريد من الكتاب ، القرآنُ ، وأمّا إذا أُريد منه الدين وأنّ الكتاب رمز للشريعة الإسلامية الغرّاء ، فبما أنّ لكلّ موضوع حكماً شرعياً في الشريعة ، فلا واسطة بين عدم المخالفة والموافقة ، فإذا لم يكن مخالفاً يكون طبعاً موافقاً قطعاً.
    الثالث : هل المراد من السنّة الواردة في الصنف الثالث هو الحكم الوارد في لسان النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) مقابل وروده في الكتاب ، أو المراد منه هو الطريقة والشريعة الإلهية سواء ورد في لسان النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أو في القرآن المجيد ؟
    والظاهر هو الثاني ، لما ورد في الصنف الثالث من صحيحة محمد بـن قيس (1) ، عـن أبي جعفر ( عليه السَّلام ) حيث وصف مَـن جَعَـلَ الجماع والطلاق بيد الزوجة بأنّ الشـارط خالف السنّة ، والمراد من السنّة هو قوله سبحانه : ( الرِّجال قَوّامون على النِّساء ). (2)
    والشاهد على أنّ المراد من السنّة في رواية ابن قيس هو الكتاب ، خبر إبراهيم بن محرز ، قال : سأل رجل أبا عبد اللّه ( عليه السَّلام ) وأنا عنده ، فقال : رجل قال لامرأته : أمرك بيدك ؟ قال : « أنّى يكون هذا ، واللّه يقول : ( الرِّجال قَوّامون على النِّساء ) ليس هذا بشيء ». (3)
    الرابع : انّ اشتراط فعل أيّ شيء أو تركه ، يوجد ضيقاً على المشروط عليه بعد ما كان هو مخيـّراً فيه ، وهذا ما يسمّى بالإيجاب والتحريم الشرطيّيـن ، فلو باع وشرط على المشتري أن يخيط له قميصاً ، أو يعلّمه القرآن أو يطلّق زوجته ، فقد شرط عليه شيئاً كان له فيه التخيير بين الفعل والترك قبل الاشتراط ، حيث إنّ
1. الفقيه : 3/269 برقم 1276.
2. النساء : 34.
3. الوسائل : 15 ، الباب 41 من أبواب مقدّمات الطلاق ، الحديث 6.


(141)
الأوّل مباح والثاني مستحبّ ، والثالث مكروه ، ويشترك الجميع في عدم إيجاب من الشارع على الفعل والترك ، لكنّه بعد الاشتراط يجب عليه القيام بما اشترط ، ولا يعدّ الإلزام على فعل المباح والمستحبّ أو المكروه مخالفاً للشريعة ، لأنّ الشارع لم يُلزم الأخذ بأحد الطرفين بل شرّع التخيير بين الفعل والترك ، من غير فرق بين ما يتساوى فيه الطرفان من حيث الرجحان ـ كما في المباح ـ أو يرجّح الفعل كما في المستحبّ ، أو يرجّح الترك ، كما في المكروه ، فإذا شرط عليه أحد الأُمور ، فقد أُلزم بالأخذ بأحد طرفي التخيير حسب الاتفاق. ولو كان الإلزام بأحد هذه الأُمور مخالفاً للكتاب والسنّة ، يلزم انحصار صحّة الشرط في فعل الواجب وترك الحرام ومن المعلوم بطلانه.
    يقول المحقّق المراغي : لو كان الفعل والترك ممّا رُخّص فيه ـ كطلاق الزوجة ، وبيع الدار ، وأكل الرمان ، والقعود يوم الجمعة في الدار ، والسير إلى مكان ، ونحو ذلك ممّا لا أمر فيه للشارع ولانهي ـ فيجوز اشتراط فعل وترك من دون إشكال وليس داخلاً في مخالف الكتاب والسنّة.
    و بعبارة أُخرى : كلّ شرط ـ مع قطع النظر عن لزوم العمل بالشرط ـ لم يرد في الشرع ما يدلّ على الإلزام فيه بفعل أو ترك ، فلا مانع من اشتراطه. كما لا مانع من اشتراط ما أوجب الشرع فعله أو تركه ، فيكون اشتراط الواجب أو ترك الحرام على المكلّف عندئذ ، نظير النذر على فعل الواجب أو تركه. (1)
    فإن قلت : إنّ اشتراط فعل المباح أو عديله ، تدخّل في سلطان اللّه في تشريعه حيث فرض على المشروط عليه ما أباحه اللّه وخيّره بين الفعل والترك. إذ لا يؤمَّن غرض الشارط إلا أخذ المشروط عليه بواحد من الطرفين.
    قلت : إنّ الشارط لا يتدخّل في سلطان اللّه في تشريعه بل يسلّم أنّه باق في
1. العناوين : 2/296 ، العنوان 46.

(142)
الشريعة على ما كان من الحكم من الإباحة والاستحباب والكراهة ، غير أنّ غرض الشارط لمّا تعلّق بواحد من الطرفين لاكليهما ، يشترط عليه أن يأخذ في المباح مثلاً بجانب الفعل دون الترك ، فالتشريع قائم بحاله لا تمُسُّ كرامته ، والشرط يتعلّق بفعل المكلّف.
    و ليس الشرط بهذا المعنى نادراً في بابه وكم له من نظير ، فإذا أمر الوالد ، ونذر الناذر ، وحكم الحاكم بغير الواجبات والمحرّمات ، يجب على المكلّف الحركة على وفق النذر ، وأمر الوالد ، وحكم الحاكم ، وإن كان الفعل في ذاته غير واجب ولا محرّم.
    إذا عرفت ذلك ، فلندخل في صلب الموضوع :

    ما هو الميزان لتمييز المخالف عن الموافق ؟
    المراد من عدم جواز اشتراط مخالف الكتاب والسنّة ، هو المنع عن اشتراط ما يطرده المصدران ، سواء أكان في مجال الأحكام الوضعية أم التكليفية ، فلو كان للشارع في واقعة حكم وضعي أو تكليفي إلزامي ، فلا يجوز اشتراط ما يخالف وضعه أو تكليفه المتمثّل بصورة الأمر والنهي غالباً ، وإليك بعض الأمثلة في كلا المجالين :

    شرط ما يخالف الحكم الوضعي
    التشريع الإسلامي يتضمّن أحكاماً وضعية في مجال العقود والإيقاعات والسياسات فهي أحكام ثابتة لا تمسّ كرامتُها مطلقاً لا قبل الشرط ولا بعده ، مثلاً :
    1. الولاء للمعتِق ، فجعله لغيره مخالف له.


(143)
    2. الطلاق والجماع بيد الزوج فجعلهما بيد الزوجة يخالفه.
    3. التركة كلّها تورّث ، فاشتراط عدم موروثية الأمة عند البيع ، يخالفه. (1)
    4. التركة كلّها للوارث ، وتسهيم الأجنبي وتوريثه يخالفه.
    5. الزوج والزوجة يتوارثان على ضابطة خاصّة ، واشتراط ضابطة أُخرى في عقد النكاح يخالفها.
    6. ولد الحرّ محكوم بالحرّية ، واشتراط رقّيّته عند تزويج الأمة إيّاه يخالفه.
    وبذلك تبيّـن حال جميع الأحكام الوضعية التي لا تقبل الخلاف والنقاش ، فكلّ شرط خالف بمدلوله العرفي الحكمَ الوضعي المجعول في الشرع ، فلا يجوز اشتراطه في العقد ، وإليك البحث في الشروط التكليفية.

    شرط ما يخالف الحكم التكليفي
    إنّ التشريع الإسلامي يتضمّن أحكاماً تكليفية إلزامية ، لا يجوز شرط ما يخالفها من غير فرق بين شرط فعل أو تركه ، وإليك بعض الأمثلة :
    1. إذا باع الخل ويشترط عليه أن يجعله خمراً.
    2. إذا أجر عاملاً ويشترط عليه ترك الصوم ليقوم بالعمل.
    3. إذا نكح المرأة ويشترط عليها أن لا تمنع من وطئها في المحيض ، إلى غير ذلك من الأمثلة.
    فكلّ شرط خالف بمفهومه العرفي ، الحكم التكليفي المجعول في الشرع فلا يجوز اشتراطه في العقد.
1. مرسلة ابن سنان ، عن أبي عبد اللّه عن الشرط في الاماء : لا تباع ولا توهب ، قال : « يجوز ذلك غير الميراث فإنّها تورث ، لأنّ كلّ شرط خالف الكتاب باطل » ، الوسائل : 12 ، الباب 6 من أبواب الخيار ، الحديث 3.

(144)
    والحاصل : انّ وزان النهي عن شرط ما خالف الكتاب والسنّة وزان قول القائل : « أطع أباك إلا فيما خالف الشرع » ، أو قول الرجل لصديقه : « إنّي أُطيعك وأسمع قولك إلا فيما خالف أمر اللّه » فإنّ معناه أنّ أمر الوالد ، والمولى أو الصديق من الملزِمات إمّا بأمر من الشارع كما في مورد المولى والأب ، أو بالتزام من المكلّف بنفسه كما في مورد الصديق ، ولكن لو كان للشرع أمر ونهي أو وضع فهو المتّبع لا أمر الوالد والمولى والصديق ، وإن لم يكن للشارع فيه أمر ولا نهي ولا جعل غاية الأمر امّا رخصة أو سكوت فالمتّبع أمرهم.
    و نظير هذه الأُمور اشتراط شيء في العقد محكوم في الشرع بحكم وضعي أو تكليفي فلا يصحّ اشتراط ما يخالف أحد التكليفين.

    حصيلة البحث
    إنّ التشريع السماوي نزل لإسعاد البشر فلو عمل به لساقه إلى أعلى درجات الكمال ، وبما أنّ النبيّ الأكرم خاتم الأنبياء ، وكتابه خاتم الكتب ، ورسالته خاتمة الرسالات أضفى سبحانه على شريعته ، وصف الثبات والبقاء إلى يوم القيامة ، فحلاله وحرامه باقيان إلى يوم البعث.
    ولكن البشر الجاهل ربّما يتلاعب بأحكامه سبحانه بطرق وحيل ، فيخالف ما سنّه وشرّعه ، لكن بصورة قانونية ، فيجمع ـ بزعمه ـ بين الهوى والشرع ، فأراد سبحانه أن يسدّ هذا الباب في وجهه ليصون بذلك أحكامه عن التلاعب فحكم أنّه :
    1. ليس لأحد المتعاملين اشتراط ما خالف كتاب اللّه وسنّة رسوله بحجّة قوله سبحانه : ( أوفُوا بِالعُقُودِ ). (1)
1. المائدة : 1.

(145)
    2. لا يصحّ الحلف على ما حرّمه سبحانه ، لئلاّ يعصيه بحجة : ( وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ ). (1)
    3. ليس لأحد نذر أمر حرام لئلاّ يرتكبه متمسّكاً بقوله : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ). (2)
    و لأجل ذلك تضافرت عنهم ( عليهم السَّلام ) أنّه : لا نذر في معصية (3) ، ولا يمين في قطيعة. (4)
    4. ليس لأحد أن يشترط ما خالف كتاب اللّه وسنّة نبيّه ، لغاية ارتكاب المعصية تحت غطاء الاشتراط.
    فأحكامه سبحانه لها كرامتها الخاصة لا يصحّ التلاعب بها ، ولا مسّها بسوء ، أي بهذه العناوين ، بل نسخها وتخصيصها أو تحديدها إلى أمد كالضرر والحرج بيده سبحانه ، ليس لأحد سواه أيُّ تدخّل في شؤون التشريع.
    فإذا كان الأمر كذلك فلا فرق بين الأحكام الوضعية والتكليفية الالزاميّة ، فلا يجوز إيجاد أيِّ خدش فيها ، بل تجب صيانتها عن أيّ تصرّف.
    وبذلك تقدر على تمييز الموافق عن المخالف ، فإنّ كلّ ملتزم يعدّ مخالفاً لنفس التشريع بالدلالة المطابقية فهو شرط مخالف في كلا المجالين : الوضعية ، والتكليفية. وكلّ شرط لا يكون بالدلالة المطابقية مخالفاً لما شرّعه الشارع فلا يعدّ مخالفاً ، فلو شرط في العقد ، ترك الواجب أو فعل الحرام يعدّ شرطه مخالفاً للكتاب والسنّة بالدلالة المطابقية.
1. المائدة : 9.
2. الحج : 22.
3. الوسائل : 16 ، الباب 11 من كتاب الأيمان ، الحديث 1 ؛ والباب 17 من كتاب النذر والعهد ، الحديث 2 و3.
4. الوسائل : 16 ، الباب 11 من كتاب الأيمان ، الحديث 1 ؛ والباب 17 من كتاب النذر والعهد ، الحديث 2 و3.


(146)
    و أمّا لو شرط الأخذ بأحد طرفي المستحب أو المكروه أو المباح فلا يعدّ شرطه مخالفاً لهما مطلقاً ، لا بالمطابقية ولا بالالتزامية ، إذ لم يسبق من الشارع الزام بأحد الطرفين معيّناً ، حتّى يعدّ شرط الطرف الآخر مخالفاً لما ورد في كتابه وسنة نبيّه.
    و في الختام نؤكّد على أنّ تمييز الشرط الحلال عن الحرام أو عن ما فيه المعصية ، رهنُ دراسة مجموع ما ورد في هذا المجال في أبواب مختلفة ، كالصلح ، والشروط ، واليمين ، والنذر ، وغير ذلك حتّى يخرج بنتيجة واحدة ، وهي أنّ المقياس مخالفة نفس الشرط بالمدلول المطابقي ، لما دلّ عليه الكتاب والسنّة كذلك.
التحقيق
    قد تقدّم أنّ روايات المقام على أصناف سّتة مبثوثة في أجزاء وأبواب مختلفة في كتاب الوسائل ، فعليك جمع الروايات من تلك الأبواب وتمييز الصحيح عن غيره بدراسة أسانيدها على ضوء الكتب الرجالية.


(147)
    الفصل الخامس
عدم كونه مخالفاً لمقتضى العقد
    من شرائط صحّة الشرط المأخوذ في العقد ، أو المبنيُّ عليه العقد ، ـ بناءً على كفاية البناء من الأخذ في العقد ـ أن لا يكون مخالفاً لمقتضى العقد.
    وتوضيح ذلك رهن بيان أقسام الشرط المخالف لمقتضى العقد.
    ينقسم الشرط المخالف لمقتضى العقد إلى أقسام أربعة :
    1. أن يكون مخالفاً لماهيّة العقد.
    2. أن يكون مخالفاً لمنشَئه.
    3. أن يكون مخالفاً للازمه العرفي.
    4. أن يكون مخالفاً لإطلاق العقد. (1)
    وإليك دراسة الجميع واحداً تلو الآخر.

    1. ما يكون مخالفاً لماهيّة العقد
    إنّ لكلّ عقد ماهيّة اعتبارية بها تتحقّق وبانتفائها تفوت الماهية ، وذلك
1. الغرض بيان أقسام المخالفة لا بيان أحكامها وإلا فسيوافيك أنّ المخالف لإطلاق العقد لا يستلزم الفساد.

(148)
كالبيع والإجارة والصلح والجعالة والسبق والرماية ، فإنّ الجميع يقتضي بالذات المعاوضة والتمليك ، فالبيع بلا عوض والإجارة بلا تمليك المنفعة ، يخالف ماهيّة العقد وواقعه.
    و نظير ما ذكرنا المضاربة ، فإنّها معاملة بحصّة من الربح ; والمزارعة ، فإنّها معاملة على الأرض بحصّة من النماء ؛ والمساقاة ، فإنّها معاملة على الأُصول بحصّة من الثمرة ، فالمضاربة بلا مشاركة في الربح ، أو المزارعة بلا مشاركة في النماء ، أو المساقاة بلا مشاركة في الثمرة ، تنفي ماهيّة هذه العقود وواقعها.

    2. ما يكون مخالفاً لمنشئه
    إذا قال : بعت هذا بهذا ، فقد أنشأ ملكية المثمن لمن خرج الثمن عن ملكه ، فإذا شرط وقال : يشترط أن يكون المثمن وقفاً للمسجد ، أو ملكاً لابنه ، فقد شرط ما ينافي المنشئ ، ولو صحّ يلزم الالتزام بشيئين متضادّين.

    3. ما يكون مخالفاً لأثره العرفي
    ربّما يكون للعقد أثر عرفي لا ينفك عنه عند العرف ، بحيث يساوي سلبُه سلبَ المعاملة عرفاً ، فيكون نظير اشتراط ما يخالف منشئه.
    مثلاً إذا قال : بعت هذا بهذا بشرط عدم تسليم المبيع للبائع ، فالشرط وإن لم يكن منافياً لماهيّة العقد ولا مقتضاه ، فإنّ هناك تبادلاً بين المالين وإنشاءً لمالكية كلّ من المتبايعين المثمنَ والثمنَ ، ويكفي في صدق البيع وتحقّق ماهيته ، هذا المقدار من الإنشاء والالتزام لكن لما كانت الغاية من البيع هي السيطرة على المبيع ، فاشتراط عدمها في نظر العرف مساوق لعدم مالكيته ، فهي من اللوازم العرفية التي يساوق نفيها نفي مقتضي البيع وإن لم يكن في الواقع كذلك.


(149)
    و نظيره : ما إذا شرط عدم التصرّف في المبيع طيلة عمره لا خارجياً ولا اعتبارياً كأن يعتقه ، فيكون مساوقاً لعدم المالكية. نعم إذا شرط سلب بعض التصرّفات ككونه مسلوب المنفعة سنة ، أو شرط خصوص عدم بيعه أو إجارته ، أو شرط بيعه من شخص خاص ، مع عدم المنع عن سائر التصرّفات ، فلا يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد إذا كانت هناك منافع سائغة يبذل بإزائها الثمن ويباع الشيء ويشترى لأجلها ، وليس ذلك بمنزلة سلب السلطنة بل تحديد لها عن إذن ورغبة.
    والحاصل أنّ المنافي عبارة عن إنشاء معاملة عارية عن الأثر المطلوب منها عند العرف وليس المقام كذلك.
    فتلخّص ممّا ذكرنا أنّ كلّ شرط يعدّ مخالفاً لمقتضى العقد ، امّا مخالفاً لماهيته ، أو منشَئه ، أو مخالفاً لأثره غير المنفك عنه عرفاً ، فالشرط فاسد غير نافذ.
    و أمّا الأثر الشرعي اللازم لكون الطلاق بيد الزوج ، فلا يعدّ شرط كونه بيد الزوجة مخالفاً لمقتضى العقد ، لأنّ أسماء العقود أسماء للصحيحة عند العرف ، والمفروض أنّه ليس من الآثار اللازمة عند العرف ، فالعقد محقّق والشرط يخالف الكتاب والسنّة لا مقتضى العقد.

    4. ما يكون مخالفاً لإطلاق العقد
    إنّ هنا آثاراً وأحكاماً يقتضيها إطلاق العقد بحيث لو لم يقيّد بوصف أو وقت أو مكان ، يترتّب عليه الأثر ، وبعبارة أُخرى : ينصرف إليه اللفظ ، أو يحكم بأنّه المقصود ، ما لم يصرّح بخلافه ، فإذا صرّح بالخلاف يكون الثاني هو المتّبع دون إطلاق العقد.


(150)
    وإليك بعض ما يُعدّ من آثار إطلاق العقد ، ويكون معتبراً ما لم يصرّح بالخلاف.
    1. إذا أوصى أو وقف فلازم إطلاق الوقف والوصيّة التسوية بينهم وإن اختلفوا بالذكورية والأُنوثية.
    2. إذا باع فلازم الإطلاق كون الثمن نقداً ما لم يشترط خلافه.
    3. إذا باع المكيل أو الموزون فمقتضى إطلاق العقد هو الكيل والوزن المعتاد في البلد.
    4. إذا زارع فمقتضى إطلاق العقد ، زرع ما شاءه العامل.
    5. إذا باع أو صالح أو آجر فمقتضى إطلاق المعاوضة كون العوض والمعوّض حالّين ، فالمقتضيات متّبعة إلا أن يشترط خلافه.

    ما هو الدليل على بطلان الشرط المنافي ؟
    استدلّ الشيخ على شرطية عدم منافاة الشرط لمقتضي العقد بوجهين :
    أ : وقوع التنافي في العقد المقيّد بهذا الشرط ، بين مقتضاه الذي لا يتخلّف عنه ، وبين الشرط الملازم لعدم تحقّقه ، فيدور الأمر بين أُمور :
    1. الوفاء بالمشروط والشرط معاً ، وهو مستحيل للمطاردة بينهما.
    2. الوفاء بالشرط دون المشروط ، وهو مثله لعدم إمكان الوفاء به من دون المشروط.
    3. الوفاء بالمتبوع دون التابع.
    4. أو الحكم بتساقطهما.
دراساتٌ موجزةٌ في الخيارات والشروط ::: فهرس